صحيفة أعمالك يوم القيامة.. هل هي من الورق؟!

‏لقد تحدّثت آيات قرآنية وروايات عديدة عن صحيفة أعمال الإنسان. وكلّ هذه الآيات والرّوايات تؤكّد علی أنّ جميع الأعمال و جزئياتها و تفصيلاتها تكون مدوّنة في صحيفة الأعمال، و في يوم البعث و القيامة، يستلم الإنسان صحيفة عمله بيمينه إذا كان محسنا و يتناولها بشماله إذا كان مسيئا.

ففي الآية (١٩) من سورة الحاقة نقرأ! فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ‌ وفي الآية (٢٥) من نفس السورة نقرأ قوله تعالی حكاية عن الإنسان الخاسر: وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ‌. وفي الآية (٤٩) من سورة الكهف نقرأ قوله تعالی: ووُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَی الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها، وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.

‏وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام، يتعلق بالآية- مورد البحث- اقْرَأْ كِتابَكَ ...

‏قال: «يذكر العبد جميع ما عمل، وما كتب عليه، حتی كأنّه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصاها‍».

‏وهنا يطرح هذا السؤال؛ عن ماهية هذه الصحيفة وكيفيتها؟

‏ممّا لا شك فيه أنّها ليست من جنس الكتب والورق والصحف العادية، لذا فإنّ بعض المفسّرين قالوا بأنّ صحيفة الأعمال ليست سوی «روح الإنسان» والتي تكون جميع الأعمال مثبتة فيها لأنّ أي عمل نعمله سيكون له أثر في روحنا شئنا أم أبينا.

‏وقد تكون صحيفة الأعمال، هي أعضاء جسمنا وجلودنا، و الأعظم من ذلك هو أنّ الصحيفة قد تكون متضمّنة في الأرض و الهواء و الفضاء الذي يحيطنا و الذي نعيش فيه، لأنّ هذه المفردات هي و وعاء أعمالنا، فترتسم الأعمال في أفق الأرض الهواء و الوجود الذي حولنا، هذا الوجود الذي تنحت في ذراته أعمالنا أو آثارها وعلی الأقل.

‏وإذا كانت هذه الآثار غير محسوسة اليوم، ولا يمكن دركها في الحياة الدنيا هذه، إلّا أنّ ذلك- بدون شك- لا يعني عدم وجودها؛ فعند ما نرزق بصرا جديدا آخر (في يوم القيامة) فسوف يكون بإمكاننا أن نری جميع هذه الأمور، ونقرؤها.

‏علی أنّ استخدام الآية الكريمة لتعبير (اقرأ) ينبغي ألا يغيّر من تفكيرنا شيئا إزاء ما ذهبنا إليه آنفا، لأنّ كلمة «اقرأ» تتضمّن مفهوما واسعا، وتدخل الرؤيا بمفهومها الواسع هذا، فنحن مثلا و في تعابيرنا العادية التي نستخدمها يوميا نقول:

‏قرأت في عيني فلان ما الذي يريد أن يفعله، كما أنّنا في عالم اليوم أخذنا نستخدم كلمة «اقرأ» بخصوص الأشعة التي تؤخذ للمرضی، هذا بالرغم من أنّ الأشعة، هي صورة تخضع للمشاهدة لا للقراءة، وهذا المثال و الأمثلة التي سبقته‌ تؤكد ما ذهبنا إليه أنّ المشاهدة تدخل في إطار المعنی الواسع للقراءة.

‏وقد تقدم في عدّة آيات أنّ تفصيلات صحيفة الأعمال هذه، لا يمكن إنكارها بأي وجه، لأنّ الآثار الحقيقية الموضوعية (أي الخارجية) والتكوينية للعمل تشبه كثيرا الصوت المسجّل للإنسان، أو الصورة المأخوذة له، أو بصمات أصابعه، وأيّا من هذه الآثار لا يجد الإنسان إلی نكرانها سبيلا!

*مقتطف من تفسير الأمثل