متهتك: ’ عالم’ يشكو منه أمير المؤمنين (ع)!

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك، هذا يضل الناس عن علمه بتهتكه، وهذا يدعوهم إلى جهله بتنسكه.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وفي هذه المقولة الحكيمة عدة فوائد:

1- قوله: (قصم ظهري) قصم الشيء أي كسره، وقصم ظهره أي أنزل به بلية، والضرر الكبير، ولا ريب في أن هذين الصنفين من الناس ربما لا يلحقان أي ضرر بأمير المؤمنين عليه السلام، ولكن بما أن ضررهما واقع على عموم المجتمع عبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك، لأنه كان يحمل هموم هذه الأمة، ومسؤوليته تجاه أبنائها، والضرر الواقع على الأمة يراه واقعا عليه، ومن كان كذلك فإنه يسعى جهده لرد كل ضلال وانحراف بين أفراد المجتمع المسلم.

وهنا ينبغي التنبيه إلى أن المسلم الحق هو الذي تكون أول اهتماماته هموم المسلمين، وآلامهم، وأول أولوياته نشر الحق والعدل، وقمع الفساد والضلال، إلا أن كثيرا من الناس مع بالغ الأسف لا يهمهم ما يجري في المجتمع من انحراف وفساد وضلال، ما شعر أن ذلك لا يمسه بسوء ولا يلحق به أي ضرر.

2- وقوله: (رجلان) أو (اثنان): أي نوعان من الناس. وهذا يدل على أن هذين الصنفين موجودان في كل عصر، وعلى المسلم أن يحذرهما على دينه.

3- قوله: (عالم متهتك)، والمتهتك هو المتجاهر بالمعصية، فهو بالإضافة إلى أن يفعل المعاصي ولا يراقب الله تعالى في ذلك، فإنه يتجاهر بها أمام الملأ، وهذه معصية أخرى، لأن ذلك يفضي إلى نشر الفساد، وإشاعة المعاصي.

 

4- وقوله: (وجاهل متنسك)، وتنسكه إما بعبادته، ولكنه يتعبد بجهل وعدم معرفة، وهو بسبب حسن مظهره، وكثرة عبادته، يضلل الناس بجهله وقلة معرفته. أو أن المراد بتنسكه أنه لبس لباس العلماء والناسكين، فظن الناس أنه عالم وليس بعالم، أو ناسك وليس بناسك، فانخدعوا به، سهل هذا الوضع عليه تضليلهم.

مساوئ العالم المتهتك:

ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام لما ذكر هذين الصنفين من الناس دل ذلك على أن ضرر هذين ضرر عظيم.

وقد أنشد بعضهم، فقال:

فساد كبير عالم متهتك

هما فتنة للعالمين عظيمة

وأكبر منه جاهل متنسك

لمن بهما في دينه يتمسك

والسبب في أن العالم المتهتك يقصم الظهر عدة أمور:

منها: ما ذكره أمير المؤمنين  ، حيث قال: (هذا يضل الناس عن علمه بتهتكه)، أي أنه يبعد الناس عما يأمر الناس به من الحق بسبب أنه رجل متهتك، والناس لا تسمع وعظه، لا تصدق قوله، لأنهم يرون أفعاله مغايرة لأقواله، ويعتقدون أنه غير صادق في أقواله، لأن أفعاله تكذب أقواله، فلا يكون لقوله أي قيمة عندهم، فلا يتعظون بالموعظة، ولا يرعوون عن معصية.

ولهذا قال الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا

ابدأ بنفسك فإنهما عن غيها

فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

هلا لنفسك كان ذا التعليم

كيما يصح به وأنت سقيم

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

بالرأي منك وينفع التعليم

عار عليك إذا فعلت عظيم

وقد قيل: إن عمل رجل في ألف رجل، أبلغ من قول ألف رجل في رجل.

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمرتكم بشيء إلا سبقتكم إلى فعله، وما نهيتكم عن شيء إلا سبقتكم إلى تركه.

مضافا إلى ذلك فإن العالم المتهتك يجعل الناس يجترئون على المعاصي.

أن هذا العالم يوجب تهمة العلماء الربانين والشك في صلاحهم وتقواهم.

مساوئ الجاهل المتنسك:

منها: ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: (وهذا يدعوهم إلى جهله بتنسكه)، أي أنه لما بدا لهم في زي الناسكين المتعبدين، صار الناس يقتدون به في جهله، أو يصدقونه في جهله، فصاروا يأخذون منه ما يظنونه علما ومعرفة، مع أنه جهل وضلال.

وقد وصف الشاعر أحمد شوقي مثل هذا المتنسك بقوله:

برز الثعلب يومــــــــــــاً

 فمشى في الأرض يهدي

ويقول: الحمــــــــــــد لله

يا عباد الله توبـــــــــــــوا

وازهدوا في العيش إن الـ

واطلبوا الديك يــــــــؤذن

فأتى الديك رسول

عرض الأمر عليه

فأجاب الديك: عذراً

بلّغ الثعلب عني

عن ذوي التيجان

أنهم قالوا وخير الـ

مخطئٌ من ظنّ يوماً

في شعار الواعظينا

ويسبّ الماكرينا

إله العالمينا

فهو كهف التائبينا

ـعيش عيش الزاهدينا

لصلاة الصبح فينا

من إمام الناسكينا

وهو يرجو أن يلينا

يا أضلّ المهتدينا

عن جدودي الصالحينا

ممن دخل البطن اللعينا

ـقول قول العارفينا

أنّ للثعلب دينا

أو أن هذا الجاهل المتنسك صار يحكم على الناس بجهله، فيكفرهم ويفسقهم، لأنه لم يفهم الدين على وجهه الصحيح، فظن أن كل من خالف ما فهمه فهو ضال، أو منحرف، أو زنديق، أو ملعون، فصار يكفر الناس، ويلعنهم، وهذا يوجب تنفير الناس عن الدين بسبب جهله وسوء تصرفه.

أو أن الناس يتركون العبادة أو يبتعدون عن الدين لأنهم يرون جهل هؤلاء المتنكسين، ويرون سوء ممارساتهم، وجهلهم، وعدم فهمهم لأبسط مبادئ الإسلام وغيره.