جولة داخل عقول «الملحدين»: عجرفة وتكبّر.. يتصرّفون كالأطفال!

أنا متأكد من أنك قد رأيتهم من قبل - الأطفال المتعجرفون المدللون. الأطفال الذين لا يحترمون والديهم ومعلميهم وكبارههم وأقرانهم. الذين - لسبب ما - يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، في حين انهم في الواقع لا يعرفون شيئًا، إنهم متعجرفون وبغيضون ولؤماء وأنانيون ويميلون إلى الصراخ.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

إنهم الأطفال الذين يتفاخرون دائمًا بأن لديهم أفضل الملابس، وأفضل الأحذية، وأفضل الألعاب، وأفضل المنازل وأنهم الأفضل في كل شيء بين أصدقائهم. هم لا يتعلمون التواضع أبدًا كما يبدو. فهم يطالبون دائما بأن يكونوا أولا، ودائمو البحث عن الاهتمام، ودائمو الصراخ ليتم اعتبارهم الأفضل. وإذا صادف أن لم يتم منحهم الفضل الذي يعتقدون أنهم يستحقونه، فويل للجاني المذنب الذي يقع ذلك التقصير على عاتقه، سوف يتعرض لنوبة غضبهم المزعجة.

إن نوع الأطفال الذين أتحدث عنهم هم المتعجرفون الذين لا يتقبلون النصح والتسديد من الآخرين، سيما إذا كان ذلك النصح يقدح بحالة التفوق المزعومة من قبلهم. بل إنه غالبًا ما تكون ردة فعلهم هي الغضب والفظاظة. والأسوأ من ذلك، أن هؤلاء الأطفال لا يعرفون أبدًا متى يحتفظون بآرائهم لأنفسهم. وقد وصفهم أحد ذات مرة بقوله ثلثا ما يفكرون به حول موضوع ما مستعار من آبائهم أو أشقائهم الأكبر سنًا، والثلث المتبقي يعتمد على ما إذا كانت لديهم رغبة فورية في شيء ما .

إن أطفالا مثل هؤلاء لا يملكون ما يدعم ايمانهم في الأشياء التي يفعلونها. وينبع موقفهم من شكل من أشكال عدم النضج أو عدم الاستقرار النفسي. ولكن وان حدث وكانت عجرفتهم قد تأسست في ظروف حقيقية - على سبيل المثال، إذا كان الطفل من عائلة ثرية أو كان "موهوبًا" بطريقة ما – فإنها غالبًا ما تكون من أسوأ الأنواع. سيصبح هؤلاء الأطفال المتنمرون سيئي السمعة و "الحاقدين" الذين نراهم اليوم إذا ما تُركوا دون رقابة أو تصحيح.

ولكن سواء أكان تعجرف الطفل ناتجًا عن الثروة أو التربية أو عدم النضج أو انعدام الاستقرار النفسي، أو ببساطة عن تصرف طبيعي، فإن المحصلة هي نفسها دائماً: الوقاحة والسلوك السيئ. وتكون النتيجة النهائية دائمًا طفلًا ذي ظن خاطئ هو أن الجميع تحته، ويقنع نفسه بأنه ـ بطريقة أو بأخرى ـ أذكى وأفضل من أي شخص آخر، في حين أنه في الواقع أسوأ منهم بكثير.

إن معظم من يقرأ هذه الكلمات يكون قد واجه أطفالًا من هذا النوع في وقت ما. إن كنتم قد قابلتموهم من قبل فأرجو ان تثبتوا هذه الصورة في اذهانكم لبضع دقائق فقط، لأنها ستكون ذات قيمة كبيرة، ليس في فهم موضوع هذا الفصل فحسب بل في موضوع هذا الكتاب بأكمله، لأن هذه الصورة النموذجية للطفل المتعجرف المتعالي والمتنمر التي وصفتها للتو هي في الواقع الصورة الدقيقة للملحد التقليدي المعاصر.

وهذا ما يؤكده الواقع المعاش، بما يشهده من تماثل بين صورة الأطفال المدللين سيئي التصرف، وصورة الملحدين الجدد الذين ينشرون الغطرسة السامة في جميع أنحاء المجتمع. انت تعلم من هم. إنهم الأشخاص الذين يستاؤون من أدنى قدر من الصور الدينية في الأماكن العامة، والذين يشعرون بالإهانة من سماعهم كلمة "عيد مبارك" من شفاه موظف حسن النية خلال ايام الأعياد، والذين يعترضون بشدة على عبارة "بالله نثق" على الأوراق النقدية أو على جدران المباني الحكومية. هؤلاء هم الأثرياء الذين يتسببون بعاصفة من الاحتجاج كلما تم الحديث عن شيء ديني صريح وبأي طريقة عدا الهمس أو خلف الأبواب المغلقة. هؤلاء الناس صاخبون، وسيئون، وعدائيون، وغير مستعدين للإعتذار، ولسوء الحظ، هم في كل مكان.

في الصفحات التالية، لن أركز على إثبات وجود الله أو إظهار مدى منطقية أن تكون مؤمنًا به لأن الكثير من الكتب الدينية تناولت هذه المواضيع بإسهابٍ كبير. بدلًا من ذلك، سيكون هدفي الرئيس هنا هو فضح النفاق الصارخ وعدم الأمانة والإفلاس الفكري للملحدين أنفسهم. لأنه عندما تنظر حقًا إلى ما يقوله الملحدون الجدد، فإنك لا تجد حجة منطقية مبنية بعناية ضد الموقف الإيماني؛ بل إنك لا تجد أية حجة على الإطلاق. ما تجده هو الكثير من الكلام السخيف. الكثير من الضجيج، ومن الدوغمائية المتكبرة والفارغة التي لا أساس لها من الصحة، وقبل كل شيء ستجد العجرفة.

لطالما كانت العجرفة هي السمة المميزة للملحدين. إنها لم تبدأ مع ريتشارد دوكينز أو بيل ماهر. فقد بدأت في القرن التاسع عشر عندما أعلن فريدريك نيتشه - قديس الإلحاد وشفيعه، والذي كان الفيلسوف المفضل لأدولف هتلر "أن الله مات وفي قبره" وقد حدد هذا التصريح المنافي للعقل إيقاع العجرفة الإلحادية على مدى المائة عام القادمة.

لقد رفع الملحدون المتطرفون في القرن الحادي والعشرين هذا النوع من الغرور الرنان إلى شكل فني. وكمثال:

    كتب سام هاريس بشكل متغطرس، "لقد حان الوقت أن نعترف بأن الإيمان ليس أكثر من رخصة يمنحها المتدينون لبعضهم البعض ليستمروا في الاعتقاد عندما تفشل المبررات"، وأن "الإلحاد ليس فلسفة، وليس حتى وجهة نظر للعالم، بل هو ببساطة اعتراف بما هو واضح".

ويقول ريتشارد دوكينز باستعلاء: "الإيمان هو العذر العظيم للتهرب من الحاجة إلى التفكير وتقييم الأدلة. الإيمان هو العقيدة بالرغم من - وربما بسبب - عدم وجود دليل".

ويقول بيل ماهر: "الإيمان يعني صنع الفضيلة من عدم التفكير. . . وأولئك الذين يبشّرون بالإيمان ويمكّنون له ويرفعون من شأنه هم المفكّرون النخّاسون الذين يجعلون البشر عبيداً للوهم واللغو الذي أنتج وبرّر الكثير من الجنون".

أما كريستوفر هيتشنز فيقدم لنا موعظته بتعال قائلًا إن "الدين يأتي من فترة ما قبل التاريخ البشري حيث لا أحد. . . كان لديه أدنى فكرة عما كان يحدث. إنه يأتي من طفولة جنسنا البشري الصاخبة والخائفة، وهو محاولة طفولية لتلبية طلبنا الذي لا مناص منه للمعرفة (بالإضافة إلى الراحة والطمأنينة والاحتياجات الطفولية الأخرى)".

 هذه ليست حجج. إنها تهكمات وضيعة كنا نسمعها من الأطفال المتنمرين في ساحة المدرسة. وهي تُظهر تمامًا الإحساس الراسخ بالتفوق الذي يتصور الملحدون في العصر الحديث أنهم يمتلكونه.

إن الملحدين، من خلال السخرية من المؤمنين بسبب "عدم قبولهم للأمر الواضح" و "الإنسحاب" و "التهرب من الأدلة" وكونهم "طفوليين"، يبدون بشكل واضح إنهم يمتلكون نفس السمات المميزة للأطفال المتعجرفين الذين وصفتهم للتو.

ويمكن تلخيص ‏آراء الملحد النموذجي اليوم بالطريقة التالية:

الإيمان بالله ليس مجرد خطأ أو ضلال. إنه بمثابة جنون. إنه مماثل للإيمان بسانتا كلوز أو أرنب عيد الفصح. نظرًا لعدم وجود دليل تجريبي أو علمي على الإطلاق على وجود الله، فلا يمكن أن يكون هناك أساس منطقي للإيمان به. نظرًا لأنه لا يمكن رؤية الله أو الشعور به أو سماعه بالحواس، وبما أنه لا يوجد أي سجل جيولوجي أو أحفوري له، ولأنه لا يمكن إثباته رياضياتياً، فهو ببساطة غير موجود. نقطة نهاية سطر.

ويؤكدون بتعجرف أن السبب الذي جعل الكثير من الناس يؤمنون بالله عبر التاريخ هو أن هؤلاء القدامى الفقراء كانوا يجهلون الحقائق العلمية، ولو كانوا يعرفون ما نعرفه، فلن يؤمنوا أبدًا بالله.

أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يزالون يؤمنون اليوم على الرغم من معجزات الإنجاز العلمي، فمن الواضح أنهم تعرضوا لغسيل دماغ من خلال تربيتهم الدينية، أو لديهم نوع من الحاجة النفسية للإيمان بكائن خارق للطبيعة والحياة الآخرة. ويعتقدون أن هذا الاعتماد يأتي من ثلاثة مصادر أساسية: الخوف من الموت، وعدم الرغبة في قبول الخسارة الدائمة للأحباء، وعدم القدرة على التعامل مع الحياة نفسها.

وبعبارة أخرى، يعتقد الملحدون المعاصرون أن أولئك الذين يؤمنون بالله ينقسمون إلى فئتين عامتين: إما أنهم بلهاء أو جبناء!

هذه ليست مبالغة. هذا حقًا ما يؤمن به الملحدون الجدد. اقرأ كتاب "الإله ليس عظيماً" لهيتشنز، أو كتاب "وهم الإله" لدوكينز، أو كتاب "نهاية الإيمان" لهاريس. عناوين هذه الكتب قد تخون آراء مؤلفيها. لا يقدم أي من هذه الأعمال حجة منطقية مقنعة ضد الإيمان بالله. كلها عبارات هجاء ومساجلات ضد فكرة الإيمان.

خلاصة القول هي أن الملحدين اليوم لا يعترفون بأي صلة بين الإيمان والعقل. وفقًا لهم أن يكون المرء مؤمناً يعني بحكم الواقع أنه يجب أن يكون لديه ذكاء أقل من المتوسط. وهذا يعني أن هذا المرء ليس لديه القدرة على التفكير بعقلانية ويفتقر إلى القوة العقلية والعاطفية اللازمة لمواجهة مشاكل الحياة دون مساعدة من خلال اللجوء إلى الصلاة والدعاء وغيرها من الممارسات "الخرافية". في الغالب يعني أنه على المرء أن يخلو من أي فهم حقيقي للعلم.

الشيء الأكثر إثارة للضحك في رأيهم هذا هو ليس أنه غير عادل أو غير صحيح - وهو بالطبع كذلك - ولكنه مثير للسخرية بشكل غير عادي. في الواقع، إنه من أكثر الحجج إثارة للضحك.

إن نظرة خاطفة على التاريخ تظهر أن النظام الكامل للتفكير العقلاني على هذا الكوكب - بالإضافة إلى كل معرفتنا العلمية تقريبًا - لا يأتي من الملحدين، بل من عقول الرجال والنساء الذين آمنوا إيمانًا عميقًا بالله.

لنضع الفلسفة والمنطق والرياضيات جانبًا للحظة، ونأخذ مجال العلوم كمثال نجري عليه مسحًا مختصرًا لأهم الشخصيات التاريخية.

أرسطو، الذي يعرّف حتى اليوم كأعظم مفكر أنجبته البشرية، والذي نظم التفكير البشري وصنفه إلى فئات مثل علم الأحياء، والفيزياء، وعلم الحيوان ونظرية المعرفة.. كان مؤمناً وكان يؤمن بالتدبير الإلهي، رغم أنه لم يعرف شيئًا عن أنبياء الأديان الرئيسية في العالم.

لقد رفض أرسطو فكرة الكون المادي تمامًا وافترض بدلاً منها، وجود "السبب الأول" أي سبب أول غير مُسبَّب للكون وهذه المقولة هي الطريقة الأخرى التي آمن بها أرسطو بفكرة "وجود اله"..

ماذا عن فرانسيس بيكون؟

مبتكر المنهج العلمي ورائد المذهب التجريبي القائل بأن "كل المعرفة البشرية مستمدة من التجربة الحسية"، ويُنسب اليه الفضل في إنشاء الطريقة الاستقرائية للعلم التجريبي.. رغم هذا، ورغم ما يبديه الملحدون من اعتزاز بالغ بالمنحى التجريبي.. إلا إن بيكون كان رجلًا متدينًا. وقد كانت كلماته المكتوبة الأخيرة على شكل دعاء: "ربي نجني برحمتك وتقبلني بعطفك".

لنختر عالمًا مشهورًا آخر من التاريخ، بشكل عشوائي، وليكن المخترع وعالم الرياضيات وعالم النبات وعالم الفلك والمهندس ليوناردو دافنشي.

يعدّ دافنشي، بالإضافة الى نبوغه في هذه العلوم، واضع جملة من علوم أخرى كعلم التشريح الطبي وعلم الحفريات والجيولوجيا وعلم الآثار الحيوية وتصميم الطائرات ومجموعة من التخصصات العلمية الأخرى. فكان جديرا بأن يوصف بالرجل النموذجي العالمي أو رجل "النهضة". إننا إزاء هذا الرجل نراهن أنه كان مؤمنًا – بعد أن رسم بعضًا من أرقى اللوحات الدينية على مر التاريخ.

جابر بن حيان هو عالم في الفلسفة، والطبيعة، والأدب، والفلك، والكيمياء، وهو مؤسس علم الكيمياء التجريبي، حيث تمكن من استنتاج مجموعة من المعلومات حول الكيمياء، عن طريق التجارب والقراءة التي ساعدته على الوصول إلى العديد من الاكتشافات في مجال الكيمياء، وكان يقول: "إن دراسة العلوم الطبيعية أساسها التجربة، وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان فبالتجربة كمال العلم" .. كان مؤمناً بالله أيضا.

عبقري الفيزياء الحديثة إسحاق نيوتن.. مكتشف مبدأ الجاذبية وأبرز علماء الثورة العلمية في القرن السابع عشر..

دانيال برنولي، من أعظم عباقرة الفيزياء والذي تشكل أعماله أساس تشغيل السيارات الحديثة وجناح الطائرة.

 فيلهلم رونتجن، مكتشف الأشعة السينية والحائز على جائزة نوبل الأولى في الفيزياء؛ وماكس بلانك وماكس بورن، مؤسسا نظرية الكم وميكانيكا الكم.

وفي علم الفلك، كانت جميع الشخصيات البارزة مثل كوبرنيكوس وجاليليو وكبلر. وجميع الشخصيات البارزة في مجال علم النبات - برونفيلس وتورنر وبويرهاف - تؤمن بالله...

والد الكيمياء الحديثة.. الرجل الذي طوّر الجدول الدوري الأول للعناصر وافترض قانون حفظ الكتلة - أنطوان لافوازييه.

مؤسس الكهرومغناطيسية - فولتا، الذي اخترع البطارية والذي سميت وحدة "الفولت" على اسمه؛ وكذلك اندريه ماري أمبير، الذي سميت وحدة قياس شدة التيار "أمبير" باسمه.

مايكل فاراداي، الذي ساعد في تأسيس النظرية الكهرومغناطيسية والتحليل الكهربائي في مجال الكيمياء.

جميع أولئك الافذاذ كانوا مؤمنين بالله.

وكان لويس باستور، الكيميائي الفرنسي الشهير وأحد المؤسسين الرئيسيين لعلم الجراثيم، المعروف باكتشافاته لمبادئ التطعيم والتخمير الميكروبي والبسترة، والذي قدمت انجازاته العلمية الدعم المباشر لنظرية جرثومية المرض، أحد الدعاة الاشداء للايمان بالله ونبذ الالحاد( ).

في الطب، ألبريشت فون هالر، والد علم وظائف الأعضاء الحديث، وويليام هارفي، والد دراسة التشريح الحديثة كانا يؤمنان بالله( ). وكذلك كان ويليام كين، رائد جراحة المخ، وجوزيف موراي الحائز على جائزة نوبل ورائد جراحة الزرع.

في الواقع، كان المؤمنون هم من رواد عصر العلم الحديث بأكمله.

العالم الألماني ويرنر فون براون الرائد في تكنولوجيا الصواريخ، وإرنست والتون أول شخص في التاريخ يقوم بتقسيم الذرة بشكل مصطنع، ووالد التكنولوجيا اللاسلكية - بما في ذلك الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو ونظام الاتصالات العالمي بالكامل - غولييلمو ماركوني. وعالم الرياضيات وفيلسوف التحليل تشارلز باباج الذي يُعرف اليوم بأنه أول عالم كمبيوتر والرجل الذي ابتكر فكرة الكمبيوتر القابل للبرمجة.

كل هؤلاء الرجال آمنوا بالله.

وبينما نحن في موضوع رواد العلم 

من برأيك صاغ مصطلح العلماء في المقام الأول؟

الجواب: هو ويليام ويويل، الذي كان رجل دين، وهو اول من صاغ كلمات "الفيزيائي" و "الكاثود" و "الأنود" والعديد من المصطلحات العلمية الأخرى الشائعة الاستخدام. في الأساس، تأتي اللغة نفسها التي يستخدمها العلماء اليوم من عقل رجل مؤمن.

إن القائمة تطول وتطول وتطول حتى عشرات الحائزين على جائزة نوبل ورؤساء الأكاديميات والمؤسسات العلمية. إنها قائمة تمتد لتشمل العالم والتاريخ. إنها قائمة مذهلة حقًا.

وماذا يفعل الملحدون حيال تلك القائمة؟

لا شيء! إنهم يتجاهلونها ويرفضونها، لأنهم يتجاهلون ويرفضون الكثير من التحديات الأخرى لتفكيرهم. أو يبذلون قصارى جهدهم الضعيف لدحضها. سيقولون، مثلاً، إن هؤلاء العلماء الذين يخشون الله لم يعرفوا عن نظرية التطور أو علم الوراثة أو نظرية الانفجار العظيم. لذلك استنتجوا أن القائمة ليست مثيرة للإعجاب كما قد تبدو.

لكن حتى هذا الاعتراض ينم عن جهل، بتاريخ العلم، قد يصل الى الجنون.

عندما كتب تشارلز داروين أصل الأنواع في عام 1859 - الكتاب الذي قدم نظرية التطور الى العالم - كان بالتأكيد مؤمنًا بالله. صحيح أنه مع تقدمه في السن، كان مشهد المعاناة الإنسانية - كما يقول - يثقل كاهل قلبه وجعله يشك في وجود خالق يهتم بمخلوقاته، لكن داروين كان يعاني دائمًا من قلة إيمانه. كان في بعض الأحيان مسيحيًا وأحيانًا لا أدريًا. لكنه لم يعتقد أبدًا أن نظريته العلمية تتعارض مع فكرة الله. بدلًا من ذلك، كان يعتقد ان الله بالرغم من أنه لم يخلق الأنواع المختلفة على الكوكب بشكل مباشر، لكنه أنشأ بالفعل القوانين الطبيعية التي تحكم الكون - بما في ذلك قوانين التطور. لذلك لم يكن تشارلز داروين، أبو نظرية التطور، ملحدًا.

وماذا عن علم الجينات - الوسائل التي من المفترض أن يحدث التطور من خلالها؟ وفقًا لأنصار النظرية التطورية، لا يمكن للحياة على هذا الكوكب أن تخضع للتطور التدريجي إلا من خلال الطفرة الجينية وعملية الانتقاء الطبيعي. من كان إذن والد هذا المجال البحثي؟

الجواب هو جريجور مندل – رجل دين!

لقد كان هذا الراهب وعالم النبات وأستاذ الفلسفة هو الرجل الذي أدت تجاربه الشهيرة على البازلاء إلى صياغة قواعد الوراثة وإلى اقتراح وجود "جينات" غير مرئية - والتي هي بمثابة أساس علم الوراثة الحديث.

حسنًا، ماذا عن نظرية الانفجار العظيم وهي التفسير الأبرز لكيفية بدء الكون؟ بالتأكيد يجب أن يكون للملحد يداً فيها.

لا - خطأ مرة أخرى!

لقد كان الرجل الذي اقترح نظرية توسع الكون وكذلك نظرية الانفجار العظيم لأصل الكون - التي غيرت بشكل فعّال مجرى علم الكونيات الحديث - الأب جورج لومتر، عالم الفلك ورجل الدين البلجيكي!

نعم أنت سمعت ذلك بشكل صحيح. جاء رجل دين بنظرية الانفجار العظيم! إذا كنت لا تصدق ذلك، ابحث عنه.

ألقى رجل الدين، الذي كان يُدرس الفيزياء في جامعة لوفين الدينية، محاضرة شهيرة عن نظرياته عام 1933 حضرها ألبرت أينشتاين في كاليفورنيا. عندما سمع أينشتاين رجل الدين هذا الذي يدعى لومتر يشرح نظريته، قال: "هذا هو أجمل وافضل تفسير للخليقة استمعت إليه على الإطلاق".

الآن كيف يكون هذا ممكنًا؟ كيف يمكن ان يكون والد علم الوراثة ووالد نظرية الانفجار العظيم رجلا دين؟ ألم يعرف هذان الرجلان بما يبدو أن جميع الملحدين المعاصرين يعتبرونه أمرًا مفروغًا منه - إن النظريات التي اعتنقاها تتعارض مع فكرة الله وتبطل إمكانية وجوده؟ ألم يعلما أن إيمانهما بالله قد أصبح بلا معنى؟ هل كانا حقا بهذا العمى؟

أو ربما هناك تفسير آخر!

هل يمكن أن يكون هؤلاء الرجال العظماء في العلم ليسوا عميانًا على الإطلاق، بل بالأحرى أن الملحدين المعاصرين يفشلون في فهم أبسط مبدأ للفكر العقلاني - أي أن شرح "كيفية" نشوء الكون لا يفسر بأي حال من الأحوال "سبب" ظهوره. اي إنه لا يفسر السر الأساسي للوجود نفسه.

هذا السر لا يمكن أبداً تفسيره عن طريق العلم المادي. حتى لو افترضنا ان نظرية التطور صحيحة، وتطورت الحياة على هذا الكوكب تدريجيًا على مدى ملايين السنين، فلن تنفي بأي حال وجود الله. لماذا؟ لأنه، كما قال أحدهم ذات مرة، إن المعجزة البطيئة تبقى معجزة حالها حال المعجزة السريعة.

لهذا السبب كتب جويل بريماك، عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي الذي طور "نظرية المادة المظلمة الباردة" (التي تسعى لشرح تكوين وبنية الكون)، "منذ سنوات ليست ببعيدة اجتمع علماء الفلك في محاولة لمعرفة قصة متماسكة عن كيف بدأ الكون، ومع وجود نظريات قوية تستطيع تفسير ذلك اليوم فإن ذلك لا ينفي وجود الإله، بل بالعكس يعظم ويوسع فكرة الله بداخلنا".

كما ترى، يبدو أن ما لا يفهمه الملحدون (أو ربما لا يريدون قبوله) هو أنه بغض النظر عن مدى روعة دراسة العلوم والتوسع بها، إلا أنها محدودة للغاية. لن يتمكن العلم أبدًا من الإجابة على السؤال: "من أين أتى كل شيء؟" أو "لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟" أو، "كيف يمكن للمادة أن تكون أبدية؟" أو "لماذا الكون منظم هكذا؟" أو، "كيف نشأت الحياة من اللا حياة؟"

إن الأجوبة على هذه الأسئلة تقع خارج نطاق العلم. لهذا السبب لم يكن أعظم العلماء في التاريخ أبداً ملحدين. حتى ألبرت أينشتاين، الذي لم يعتنق اي ديانة، أبدى نفورًا عندما اعتقد الناس ـ خطأ ـ أنه قد لا يؤمن بالله:

حيث صرح مؤكداً "أنا لست ملحداً ". وأضاف "نحن نرى الكون مرتبًا بطريقة رائعة مطيعًا لقوانين معينة ومحددة ولكننا فقط وبشكل خافت نكاد نفهم هذه القوانين، رغم ذلك ترى أشخاصًا يقولون بعدم وجود إله. لكن ما يغضبني حقًا هو أنهم يقتبسون مني لتأييد مثل هذه الآراء".

كان أينشتاين يعلم أن هناك شيئًا في الكون يفوق فهمه هو أو فهم أي شخص آخر. في الواقع، قال ذات مرة: "إن أروع شعور يمكن ان يملأ الأنسان هو الشعور بالروحانية والغموض – ان هناك سر وراء كل شيء. إنها عاطفة أساسية هي الأصل الحقيقي لكل الفن والعلم. الشخص الذي لا يألف هذه المشاعر، والذي لم يعد يستشعر جلال هذا السر، ويقف متسمراً من البهجة والرهبة، هو شخص في عداد الأموات".

يريد الملحدون منا أن نرفض فكرة الروحانية. يريدون منا أن نصدق أن العالم يتكون من أشياء مادية ولا شيء آخر. يريدون منا أن نصدق أن كل شيء في الحياة - أفكارنا، أحلامنا، عواطفنا، حبنا، كرهنا، آمالنا، فضائلنا، خطايانا، أحزاننا، فنوننا، أعمق رغباتنا للحياة الأبدية - أن كل هذا هو مجرد نتيجة لتفاعلات كيميائية حيوية ولحركة الجسيمات دون الذرية!

هذا ليس تفكيرًا منطقيًا. هذه خرافة!

ومع ذلك، يستمر الملحدون في تكرار شعارهم الغبي: "من السخف الإيمان بإله من الواضح أنه غير موجود. من السخف أن تؤمن بشيء لا يمكنك رؤيته. كل المعتقدات الدينية تتعارض مع الأدلة العلمية والتجريبية. اخترع البشر مفهوم الله، فقط لأنهم يريدون الذهاب إلى الجنة".

ضع في اعتبارك أننا لم نتناول سوى النزر اليسير من المسألة. لقد تحدثنا فقط عن العلماء في هذا الفصل. لم نذكر حتى أعظم المؤرخين والرسامين والنحاتين والمهندسين المعماريين والموسيقيين والروائيين والشعراء والجنرالات والملوك والمستكشفين والأطباء. ليس لدينا الوقت أو المكان لسرد الشخصيات البارزة في هذه المجالات. ولكن إذا فعلنا ذلك، فكن مطمئنًا أن الغالبية العظمى تؤمن بالله.

مرة أخرى، لا أهدف هنا الى إثبات وجود الله من خلال تقديم قائمة بجميع المؤمنين اللامعين، ولا الى اثبات صحة دين معين، ولا حتى دحض موقف الملحدين. هدفي ببساطة هو إظهار الغطرسة المذهلة للملحدين في العصر الحديث. يسخر هؤلاء المتشددون المتكبرون من المؤمنين لكونهم "طفوليين" و "غير راغبين في مواجهة الحقائق"، ومع ذلك فهم لا يرفضون فقط أعظم شخصيات العلم ولكن أيضًا أعظم العقول في التاريخ - وكذلك الغالبية العظمى من الناس من جميع الأماكن وفي كل العصور.

وهذا ما يعيدنا إلى مثال الأطفال المتعجرفين الذين بدأنا معهم. يمكنك اصطحاب الأطفال من هذا القبيل باليد وشرح أفكارك لهم بصبر. ويمكنك أن تبين لهم مئات الأمثلة عن سبب كون سلوكهم فظًا ومتعاليًا. يمكنك محاولة كل شيء ممكن لتكون مهذبًا وتجادل معهم بشكل معقول. لكن لا شيء من ذلك سيجدي نفعًا، فالفطرة السليمة والاحتكام إلى المنطق ليسا ذا فاعلية إزاء التكبر والفهم الخاطئ المترسخين بعمق.

*من  كتاب: داخل العقل الملحد  - أنطوني ديستيفانو - ترجمة شعبة البحوث والدراسات في العتبة الحسينية