من أسمائه الحسنى ’المؤمن’.. بماذا يؤمن الله؟!

من أسماء الله تعالى (المؤمن) فبماذا يؤمن الله؟ وما معنى هذا الاسم، وعلى ماذا يدل؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

الإيمان مصدر آمن وأيمن، ويعني التصديق والاعتقاد الجازم الذي لا يشوبه ريب، ولا يرقى إليه شك، والمؤمن هو المصدّق بالشيء تصديقا يقينيا جازما لا شك فيه ولا ريب، كما هو الحال في المؤمن بالله، أي المصدق به المعتقد بوجوده سبحانه وتعالى.

والمؤمن من أسماء الله الحسنى التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن ندعوه بها في قوله عزّ من قائل في الآية (180) من سورة الأعراف: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وقد ورد هذا الاسم المبارك في آية واحدة في القرآن الكريم، هي قوله سبحانه وتعالى في الآية (23) من سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

وقيل إن له معنيين، أولهما متعلق بالله عز وجل، كتصديقه لنفسه وشهادته لذاته بالوحدانية قبل تصديق وإيمان وشهادة خلقه له بذلك، وهو ما أشار إليه في قوله تعالى في الآية (18) من سورة آل عمران: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، والمعنى (أنه بين لخلقه توحيده وألوهيته بما أقام لهم من الدلائل) كما في المجلد الخامس، الجزء التاسع ص400 من مجمع البيان للطبرسي.

وكذا تصديقه لرسله وأنبيائه فيما بعثهم به إلى خلقه، وإظهار صدقهم وإعلاء كلمتهم على غيرهم، وكذا تصديقه للمؤمنين بإيمانهم، وتكذيبه الكافرين بكفرهم...إلى غير ذلك مما يعود إلى ذاته ويتعلق به سبحانه وتعالى.

والمعنى الثاني متعلق بالعباد وإليهم يعود، فالله هو المؤمن لأنه تعالى يهب الأمن ويعطي الأمان، وفي لقرآن الكريم عدة آيات تشير إلى هذا المعنى، بل تذكره صراحة وتؤكد كل التأكيد، ونحن نذكر بعضها دون شرح ولا تعليق حتى لا يطول بنا المقام.

فمن ذلك إعطائه الأمن للمؤمنين الصادقين، كما في قوله تعالى في الآية (82) من سورة الأنعام: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

وهو الذي جعل للمتقين مقاما آمنا، فقال في الآيتين (51-52) من سورة الدخان: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، كما أعطاهم الأمن والسلام، فقال في الآيتين (45-46) من سورة الحجر: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}.

كما وعد المؤمنين أن يستبدل خوفهم بالأمن كما في قوله سبحانه في الآية (56) من سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

وهو سبحانه وتعالى معطي المؤمنين العاملين المحسنين الأمن من فزع يوم القيامة، كما في قوله عز وجل في الآية (89) من سورة النمل: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}، وقوله عز من قائل في الآية (37) من سورة سبأ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}.

وهو الذي جعل البيت الحرام مكان أمن وأمان، كما دلت على ذلك عدة آيات بينات، منها قوله تبارك وتعالى في الآية (97) من سورة آل عمران: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}.

إلى غير ذلك من الآيات البينات الدالة على أن الله هو مصدر الأمن، ومعطي الأمان، وهذا عدى ما ورد في الأحاديث الشريفة الدالة على ذلك، كما في الحديث عن ابن عباس: (إذا كان يوم القيامة أًخرج أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي، حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي، قال الله تعالى لباقيهم: "أنتم المسلمون وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن" فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين) كما في ج10ص401 من تفسير (من هدي القرآن).

وأما الأدعية الشريفة فمليئة بهذا المعنى، ومنه ما في دعاء الافتتاح: (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يُؤْمِنُ الْخائِفينَ، وَيُنَجِّى الصّالِحينَ، وَيَرْفَعُ الْمُسْتَضْعَفينَ، وَيَضَعُ الْمُسْتَكْبِرينَ، يهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرينِ)

بل هو الأمن والأمان لكل هذا الكون بكل عوالمه وموجوداته، ولو ارتفع أمنه وأمانه عنه لحظة بل وأقل، لعاد عدما ولما أصبح له من وجود، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.