’إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ’: هل النساء أكثر حنكة ودهاءً من الرجال؟!

الكيد في اللغة هو الحيلة أو التدبير في الخفاء، ولذلك لا يأتي ارتجالاً وإنما يكون مسبوقاً بالتفكير والتخطيط والتدبير، وعليه فإن الكيد هو معالجة العمل والتلبس به بعد التخطيط له على وجه الخفاء.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وهو بهذا المعنى لا يختلف عن المكر فكليهما لا يكونان إلا بتدبير خفي، فمن معاني المكر التخطيط الخفي للوصول الى أمر ما به مضرة الآخر أو نفعه، ومن هنا لا يعد الكيد والمكر أمراً سلبياً بالمطلق وإنما يتبدل بتبدل العنوان، فإن تعلق بالخير كان حسناً وإن تعلق بالشر كان قبيحاً، فهناك بعض الآيات التي نسبت الكيد والمكر لله تعالى مثل وقوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) وقوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) فإمهال الله للكفار والمشركين وعدم معاجلتهم بالعذاب يعد نوعاً من كيد الله بهم، فالكافر بظنه يحسب أنه يخادع الله وهو في الواقع لا يخدع إلا نفسه، قال تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) وبالتالي يضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون.

 فالمكر والمكيدة وإن كانت تطلق في الغالب على من يفعل الشر إلا أنه يصح إطلاقها على من يفعل الخير أيضاً، فالمكر بالأعداء والكيد بهم في الحروب يعد فعلاً حسناً طالما كان ذلك جهاداً في سبيل الله، بينما المكر والمكايدة التي يكون فيها ظلماً للآخرين وتعدياً على الحقوق تعد قبيحة عقلاً ومحرمة شرعاً.

والفعل الذي يتم التدبير له في الخفاء ليس خاص بالنساء وإنما يشمل الرجال أيضاً، قال تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِين) حيث نسبت الآية الكيد لإخوة يوسف وهم من الرجال، وبالتالي يتساوى الرجال والنساء في هذه الصفة ويبقى الكلام عن الفرق بين كيد النساء وكيد الرجال.

وقد وصف كيد النساء بأنه عظيم في قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)، والظاهر من الآية أن هذا وصف على لسان عزيز مصر وليس وصفاً مباشراً من الله للنساء، وبالتالي تكون الآية في مقام الإخبار عما وقع بالفعل ولا علاقة لها بإقرار أو تكذيب ما كان يعتقده عزيز مصر في النساء، إلا أن البعض يعد سكوت القرآن وعدم تعقيبه بالنفي أو الإثبات إقرارا لما جاء على لسان العزيز، ومما لا شك فيه أن امرأة العزيز كادت بيوسف وأرادت أن توقعه في الحرام، وعليه فإن قول العزيز صحيح من جهة كون ما حدث من كيدهن،  ويبقى الكلام في موضوع كونه عظيم، وهل هو بمعنى أن كيد النساء دائماً يكون عظيماً؟ أم في بعض الموارد يكون كذلك وفي موارد أخرى لا يكون عظيماً؟ أم أنه فقط عظيم في نظر العزيز؟ أم أنه عظيم في حال تم مقارنته مع كيد الرجال؟

فبحسب القرائن العقلية لا يمكن الجزم بأن أي كيد من النساء يكون بالضرورة عظيماً بالمطلق، فقد يكون كيد بعض الرجال أعظم من كيد بعض النساء، ولا يمكن أن نقول إن كيد النساء عظيم فقط في تصور العزيز لأن القرآن لم يعقب بالنفي أو الإثبات، فإن كان أمراً مخالفاً للواقع لوجب الاستدراك عليه، والذي يبدو أن كيد النساء عظيم إذا قورن بكيد الرجال في الجملة وليس بالجملة، أي أن الصفة الغالبة في النساء أنهن اكثر حنكة ودهاء من الرجال في وضع الحيل والتدابير ورسم الخطط، وبخاصة في الأمور الاجتماعية والاسرية والشواهد على ذلك كثيرة، والسبب في ذلك أن المرأة ضعيفة بطبعها ولذا تميل إلى الحيلة والتخطيط للوصول إلى مآربها، وكلما كان الشخص ضعيفاً كلما كان أكثر مكراً ومكيدة، وعليه فإن المكيدة في النساء قد تكون مطلوبة فبها تتمكن من تحويل ضعفها إلى قوة، وبالتالي تحافظ بها على حقوقها وتمنع وقوع الضرر والظلم بها، وبالتالي ليست صفة سلبية بالمطلق إذا تم توظيفها في الخير دون الشر.

ويمكن أن يقال إن كيد المرأة عظيم لأنها أكثر تأثيراً في الرجال بما حباها الله من جاذبية خاصة للرجال، ولذلك يقول السيد الطباطبائي في تفسير هذه الآية: (ان كيدكن عظيم وذلك أن الرجال أوتوا من الميل والانجذاب إليهن ما ليس يخفى وأوتين من أسباب الاستمالة والجلب ما في وسعهن ان يأخذن بمجامع قلوب الرجال ويسخرن أرواحهم بجلوات فتانة وأطوار سحارة تسلب أحلامهم وتصرفهم إلى إرادتهن من حيث لا يشعرون وهو الكيد وإرادة الانسان بالسوء ومفاد الآية ان العزيز لما شاهد ان قميصه مقدود من خلف قضى ليوسف (ع) على امرأته)

وبناءً على متقدم لا تصح المقارنة بين كيد الشيطان وبين كيد النساء، فقد وصف الله كيد الشيطان بالضعف في مقابل كيد الله تعالى، مضافاً إلى أن الآية جاءت في مقام تشجيع المؤمنين على القتال، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، فكيد الشيطان ضعيف لأن ليس له سلطة على الإنسان وبإمكان الإنسان التعرف على حيله وخططه والعمل على تجنبها، وفي نفس الوقت قد يكون كيد الشيطان عظيماً إذا تم العمل على وفقه مثل من يقتل الأنبياء استجابة لحيل الشيطان ومكائده، وعليه فإن وصف الكيد بالضعف له اعتبار بينما وصفه بالعظمة له اعتبار آخر.