هكذا تكلّمت قبعات التخرج في كربلاء!

من النجف الأشرف، وكربلاء المقدسة.. من بغداد، والبصرة، والديوانية، وبابل.. من كركوك، وديالى، وصلاح الدين، وواسط.. من ذي قار ومن سماوة المجد، أقبلت حمائم العفاف لترفع قبعات تخرجها فرحا في أطهر البقاع عند سفينة النجاة وأخيه حامي الخدر.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

قبعات خطت عليها آيات من الذكر الحكيم وكلمات عهد ملئت ايمانا واعتقادا وأملا بفرج قريب يملأ الأرض قسطا وعدلا.. وأخرى كتبت عرفانا لجميل أبوين أيقنا بأن البنت رحمة مهداة فأحسنوا تربيتها.

كتبت واحدة منهن على قبعتها: (وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى).. وكتبت أخرى: (فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ).. وتزينت قبعة احداهن بآية: (َما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) لتعلن أن من كان بعين الله فأنه لا يضيع..

أما المنتظرات لدولة العدل الالهي فقد كان لكلماتهن عبقها المهدوي المبارك حيث خطت احداهن مخاطبة امام الزمان: (تخرجي نذرا لدولتك ايها الموعود).. وأعلنت أخرى ولائها حين زينت قبعتها بعبارة: (بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا).. ولتتوالى كلمات الولاء واحدة تلو الأخرى مع مسيرة العفاف التي تشق طريقها متجهة لضريح المولى أبي الفضل (عليه السلام)، حتى تلفت انتباهك لافتة صغيرة كتب عليها: (ما أجمل الختام حين يكون في ضريحك).. حقا انه مسك الختام لمسيرة حافلة بالعطاء العلمي لبنات الصديقة الكبرى (عليها السلام).

تتسارع الخطى نحو ضريحك، تتقدمها صورة للسيد المرجع الأعلى كتب عليها: (دمت لنا فخرا)، تتسارع بلهفة واشتياق وفرحة نجاح، ولسان حال السائرات اليك يا قمر العشيرة يردد: (نحن على العهد يا حامي الخدر، وزينب منارتنا، نشهد أنك حي عند ربك ترزق، ترى مقامنا وتسمع كلامنا، وتقر عينك بحجابنا)..

تتسارع الخطى وتتوالى القبعات وكلماتها تفرغ عن لسان هذه النسمات الطيبة فعهد تقول فيه احداهن: (شهادتي بخدمتك يا صاحب الزمان).. وأمل تعلنه أخرى: (سيأتي ليكمل الحلم).. وانسانية أظهرتها احدى بنياتنا حين كتبت على قبعتها عبارة: (أطفال مرضى السرطان)، كأنها تريد أن تطوف بهذه العبارة حول قبر باب الحوائج طلبا لشفائهم، وشكرا للعتبات التي تكفلت بهم حين غفل الساسة عن ذلك.

قبعات أخرى حملت كلمات الشكر والثناء للوالدين ولمن كان له الفضل في تحقق حلم حمائم العفة والوفاء فكانت عبارات مثل (توجت تخرجي لصاحب الزمان ولعيني أبي وأمي) وعبارة: ( فعلتها من أجل أمي)، وغيرها من عبارات البر الذي جبلت عليه هذه النفوس الطيبة لبنات عراقنا الحبيب.

ولعل الرسالة التي وجهها ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة (السيد أحمد الصافي) في حفل تخرج بنات الكفيل، حملت الشيء الكثير من العبر وأفصحت عن سرور كبير بهذا المنجز حيث قال سماحته: "السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه وأسعدَ اللهُ بكمْ الأيّامَ وتقبّلَ الطاعات، ذهبَ العناءُ وبقيَ الأجرُ يا أملَ البلادِ واشراقةَ المستقبلِ، أنتنَّ بناتُ النجابةِ ورمزُ العفافِ والقلوبِ الطاهرةِ والنفوسِ الزاهرةِ، أنتنَّ الغرسُ المباركُ في تربةِ العراقِ الحبيبةِ، ليس فيكنّ إلّا الخيرُ والعطاءُ والبركةُ والإصرارُ على المضيّ قُدْماً، إلى غدٍ واعدٍ ومجدٍ تليدٍ وبناءٍ راسخٍ، أرانا اللهُ فيكنّ كلَّ خير".

نعم انهن بنات النجابة ورمز العفاف، الذي اجتهد الاعداء وأدواتهم الذين يخططون ويعملون على اطفاء نور الله الذي لا ينطفيء.. ببركة وجود ودعاء ورعاية صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) وببركات وجود مراجعنا العظام..

(إنّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُراعاتِكُمْ، وَلا ناسِينَ لِذِكْرِكُمْ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْواءُ، وَاصْطَلَمَكُمُ الْأعْداءُ).

*حسين فرحان - كاتب وصحفي عراقي