أسسه النبي.. أصل التشيع: من آية قرآنية أم رواية؟!

من الذي جاء بالتشيع، وحمل الناس عليه؟ وهل يرجع إلى أصل من أصول الإسلام، ومصدر من مصادره كآية من كتاب اللّه، أو رواية من السنة النبوية؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وقد أجاب الشيعة عن ذلك إجابة حاسمة وواضحة، وأثبتوا بالأرقام من أقوال أهل السنة، وكتبهم الصحاح أن النبي هو الذي بعث عقيدة التشيع، وأوجدها، ودعا إلى حب علي وولائه، وأول من أطلق لفظ الشيعة على أتباعه ومريديه، ولولاه لم يكن للشيعة والتشيع عين ولا أثر.

قال العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق»: ذكر الإمام احمد بن حنبل في مسنده، والثعالبي في تفسيره أنه لما نزلت الآية 214 من سورة الشعراء: «وانذر عشيرتك الأقربين» جمع النبي من أهل بيته ثلاثين، فأكلوا، وشربوا، ثم قال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون خليفتي، ومعي في الجنة؟ قال علي: أنا. فقال له: أنت.

ونقل الشيخ محمد حسن المظفر في كتاب دلائل الصدق ج 2 ص 233 عن كتاب كنز العمال ج 6 ص 397 أن النبي قال لعشيرته: قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟ قال علي: أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه فأخذ النبي برقبته، وقال: إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لولدك علي[1].

وبهذه المناسبة ننقل ما ذكره الأديب المصري عبد الرحمن الشرقاوي في كتاب «محمد رسول الحرية»، قال في ص 80 الطبعة الأولى:

«ورأى محمد أن يجمع أسرته من بني عبد المطلب، ويدعوهم إلى الإيمان بما جاء به، فليس أحب إليه من عشيرته. وأولم لهم في بيته، وبدأ يتكلم. وبدأوا كلهم يسمعون لمحمد، وهو يحدثهم عما جاء به. ولكن أحداً لم يستجب إليه: إلا علي بن أبي طالب. هو وحده الذي انتفض يؤكد أنه سينصر محمداً بسيفه. وضحك من الاستخفاف بعض الكبار، فقد كان علي هذا أصغر الحاضرين، كان اذ ذاك ما يزال فتى صغير السن، تتقدم به سنه إلى أول الشباب، ولكن محمداً لم يستخف بحماسة علي، فقد قام إليه، فعانقه وبكى».

وقال الأميني في الجزء الأول من كتاب «الغدير»[2] ص 9 طبعة 1372 هجري: بعد أن رجع النبي من حجة الوداع، وهي الحجة التي لم يلبث بعدها إلا قليلاً، ووصل إلى غدير خم جمع الناس، وخطبهم وقال فيما قال:

إن اللّه مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات، ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض من بغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

ثم ذكر الأميني من رواة هذا الحديث 120 صحابياً، و84 تابعياً، أما طبقات رواته من أئمة الحديث وأساتذته فقد بلغوا 360، وبلغ المؤلفون في حديث الغدير من السنة والشيعة 26 مؤلفاً.

وقد اعتبر الشيعة حديث الغدير هذا نصاً بخلافة علي بعد النبي، ومن هنا اهتموا به هذا الاهتمام البالغ، وأهل السنة يعترفون بصحة هذا الحديث، ويقولون بصدوره عن النبي، ولكنهم أوَّلوا الولاء بالحب والإخلاص، لا بالحكم والسلطان، فحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» أشبه عندهم بحديث «يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق» وغيره من الأحاديث الدالة على مكانة أهل البيت وعلو شأنهم، والحب وعلو الشأن شيء، والنص على الخلافة شيء آخر.

وأجاب الشيعة عن ذلك بأن قول النبي أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يدل بصراحة ووضوح على أن نفس ولاية النبي الدينية والدنيوية هي بعينها قد جعلها النبي لعلي بعده، إذ جعل علياً نظير نفسه في أنه أولى بهم من أنفسهم، ولا شيء سوى ذلك، ولو كان للفظ المولى ألف معنى ومعنى.

لفظ الشيعة

وكما أثبت الشيعة من كتب السنة وأقوالهم أن النبي هو الذي بعث عقيدة التشيع ودعا إليها أثبتوا أيضاً من طرق السنة أن النبي أول من أطلق لفظ الشيعة على من أحب علياً وتابعه، قال الشيخ محمد حسين المظفر في كتاب «تاريخ الشيعة» ص 5 طبع النجف: جاء في كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر وفي كتاب النهاية لابن الأثير، إن النبي قال: يا علي إنك ستقدم على اللّه أنت وشيعتك راضين مرضيين.

وجاء في الدر المنثور للسيوطي إن النبي قال: إن هذا - وأشار إلى علي - وشيعته لهم فائزون يوم القيامة.

ثم قال صاحب «تاريخ الشيعة»: فكانت الدعوة إلى التشيع لعلي من محمد تمشي منه جنباً لجنب مع الدعوة إلى شهادة لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه.

وبهذا يتبين معنا إن المصدر الأول والأخير للشيعة والتشيع هو النبي دون سواه، فإن كان التشيع هو السبب لتمزيق المسلمين وتفريق كلمتهم كما زعم بعض السنة فالمسؤول عن ذلك هو النبي وحده دون سواه.

الشعر

وكان لأحاديث الشيعة والتشيع أثر ظاهر في أشعار الصحابة، نقل طرفاً منها الشريف المرتضى في كتاب «العيون والمحاسن»[3] والشيخ الأميني في كتاب «الغدير». من ذلك ما جاء في ج 1 ص 11 و ج 2 ص 39 من كتاب الغدير إن حسان بن ثابت قال للنبي بعد أن أعلن قوله من كنت مولاه فعلي مولاه: ائذن لي يا رسول اللّه أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن، فقال له النبي: قل على بركة اللّه، فقام حسان، وقال: يا معشر مشيخة قريش، اتبعها قولي بشهادةٍ من رسول اللّه في الولاية:

يناديهم يوم الغدير نبيهم*** بخم واسمع بالنبي مناديا

وقد جاء جبريل عن أمر ربه*** بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل اللّه ربهم*** إليك ولا تخشَ هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه*** بكف علي معلن الصوت عاليا

فقال فمن مولاكم ووليكم*** فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا*** ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني*** رضيتك من بعدي إِماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه*** فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه*** وكن للذي عادى علياً معاديا

فيا رب انصر ناصريه لنصرهم*** إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

وفي ج 2 ص 67 من كتاب «العيون والمحاسن» أن خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين صاحب رسول اللّه، قال:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا*** أبو حسن مما نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس انه*** أطب قريش بالكتاب وبالسنن

وإن قريشاً لا تشق غباره*** إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن

وصي رسول اللّه من دون أهله*** وفارسه قد كان في سالف الزمن

وأول من صلى من الناس كلهم*** سوى خيرة النسوان واللّه ذو المنن

وصاحب كبش القوم في كل وقعة*** يكون لها نفس الشجاع لدى الذقن

فذاك الذي تثني الخناصر باسمه*** امامهم حتى أغيب في الكفن

وفي الكتاب المذكور أن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال عندما بويع أبو بكر:

ما كنت أحسب أن الأمر منتقل*** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتهم*** واعلم الناس بالآيات والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومن*** جبريل عون له في الغسل والكفن

ماذا الذي ردكم عنه فنعلمه*** ها ان بيعتكم من أول الفتن

وقال عبد اللّه بن سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:

وكان ولي الأمر بعد محمد*** علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي رسول اللّه حقاً وجاره*** وأول من صلى ومن لان جانبه

وقال الصحابي جرير بن عبد اللّه البجلي:

فصلى الإله على أحمد*** رسول المليك تمام النعم

وصلى على الطهر من بعده*** خليفتنا القائم المدعم

علياً عنيت وصي النبي*** يجالد عنه غواث الأمم

وقال عبد الرحمن بن حنبل:

لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة*** على الدين معروف العفاف موفقا

عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجداً*** صدوقاً وللجبار قدماً مصدقا

أبا حسن فارضوا به وتبايعوا*** فليس كمن فيه لذي العيب منطقا

علي وصي المصطفى ووزيره*** وأول من صلى لذي العرش واتقى

وهذا الشاعر الصحابي هو الذي قال في عثمان بن عفان[4]:

واحلف باللّه جهد اليمين*** ما ترك اللّه أمراً سدى

ولكن جعلت لنا فتنة*** لكي نبتلي بك أو تبتلى

دعوت الطريد فأدنيته*** خلافاً لما سنه المصطفى

ووليت قرباك أمر العباد*** خلافاً لسنة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس الغنى*** -مة آثرته وحميت الحمى

وفي الجزء الثاني من كتاب «الغدير» ص 67 أن الصحابي قيس بن سعد بن عبادة قال:

وعلي إمامنا وإمام*** لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولا*** ه فهذا خطب جليل

إنما قاله النبي على الأمة*** حتم ما فيه قال وقيل

وفي كتاب «أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» لكاظم آل نوح سنة 1374 هجري ص 43: نقلاً عن جمهرة الخطب أن سعيد بن قيس الهمداني كان يرتجز يوم صفين بقوله:

هذا علي وابن عم المصطفى*** أول من أجابه لما دعا

هذا الإمام لا يبالي من غوى

وفي الكتاب المذكور ص 44 أن الفضل بن أبي لهب قال:

الا إن خير الناس بعد محمد*** مهيمنه التاليه في العرف والنكر

وخيرته في خيبر ورسوله*** تبيد عهود الشرك فوق أبي بكر

وأول من صلى وصنو نبيه*** وأول من أردى الغواة لدى بدر

فذاك علي الخير من ذا يفوقه*** أبو حسن حلف القرابة والصهر

وفي صفحة 45 نقلاً عن كتاب «صفين» لنصر بن مزاحم أن زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي قال يوم صفين:

فحوطوا علياً فانصروه فانه*** وصيي وفي الإسلام أول أول

وان تخذلوه والحوادث جمة*** فليس لكم عن أرضكم متحول

وفي كتاب «أمالي الشيخ المفيد» ص 91، منشورات المطبعة الحيدرية بالنجف:

إن علي بن أبي طالب لما بلغه مسير طلحة والزبير لحربه خطب في الناس، وقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: أما بعد، فإن اللّه تبارك وتعالى لما قبض نبيه قلنا نحن أهل بيته وعصبته

وورثته وأولياؤه أحق خلائق اللّه به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا منا، وولوه غيرنا. وايم اللّه لولا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعود الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا، وقد ولي ذلك ولاة مضوا لسبيلهم، ورد اللّه الأمر إليّ، وقد بايعني طلحة والزبير، ثم نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما لغشهما هذه الأمة، وسوء نظرهما للعامة.

فقام الصحابي بو الهيثم بن التيهاني، وقال: يا أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعاً في الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسداً أحبط اللّه به أعمالهم، وأثقل أوزارهم، وما رضوا أن يساووك، حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حياً، وقضيت عنه الحقوق ميتاً، واللّه ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك ثم انشأ:

إن قوماً بغوا عليك وكادوا*** ثم عابوك بالأمور القباح

ليس من عيبها جناح بعوض*** فيك حقاً ولا كعشر جناح

أبصروا نعمة عليك من اللّه*** وقرماً يدق قرن النطاح

وإماماً تأوي الأمور إليه*** ولجاماً يلين غرب الجماح

كلٍ ما تجمع الامامة فيه*** هاشمياً له عراض البطاح

حسداً للذي أتاك من اللّه*** وعادوا إلى قلوب قراح

ونفوس هناك أوعية البغض*** على الخير للشفاء شحاح

من مسر يكنه حجب الغيب*** ومن مظهر العداوة لاح

يا وصي النبي نحن من الحق*** على مثل بهجة الاصباح

فخذ الاوس والقبيل من الخز*** رج بالطعن والوغى والكفاح

ليس منا من لم يكن لك في اللّه*** ولياً على الهدى والفلاح

فأشعار الصحابة والأحاديث النبوية تدل دلالة واضحة على أن التشيع بمعنى وجود النص على علي بالخلافة بعد النبي بلا فاصل كان موجوداً في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله.

*مقتطف من كتاب الشيعة في الميزان للشيخ محمد جواد مغنية (ره)

 

[1] ذكر هذا الحديث محمد حسين هيكل في كتاب «حياة محمد» طبعة أولى، ثم حذفه في الثانية لقاء 500 جنيه، ودليلنا المقابلة بين الطبعتين. انظر التعليق ص 114 من «أعيان الشيعة» ج 1 قسم 1 طبعة 1960.

[2] هذا الكتاب للشيخ عبد الحسين الأميني، وقد بلغ 12 مجلداً ضخماً، جمع فيه النصوص على خلافة علي من طرق السنة ورواياتهم عن النبي، وقد بلغت المئات، وطبع الكتاب أكثر من مرة في طهران، والمؤلف من علماء الشيعة في هذا العصر ومحل ثقة الجميع واحترامهم.

[3] 1 - هذا الكتاب جمعه الشريف المرتضى من أقوال استاذه الشيخ المفيد، وطبع في النجف سنة 1937 باسم الفهرست خشية ان تمنعه السلطة يومذاك لو طبع باسمه الحقيقي.

[4] كتاب «الاستيعاب» ج 2 ص 407 طبعة 1939