هل يحق لغير المعصوم تولي السلطة؟ الإمام علي (ع) يجيب..

يقول الامام علي عليه السلام: «وإنَّهُ لابُدَّ لِلنّاسِ مِن أميرٍ؛ بَرٍّ أو فاجِرٍ، يَعمَلُ في إمرَتِهِ المُؤمِنُ، وَيَستَمتِعُ فيهَا الكافِرُ، ويُبَلِّغُ اللّهُ فيهَا الأَجَلَ، ويُجمَعُ بِهِ الفَيءُ، ويُقاتَلُ بِهِ العَدُوُّ، وتَأمَنُ بِهِ السُّبُلُ، ويُؤخَذُ بِهِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ؛ حَتّى يَستَريحَ بَرٌّ، ويُستَراحَ مِن فاجِرٍ) ﻧﻬﺞ ﺍﻟﺒﻼغة: 92 ).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 

هل الرواية تدل على مشروعية تولي غير المعصوم السلطة؟ ووجوب طاعته.. وما معنى فجور الأمير في النص أعلاه.. وهل التسليم لهم واجب او يجب الاعتراض على سلوكهم عند اي خطأ ومنكر منهم؟

لقد جاءت هذه الكلمات من أمير المؤمنين (عليه السلام) في معرض الرد على الخوارج الذين قالوا (لا إمرة إلا لله)، فقال رداً عليهم: "كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِها باطِلٌ! نَعَم، إنَّهُ لا حُكمَ إلّا للّهِ، وَلكِنَّ هؤُلاءِ يَقولونَ: لا إمرَةَ إلّا للّه! وإنَّهُ لابُدَّ لِلنّاسِ مِن أميرٍ؛ بَرٍّ أو فاجِرٍ.."، ومن خلال فهم الشبهة التي أراد أمير المؤمنين معالجتها يمكننا أن نفهم المؤدى النهائي لكلامه والغاية التي أراد الوصول إليها.

فإذا رجعنا لكلام الخوارج نجد أن مشكلتهم ليست في التردد بين الحاكم البار والحاكم الفاجر، وإنما مشكلتهم مع أصل وجود حاكم يسوس أمر الناس، وفي هذه الحالة يصبح خيار الخوارج في قبال الخيار الآخر وهو خيار وجود حاكم سواء كان باراً أو فاجراً، فالخيارات محصورة في خيارين لا ثالث لهما، الأول: أن يكون الناس بدون نظام وحاكم يسوسهم، والثاني: أن يكون لهم حاكم يسوسهم، والخيار الثاني بطبعه يحتمل أمرين، الأول أن يكون الحاكم باراً، والثاني أن يكون الحاكم فاجراً، وإنكار الخوارج متوجه لكلا الاحتمالين، وعليه لا يمكن الرد على الخوارج بيان فضل الحاكم البار على الحاكم الفاجر، وإنما ببيان فضل الحاكم مطلقاً سواء كان باراً أو فاجراً، وهذا ما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو لم يكن في مقام بيان شرعية الحاكم، ولا في مقام بيان طرق الوصول إليه، ولا في مقام بيان ترجح خيار على خيار آخر، وإنما كان في مقام بيان ضرورة وجود الحاكم في قبال من يرفض تلك الضرورة.

فالحياة لا يمكن أن تستمر بأي شكل من الاشكال في حالة الفوضى وعدم وجود نظام وحاكم، بينما يمكنها أن تستمر في ظل النظام والحاكم حتى وإن كان فاجراً.

وقد تمت الإشارة في هامش نهج البلاغة إلى كلام شبيه بما ذكرناه، حيث اعتبر كلام امير المؤمنين (عليه السلام): "برهان على بطلان زعمهم أنه لا إمرة إلا لله، بأن البداهة قاضية أن الناس لا بد لهم من أمير بر أو فاجر حتى تستقيم أمورهم، وولاية الفاجر لا تمنع المؤمن من عمله لإحراز دينه ودنياه، وفيها يستمتع الكافر حتى يوافيه الأجل ويبلغ الله فيها الأمور آجالها المحدودة لها بنظام الخلقة وتجري سائر المصالح المذكورة".

وفي المحصلة فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن في مقام إعطاء الشرعية للحاكم سواء كان معصوماً أو غير معصوم وإنما في مقام التأكيد على أن الحياة لا تستقيم بدون حاكم، وعليه ليس في الحديث دلالة على وجوب السمع والطاعة للحاكم الفاجر الذي لا يلتزم بحدود الله، كما لا يحرم الحديث الخروج على الظالم والاعتراض عليه طالما لم يكن الخيار البديل هو الفوضى والبقاء بدون نظام حكم.