نهج البلاغة

الإمام علي (ع) لم يقل: «لا تكن صلباً فتُكسر»!
ما صحة نسبة هذا الحديث إلى الإمام علي (ع): "لاتكن صلباً فتُكسَر ولا ليناً فتعصر"، و "لا تكن رطباً فتعصر ولا يابساً فتكسر"، و "لا تكن رطباً فتعصر ولا صلباً فتكسر"؟ الجواب من منصة الأحاديث المكذوبة والمحرّفة على أهل البيت (ع):

١- لم يرد عن الإمام علي (عليه السلام) في مصادر السنة والشيعة التي وصلتْ إلينا.

٢- مذكور كمثل من أمثال العرب وكحكمة من حكم الحكماء وسننقل بعض مصادرها.

فقد جاء في كتاب غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة، ص ٣٨٧ ،لمحمد بن ابراهيم بن يحيى الكتبي (الوطواط)، المتوفى سنة (٧١٨)هـ.

أوصى حكيم ولده فقال يا بني عليك بالتقدير بين الطرفين لا منع ولا اسراف ولا بخل ولا اتلاف لا تكن رطباً فتعصر ولا يابساً فتكسر).

والتمثيل والمحاضرة وخاص الخاص لأبي منصور الثعالبي المتوفى سنة(٤٢٩)هـ

وزهر الآداب وثمر الألباب، إبراهيم بن علي الحصري القيرواني المتوفى سنة(٤٥٣)هـ 

وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال، ص ٣٣١ لأبي عبيد البكري الأندلسي الأونبي المتوفى سنة (٤٨٧)هـ

ومجمع الأمثال للميداني المتوفى سنة (٥١٨)هـ .

٣- من يريد نقله كحكمة أو مثل فلينقله لكن لاينسبه الى الإمام علي (عليه السلام).

المصدر: الأحاديث المكذوبة والمحرفة على أهل البيت (ع)
2023/08/20
أمير المؤمنين (ع) يجيب عن سؤال كبير: كيف نشأ الكون؟

*لبيب بيضون

‏يضع لنا الإمام علي عليه السلام في نهجه نظريه متكاملة عن نشوء الكون والعالم، ما زال العلماء يتخبطون في فرضياتهم عنه، دون أن يصلوا الى نتيجة.

وفي نظري أن هذه النظرية كانت أعظم خطوة جريئة خطاها الامام على عليه السلام ليخبرنا عن عالم مضى وانقضى منذ ملايين السنين، حين لم تكن أرض ولا سماء وانما فراغ وذرات. فمن الذي أنبأه بهذا؟ ومن أين استمد هذا العلم؟ من غير نبع العلم الإلهى!: «عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا».

‏يفترض الإمام علي عليه السلام أنه أول نشوء الكون، خلق الله سائلاً (عبر عنه بالماء) هو ما يسميه علماء اليوم "بالهيولى الذرية" وهي تتألف من الجسيمات العنصرية (كالبروتون والنترون والإلكترون)، التي صنعت ‏العناصر فيما بعد؛ كالهدرجين والهليوم والليثيوم والكوبون ... الخ. وهذه الجسيمات إن وجدت مجتمعة بهذا الشكل في الهيولي تكون ثقيلة جدا، وأثقل من المواد الموجودة على الأرض بآلاف المرات. لذلك كان لا بد لحملها في الفضاء ومنعها من الانتشار والتبعثر من ريح قوية جدا، سماها الإمام عليه السلام بالريح العاصفة، تحيط بالهيولي من كل جانب كالوعاء، فتجمعها إلى بعضها.

ثم تأتي ريح من نوع آخر سماها الإمام عليه السلام بالريح العقيم، فتلعب بالهيولي من جانب واحد هو سطحها السائب، فتمخضها كما نمخض اللبن في السقاء، وتصنع منها أول غاز ملأ الكون وهو غاز الهدرجين، الذي عبر عنه القرآن بالدخان، في قوله تعالى: «ثم أستوى إلى السماء وهي دخان» (فصلت : ١١ ‏).

‏وبتحريك هذا الهدرجين في دوامات متمركزة، نشأت فيما بعد الأجرام والكواكب، التي شكلت المجموعات والمجرات، التي هي الآن موجوده في السماء، سواء لم نرها في النهار، أو رأينا طرفا منها في الليل، تسبح الله وتسير على هدى الله، سابحه في أفلاكها و مساراتها، وملزمه بحركاتها ومداراتها. فسبحان من برأها على غير مثال مضى، وأنشأها على غير نظير يحتذى.

‏يقول باب مدينه العلم عليه السلام: في الخطبة الأولى من نهج البلاغة: "ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء. فأجرى فيها ماء متلاطما تياره، متراكما زخاره. حمله على متن الرمح القاصفة، والزغزع العاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق (‏أي منبسط)، والماء من فوقها دفيق".

‏ثم: "ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها، وأدام مربها، وأعصف مجراها، و ابعد منشأها. فأمرها بتصفيق الماء الزخار، واثاره موج ‏البحار فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره. حتى عب عبابه، ورمى بالزبد ركامه. فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق (أي مفتوح واسع)، فسوى منه سبع سموات؛ جعل سفلاهن موجا مكفوفا، وعلياهن سقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار ينظمها ".

2019/08/07
التربية الأسرية من فكر الإمام علي (ع)

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أي بُني إني.... بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النفور. وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك» [1].

يضع أمير المؤمنين (عليه السلام) في طليعة اهتمامه على ما يبدو في فكره مسألة توثيق العلاقة الروحية في أجواء الأسرة من وجهة نظر إسلامية، موازنة بين المطالب الدنيوية والمطالب الأخروية طبقا لقوله تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا» [2]. وهذا التوازن يقتضي بطبيعة الحال العمل في أولويات الواجبات التي تناط بالأسرة.

فيرى الامام (عليه السلام) من الواجب على الآباء أن يراعوا أبنائهم في كل مرحلة من مراحل نموهم ويغذوهم بما يحتاجونه من زاد ثقافي وأخلاقي بما يتناسب وكل مرحلة، وبصدد هذه المراحل ونمو العلاقة التربوية يقول (عليه السلام): «فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت مئونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه»[3].

ومن هنا يستوقفنا أيضاً قول الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «يثغر الغلام لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرّق بينهم في المضاجع لعشر ويحتلم لعشر، ومنتهى طوله لاثنتين وعشرين، ومنتهى عقله لثمان وعشرين سنة الَّا التجارب» [4]. الذي يتماشى مع نمو الفرد بحيث لا تنفك عن مراقبته طوال حياته. وهذه المسؤولية الخطيرة ليست قصرا على الأسرة وحدها بل هناك حقوق لابد من تهيئتها من قبل الدولة ويجب المحافظة عليها، لتوفير الحياة السعيدة وإزالة الجهل من نفوس الناس يقول (عليه السلام) «أما بعد: فإن لي عليكم حقا، ولكم علي حق، أما حقكم علي: فالنصيحة في ذات الله، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا» [5].

يشير الامام (عليه السلام) في كلامه إلى ضرورة توعية الناس بكيفية المحافظة على الحقوق المتبادلة في المجتمع وفي الأسرة، التي تعد نوعا من التربية، كحقوق الآباء على الأبناء وحقوق الأبناء على الآباء، ويضع (عليه السلام) في ذلك أسسًا وموازين في كيفية استرشاد الأمور التربوية الإنسانية الصحيحة، التي تهدف لانتشال الإنسان من مهاوي الخوف والسمو بالنفس وصيانة الكرامة والتبصير بأساليب الحق.

ويدرك الإمام (عليه السلام) أن الأساليب التربوية لا تعدوا أن تكون ومضات سريعة بل تحتاج الوقوف عند كل موقف من مواقف الأبناء وما ينبغي أن يتربوا عليه ويستسقوا التعاليم الصحيحة، وفي هذا يقول (عليه السلام): «ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية»[6].

إشارة الى الشعور بالمسؤولية بأن يكون الوالد شفيقا على أولاده، وينظر في مصالحهم والاهتمام بأحوالهم، وابتدائهم بالتعليم والتأديب، وتوفير المناخات الروحية والنفسية لهم، عبر تعليمهم كتاب الله والوقوف على أحكامه وتشريعاته من حلال وحرام.

فالإنسان الذي يشعر بالمسؤولية من وجهة نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المقتدر على التعامل مع أسرته ومجتمعه على أسس أخلاقية تصون مكانته كإنسان من خلال احترامه لنفسه ومحافظته على كرامته وتحمل المسؤولية تجاه غيره.

الهوامش:

----------------

[1] ـ نهج البلاغة,  خطب الإمام علي ( ع ),  3 /40 .

[2] ـ سورة القصص: 77 .

[3] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه,  محمد تقي المجلسي ( الأول ), 13 /82 .

[4]ـ  الوسائل باب 74 حديث 5 من أبواب أحكام الأولاد ، ج 15 ص 183

[5] بحار الأنوار,  العلامة المجلسي,  34/49 .

[6]ـ   نهج البلاغة,  خطب الإمام علي ( ع ),  3 /41 .

2018/07/19
حرية العقيدة في حكومة الإمام علي (ع)

صرَّح الإسلام بحرية العقيدة، وقد وردت في ذلك آيات قرآنية صريحة الدلالة بحرية الانتماء الديني والعقدي، ولم يُؤثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه أجبر شخصاً على الإسلام، وإنَّما كان يدعو إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة، وحتَّى عندما أسَّس الحكومة الإسلامية في المدينة المنورة، فإنَّه لم يلغِ الآخر المختلف، وإنَّما أسَّس لعلاقاتٍ سلمية مع النصارى واليهود الذين كانوا في المدينة المنورة، وقد عقد معهم المعاهدات التي تنظِّم الحقوق والواجبات، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعامل معهم ولم ينعزل عنهم، وقد استمرَّ على ذلك مدَّة حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) مُطبِّقاً لمبدأ حريَّة العقيدة الذي نادى به القرآن الكريم في قوله تعالى : ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) [سورة البقرة: 256] .

وقد سار على هذا المنهج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان معترفاً بالآخر المختلف طيلة مدَّة حكمه، ولم يسعَ في يومٍ ما إلى إلغائه أو التجاوز على حقوقه أو واجباته، وإنَّما كان الآخر فرداً من أفراد دولته له ما للمسلمين وعليه ما عليهم . وهناك شواهد كثيرة على ذلك تحكي قمَّة التعامل الإنساني الذي كان أمير المؤمنين يتعامل به مع المختلف معه في العقيدة سواء أكان المختلف مسلماً بأن يرى الدين من منظار مخالف له أم كان غير مسلم.

ومن المواقف التي تشير إلى حرية العقيدة في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) ما نُقل عنه (صلوات الله عليه) أنَّه ((مرَّ شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): ما هذا ؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني: فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ! ! انفقوا عليه من بيت المال))([2]) .

فلم تقف عقيدة النصراني حائلاً بينه وبين حقوقه، وإنَّما كان على الرغم من عقيدته المخالفة للدين الإسلام صاحب حقوق في نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) له كرامته التي أقرَّها له القرآن الكريم، قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) [سورة الإسراء: 70] .

هذا على مستوى الآخر المختلف غير المسلم، وأمَّا من تجري عليه أحكام الإسلام، وهم مختلفون مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في فهم الدين والعقيدة، فهم كذلك كانت لهم حرِّيتهم في العقيدة، وما كان من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلَّا أن نصحهم وأوضح لهم طريق الحقِّ والصراط القويم، ولم يُجبر أحداً منهم على عقيدةٍ معينة . ومن أولئك الخوارج الذين خرجوا على حكمه (صلوات الله عليه)، وهؤلاء وصل بهم الأمر أن كفَّروا أمير المؤمنين (عليه السلام) إلَّا أنَّه لم يتعرَّض لهم ما لم يُقاتلوه، وفي شواهد كثيرة منها: ((قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمَّا اعْتَزَلَتِ الْخَوَارِجُ دَخَلُوا رَأْيًا وَهُمْ ستة ألف وَأَجْمَعُوا أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ. قَالَ: وَكَانَ لَا يَزَالُ يَجِيءُ إِنْسَانٌ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْقَوْمَ خَارِجُونَ عَلَيْكَ- يَعْنِي عَلِيًّا- فَيَقُولُ: دَعُوهُمْ فَإِنِّي لَا أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُونِي وَسَوْفَ يَفْعَلُونَ)) ([3]). ومن ذلك أيضاً أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يخطب في الناس ((فَقَالَ رجل من جانب المسجد: لا حكم إلا لِلَّهِ، فقام آخر فَقَالَ مثل ذَلِكَ، ثُمَّ توالى عدة رجال يحكمون، فَقَالَ علي: اللَّه أكبر، كلمة حق يلتمس بِهَا باطل، أما إنَّ لكم عندنا ثلاثا مَا صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد اللَّه أن تذكروا فِيهَا اسمه، وَلا نمنعكم الفيء مَا دامت أيديكم مع أيدينا، وَلا نقاتلكم حَتَّى تبدؤونا، ثُمَّ رجع إِلَى مكانه الَّذِي كَانَ فِيهِ من خطبته.

قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنَا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيد، أن حكيم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيد البكائي كَانَ يرى رأي الخوارج، فأتى عَلِيًّا ذات يوم وَهُوَ يخطب، فَقَالَ:

((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)) [سورة الزمر: 65] ، فقال علي [عليه السلام]: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ[سورة الروم: 60]))([4])

وهكذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مطبِّقاً لأحكام الشريعة في احترام حريَّة العقيدة، سواء أكان المختلف معه تجري عليه أحكام الإسلام أم كان من الذين يدينون بغير الإسلام، وهذا الحق هو ما يُنادى به اليوم، إذ يُعدُّ من أرقى ما وصلت له الإنسانية في تحضُّرها المعاصر .

الهوامش:

 ([1]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، المتوفى : 460، تحقيق : تحقيق وتعليق : السيد حسن الموسوي الخرسان، خورشيد، الطبعة : الرابعة، 1365 ش: 6/293

 ([2])المعرفة والتاريخ، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، أبو يوسف (المتوفى: 277هـ)، تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1401 هـ- 1981 م : 1/522

([3]) تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) ، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، دار التراث – بيروت، الطبعة: الثانية - 1387 هـ : 5/73

*نقلاً عن موقع مؤسسة علوم نهج البلاغة

 

2018/05/06
التقوى: هذا ما سيجعلك تسيطر على نفسك!

وسائل التحكم والسيطرة على النفس في فكر الإمام علي (ع) التقوى أنموذجاً

ان الشح بالنفس والبخل عليها وامساكها عن الهوى والانجرار وراء الانحرافات لها وسائل ومستلزمات ومعايير تحكيم وسيطرة: من هذه الوسائل التقوى قوله "عليه السلام" "أمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَلَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا وَأَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَيَدِهِ وَلِسَانِهِ" [1]

التقوى لغةً

قال الراغب الاصفهاني في المفردات "وقى: الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، يقال: وقيت الشيء أقيه وقاية ووقاء. قال "فوقاهم الله، ووقاهم عذاب السعير، ومالهم من الله واق، مالك من الله من ولي ولا واق، قوا انفسكم وأهليكم نارا، والتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف، هذا تحقيقه وصار التقوى في تعاريف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور ويتم ذلك بترك بعض المباحات، لما روي: الحلال بين والحرام بين، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه" [2]

والتقوى اصطلاحا: "عبارة عن الاجتناب عن محارم الله تعالى، والقيام بما اوجبه عليهم من التكاليف الشرعية، والمتقي هو الذي يتقي بصالح عمله عذاب الله، وهو مأخوذ من اتقاء المكروه بما يجعله حاجزا بينه وبينه، كما يقال: اتقي السهم بالترس، أي جعله حاجزا بينه وبين السهم" [3].

والتقوى بعد الايمان، التورع عن محارم الله واتقاء الذنوب التي تحتم السخط الالهي وعذاب النار، وهي الشرك بالله وسائر الكبائر الموبقة التي اوعد الله عليها النار، فيكون المراد بالسيئات التي وعد الله سبحانه تكفيرها الصغائر من الذنوب، وينطبق على قوله سبحانه (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [4]، (... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [5]، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [6]

فيظهر من الآيات الشريفة ان التقوى هي الورع عن محارم الله، أي المعاصي الكبيرة" [7].

أقول: والمحصل من تعاريف "التقوى" لغة واصطلاحا هو انها السور الذي يسور الانسان به نفسه من الوقوع في الحرام والرذيلة والمعصية.

او هي حق الله على العباد، فهو الذي خلقنا ومنحنا كل شيء وتنعم علينا بنعم كبيرة، وفي مقابل ذلك أراد منا ان نلتزم ونتقي بتحصين أنفسنا والمحافظة على الاطر والموازين الشرعية التي ارادها الله وقدرها للبشر.

ويشير الامام امير المؤمنين "عليه السلام" الى هذا المعنى بقوله "أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها حق الله عليكم، والموجبة على الله حقكم. وأن تستعينوا عليها بالله وتستعينوا بها على الله. فإن التقوى في اليوم الحرز والجنة، وفي غد الطريق إلى الجنة. مسلكها واضح، وسالكها رابح، ومستودعها حافظ. لم تبرح عارضة نفسها على الأمم الماضين والغابرين لحاجتهم إليها غدا إذا أعاد الله ما أبدى، وأخذ ما أعطى، وسأل ما أسدى" [8]

والتقوى تؤدي الى عزة الانسان، لأنه يتصل بالعزيز المطلق، يقول الامام علي "عليه السلام" "التقوى تجل و الفجور يذل" [9] فالذلة في الفجور والعزة الانسانية في التقوى.

وقال امير المؤمنين، عليه السلام، "لا عزة اعز من التقوى" [10] فمن اراد العزة والكرامة ان يتصف بالتقوى.

وقد أولى أمير المؤمنين، عليه السلام، اهتماما كبيرا لمسألة التقوى في إحدى خطبه.

"فإن تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة، ونجاة من كل هلكة، بها ينجح الطالب، وينجو الهارب، وتنال الرغائب" [11]

وعنه، عليه السلام، الحث عليها "فإنّ تقوى اللَّه دواء قلوبكم وبصر عمى أفئدتكم وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم، وجلاء عشى أبصاركم وأمن فزع جأشكم، وضياء سواد ظلمتكم. " [12]

ولذلك نجد ان أمير المؤمنين "عليه السلام" حينما يتحدث عن المنظومة القيادية وعن النجاح في الدور القيادي، يقف عند خصيصة التقوى ويعتبرها مفتاح التسديد والنجاح وذخيرة يوم الآخر الذي لا ينفع فيه مال ولابنون.

فينبغي هنا التميز بين صنفين من التقوى:

1ـ التقوى الشخصية

ويراد منها التحكيم بمسارات الانسان وخطواته فيما يرتبط بحياته الشخصية، وتشمل الاحكام الالهية التي تتعلق بعمل المكلف فيما ينبغي فعله ومالا ينبغي فعله.

2ـ التقوى السياسية

وهي التي تتحكم بالدور القيادي لمن يتصدى الى المسؤولية وقيادة الامة، في أي مستوى من مستويات التصدي، فالتقوى هنا تتحكم بسلوك الشخصية القيادية والدور القيادي والاداء القيادي بالشكل الذي ينسجم مع الحياة الاجتماعية، لأن الانسان في مواقع المسؤولية وفي مواقع الخدمة العامة، اذا لم يراع التقوى السياسية فانه سيصاب بهوس السلطة وشهوة القدرة، والنفوذ والفتك بالأخرين، فتتجلى وتتجسد الانا بشخصية بأروع صورها.

وهذا ما اشار اليه القران الكريم (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* ان رَّآهُ اسْتَغْنَى) [13]

وحينما يتحدث القران الكريم عن فرعون يستعرض الانا الفرعوني في كيفية تعامله وهو في موقع السلطة، عندما يفرض رؤية وقناعة ويعتبر حياة الناس بيده.

(فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) [14] ويؤكد القران الكريم على التقوى السياسية وعلى المستوى الثقافي الديني للبشر (تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [15] عدم العلو على الناس وعدم الفساد في الارض هو الفوز في السعادة الابدية.

وقال رسول الله، صلي الله عليه واله وسلم، "ومن أم قوما إمامة عمياء، وفي الأمة من هو أعلم منه فقد كفر" [16]

وقال، صلى الله عليه وآله: "من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف وإذا كان ضالا جاز قسمة ماله" [17]

فيتحصل:

من معنى الحديثين الشريفين ينبغي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من ذو الاختصاص والكفاءات والامكانيات العلمية والتخلي من الاطر الشخصية والمحسوبية على مستوى جميع مرافق الدولة.

فثقافة اختيار الاصلح والاكفأ لإدارة امور الناس، يجب ان تكون هي الحاكمة على الثقافة الخاطئة التي يسعى الجميع في ظلالها الى ان يكونوا في الصدارة وهذا معناه تجاوز على الثقافة الاسلامية في ادارة المنظومة الإدارية.

 يقول الامام "عليه السلام" في عهده لمالك الاشتر، رضوان الله عليه، في كيفية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب على وفق الرؤية الاسلامية، "فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِكَ وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَيَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَمِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَلَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ" [18].

*نقلا عن مؤسسة علوم نهج البلاغة

---------------

الهوامش:

[1] نهج البلاغة: 53

[2] المفردات في غريب القران: الراغب الاصفهاني: ص530 مادة :( وقى"

[4] النساء: 31

[5] الطلاق: 5

[6] المائدة: 65

[7] الميزان في تفسير القران: العلامة الطبطبائي: ج19: ص317

[8] نهج البلاغة: خطب الإمام علي " ع" الجزء: 2 ص124

[9] عيون الحكم والمواعظ: 34

[10] نهج البلاغة: الحكمة 371

[11] نهج البلاغة خطبة: 230

[12] نهج البلاغة خطبة: 198 وينظر تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم: السيد حيدر الآملي الجزء: 1ص273

[13] العلق: 6، 7

[14] النازعات :24

[15] القصص :83

[16] الصراط المستقيم: علي بن يونس العاملي النباطي البياضي الجزء: 3 ص135. وينظر بحار الانوار: ج22: ص487: ح31

[17] مختلف الشيعة: العلامة الحلي الجزء: 4 ص452و ينظر: تهذيب الأحكام: ج 6 ص 148 - 151 ح 261، وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب جهاد العدو ذيل ح 2 ج 11 ص 29.

[18] نهج البلاغة: 53

2018/04/04
هذه هي صورة النبي آدم (ع)!

صورة النبي آدم عليه السلام في نهج البلاغة

إن الصور التي يرسمها الإمام (عليه السلام) لنا من خلال كلامه أنما هي صور تقرب مفهومه العميق في بيان وصفه لأمور غيبية، لم يتكلم عنها أي مخلوق سواه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن الصور الجميلة التي رسمها لنا الإمام (عليه السلام) صورة النبي آدم (عليه السلام) وكيفية خلقه.

ففي الخطبة الأولى من كتاب (نهج البلاغة) تكلم الإمام (عليه السلام) عن خلق آدم (عليه السلام) وقد صوَّرَ لنا أمير المؤمنين ذلك بقوله (عليه السلام): (ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَه مِنْ حَزْنِ الأَرْضِ وسَهْلِهَا، وعَذْبِهَا وسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، ولَاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ ووُصُولٍ وأَعْضَاءٍ، وفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وأَمَدٍ مَعْلُومٍ)[1].

فالله سبحانه جمع تربة آدم (عليه السلام) من مختلف تركيباتها؛ لأنَّ التربة منها الغليظة, ومنها السهلة, ومنها العذبة ومنها المالحة، وقد سأل يهوديٌّ الإمامَ (عليه السلام) لماذا سمي آدم آدم فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((... وسمى آدم آدم لأنه خُلق من أديم الأرض، وذلك أن الله تعالى بعث جبرئيل (عليه السلام) وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات طينة بيضاء وطينه حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء, وذلك من سهلها وحزنها, ثم أمره ان يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن، ثم أمره أن يفرِّغ الماء في الطين وأدمه الله بيده فلم يفضل شيء من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شيء يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينية، وجعل الماء المر في اذنيه، وجعل الماء المنتن في أنفه))[2].

وعنه (عليه السلام) قال: ((إن الله (عز وجل): خلق آدم من أديم الأرض، فمنه السباخ، ومنه الملح، ومنه الطيب، فكذلك في ذريته: الصالح، والطالح))[3].

وعن وهب بن منبه: أنه وجد في التوراة صفة خلق آدم (عليه السلام) حين خلقه الله (عز وجل) وابتدعه، قال الله تبارك وتعالى: إني خلقت آدم وركبت جسده من أربعة أشياء, ثم جعلتها وراثة في ولده تنمى في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة، وركبت جسده حين خلقته من رطب ويابس وسخن وبارد وذلك إني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفساً وروحاً، فيبوسةُ كلِّ جسدٍ من قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح، ثم خلقت في الجسد بعد هذه الخلق الأول أربعة أنواع: وهن ملاك الجسد وقوامه بإذني لا يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم منهن واحدة إلا بالأخرى، منها المرة السوداء، والمرة الصفراء، والدم، والبلغم، ثم أسكن بعضَ هذا الخلق في بعض، فجعل مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء ومسكن الحرارة في الدم ومسكن البرودة في البلغم، فأيما جسد اعتدلت به هذه الأنواع الأربع التي جعلتها ملاكه وقوامه وكانت كل واحدة منهن أربعا لا تزيد ولا تنقص كملت صحته واعتدل بنيانه، فإن زاد منهن واحدة عليهن فقهرتهن ومالت بهن دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت، وإذا كانت ناقصةً ثقل عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقارنتهن، وجعل عقله في دماغه، وسره في طينته، وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورغبته في ريته، وضحكه في طحاله، وفرحه في حزنه، وكربه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا ))[4].

ونفهم من ذلك أن العلة في اختلاف الألوان واختلاف المبادئ والعادات سببها اختلاف الطينات، وبما أن آدم ابو البشر؛ لذلك خلقه الله من جميع الطينات فكان منه الابيض والاسود والاصفر والاسمر.

 فالله سبحانه خلق الأنبياء والأولياء والحجج من طينة في علين، وورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن المؤمنين خلقوا من فاضل طينة الأنبياء والمعصومين؛ لأن أرواحهم طيبة طاهرة لذا اختار لهم الله هذه الطينة المباركة.  

[ذات صلة]

ثم قال (عليه السلام) في إفاضة الروح: (ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِه)[5].

قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }، الحجر: 29.

فبعد أن اكتمل جسد آدم واصبح مستعداً لإفاضة الروح نفخ الله فيه الروح، روى حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، قول الله عز وجل (وروح منه)، قال: هي مخلوقة خلقها الله بحكمته في آدم وفي عيسى (عليهما السلام))[6].

وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل (ونفخت فيه من روحي) كيف هذا النفخ ؟ فقال: إن الروح متحركٌ كالريح، إنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح، وإنما أخرجه عن لفظة الريح؛ لأن الروح متجانس للريح، وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح، كما اصطفى بيتا من البيوت، وقال: (بيتي) وقال - لرسول من الرسل: (خليلي) وأشباه ذلك مخلوق مصنوع مربوب مدبر)[7].

فسبحان الله خالق الوجود فالجسد الذي خلقه الله لا يتحرك ولا يستطيع أن يعمل أي شيء إلا أن يستقر فيه الروح ولا زال العلم الحديث لا يعلم ما هو الروح هل هو شبيه بالجسد أم تختلف ام هو نور، أم هواء خفيف كما عبر عنه بعض الفلاسفة، وقد قال الله تعالى لرسوله الكريم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، الاسراء: 85.

فبعض الأمور حجبها الله عن العباد والعلة في ذلك الأمر؛ كي يتفرد سبحانه وتعالى في بعض الخصائص ليبين للناس أنهم عاجزون عن أسراره لولا رحمته.

وقال (عليه السلام) بعد اتحاد الجسد والروح: (فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا، ومَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ والْبَاطِلِ، والأَذْوَاقِ والْمَشَامّ،ِ والأَلْوَانِ، والأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، والأَشْبَاه الْمُؤْتَلِفَةِ والأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، والأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ والْبَرْدِ، والْبَلَّةِ والْجُمُودِ)[8].

 فالله سبحانه صور الانسان بأتم صورة وقد وضح لنا الإمام صورة آدم، ثم أشار الى القوة العقلية التي أعطاها الله للإنسان والأجزاء الأخرى  كالقلب وباقي الجوارح والادوات فهذه الأدوات يستخدمها الإنسان في أمور معيشته وأساسها العقل، فلو فقد الانسان عقله اصبح كالبهيمة.

 وكذلك لو انتقص منه شيء سوف يؤدي الى نقص في تركيبة جسمه، وإن مرض الانسان سوف يفقد بعض حواسه فلا تعمل حتى يشفى من مرضه كحاسة الذوق والشم.

فما أروع هذه الصورة وما أروع هذا التعبير الذي من خلاله نتوصل الى عظيم قدرة الله ونستدل به سبحانه من خلال هذا الجسد المتكامل، قال الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وقد سئل عن الدليل إلى الله، قال: (اني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنّي فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجر المنفعة إليه علمت ان لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات)[9].

فهذا الوصف الدقيق في خلق النبي آدم (عليه السلام) انما هي صورة واضحة رسمها لنا الإمام لتبين لنا عظيم منزلته وإنه باب علم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فلو أمعنا جيداً كيف توصل الإمام الى وصف النبي آدم (عليه السلام) في خلقه ونحن نعلم ان النبي آدم (عليه السلام) أول من خلقه الله من بني البشر، ولكن للرجوع الى بعض الروايات الشريفة نجد أن الكثير منها تشير الى أن الخمسة الأطهار كانوا أشباح نور يدورون حول عرش الله([10])، قبل أن يخلق الله آدم بآلاف السنين وهذا ما بينه الإمام الحسين (عليه السلام) أيضا حينما سأله حبيب ابن مظاهر، وهذا وجه من الأوجه الذي نستدل به على كلامه (عليه السلام) كونه خلق قبل آدم بألاف السنين.  

كذلك القرآن الكريم تطرق الى خلق آدم قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }، الحجر: 26- 28.

 فهذه الآية توضح لنا خلق آدم بصورة مجملة، ولكن الإمام قرب هذه الصورة أكثر في هذه الخطبة الشريفة فلولا أمير المؤمنين لما عرفنا كيف خلق الله آدم بهذا التفصيل من خلال هذه الآيات, ففسر لنا الإمام ذلك، وهذا وجه آخر نستطيع ان نستدل به على أنه وصف لنا هذه الصورة بأدق ما يمكن، لأن الإمام ترجمان القرآن وهو القائل سلوني قبل أن تفقدوني، ولا شك أن الإمام يُكشف عنه الغطاء لكثير من الأمور كما كان سبحانه يكشف لرسوله الكريم (صلى اله عليه وآله) عن ذلك، فكان (عليه السلام) يرى نور الوحي ويشم ريح النبوة, الا أنه ليس بنبي ولكنه وصيه ووزيره وحامل لوائه في الدنيا والاخرة.  


[1] - نهج البلاغة، الخطبة الأولى، صفة خلق آدم (عليه السلام)، ص42، تحقيق صبحي الصالح.

[2] - علل الشرائع، ج1، ص2، ح1.

[3] - علل الشرائع، ج1، ص83، ح3.

[4] - علل الشرائع، ج1، ص110، ح9.

[5] - تكملة الخطبة.

[6] - الإحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج2، ص56.

[7] - المصدر السابق.

[8] - تكملة الخطبة.

[9]- الكافي الشيخ الكليني ، ج1 ، ص78.

[10] - ينظر، علل الشرائع، ج1، ص23.

*نقلا عن مؤسسة علوم نهج البلاغة

 

2018/03/20
كيف يوحّد الإمام علي (ع) ربه؟

 

يمثل فكر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في التوحيد رؤية كونية متكاملة والحجر الأساس في الاصول النظرية والعملية، وعلى هذا فإن النصوص الواردة عن الامام علي (عليه السلام) مليئة بالاستدلال لإثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى، ويمكن بيان شيئا من ذلك بحسب الآتي.

امتناع المحدودية عليه تعالى

من ذلك قول الإمام علي (عليه السلام): "من وصفه فقد حده ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين فقد حيزه" [1].

إن نظرة عابرة للنص أعلاه تفصح عن أمور مهمة منها:

1ـ إنه لوكان الله سبحانه وتعالى واحد عددي لكان حادثا لان العد يدخل في الاشياء المثليّة فمن اعتقد العدّ فيه تعالى فقد قضى بإثبات امثال له، والقدم يحيل – ينفي-  المثل، وينبو عن المماثلة.

2ـ ولو صار حادثا لاحتاج الى محدث يخرجه من العدم، وإذا احتاج الى المحدث صار ممكنا وليس بواجبا، ومن سمات الممكنات احتياجها الى غيرها بسبب فقرها، وبتعبير القرآن الكريم ليس غنيا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [2].

3ـ إن الاستدلال بنص الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) يستلزم أن وحدة الله لو كانت وحدة عددية للزم بطلان أزليته سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن تكون وحدته وحدة عددية لامكن اتصافه تعالى بالفقر وهو الغني الحميد [3].

4ـ وقد وضّح الإمام علي (عليه السلام) هذه الناحية الحسّاسة بقوله إن صفات اللَّه هي عين ذاته، وأنه سبحانه غير قابل للتجزئة أو المحدودية، فلا يقال له (فيم)؟ و (علام)؟ و (متى)؟ و (حتى) و (ممّا)؟ التي هي من نعوت الأشياء المخلوقة، واللَّه منزّه عن ذلك[4]، ومنه قوله (عليه السلام): "الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود" [5]،  وقال أيضا (عليه السلام): "من جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: " فيم " فقد ضمنه، ومن قال: "علام ؟" فقد أخلى منه". [6]

وقال عليه السّلام في هذه الخطبة أيضا: "تعالى عما ينحله المتحدّدون من صفات الأقدار ونهايات الأقطار وتأثّل المساكن وتمكَّن الأماكن فالحدّ لخلقه مضروب وإلى غيره منسوب"[7]. وأوضح منهما ما في البحار من التّوحيد للصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عن أمير المؤمنين في خطبة طويلة له عليه السّلام قال: لمّا شبّهه العادلون بالخلق المبعض في صفاته ذوي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته وكان عزّ وجلّ الموجود بنفسه لا بأداته انتفى أن يكون قدّروه حقّ قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدّرين له بالحدود من كفرة العباد: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُه  يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه سُبْحانَه  وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}  ومثل هذه في الدّلالة على تنزّهه سبحانه من التحديد والتّشبيه أخبار كثيرة متواترة [8]، منها ما رواه في البحار من توحيد الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: "كتبت إلى الرّجل يعنى أبا الحسن عليه السّلام إنّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التّوحيد: فمنهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة، فكتب عليه السّلام بخطه: سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ليس كمثله شيء وهو السميع العليم أو قال البصير". [9].

وفيه أيضا عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لهشام: "إن اللَّه تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكلَّما وقع في الوهم فهو بخلافه"[10]

وقال الإمام علي (عليه السلام): "كل مسمى بالوحدة غيره قليل"[11].

يتحدث الامام (عليه السلام) في هذا النص عن الوحدة الغيرية العددية، فعندما تكون الوحدة عددية فتخضع لنظام العدد في السبق واللحوق في الاعداد، فإذا أضيف الى العدد الواحد اثنان فتصبح الاثنان أكثر من الواحد، وإذا أضيف الى الاثنين ثالث، فتصبح الثلاثة أكثر من الاثنين وهكذا الى الاربع والخمس.. وبذلك فإن ما يوصف بالوحدة العددية يكون قليل، لأن من مميزات هذه الوحدة المحدودية فعندما تضاف الى الغير تكون أقل وهذا مالا يصح على الباري تعالى.

الهوامش:

--------------

[1] نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 1/ 14.

[2] سورة فاطر: 15

[3] التوحيد: السيد كمال الحيدري: 47.

[4]  تصنيف نهج البلاغة: لبيب بيضون :74.

[5] - نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 1/ 14.

[6] نهج البلاغة شرح محمد عبده:1/   15.

[7] - نهج البلاغة، اشرح محمد عبده: 2/ 66.

[8] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي الجزء: 13 -191.

[9] الوافي: الفيض الكاشاني الجزء: 1/389

[10] التوحيد الشيخ الصدوق :80.

 

[11] نهج البلاغة: 65.

2018/01/24
من فكر الإمام علي (ع): ما العلاقة بين العبودية والإدارة؟

يمتاز الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) بمتانته وتماسكه واستناده إلى قواعد منطقية رصينة، فجاء هذا الفكر متميزاً بخصائص قد لا يظفر بها أيُّ مفكر إداري غربي. فهو فكرٌ إنساني؛ لأنَّه ينظر إلى الإدارة بنظرة إنسانية، فالذي يتحرّك في أُفق الادارة هو الإنسان وليس الآلة، كما أنّ نظرة الإمام (عليه السلام) إلى المؤسسة الإدارية على أنّها مجتمعِ مصغّر تتضامن فيه جميع المقومات الاجتماعية، وتوصف نظرته إلى الادارة على أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن الفوضى، لهذا الجهاز هدف سامٍ، فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل مِن أجل تحقيق أهداف كبيرة في الحياة، هي إذاً- الإدارة- كيانٌ اجتماعي حي يعيش في وسط المجتمع يسعى مِن أجل أهداف كبيرة في الحياة. قد لخصها الإمام في مواقف معينة، - سنجتهد لبيانها في سلسلة من المقالات- ومن أهم تلك الأهداف مبدأ الاعتقاد والعبودية لله سبحانه وتعالى.

 فما هي مدخلية العبودية لله في موضوع الإدارة؟

يريد الإمام (عليه السلام) أن يسلط الضوء على سلوكيات المدراء وانطباعاتهم وتصوراتهم وهم في موقع المسؤولية، فهناك انطباعات وسلوكيات تدفع الانسان نحو التسلط وحب الدنيا وحب الجاه. إذاً ماذا تكون خلفية من يحمل هذه السلوكيات والانطباعات فيمن يكون في موقع السلطة؟

لا شك إنّه حينما يصل إلى موقع المسؤولية سيتخذ مجموعة من الإجراءات القاسية والقرارات الظالمة ويسير نحو الانحراف في تضيع الأهداف وخدمة الناس، ويعتقد بأن من يعمل تحت أمرته هو عبد له، وليس تعامل رئيس مع مرؤوسين يستحقون الاهتمام والرعاية كما هو في فكر الإمام (عليه السلام) بينما هناك من ينظر إلى موقع المسؤولية على أنها محطة لهداية الناس وخدمتهم ومحطة يؤتمن فيها على مصالح الناس يضمن عن طريقها حقوق الاخرين.

فالجانب السلوكي والمعتقد له أثر كبير في مسار أداء المدراء على الاصعدة كافة، إذ يمكن أن يلعب المدير دورا بارزا وسلوكا مغايرا لمعتقداته، لكن على المستوى البعيد لا يستطيع المدير أن يخفي تأثير معتقداته.

ولذلك يقدم الامام (عليه السلام) مفتاحا سحريا من مفاتيح النجاح والتفوق في الإدارة لمالك الاشتر (رضوان الله عليه) وهو العبودية لله تعالى والاعتقاد بالمبدأ.

وهذه القضية ليست قضية من القضايا الثانوية أو قضية لا صلة لها بموضوع الإدارة والقيادة. فالعبودية لله استحضار العلاقة بين الإنسان وربه، ولها الأثر الرئيس في مجمل السلوك الإداري في كافة المراتب، هذا الاستحضار يجعل الإنسان المسؤول والقيادي الذي يمارس العلاقة الانسانية على وفق النظرية الإسلامية، وليست العلاقة السلطوية مع غيره من العاملين تحت أمرته.

ومن الجدير بالذكر أنّ الدور الإداري والقيادي يجب أن تتوافر فيه حالة الحزم والقوة، وهذان الأمران يجب أن لا يتقاطعا مع علاقة الانسان وربه وعلاقة المسؤول في سلسلة المراتب ومع من يعمل تحت أمرته.

من هنا يشير الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر(رضوان الله عليه) واصفا حالة التعامل والانسجام في النظام الإداري على وفق الرؤية الإسلامية. ففي قوله:

 

"فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ ..... أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ )[1] الكلام عن معاقبة المسيء لا يعني أن تتحول طبيعة العمل إلى مجموعة قوانين عقابية وأن تصبح القسوة هي الحاكمة في التعاطي مع المرؤوسين،  بل ينبغي بقاء مساحة للتسامح واللين ولا توصل إلى الفوضى ولكنها في نفس الوقت لا تلغي الليونة والفرصة الجديدة. فيبين لنا الإمام (عليه السلام) في هذا النص علاقة الإنسان بربه، فهي ليست علاقة تجميد وإنّما علاقة انطلاق وتكامل،  فأن استعمال كلمة (عبدالله) تعني أنّ الإنسان في ذروة الكمال لا يمتلك سوى الرحمة والقدرة  التي منحها الله له التي يتصل بها ويتزود منها ويتحرك عبرها،  فيبقى الإنسان في هذا الظرف الوجودي والسعة الذاتية والقدرات الشخصية المحدودة ، فينبغي للإنسان المتصدي الارتباط بالمبدأ متوكلا عليه سبحانه وتعالى".

قال (عليه السلام):

 "وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَجَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَالسَّلَامُ ."

نلاحظ إنّ الإمام (عليه السلام) في بداية كلامه وختامه كان يذكر الله تعالى ومرضاته والتأكيد على القضايا الخاصة في وضع الصور الظاهرية في الإطار العام للأهداف المرسومة عبر الفكر الابداعي للمسؤول صاحب الشعور والإدراك العميق للعبودية لله سبحانه وتعالى، من حيث صبره على القضايا الموقتة ولا يضيع نفسه باتباعه هواه، ولا يفقد توازنه وإن صار زعيما على الدنيا وما فيها، فإنّه يقف ليقول كلمة الفصل والارتباط لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

فيتحصل من ذلك: إنّ الرؤية الإسلامية التي يحملها المسؤول (العبودية لله والإيمان بالمبدأ) هما الركنان الأساسيان في تحقيق الأهداف الإدارية في مساراتها الصحيحة.

المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة --------- [1] نهج البلاغة : رسالة 53
2017/12/19
من معايير نجاح المنظومة الإدارية  في فكر الإمام علي (ع)

لعل التجربة العملية للإمام علي (عليه السلام) تكمن بالدرجة الأولى في علم الإدارة العامة، متجلياً ذلك في مواقفه، وعدد من رسائله إلى ولاته في الأمصار، وبالأخص عهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه). :كما برز الإمام (عليه السلام) في مجال علم الإدارة الشخصي عبر مقولاته الحكيمة، ودعواته في أن يحرك الإنسان كوامنه الذاتية ويثق بها، ومن ثم ينطلق بقدراته إبداعاً وعطاءً.

ونحن نلاحظ أن العديد من  حِكم الإمام (عليه السلام) تندرج في إعادة صياغة الإنسان فكراً وسلوكاً ليكون قادراً على إدارة طاقاته ومواهبه بصورة ناجحة وذكية؛ لكي يتخطى الدنيا بنجاح، ويحرز الآخرة بجدارة[1].

 ومن هذه المعايير (الاعمال الصالحة )، يقول (عليه السلام): (فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ)[2].

إذ يذكر الإمام (عليه السلام) أن واحدة من هذه المعايير التي يستدل بها على صلاح المسؤول والمتصدي هو تقييم الناس له عبر الحديث عنه وبيان أعماله الصالحة، ومن ثم انطباعات وتصورات الرأي العام وتقييم اداء المسؤول تمثل واحدة من المداخل التي عن طريقها يستدل على صلاح المسؤول ورشدة وحسن أداءه.

وقد أشار إليها القران الكريم في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [3].

وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [4], العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ويعمل على ترسيخ العقائد السليمة في واقع الإنسان وقلبه. ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[5].

لذا نلاحظ الإمام (عليه السلام) يؤكد في هذا المقطع من العهد الشريف على العمل الصالح الذي يعد من الذخائر النفيسة للإنسان المتصدي وغيره, ونتيجة هذا العمل يتحقق الاحترام  والتقدير والمحبة في قلوب الناس التي تحضي بتأييد من الله سبحانه وتعالى, وعبر حسن ظن الناس وتقييمها يكون قادرًا على النفوذ إلى قلوب الناس والسيطرة على عواطفهم من دون الحاجة إلى إظهار حالات التصنع والتظاهر بأمور معينة, ومن دون الحاجة الى المكر والخداع أو التخويف والترهيب واستخدام الأساليب المغرية, وتضيع أموال بيت المال لأجل استمالة قلوب الآخرين وضمانة السمعة الجيدة.

فمعيار الرأي العام  في تقييم المسؤول هو العمل الصالح الذي يقوم به المتصدي فالحديث عنه بخير واحترامه ونعته بصفاته الواقعية يعد من العطايا الإلهية لا يحتاج إليها استخدام الطرق الملتوية , بل يكفي أن يكون هذا المسؤول واضحًا مع الناس في أداءه وسلوكياته وانطباعاته, يسمع ويتشاور معهم ويحترم أراءهم في الخطأ والصواب, وكل عمل صالح يقدمه للناس ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى يندفع إليه بالاتجاه الصحيح.

المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة

-------------------

الهوامش:

[1] نفحات الولاية شرح نهج البلاغة: ناصر مكارم الشيرازي: ج10 ص294

[2] نهج البلاغة: رسالة 53

[3] سورة الكهف: 110

[4][4] سورة فاطر 10

[5] سورة العصر : الآيات: 1,2,3,4

2017/12/13
أبواب الجنة في كلام أمير المؤمنين (ع)

جعل الله سبحانه وتعالى للجنة أبوابا تدخل منها كافة الخلق, وقسمها على ثمانية أبواب حسب الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: (إنّ للجنّة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النّبيّون والصّديقون، وباب يدخل منه الشّهداء والصّالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا؛ فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول ربّ سلَّم شيعتي ومحبّي وأنصاري وأوليائي ومن تولَّاني في دار الدّنيا؛ فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه ساير المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت)[1].

 وتعدد أبواب الجنة لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم، بل هي إشارة إلى الأسباب والعوامل المتعددة التي تؤدي لدخول الناس في الجنة، وأن لكل من هذه الدرجات باب معين يدخل بها من فاز بنعيم الآخرة وهي:

باب دخول النبيين والصديقين

قوله (عليه السلام): (باب يدخل منه النّبيّون والصّديقون).

 في بادئ الأمر يجب توضيح من هم النبيون ومن هم الصديقون؟

النبيون: (هم أصحاب الوحي الذين عندهم نبأ الغيب ولا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار)[2].

والصديقون: (هم الذين زكتْ فطرتهم، حتى أنهم يميزون بين الحق والباطل، والخير والشر بمجرد عروضه عليهم)[3].

فجعل الله (سبحانه وتعالى) للنبيين والصديقين باباً في الجنة يدخلون منها تكريماً لهم على صبرهم وجهدهم الذي بذلوه في سبيل إيصال الرسالة السماوية إلى أقوامهم, قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[4].

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (عدن دار الله التي لم ترها عين، ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، يقول الله، عز وجل: طوبى لمن دخلك (ورضوان من الله أكبر) )[5].

باب دخول الشهداء والصالحين

قوله (عليه السلام): (باب يدخل منه الشّهداء والصّالحون).

الشَّهِيدُ : (المقْتول في سبيل الله، والجمع شُهَداء)[6].

يقول محمد جواد مغنية: (الشهداء: هم الذين يقتلون في سبيل اللَّه، أما أجرهم عند ربهم؛ فقد بينه سبحانه بقولهم:{إِنَّ اللَّهً اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ}[7], أما نورهم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: {يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}[8], وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ما من أحد يدخل الجنة، ثم يحب أن يخرج منها إلى الدنيا ولو كانت له الأرض بما فيها إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما رآه من الكرامة عند اللَّه), {والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ }, هذا على عادة القرآن الحكيم، يقابل المتقين بالمجرمين، وثوابهم بعقابهم بقصد الترغيب والترهيب)[9].

والصالحون: (هو جمع صالح، وهو الذي يؤدي فرائض الله وحقوق الناس)[10].

فإن الشهادة في سبيل الله مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية ووسام لا يهديه الله سبحانه وتعالى إلا لخاصة أوليائه بعد أن اجتاز العديد من العقبات التي تحول بينه وبين ذلك المقام الرفيع.

أبواب دخول الشيعة والمحبين

قوله (عليه السلام): (وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا؛ فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول ربّ سلَّم شيعتي ومحبّي وأنصاري وأوليائي ومن تولَّاني في دار الدّنيا؛ فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه).

في هذه الفقرة يبين الإمام (عليه السلام) أبواب دخول الشيعة والمحبين؛ فالشيعة: (هم التابعون لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهم درجات ومراتب بمقدار متابعتهم للأئمة (عليهم السلام) في الأعمال؛ فمن ترك بعض الواجبات أو ارتكب بعض المحرمات لا يخرج عن كونه من شيعة علي(عليه السلام)، وعليه؛ فالحائز لجميع الكمالات والتابع لهم في تمام الأعمال هو الشيعي الحقيقي والإنسان الكامل، والفاقد لجميع الكمالات الجوارحية هو الناقص وما بينهما درجات والكل مشتركون في أصل فضائل الشيعة)[11].

أما المحبون؛ فهم المحبون لأهل البيت (عليهم السلام)، الموالون لهم المقرون بفضلهم, والملتزمون بنهجهم الذي وضعوه, ويذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضل أهل بيته (عليهم السلام) والمحبين لهم؛ فعن عبد الرزاق عن أبيه عن عبد الرحمان بن عوف أنه قال : ألا أحدثك حديثا قبل أن تختلط الأحاديث بأباطيل؟ إنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنا شجرة، وفاطمة و علي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، ومحبهم من أمتي ورقها، وحيث نبت أصل الشجر نبت فرعها في جنة عدن والذي بعثني بالحق)[12].

والتشيّع الحقيقي لأهل البيت إنما هو الالتزام بنهجهم، والأخذ بطريق الورع والتقوى والاجتهاد في تطبيق جهاد النفس، وإن التعبير عن حبهم وولائهم الحقيقي إنما هو بالمتابعة لهم في السلوك والعمل, قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (سمعت النبي يقول: إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد: يا رسول اللّه إنّ اللّه جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك، فكافئهم بما شئت، فأقول: يا رب الجنة فأُبوّؤهم منها حيث شئت، فذلك المقام المحمود الذي وعدت به)[13].

وإن تكريم الله تعالى للمحبين لأهل البيت (عليه السلام) عظيم، لما سيناولون من الرحمة والمغفرة والرضوان، فعن بُريد العجلي وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ({وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[14], قال: هم والله شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله عزّ وجل علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحق وعلى دين الله عزّ وجل واستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ})[15].

فلا أقل من أن يكون هذا التفضل الإلهي، والكرم الرباني، له إيثاره في قلوب بني البشر استجابة لأمر الله سبحانه، وتحقيقا لدعوة رسوله صلى الله عليه واله,  والإيثار لحب أهل بيت النبوة، استجابة لله ولرسوله؛ فحبهم مبدئ للإسلام ودين الحق وأصل له لما يعتبر فيه وبه بناؤه وثباته[16].

باب دخول سائر المسلمين

قوله (عليه السلام): (وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت).

أبواب الجنة مشرعة لجميع المسلمين المحبين لرسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام), الذين لم يكن في قلبهم حقد وبغض لأهل بيت النبوة (عليهم السلام), عن الإمام علي (عليه السلام): (إن للجنة إحدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي وأهل بيتي ومن باب واحد سائر الناس)[17].

فمن يزعم أنه يؤمن بالله (عز وجل) وبما جاء به نبي الرحمة (صلى الله عليه واله) ويبغض ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فهو كاذب, لأن النبي محمد (صلى الله عليه واله) والإمام علي (عليه السلام)  من نفس واحدة، فقد رويعن عبدالله بن مسعود قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليّاً عليه السلام فهو كاذب ليس بمؤمن)[18].

لذا دخول الجنة لسائر المسلمين مرتبط بحب أهل البيت (عليهم السلام) فهم حجة الله على الأرض وبهم النجاة يوم القيامة من الهول والفزع.

*المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة

الهوامش:

-----------------------

 

[1] - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, حبيب الله الهاشمي الخوئي, ج2

[2] - تفسير الميزان, العلامة الطباطبائي, ج4, ص408.

[3] - التفسير الكاشف, محمد جواد مغنية, ج2, ص371.

[4] - النساء:69.

[5] - تفسير مجمع البيان, الشيخ الطبرسي, ج5, ص88.

[6] لسان العرب, ج3, ص242.

[7] - التوبة: 111.

[8] -  الحديد: 12.

[9] - التفسير الكاشف, ج7, ص247.

[10] - مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي, ج2, 386.

[11] -  الشيعة في أحاديث الفريقين, السيد مرتضى الأبطحي, ص543.

[12] - بحار الانوار, ج27, ص107.

[13] - الشيعة في أحاديث الفريقين, ص88.

[14] - الاعراف:170.

[15] - الوافي, ج5, ص804.

[16]- إحقاق الحق إزهاق الباطل، شهاب الدين المرعشي: 33/ 189.

- [17] مستدرك سفينة البحار, الشيخ الشاهرودي, ج4, ص445.

[18] - بحار الانوار, ج39, ص253.

 

2017/11/29
أثر نهج البلاغة في الأدباء والمفكرين

لا تقتصر شخصية العظماء على أهل ملتهم بل تتعدى كل الحدود والمعتقدات، وهذا من الأمور الطبيعية التي فطرت عليها الشخصية الإنسانية إذ تسعى دائما إلى اكتشاف مواهب الآخرين، وكيف وصلوا إلى هذا، للاقتداء بهم واقتفاء أثرهم، والسير على منهاجهم أو مواصلة ابداعهم، ولا يخفى نور أهل البيت عليهم السلام على كل ذي بصيرة، فهم السراج الوهاج والقمر المنير، لذا كان لشخصياتهم أثر كبير عند كل إنسان على اختلاف دينه ومعتقده، فتجد سيرهم على لسان الناس يحكونها ويكتبون فيها؛ لأنهم (عليهم السلام) نعم المثل الأعلى الذي يقتدى به، وكيف لا! وهم المعصومون المنزهون الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ومن أكثر الأئمة (عليهم السلام) تأثيرا في الناس بكل جنسياتهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد لهج الكل بذكره وذكر فضائله حتى أعدائه؛ لأنه (عليه السلام) أعظم من الشمس، والشمس لا يحجبها غربال؛ فكيف هو؟.

ويبرز تأثير أمير المؤمنين (عليه السلام) في العلماء والمفكرين من الديانة المسيحية على اختلاف طوائفهم، فنجد الكثير منهم كتب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجالات شتى. ومنهم المفكر الأردني روكس بن زائد العزيزي الذي يدين بالديانة المسيحية الكاثوليكية، فقد ألف كتاباً في أمير المؤمنين (عليه السلام) أسماه ( الإمام علي أسد الإسلام وقدِّيسه):  وذكر في مقدمته ((أحببت الإمام عليّاً كرّم الله وجهه، من اليوم الذي قرأت فيه سيرته الخصبة، وحياته النبيلة، وقد كنت أحسّ بأنّ انقسام الناس فيه دليل على العظمة!

وكم كنت أودّ أن أُسجّل انطباعاتي عنه فأتهيّب، كالّذي يريد أن يخوض البحر، وهو يرى البحر للمرّة الأُولى في حياته!

أو كالّذي يحاول أن يحلّق في الجو وهو يجهل الطيران!

هذا هو الشعور الذي كان يخامرني كلّما مددت يدي إلى القلم!

كنت في الخامسة والعشرين من عمري يوم كتبت مقالاً عنوانه( قدّيس الإسلام).

قرأته على صديق لي، فقال: (هذا شعر! لكن ثق بأنّك لن ترضي النصاري، ولا تُعجب المسلمين! ستكون متّهماً على أي حال!...).

وطويت المقال وها أنا ذا بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة أشعر بأنّ سحر هذه الشخصية يجذبني لأكتب، فإذا كتبت شيئاً يستحقّ القراءة، فإنّما أكتب بوحي من أسد الإسلام وقدّيسة))[1].

ويظهر من هذه المقدمة مدى الحب الذي في قلب هذا الشخص اتجاه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكيف يبين لنا أن  هذا الكتاب لم يكن وليد الساعة بل هو عبارة عن تأملات لعمر طويل في شخصية الإمام (عليه السلام) حتى استوت الفكرة في المرحلة التي كان فيها شيخ

كبير قد تمرس على الكتابة وبدا قلمه سيّالا لما في قلبه، فاستغل هذه الإمكانية التي حصل عليها في بلورة هذا الكتاب ليكون على أتم وجه، ليتناسب مع شخصية الإمام (عليه السلام).

ويقول العزيزي في نهج البلاغة "يقيناً إنّ كل مثقف عربي، كل كاتب عربي، كل شاعر عربي، كل خطيب عربي مدين للإمام علي، فإذا كان كل مسلم في الدنيا مدين للقرآن الكريم في تكون عقليته وتفكيره فإنّ كل مثقف عربي مدين لنهج البلاغة في تقويم قلمه"[2]. 

وهذا يشير إلى قراءته لنهج البلاغة بكل تأمل وتدبر حتى أن النهج ساعده في تقويم قلمه، ويبين أن على كل مثقف وكاتب وشاعر وخطيب أن ينهل من معين أمير المؤمنين (عليه السلام) ليرقى بنتاجه إلى اعلى المراتب.

ويختم كتابه بكلمات تنبع من روح عالية ونفس مولعة بحب أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يطرزها بعبارات جمالية تبهر القارئ، إذ يقول مخاطبا أمير المؤمنين (عليه السلام):

"أبا الحسن!

أيّها الإمام العظيم

هذه انطباعات كانت تجول في خاطري نحوك من زمن بعيد!

حاولت أن اصوّر فيها نفسك الكبيرة شجاعتك وعلمك سخاءك وجودك.

كتبت ما أشعر به أنّه حق، واعتمدت على المراجع التي وثقت بها، ولا أقول إنّي اطّلعت على ما كُتب عنك لأنّه شيء كثير وكثير!

فإن نالت منك القبول يا أيها الإمام العظيم فحسبي ذلك.

إنّها كلمة لم يعوزها الإخلاص، ويقينا أنّ الكلمة التي تخرج من القلب لن تجد مستقرّاً لها إلّا القلب.

سيقول بعض الذين ما تعوّدوا الصدق والإخلاص المجرّدين: إنّ العزيزي متحمّس للإمام كأنّه من الشيعة، الحقّ إنّي لست شيعيّاً ولست مسلماً بل أنا عربي نصراني كاثوليكي، ومن هنا تعلّمت أن أقول ما أعتقد حقّاً، كائنة ما كانت نتائجه وأنا فوق هذا أعتقد أنّ العظيم كل عظيم ليس ملكاً لفرقة ولا هو حكرة لدين أو مذهب، فأنا كما قال البحتري:

وأراني من بعدُ أُكلف بالأشراف            طرّاً من كل سنخ وأس"[3]

وما يميز هذا الكاتب عن غيره طريقته في السرد، فهو يجمع بين المنهج العلمي الرصين، والطريقة الروائية في طرح المعلومات، التي جاءت بأسلوب منمق جميل وبسيط.

هذا بعض ما تركه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أثر في نفوس الشخصية الإنسانية على وجه العموم، فهو كما يقول هذا المفكر أنّ العظيم كل عظيم ليس ملكاً لفرقة ولا هو حكرة لدين أو مذهب.

-----------

[1] الإمام علي أسد الإسلام وقدِّيسه: مقدمة المؤلف.

[2]  المرجع نفسه: 225

[3] المرجع نفسه: خاتمة الكتاب.

*مؤسسة علوم نهج البلاغة – العتبة الحسينية المقدسة  
2017/11/20