تغزّل ولم يفحش: لماذا كتب الشريف الرضي الشعر الغزلي؟

الشريف الرضي هو أبو الحسن محمد بن الطاهر الأوحد ذي المناقب أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى الكاظم (عليه السلام)، وقد عُرف بالعلم والفضل والشعر، وكان عفيفاً عالي الهمّة متديناً، صرّح بفضله ومكانته الكثير من الأدباء والنقاد، ومن ألقابه التي اشتهر بها (نقيب النقباء)، (الشريف الاجّل)، (ذو المنقبتين)، (الرضي ذو الحسبين).

فقد كان أديباً بارعاً في النثر والشعر، فامتازت كتاباته في العلوم اللغوية والشرعية بقوة العبارة ورصانة اللفظ، ويشهد على ذلك ما كتبه في نهج البلاغة، وكتابه خصائص الائمة، مضافاً إلى اهتمامه بشرح الخصائص البلاغية للقرآن الكريم كما في كتابه (حقائق التنزيل) و(مجاز القرآن).

أما في الشعر فقد كان شاعراً شيعيّاً، شديد الإيمان والاعتقاد بأصول التشيّع، ولعلّ من أسباب عدم اهتمام بعض النقاد به وبشعره هو تشيّعه وإيمانه الخالص بأهل البيت (عليهم السلام) وولاؤه لهم. فقد كان حريصاً بشعره على تقديم النصح ما وسعه ذلك، ويجهد في أن يكون معلم الاخلاق في كلّ قولٍ وفعلٍ، وقد غلبت على شعره الحماسة والفخر، كما برع في الرثاء والغزل العفيف، يقول الفاخوري عن شعره: (كان شعره تغنياً بحبّه وآلامه ونشيداً من أناشيد الفخر والعزة)، ولذا قيل عنه أنه أشعر الطالبيّين.

أما الغزل في شعره فحسبه أنّه تغزّل ولم يفحش، فهو ابن السادة الأشراف المعروفين بالتقى والورع، فمكانته الدينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة تجعله يترفّع عن الفحش في القول، فحافظ الشريف على تعاليم دينه واعتبرها أساساً في التخلق، (وهكذا فقد كان الشريف الرضي في الغزل مهذّباً رقيقاً، وهو رجل إحساس مرهف ينثر على طريق الحج فلذ قلبه وكبده)، يقول الفاخوري: (والغزل عند الشريف أمانِ وتحيّات، والتياع وأشواق، وإرسال العبرات والنظرات، وخفقات فؤاد يروعه البين، وتقطعه حسرات وأسئلة ومناداة، وكل شيءٍ ما عدا الفظاظة والقباحة والقاذورات)، ولذا يعد الشريف الرضي من رواد المدرسة العذريّة بما تحمله من خصائص ومميّزات.

وقد سميت غزليّات الشريف (بالحجازيّات)؛ لأنه أنشدها في مواسم الحجّ على الجبال وفي الأغوار، وعلى حدّ تعبير زكي مبارك في كتابه عبقرية الشريف الرضي (لا مفرّ من الاعتراف بأنّ الشريف كان مثال الجرأة والشجاعة حين استطاع أن يؤرّخ هواه في أيّام الحجّ بقصائده الحجازيّات، وهذه الجرأة كانت من فيض الشاعريّة. فإنّ الشاعر الحقّ أشجع الناس وأقدرهم على الاستهانة بالمكاره والحتوف، والشريف أشجع الشعراء وأشعر الشعراء).