جدل قانون الأحوال الشخصية.. هل يجيز الإسلام الزواج من «الفتاة الصغير»؟!

نزلت الآية الكريمة: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة: 189) لتصحح سلوكًا كان متبعًا في الجاهلية، إذ كان بعضهم إذا أحرم للحج وأراد دخول منزله، لا يدخله من بابه، بل يتخذ في جدار البيت فتحة من الخلف يدخل منها. فجاء الإسلام بنهي عن هذا التصرف، وأمرهم بالدخول من الأبواب.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ورغم نزول الآية في هذا السياق الخاص، فإن العبرة أعم، إذ "المورد لا يخصص الوارد"، كما هو معروف. وقد أشار الإمام الباقر عليه السلام في "محاسن البرقي" إلى أن الآية تشير إلى أهمية أن يُؤتى الأمر من وجهه، أي بالطريقة الصحيحة والمشروعة، فقال عليه السلام: «يعني أن يأتي الأمر من وجهه أي الأمور كان».

وفي سياق دلالتها الأعم، يُفهم من الآية تحذير من استغلال الأحكام الدينية والقوانين الشرعية بطرق غير التي شُرعت من أجلها. وقد استخدم الإمام الصادق عليه السلام الآية ليبين أن الأوصياء هم أبواب الله التي منها يُعرف، إذ قال في "الكافي": «الأوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتى، ولولاهم لما عُرف الله عز وجل، وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه».

وتتجلى في هذه الآية دعوة إلى الالتزام بروح الشريعة، التي تضع لكل حكم شروطًا وحدودًا لا ينبغي تجاوزها. وهذا الأمر ليس مقتصرًا على الشريعة الإسلامية وحدها، بل هو موجود في كل الشرائع السماوية والوضعية، إذ لا تخلو شريعة من أحكام مقيدة بأحكام أخرى، تجسد القاعدة الشهيرة لدى فقهاء المسلمين: "ما من عام إلا وقد خُص، وما من مطلق إلا وقد قُيد."

في خضم الجدل الدائر حالياً حول قانون الأحوال الشخصية، يُثار تساؤل حول إباحة الإسلام لزواج الصغيرة التي لم تبلغ سن الرشد. ويتخذ البعض من هذا الأمر وسيلة للطعن في التشريعات الدينية، متناسين – أو متجاهلين عن عمد – أن الإسلام حين أباح زواج الصغيرة وضع شرطاً أساسياً وهو أن يكون هذا الزواج في مصلحتها. فقد قيّد الإسلام ولاية الأب على ابنته بمصلحة البنت، ليس وفقاً لرؤيته الشخصية فحسب، بل بحسب نظرة العقلاء ومنطقهم.

ومن الواضح أن زواج الصغيرة كان سائداً في الأزمنة الماضية، حيث كانت الظروف الاجتماعية والثقافية مختلفة تماماً عن زماننا هذا، الذي لا يرى فيه العقلاء مصلحة غالباً في تزويج الصغيرة. وبناءً على ذلك، لا يجوز لولي الصغيرة أن يزوجها إلا إذا تحقق من وجود مصلحة حقيقية لها في هذا الزواج.

وبصيغة فقهية دقيقة، يمكن القول إن صحة تزويج الصغيرة هي حكم أولي، ولكنه مقيد بشرط يتغير بتغير الزمان والمكان، وهو شرط "مصلحة البنت". وهذه المصلحة قد تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر، مما يعني أن الحكم ليس مطلقاً، بل هو خاضع لاعتبارات وظروف متغيرة.

وقد تناول سماحة المرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) هذه المسألة بوضوح جلي لا لبس فيه، حينما أجاب على سؤال طرحته مراسلة قناة BBC، حيث ألقى الضوء على التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع. لقد أوضح سماحته، ببصيرته الفقهية وعمق فهمه للتشريعات الدينية، أن الأحكام المرتبطة بزواج الصغيرة ليست مطلقة، بل مشروطة بمصلحة الفتاة كما يراها العقلاء في السياق الزمني والمكاني الراهن. بهذا البيان، قطع سماحته الطريق أمام محاولات التشكيك والطعن في القوانين الإسلامية، مؤكدًا أن الإسلام يراعي مصالح الأفراد ويرتكز على قواعد مرنة تتكيف مع تطورات الزمان والمكان.

فعند سؤال مراسلة BBC: لدينا تسجيلات مصورة لرجال دين يقدمون نصائح دينية تفيد شرعية عقد زيجات مع اطفال دون السن القانوني في العراق وهو 15 عاماً. بعض رجال الدين هؤلاء يشيرون الى فتيات صغيرات جداً، كما أنهم يحددون الممارسات الجنسية التي يقولون أنها شرعية.