كيف نرد على من يشكك في القرآن؟!

هناك فرق بين الشك العلمي الذي يرتكز على مبررات موضوعية ومنهجية، وبين الشك النفسي القائم على الهوى والظنون.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 فالغرض من الشك المنهجي هو التأكد علمياً من صحة قضية ما.

 بينما الشك النفسي ليس له غرض علمي غير العبث بالحقائق التي تسالم عليها العقلاء.

 فالبحث العلمي لا يعد بحثاً علمياً إذا لم يكن مشتملاً على أحد صورتين:

 الأولى: الكشف عن شيء لم يكن معروفاً، من خلال معطيات تقود الباحث إلى ذلك الكشف.

 والثاني: التأكد من صحة الحقائق المتسالم عليها، أما بتفنيد أدلتها أو بتدعيمها بأدلة جديدة.

 وعليه فإن الشك المنهجي يقوم على افتراض أولي وهو عدم التسليم بمسألة ما، ومن ثم البحث فيها من جديد، فإما أن يتأكد من صحتها فيزاد يقينه، وإما أن يفندها ويضع بديلاً عنها مسألة جديدة، وهكذا يقوم الباحث بحشد الشواهد والأدلة بتجرد كامل وبدون ميول نفسية أو مؤثرات غير علمية، وفي النتيجة يستخلص الباحث رؤيته العلمية حول المسألة المبحوثة.

 فالشك المنهجي يقوم أساسا على إيجاد اليقين وليس محاربة اليقين.

 وكون الشك المنهجي مقبول كمنهجية علمية لا يعني فتح الباب واسعاً للشك في الأمور الواضحة واليقينية؛ لأن ذلك يعد نوعاً من العبث غير المبرر، فالشك بالمعنى المنهجي لا يحدث إلا بعد توفر قرائن واحتمالات عقلائية تستدعي التحقق من جديد في المسألة.

 ومن هنا لا يمكن الرد على عنوان عام يفترض وجود من يشكك في القرآن دون أن نقف على مبررات ذلك الشك، فالسؤال الذي يسبق هذا السؤال هو؛ ما هي المبررات الموضوعية والشواهد التي ارتكز عليها في تشكيكاته؟ ومن دون ذلك لا يمكن التصدي لكل من أراد أن يشكك في القرآن، فليس المهم أن نمنع تشكيك المشككين وإنما المهم أن نمنع المبررات العلمية التي تقود إلى التشكيك.

فالشك النفسي أو الشك من أجل الشك حالة مرضية تجعل البعض في حيرة دائمة وتردد مستمر، قال تعالى: (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) وقد يعود مثل هذا الشك إلى اضطرابات نفسية بسبب التربية أو المحيط الفاسد أو إلى وساوس شيطانية أو إلى غير ذلك.

وفي المحصلة فإن الإسلام طالب الجميع بتحقيق اليقين وبخاصة في الأمور الاعتقادية، وعليه: باب البحث والتحقيق مفتوح أمام المكلفين، ولا يعني هذا فتح الطريق أمام عبث المشككين الذين ينطلقون من مبررات غير علمية، وإنما يجب الالتزام بالضوابط العلمية والمنهجية بشكل صارم حتى لا يكون أمر الدين فوضى بيد العابثين.

وقد واجه علماء الإسلام كل التشكيكات التي يتذرع بها بعض المنكرين للقرآن الكريم وقاموا بتفنيدها حتى لم يبقى مبرر موضوعي يتشبث به من يحترم عقله وتفكيره.

 فبالنسبة للقرآن يدور الأمر بين أن يكون نازلاً من عند الله أو أن يكون من صنع الإنسان.

 وعليه ينحصر البحث في إمكانية مجاراة الإنسان للقرآن وقدرته على الإتيان بمثله، وقد استخدم القرآن نفس هذه الطريقة عندما تحداهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، فكان التحدي هو الذي يقطع الريبة ويزيل الشكوك، فبعجزهم عن ذلك تتم النسبة ويتحقق المطلوب، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وقال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وقال (قل لَئِن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون) وغيرها من الآيات التي تثبت وقوع التحدي كما أثبت التاريخ والواقع عجز الإنسان عن معارضة القرآن والاتيان بمثله وسوف يستمر عجز البشر إلى قيام الساعة.