كيف عرضت الأمانة على السماوات والأرض وهي غير عاقلة؟!

قالَ السيّدُ المُرتضى - رضيَ اللهُ عنه - في أجوبةِ المسائلِ العكبريّة حيثُ سُئلَ عن تفسيرِ هذهِ الآية:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

إنّه لم يكُن عرضٌ في الحقيقةِ على السماواتِ والأرضِ والجبال بقولٍ صريحٍ أو دليلٍ ينوبُ منابَ القول، وإنّما الكلامُ في هذهِ الآيةِ مجازٌ أريدَ به الإيضاحُ عن عظمِ الأمانةِ وثقلِ التكليفِ بها وشدّتِه على الإنسان، وإنّ السماواتِ والأرضَ والجبالَ لو كانَت ممّا يقبلُ لأبَت حملَ الأمانةِ ولم تؤدِّ معَ ذلكَ حقّها، و نظيرُ ذلك قولهُ تعالى "تكادُ السماواتُ يتفطّرنَ منه وتنشقُّ الأرضُ وتخرُّ الجبالُ هدّا" ومعلومٌ أنَّ السماواتِ والأرضَ والجبال جمادٌ لا تعرفُ الكُفرَ منَ الإيمان ولكنَّ المعنى في ذلكَ إعظامُ ما فعلَه المُبطلون، وتفوّهَ به الضالّون، وأقدمَ به المُجرمونَ منَ الكُفر باللهِ تعالى، وأنّه مِن عِظمِه جارٍ مجرى ما يثقلُ باعتمادِه على السماواتِ والأرضِ والجبال، وأنَّ الوزرَ به كذلك، وكانَ الكلامُ في معناه ما جاءَ به التنزيلُ مجازاً واستعارةً كما ذكرناه، ومثلُ ذلكَ قولهُ تعالى "وإنَّ منَ الحجارةِ لمّا يتفجّرُ منهُ الأنهار" ومعلومٌ أنَّ الحجارةَ جمادٌ لا يعلمُ فيخشى أو يرجو ويؤمّل وإنّما المرادُ بذلك تعظيمُ الوزرِ في معصيةِ الله تعالى وما يجبُ أن يكونَ العبدُ عليه مِن خشيةِ الله [تعالى] وقد بيّنَ اللهُ ذلك بقولِه في نظيرِ ما ذكرناه "ولو أنَّ قرآناً سُيّرَت به الجبال" فبيّنَ بهذا المثلِ جلالةَ القرآن وعِظمَ قدرِه وعلوّ شأنِه وأنّه لو كانَ كلامٌ يكونُ به ما عدّه ووصفَه لكانَ بالقرآنِ لعظمِ قدرِه على سائرِ الكلام وقد قيل: إنَّ المعنى في قولِه "إنّا عرَضنا الأمانةَ" عرضَها على أهلِ السماواتِ وأهلِ الأرض وأهلِ الجبال، والعربُ يخبرُ عن أهلِ الموضعِ بذكرِ الموضع ويسمّيهم باسمِه قال اللهُ تعالى "واسأل القريةَ التي كنّا فيها والعيرَ" يريدُ أهلَ القريةِ وأهلَ العيرِ وكانَ العرضُ على أهلِ السماواتِ وأهلِ الأرض وأهلِ الجبال قبلَ خلقِ آدم وخيّروا بينَ التكليفِ لمّا كلفَه آدم وبنوه فأشفَقوا منَ التفريطِ فيه واستعفوا منهُ فاعفوا، فتكلّفَهُ الانسانُ ففرّطَ فيه، وليسَت الآيةُ على ما ذكرَ السائلُ أنّها هيَ الوديعةُ وما في بابِها ولكنّها التكليفُ الذي وصفناه.