باحثة أمريكية: السيستاني استطاع بـ «كبسة زر» أن يشل حركة «بول بريمر» في العراق

ألفت الباحثة الأمريكية Caroleen Marji Sayej كتاباً عن المرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني ووصفته بأنه "آية الله وطني" وأنه حافظ على وحدة العراق وحال دون تقسيم البلد إلى "أشلاء" بناءً على الخطة التي رسمتها الولايات الأمريكية المتحدة، على حد وصفها.

الباحثة كارولين سياج، أستاذة جامعية في جامعة  (Connecticut ) في لندن متخصصة في العلوم السياسية، قدمت عرضاً لكتابها وما يحتويه عبر برنامج TEDX العالمي.

تنويه: ما تذكره الباحثة من أراء ومعلومات وتواريخ لا يتبنّاه «موقع الأئمة الإثني عشر»

وفيما يلي ترجمة ما ذكرته الباحثة كارولين يقدّمها لكم قسم الترجمة في موقع الأئمة الإثني عشر:

"لا يحق لسلطات الاحتلال تسمية أعضاء الجمعية المكلفين بصياغة الدستور. ليس هناك ما يضمن أن هذه الاتفاقية ستصوغ دستورا يدعم مصالح الشعب العراقي ويعرب عن هويتهم الوطنية"

أعلاه جزء من نص أصدره آية الله السيستاني في العراق بعد عام 2003.

لقد واجهت سلطة التحالف المؤقتة بعد الإطاحة بصدام حسين بثلاثة أشهر أزمة تتعلق بمشروع بناء الدولة في العراق، حيث عيّنت سلطة التحالف المؤقتة مجلسًا يتألف 24عراقياً من الذين كانوا في المنفى والذين كان عليهم المشاركة في صياغة الدستور الجديد.

 في ذلك الوقت، لم يتوقع بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة، ما الذي سيحدث مباشرة بعد قرار تعيين كتّاب الدستور، إذ أصدر آية الله العظمى السيستاني، وهو أكبر رجل دين في العراق اليوم، مرسومًا دينيًا أو ما يعرف لديهم بـ "الفتوى" أعلن فيها أنه على الجمعية المنتخبة فقط صياغة دستور جديد للعراق، وما كان من بول بريمر آنذاك إلا أن ينظر للسيستاني على أنه رجل دين ساخط ومتقدم في السن!

ما لم يكن يتوقعه، بريمر، هو أن هذه الفتوى التي أصدرها السيستاني كانت بمثابة "كبسة زر" شلت العملية برمتها، فالفتوى الزمت الشيعة في العراق بوقف العملية تماماً، عندها عرفوا أن السيستاني الشخصية السياسية الأكثر تأثيراً في العراق.. إلى هنا لم تنجح الخطة الأمريكية في بناء الدولة.

الصورة الرئيسية

السيستاني يحترم الديمقراطية

رغم أن الشيعة في العراق يشكلون نسبة 65% من سكان البلد، إلا إنهم لم يفكروا باغتصاب السلطة وتشكيل دولة على مقاسهم بعد 82 عاماً من تهميشهم من ضمنها فترة حكم صدام حسين الذي عانوا خلالها اشد المعاناة، كان بإمكانهم المطالبة بقطعة من الكعكة، إلا أنهم أصروا على الالتزام بمبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.

لقد أثبت رجال الدين، وفي طليعتهم آية الله السيستاني أنهم يحترمون مبادئ الديمقراطية، وأثبتوا أيضا أنهم أكثر الأصوات تقدمية في الدولة العراقية الجديدة.

السيستاني أفشل مشروع تقسيم العراق

إذا نظرت إلى خريطة للعراق، فإنك ستعرف بشكل أفضل حقيقة الخطط الأمريكية لإعادة هيكلة هذا البلد، إذ كانت مبنية على ثلاثية معروفة وهي محافظات الشمال للأكراد، وبغداد للسنة، ومحافظات الجنوب للشيعة.

كان هذا التخطيط على غرار ما يحدث ببقية دول الشرق الأوسط الحديث، ربما أنهم كانوا يفكرون بصنع ما كان يفعله "ونستون تشرشل" الذي كان يصنع الدول وحدودها بعد تناول وجبة من الحساء!.

لكن هذا ليس كل شيء، بل هناك المزيد، حيث أن الولايات المتحدة عند دخولها إلى العراق عام 2003 افترضت أن الشيعة يريدون الانفصال وأنهم سيحيون الجنود الأمريكيين بالحلوى والزهور.

على مدار عقود حكم صدام الحسين كان طائفياً، وهذا الأمر دفع الولايات المتحدة إلى وضع سلسلة من السياسات لتحقيق هدفها بتقسيم العراق على أسس طائفية، كسياسة اجتثاث حزب البعث الذي يتكون أساسًا من السنة الذين كانوا في السلطة، بعد ذلك وفرزت المرشحين حسب رغبتها ومعظمهم كانوا من الغربيين المتعلمين والعلمانيين الذين قضوا معظم حياتهم في أوروبا أبعدت كل هؤلاء، وفرضت النموذج الديني للدولة الذي رسخ الفكرة الطائفية.

وهكذا افترضت أن السنة سيصوتون فقط للسنة، والشيعة سيصوتون فقط للشيعة، وهكذا دواليك. هذا النمط الذي وضعته الولايات المتحدة أدى إلى مشاكل عديدة في العراق، وأصبح العراقيون أمام طريق طويل محفوف بالمخاطر.

المحافظة على وحدة العراقيين

انسحبت الولايات المتحدة من العراق بحلول ديسمبر 2011 وتركت خلفها وضعاً أمنياً هشاً، هناك تفجيرات وفصائل مسلحة متغلغلة في تشكيلات الدولة وأجهزتها، وكان على العراقيين ان يحسنوا التعامل مع هذه الفوضى، وسط هذه الأجواء، كان على رجال الدين الشيعة ومنهم السيستاني، الأعلى رتبة بينهم، ان يجتازوا هذه المرحلة مع ما يرافقها من فوضى حقيقية.

في تلك الأثناء، كان السيستاني أكثر الأصوات صراحةً للمساعدة في إعادة بناء شكل الدولة بالطريقة التي تضمن الوحدة العراقية لا التشكيل الطائفي الذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد كتب السيستاني وممثليه مواقفهم بغزارة وأصدروا فتاوى قوية، وحشدوا مئات آلاف من الناس في الشارع ردا على المبادرات الأمريكية على الأرض، كان لدى السيستاني ورجاله شكوك حول الافتراضات الأمريكية، فعملوا بجد على فضح اساطيرهم، وتحدثوا عن كل المراحل التي مر بها العراق سابقاً وكيف واجه فرضية التقسيم، وأن هذا البلد كان دائماً نموذج للتعايش المختلط بين السنة والشيعة وباقي المكونات الأخرى.

الطوائف في العراق متداخلة فيما بينها، هنالك زواج بينهم وتعاون مشترك حتى أصبحوا مزيجاً واحداً، إلا أن أمريكا حاولت أن تلقي اللوم على صدام حسين وتقول أنه كرس الطائفية من خلال حكمه على مدار عقود، فقد حكم بتعذيب وطرد الشيعة، وحاول تجريدهم من هويتهم العربية، ووصفهم بأنهم فرس، لكي لا يستطيعوا أبدا المطالبة بالدولة.

الصورة الرئيسية

السيستاني لا يحب الخطب الرنانة

ولكن مع ذلك، بقي مراجع الشيعة أوفياء لمبادئهم المتمثلة في عدم التقسيم رغم إصرار الولايات المتحدة التي كانت تتحدث دائماً عن تقسيم العراق إلى أشلاء.

أكبر رجل دين في العراق -صاحب الفتوى التي عرضتها في بداية حديثي - هو إيه الله السيستاني. وهو المرجع الأعلى، اي لديه مقلدين اكثر من أي مرجع في العالم اليوم، داخل وخارج العراق.

السيستاني ترك السياسة في السابق فقبل عام 2003 أصدر فتوى سياسية واحدة فقط، هذا على الأرجح لأنه كان يمارس التقية ففي عام 1980، ومرة أخرى في عام 1999، قام صدام حسين بإعدام اثنين من كبار المراجع. لكن مرة أخرى، كان ينظر إلى السيستاني من خلال هذه العدسة الثنائية.

يمكننا أن نتصور أن المراجع في النجف هم الأكثر هدوءاً في العراق، وعلى العكس من بعض نظرائهم في إيران. السيستاني ومن هم على شكله في النجف الأشرف عاكفون على التأليف والتدريس ولا علاقة لهم بالسياسة؛ أما على الجانب الإيراني، الجميع يعرف ما يمثل 1979، حيث الدولة الإسلامية الشيعية الأولى التي من الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن متحمسة لها.

مواقف آية الله السيستاني السياسية مختلفة تماماً عن مواقف الخميني في إيران، فهو يتحدث دائماً عن مسؤولية الحكومة والأنظمة العالمية، ولا يحب الخطب الرنانة والكلمات المنمقة، إنه واقعي بحت، ويبحث عن سياسة فعلية وحلول فعلية ويحترس دائماً من مخاطر الفدرالية والطائفية.

ترجمة: ضرغام الكيار

مراجعة وتحرير: حسين درويش