سرّ إلهيّ في غيّبته: هل يخاف الإمام المهدي من القتل؟

قبل بيان أيّ شيء يرتبط بعلة الغيبة، لا بدّ أن نعلم أنّ الله حكيم، ولا يفعل عبثاً، ولا يأمر إلا بما فيه المصلحة للعباد، وقد أمر الله تعالى الإمام المهدي (عليه السلام) بالغيبة.

وعليه: فلا بدّ أن تكون لغيبته حكمةٌ، وإنْ جهلنا وجه الحكمة، ولم نتوصل إلى المصلحة من ذلك، ولا يجب على الله تعالى أن يكشف لنا عن العلة الحقيقية والحكمة الكامنة وراء غيبة الإمام عليه السلام، فنحن نؤمن بوجود الحكمة، وإن جهلنا بها تفصيلاً.

والعلة الحقيقية الكامنة وراء غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) غير معلومة لنا تفصيلاً، وهي من الأسرار الإلهية التي لم يؤذن لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بالكشف عنها، وقد أخبرونا أنها ستنكشف بعد ظهوره المبارك.

نعم هناك بعض العلل، ولنسميها بالأسباب الظاهرية، أو المباشرة، من وراء الغيبة كالخوف من القتل، وامتحان الشيعة وتصفيتهم، وكي لا تكون في عنقه بيعة، كما كانت لآبائه وأجداده السابقين، فإنهم تحت الضغط اُخِذَت منهم البيعة لطغاة زمانهم، والبيعة كانت تقيّدهم من الحركة والخروج، ولذا غاب الإمام (عليه السلام) كي لا تكون في عنقه بيعةٌ لأحد من الطغاة، وليتحرك كيف يشاء.

وهذه العلل وإن كانت صحيحة، ولكن هذا لا يمنع من وجود أسباب وعلل أعمق وأعقد من التي ذكروها في الروايات، لا تنكشف إلا بعد ظهور الإمام (عجل الله فرجه).

وإليكَ أحد الأسباب طبقاً لما وردَ في الروايات، ولما يمكن أن يفهم منها:

وهو الخوف من القتل

إنّ السلطة الجائرة كان قد تناهى إلى سمعها أنّ الثاني عشر من الأئمة، وابن الحسن العسكري، هو المهدي المنتظر الذي وعدَ به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه سيخرج بالسيف، ويدعو إلى نفسه، ويسقط عروش الظالمين، ويملأ الأرض عدلاً، ولذا حاولوا جاهدين الوصول إليه لاعتقاله ومن ثمّ القضاء عليه، كما فعل الفراعنة مع نبي الله موسى عندما تناهى إلى سمعهم أنّ مولوداً سيسقط عروش الفراعنة، فمكروا ومكر الله، والله خير الماكرين. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: أنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون عدد الأئمة إثني عشر إماماً، لا أقل و لا أكثر.

وعليه: فماذا يفعل الإمام الثاني عشر؟ فإما أن يسلّم نفسه للقتل. أو يغيب عنهم منهم ليحفظ نفسه.

ولا خيارَ ثالث.

ولذا غابَ الإمام المهدي خوفاً على نفسه من القتل.

قد يقال: فليقتل كما قُتِل آباؤه!

نقول: الفرض أنه المهدي المنتظر، صاحب النهضة العالمية، وأنّ عدد الأئمة اثنا عشر فقط، فقتله يعني بطلان حجج الله وبيّناته، وأنّ الأرض ستخلو من حجة، ومن ثمّ ستسيخ بأهلها، ومن هنا كثرت الروايات المصرّحة أنّ علة الغيبة وسببها هو الحفاظ على النفس من القتل، والغيبة والاختفاء لأجل الحفاظ على المشروع الإلهي.

روى الكليني بسند معتبر عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم، إنه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل. (الكافي للكليني: 1 / 340).

روى الصدوق بسنده عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لابد للغلام من غيبة. فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل. (علل الشرائع للصدوق: 1 / 243).

والروايات كثيرة في المورد.

وصرّح السيد المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهما من المتقدمين، إلى أنّ العلة الحقيقية الكامنة وراء الغيبة هو خوف الإمام على نفسه من القتل، وإلجاء الظالمين له على ذلك. (المقنع في الغيبة للمرتضى، ص52، الغيبة للطوسي، ص329).