تقاطع الحريات في العراق: واقع مكتظ بالممارسات الخاطئة.. كيف نعالجه؟

ما كان لمجتمع من المجتمعات الانسانية وهو يصنع منظومته التشريعية والقانونية أن يغفل مسألة الحرية، وذلك لما لهذه المفردة من مساس عميق بشكل العلاقة بين الفرد والمجتمع. وعلى ضوء ما يحدده الفلاسفة والمشرعون في خصوص فهم الحرية وسبل تطبيقها وما تجدّ فيه الحكومة من إلزام الناس بذلك التحديد يتسنى للمجتمع ان يحافظ على إطار عام من الاستقرار والازدهار.

  وبالنسبة للمجتمع العراقي فإننا لن نجانب الحق إذا ما قلنا ان هذه المفردة هي من أبرز ما حملته رياح التغيير التي هبت في العراق فيما بعد 2003، بعد ان كانت مغيبّة الى حد شبه تام أبان حكم النظام البائد والذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود. ولكنها ـ وللأسف ـ قد ألقيت ـ فهما وتطبيقا ـ في مسرح الاضطراب السياسي والامني الذي عاشه العراق فيما بعد هذا التاريخ. فكان لها بذلك الدور الفعال في تفعيل الفوضى وترسيخها في مفاصل الحياة العراقية.

إن من أهم العوامل التي أدت الى اكتظاظ الساحة العراقية، فيما بعد 2003، بالممارسات الخاطئة، على صعيد الحرية، هي مخلفات الحقبة الزمنية السابقة متمثلا ذلك بـ :

  1. الدكتاتورية المرعبة التي مارسها النظام البائد وحظر الحريات ـ على اي صعيد كان ـ جعل من الحرية مادة شبه مجهولة بالنسبة للمواطن العراقي ولا يحسن استخدامها.
  2. الجدب الثقافي والحضاري الذي أصر النظام البائد على تكريسه في المجتمع العراقي طيلة سنوات حكمه الطويلة، دفع بأرباب السلوك المشين الى التحرك وفق معطياتهم السلوكية والاخلاقية من دون رادع.
  3. الفهم الخاطئ لدى الفرد العراقي ـ الخلط غير الصحيح ـ لما هو حكومي ينتمي الى الحاكم الدكتاتور وما لا ينتمي اليه، مثل الشرطي وشرطي المرور والموظف والمؤسسة الحكومية، كل هذه الاشياء صارت تعامل وغيرها صارت من وجهة نظر المواطن العراقي من توابع النظام، في حين انها من صميم ما يشكل المنظومة الخدمية للمجتمع.
  4. رد الفعل النفسي الهائل لعقود الكبت التي عاشها الشعب العراقي.  

كل هذه الاسباب شكلت ظاهرة التجاوزات القانونية والاجتماعية في المجتمع العراقي فيما بعد 2003، ولكننا ـ هنا ـ لن نغفل نقطة هامة وهي أن هذه الظاهرة قد دعمّت بشكل كبير من قبل الانفلات الامني وما انتجه من تفشي الجريمة واستباحة لحقوق الاخرين، بمعنى ان اشكالية الحرية في فهمها وتطبيقها لا تحتل إلا جزءا يسيرا من المشكلة في حين تمثل النوازع الشريرة وارباب الانحراف الجزء الاكبر وبالتالي فإن خطوات الردع والاصلاح الامني هي الكفيلة بحل الاشكالية أكثر مما يعوّل فيه على الطرح الفكري.

في حين أن ثمة إشكالية أخرى تخص الحرية، فهما وتطبيقا، ولها الاثر الواضح في الواقع العراقي طيلة ما بعد النظام البائد، هي المبنية على أساس فكري وتعتمد، في تشخيصها وعرض حلولها، على الجهود الفكرية الرصينة. وأعنى بتلك الاشكالية الحرية الدينية، أو بشكل أدق إفرازات التدين او اللا تدين على التباين العقائدي لدى العراقيين وعلى الممارسات العملية في الحياة العراقية الناجمة عن ذلك التباين.

المتدينون لهم فضاءهم الخاص والممتلئ بضرورة الخضوع لأساسيات الدين ومقدساته بالإضافة الى ممارساتهم الاجتماعية كالشعائر والمسيرات المليونية وغيرها، واللامتدينون لهم فضاءهم الممتلئ بضرورة الفكر الحر والممارسات المتنوعة كعيد الحب والكرسمس وغيرها، و لاشك ان تواجد الطرفين ضمن بلد واحد يؤدي الى تماس وتقاطع بين تلك الافرازات.

علينا، في محاولة الوصول الى رؤية واضحة ومن ثم الحل الناجع لهذه الاشكالية، ان نشخص بشكل دقيق عواملها واسبابها المباشرة وغير المباشرة والمتمثلة بـ :

  1. العامل الثقافي وتأثيره الكبير على الاشكالية حيث اننا لو رجعنا في الخلاف الديني الى عقود سابقة، كان فيها المجتمع العراقي يرتع في بحبوبة ثقافية عالية، نجده خلافا مبنيا على اساس فكري رصين، والدينيون واللادينون كانوا يديرون نقاشاتهم بوحي من قراءات فلسفية وعلمية عالية المستوى، في حين ان اغلب المنتمين الى هذا الطرف او ذاك، اليوم، يقفون على مسافة بعيدة من الدائرة الثقافية.
  2. في العقود السابقة حين كان التيار الفكري العالمي يتماشى ما يعكسه على متعلقات الانسان كالسلوك والهندام وغيرها مع ما يقره الدين، كان الديني واللاديني يشتركان بالتقيد بتلك المتعلقات والانتصار لها كقيمة عليا، في حين ان ما يعكسه ـ اليوم ـ التيار الفكري العالمي، ما بعد الحداثة وضرب الثابت، على متعلقات الانسان يتنافى مع تعاليم الدين مما أدى الى تضاد مع الدين، فربما كان الشخص غير مهتم بموضوع الدين سلبا او إيجابا، ولم يكن يهتم الا بأن يلبس او يتحرك ضمن اطار السائد ولما كان ذلك في قبالة الدين اصبح هو قبالته وضمن المعسكر اللاديني.
  3. الاسلام السياسي الذي اقتضى تخطيط القوى العالمية نشره في الدول العربية كبديل عن الاتجاه القومي الذي صنعته لهذه الدول طيلة القرن العشرين، حصر الدين بمواضيع سياسية مثل العنف وامكانية تطبيقه كنظام حكم، واسدال الستار على مواضيع انسانية واجتماعية لا حصر لها يتشكل منها الاسلام.
  4. التدين الذي ساد المجتمع العراقي في التسعينات لم ينتج عن وعي حقيقي او ايمان صحيح يرتقي بالفرد الى مراقي الاتجاه الى الله بقدر ما كان سلوكا بشريا فعلّه عاملان، الجدب الاقتصادي والتزام الدين لمناهضة السلطة المعادية له، ومع سقوط النظام البائد واستغراق العراقيين بأحلام عريضة عن التنمية والعمران وما يمكن ان يوفره بلد ثري كالعراق لا بناءه من رفاهية تعممت ـ فيما يخص الدين ـ فكرة الفصل بين الدين الذي هو علاقة بين الفرد والله وبين ما يصنع التنمية والتقدم. ولما تنكبت الاحزاب الاسلامية الحكم بنشاط اسطوري مدمر للعراق، دفع ذلك بالخلاف الديني الى حال لا ينفع فيه اي اساس فكري ومنطقي.
  5. رجل الدين العراقي، الداخل في دائرة المناصب ـ مهما كانت ضئيلة ـ متهم لا تثبت براءته، والخارج عنها ليس في الحسبان.
  6. قيام بعض السياسيين ولأغراض شخصية، باعتماد بعض التشريعات الاسلامية والقول بفرضه في المجتمع مع عدم وجود اي ارضية صالحة للقول بهذا التشريع، مما يؤدي الى اشعال فتيل التصادم الاعلامي بين الطرفين... كقرار منع الخمور مثلا.

كل هذه العوامل كوّنت علاقة مضطربة بين الديني واللاديني في المجتمع العراقي فيما بعد سقوط النظام البائد، جعلت من الجانب الفكري والعقائدي في ما يربط الطرفين مادة تفتقر الى المناخ الصحي الذي يمّكن من ابراز صورة واضحة المعالم للحرية تُعتمد في تسوية الخلاف الفكري بين ما يتبناه اللادينيون من الفكر الحر وما يتبناه الدينيون من بضرورة الخضوع لأساسيات الدين ومقدساته، وما يهمنا هنا هو الجانب العملي في تلك العلاقة وأعني الممارسات التي ينهض بها الطرفان، سيما اننا نرى اللا ديني يعتمد مفهوم الحرية في تأييد ما يدعو اليه كمسيرات عيد الحب وغيرها وايضا في الاعتراض على ممارسات الديني كالمسيرات المليونية بدعوى انها تكبل حرية الطرف الاخر وتعيقه في ممارسة حياته اليومية. 

ان القول الفصل في اشكالية الواقع العملي هي أن الافتقار الى ما يمكن من تسوية الخلاف الفكري الذي يضفي الشرعية والقانونية لسلوك هذا الطرف او ذاك، فليس في الوسع إلا ان نترك الحرية لكل طرف يراها كما يريد وبالتالي يمارس ما يريده... بمعنى ان من حق المتدين ان يقيم طقوسه وشعائره كما يشاء وللطرف الاخر نفس الحق بشرطين:

  1. ان لا يتجاوز اللاديني، بذريعة الحرية، حدود الثابت الاخلاقي العراقي.
  2. أن يراعى الموقع الجغرافي المحسوب لأي من الطرفين، بمعنى ان ليس من حق اللاديني فرض ممارساته الخارجة عما تسمح به الشريعة في الاماكن والمدن المقدسة، وله قبالة هذا ان يمارس حريته في غيرها من الاماكن مع ضرورة مراعاة النسبة العددية المؤيدة لطرف ما، أي على اللا ديني ان يرضخ لحقيقة تواجده في مدن عراقية ذات نسب عظمى ممن يتمسكون بشعائر كالمسيرات المليونية وغيرها، حيث ان ابسط تنظيرات الديمقراطية تقتضي الالتزام بحكم الأكثرية ولا تعد خضوع الاقلية استبدادا.  
2019/02/05

تعرّف على 5 طرق للتخلص من الشجار بين أطفالك

إذا كثرت مساحة الشجار بين أبنائك.. لا تقلق كثيراً!! ‏طالما أن هناك "أوقات مشتركة ممتعة" بينهم تفوق مرات الشجار عدداً.

فلابد من الجدال بين الإخوة، وهو متوقع عندما يتشاركون اللعب والأنشطة، وروتين الحياة، ولكن المقلق هو عندما يقل الصراع بينهم لأن كل منهم منشغل بنفسه وشؤونه.

أو بجهازه الخاص.. بعيداً عن الآخر.

‏قد ترتاح أنت من "الضجّة" التي يتسببون بها لك، ولكن علاقتهم مستقبلاً قد تكون ضعيفة.

استثمر الصراع بين الإخوة لمواقف يتعلمون منها: الحوار.. النقاش.. الصلح.. الاعتذار.. الاستماع.. تقبل الآخر.. العفو والتسامح.. وغيرها الكثير حسب الموقف.

لا تنظر لها كمواقف مزعجة تتمنى أن تنتهي فقط، بل استثمرها لصالحهم.

وهنا يكمن الفرق بين المربي الواعي صاحب النظرة البعيدة، والمربي غير الواعي الذي لا يتعدى تفكيره اللحظة الحالية.

إذن من الطبيعي أن تقع المشكلات بين أطفالك فما هو دورك أيها المربي حين يقع الخلاف؟‏

١- بداية لا تكن سبب تأجيج الفتنة بين أطفالك، بسماعك للشكوى على بعضهم باستمرار.

‏٢- ولا تنصر طرفاً دون السماع للآخر، بل كن عادلاً منصفاً ‏دون تحيّز للأكثر ظرافة أو الأكثر جمالاً أو لمن سبق بالشكوى!! ‏

‏٣- وإذا جاءك صغيرك مشتكياً من الأكبر لتصرفٍ ما أزعجه منه

علّمه جملاً تعبر عن الاستياء:

‏"لو سمحت لا ترمي المخدة عليّ" ‏وطرقاً ليعبر عن انزعاجه: "ما رح ألعب معك" ‏ليتعود أن يحل مشاكله بنفسه؟

‏دون الشكوى ودون الاستسلام بضعف.

‏٤- من الحلول أيضاً عند وقوع الخلاف ‏كتابة معاهدة بين الطرفين بالتفاهم وحل المشكلة فيما بينهم لأنهم "اخوان ويحبون بعض" ونقض المعاهدة يستوجب الجزاء ثم يوقعون.

٥- ليس بالضرورة أن تتدخل دائماً، اجعلهم يتحاورون ويحاولون حل المشكلة فيما بينهم، فتدخلك قد يجعلها تأخذ منحىً آخر، ويحرمهم فرصة حل المشكلات. ‏

وبذلك أنت تزرع بينهم الحب بدل العداوة، التفاهم بدل الصراخ والضرب، الحوار بدل الفتنة، وإخوةً متحابين كالبنيان المرصوص، وتكون قد خلقت من الخلاف موقفاً تربوياً يتعلمون منه دروس حياتية جديدة بإذن الله.

2019/01/30

تحاول منع ابنك من الخطأ؟ .. أنت تتعب نفسك!!

تقول إحدى الأمهات: كنت عصبية جداً مع أبنائي والسبب أنهم يرتكبون الخطأ نفسه عشرات المرات، وفي كل مرة أعاقبهم وأنصحهم و أوبخهم، فيتعذرون ويبكون ثم يؤكدون أنهم لن يفعلوا هذا الخطأ ثانية، ولكنهم طبعاً يرتكبون الخطأ نفسه مرة ثانية وثالثة، كان هذا الامر يصيبني بالجنون واليأس. وتخيلت أن أبنائي غير صالحين وأنني أم فاشلة..

ولم أهدأ الا بعد أن فهمت طبيعة النفس البشرية، لقد عملت أن كل بني آدم بما فيهم أولادي خطاء كثير الخطأ والخاطئون درجات أفضلهم التائبون بعد كل ذنب.

وهنا فهمت أن واجبي كأم ليس إيقاف الخطأ، بل هو تعليم أبنائي التوبة والعلاج ليكونوا من خير الخاطئين، وهكذا هدأت أعصابي، وأصبحت كلما أخطأ أحد أبنائي أتعامل معه برفق وحب وأحياناً أعاقب هادئ وعتاب.

وبعد معالجة كل خطأ يرتكبه ابني أذهب لركني في البيت وابتسم واقول الى اللقاء يا بني في المعركة القادمة.

لقد ارتحت لأنني كنت في الماضي أسعى لكي يتوقف ابني عن الخطأ، أما اليوم فأسعى لأعلمه فن التعامل مع الخطأ. كنت فيما مضى أجتهد لكي يكون ابني من "غير الخطائين " وطبعا لم أنجح لأن هذا عكس الطبيعة البشرية.

أما اليوم فأنا اسعى لكي يكون ابني من خير الخاطئين، وأسال الله تعالى النجاح والتوفيق

أتذكر دائماً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".

من هنا ينبغي أن نعرف أنه عندما تجتهد ليكون ابنك من غير الخاطئين فأنت تضيع وقتك وتبعثر جهدك وتظلم ابنك فغير الخطائين هم الملائكة. أما نحن البشر فكلنا ذوو أخطاء، ولتكون مربياً ناجحاً اجتهد من اليوم أن يكون ابنك من "خير الخطائين".

أخيراً.. تقبل خطأ ابنك برفق وتعامل معه بصبر وعلمه كيف يتوب منه ويصحح ما أفسدت يداه.

2019/01/28

بر الأبناء ليس بالوراثة.. هل أخبرتهم من قبل بما تحب وتكره؟!

أجلس مسترخية بعد انتهائي من إطعام الصغار وتنظيف المنزل ألتقط أنفاسي وأستعيد توازني  حيث بادر صغيراي بإحضار كوب من الماء البارد واحتضاني وشكري على جهدي.

ترى قريبتي هذا الموقف فتتنهد وتقول: "الأولاد البارين رزق وهبة من الله".

توقفت عند كلمتها أفكر ثم أردفت: "نعم صحيح هم نعمة ولكن البر ليس بالوراثة وليس فطرياً إنما هو مكتسب.. علمي أبناءك البر".

-هل سبق وأن أخبرت أبناءك ماذا تحبين وماذا تكرهين؟

- هل دفعتيهم إلى عمل ما ينفعك وعودتيهم على ما تريدين؟

- هل وضحت الخطوط الحمراء التي تمنعينها معك وحدود المسموح والممنوع؟

- هل ترين هذا الحدث الذي حصل أمامك هو نتيجة مرات ومرات من الحث والتحريض والطلب المباشر وغير المباشر.

فتارة كنت أطلب..

ثم أصبحت ألمح أنكم إذا وجدتموني في تعب فإني منهكة بحاجة لشيء يسد رمقي وأحيانا أعاتب وأشيح بوجهي عنهم.

ثم أذكرهم في مرات ومرات وأبادر بفعل هذا حين يعودون من المدرسة وأفعله للضيوف وأذكر ذلك أمامهم حتى أصبح لديهم هذا شيء من التعويد.

كنت ولا زلت أذكرهم بعدم رفع الصوت خلال الكلام معي..

والجلوس بطريقة محترمة والنظر لي حين المخاطبة..

ولا أقبل أن تمر كلمة بذيئة بقصد أو دون قصد.

يسحب ولدي صحن الحلوى الخاص به حين أمد يدي فتعلمه أختي "لا يصح أن تمنع والدتك من شيء تشتهيه بل عليك أن تفضلها على نفسك وتقدم لها ما تشتهيه ولو كنت تريده، أنت سيعوضك الله بحبك لها وهذا باب للتوفيق والسعادة والبر".

يخرج أبنائي للسوق فأستقبلهم عند عودتهم «ماذا أحضرتم لي» وأظهر الحزن حين لم يتذكروني.. في الأيام اللاحقة يسرعون لي بقطع الشوكولاتة التي أحب.. "ماما تذكرتك" فأشكرهم وأثني عليهم وأكافئهم حتى أصبحوا لا يدخلون إلا وفي أيديهم شيء لي..

كل هذا تمهيد لما أريده منهم مستقبلاً مع الدعاء والتقديم لهم وثقتي بالله أن ينتج ثماراً طيبة..

أتذكر كثيرات ممن أخبرنني أنها تبذل جهداً في كل مرة لكي تعرف ماذا يرضي والدتها التي تتهمها بالعقوق دائماً؛ حتى أصبحن يكرهن التواصل والعمل وتقديم المعروف فالأم لا يعجبها العجب تريد أن تعرف بناتها ماذا تحب وماذا تكره من تلقاء أنفسهن حتى يصدف أن تجدن مفتاحها السحري وقد لا تجدنه.

2019/01/26

«لعبة» تسبب الاكتئاب وتدعو إلى الانتحار!!

يجلس حسام (٢٧عاما) على سجادة من الصنع المحلي ممسكا بهاتفه الذكي وعيناه تدوران في محجريه مثل كرتي زجاج.

يتفاعل حسام وهو على هذه الحال مع ثلاثة من اصدقائه على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) وهم يمارسون لعبة (بوبجي) ذائعة الصيت هذه الايام.

يقول حسام، وهو جندي في الجيش العراقي، في حديث خاص لموقع الأئمة الاثني عشر، أنه يقضي معظم إجازته العسكرية في ممارسة هذه اللعبة مع أصدقائه في الجيش.

يضيف، أن ما أحببته في هذه اللعبة هو طابعها العسكري الذي يشبه يومياتنا في العمل العسكري.

ويمضي بالقول ، امارس لعبة (بوبجي) حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يوميا طوال الإجازة، حتى صرت احلم بها، وحتى عندما استيقظ صباحا اشعر انني للحظات في موقع اللعبة.

لعبة بوبجي هي اللعبة الاوسع انتشارا في الوقت الحاضر، وهي لعبة يتقمص اللاعب فيها دور جندي في وحدة عسكرية من أربعة مقاتلين تحاول تحرير منطقة معينة وقتل أعضاء الوحدات العسكرية المنافسة، وتمتاز بالتفاعل العال بين المشتركين والمتنافسين فيها.

اغلب مصطلحات هذه اللعبة هي مصطلحات خطرة وغير مألوفة في المجتمع، لكنها مصطلحات معتادة ومألوفة في الحروب وساحات المعارك كـ (اقتله، خذ دمه، خذ اسلحته، حاصروهم)، وغيرها.

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

مضامين تدعو إلى الانتحار!

يقول أستاذ الإعلام في جامعة اهل البيت غالب الدعمي في حديث لموقع الأئمة الاثني عشر، أن هذه الالعاب الالكترونية تحمل "مضامين ترويجية وتهدف إلى إيصال افكار معينة، وجر الشباب إلى اعتناق افكار ومعتقدات بعيدة عن التي يؤمن بها الشعب العراقي، وبعضا تسعى إلى سلخ هؤلاء الشباب من وطنهم وبلدهم، وبعضها الآخر تدعو الشباب إلى الانتحار أو القيام بأعمال عدوانية وتعلم سلوكيات اخرى غير مقبولة في المجتمع الاخر".

ويضيف الدعمي، "نلاحظ أنه بين فترة وأخرى ظهور لعبة معينة تنتشر بين الشباب بشكل كبير وسرعان ما تختفي وتظهر لعبة أخرى وهو ما يرجح وجود اياد خفية تقف خلف هذه الالعاب ونشرها وترويجها".

ويؤكد، أن هذه الألعاب لا تبتعد كثير عن الترويج لأفكار ومعتقدات تؤمن بها بعض الدول وتسعى إلى تحقيقها ومن بين هذه الأهداف ابعاد الشباب العراقي والعربي عن أهدافه وطموحاته، والمشاركة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية.

لعب واكتئاب!

وترى المستشارة النفسية والاجتماعية علياء الصافي، أن الالعاب الالكترونية "تؤثر بصورة سلبية على الاطفال ومستقبلهم من نواحي كثيرة سواء كان الضرر من الناحية الصحية، الدراسية، الاجتماعية، النفسية، الثقافية، الدينية".

وتشير الصافي في حديث لموقع "الأئمة الاثنا عشر" ، إلى أن أضرار هذه الألعاب "كثيرة وكبيرة من الناحية النفسية ولها تأثيرات سلبية مثل اضطراب النوم ،القلق ،التوتر ،الاكتئاب،  الانطواء وكذلك زيادة  الأفكار والسلوكيات العدوانية وعدم سماع الإرشاد والتوجيهات من قبل الأهل والتمرد على الأسرة".

وترى ايضا، ان هذه الألعاب قد تكون "أكثر ضرراً من أفلام العنف التلفازية أو السينمائية لأنها تتصف بصفة التفاعلية بينها وبين الطفل وتتطلب من الطفل أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها ويمارسها وتؤثر على الطفل فيصبح عنيفا، فالكثير من الألعاب (القاتل الأول) الموجودة في البلايستيشن تزيد رصيد اللاعب في النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، فهنا يتعلم الطفل ثانية أن القتل شيء مقبول وممتع، وإيذاء الإخوة بعضهم بعضاً من خلال تقليد ألعاب المصارعات وتطبيقها في الواقع".

اÙصÙرة اÙرئÙسÙØ©

وتمضي بالقول، أن هذه الألعاب تؤثر أيضا على الانفعالات "لكونها ترمز إلى التحدي وفي بعض الأحيان إلى الإحباط والإثارة والمفاجأة، ومشاهد الألعاب العنيفة التي تحتوي على القتال والدم والصراع تقدم انموذج مختلف من الشخصيات الإنسانية في المجتمعات المختلفة ومنها (رجل العصابات , المغامر , المقاتل , الشجاع , المجرم العنيف , الرياضي القوي) التي تبهر الأطفال وتجذبهم , لأنها تقدم إليهم كشخصيات بطولية لا تهزم بسهولة".

وتشير الصافي، أن دراسات عديدة أجريت للتعرف على العلاقة بين استخدام أنشطة الكمبيوتر ودرجة التفاعل الاجتماعي لأطفال ما قبل المدرسة، والكشف عن الفروق بين الأطفال مستخدمي الكمبيوتر والأطفال غير مستخدمي الكمبيوتر في درجة التفاعل الاجتماعي، وكذلك الكشف عن الفروق بين أثر استخدام أنشطة الكمبيوتر وأنشطة الروضة على درجات التفاعل الاجتماعي لأطفال ما قبل المدرسة و مدى مناسبة استخدام الكمبيوتر مع هذه المرحلة العمرية.

وتبين ، ان نتائج هذه الدراسات أشارت توصلت الى أن الأطفال مستخدمي الكمبيوتر ضعيفي التفاعل الاجتماعي مقارنةً بالأطفال الآخرين الغير مستخدمي الكمبيوتر.

تحريم الألعاب!!

يقول الباحث الإسلامي السيد هيثم الحيدري لموقع "الأئمة الاثني عشر" ، إنه "لا حرمة في أصل هذه الألعاب، وإنما تحرم لدخولها بعناوين أخرى، من قبيل الإدمان عليها والإخلال بالوظائف الشرعية الالزامية.

ويرى الحيدري، إنه "بما أن كثيرا من الدراسات قد أثبتت أن هذه الألعاب - وإن كانت في عالم افتراضي - لها تأثير خطير على نفسية اللاعب من حيث جعله عدوانياً تجاه الآخرين فلابد من اجتنابها".

وعن الحديث المباشر بين الرجال والنساء في الألعاب الالكترونية،  يقول الحيدري، انه "لا يجوز الحديث بين الرجل والمرأة الأجنبية فيها لما فيه من خوف الوقوع في الحرام ولو بالانجرار اليه شيئاً فشيئاً".

اللعب أثناء الدوام

ويشير الحيدري ايضا الى انه ، لا يجوز للموظف ان يخالف الضوابط القانونية والالتزامات التي تعهد بها بموجب عقد توظيفه، فلا يجوز اللعب إذا كان ممنوعاً عليه بمقتضى عقد التوظيف في اثناء اوقات الدوام الرسمي؛ حتى مع عدم التأثير على سير العمل وفي اثناء وقت الفراغ.

ويوضح ، ان المتخلف عن اداء وظيفته لا يستحق الراتب المقرر له بمقدار التخلف.

ويعتبر، ان دور رجال الدين والخطباء في التوعية الاجتماعية والدينية هو التصدي لببيان الموقف الشرعي منها وبتحذير المجتمع من مخاطرها لما تترتب عليها عواقب دنيوية وأخروية فاسدة، كإهمال الالزامات الشرعية، وتدهور الروابط الاجتماعية، واهدار الوقت الذي ينبغي أن يُنفق للسعادة الحقيقية لا الافتراضية، وخلق الشخصية العدوانية.

علاج فني!

ويؤكد مهندس البرمجيات علي الفاضل في حديث لموقع "الأئمة الاثني عشر"، ان بإمكان الحكومة منع تنزيل العاب معينة من (كوكل بلى) أو أبل ستور بالغرض على الشركات المزودة بمنع التنزيل وهذا يحتاج قرار حكومي وتشريعي.

ومما يسهل ذلك بحسب الفاضل، ان اهم ما تحتاج إليه هذه الألعاب هو الخادم (server) كي يلعب الفريق عليه، وبالتالي يمكن حجب هذا الخادم في البلد.

لكن ذلك يمكن التحايل عليه وتنزيل اللعبة باستخدام برامج الحجب او تنزيلها من مواقع بديلة، كما يقول الفاضل.

2019/01/23

خاص لـ «الائمة الاثنا عشر»: عمل الامهات يضاعف حالات الطلاق في العراق

تعمل السيدة (أ. م) منذ ١٠ سنوات محامية في إحدى محاكم الاستئناف في محافظة بابل جنوب العاصمة العراقية بغداد قبل زواجها من (ع. ر) الذي يعمل موظفا في إحدى الدوائر الحكومية.

تخرج السيدة التي لم تكمل عقدها الثالث من العمر صباحا للذهاب الى المحكمة لممارسة عملها في إنجاز الدعاوى الموكلة بها مقابل مبالغ مالية جيدة تمثل مصدر رزقها.

تقول (ا.م) لموقع الأئمة الاثني عشر، ان زوجي كان في بداية حياتنا الزوجية مقتنعا بعملي، لكن موقفه بدأ يتغير مع ولادة ابننا الوحيد (امير) وزيادة عدد الدعاوى التي التوكل فيها.

وتضيف، يوم بعد آخر بدأت المشاكل تتفاقم وتزداد إلى أن وصلنا إلى أن اضطررت إلى طلب الطلاق، ولاحقا تم ذلك.

وتشير الى انها كسبت دعوى حضانة ابنهما الوحيد (امير) بفضل صغر سنه وتخصصها كمحامية.

في الغالب تلجأ الامهات العاملات المرتبطات بعمل خارج المنزل والموظفات منهن الى تسجيل ابنائهن في حضانات والروضات الاهلية او الحكومية، ما يجعل تربية الاطفال تعتمد بشكل كبير على معلمات الحضانات والروضات بشكل رئيسي مع تضاؤل امهات في حياة الاطفال اليومية.

لكن قبل الخوض في جدلية عمل المرأة، ما هو موقف الشريعة الاسلامية من عمل المرأة؟

يقول استاذ الحوزة العلمية الشيخ مقداد الربيعي في حديث لـ "موقع الائمة الاثنا عشر"، ان الاسلام لا يمنع المرأة من ممارسة العمل مع مراعاة التزاماتها الشرعية، كالحجاب وأخذ اذن الزوج وتجنب الاختلاط مع عدم الأمن من الوقوع في الحرام، بل قد يجب عليها العمل في بعض الموارد كما لو توقف اعالة نفسها او من يجب اعالته عليها كالأبوين والأبناء مع فقد الاب والجد على ما هو المشهور بين الفقهاء، وقد يكون أمراً راجحاً شرعاً كما لو توقفت حاجة المسلمين على وجود اختصاصات نسائية كما في المجالات الطبية.

ما هو نوع العمل الذي يفضله الاسلام للمرأة؟

 ويضيف الربيعي ، قد يختلف العمل المناسب للمرأة باختلاف الحالات، لكن يمكن القول على الأجمال أن اهتمام المرأة بنشأة الأولاد نشأة صحيحة وسليمة لعله من أفضل واجباتها، وله قدم السبق على سائر الوظائف والأعمال، ذلك لأن العمل خارج المنزل قد يقوم به الرجل بصورة أكمل، بينما لا يوجد من يقوم مقام الأم بالنسبة لتربية الأولاد، وبالتالي فإن حضور الأم لفترة أطول الى جانب الطفل، خاصة خلال السنوات الأولى من عمره يوفر الحاجات الجسدية والعاطفية والنفسية والمعرفية اللازمة لتبلور شخصية الطفل ونموه العاطفي بشكل طبيعي.

ويوضح، إن غياب الأم بسبب العمل يتسبب بالكثير من الاختلالات لدى الأطفال.

ويشير الربيعي الى ان عمل المرأة يثير تساؤلا اخر مفاده: هل ان النساء العاملات عندما يتواجدن في البيت قادرات على التعويض عن فترة غيابهن عن البيت؟

ويؤكد، ان المعطيات والأبحاث التي قامت بها أكاديمية العلوم الأمريكية تسببت في إعادة النظر بشكل واسع في جميع الشواهد والأبحاث التي تبين عدم تأثير عمل الأم بشكل دائم على نمو الطفل.

وتابع بالقول، لقد بادر لويس هوفمان الى إعادة النظر في الأبحاث التي أجريت على مدى خمسين عاماً حول عمل الأمهات. فبمراجعته البحثية رأى هافمن أن لعمل الأمهات "تبعات وعواقب سلبية على نمو الطفل، وبمراجعته الخلفية التاريخية لهذا المجال البحثي رأى هوفمان أن الأمهات العاملات مقارنة بالأمهات ربات البيوت يخصصن وقتاً أقل للعناية بالأطفال، فعمل الأمهات وخصوصاً بالفترة الأولى من حياة الطفل له تأثيرات سلبية كثيرة على نموهم.
في السياق ذاته، يكتب الجراح أخصائي الفيسلوجيا والبايلوجيا الفرنسي، الكيس كارليل: إن تعليم الطفل وتربيته يتطلب دقة مستمرة، لا يمكن توفيرها إلا من قبل الأم والأب؛ وذلك لأن الأبوين وخاصة الأم تعرف منذ بداية حياة الطفل بخصائصه الجسدية والنفسية وكفاءاته.

وعلى صعيد آخر، فقد بينت الدراسات التي قام بها الأطباء النفسيون، إن اختلالات عاطفية لدى الأطفال مثل البطء في الكلام وانخفاض مستوى الذكاء  وخمول الحركة وردود الأفعال العاطفية السطحية والاختلال في الحواس وضعف القدرة على التفكير التجريدي يمكن أن تكون من بين التبعات السيئة لحرمان الطفل من الأم.

هل هناك علاقة بين عمل الأمهات وانخفاض مستوى الذكاء عن الأطفال؟

تبين الأبحاث والدراسات أن إظهار الأم حبها وحنانها للطفل يؤدي الى أن يكون الطفل أكثر ذكاء، وقد بينت الدراسات التي قام بها جولد فارب بشكل خاص، أن الأطفال المحرومين من حب الأم وحنانها، هم أقل ذكاءً مقارنة بالأطفال الذين يعيشون حياة طبيعية. ورغم أنه ليس بالضرورة أن يؤدي مجرد الحرمان من حنان الأم الى انخفاض مستوى الذكاء لدى الطفل، إلا إن الحالة يمكن أن يكون سببها وجوده في المؤسسات التربوية ومؤسسات رعاية الأطفال بدل رعاية أمه.

ويرى الربيعي، ان استمرار واستحكام الأسرة يتوقف على القيام بالواجبات التكميلية من جانب كل عضو من أعضائها وبشكل خاص الزوج والزوجة، فالأسرة منظومة موحدة، وإن كل عضو من أعضائها له أدوار وواجبات خاصة، لذا فإن الأدوار والواجبات الموجود في الأسرة تتوقف على مشاركة الطرفين، وتقسيم العمل في القيام بالواجبات مثل التربية والأداء الاقتصادي، وعليه فقيام الرجل او المرأة بواجباته تجاه الأسرة يتطلب تقسيم الأدوار بشكل مناسب وقدرات كل منهما.

عمل المرأة يضاعف حالات الطلاق في العراق !!
في السياق ، يتحدث حيدر الجبوري لـ "موقع الائمة الاثنا عشر" وهو معاون قضائي في احدى محاكم الفرات الاوسط، ان محكمة في ناحية صغيرة من نواحي محافظات الفرات الاوسط سجلت خلال 10 اشهر 1000 دعوى طلاق بينها ما نسبته 20 % بسبب العمل.

ويضيف المعاون القضائي، ان النساء طلبن الطلاق في دعاواهن ضد ازواجهن بسبب رغبتهن في العمل على حساب اطفالهن.

ويشير الجبوري الى ان الامر تعدى الى تسجيل حالات دعاوى تحقيقية في المحكمة بسبب الاصرار على العمل من جانب المرأة ورفض الزوج، وقيام الزوج بحبس زوجته في المنزل ومنعها من الذهاب الى العمل ، وتسجيل دعاوى قضائية في هذا الجانب.

لكن هل ثمة تأثير حقيقي على الاسرة جراء عمل الام؟

وترى الباحثة الاجتماعية حنين الحسناوي، إن الظروف التي تدفع المرأة للعمل بعد زواجها وإنجابها لأطفالها متعددة ومن بينها التغيرات والمطالب الاقتصادية، وفي بعض الأحيان يكون لأجل تحقيق ذاتها.

وتضيف الحسناوي في حديث لـ "الائمة الاثنا عشر"، ان هذا خلق منها إنساناً جديداً له مميزاته وخصائصه النفسية تختلف عن المرأة التي تقوم بدور ربة البيت فقط، وأن الله سبحانه وتعالى  خلق المرأة والرجل مختلفين لغاية التكامل بالأدوار المناطة بكل واحد منهما.

 وتوضح، أن ظاهرة انشغال المرأة ولاسيما الأم لم تعد تدرس من جانب أنها تتعلق بالمرأة نفسها فحسب بل تعدى ذلك الى الأسرة والمجتمع ككل، فخروج المرأة للعمل تاركة وراءها مسؤوليات كبيرة انعكس ذلك على الحياة الاسرية ككل وكان له الآثار العميقة في تغيير وتطوير المركز الاجتماعي للمرأة العاملة، وكذا الأدوار والوظائف في المجتمع ولاشك أن التغيير في الأدوار يصاحبه تغيير في العلاقات.

مشاكل "كبرى"
فيما تؤكد الاستشارية الاجتماعية علياء الصافي لـ "الائمة الاثنا عشر" ، ان اكبر مشكلة تواجه المرأة العاملة هي مشكلة تعدد الأدوار فقد اصبحت  محصورة في نطاق ضيق بين البيت والعمل فهي مشغولة البال طول غيابها عن المنزل بسبب التفكير في ابنائها وخاصة اذا كانوا صغار السن فهم في امس الحاجة اليها وفي الأعمال المنزلية التي لم تستطع القيام بها بسبب ضيق الوقت من جهة اخرى.

وتمضي الصافي بالقول، ان لعمل المرأة حسب ما توصلت اليه الدراسات والبحوث له اثار ايجابية واخرى سلبية على حياتها وعلاقتها الزوجية وتربية الاطفال ومن هذه الاثار، فقد اثبتت ان بيت المرأة العاملة اكثر تنظيماً، واطفالها أحسن مظهراً وسلوكاً وانهن استثمرن وقتهن بشكل احسن للاستفادة منه، وأن ابناء العاملات يتمتعون بذهن وتوفق دراسي احسن من غيرهم، ولديهم الثقة بالنفس والاستقلالية والاعتماد على الذات واكثر توافق اجتماعي من غيرهم من ابناء غير العاملات.

وترى ايضا، ان الزوجة العاملة تخفف من القيود وضغوطات الزوج مما تؤدي الى ارتياحه وتحرره، وعمل الزوجة يجعل منها رفيقاً للزوج في كثير من جوانب الحياة مما يشجع على البناء والتعاون، ويعتبر بعض الأزواج ان دور الزوجة والأم العاملة لزوجاتهم مسؤولية كبرى فهم يعتبرون ان المساعدة والمساندة الزوجية اللازمة داخل الأسرة ايماناً منهم برسالتهم الصعبة.

وتوضح الصافي وهي عضو في مركز الارشاد الاشري في كربلاء ، ان الاثار السلبية لعمل المرأة كثيرة ايضا منها ان عمل المرأة يخلق لدى الزوج شعوراً بتغير الزوجة مما يخلق المشكلات والخلافات، وبعض الازواج يرمي بكل المسؤوليات على كاهل الزوجة مما يحملها المسؤولية وحدها، وان الأمهات العاملات اقل سيطرة وسلطة على الأبناء في المعاملة مع ابنائهم ويسود منازلهن الديمقراطية.

وتشير ايضا الى ان، تكيف الأبناء يقل كلما زاد غياب الأم عن اولادها (5 ساعات) عن المنزل، كما انه متصل مباشرة بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي واي تذبذب فيه يعرقل مسيرة الأم بحكم الرقابة التي على ابنائها عليها خروجها يقلل من الوقت المخصص لتربية الأطفال مما يؤدي الى حدوث صراع بين الزوجين ويحمل الزوج المسؤولية ضياع وانحراف الأبناء وتأخرهم.

 

2019/01/19

لماذا يتراجع الدور التربوي في مدارسنا؟

سؤال ليس بالجديد، بيد أن مستحدثات الواقع وافرازاته السلبية من ظواهر وعادات تطفح على سلوك المراهقين والشباب، تستدعي البحث في دور المؤسسات التعليمية بإنجاح العملية التربوية بالتعاون مع مؤسسات أخرى مثل؛ الأسرة، والعشيرة، والحوزة العلمية، الى جانب عوامل أخرى ذات دخل مباشر مثل وسائل الاعلام؛ التقليدية منها (القنوات الفضائية)، والحديثة (وسائل التواصل الاجتماعي)، كون المؤسسات التعليمية، بدءاً من الصف الأول الابتدائي، وحتى آخر مرحلة في الجامعة، تعد المكان الوحيد –تقريباً- تجتمع فيه هذه الشريحة الطرية وبراعم المجتمع التي تقدمها العوائل صباح كل يوم على أمل أن يحصل ابنهم على العلم والمعرفة وايضاً التربية الصالحة، لانه سيكون في ساعات الدوام (الصباحي او المسائي) في بيت آخر، أوسع واكبر بمساحته وعدد افراده، يتلقى فيه من الدروس والتجارب والعبر.

وقد دارت بحوث ومقالات عدّة في الآونة حول اسباب تراجع الدور التربوي في المؤسسات التعليمية في بلادنا بشكل عام، ومنها العراق، مع استصحاب المنجزات الباهرة لما مضى من الزمن الجميل، وما خرجته المدارس والجامعات من علماء وأدباء وشخصيات راقية خدمت مجتمعها وبلادها في العقود الماضية، وخرج الباحثون باسباب عديدة، نذكر منها ثلاثة فقط ذات طابع موضوعي، ليمكن معالجتها بشكل صحيح.

السبب الاول؛ ويعود الى احتكام البعض من المعنيين بالشأن التعليمي الى فلسفة قديمة تبلورت في القرن الماضي، وتمنح الانسان حرية التصرف والسلوك، وانه المسؤول الوحيد عن تصرفاته، ولا حاجة لجهة تنصحه او ترشده او تهديه، ثم جاء المفكرون والفلاسفة ليبنوا على هذه الفلسفة الليبرالية نمطاً خاصاً بتشريع القوانين التي تحمي "حقوق" هذا الفرد.

وبالامكان ملاحظة هذه الظاهرة في السنوات التي اعقبت تصدير الديمقراطية الاميركية الى العراق لتكون بديلاً النظام الشمولي لصدام وحزب البعث، ومنه طبعاً؛ النظام التعليمي، كما شمل التحول جميع مؤسسات الدولة. ثم إن التحول فيما يخصّ الطالب، شمل ايضاً الكادر التدريسي في المستويات كافة، فهو ايضاً، حرٌ في سلوكه وتصرفاته، ولا يحتاج لمن يدعوه لأن يكون مربياً –مثلاً- إذ هو لا يجد فائدة او حاجة لهذا الأمر.

السبب الثاني؛ ويتعلق بالمؤثرات الخارجية، حيث نجد العجز الواضح لدى شريحة كبيرة ممن يحملون الهمّ التربوي بجدّ وإخلاص، في مواكبة مراحل البناء الفكري والثقافي للطالب، نظراً للسرعة المذهلة لانتشار المعلومات بشكل جارف، وهي تحمل كل ما يثير الغرائز والمشاعر الانسانية بعيداً عن العقل والحكمة، ففي السابق كان المعلم او المدرس، وحتى استاذ الجامعة يستلم الطالب وهو عبارة عن صفحة بيضاء –على الأغلب- نقية وخالية من انماط السلوك الغريب الذي نلاحظه اليوم، علماً أن هذا المأزق يعاني منه الأبوين داخل البيت ايضاً، مما يستدعي التآزر والتعاون بين البيت والمدرسة لانجاح العملية التربوية.

أما السبب الثالث؛ ويتعلق بالوضع الاجتماعي الخاص بنا، حيث يعيش البعض أزمات حادة داخل الأسرة لاسباب عدّة منها؛ قلّة ذات اليد، او حتى كثرة الطلبات بشكل غير معقول، ثم الاخفاقات التربوية في محيط الأسرة، وهو ما نلاحظ انعكاسه السريع والمباشر على الطلاب الصغار او الكبار بشكل عام، فالذي يعجز عن تربية ابنه بشكل صحيح، كيف نرجو منه ذلك لابناء العوائل الاخرى، و "فاقد الشيء لا يعطيه".

 

ولابد من الاشارة بوضوح الى الصنف النسوي من الكادر التعليمي في جميع المراحل الدراسية، فان هذه الحالة تتجلّى فيهنّ اكثر من الرجال، وربما نعذر البعض منهنّ لتراكم الهموم البيتية، مع المشاكل الادارية والتحديات المهنية، واجتماع كل ذلك في طاقة محدودة وكيان حساس ومرهف، مثل كيان المرأة، بيد أن هذا لا يعذر المرأة في مقام الاستاذية أن لا تحترم الطالب كخطوة أولى، قبل التفكير في التربية والتعليم، او ان تكون له أمّاً ثانية –مثلاً-، لان هذا يمثل مفتاح العلاقة الحسنة في مختلف العلاقات البينية والاجتماعية، فاذا فقدنا الاحترام، فما الذي سيربطنا مع بعضنا لتبادل الافكار والآراء، بحيث يفهم بعضنا الآخر؟

لقد قالها أحد طلبة الجامعة بصوت عالٍ: "لن نطالبكم بالاحترام والتبجيل والتشجيع بعد اليوم، ولكن؛ لا تهينوننا..."!!

وفي سياق الحديث عن الحلول والبدائل، علينا الاشارة الى حقيقة هامة لرفع بعض اللبس في جدلية التربية بين البيت والمدرسة في العراق تحديداً، فالمعروف ان المؤسسة التعليمية لا تبرح تلقي اللوم بما يحمله الطالب من طباع وسلوك على البيت والأسرة، وما يتعلمه الابناء من الأبوين وافراد الأسرة، ونقول بصواب ما يذهب اليه الكادر التدريسي والمعنيين في المؤسسة التعليمية، بيد أن الصحيح ايضاً؛ ان العراق، ربما يتميز عن كثير من البلاد باتصافه بقدر كبير من المحافظة والالتزام والعصامية رغم ما يحصل، وذلك بفضل عوامل عدّة، أبرزها الجهد الكبير الذي تبذله المؤسسة الدينية في التوعية والتثقيف والارشاد في المجتمع، الى جانب المناسبات الدينية الكبرى ذات الضخ المعنوي الهائل، وايضاً نشاط مؤسسات ثقافية تعمل في هذا الاتجاه.

كل هذا وغيره يجعل الطالب والطالبة في العراق يحملون قدراً لا بأس به من الالتزام بالآداب والاعراف الاجتماعية المنضوية في منظومة القيم الدينية والاخلاقية، وكل ما موجود لا يعدو كونه نزعات نفسية نحو التظاهر بالأعلمية، والاعتداد بالنفس، والظهور بانهم شريحة يعتدّ بها وليسوا بأقل من الآخرين، وهي مشاعر انسانية مبررة في معظمها، وربما هي لازمة التوثب للانطلاق نحو التقدم والتطور، فاذا تم قمع هذه المشاعر، كيف يتسنّى للطامحين والمبدعين إظهار قدراتهم الذهنية؟ انما يحتاج الأمر الى تقويم وتصويب وتسديد وحسب.

وحتى تكوان كوادرنا التعليمية في أعلى مستويات الأداء التربوي الى جانب التعليمي، يجدر بنا تشكيل ورش عمل و دورات وحلقات نقاش، بل وعقد ندوات ومؤتمرات يشارك فيها اخصائيون في علم الاجتماع وعلم النفس، الى جانب علماء دين وفقهاء لهم الدراية في مجال الأخلاق والعقيدة، للخروج بتوصيات وافكار تمكّن الاساتذة في المستويات كافة على التصرف الحكيم مع أي تصرف خاطئ يصدر من الطلاب مهما كان، ومن ثمّ تقديم البدائل الحسنة للمساعدة على بناء الشخصية السليمة.


* نقلاً عن النبأ

2019/01/15

5 أمور تجعل البركة والتفاهم والوئام في المنزل

تبحث جميع الأسر في عصرنا الحالي عن "التفاهم" و "الوئام" لتحقيق عيش سعيد وحياة يسودها الاطمئنان.

ولكن كيف الوصول إلى ذلك؟

سماحة السيد عادل العلوي يضع أمامنا خمسة أمور لتحقيق التفاهم والوئام في المنزل:

1- كل واحد من أعضاء الأسرة يعمل بما أراد منه الإسلام فلابّد أن يعرف كلّ واحد ما هي وظائفه ومسؤولياته وما له وما عليه أي ماله من الحقوق وما عليه من الواجبات.

2- روح التسامح والعفو يكون الحاكم في الأسرة.

3-  التمسّك بالمشتركات وترك العناد والاستبداد بالرأي.

4 ـ الفداء وأن يقدم كلّ واحد هوى الآخر على هواه ما دام لم يكن مخالفاً للدين.

5- أن يسعى كل واحد لخدمة الآخر ولا سيّما مع روح امسابقة في هذا الأمر ولا ينتظر أن يخدمه الآخرون.

ومن الآيات والسور لتحصين المنزل وأهله سورة يس وآيات الكرسي في الصباح والمساء.

2018/12/16

الأئمة (ع) يعترفون بذنوبهم؟! وهل يذنب المعصوم ليطلب المغفرة؟!!

من المسائل التي قد ثبتت عندنا بالأدلة القطعية - عقلا ونقلا - مسألة عصمة أهل البيت (ع)، وأما الذي نجده في الأدعية المأثورة عنهم (ع) من طلب المغفرة والاعتراف بالذنب فيُلحظ من جهتين:

الجهة الأولى: الشعور بالقصور على قدر المعرفة

إن العبد كلما ازداد معرفة بالله تعالى وبعظمته ازداد شعوره بالتقصير اتجاهه لانكشاف الحقائق لديه ورؤية ملكوت الأشياء الذي يتجلى به عظمة الله تعالى ومنه على خلقه.

ومع ازدياد المعرفة مهما جدَّ العبد وعظمت عبادته يرى نفسه في دائرة القصور أمام عظمة الله جل وعلا، ويرى أنه مهما بلغت عبادته فنعم الله أكثر منها عليه بما لا يُقاس، بل يرى أنه عاجز عن شكر نعمه كما ورد في مناجاة الشاكرين: (إِلهِي أَذْهَلَنِي عَنْ إقامَةِ شُكْرِكَ تَتابُعُ طَوْلِكَ، وَأَعْجَزَنِي عَنْ إحْصاءِ ثَنائِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ، وَشَغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوائِدِكَ، وَأَعْيانِي عَنْ نَشْرِ عَوارِفِكَ تَوالِي أيادِيكَ، وَهذا مَقامُ مَنْ اعْتَرَفَ بَسِبُوغِ النَّعْماءِ وَقابَلَها بالتَّقْصِيرِ.... فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ وَشُكْرِي إِيَّاكَ يَفْتَقِرُ إِلى شُكْرٍ؟! فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الحَمْدُ وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الحَمْدُ)

وفي هذا المضمار أيضا قال أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين: (لا يَرْضَوْنَ مِنْ أعْمالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لِأنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ..)([1]).

فأهل البيت (ع) يشعرون بالتقصير اتجاه الله سبحانه على قدر معرفتهم به، وهذا الشعور مصاحب لهم على الدوام مِما يجعلهم يستغفرون الله (عز وجل) ويطلبون منه العفو والغفران.

الجهة الثانية: تعليم الناس أدب الخطاب مع الله (عز وجل) في الدعاء

لا يخفى أن الداعي يخاطب - في دعائه - المنعمَ الذي منه كل نعمة، والربَ المتوحد في ربوبيته، فلابد أن يكون الداعي عارفا به، كي يُتقن فنون التضرع له ولا يسيء الأدب في حضرته، وبما أن أهل البيت (عليهم السلام) هم أعرف الخلق بالله تعالى فقد أخذوا على عاتقهم تعليم العباد أدب الدعاء والمناجاة وفنون التضرع والاستغفار.. ومن هنا تتجلى صورتان:

الصورة الأولى: لا تنافي في جمع الجهتين اللتين ذكرناهما في آنٍ واحد، إذ يصح القول بأن الامام في حين يشعر بالتقصير على قدر معرفته الملاحظة في قوله: (هذا مَقامُ مَنْ اعْتَرَفَ بَسِبُوغِ النَّعْماءِ وَقابَلَها بالتَّقْصِيرِ)، وفي الحين نفسه يربي الناس على فنون الدعاء.

وبعبارة أخرى: يأخذ الامام دور العبد الذليل بين يدي ربه، ودور المعلم لمن حوله فنون الدعاء لأهميته لأنه مخ العبادة كما ورد.

الصورة الثانية: أهمية الدعاء:

إن الدعاء يمثل الغذاء الروحي في حياة الفرد المؤمن، وهو الحصن الحصين له والدافع لمكاره الدنيا والاخرة، وهو سلاح الأنبياء، لذا اهتم أهل البيت عليهم السلام به أشد الاهتمام قولا وفعلا، بل صدروا من خلاله المعارف الجمة.

ومن أهم مضامين الدعاء هو اللجوء إلى الباري (عز وجل) في كل حال وحين، ولذته لا يستطيع وصفها إلا من تذوقها، وكل مؤمن يتذوقها بحسب درجة معرفته وإيمانه، فالعبد يكون في أوقات دعائه متصلا بمطلق الجمال والجلال والحنان والرأفة والجود والعطاء.

 


[1] نهج البلاغة: خطبة المتقين.

2018/12/01

المرأة تتصدى فتنجح: امرأة فرعون وبلقيس أنموذجاً

قص القرآن الكريم بعض الأحداث ومعالم الحياة لأقوام وأشخاص من الأمم والمجتمعات السابقة. ولم يكن الهدف من هذه القصص تدوين التاريخ ولا التسلية، بل هو التعليم بذكر القدوة العملية في مجال الخير، وذكر أمثلة الانحراف والشر للتحذير منها. فهي أمثلة للعمل والاتباع وليست لمجرد المعرفة النظرية.

كما أن هذه القصص تمثل موقف الإسلام لموقع المرأة في نظام القيم والحقوق والواجبات، لذا فمن المهم التعرض لنماذج ممن ذكرهن القرآن الكريم كأمثلة للأقتداء، وقد عرض لذكر جملة من النساء اللاتي قمن بأدوار بارزة في مجتمعاتهن في مسيرة الإيمان والإصلاح، وقد حفلت التوراة والإنجيل بشواهد اخرى لا ريب في صدق بعضها وسلامة ما ورد في شأنها من التحريف.

وحفل تاريخ الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وآله والمعصومين والتابعين بنماذج من النساء المسلمات الاتي قمن بأنشطة تعبر عن مواهبن وكفاءتهن، كامرأة فرعون والسيدة مريم وابنتي شعيب وبلقيس ملكة سبأ ففي الوقت الذي قمن فيه بأعمال كبرى ومارسن أدواراً قيادية في شعوبهن ضاهين فيها الرجال ممن تصدوا للقيادة في شعوبهم، كن في الوقت نفسه مثالاً للانضباط والكمال في نطاق الأسرة والأمومة والزوجية.

وإذ نفحص عن سبب هذه المواهب والكفاءات فيهن، فإنا نجدها في الحصول على فرص الرجل في التربية والجو الاجتماعي وتيسير الحصول على الخبرات العملية المناسبة، والثقافة والتعليم المناسبين.

إن كل ذلك أدى الى ظهور المواهب والكفاءات العقلية والنفسية والزوجية الموجودة في المرأة بحسب الفطرة وأصل الخلقة، وتكاملها بحيث تتوازن في شخصية المرأة، كما يحدث ذلك بالنسبة للرجل الذي تتاح له هذه الفرص.

ونتعرض فيما يلي الى النسوة اللاتي ذكرناهن كأمثلة لمن قد قمن بأنشطة وتولين مسؤوليات في الحياة العامة، منها السياسي ومنها الاجتماعي والثقافي، ولم يقتصر دورهن على الحياة العائلية والأمومة والزوجية، والعبادة والنشاط الروحي. وقد قمن بهذه الأنشطة بماهن نساء يمثلن صنف المرأة لا استثناء من هذا الصنف. وقد جعلهن الله تعالى مثلاً للذين أمنوا رجالاً ونساءً.

امرأة فرعون مثال المرأة المجاهدة في سبيل الدعوة

قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) التحريم: 11 ـ 12. إن الله تعالى جعل امرأة فرعون مثالاً للذين آمنوا (رجالاً ونساءً) يحتذى في وعي الدعوة والقيام بتبعات هذا الوعي بالانخراط في هذا الجهاد من اجل نشرها والدفاع عنها.

فقد كانت امرأة تعيش كسائر نساء أهل زمانها، وكانت في قمة المجتمع وفي مركز السلطة بكل ما يوفره هذا الموقع من سلطان وترف، وكانت محاطة بمظاهر القوة والسلطة التي يوفر وسائلها الحكم ورئاسة الدولة.

ولكنها مع ذلك كله، عندما تلقت الدعوة الإلهية و وعتها قامت بمسؤوليات الإيمان والتزاماته، لا على صعيد سلوكها الفردي فقط، بل على مستوى المجتمع، فتخلت عن موقعها المتميز وواجهت آلة السلطة، وقوى المجتمع السياسي الديني الوثني، في سبيل نشر الدعوة.

إن الله تعالى ضرب هذا المثل للرجال والنساء، وربما للرجال قبل النساء، في الالتزام العملي بقضايا الإيمان باعتباره صيغة لحياة المجتمع العامة ـ سياسياً واقتصادياً وكرامة ـ وليس باعتباره سلوكاً عبادياً شخصياً فقط، وهذا ما يدل عليه الالتزام، ما حكاه الله تعالى في قولها: (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

بلقيس ملكة سبأ: مثال المرأة الناجحة في قيادة الدولة وإدارة المجتمع

قال تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)النمل: 29 ـ 35.

قص الله تعالى في هذه الآيات سلوك ملكة سبأ تجاه تهديد خارجي باجتياح مملكتها الفتية: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) النمل: 23، ونلاحظ في هذا النص القرآني أن الملكة بلقيس جمعت الملأ، وعرضت عليه المشكلة الطارئة، وهي دعوة النبي سليمان الى الإسلام، وما يتضمنه من تهديد في حال الرفض. فلم تستقل برأيها في اتخاذ الموقف تجاه المشكلة وتفرض على أركان دولتها وعلى شعبها موقفاً استبدادياً، فهي لم تستسلم للتهديد، ولم تستجب للدعوة، وفي نفس الوقت لم ترفضها وتعلن التحدي، بل تصرفت بحكمة، وعبرت بتصرفها عن وعي عميق للمسؤولية، فعقدت مجلس شورى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) النمل: 32، ويبدو انهم توصلوا الى أن مملكة سبأ قادرة على مقاومة الغزو والدفاع عن نفسها، وهذا يعكس ـ فيما يبدو ـ موقفاً سلبياً من دعوة النبي سليمان عليه السلام، يقوم على رفض التهديد والدخول في الإسلام. فكانت حصيلة المشاورات قول أركان الدولة: (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) النمل: 33، إلا أن الملكة عبرت عن حكمة وشعور بالمسؤولية، فلم تتصرف باندفاع انفعالي، بل بنت موقفها على رؤية سياسية حضارية. فشخصت طبيعة السلطة الطاغوتية الفرعونية التي يمارسها ملوك الدول المعاصرة لمملكة سبأ على شعوبهم وعلى من يستضعفونه من الدول الأخرى، وهي طبيعة لا يجوز الاستسلام لها والخضوع لمطالبها: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) النمل: 34، فالقرار المبدئي هو قرار المقاومة والدفاع.

ولكنها لاحظت أمراً غفل عنه قومها في طبيعة رسالة سليمان عليه السلام انه عنونها (بسم الله الرحمن الرحيم) وهذا يؤكد أن سليمان ليس ملكاً طاغية كغيره من الملوك في ذلك العصر، وهذا يقتضي التريث في اتخاذ القرار، والقيام باختبار سياسي لمعرفة حقيقة الدعوة، وانها دعوة للاستلحاق والاستعباد، او أنها دعوة من سنخ آخر تقتضي حواراً سلمياً، ولا تقتضي المجابهة والحرب، فقالت للملأ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) النمل: 35، وكانت عاقبة ذلك أن اكتشفت بلقيس وقادة المملكة أن دعوة سليمان لا تهدف الى الاستيلاء والاستحواذ واحتلال دولتهم، فآمنت واتبعت هدى الله، وجنبت بلادها وقومها الحرب والدمار والقتل والبوار.

إن هذا المثال يكشف عن أن شخصية المرأة مؤهلة للحكم والقيادة كالرجل، وأنها كالرجل أيضاً يمكن أن تقود الى خير ويمكن أن تقود الى شر، بل هي نتيجة تربية خاصة وثقافة معينة درجت بعض المجتمعات عليها.

بل قد صرح القرآن الكريم أن وضع بلقيس السابق على الإيمان كان نتيجة مناخ ثقافي خاص، ولم يكن نتيجة قصور ذاتي فيها، قال تعالى: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ....... قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل: 42 ـ 44.

2018/11/27

حجر الأساس في السعادة!

ولكي نثبت نظرة الاسلام الشاملة إلى الميول الفطرية عند الانسان - ماديها ومعنويها - فيما يخص السعادة البشرية نلفت أذهانكم إلى النقاط التالية:

الإيمان والأخلاق

 إن الايمان بالله، وتزكية النفس وتطهيرها من الجرائم والآثام، والمواظبة على التحلي بالفضائل الانسانية تشكل حجر الأساس في بناء سعادة البشر، وتعد من المناهج المهمة التي يتخذها الاسلام في هذا المجال. وقد وردت في ذلك مئات الآيات والأحاديث. يقسم الله تعالى في سورة العصر. بأن جميع الناس من أي عنصر كانوا، وفي أي زمان عاشوا مبتلون بالخسران والبؤس، إلا الذين أحرزوا بعض الصفات، أولها الإيمان بالله: والعصر، إن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا.... (1) وفي سورة الشمس يقسم بالشمس والقمر، والليل والنهار، والسماء والذي بناها، والأرض والذي بسطها، والنفس الانسانية والله الذي وازن بين عناصرها. وألهمها الخير والشر...

«... قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها (2).

قسماً بكل هذه الآيات الآلهية على أن السعادة والفلاح إنما يكونان لمن طهر نفسه من الآثام ونزه روحه عن الجرائم. وإن الشقاء والخيبة إنما تكونان لمن تلوث بالآثام والجرائم.

يقول الامام علي (ع): عنوان صحيفة المؤمن، حسن خلقه (3).

إن الآيات الكثيرة الواردة في القرآن حول السماء والأرض والأشجار والحيوانات، والنطفة والجنين... إلى غير ذلك من مختلف جوانب الوجود، كلها تهدف إلى أن يوجه الانسان نظره إلى الخالق الكبير فيشتد إيمانه بالله العظيم. وإن الآيات الواردة بشأن الملكات الفاضلة والمثل العليا أو التي تذكر الصفات الرذيلة وتفصل القول في ذمها، إنما نزلت لدعوة الناس إلى اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل، ولذلك فان

الرسول الأعظم (ص) يبين الواجب الذي بعث من أجله فيقول: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (4).

إن كل مسلم يعلم جيداً اهتمام الاسلام البالغ بالروح والكمال والأخلاق، لكن من الواضح لكل مسلم أيضاً أن الروح والكمال والأخلاق ليست هي الكل في الكل بالنسبة إلى سعادة الانسان في الاسلام، أن الاسلام لا يحصر اتباعه في حلقة من المعنويات فقط، بل انه حين يدعوهم إلى تكميل الجانب الروحي يعني تمام العناية بالجانب المادي فيهم ولذائذهم الطبيعية ولأجل أن نتبين موقف الاسلام الصريح في هذا الموضوع علينا أن نتحدث عن رأي القرآن والحديث في المبدأ الاقتصادي ومبدأ اللذة - وهما المبدءان المتداولان في العالم المتمدن اليوم -.

لا شك في أن النشاط الاقتصادي واستغلال الجهود البشرية للانتفاع من الذخائر الطبيعية، لهو من أقوم الارشادات الدينية. وقد وردت بهذا الصدد نصوص كثيرة. ان النبي (ص) والأئمة (ع) يقدرون النشاط الاقتصادي كثيراً، وهو يبلغ درجة قد يبدو الحث عليه فيها غريباً.

ولأجل معرفة قيمة الاقتصاد في الاسلام نورد هنا بعض النصوص:

الجهد البشري

1 - قال رسول الله (ص): طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة (5).

فالسعي وراء المال الحلال لضمان المعيشة واستمرار الحياة واجب على كل فرد من المسلمين.

2 - وقال أيضاً: من أكل كد يده كان يوم القيامة في عداد الأنبياء، ويأخذ ثواب الأنبياء.(6) .

وفي هذا الحديث يقارن بين من يكد ليحصل على قوت يومه، والنبي الذي يكد لإحياء الناس.

3 - وفي الحديث: الكاد على عياله، كالمجاهد في سبيل الله. (7)

فهذا يجاهد لدفع الضرر المادي عن المسلمين، وذاك يكافح لدفع الضرر المعنوي، ودفع الضررين كليهما مطلوب.

4 - وسئل الرسول الأعظم (ص): أي كسب الرجل أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده (8).

5 - كما ورد في الأسلوب الذي كان يعيشه الامام أمير المؤمنين (ع):  كان لما يفرغ من الجهاد يتفرغ لتعليم الناس والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط له يعمل فيه بيديه وهو مع ذلك ذاكر الله تعالى... .(9).

6 - عن عبد الله بن عباس: كان رسول الله (ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني. (10) .

استغلال القوى الطبيعية

وبعد أن أوردنا بعض الأحاديث حول الحث على الجهد البشري والانتفاع منه في شتى المجالات، لنسرد بعض النصوص الواردة بشأن استغلال القوى الطبيعية والاستفادة منها:

1 - في الحديث: إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم الفسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها (11). فمن خلال هذا الحديث ندرك مدى اهتمام الإسلام بتشغيل القوى العاملة لاستغلال كنوز الأرض والاستفادة من خيراتها وعدم التماهل بشأنها، حتى أنه ليحث الانسان على أن يبادر إلى غرس الفسيلة (أو أي جهد إنتاجي آخر) وإن علم بأن القيامة ستقوم بعد لحظات.

2 - قال الامام علي (ع): نعم المال النخل، من باعها فلم يخلف مكانها فإن ثمنها بمنزلة رماد على رأس شاهقة اشتدت به الريح في يوم عاصف. ولا يخفى أن ذكر النخل ليس محصوراً فيه، وإنما عبر به الامام لأن النخيل أكثر انتشاراً من غيرها من الأشجار في الجزيرة العربية، فتراه ينهى عن بيع النخل من دون أن يكون قد زرع نخلاً في مكان آخر يستفيد منها في المستقبل.

3 - وفي حديث عن النبي (ص ): ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة، إلا كانت له به صدقة..

4 - يقول الامام أمير المؤمنين (ع ): من وجد ماءاً وتراباً ثم افتقر، أبعده الله (12).

فهنا نجده (ع) يندد بالذي يملك المواد الأولية للزراعة وهي الماء والتربة.

وتتوفر له الظروف الصالحة فلا يستغلها ويبقى فقيراً، فإنه يستحق غضب الله ولعنته. وهكذا نجد الاسلام يهتم بأمر العمل والانتاج وتشغيل دولب الاقتصاد الوطني إلى درجة لا تسمح بالتكاسل والتواني حتى في أحرج الظروف وأتعس الأوقات. فنجد الامام الصادق عليه السلام يقول لهشام: يا هشام إن رأيت الصفين قد التقيا، فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم (13). وبالرغم من هذا الحث الشديد وهذا الاهتمام البالغ بشأن الاقتصاد والتأكيد على العمل لتقويمه وتقويته في الاسلام، فإنه لا يعتبر الكل في الكل بالنسبة إلى تحقيق السعادة الانسانية، ولا يعطى أكثر مما يستحقه.

إن النشاط الاقتصادي وتشغيل القوى والجهود البشرية لاستغلال الذخائر الطبيعية ليس إلا فرعاً من فروع شجرة السعادة في الاسلام... نعم لابد لنا أن نعترف بأنه فرع مهم وحيوي في تلك الشجرة.

إلا أن الذين يعتبرون الاقتصاد هو الأساس في السعادة، فإن اعتبارهم هذا يكشف عن عدم معرفتهم بحقيقة الانسان. ولذلك فهم ينزلونه – بنظرتهم هذه – عن مقامه الرفيع إلى مستوى آلة صماء أو حيوان فاقد الشعور.

يتبع...


( 1) سورة العصر، الآية 2

( 2) سورة الشمس، الآية: 9 .

( 3) سفينة البحار ص 410 مادة (خلق) .

 (4) المصدر نفسه .

(5) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 23 / 6 .

(6) المصدر السابق .

(7) مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج 2 / 424 .

(8) المصدر السابق ج 2 / 417 .

(9) المصدر السابق ج 2 / 417.والحائط: البستان

(10) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 23 / 6 .

( 11) مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج 2 / 501

( 12) بحار الأنوار للمجلسي ج 23 / 19 .

( 13) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ج 12 / 14 .

2018/11/26

ماذا ورث الإمام الحسين (ع) من الأنبياء؟

لكل شخصية اجتماعية حيثيتان: حيثية شخصية حقيقية، وحيثية حقوقية، والمراد من الأولى ذات الفرد وشخص وجوده، والمراد من الثانية مقامه الاجتماعي، ورتبته في قومه التي تقتضي له جملة من الحقوق، فرئيس القبيلة او ملك البلد كما له شخصية حقيقية بها يورث املاكه العينية المادية لمورثيه، كذلك له هذه الحقوق كالرئاسة والملك يورثها لمورثيه، ولكن لابد في هذا التوارث ـ في الحيثيتين ـ من شرط اساس وهو الانتساب الى المورث، ووجود صلة للوارث به.
فالوراثة من الحيثية الحقيقية تقتضي وجود صلة النسب بحسب الشريعة، والوراثة من الحيثية الحقوقية تقتضي الانتساب لتلك الجهة الحقوقية، فحينما يموت أحد رجالات السياسة او الاجتماع يرث أبنائه وأسرته أمواله، بينما يرث إرثه السياسي او الاجتماعي السياسيون او المسؤولون الاجتماعيون، سواء كانوا بنيه وبني عمومته ام لا، وسواء كانوا يشغلون مناصب مماثلة في حياته اولا، فإنهم الوارثون لحيثيته الحقوقية على كل حال.
والوراثة المقصودة في هذه الفقرة من الزيارات هي وراثة الحيثية الحقوقية والمعنوية للنبوة، لأن الملحوظ فيها وراثة الانبياء بعنوان انهم انبياء لا بعنوانهم الشخصي وحيثيتهم الحقيقية. وبعبارة اخرى: إن تعليق الحكم على وصف مشعر بالعلية، وحيث ان المذكور هنا عنوان الانبياء يفيد إن الائمة عليهم السلام ما ورثوا اولئك الا لأنهم انبياء، فمناط التوارث بينهم النبوة، فلم يرثوا نوحا وابراهيم وموسى وعيسى بما انهم شخصيات حقيقية، لان وارثيهم بهذا العنوان هم بنوهم وأسرهم، لا الأئمة عليهم السلام.
ولا يستغرب البعض هذه الوراثة فهذا القرآن بين ايدينا وهو يصدح بكل وضوح ان من الناس من ورث تركة الانبياء، قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) الاعراف: 169، وقال ايضا: (أورثوا الكتاب من بعدهم) الشورى: 14.
وعامة الناس لا ترث شيئاً من الوحي والنبوة والرسالة والولاية، لكن الفكر السماوي الموروث منهم له دور ناشط ومصيري في مسيرة المجتمعات البشرية اللاحقة، وهو بذلك يعد إرثاً ثقافياً لها.
ماذا ورث الأئمة من الانبياء؟
إن أثقل مسؤولية تقع على عاتق الانبياء عليهم السلام وما يميز قيادتهم بعد مقام النبوة الشامخ، هي الدعوة الى توحيد الله وعبادته، قال تعالى: (وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه ان لا اله الا انا فاعبدون) الانبياء: 25.
وبقية الكمالات الاخرى كالتفوق العلمي والعصمة وتلقي الوحي والافضلية و.. انما هي شرائط او آثار الدعوة الى التوحيد. وما من رسول دعا الناس الى نفسه، وإذا ما ذكر نفسه في الدعوة ودعا الى متابعته، كما في قوله تعالى: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ال عمران: 31، وقوله: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني) طه: 90، فبلحاظ نبوته ووظيفته في ابلاغ رسالة الله تعالى، فمتابعته بهذا اللحاظ ترجع الى متابعة الله تعالى.
والائمة عليهم السلام امتداد لطريق الرسالات وحفظة حصيلة النبوات، فهم ورثة انبياء الله سبحانه في الدعوة الى الحق والتوحيد، وقد قال تعالى لرسوله: (قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) يوسف: 108.
وعلاوة على ذلك فقد صرحت روايات اهل البيت عليهم السلام بان للأئمة عليهم السلام كافة الكمالات والخصائص المتفرقة في الانبياء، كشفاء المرضى وأحياء الموتى وإخبار الناس بما يدخرون في بيوتهم، وهذه كانت من كمالات النبي عيسى عليه السلام، وكمعرفتهم بلسان الطيور والحيوانات وهي من كمالات النبي سليمان عليه السلام، وكانت لديهم عصى النبي موسى عليه السلام وهي من معجزاته، فقد ورد عن ابي بصير، قال دخلت على ابي عبد الله وابي جعفر عليهما السلام وقلت لهما: انتما ورثة رسول الله صلى الله عليه واله؟ قال نعم، فقلت: رسول الله وارث الانبياء علم كما علموا؟ فقال: نعم، فقلت: أنتم تقدرون على ان تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص؟ فقال لي: نعم بأذن الله، ثم قال: أدن يا ابا محمد، فمسح يده عيني ووجهي وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار، قال: اتحب ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، او تعود كما كنت ولك الجنة خالصاً؟ قلت: أعود كما كنت، قال: فمسح على عيني فعدت كما كنت. بصائر الدرجات: ص289.
وعن زرارة عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عباس: إن الله علمنا منطق الطير كما علمه سليمان بن داود، ومنطق كل دابة في بر او بحر. بصائر الدرجات: ص364.
وفي الرواية عن الصادق عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لما انزل الله الالواح على موسى عليه السلام، انزلها عليه وفيها تبيان كل شيء؛ كان او هو كائن الى ان تقوم الساعة، فلما انقضت ايام موسى اوحى الله اليه ان استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة جبلاً يقال له زينة...
والألواح عندنا، وعصى موسى عندنا، ونحن ورثنا النبيين صلى الله عليهم اجمعين....تفسير العياشي ، ذيل الآية125، من سورة الاعراف.
وعن ابي جعفر عليه السلام قال: خرج امير المؤمنين ذات ليلة بعد عتمة وهو يقول: همهمة همهمة وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان وعصى موسى عليه السلام. الكافي د1، ص231.
وعن ابي عبد الله عليه السلام: إن سليمان ورث داود ، وإن محمداً ورث سليمان، وإنا ورثنا محمداً، وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور، وتبيان ما في الألواح. الكافي ، ج1، ص224.
وقال ابو جعفر عليه السلام في جمع من اصحابه: يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم، قيل له وما النهر العظيم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه واله والعلم الذي اعطاه الله، إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى الله عليه واله سنن النبيين من آدم وهلم جرا الى محمد صلى الله عليه واله.
قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم النبيين بأسره، وإن رسول الله صلى الله عليه واله صير ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له رجل: يابن رسول الله ! فأمير المؤمنين أعلم من بعض النبيين ؟ فقال له ابو جعفر عليه السلام: اسمعوا ما يقول؟ إن الله يفتح مسامع من يشاء، غني حدثته أن الله جمع لمحمد صلى الله عليه واله علم النبيين، وأنه جمع ذلك كله عند امير المؤمنين عليه السلام، وهو يسألني أهو اعام ام بعض النبيين!! الكافي ج1، ص222.
وراثة الحسين عليه السلام للأنبياء
ورد في زيارة سيد الشهداء عليه السلام (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله....  )، فقد ذُكروا بأسمائهم كمورثين له عليه السلام، والوصف الموصوف به كل نبي علامة الخصوصية البارزة لميراث الإمام الحسين منه، فهو ورث من آدم خصيصة اصطفائه، ومن نوح خصيصة نبوته، ومن ابراهيم خصيصة خُلته، ومن موسى خصيصة تكليم الله له، ومن عيسى خصيصة كونه روح الله، ومن ومحمد صلى الله عليه واله كونه حبيب الله، ومن علي خصيصة إمرته على المؤمنين؛ وبهذا تكون كمالات الماضين جمعت في إنسان واحد.
وراثة العلماء للأنبياء 
جاء في صحيحة ابي البختري، عن افمام الصادق عليه السلام: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا احاديث من أحاديثهم... الكافي: ج1، ص32، حديث2.
ومعنى الرواية على ما ذكر العلامة المجلسي في مرآة العقول: إن المراد بقوله عليه السلام (ان الانبياء لم يورثوا..) بيان الموروث فيه، لأنه عليه السلام لما قال: (إن العلماء ورثة الأنبياء) فكأن سائلاً يسأل: أي شيء أورثوا لهم؟ فأجاب بأنه لم يورثوا لهم الدرهم والدينار، ولكن أورثوا لهم الأحاديث. مرآة العقول، ج1، ص103.
وكلامه متين، لأنه قد ورد عنوانان في الرواية (الانبياء) و(العلماء) وهما يفيدان تعليق الحكم على الوصف، بمعنى ان الانبياء يخلفون بعد مماتهم ميراثاً من حيث أنهم انبياء (الشخصية الحقوقية) لا من حيث أنهم أفراد كسائر الناس، كما أن من يرثون هذا الميراث منهم يرثون من حيث انهم علماء وهداة للناس لا من حيث أنهم كبقية أفراد البشر، وعليه فيجب ان يكون الموروث مناسباً لهذين العنوانين وليس هو غير العلوم والفضائل، فإنهما كنز الأنبياء والعلماء، وعليهما اعتمادهم في القيام بوظيفتهم.
ولا يخفى ان هذا التناسب بين الانبياء والعلماء والذي اقتضى الوراثة ليس هو الا الهداية فهي وظيفتهم من خلال الأنذار والتخويف، قال تعالى: (هذا نذير من النذر الأولى) النجم: 56، وقد ذكر الإنذار كمهمة للأنبياء كافة، كما قال في بيان وظيفة العلماء (فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم للعهم يحذرون) التوبة: 122

2018/11/24

هل يحقق التقدم الاقتصادي السعادة الإنسانية؟

يعتقد العالم المتمدن اليوم ـ وفي المعسكر الشرقي منه بالخصوص ـ بأن السعادة منحصرة في التقدم الاقتصادي، وإن مصير السعادة الإِنسانية مرتبط بمصير الوضع الاقتصادي، هؤلاء ينظرون إلى كل زوايا الحياة بمنظار الاقتصاد، ويعللون جميع المسائل الأخلاقية والاجتماعية والدينية والاعتقادية بعلل اقتصادية... فهم يقولون:

«إن تغيُّر الأساس الاقتصادي يزعزع كل البناء الفوقي والهائل على صور مختلفة من السرعة أو البطء... هذا الانقلاب الذي يشاهد بالضبط الخاص بعلوم الطبيعة وبين الأشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية أو بكلمة مختصرة، الأشكال الفكرية التي يتصور فيها الناس هذا النزاع ويكافحونه... فينبغي تفسير هذا الوعي في المجتمع بالقوى المنتجة وعلاقات الإِنتاج...» (١)

وكما وجدنا المرتاضين والمنخرطين في سلك المبدأ النفسي ينكرون كثيراً من الحقائق المادية والميول الجسدية، نجد في الطرف المقابل أن المنخرطين في سلك المبدأ الاقتصادي ينكرون كثيراً من الحقائق الروحية والاعتقادية والأخلاقية ولم يعتبروا لها وجوداً أصلاً...

نحن لا ننكر أن الكمالات النفسية والسجايا الخلقية تشكل الأركان المهمة للسعادة، ولكن لا يصح القول بأن السعادة البشرية منحصرة في الأخلاق والمثُل. كما أننا لا ننكر أن الاقتصاد من الأسس القويمة للسعادة البشرية، إذ بدونه لا تحصل السعادة الكاملة، كما ورد في الحديث: «من لا معاش له لا معاد له» إلا أنه لا يصح القول بأن السعادة البشرية منحصرة في الاقتصاد.

وهنا لا بأس بأن نستشهد بكلام لأحد العلماء الغربيين المعاصرين بهذا الصدد:

«نحن اليوم نسير في جادة الزمن مع التقدم التكنولوجي (2) من دون أن نعير أهمية إلى الاحتياجات الأصلية للجسد والروح. ومع أننا نتخبط في المادة نعتبر أنفسنا بمعزل عنها ولا نحاول أن نفهم بأنه يجب ـ لأجل الاستمرار في الحياة ـ السير بمقتضى طبيعة الأشياء وطبيعة أنفسنا لا على طبق الأهواء والرغبات. إن البشرية المتمدنة تتردى منذ قرون طويلة في هذه الهوة السحيقة. وإن تاريخ الانحطاط الخلقي والابتعاد عن الروح الدينية يتفق تماماً مع تاريخ الخروج على القوانين الأصلية للطبيعة. إنه لا يمكن حصر النشاطات البشرية كلها في الجوانب المادية فقط إلا بعد تحطيم شخصية الإِنسان لأن الإِنسان لم يخلق للأكل والتكاثر بل أقدم منذ نعومة أظفاره على ابتداء التكامل بحب الجمال، والإِحساس الديني والنشاط الفكري، والشعور بالتضحية والحياة البطولية...» (3). «وإذا حددنا الإِنسان بنشاطه الاقتصادي فقط فكأننا فصلنا جزءاً كبيراً منه. وعليه فإن الليبرالية والماركسية تسحقان الرغبات الأصلية والنوازع الفطرية في النفس الإِنسانية» (١).

«إن الفضيلة من القيم الإِنسانية القديمة، ويمكن العثور عليها في العالم المتمدن، إلا أنه يندر العثور عليها في الجماعات التي ترزح تحت نير النظم المادية، إن المجتمع الذي يقدس الاقتصاد لا يعرف شيئاً عن الفضيلة. لأن الذي يريد الفضيلة لا بد وأن يبتغي إطاعة القوانين الحياتية. أما إذا قيد الإِنسان نفسه بالنشاط الاقتصادي فقط فلا يطيع القوانين الكونية والاجتماعية أصلاً» (4).

يتبع...

*مقتطف من كتاب الطفل بين الوراثة والتربية (ج1) «الشيخ محمد تقي فلسفي»


(١) المادية الديالكتيكية والمادية التأريخية، تأليف ستالين. ترجمة خالد بكداش ص ٦٢.

(2) التكنولوجيا: هو العلم الذي يعني بدراسة الفنون وأنواعها وتاريخها.

(3) راه ورسم زندگى ص ٣٤.

(4) نفس المصدر.

2018/11/20

عن صراع العمة والكنة.. هل تفضل أن تكون: «زوجاً مخلصاً» أم «ابناً باراً»؟!!

كثيرة هي المشاكل التي تعصف بالمجتمع وتؤرق أفراده وأحد هذه المشاكل هو الصراع الذي يكون طرفا الحلبة فيه العمة (أم الزوج) والكنة (الزوجة) حتى عُدت سوء العلاقة بينهما مضرباً للمثل في مدى تدهور العلاقة بين طرفين، وفي هذه السطور المقتضبة أود تسليط الضوء حول بعض النقاط المحتملة في زيادة تشنج الأجواء بين هاتين المرأتين :

1 ـ يرجع بعض الباحثين الى الوضع القائم بين الطرفين ربما يكون مرجعه الى الحياة السابقة للعمة، حيث أنها كانت يوماً من الأيام كنة في بيت والدة الزوج، وربما كان وضعها آنذاك لا يسر الصديق، فيكون شكل علاقتها المستقبلية طبقاً للتجربة التراكمية التي خاضتها، مما يعني أنها تعاني من عقدة النقص فعليه ينبغي تعويض ما فاتها بهذه الصورة من التعامل.

2 ـ ومن الأسباب الأخرى أن الأم مهما بلغ إبنها من السن فهي لا زالت تنظر إليه أنه ذلك الرضيع الذي لازال ضجيجه يملأ الافاق إن تأخرت عليه لبرهة من الزمن، وعليه فهو من أملاكها الخاصة التي لا يجوز التعدي عليها تحت أي مسمى كان بما في ذلك الزواج، فعليه تكون نظرة العمة للزوجة للكنة أنها ممن تعدى على أملاك خاصة والتعامل سيكون وفق هذا المنظور .

3 ـ يلاحظ بعض المختصين أن توتر العلاقة بين الطرفين ناتج من عامل الغيرة، فإذا ما اعتبرنا أن الشباب إنما يأتي مرة بالعمر دون رجعة أخرى فيكون حال العمة كحال الشاعر القائل: ألا ليت الشباب يعود يوماً، فالصراع في الحقيقة بين إمرأتين تنظر إحداهما الى الأخرى أنها تمتلك ميزة تفتقر إليها الأخرى، ومع ذلك فهما يعيشان تحت سقف واحد ويتشاركان نفس الرغيف وتجمعهما علاقة مختلفة بنفس الشخص.

هل العامل الثقافي سبب في سوء العلاقة بين الطرفين؟

يقول الدكتور عبد السلام إبراهيم:

 «ويرجع هذا الصراع إلى تكوين الأسرة وطبيعة حياتها. فالأسرة إلى عهد قريب كانت وحدة متماسكة يجمعها (البيت الكبير)، يضم الأبوين والأبناء وزوجاتهم وأولادهم، ويتولى السلطة في الأسرة الجد أو الأب، وتقوم على إدارتها الجدة أو (الست الكبيرة) وهي صاحبة الكلمة العليا في المنزل. فالفتاة حين تفارق البيت الذي نشأت فيه لا تلقى في بيت الزوجية ما كانت تلقاه من دلال أبويها، وتجد نفسها في مواجهة امرأة غريبة تلتزم بطاعتها فيما تأمر به وتنهي عنه. وهنا يبدأ الصراع، ويقرر ميزان الأخلاق حدته ومداه، فيظهر في الخلق السيئ في الحماة وسوء التربية والتهذيب في الكنة، ويخفيه الخلق الحسن في الحماة وحسن التربية والتهذيب في الكنة». الزواج عند العرب ص217

فالملاحظ أن العامل الثقافي يكون لاعباً أساسياً في شكل العلاقة بين الطرفين، ويختلف كماً وكيفاً بحسب هذا المؤهل، فالطرفان إذا كان أحدهما يتمتع بثقافة عالية نرى أن حجم المشاكل منحسر بشكل شبه تام والعكس صحيح.

وسط هذا الصراع ما هو دور الزوج (الإبن)؟

يمكن أن يكون الزوج عامل توازن مؤثر ومهم في ترطيب العلاقة بين الطرفين، فعلى سبيل المثال لو أقدم في يوم من الأيام وطلب من زوجته شراء هدية لوالدته لأسهم ذلك في ذوبان الجليد بين المرأتين، وتحسين الصورة النمطية المتعارفة في أمثال تلك الأجواء.

كما أنه لو التزم جانب الحيادية والنظر الى المشاكل أنها ربما تكون آنية وآيلة الى الزوال فمن المتيقن أنه سيكون عاملاً مساعداً في إيجاد بيئة تفاهم بين أفراد ذلك المجتمع المصغر الذي هو الأسرة، هذا فيما إذا كان يتحلى برجاحة العقل والحزم في التعامل مع الاثنين أمه وزوجته، بحيث يعدل وينصف ويتشدد عند الحاجة ويضع لكل واحدة حدوداً لا يمكن تجاوزها.

ما هي الحلول المقترحة لهذه المشاكل؟

من الممكن القول أن الصورة النمطية والقاتمة للعلاقة بين أطراف الصراع ليست ملازمة لكل الأسر، بل العكس صحيح فكم من فتاة عاملت والدة الزوج على إنها أم لها تستشيرها في سرائها وضرائها، وتسهر على خدمته حتى أن بعضهن لا همَ لها إلا خدمة تلك المرأة التي تختلف معها في السن والمنزلة، وكم من (عمة) تنظر الى كنتها وكأنها ابنتها التي ولدتها فكما تتعامل مع بناتها الحقيقيات كذلك تعاملها مع ميزة أنها شريكة ولدها.

لكن إن كان ولابد من حصول بعض هذه المشكل أعلاه فينبغي للعمة مراعاة التالي:

1 ـ إن تقديم التنازلات لتستمر حياتها وحياة ولدها بصورة اعتيادية بعيدة عن اللغط والصخب، فلا بد أن تدرك أن ولدها (الزوج) يحتاج مساحة كافية للتكيف مع حياته الجديدة، وكذلك فهو مأمور شرعاً بالإنفاق والتعامل الحسن مع زوجته وهذه الأشياء لا يمكن توفرها في ظل أجواء مكهربة.

2 ـ ربما يكون إشعار الكنة بأن العمة تنظر إليها نظرة أمومة لا نظرة ندية، مما يعني أن كل المخاوف التي تمتلك الكنة ستتلاشى مع مرور الزمن، وهذا سيكسب الثقة ببعضهما.

والخلاصة:

ينبغي مراعاة أمر هام جداً، وهو أن أهل الزوجة ربما رفضوا أكثر من شخص تقدم لنيل ابنتهم بينما ابن تلك العمة (والدة الزوج) قد استقبل بالحفاوة والترحاب، ومن ضمن أسباب القبول أن أسرة الزوجة كانت أن العمة على قدر المسؤولية بحيث يمكنهم الثقة بها لجعل غبنتهم وديعة عندها، فعليه ستكون من مصاديق قول الخاتم (صلى الله عليه واله) "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

2018/11/19

عمل المرأة وأثره على المجتمع... الأطفال انموذجاً

يعتقد عالم النفس الأمريكي والأخصائي في العلاج العائلي، سلفادور مينو تشين، من خلال تحليله بنية الأسرة: "أن استمرار واستحكام الأسرة يتوقف على القيام بالواجبات التكميلية من جانب كل عضو من أعضائها وبشكل خاص الزوج والزوجة، وفي غير هذه الحالة فإن الضغوط النفسية الناجمة عن الاهتمام بالأدوار تكون مصدراً للخلل في الأسرة. ومن هنا فإن إحدى مبادئ الاستنتاجات هو الاهتمام بهذا الموضوع، وهو أن الأسرة منظومة موحدة، وإن كل عضو من أعضائها ـ الزوج والزوجة ـ له أدوار وواجبات خاصة؛ لذا فإن الأدوار والواجبات الموجود في الأسرة تتوقف على مشاركة الطرفين، وتقسيم العمل في القيام بالواجبات مثل التربية والأداء الاقتصادي". خانواده وخانواده درماني، ترجمة محسن دهقاني، ص81.

وعليه فقيام الرجل او المرأة بواجباته تجاه الأسرة يتطلب تقسيم الأدوار بشكل مناسب وقدرات كل منهما، الأمر الذي يدعو للتعرف على الفوارق الجوهرية بين الرجل والمرأة.

الاختلافات التكوينية بين الرجل والمرأة

لا خلاف في وجود مجموعة فروق نفسية وجسدية بين الرجل والمرأة، فبالإضافة الى الفروق الجسدية الظاهرة بينهما، والتي هي منشأ لكثير من الاختلافات التي تؤثر بشكل طبيعي على القضايا النفسية والسلوكية، نلاحظ ايضاً الاختلافات الهرمونية فالتباين بين الهورمونات النسائية (الأستروجين) والرجالية (التستسترون) يؤدي الى اختلافات في طبيعة هيكل الرجل والمرأة؛ بحيث يصبح الرجل هو الأقوى والأقدر على القيام بالأعمال الشاقة. ونلاحظ كذلك الاختلافات النفسية فهناك اختلافات نفسية كثيرة بين الرجل والمرأة وهي ثابتة من وجهة نظر علم النفس. ولا يمكن ببساطة عد هذه الاختلافات ناجمة عن التربية والبيئة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، فإن هوية الفتيات تدعوهن الى الإخلاص والمودة، وهوية الصبيان تدفع نحو الاستقلالية والتنافس والفردانية. ومن الناحية الشخصية فإن النساء أكثر حسداً وفضولاً من الرجال وأقل ثقة بالنفس منهم؛ إلا أن الغضب هو السمة الأبرز لدى الرجال مقارنة بالنساء، في حين إن الاهتمامات الجمالية والاجتماعية والدينية عند النساء هي أكثر مما عند الرجال. كما إن اهتمام الرجال بالشؤون المادية والاقتصادية هو أكثر من اهتمام النساء. وإن الرجال أكثر اهتماماً بالعلاقات التي لها ارتباط بالعالم الخارجي. وإن اعتماد المرأة على الرجل هو أمر طبيعي وكذلك النزعة الاستقلالية الموجودة لدى الرجل من ناحية الوضع الجسدي، فنفسية المرأة تميل الى التبعية؛ إذ إنها تخاف من الوحدة. وفي المقابل الرجل ينزع الى الاستقلالية ويشعر بالقوة عندما يرى ان الآخرين بحاجة اليه. مسعود آذربيجاني، اشتغال زنان جامعة ، مجلة ياس، عدد14.

المرأة والتناقض الظاهري بين الأسرة والعمل

تم استقطاب الكثير من النساء في سوق العمل بعد عام 1980، واللاتي قمن بدورهن بوضع اطفالهن في رعاية نساء أخريات كن يبحثن عن العمل هن ايضاً.

فتسعى الأسرة العصرية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بثمن تقليص فرص وجود أعضائها معاً وعلى حساب الشعور بالتضامن فيما بينهم. وفي الجانب الآخر، ونظراً الى الدور التقليدي والتكاملي للمرأة وهي التي تأخذ على عاتقها مسؤولية تربية الأولاد ورعايتهم، فإن غالبية النساء يعانين من تناقض وتضاد ما بين التوقعات والمسؤوليات والتزامات العمل والأسرة.

وتبين الدراسات، أن العمل اليومي للمرأة خارج المنزل، يعتبر نوبة العمل الأولى، وإن نوبة عملها الثانية تبدأ آخر النهار عندما تعود الى البيت. وكنتيجة لذلك فإن النساء العاملات يعملن أكثر من أزواجهن 150 ساعة في الأسبوع. ومع إن الزوج وأفراد الأسرة الاخرين يساعدون المرأة في شؤون المنزل في مثل هذه الأسر، إلا إن المسؤولية الأصلية لإدارة البيت ورعاية الأطفال تقع على عاتق النساء.

فبالإضافة الى نوبة العمل الثانية بالنسبة للمرأة، يمكن أن يكون التنافس الخفي بين الكثير من الأزواج والزوجات العاملات هو ايضاً لا مفر منه. فالعلاقات الوثيقة بين الزوج والزوجة تتوتر أحياناً وينعدم الانسجام في داخل الأسرة حيث يؤدي ذلك الى شعور المرأة بالكآبة والانهاك. شكوه نوابي نجاد، روانشناسي زن، ص81.

وتعتقد الكاتبة والباحثة بري جيلبرت: رغم التقدم الكبير الذي أُحرز في مجال الحصول على أهداف متساوية ومتكافئة في الحياة الزوجية، فإن النساء ما زلن يتحملن العبأ الأكبر من المسؤولية على صعيد القيام بالشؤون المنزلية ورعاية الأولاد. فهذا الأمر يخلق مشاكل  ناجمة عن العبأ الإضافي للعمل بالنسبة الى النساء، ويظهر عادة على شكل تضارب في الدور الجنساني والنضال على صعيد السلطة والتبعية في العلاقات الزوجية وتعارض في مجال التقدم والتنافس ونماذج المشاركة في الأدوار والتوتر الذي ينجم بخصوص العناية بالأولاد وصعوبات الارتباط بين الزوج والزوجة. وهذه المسألة تخل بطبيعة الحياة العائلية وبقاء العلاقات بين الرجل والمرأة.

وتبين الدراسات والأبحاث، أن الرجال والنساء ذكروا معاً وجود التضارب بين متطلبات العمل ومستلزمات ومتطلبات السرة، إلا أن مشاكل النساء في هذا المجال أكثر عادة؛ لأنهن يعملن في مجالين بدوام كامل. Bray, J.H., From marriage to remarriage and beyond, p.295-319.

ويكتب رابرت ليت في كتاب (الحياة السياسية): إن مشاركة النساء في الشؤون السياسية وأي علاقة خارج البيت تعني سرقة من حصة الأسرة.

ويلقي بارسونر أيضاً في نظرية (فصل الأدوار) باللائمة على عمل النساء، انطلاقاً من أن عمل النساء يعرض نظام الأسرة للخطر ويعود بتبعات وعواقب سيئة على الأولاد. إذا انه يعتقد أن تغيير فرص العمل وإيجاد فرص عمل للمرأة متساوية مع الرجل يؤدي الى تلاشي هيكل وبنية الأسرة، واختلال بنية المجتمع الفعلي.

آثار عمل المرأة على تربية الطفال وذلك يشمل:

اولاً: تأثير عمل الأم على نشوء التعلق الأولي ونمو وترعرع الطفل: تشير الدراسات الى أن التعلق الأولي للطفل بالأم وعلاقته العاطفية والدافئة معها تؤثر بشكل عميق على نموه الجسدي والنفسي. فبالنظر لما تقدم من وجود تناقض كبير بين عمل المرأة خارج المنزل ومسؤوليات الأسرة، فهذا الفصل قلص المحيط الحيوي النفسي للطفل، ومن الممكن أن يخلق نوعاً من الجوع والشعور بانعدام الأمن. او بعبارة أخرى يؤدي الى سوء تغذية نفسية وعاطفية لدى الأطفال، وهو ما يشكل الهاجس الأصلي للأمهات العاملات. تقول آلين جودمان في تحليلها لعمل النساء: نحن نشيد بعمل نساء الطبقة الوسطى اللاتي يتركن العمل من أجل أطفالهن، وإن أي زعيم منصف لا يدين لهؤلاء النساء، ولا يلومهن على اعتبار أنهن أشخاص لا يشعرن بالمسؤولية.

ومن هنا وفي ضوء الدور الأساس للأم في مجال رعاية الطفل والعناية به في كافة المجالات وخاصة في الأعوام الأولى من نموه، يطرح هذا السؤال: هل أن النساء العاملات عندما يتواجدن في البيت الى جانب اعضاء الأسرة قادرات على التعويض عن فترة غيابهن عن البيت؟ فالمعطيات والأبحاث التي قامت بها أكاديمية العلوم الأمريكية تسببت في إعادة النظر بشكل واسع في جميع الشواهد والأبحاث التي تبين عدم تأثير عمل الأم بشكل دائم على نمو الطفل.

 وقد بادر لويس هافمن الى إعادة النظر في الأبحاث التي أجريت على مدى خمسين عاماً حول عمل الأمهات. فبمراجعته البحثية رأى هافمن: أن لعمل الأمهات تبعات وعواقب سلبية على نمو الطفل. وبمراجعته الخلفية التاريخية لهذا المجال البحثي رأى هوفمان أن الأمهات العاملات مقارنة بالأمهات ربات البيوت يخصصن وقتاً أقل للعناية بالأطفال، فعمل الأمهات وخصوصاً بالفترة الأولى من حياة الطفل له تأثيرات سلبية كثيرة على نموهم.

ويكتب الجراح أخصائي الفيسلوجيا والبايلوجيا الفرنسي، الكيس كارليل: إن تعليم الطفل وتربيته يتطلب دقة مستمرة، لا يمكن توفيرها إلا من قبل الأم والأب؛ وذلك لأن الأبوين وخاصة الأم تعرف منذ بداية حياة الطفل بخصائصه الجسدية والنفسية وكفاءاته.Hoffman, Iois, Developmental psychology today, p.36.

وقد درس كل من بيدر وبروكز خلال بحث تأثير عمل الأم على أداء الطفل قبل مرحلة الابتدائية حيث تبين لهم وجود علاقة بين فترة ومقدار عمل الأم في العام الأول من حياة الطفل من منظور الأداء المعرفي والسلوكي للطفل خلال الأعوام الثلاثة بعد ذلك.

وبالطبع فإن فترة عمل الأم كان أهم عامل في هذا المجال، أي أن أداء الأطفال الذي لم تدخل أمهاتهم عالم العمل حتى الربع الرابع من العام الأول من حياتهم كان أفضل مقارنة بالأطفال الذين بدأت أمهاتهم بالعمل قبل ذلك الوقت. فدخول الأمهات الى عالم العمل في الربع الثاني من العام الأول كان له تأثير سلبي أكبر على الأداء المعرفي والسلوكي للطفل مقارنة بالربع الأول. ريتا إل إتنكسون وآخرون، مصدر سابق، ص51.

ويرى اشبيتز:  إن حالات الفصل التي تحصل قبل أن يبلغ عمر الطفل في حدود 18 شهراً من الممكن أن تؤدي الى إصابة الطفل بحالة (الكآبة الإتكالية) والتي تظهر أعراضها بشكل انعدام الاشتهاء النفسي والاختلال في السلوك الغذائي وتوقف النمو والتأخير في النمو النفسي ـ الحركي.

وعلى صعيد آخر فقد بينت الدراسات التي قام بها الأطباء النفسيون هي الأخرى إن اختلالات عاطفية لدى الأطفال مثل البطء في الكلام وانخفاض مستوى الذكاء  وخمول الحركة وردود الأفعال العاطفية السطحية والاختلال في الحواس وضعف القدرة على التفكير التجريدي يمكن أن تكون من بين التبعات السيئة لحرمان الطفل من الأم. على أكبر شعاري نجاد، روان شناسي رشد، ص72.

من هنا نلتفت لتأكيد التعاليم الدينية على أن للأم أولوية على الأب في مجال حضانة الطفل في سنينه الأولى.

وبالتالي فإن حضور الأم لفترة أطول الى جانب الطفل، خاصة خلال السنوات الأولى من عمره يوفر الحاجات الجسدية والعاطفية والنفسية والمعرفية اللازمة لتبلور شخصية الطفل ونموه العاطفي بشكل طبيعي. وإن غياب الأم بسبب العمل يتسبب بالكثير من الاختلالات لدى الأطفال.

ثانياً: العلاقة بين عمل الأمهات وانخفاض مستوى الذكاء عن الأطفال:  تبين الأبحاث والدراسات أن إظهار الأم حبها وحنانها للطفل يؤدي الى أن يكون الطفل أكثر ذكاءً. وقد بينت الدراسات التي قام بها جولد فارب بشكل خاص، أن الأطفال المحرومين من حب الأم وحنانها، هم أقل ذكاءً مقارنة بالأطفال الذين يعيشون حياة طبيعية. ورغم أنه ليس بالضرورة أن يؤدي مجرد الحرمان من حنان الأم الى انخفاض مستوى الذكاء لدى الطفل، إلا إن الحالة يمكن أن يكون سببها وجوده في المؤسسات التربوية ومؤسسات رعاية الأطفال بدل رعاية أمه. ليلى طالقاني، مهر مادرى كودك را باهوش مى كند، صحيفة جام جم، ص39.

وقد درس فريق من الخبراء في علم النفس كيفية تأثير هذه العوامل على نمو وذكاء الطفل في مثل هذه المؤسسات. وقد قام أحد العلماء واسمه دنيس بدراسة حول تأثير هذه العوامل على الأطفال الذين يقل معدل ذكائهم عن المتوسط، فتبين له أنه رغم أن الأطفال كانوا يخضعون لرعاية جسدية، أي إن المأكل والملبس كان متوفراً لهم بدرجة كافية، فإن هؤلاء الأطفال أما لم يكونوا يتحدثون أو يلعبون مع العاملين في هذه المراكز، وأما إنهم لم يكونوا يتلقون التشجيع المناسب خاصة عندما كانوا يلعبون . ميشيل روتر، مصدر سابق، ص35.

ثالثاً: تأثير عمل الأمهات على تعليم الأولاد: بينت دراسة قامت بها مؤسسة الدراسات الأجتماعية والاقتصادية، إن الأم العاملة قبل بدأ مرحلة ذهاب الطفل الى المدرسة ستكون درجات دروس القراءة والرياضيات لأطفالها منخفضة وإن أطفالها يكونون أقل مستوى من الناحية العاطفية.

ويقول البوفيسور جان أرميش والبروفيسور ماركو فرانسسكوني من جامعة إيسكس إن هذه العيوب تبدأ من المرحلة الأبتدائية، وتظهر في بداية سنوات البلوغ بالحصول على درجات أدنى من التعليم ونسبة أعلى من البطالة. Stephanie Bujake, The working mothers effect on a child, p.112-118.

2018/11/18

انتبهي طفلكِ يدخن!!

غرفة مليئة بدخان السجائر، بالكاد ترى إنارة الضوء، دخان يتسرب في كل مكان، شفاه تميل إلى السواد، أسنان صفراء، رائحة الدخان تنبعث من ثيابه، لا يتجاوز العاشرة من عمره،‏ فوجئت الأم به يدخن سيجارة‏؟ ‏ وما ان رآها حتى ألقى بالسيجارة من يده، وأسرع بفتح النافذة والمروحة، تلفتت الأم في أرجاء الغرفة بذهول‏ عميق، لا تدري ماذا تفعل؟ وماذا تقول، ابنها يدخن؟ وهل تخبر أحدا بفعلته أم تكتفي بعقوبته؟

الأم التي ترى طفلها يدخن؟ عليها اولا إن تبحث عن الأسباب التي دفعت بالابن الى التدخين، اسباب كثيرة ذكرها أخصائيو علم النفس من ضمنها، غياب الام والاب والعنف الأسري، غياب التربية الصحيحة،‏ ومن ناحية أخرى فإن الأطفال عادة ما يقلدون الكبار في سلوكهم،‏ وتصرفاتهم‏، فإذا كان الأب يدخن داخل البيت وفي وجود الأبناء، والمعلم يدخن أمام الطلاب، فهم القدوة في تربية الاولاد.

لذا فالأبناء يفكرون في أول الأمر بالتدخين، عند استنشاق هواء الحجرة المملوء بالدخان، ثم يبدأ الطفل يقلد السيجارة بوضع القلم في فمه ويبدأ يأخذ دوره، كما فعل أبوه، إن غياب الابن المراهق المتكرر عن البيت، يجعله أكثر عرضة للتدخين، لذا فهو يبحث عن رفاهية وأمان خاص به بعيدًا عن البيت، فيصبح التدخين في هذه الحالة جزءاً من شخصيته، فيلجأ لأخذ السجائر من علبة أبيه‏، أو أخذها من قرين له، أو شراءها من مصروفه الخاص.

مسؤولية الأسرة ودورها

إيقاف التدخين سوف يكون محاولة صعبة جدا، وذلك لأن الأسباب التي دفعت بالطفل للتدخين مازالت موجودة،‏ والعلاج الفعال يكمن في التعامل مع قضية التدخين كقضية صحية بعيدا عن العيب والحرام، سواء كانت من داخل الأسرة، فإذا قامت الأسرة بدورها وحققت الرعاية المناسبة لأطفالها، فسوف تحميهم من التدخين الذي يدمر مستقبلهم، وذلك لأن التدخين هو الخطوة الأولى في طريق الإدمان.

فالتدخين لا يحدث فجأة، وانما عن طريق الاختيار، فأين كانت الأسرة طوال هذه المدة؟ إننا عندما نتحدث عن مشكلة التدخين عند اكتشافها تكون قد تحولت إلى عادة، ولكن الأخطر من العادة هو أن هذا الشاب قد اعتاد على أخذ السجائر، إن هذا الشاب يحتاج إلى من يقترب منه ويعرف مشاكله، ويشعره بقيمة صحته، ويتعامل معه باحترام وتقدير، ويحسن الإصغاء إليه، وعندما يشعر الشاب بالثقة بكل ما تقوله، سيكون لديه استعداد لأن يسمع ويدرك؛ لأنه يشعر أن من يتحدث إليه يشعر به ويحس بمشاعره ويقدرها؛ ولذا يكون على استعداد للقيام بأي شيء حتى ولو كان ترك التدخين، ولكن إذا ما كان الحديث عن التدخين حديث الوعظ والإرشاد الجاف، واحيانا الضرب، والعقوبة القاسية والاتهام بالتسيب، فإن ذلك يجعله اكثر ادمانا، فإذا تمكنت من أن تعيد جسر التواصل بينك وبين ابنك، واستطاعت الأسرة أن تفعل ذلك فسيكون عندها التدخين هو أبسط الأمور التي يمكنك مناقشته معه.

خلاصة الموضوع الأسباب التي دفعت ابنك للتدخين هي:

  1. انغماس الآباء في مثل هذه العادات السيئة امام الابناء.
  2.  حب التجريب وإظهار الشخصية الذكورية امام الأصدقاء أو الصديقات، والظهور بمظهر المتمرد وعدم الخوف.
  3. تقليد الأصدقاء.
  4.  توفر السجائر في المحلات وفي الاسواق وفي الشوارع. 5
  5.  توفر المصروف الزائد عن الحاجة ما يدفع بالمراهق للتجريب والاستمرار بذلك.

السرطان يتحالف مع التدخين

ازدياد نسبة الإصابات بسرطان الرئة بازدياد عدد السجائر المستهلكة. التدخين قد يعرض ابنك المراهق لأمراض الرئة المزمنة، التي تنشأ بعد تدخينه من 5 إلى 10 سجائر يوميًا، ولمدة عام أو عامين. إمكانية الإصابة بتقلص في شرايين القلب، وهذا بدوره يسبب الذبحة الصدرية؛ فمادة النيكوتين تذوب في اللعاب وتُمتص بواسطة الدم، وتسبب تقلصًا واضحًا في شرايين القلب وباقي شرايين الجسم. إمكانية الإصابة بالصلع، فالدراسات تشير الى أن 75% من الرجال المصابين بالصلع تتراوح أعمارهم بين 21 و22 عامًا كانوا من المدخنين.

نصائح هامة

عندما تفكرون كيف تمنعون ابناءكم عن التدخين قوموا بما يلي:

  1. رفض فكرة التدخين، قل له في كل مرة يطرح فيها موضوع التدخين بأنك غير موافق على مبدأ التدخين وبأن التدخين غير مسموح به. رأيك قد يجعله يفكر بالأمر، فإن المراهقين الذين امتنعوا عن التدخين قالوا بأن آبائهم أخبروهم بأنه غير مسموح ومرفوض بصورة غير مباشرة ومن دون تجريح.
  2.  كن قدوة ومثالا له ولا تقل لا تدخن بينما أنت تحمل علبة سجائر بيدك، كن مثالا يحتذى به.
  3.  التدخين يسبب مشاكل صحية عديدة، منها رائحة الفم الكريهة، اصفرار الأسنان، رائحة الثياب، مشاكل تنفسية، وتجاعيد مبكرة على البشرة. هل تحب ان تبدو كعجوز في سن المراهقة؟ اذكر مساوئ التدخين ودعهم يفكرون بمظهرهم.
  4. أكثر المراهقين يعتقدونَ بأنّهم يمكن أن يتركوا التدخين في أي وقت يريدون. لكن المراهقين يصبحون مدمنين على النيكوتينِ، وعندما يعلق سيكون من الصعب أن يتخلى عن هذه العادة السيئة.
  5. توقع ضغوط رفاق السوء، يجب أن تعلمهم كيف يرفضوا العروض المقدمة لهم بتناول السيجارة.

 تجنب التهديدات والإنذارات، بدلاً مِن ذلك، يمكن مساعدة المراهق على التخلص من الإدمان على التدخين من خلال اصطحاب المراهق إلى حملات التوعية من التدخين، ومراكز مكافحة التدخين. اكتب لوحة في غرفته، التدخين ممنوع، ابدأ حديثك معه بهدوء، فالسلبية لن تعكس إلا طاقات سلبية، اهدي له كتابا عن التدخين واضراره، تحدث عنه امام الاقارب بتصرفاته الايجابية، فبهذه الاعمال تزرع الثقة في داخله وتبني فيه شخصية صالحة يحافظ عليها وعلى سمعته امامك، حافظوا على صحته ابنائكم فهي امانه بأعناقكم.


*مركز الإرشاد الأسري

2018/11/08

رؤية نفس اجتماعية للطلاق.. تعرّف على مراحل الانفصال وأسبابه

يذهبُ علماءُ الاجتماعِ إلى أنَّ الطلاقَ مرضٌ اجتماعيٌّ خطرٌ يهدّدُ كيانَ المجتمعِ والأسرةِ والأفراد، وقد لوحظَ أنّهُ كلّما أصبحَ الطلاقُ ميسوراً كلّما زادَ استهتارُ الناسِ بالزواجِ كنظامٍ اجتماعي. ومن هنا تزايدتْ معدّلاتُ الطلاقِ في العالمِ الغربيِّ والعربيِّ نتيجةَ تخفيفِ القيودِ الزوجيّةِ وتيسيرِ أسبابِ الطلاق، فضلاً عن معرفةِ الناسِ بالقوانينِ المتعلقةِ بالطلاقِ حتى قبلَ إقدامِهِم على الزواج.

ولاشك في أنَّ الطلاقَ عمليّةٌ تطوريّة، تبدأ بظهورِ الأسبابِ ثمّ تستمرُّ العمليّةُ إلى ما بعدَ الطلاق، وفي ذلك رأى الباحثون أنَّ الطلاقَ يمرُّ بسبعِ مراحلَ سيكولوجيّةٍ منفصلةٍ لكنّها مترابطةٌ مع بعضِها حيث تؤدّي إحداها إلى الأخرى، وتعتبرُ المرحلةُ التاليةُ نتيجةً طبيعيّةً للمرحلةِ السابقةِ عنها ويمرُّ الزوجانِ بهذه المراحلِ على حدٍّ سواءٍ حيث يتأثرُ كلٌّ منهما بها، وهي على الترتيب التالي..(1)

أ. مرحلة الانفصال الفكريّ

إنَّ بدايةَ ظهورِ المشكلاتِ بينَ الزوجيْنِ واستمراريّتَها كفيلٌ بأن يُحدِثَ انفصالا فكريّاً بينهما حيث يفكرُ كلٌّ منهما بطريقةٍ مختلفةٍ عن الآخرِ حولَ هذه المشكلات، بل قد تكونُ مضادةً لها، وعلى النقيضِ منها ممّا يزيدُ من شدّةِ الخلافِ بينهما بما يصعّدُ الخلافاتِ بحيث يصعبُ الالتقاءُ بينهما على فكرةٍ مشتركة. وتمثل هذه الحالةُ البدايةَ للاتجاهِ نحو الطلاق، إذ يؤدّي استمرارُها إلى المرحلةِ الثانيةِ والمتمثلةِ في التباعدِ الوجداني.

ب. مرحلة الانفصال الوجدانيّ

مع استمراريّةِ الانفصالِ الفكريِّ بين الزوجيْنِ واحتفاظِ كلٍّ منهما برأيهِ الخاصِّ المخالفِ والمنفصلِ عن رأي الطرفِ الآخر، يبدأ كلٌّ منهما بممارسةِ سلوكيّاتٍ قد تكونُ غيرَ مرغوبةٍ وغيرَ مقبولةٍ في نطاقِ الأسرة. هذا الانفصالُ الفكريُّ والسلوكيُّ يؤدّي إلى انفصالِهِما الوجدانيِّ وبرودِ المشاعرِ والأحاسيسِ والعواطفِ بينهما.

ج. مرحلة الانفصال الجسديّ

 مع استمراريّةِ التباعدِ الوجدانيِّ والعاطفيّ، تبدأ مرحلةٌ جديدةٌ حيث يؤدّي ذلك إلى التباعدِ الحقيقيِّ على المستوى الماديِّ فيصبحُ أداءُ الحقوقِ والواجباتِ الزوجيّةِ بين الزوجيْنِ عملاً روتينيّاً أشبهَ بأداءِ الواجب، ممّا يزيدُ من كرهِهِما لبعضِهِما، وبالتالي يعمدُ كلٌّ منهما إلى الانفصال الجسديِّ عن الآخرَ بطريقةٍ عمليّةٍ حيث يستخدمان فراشيْنِ منفصليْنِ عن بعضِهِما.

د. مرحلة الانفصال الشرعيّ القانونيّ

عندما تصلُ الحالةُ بالزوجيْنِ إلى الانفصال الماديِّ الجسديّ، لا يكونُ هناك مبرّرٌ لوجودِهِما مع بعضِهِما في بيتٍ واحدٍ حيث لا تتحققُ أدنى معاني الحياةِ الزوجيّةِ التي ينشدُها كلٌّ منهما، فيصبحُ الطلاقُ موضعَ تفكيرِ أحدهِمِا أو كليهِما، وقد يتحوّلُ التفكيرُ إلى قرارٍ فعليٍّ حيث تنتهي الحياةُ الزوجيّةُ بالطلاق.

هـ. مرحلة الانفصال الاقتصاديّ الماديّ

 يصاحبُ عادةً واقعةَ الطلاقِ إجراءاتٌ اقتصاديّةٌ يحكمُها الشرعُ والقانون، حيث يبدأ كلٌّ من الزوجيْنِ بدفعِ ما عليه من التزاماتٍ ماديّةٍ وأخذِ ما لهُ منها، وقد تتمُّ التسويةُ الماديّةُ بينهما بالحسنى، وفي جوٍّ من التسامحِ والاحترامِ المتبادلِ للآخر، وقد ترتبطُ هذه المرحلةُ بالكثيرِ من المشكلات، حيث قد يثيرُ أحدُ الطرفيْنِ أو كلاهما مشكلاتٍ ليس الهدفُ منها إلا التنفيسَ عن مشاعرِ الحقدِ والانتقام وشدّةِ الكراهيّةِ من الطرفِ الذي يثيرُها، وقد يكون ذلك لعدمِ رغبتِهِ في أداءِ التزاماتِه، ممّا يفضي إلى مزيدٍ من الصراعات، فيواجِهُ كلٌّ منهما الآخرَ بأسرارِه، وكشفِ عيوبِهِ وتعريةِ ما خفيَ من سلوكيّاتِهِ في ساحاتِ المحاكمِ وأمامَ الأصدقاءِ والأسرة.

و. مرحلة الانفصال الأبويّ

 قد يكونُ في الطلاقِ نهايةٌ لبعضِ مشكلاتِ الزوجيْن، لكنّهُ بلا شك سيتسبّبُ في مشكلاتٍ أخرى تؤثر تأثيراً مباشراً على أطفالِهِما إذا كان لهما أطفال. وقد يتفقُ المطلقانِ بطريقةٍ وديّةٍ متّسمةٍ بالتسامحِ والتفاهمِ على آليّةِ رعايةِ الأطفالِ من حيث توفيرِ المكانِ المناسبِ الذي يأويهم، وتعيينِ شخصٍ مناسبٍ يشرفُ على رعايتِهِم، وعلى مصدرِ الإنفاق ومقدارِهِ اللازمِ لتغطيةِ مصروفاتِهِم ونفقاتِهم، وهكذا طريقةِ لقائهِم بأبويهِم وغيرها من الأمورِ ممّا ينظمُ علاقةَ المطلقيْنِ ببعضِهِما وبأطفالِهِما بعد حدوثِ الطلاقِ مباشرةً وخلالَ الفتراتِ التاليةِ لها لأنّها تُعتبرُ مرحلةً انفصاليّةً بالنسبةِ لأحدِ الأبويْنِ عن أطفالِهِ لوجودِهِم عند الطرفِ الآخر، أو انفصالِهِما معاً عن أطفالِهِما لوجودِهِم مع أحدِ الأقاربِ أو في أماكنَ خاصّةٍ تتولى رعايتَهُم والأشرافَ عليهم.

ز. مرحلة الانفصال النفسيّ الانفعالي

يعتقدُ بعضُ المطلقينَ أنَّ المشكلاتِ تنتهي بالطلاقِ أو حتى بالقدرةِ على الاتفاقِ على حلِّ مشكلاتِ الأبناء، إلا أنّه تظهرُ هناك مشكلاتٍ من نوعٍ جديدٍ تمسُّ الجانبَ الشخصيَّ للمطلقينَ والمطلقاتِ وتتعلقُ بالحالةِ النفسيّةِ المضطربةِ لهما، والتي تؤثرُ بالضرورةِ على انفعالاتِهِما إذ تضطربُ بصورةٍ ملحوظةٍ وواضحةٍ للجميع. وتتصفُ مرحلةُ الانفصالِ الانفعاليِّ النفسيِّ التي يمرُّ بها الشخصُ في هذه المرحلةِ بانعزالِهِ عن الناسِ وتفضيلِهِ الاختلاءَ بنفسِهِ لمراجعةِ حساباتِه، واستعادةِ ذكرياتِهِ بحلوِها ومرِّها مع الطرفِ الآخر، وتقويمِ سلوكيّاتِهِ معه، وتحديدِ إيجابيّاتِهِ وسلبيّاتِه، ومقارنةِ واقعِهِ بعد الطلاقِ بحالِهِ أثناءَ الزواج، ورسمِ خططِهِ المستقبليّة، والتعرّفِ على إمكانيّاتِهِ وقدراتِهِ ومدى إمكانيّةِ البدءِ من جديدٍ في خطوةٍ أخرى نحو زواجٍ ثان، ومن ثم ينتابُ الشخصَ المطلّقَ عقبَ طلاقِهِ مباشرةً حالةٌ من القلقِ الدائمِ والاكتئابِ المستمرّ، ممّا يجعلُهُ يشرُدُ بذهنِهِ عمّا حوله. وقد يتعثّر المطلّقُ بعد طلاقِهِ مباشرة، فلا يستطيعُ عبورَ مرحلةِ الانفصالِ الانفعاليِّ النفسيّ، ممّا يدفعُهُ لمقاومتِها والتغلبِ عليها بكافةِ الوسائلِ السويّةِ وغيرِ السويّة. فقد يُغرقُ نفسَهُ في أعمالٍ إضافيّةٍ جادّةٍ تُرهقُ أعصابَهُ وتوتِّرُها، أو في أعمالٍ ترفيهيّةٍ تبعدُهُ عن واقعِه، فيصبحُ على هامشِ الحياةِ لا نفعَ منه ولا قيمة. وتؤكد الدراساتِ السيكولوجيّةِ على الآثارِ السلبيّةِ للطلاقِ حيث تفيدُ بأنَّ نسبةً كبيرةً من المطلقينَ والمطلقاتِ يعانونَ من تنوّعٍ في الاضطراباتِ الانفعاليّةِ الحادّةِ والأمراضِ النفسيّةِ الشديدةِ ومنها الشعورُ بالقلقِ والاكتئابِ والصراعِ وعقدةِ الذنب، وتأنيبِ الضميرِ وإيلامِ الذات وكرهِها والاضطراباتِ السيكوجنسيّة، والإصابة بالإحباطِ ومشاعرِ الحرمانِ والظلمِ والقهرِ والتوتّر، وتتسلطُ عليهم أفكارُ العداوةِ والتشاؤمِ والانهزاميّة، وكلّها مشاعرُ وأفكارٌ سيئةٌ ترتبطُ بقائمةٍ طويلةٍ من الأمراضِ السيكوسوماتيةِ والعاداتِ السلوكيّةِ كتعاطي المخدراتِ وإدمانِ الكحول.

حجم مشكلة الطلاق ومعدلاته

تختلفُ معدلاتُ الطلاقِ من مجتمعٍ لآخرَ تبعاً للعديدِ من المتغيراتِ الاجتماعيّة والثقافيّةِ والظروفِ السياسيّةِ والاقتصاديّة. ويشيرُ غالب مصطفى في كتابه الحياة الزوجية وعلم النفس إلى أنَّ حوادثَ الطلاقِ قد تزايدتْ منذ النصفِ الثاني من القرنِ الماضي، وهي نسبةٌ آخذةٌ في الزيادةِ خصوصاً في المدنِ الصناعيّةِ وذلك نتيجةً لتلازمِ التغيّرِ الاقتصاديِّ والصناعيِّ بالكثيرِ من العواملِ المساعدةِ على التفكّكِ الأسري.(3)

ويشيرُ الشعراويُّ في كتابه أثر الصناعة في الأسرة إلى أنَّ نسبةَ الطلاقِ ترتفعُ في المجتمعاتِ الصناعيّةِ بمرورِ الوقت، فقد سجلتِ الإحصاءاتُ في عامِ 1988 أعلى نسبةَ طلاقٍ لصالحِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّة، حيث بلغتْ حالاتُ الطلاقِ 246 حالةً لكلِّ 1000 حالةِ زواج، تليها السويدُ حيث بلغتْ 175 حالةَ طلاقٍ لكلِّ 1000 حالةِ زواج، ثمّ فرنسا 100 حالة، ثمّ أستراليا 90 حالة، تليها ألمانيا 89 حالة، وأخيراً إنجلترا 74 حالةَ طلاقٍ لكلِّ 1000 حالةِ زواجٍ لنفسِ العام. وعلى صعيدِ العالمِ العربيّ، يذكرُ كيال (1986) أنَّ نسبةَ الطلاقِ في المجتمعِ المصريّ 30 حالةً لكلِّ 1000 حالةِ زواج، بمعنى أنَّ حالاتِ الطلاقِ تصلُ إلى 60 ألفَ حالةِ طلاقٍ سنوياً.(4)

أما في الكويتِ فيشيرُ فهد ثاقب في كتابه المرأة والطلاق في المجتمع الكويتي إلى أنها بلغت 154 حالةَ طلاق تقريباً لكلِّ 1000 حالةِ زواج (5)

وفي المملكةِ العربيّةِ السعوديّة، تشيرُ إحصاءاتُ وزارةِ العدلِ المبنيّةِ على ما صدرَ من المحاكمِ إلى تدرّجِ حالاتِ الطلاقِ بين 18 - 24 %من حالاتِ الزواجِ خلالَ عشرِ سنواتِ (1410 - 1420 هـ(. ففي مكة المكرّمةِ تشيرُ إحصائيّةُ الأحوالِ المدنيّةِ عام 1422 م إلى أنَّ عددَ حالاتِ الطلاقِ بلغَ 228 حالةً لكلِّ 1000 حالةِ زواج. وبطبيعة الحال فإن النسبَ السابقةَ تقدّمُ مؤشراً على اتجاهِ نسبةِ الطلاقِ نحو الارتفاعِ وبدرجةٍ توجبُ على مراكزِ البحوثِ والباحثينَ التصدّي لها بالبحث، كما توجبُ على المؤسساتِ الاجتماعيِّة الاهتمام بمعالجةِ أسبابِها للتخفيفِ من حدّتِها وضبطِ ارتفاعِها المستمر.(6)

أمّا في العراقِ فلحدِّ الآنَ لا توجدُ إحصاءاتٌ واضحةٌ ودقيقةٌ عن هذه الظاهرة، بيدَ أنَّ أكثرَ من قاضٍ عراقيٍّ قد صرّحَ بوجودِ 8 حالاتِ طلاقٍ لكل 10 حالاتِ زواج، وهذه النسبةُ قد تكونُ - إذا ما كانتْ صحيحةً - من بينِ أكثرِ نسبِ الطلاقِ في العالم. وبالتأكيدِ فإنَّ تأثيراتِ الواقعِ الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ الذي أسفرَ عن وجودِ الاحتلالِ كان له دورٌ كبيرٌ في زيادةِ نسبةِ الطلاق، والتفكّكِ الأسريِّ وانعدامِ الاستقرارِ الاجتماعيّ، فضلاً عن الأمنِ الاجتماعيِّ بصورة عامة.. (7).

أسباب الطلاق

إنَّ تأسيسَ السببيّةِ بالنسبةِ للطلاقِ مازال أمراً صعباً، إذ تعتمدُ الدراساتُ على التفسيراتِ البديهيّةِ أكثرَ من التفسيراتِ النظريّة، فالنظريّةُ مازالتْ جزءاً متخلفاً في بحوثِ الطلاق. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر هناك صعوبةٌ في حصرِ أسبابِهِ نظراً لوجودِ عددٍ كبيرٍ من العواملِ المتداخلةِ والمختلفةِ التي يمكنُ أن تؤدّيَ إليه، فالطلاقُ لا ينتجُ في الغالبِ عن حادثٍ وحيدٍ بل هو نتيجةٌ لعدّةِ عواملَ متعدّدةٍ ومتداخلةٍ متصلةٍ بوظائفِ الحياةِ الأسريّة، حيث تتفاعلُ وتتداخلُ مع بعضِها البعضِ مفضيةً في نهايةِ المطافِ إلى الطلاق. وبطبيعةِ الحالِ فإنَّ الأسبابَ قد تختلفُ نسبياً من مجتمعٍ لآخر، فما يؤدّي للطلاقِ في المدنِ قد لا يكونُ سبباً كافياً ومقنعاً له في الأرياف، كما تختلفُ الأسبابُ من أسرةٍ إلى أسرةٍ حسبَ تباينِها الثقافيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديّ، بل داخلَ الأسرةِ الواحدةِ من جيلٍ لآخر. وفي اتفاقٍ مع ما سبقَ ذكرُهُ من دراساتٍ عراقيّةٍ وغربيّةٍ أظهرتِ اختلافاً في أسبابِ الطلاق، استدلَّ الثاقبُ (1999) بدراسةِ وايت التي ربطتِ الطلاقَ بعواملَ من قبيلِ ترتيبِ الزواج، وطلاقِ الوالدين، والعمرِ عندَ الزواج، والحملِ والإنجابِ قبلَ الزواجِ أو أثناءَ الزواج، والعمرِ ومدّةِ الزواج، والعنصر. كما تبينَ أنَّ انخفاضَ نسبةِ الإناثِ والسنَّ المتأخّرَ للزواجِ يؤدّيان إلى انخفاضِ معدّلاتِ الطلاق. الدراسةُ أظهرتْ أيضاً أنَّ التنميةَ الاجتماعيّةَ والاقتصاديّةَ وعمالةَ المرأةِ لها علاقةٌ ذاتَ دلالةٍ إحصائيّةٍ بارتفاعِ معدّلاتِ الطلاق. ويشيرُ الثاقبُ أيضاً إلى اختلافِ الأسبابِ مستدلاً بنتائجَ دراساتٍ أجريتْ في المجتمعاتِ النامية.

وفي العالمِ العربيِّ نجدُ أنَّ المتوفرَ من الدراساتِ يناقشُ أيضاً العديدَ من الأسبابِ المختلفةِ للطلاقِ وذلك باختلافِ الثقافةِ والمجتمعات، ففي دراسةِ بسيوني (1967) لمشكلةِ الطلاقِ على عيّنةٍ مصريّةٍ تبيّنَ أنَّ للطلاقِ العديدَ من الأسبابِ الممكنِ تلخيصُها في..(8)

  • نشأةُ المطلّقاتِ خلالَ طفولتِهِنَّ في أسَرٍ تتسمُ بالتفكّك.
  • تدخّلُ الأهلِ في الزواجِ سواءً قبلَهُ أو بعدَهُ وسماحُ الزوجِ بهذا التدخّل.
  • الجهلُ بالأمورِ الجنسيّةِ لكلٍّ من الزوجيْن.
  • عدمُ الكفاءةِ من الناحيةِ الاجتماعيّةِ والتعليميّةِ بين الزوجيْنِ وما ينشأ عنهما من اختلافٍ في العاداتِ والتقاليدِ والبيئة.
  • عدمُ تأهيلِ كلٍّ من الزوجيْنِ لحياةِ الزوجيّةِ عن طريقِ التوعيةِ والتعليمِ في المدارسِ والمعاهدِ بواجباتِ الأسرةِ وحقوقِها على كلٍّ من الزوجيْنِ وكيفيّةِ حلِّ مشكلاتِها.
  • ضعفُ المرأةِ في غالبيةِ الأحيان، وعدمُ مشاركتِها في الحياةِ والمسؤوليّةِ مشاركةً إيجابيّة.
  • الفرقُ في السنِّ بين الزوجيْن، كأن يكبرُ الزوجُ زوجتَهُ بعشرينَ سنةٍ فلا تلبثُ الغيرةُ أن تدبَّ في قلبِ الزوج، وكثيراً ما تنحرفُ الزوجةُ وتخرجُ عن تقاليدِ الأسرة.
  • عقمُ أحدِ الزوجيْنِ أيضاً من الأسبابِ الهامّة.
  • سهولةُ الطلاقِ وإباحتُهُ جعلَ الأمرَ هيّناً وبسيطاً، فأيُّ خلافٍ يقعُ بين الزوجيْنِ يؤدّي إلى الطلاقِ أو الاختلافِ داخلَ الأسرة.
  •  خروجُ الزوجِ من البيتِ وغيابُهُ لمدةٍ طويلةٍ وميلُهُ للحريّةِ التي كان يتمتعُ بها قبلَ الزواج، وقد تخرجُ الزوجةُ هي الأخرى تاركةً مسؤوليّاتِها ممّا يؤدّي إلى تفكّكِ الأسرةِ وانحلالِ روابطِها من تعاونٍ ومشاركة، وهذا يحدثُ في المدينةِ بنسبةٍ أعلى من القرية.

وفي دراسةِ برهوم (1977) على عيّنةٍ من الأردنِ تبيّنَ أنَّ أسبابَ الطلاقِ ترجعُ بصفةٍ عامّةٍ إلى تدخّلِ أسرتي الزوجيْنِ في المشكلاتِ الخاصّةِ بهما، ووجودِ نساءٍ أخرياتٍ في حياةِ الزوج، والعقم، والمشكلاتِ الجنسيّة، ووجودِ مشكلاتٍ اقتصادية.

كما أرجعتْ دراسةُ الجابرِ (1996) على عيّنةٍ قطريّةٍ أسبابَ الطلاقِ إلى عددٍ من العواملِ شملتِ التقاليدَ الموروثةَ بما تمثلُهُ من عدمِ الرؤيةِ قبلَ عقدِ الزواج، وتدخّلَ الأهلِ في اختيارِ الزوجِ أو الزوجة، و فارقَ السنِّ الكبيرَ بين الزوجيْن، وزواجَ البدل، ونظرةَ الرجلِ إلى الزوجةِ نظرةً دونيّةً بحيث لا ترى المرأةَ فيها إلا مربيةً لأطفالِهِ وراعيةً لبيتِهِ دونَ مراعاةٍ لمشاعرِها كإنسانٍ وزوجة، والجهلَ وعدمَ الفهمِ السليمِ لأحكامِ الشريعةِ الخاصّةِ ببناءِ الأسرة، وما فرضَ اللهُ على كلٍّ من الزوجيْنِ من حقوقٍ نحوَ الآخر، وما أمرَ به عند حدوثِ نشوزٍ أو إعراضٍ من الزوجيْنِ وما وضعَهُ من قيودٍ على الطلاقِ وجعلَهُ في أضيقِ الحدودِ أو عندَ الضرورة، وفسادَ الأخلاق، والسعيَ وراءَ الشهوات، وتبديدَ الأموالِ في المحرّماتِ وسوءَ التربيةِ مع انتشارِ مظاهرِ الترفِ الاقتصاديِّ التي تدفعُ إلى التسابقِ في شكليّاتٍ ترهقُ الزوجَ ماديّاً وتدفعُهُ في النهايةِ إلى الطلاق.(9)

من اللازمِ هنا توضيحُ نقطةٍ في غايةِ الأهميّةِ هي أنَّ التغييراتِ الاجتماعيّةَ التي شهدَها العراقِ بعد عام 2003 كان لها دورٌ كبيرٌ في إحداثِ تحوّلاتٍ وانقلاباتٍ مهمّةٍ وخطرةٍ في البنيةِ الاجتماعيّةِ للمجتمعِ العراقيِّ وكذلك في منظومتِهِ القيميّة، فضلاً عمّا يمكنُ تأشيرُهُ من تحوّلاتٍ في التراتبيةِ الاجتماعيّةِ بصورةٍ دراماتيكيّة، وصعودِ فئاتٍ اجتماعيّة وأفرادٍ ما كان لهم في يومٍ من الأيامِ التفكيرُ في تسنّمِ مراكزَ وأدوارٍ اجتماعيّةٍ لولا التغيّرُ الذي حدثَ بعد الاحتلال، كلُّ ذلك وغيرُهُ تركَ اثارَهُ العميقةُ على النظامِ الأسَريّ، والعلاقةُ الاجتماعيّةُ داخلَ هذه المؤسّسة، وجعلُهُ من السهلِ واليسيرِ أن تفكَّ عرى العلاقةِ الزوجية، ومن ثمّ الوصولُ إلى حالِ الطلاقِ بين الزوجيْنِ بالرغمِ من كلِّ ما يمكنُ أن يسفرَ عنه من مشكلاتٍ وأزماتٍ على صعيدِ الأفرادِ أصحابِ العلاقةِ والجماعاتِ الاجتماعيّةِ التي يتصلونَ بها كالعائلةِ والأقارب، وصولاً الى المجتمعِ الكبير..

*بحث لمركز الإرشاد الأسري التابع للعتبة الحسينية نشر تحت عنوان: «رؤية نفس اجتماعية للطلاق»


الهوامش

1- - عمر، ماهر محمود، سيكولوجية العلاقات الاجتماعية. الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1992،  ص23.

2- عمر، ماهر محمود . مصدر سبق ذكره، ص32.

3-  - غالب، مصطفى (1985) الحياة الزوجية وعلم النفس، بيروت، دار مكتبة الهلال.

4 - الشعراوي، زيلعي علي (1993)، أثر الصناعة في الأسرة دراسة في مدينة الدمامن حلب، دار الصابوني.

5 - الثاقب، فهد ثاقب (1999) المرأة والطلاق في المجتمع الكويتي، الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية، الكويت، مجلس النشر العلمي.

6 - وزارة العدل (1420)، الكتاب الإحصائي السنوي، الرياض.

 7- تصريح للقاضي رحيم العكيلي، وغيره من القضاة العراقيين في اكثر من مناسبة واكثر من مرة وخاصة على قناة الحرة عراق الفضائية... التاريخ والوقت غير متوفر.

8- بسيوني، أميرة عبد المنعم، الأسرة المصرية، القاهرة، دار الكتاب للطباعة والنشر، 1967.

9- الجابر، أمينة (1996)، ظاهرة الطلاق في المجتمع القطري وعلاجها في ضوء التشريع الإسلامي، دراسات الخليج والجزيرة العربية، 202-175 - 72.

2018/11/06

لماذا يبتعد شبابنا عن الدين؟

 صورة لشاب مشارك في ما يعرف بـ «مهرجان الألوان» في بغداد

قال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[1].

المتتبع للتأريخ البشري يجد أن الشباب هم الأكثر نهوضا بأعمال ومشاريع الأمم المصيرية، بل المعتمد في كل أمةٍ شبابها في المشاريع الحركية التغييرية لأنهم في أوج طاقاتهم وحماسهم... لذا نجد أغلب الذين استجاب لمشاريع الأنبياء هم الشباب.

ومن هنا نسأل ما هي العوامل والأسباب التي تكمن وراء عزوف الشباب عن المشاريع الدينية في عصرنا هذا؟ ما الذي أبعدهم عن الأجواء الدينية؟

لكننا وقبل الجواب عن ذلك، نسأل: ما هي الخصائص والصفات النفسية لمرحلة الشباب؟

الخصائص السيكولوجية لمرحلة الشباب

عندما نرجع الى علم النفس والمذهب الديني في مجال تحليل النفس؛ نجد ان الخصائص السيكولوجية التي تتميز بها مرحلة الشباب ثلاثة صفات:

الأولى: الصفة العاطفية

وهي عبارة عن غليان وتأجج العاطفة لدى الشاب، ومن صفات هذه المرحلة ان يعيش اتجاها نفسيا نحو الجنس الاخر، هذا الغليان العاطفي عبر عنه علم النفس بانه (المراهقة) وقسم المراهقة الى قسمين مراهقة متقدمة ومراهقة متأخرة.

المراهقة المتقدمة: تبدأ من سن الخامس عشر الى سن السابع عشر.

والمراهقة المتأخرة: قد تمتد الى ما بعد الواحد والعشرين من عمر الانسان في هذه المرحلة، وهي مرحلة تأجج العاطفة وتوجه الانسان الى الجنس الآخر بأساليب وصور مختلفة.

الثانية: صفة العقل والتفكير

نحن نعرف ان الانسان بحسب التصور والمنظور الاسلامي مسؤول عن اعماله منذ بلوغ خمسة عشر سنة، وهي المعبر عنها بمرحلة البلوغ، ولكن هل مرحلة البلوغ هي مرحلة النضج العقلي لدى الانسان؟ هل مرحلة البلوغ هي مرحلة بداية التفكير الجاد لدى الانسان؟

ليس الامر كذلك، بل مرحلة التفكير الجاد تبدأ من الثامنة عشر، هذا الذي اتفق عليه المذهب الوضعي مع المذهب الاسلامي؛ خصوصا المدرسة التحليلية في علم النفس، فقد تقرر ان بداية التفكير الجاد لدى الانسان حينما يبلغ ثمانية عشر سنة ولذلك القوانين الوضعية تعتبر ابن ثمانية عشر سنة رجلا مؤهلا لتحمل المسؤولية، والمذهب الاسلامي يؤكد على هذه المرحلة في الاحاديث الشريفة:

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة؛ فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه)[2].

وعن أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) قَالَ: (يَثَّغِرُ الْغُلَامُ[3] لِسَبْعِ سِنِينَ، ويُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِتِسْعٍ، ويُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ لِعَشْرٍ، ويَحْتَلِمُ لأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ومُنْتَهَى طُولِه لِاثْنَتَيْنِ وعِشْرِينَ سَنَةً، ومُنْتَهَى عَقْلِه لِثَمَانٍ وعِشْرِينَ سَنَةً إِلَّا التَّجَارِبَ)[4].

الرواية تستثني التجارب، وهو ما يؤكده علم النفس الحديث من ان لدى الانسان عقلين: عقلا موضوعيا وعقلا تجريبيا، فالعقل الذاتي يبدأ من ثمانية عشر الى ثمانية وعشرين، والعقل التجريبي ينتهي بالأربعين عاما، فاذا بلغ الأربعين عاما نضج العقل التجريبي لدى الانسان، وهذا ما تؤكده الآيات الشريفة: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)[5].

الثالثة: العناصر العملية عند الشباب

عندما نرجع الى كتب علم النفس نجد أن الشاب يتمتع بمجموعة من الركائز والعناصر العملية وهي:

  1. الاستقلال في الشخصية بعد أن كان تابعا لأسرته.
  2. الاضطراب والتموج في المواقف، فالشاب لا تستقر مواقفه سواء كانت الفكرية ام النفسية ام الاجتماعية، فهو يعيش اضطرابا في مواقفه وآرائه، ولا تستقر مواقفه إلا عند سن معين وربما في الثامنة والعشرين من عمره.
  3. روح المبادرة في الشاب، إن الكبير لا يمتلك روح المبادرة كما يمتلكها الشاب، فالشاب ربما يُعرض عليه مشروع ما او عمل ما او مهمة ما فتراه أكثر مبادرة وأكثر انطلاقا وأكثر حماسة من الانسان الكبير الذي تجاوز الأربعين سنة.
  4. البذل المتواصل، استعداد الشباب لتواصل البذل ولتواصل العطاء لتواصل الجهد والطاقة؛ هذا الاستعداد لا يمتلكه الكبير الذي استنفذ طاقته وجهده في مجال ما.
عوامل وأسباب ابتعاد الشباب عن الدين

لعزوف الشباب عن الدين عوامل كثيرة نلخصها في أهم عاملين:

1-الإعلام المضاد

لا يخفى أن الاعلام المضاد للدين أكثر امكانيات من الاعلام الديني، فالإعلام العالمي اليوم يسخر مرحلة الشباب ويؤطر دورها في الرياضة والجنس، وأنه يكرس كل امكانياته واساليبه لحصر الشباب بهاذين الاطارين، ومن ثَمّ ابعادهم عن أولوياتهم الفكرية والسلوكية والمشاريع الاجتماعية..

2-الخطاب الديني

إن الخطاب الديني ليس بالمستوى الذي يؤدي دوره كمتصدي للإعلام العالمي المضاد للدين رغم كل ما متوفر لدينا من فضائيات واحتفالات وشعائر... وذلك لتركيزه على الطقوس الدينية فحسب، نعم الطقوس الدينية مطلوبة ومهمة، ولكن لا على حساب جوهر الدين وروح العمل وبعث العناصر العملية في شخصية الشباب.

حلول جذرية

  1. روح المسؤولية
  2. الدراسة والتخطيط
  3. التركيز على الحركة الحسينية الانسانية

نحن مسؤولون ومعنيون بمواكبة العصر بخطابات جذابة معاصرة مدروسة، وعدم البقاء على خطاب قديم لا يجدي نفعا في جذب الشباب الى الدين، بل ربما ينفرهم أحيانا.

فينبغي أن يكون هناك تخطيط ودراسات من قبل جميع التخصصات لجذب الشباب، ومن غير خطط مدروسة محكمة لا نستطيع فعل شيء أمام هذا السيل الفكري المنحرف الذي التهم شبابنا، فلو كنا على قدر المسؤولية فلننهض بشبابنا بجميع امكانياتنا واختصاصاتنا... ومن ثَمّ الانطلاق بهم الى العالم، وأفضل سفينة ننطلق بها سفينة الامام الحسين (عليه السلام)، ونسعى بأن نحول الفكر الحسيني الى فكر جامعي يغزو جامعات العالم، الى مبادئ تُدرس في الجامعات، والى شعارات انسانية يهتف بها الجميع، فالحسين عليه السلام مصلح انساني ورائد حركة تغييرية انسانية، فلا نخنق هذا الفكر العظيم في الاطار المذهبي، ولابد أن نبرز الفكر الحسيني لجميع البشرية، يوجد من الشباب المؤمنين مَنْ يمتلك الطاقات والعقول، ولهم القدرة على تحويل الفكر الحسيني الى دروس انسانية تُدرس في جامعات العالم بنشرهم ذلك بمختلف اللغات والثقافات والوسائل.. حتى يصل صوت الحسين عليه السلام الى جميع أحرار العالم.

فلا نقتصر حركة الامام الحسين عليه السلام على الدور العاطفي فقط؛ نعم نحن بحاجة لهذا الدور وزخمه وآثاره، ولكننا نتطلع الى تحقيق أهداف الامام الحسين (عليه السلام) ومثله وفكره.


تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي

[1] الكهف: 13 .

[2] بحار الانوار: ج1 ص96 .

[3] أي يسقط أسنانه المقاديم .

[4] الكافي: ج6 ص46.

[5] الأحقاف: 15 .

2018/11/04

كأحد أساليب التربية: هل يشجّعنا الإسلام على ضرب أبنائنا؟

قال تعالى: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

1-     حقيقة التربية

2-     ركائز التربية

3-     اسلوب الضرب والعنف في مجال التربية

المحور الأول: حقيقة التربية

التربية هي: خلق الظروف والعوامل التي تسهم في ابراز قدرات الطفل وتنمية قابلياته وملكاته.

هناك فرق بين التربية والصناعة، فالصنع هو تركيبٌ واحداثٌ من مواد معينة كصناعة السيارة وغير ذلك.. واما التربية ليست كذلك، بل هي إحياء؛ بمعنى تفجير طاقة الحياة في الإنسان.

كثيرون من يتصور أن تربية الطفل بالعصا أو بالقول له: تأدب أو افعل كذا او لا تفعل كذا فقط، والحال أن التربية هي إبراز طاقات الطفل وتنمية قدراته ومواهبه وملكاته.

وبما أن التربية هي تفجير الطاقات فلابد أن تكون مساوقة مع التعليم فلا علم بدون تربية، ولا تربية بدون تعليم، فالتعليم والتربية توأمان متمازجان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ورد عن الامام علي عليه السلام: "العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع"، فالعلم المسموع أن تسمع أو تقرأ المعلومات وتحفظها، والعلم المطبوع ما رسخ في النفس وظهر أثره في الأَعمال، فلا ينفع المسموع ما لم يتطبع عليه العالم به ويظهر في أفعاله.

إذن العلم بدون تربية أي بدون استثماره واظهاره على أرض الواقع والتطبيق لا يجدي نفعا، بل لابد من التطبّع عليه وتنمية القابليات والقدرات على الانتاج والعطاء في ظل العلم.

كما أن التربية بلا علم لا تجدي نفعا ولا تنتج، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ثروة العاقل في علمه وعمله"، ولذا قلنا: العلم والتربية توأمان.

يقول بيكن: العلماء ثلاثة - عموم الاختصاصات: "عالم كالنملة وعالم كدودة القز وعالم كالنحلة". بمعنى أن هناك عالما عبارة عن مخزن للمعلومات فهو كالنملة التي تختزن الغذاء بلا عطاء، وهناك عالم ينطوي على نفسه ولا يستفيد من خبرات وتجارب الآخرين ولا يواكب الثقافة والحضارة فهو كدودة القز التي تلف نفسها من لعابها ولا تستفيد مما حولها، وهناك عالم يطور نفسه ويواكب العصر ويستفيد من خبرات الآخرين.. ثم يعطي وينتج لفائدة غيره، وهو كالنحلة التي تستفيد من رحيق الأزهار وتصنع عسلا ثم تنتج وتُعطي.

وخلاصة حديثنا في هذا المحور بأن التربية هي عبارة عن إحياء الانسان وابراز طاقاته وتنمية قابلياته، وليست مجرد تعليم بعض الآداب.

المحور الثاني: ركائز التربية

نتعرض في هذا المحور لثلاث ركائز في مجال التربية:

الركيزة الأولى: تنمية الأبعاد في التربية

إن للإنسان أربعة أبعاد: عقلي وخلقي وجمالي وعبادي، هذه الأبعاد الأربعة هي قوام شخصية الانسان والتربية أن ننمي هذه الأبعاد ونبرزها.

 البعد العقلي:

من حيث أن العقل به تميز الانسان عن سائر العجماوات وبه تحدد درجات التفاضل بين الناس فينبغي على الأبوين تنمية البعد العقلي لدى الأبناء بتمارين عقلية تُكسبه مهارات عقلية وذكاءً متميزا، كي لا يصدقوا كل ما يسمعوا أو يقرؤوا، بل يُعملوا العقل كي يفهموا الأمور على حقيقتها.

فإن تربية البعد العقلي جزء أصيل في تربية الأبناء، لأن ثمرة النضج العقلي استقامة الفكر والسلوك، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):  (ثمرة العقل الاستقامة)، وبالعقل والعطاء يتفاضل بنو البشر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):  (للإنسان فضيلتان عقل ومنطق فبالعقل يستفيد وبالمنطق يفيد)

وعَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليه السلام) (يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى بَشَّرَ أَهْلَ الْعَقْلِ والْفَهْمِ فِي كِتَابِه فَقَالَ: (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ الله وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ). 

البعد الخُلُقي:

خُلق الانسان وهو يميل بفطرته الى العدل والصدق وأداء الأمانة... والذي يتوجب على الأبوين تربية الأبناء على هذه القيم من خلال أفعالهم قبل أقوالهم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (العالم من شهدت بصحة أقواله أفعاله)، فالأبناء حين يرون أباءهم صادقين معهم ومع غيرهم تترسخ فيهم صفة الصدق؛ وكذا في صفة العدل وأداء الأمانة وغيرها من الصفات الحميدة.

البعد الجمالي:

كل انسان يميل الى الجمال ويحبه، وابراز صفة الجمال لدى الأبناء من الواجبات التربوية على الأبوين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ..)، فلو وجدنا لدى الأبناء مهارات جمالية ينبغي ابرازها وتنميتها، مثلا: لو وجدنا الطفل له صوت عذب ينبغي تحفيزه وحثه على تجويد القرآن الكريم أو انشاد القصائد الحسينية وغير ذلك من الأمور التي حبب اليها الشارع المقدس، وحين ابراز هذه المواهب يخدم من خلالها مبادئه وقيمه.

البعد العبادي:

فُطر الانسان على حبه وميوله لعبادة الله سبحانه، ولكن بما أنه عرضة لآفات الدنيا ومغرياتها فلابد من حماية هذه الفطرة منذ الطفولة وتنميتها.

ورد عن أمير المؤمنين في وصيته لولده الامام الحسن (عليهما السلام) أنه قال: (وإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ، مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْه، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ). 

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا..)، فالعبادة استقرار للنفس وهدوء واسترخاء وسكينة لقلب الانسان، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). 

يقول وليام جيمس في كتابه الدين والروح: (هناك بعد أصيل في شخصية الانسان ألا وهو البعد الروحي).

فعلى الأبوين تنمية البعد الروحي وتحفيزه لدى الأبناء، ولكن ينبغي الالتفات الى عدم ارهاقهم بالعبادة؛ فقد تنعكس النتيجة سلبا، فالأمر باليسير عليهم أنفع من الكثير الذي قد ينفرهم منها، فالعبرة أن يتشرب طعم العبادة.

ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (اجهدتُ في العبادة - وأنا شاب - فقال لي أبي: يا بني! دون ما أراك تصنع، فإن الله (عز وجل) إذا أحب عبداً رضي منه باليسير). 

الركيزة الثانية: الاعتياد

هنالك أفعال يعتاد الانسان عليها ويسعى جاهدا كيلا يتخلف عن فعلها، وهذا الاعتياد في نظر التربية الغربية يتعارض مع الحرية، فقد جعلوا الحرية جوهر التربية، فهم يسعون الى اغراس روح الاستقلال في الأبناء منذ الطفولة وتحريرهم من كل عادة أو شيء يقيد حريتهم، بل حتى سلطة الأبوين يعتبرونها سلبا للحرية في النظام الغربي، فالمنظور الغربي يرى أن كل شيء يقيد حرية الطفل هو طمس لشخصيته الاستقلالية، لذلك قالوا: بأن العادات - جميعها سواء كانت حسنة أم سيئة - تخنق الحرية والاستقلالية لدى الأطفال وليس من الصحيح تعليمهم أي عادة مهما كانت - حتى لو كان فعلها عند العقلاء حسناً - فهي تخنق الحرية لدى الطفل.

يقول كانت: (اذا زادت العادات قلّت الارادة وضعُف الاستقلال) ويقول راسل: (الارادة أن تتحرر من العادات، هي الفن والمهارة في التخلص من العادات).

وأما العادات في منظور التربية الاسلامية تختلف عن ذلك، إذ قالوا بأن العادة على نوعين: تارة تكون العادة فعلية وأخرى انفعالية، والمذموم في التربية الاسلامية هي العادة الانفعالية وليست العادة الفعلية، واليك بيان ذلك:

العادة الفعلية

وهي العادة التي تستند الى فكر وعقل وارادة، فالإنسان هو الذي يصنع هذه العادة وهي ممدوحة، ومثال ذلك: المحافظة على النظام هي عادة حسنة ولا عاقل يقول بخطأ الاعتياد على النظام، بل لا تقوم الحضارة ولا تنتج إلا باعتياد وتعليم الشعب على النظام كالمحافظة على السلم الأهلي والمحافظة على نظام الطرقات والمحافظة على سلامة البيئة... فالحضارة لا يمكن أن تقوم وتنتج بدون هذه العادات وبالتالي لا يمكن لأحد أن يقول هذه عادات مذمومة، بل هي عادات ممدوحة وجيدة لأنها عادات فعلية استندت الى العقل والفكر والارادة ولم تستند الى محض العاطفة.

العادة الانفعالية

وهي العادة التي لا تستند الى العقل والارادة، بل تستند الى العاطفة المحضة والانسياب والاسترسال، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)، فهؤلاء حين تحاورهم وتبين لهم أن الحقيقة بخلاف ما هم عليه قالوا: هذه عاداتنا وتقاليدنا ونأبى تغييرها، فهذه العادات انفعالية تقليدية تعصبية لا تستند الى عقل واعٍ وهي مذمومة في المنظور الاسلامي.

فتبين لنا أن المنظور الاسلامي يذم تعليم الأولاد العادات الانفعالية وليس الفعلية، خلافا للمنظور الغربي الذي يذم تعليم مطلق العادات حسنة كانت أم سيئة.

الركيزة الثالثة: قوة الارادة والاحساس بالمسؤولية

من الأخطاء التربوية الفادحة أن يعلم الأبوان أولادهما على الاتكالية ونفض اليد عن المسؤولية وتوفير كلما يطلبون، بل لابد من تعليمهم قوة الارادة والاحساس بالمسؤولية من خلال الاعتماد على أنفسهم بالقيام ببعض الأعمال التي تخصهم على الأقل كتنظيم السرير وترتيب الثياب وفي بعض الأحيان تحضير الطعام.

وبخلاف ذلك سنصنع من الطفل شخصية اتكالية حبيسة الدلال والترف لا استقلالية لها ولا نتاج ولا عطاء. 

المحور الثالث: اسلوب الضرب والعنف في مجال التربية

 إن اسلوب تربية الأبناء بالضرب والعنف على أن يخافوا منا يُعد من الأساليب التي تنعكس على الطفل سلبا وتغير مسار مستقبله.

يقول الشيخ محمد تقي فلسفي في كتابه (الطفل بين الوراثة والتربية): (هناك فرق بين الخوف من الذنب وبين الخوف من الأب)، فالخوف من الذنب يبعث على التغيير وصيانة النفس واصلاح الشخصية، ويجعل الأولاد صريحين شفافين، قال تعالى: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). 

وأما الخوف من الأب فهو يصنع من الطفل شخصية انطوائية، بل يبعثه على الاستتار بالخطأ، يستتر من الأب ويتحيل ويلف ويدور حتى يتجنب أن يخطأ أمام أبيه فيُصبح شخصية ازدواجية غير صريحة.

هل يتفق مسارا التربية الاسلامية والتربية الحديثة بأسلوب العنف مع الاطفال؟

هناك بعض الدراسات الحديثة اهتمت بموضوع تربية الاطفال خصوصا اسلوب العنف معهم وسلبياته، وهنالك دراسات معاكسة كـ (ديلي تلغراف البريطانية) نقلت دراسات بأن الضرب غير المبرح الى سن السادسة يعين الطفل على الانتظام وتحمل المسؤولية، ولكن الجمعية العامة لحقوق الطفل رفضت هذه الدراسات وأكدت أن اسلوب الضرب في أي مرحلة من سن الطفل هو اسلوب معوق وليس منتج، وهنا نستعرض بعض الدراسات التي أكدت على سلبية العنف في تربية الأولاد، ومن تلك الدراسات:

1- مركز حماية الطفل من الاساءة (دار الأمان) تأسس في عمان عام 2000 وهو الأول من نوعه في الوطن العربي، أصدر عدة دراسات عن خطر التعامل مع الطفل بأسلوب الضرب والعنف.

2- منظمة الصحة العالمية عام 2009 تؤكد في تقرير للتنمية البشرية العربية أن العنف البدني وإن قل في الوطن العربي ولكن هناك أشكالا أخرى من العنف تمارس على الأطفال كالتهديد والحرمان... ووفقا للدراسات: 73 بالمئة يتعرضون الى الضرب في المدارس أو الأسر و40 بالمئة يتعرضون للضرب الشديد.

3- كلية التربية الأساسية في دولة الكويت هناك دراسة بعنوان (تأديب الطفل بالضرب) للدكتور محمد ملك والدكتورة لطيفة حسن الكندري في سلبيات الضرب ومن أهم السلبيات انهيار الاحساس بالكرامة فالطفل لا يشعر بكرامته مع الضرب، وعدم المبالات للضرب فقد يتعوده ويتحول الى شخصية معاندة، بل قد يتحول الى شخصية عدوانية على الآخرين بل ويعكس هذا الاسلوب على أبنائه أيضا في المستقبل، فالطفل الذي تعلم ان التربية هي العصا سيطبق ذلك في أسرته.

لذا تقول الدكتورة مريم النعيمي: (إن الضرب عادة وغالبا وسيلة تنفيس لا وسيلة تقويم).

مسار التربية في النصوص الشرعية

توجد في بعض الروايات تصريحات بضرب الأولاد إن لم يصلّوا أو لم يتوضؤوا.. إلا أن هذه الروايات مخدوشة سندا بين الضعيف والمجهول في بعض رواتها، ومقابل هذه الروايات المخدوشة توجد روايات تصرح بعدم الضرب، يقول أحد أصحاب الامام الكاظم (عليه السلام) شكوت إلى أبي الحسن موسى ابناً لي فقال: (لا تضربه واهجره ولا تطل)، أي اذا اردت تأديب ابنك فلا تضربه بل اهجره ولا تطل الاعراض والهجر كيلا يحرم من حنانك وعطفك.

وهنا من الضروري أن نستعرض كلام الفقهاء الذين فهموا تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) فهما دقيقا، ومن جملة الفقهاء السيد الخوئي في باب الأولاد \ منهاج الصالحين ج2، والسيد السيستاني في فقه المغتربين، قالوا: لا يجوز لأي أحد أن يضرب الولد غير الأب، بل حتى الأم لا يجوز لها ضرب ولدها وإن كانت الضربة خفيفة، فالولاية فقط للأب دون غيره.

نعم لقد جوز الشرع للأب أن يضرب ولده ولكن فيما لو توقف التأديب على الضرب، وهذا الجواز منوط بشروط وهي:

1- أن لا يضربه أكثر من ثلاث ضربات.

2- أن لا يضربه لحد الاحمرار، فإذا احمر شيء من بدنه كان على الأب الدية.

3- أن لا يكون الضرب بدافع الغضب والانتقام.

4- أن يكون الضرب بدافع التأديب.

5- أن يكون جسم الطفل سليما.

وذكر الفقهاء أن يكون الضرب في محل لا يشكل على الطفل خطرا.

فتبين مما سبق أننا حتى وإن قلنا أن ضرب الأولاد جائز فالجواز للأب فقط وليس لغيره الحق البتة، والجواز للأب ليس مطلقا بل بالشروط التي مر ذكرها، إذن الأب الذي يضرب أولاده ولم يلتزم بما مر ذكره من الشروط لا شك أنه سيُعاقب على فعله هذا وتعديه على ما ليس له.

ومن كل ما مر يتبين لنا أن الضرب المبرح المخالف للشروط المارة جريمة في الشرع والقانون وبعيد عن المنهج الاسلامي القويم.


*تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي

2018/10/15

للنساء فقط: هذه طرق التعامل مع الزوج السيء!

يمكن أن نقول إنّه لا تكاد تخلو حياة زوجية من مشاكل، يقول البعض انه امر طبيعي وايجابي لأنه يؤدي الى حصول حالة التفهم شيئا فشيئا واستيعاب احدهما للآخر، والبعض من الباحثين في علم الاجتماع يرى انه قد يكون ايجابيا اذا ادى الى نتيجة ايجابية وليس الخلاف مطلقا ايجابيا لأنه قد يستمر الخلاف بين الزوجين ويتحول الى نزاع مستمر ثم ينشأ البغض والكراهية بحيث يقوم احدهما بخلق اسباب النزاع ويلتذ بها، ومن هنا نريد ان نعرف ـ من خلال هذه المقالة المختصرة ـ جانبا مهما وقد انتشر بكثرة بين الازواج وهو السوء في تعامل الزوج مع زوجته بل يتعامل بكراهية معها فما هو السبب في ذلك؟

في صدد الجواب عن هذا السؤال لا اريد ان اتكلم كثيرا وأحصي الاسباب لأنها متشعبة وكثيرة

وقد نخرج عن الغاية من طرح هذا السؤال وهو تشخيص السبب ليكون في متناول اليد للزوجة لتستعين به لدفع المشكلة او لرفعها.

 وإذا حاولت الزوجة تطييب الوضع داخل البيت ولكن لم ينفع ذلك يُستكشَف ان هناك خللا في نفس الزوج وذاته وليس خارجيا.

لا اريد ان أشرق واغرب في الجواب لكن سأذكره من خلال مقطع لرواية عن الامام الصادق عليه السلام يذكر فيه ثلاث خصال تكون ضابطا ومعيارا ومنهجا لتعامل الزوجة مع زوجها وبخلافه ستكون له لوازم وآثار سلبية ترجع عليها.

يقول الإمام الصادق (ع): (لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها (أي: المُنسجِم معها والمجتمع معها على امر واحد)، عن ثلاث خصال، وهنّ:

1- صيانةُ نفسها عن كلّ دَنَس (أي: الشين والعيب والتشويه)ُ حتى يطمئنّ قلبه إلى الثِّقة بها في حال المحبوب والمكروه).

2- وحياطته (أي: تلزم الزوجة نَفْسَها بِتَفَقُّدِه زوجها واَلاهْتِمَامِ بِهِ) ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّةٍ تكون منها).

3- وإظهار العشق لهُ بالخِلابَة (الخديعَةُ بالحَدِيث اللّطيف الطيِّب)، والهيئة الحسنة لها في عينه).

إذا نظرنا الى هذه الكلمات النورانية للإمام عليه السلام والحلول المهمة والمنهاج الواضح لتعامل الزوجة مع زوجها وطبقتها أحسن تطبيق تكون قد جنبت نفسها كل مشكلة وبغض واساءة من الزوج.

ثواب صبرها

لكن اذا كانت الزوجة متضمنة لهذه الصفات ولكن مع ذلك كان الزوج لا يعاملها بطيب فليس معناه انها تغير طريقتها في التعامل بل تستمر في ذلك لتحتسبه عند الله سبحانه وتعالى فان هذا الصبر لا يذهب سدى؛ بل لها البشارة فقد ورد في روايات المعصومين (عليهم السلام)، ومنها هذه الرواية عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه قال: (مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها؛ أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ). ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏186.

ثواب المرأة الصالحة

بل الزوجة الصالحة لها الثواب الجزيل مع قطع النظر عن تغير سلوكيات الزوج من عدمها.

جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك اللَّه هماً فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: بشّرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمّال اللَّه ولك في كل يوم أجر سبعين شهيداً". مكارم الأخلاق، ص‏215.

ثواب خدمتها

عن النبي صلى الله عليه وآله:

"ايما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر اللَّه إليها ومن نظر اللَّه إليه لم يعذّبه". ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏186.

وعن الامام الباقر عليه السلام: "ايما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق اللَّه عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت". ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏186.

وفي الحديث: "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها". وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏123.

2018/10/08

صراع الهويات: ماذا قدمت لنا الهوية الدينية غير «العزلة»؟!!

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

 

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث عن نقطة جوهرية هامة وهو موضوع الهوية، وذلك في أربعة محاور:

المحور الأول: تعريف الهوية ومكوناتها واتجاهاتها

المحور الثاني: الحاجة إلى الهوية

المحور الثالث: الصراع بين الهوية الدينية والهويات الأخرى

المحور الرابع: اهتمام القرآن الكريم بالهوية الدينية

الهوية ومكوناتها واتجاهاتها

عندما نرجع الى مجلة عالم المعرفة عدد 224 تنقل عن كتاب اصول في علم الاجتماع ان الهوية هي: السمات المشتركة بين جماعة معينة تكون موضع تميزهم عن غيرهم مثلا: ابناء العراق لهم سمات تميزهم عن غيرهم لهم عادات خاصة تقاليد خاصة وو... هذه السمات المشتركة بينهم التي تميزهم عن غيرهم تسمى هوية عراقية.

إذن السمات المشتركة بين جماعات تميزهم عن غيرهم تسمى هوية، والسؤال هنا: ما هي المكونات أو العناصر التي تتألف منها هوية الانسان؟

مكونات الهوية

هناك عناصر أربعة نتيجة لها تعددت الاتجاهات في الهوية وهي: الأرض، اللغة، التراث، الدين، فهذه العناصر الأربعة هي التي تتحكم في تحديد الهوية.

الأول: الأرض

فالأرض التي يولد فيها الانسان هي مسقط رأسه، أو الارض التي عاش عليها أباؤه وأجداده؛ هذه الأرض تحدد هوية الانسان، وعنها يخبر الانسان حينما يُسأل من أين انت؟ فيقول مثلا: أنا من العراق أو من الكويت أو من اليمن...

فالأرض مكون أساس من مكونات الهوية، ولذلك نجد الشعراء قد تباروا في مدح أرضهم التي عشوا عليها.

مكة وطن النبي (ص) وقد ولد فيها وعاش على ترابها قرابة أربعين سنة، فلما خرج منها بعد سنوات جاء جمع من مكة فالتقاهم النبي (ص) وقال لهم: كيف خلفتم مكة؟

قالوا يا رسول الله تركناها وقد نبت الاثمد - وهو نوع من الحشائش - في جنباتها فذرفت عيناه وقال لولا أن أهلها أخرجوني ما خرجت منها.

الثاني: اللغة

فاللغة تجمع أعراق وألوان مختلفة، كاللغة العربية تجمع مجتمعات وبقاع وألوان، فكل لغة هي مكون آخر من مكونات الهوية.

الثالث: التراث

فالعراقي يعتز بتراث بابل والمصري يعتز بتراث الفراعنة فرنسا تعتز بتراث معين... فالتراث الحضاري الذي له رسوخ على الارض هو مكون آخر من مكونات الهوية.

الرابع: الدين

فالدين أيضا يجمع أعراقا وألوانا ولغات... وهو يشكل هوية، يشكل مكونا أساسا من مكونات الهوية، لذلك القرآن الكريم أشار الى الهوية الدينية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أي هذه هويتكم الدينية.

اتجاهات الهوية

نتيجة الامور الأربعة - أعلاه - تولدت اتجاهات في الهوية كالاتجاه الوطني والاتجاه القومي والاتجاه الغربي والاتجاه الديني:

الاتجاه الوطني: يقول تربتك هويتك، أي الهوية للتربة التي ولدت فيها.

الاتجاه القومي: يقول الهوية للغة وللقوم والجماعة التي تنتمي إليها.

الاتجاه الغربي: يقول هويتك - سواء كنت مسلما أو غير مسلم - هي الحضارة الغربية الرأس مالية لأنها المهيمنة على العالم، وهي التي تنتج لك كل شيء، بل منها تأخذ كل مستلزمات حياتك من غذاء وحماية واقتصاد... إذن هويتك ليست وطنك الذي ولدت فيه، وليست لغتك وليس دينك، بل هويتك الحضارة الغربية التي تتفاعل معها أخذا وعطاءً.

هذه الهوية الغربية التي يطرحها الاعلام اليوم بكثافة، فحينما يُقال لك العالم أصبح قرية واحدة ماذا يعني ذلك؟ أي أصبح قرية رأس مالية والعالم انتمى اليها واتخذها هوية له.

الاتجاه الديني: يقول الهوية الحقيقية هي الهوية التي لا تميز بين الهوية الوطنية والقومية وهي التي جمعت كل الشعوب تحت عنوان واحد كما أشار القرآن الكريم، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..) .

عنوان واحد جمع كل هذه الملل اليهود والمسيح والاسلام... وهو الدين الابراهيمي، إذن الهوية الدينية جمعت كل الملل والشرائع تحت عنوان السماء؛ تحت عنوان الحنيفية.

المحور الثاني: الحاجة إلى الهوية

هل يستطيع الانسان الاستغناء عن الهوية؟ هل يستطيع أن يقول أنا لا اريد الانتماء الى أي هوية؟ بل أنا مستقل عن كل هوية مما ذكرتم.

بالرجوع الى علم النفس نجد الجواب عن هذا التساؤل إذ قالوا بأن هناك حاجات أساسية وأولية للإنسان، ومنها:

أ‌-        حاجة الانسان الى التعبير عن الذات، فالتعبير عن الذات والأفكار والقدرات.. حاجة أولية لدى كل انسان، لذلك لو لم يعط الأطفال فرصة التعبير عن الذات قد تصيبهم حالة من الانطواء لأن التعبير عن الذات يشبع حاجة أولية في شخصية الانسان.

ب‌-      حاجة الانسان الى التقدير الاجتماعي، كل انسان يقدم مجهودا يتوقع تقديرا اجتماعيا لمجهوده وعطائه، سواء كانت هذه الجهود مالية أو فكرية.. فبالنتيجة هو يحتاج الى تقدير اجتماعي لهذه الجهود وإلا فقد يصاب بالإحباط.

ت‌-      حاجة الانسان الى الانتماء، كل انسان يحتاج الى أن ينتمي الى أسرة ومجتمع ما والى مؤسسة ما.. لأن الانتماء يغذي الانسان الشعور بالعزة والحماية والفخر.

فالهوية تغذي كل هذه الحاجات الأولية الثلاث للإنسان، ومن هنا تتبين الحاجة الماسة للهوية، فلنفترض أن شخصا يقول: أني أنتمي إلى الحضارة الغربية لأنها تعطيني فرصة التعبير عن الذات فهي تغذي الحاجة الأولى عندي، أو لأنها تعطيني حاجة التقدير الاجتماعي، فاذا درست أترقى بدون تمييز ديني أو غيره، أو لأنها تغذيني بالشعور بالانتماء حين أنتمي اليها أشعر بالأمن... فبالنتيجة كل انسان يحتاج الى الهوية لأنها تغذي ثلاث حاجات في شخصيته.

المحور الثالث: الصراع بين الهوية الدينية والحضارة الغربية

من الملاحظ أن هناك صراعا بين الهويات؛ خصوصا عند المسلمين الذين يعيشون في الغرب، فهم يعيشون صراعا بين الهوية الدينية وبين الهوية الغربية، إذ يقولون: إذا تحفظنا على الهوية الدينية نشعر بالعزلة وبأننا غريبون في هذا المجتمع، وإذا تماشينا مع ثقافة الهوية الغربية ذابت الهوية الدينية بشكل تدريجي مع مرور الأيام، فكيف نعالج هذا الصراع بين الهويتين؟

ماذا قدمت لنا الهوية الدينية؟

بل قد يقول قائل من الذين يعيشون في الغرب: ماذا قدمت لي الهوية الدينية - من حاجات الانسان الأولية كما مر ذكرها - كي أتمسك بها؟ بينما الهوية الغربية حققت لي كل هذه الحاجات والمآرب؟

وللجواب على ذلك نقول: إن الصراع بين الهوية الدينية والهوية الغربية على ثلاثة مستويات:

 المستوى الأول: الفكري:

إن من أهم الركائز التي تشكل فارقا جوهريا بين الهويتين ثلاث ركائز:

الركيزة الأولى: الإنسان بين الأصالة والخلافة:

بمعنى هل الانسان أصيل في الوجود؟ أم هو وكيل؟

إن الهوية الغربية تقول: أن الإنسان هو الأصيل بل هو محور الكون، وعليه الانسان يستطيع إدارة الحياة بتشريع القوانين وعلى أساسها يدير الحياة لأنه بمقتضى التراكم المعرفي والثقافي سيمتلك الخبرات ادارية ثقافية تمكنه من ادارة الحياة في كل حقبة زمنية وكل مجتمع معين من دون الرجوع الى السماء.

بينما الهوية الدينية تقول: بأن الإنسان مجرد وكيل وليس أصيل، خليفة في الأرض وليس باستطاعته إدارة الحياة من دون الرجوع الى السماء، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وقال تعالى: (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)  فالإنسان ليس أصيلا بل وكيلا، فإذا لم يكن أصيلا إذن مصدر ادارة الحياة السماء التي استخلفته وليس هو، نعم للإنسان مساحة يتحرك فيها بعقله في مستوى التطبيقات وتشخيص الموضوعات وكيفية تطبيق القوانين، فهذه المساحة متروكة لعقل الانسان، ولكن أصول التشريعات والقوانين التي تتكئ عليها ادارة الحياة من السماء لا من الانسان.

قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ، وقال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .

الى هنا بينا وجه المفارقة بين الهويتين، فالحضارة أو الهوية الغربية تقول: بأن الانسان هو المحور وهو المصدر وادارة الحياة له من دون الرجوع الى السماء، والهوية الدينية تقول: أن الادارة للسماء والانسان وكيل ليس إلا، لأنه لا يستطيع بعقله أن يفرز بدقة الجهات الدخيلة في المصالح العامة التي تكون دخيلة في بناء المجتمع في كل حضارة وعلى جميع المستويات، فالإنسان لا يستطيع تشخيص جميع الجهات الدخيلة في تكوين المصالح العامة وما يبتني عليها من تشريعات وقوانين.

إذن هناك خلاف أساسي في مساحة العقل في انتزاعه وتقنينه وتشريعه وتأسيسه للقوانين.

ومن جملة الأمور حقوق المرأة، فالهوية الغربية تقول لا فرق بين المرأة والرجل في كل شيء، بينما في الهوية الدينية توجد فوارق كثيرة كالشهادة والميراث وقوامة الأسرة... فالنتيجة: هنالك فروق جوهرية في تشريعات الهويتين، ونحن الى الآن لسنا بصدد المحاكمة بل بصدد بيان المفارقة فقط .

الركيزة الثانية: الحرية في إطار الحرية أم في إطار القيم؟

هناك فرق جوهري بين اطروحتي الحرية، فالهوية الغربية تقول: للإنسان حرية مطلقة ما لم تعارض حرية الآخرين، أي أن حرية الفرد في اطار الحفاظ على حرية الآخرين، أما الهوية الدينية تقول: إن الحرية في اطار القيم والمثل الانسانية، ولتوضيح ذلك نضرب بعض الأمثلة:

مثال: هل للإنسان أن يكذب كذبة حتى لو لم تضر أحداً أبدا؟

الهوية الدينية تقول: ليس لك الحرية بالكذب على حساب القيم الانسانية حتى لو لم يكن مضرا لأحد.

مثال ثاني: الأسرة في المجتمع الغربي ليست لها قداسة، فالهوية الغربية تعطي الحرية للفرد - البالغ عمره الثامنة عشر - أن يلغي جميع ارتباطاته بأسرته نهائيا وفي أي وقت شاء، وليس من حق الأبوين مطالبته، وهذا الغاء لقداسة الأسرة بعينه.

أما الهوية الدينية تقول: ليست لك الحرية على حساب الأسرة، فهنا الحرية محدودة، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ)، فالحرية في الهوية الدينية لا تلغي قداسة الأسرة وأهميتها لأنها مصدر استقرار المجتمع، فالإنسان الموهوب والمبدع يحتاج الى استقرار نفسي والأسرة التي توفر له الاستقرار النفسي الذي يؤهله بأن يكون انسانا منتجا مبدعا موهوبا.

مثال ثالث: هل الانسان له الحرية حتى على حساب الاحسان الى الآخرين؟

فلو قال شخص: لا أريد أن أحسن الى أحد، أي لا أعطي شيئا بلا مقابل (مجانا) كأن يعطي من جهده أو من أمواله... لا أريد أن أمارس الاحسان، فهل يجبره أحد في المجتمع الغربي؟ فالهوية الغربية تقول: أنت مخير تحسن أم لا.

بينما الهوية الدينية تقول: من حقوق المجتمع عليك أن تحسن اليه، قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ، وقال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، فالمجتمع له حق عليك أن تقدم له بلا مقابل.

إذن الحرية - في نظر الهوية الدينية - في اطار القيم الإنسانية، فللإنسان الحرية ما لم تنسف قيمةً انسانية كقيمة الصدق وقيمة الأسرة وقيمة الاحسان الى المجتمع...

فالهوية الدينية عندما تقرر أن الحرية في اطار القيم والمثل الانسانية فلأنها تعتقد أن هذا الإطار هو الذي يحفظ التوازن بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية.

خلافا للهوية الغربية التي تعطي الحرية للفرد ما لم تعارض حرية الآخرين، حتى وإنْ نسفت القيم والمثل الانسانية!

الركيزة الثالثة: أبعاد الإنسان:

إن الهوية الغربية تقول: بأن الإنسان ذو بعدين: جسدي ونفسي، وهذا ما قرروه عندهم في علم النفس والاجتماع.

فعلى ذلك إذا حصل الإنسان على الصحة الجسمية والصحة النفسية فلا يحتاج الى شيء آخر، فمادامت وسائل الحياة الكريمة موفرة له قادرا على الفاعلية والابداع يعيش صحة نفسية، إذن هو انسان قد حقق اهدافه في الحياة إذ أنه تقوم فيه البعدان الجسمي والنفسي.

وأما الهوية الدينية تقول: بأن الإنسان ذو ثلاثة أبعاد وهي: الجسم والنفس والروح.

والروح هي المحور، فالروح قد برأها الله في عالم الذر قبل هذا العالم، فالإنسان كان روحا في عالم الذر يسبح الله ويهلله قبل أن يأتي الى هذا العالم، والقرآن الكريم يشير الى ذلك العالم، قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، أي أن الانسان خُلق مرتين، وإلا فما هي المرة التي خُلق الانسان فيها مفردا؟ ففي عالم الدنيا لم يكن خلق الانسان مفردا بل من أب وأم جمعا، فالآية تتحدث عن مجيء الانسان بعد الموت وتخاطبه بأنه قد جاء كما خُلق أول مرة خلقا فرديا، فما هي المرة التي خُلق فيها فُرَادَى؟ الجواب: عندما كان الانسان روحا في عالم الذر من دون أب وأم وعشيرة... روحا تسبح الله وتهلله.

وفي هذا العالم نسي الانسانُ عالمَ الذر كما نسي عالم الرحم، ووقت استرجاع معلومات عالم الذر هو: حينما يغمض عينيه بالموت فيلتفت ويسترجع ما قد نسي لأنه قد رجع الى العالم الذي جاء منه فيذكر كل ما جرى عليه فيه، قال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

فالإنسان كان روحا في عالم الذر ولما علقت البويضة الملقحة بجدار الرحم وبدأت تنمو، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ، الروايات تحدد أن بعد مرور اثني عشر أسبوعا من تكون النطفة تنشأ العلاقة بينها وبين الروح، تبدأ الروح تبث شعاعها في هذا الجسم الذي تكون خلال اثني عشر اسبوعا، وهذه المرحلة التي يشير اليها القرآن الكريم بقوله تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، فالنفس نشأت بعد تعلق الروح بالجسم، وهي عبارة عن أحاسيس ومشاعر وعواطف نشأت بعد تكون العلاقة بين الروح والجسم، فالإنسان له بُعد ثالث اسمه الروح، وهذا البعد له اسئلة ثلاثة فطرية وهي:

من أين جئتُ؟

والى أين أسير؟

والى أين سأنتهي؟

فالهوية الغربية لا تجيب عن هذه الأسئلة ولا توفر مسارا لتعبئة هذه الأسئلة الثلاث مع ما في الانسان من الحاح لمعرفتها.

أما الهوية الدينية فتجيب عن هذه الأسئلة بدقة واحكام وتوضح للإنسان المسار في جميع هذه المحطات، لأن هذه الأسئلة الثلاثة حاجة معرفية ملحة للبعد الثالث من الانسان وهو البعد الروحي، ولابد من الاجابة عن هذه المسائل ولابد من تهيئة المسار لها ولذا ورد: (رحم الله عبدا عرف من أين وفي أين والى أين) وهذه التي يعبر عنها القرآن بالبصيرة كما في قوله تعالى: (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ، فالهوية الدينية تعتبر الانسان ذا بصيرة، ثلاثي الأبعاد لا ثنائي كما في الهوية الغربية، وهذه هي الفروق الجوهرية بين الهويتين على المستوى الفكري.

المستوى الثاني: السلوكي

هناك فرق بين الهويتين على المستوى السلوكي ولتوضيح ذلك نضرب مثالين:

المثال الأول: مصافحة المرأة الأجنبية: هذا السلوك يجعل الانسان في صراع بين الهويتين، فالدين يقول: لا يجوز لك مصافحة المرأة الأجنبية إلا إذا كان في ترك المصافحة حرج شديد.

فلو أراد زميلُ امرأة مسلمة مصافحتَها - في الغرب - طرأ عليها الصراع السلوكي بين الهويتين، بين الاعتزاز بالهوية الدينية وبين الاندماج في الهوية السلوكية الغربية.

المثال الثاني: الاختلاط: انت في الجامعة ومعك زميلات وتحتاج الى فعالية مشتركة بينكم تجلس مع هذه الزميلة وتخرج معها وتكتب ابحاث معها وتأخذ وتعطي... وقد تقضي معها ساعات، قد لا يمنع الدين ذلك إذا كان هذا الاختلاط لا يثير الشهوة ولا الريبة ولا توجد نظرة محرمة، قد لا يمنع الدين إذا كان الاختلاط سليما، لكن بالنتيجة يوجد صراع بين هويتين؛ بين الاعتزاز بالهوية الدينية وبين الاندماج في الهوية السلوكية الغربية.

إذن كيف نتصرف في مواقف الصراع هذه؟ يؤكد الدين على الاعتزاز بالهوية الاسلامية، قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، فالعزة من المبادئ التي أكد عليها الكتاب والسنة، فقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): (إن الله فوض إلى المؤمن أمره كله ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا).

المستوى الثالث: الشعار

من شعارات الهوية الدينية مثلاً لبس الحجاب، والامتناع عن دخول البارات فهذه شعارات اسلامية لازمة، وهناك شعارات اسلامية راجحة وان لم تكن لازمة كالدخول الى المسجد.

وهناك شعارات يعيش فيها الفرد المسلم صراعا بين هويته الدينية وبين الهوية الغربية مثلاً لبس القلادة والوشم ودفن الميت مع التابوت والصداقة مع الكلب كل هذه الشعارات غربية.

وهنا نقول بأن هناك فرقا بين الغاية والوسيلة، فلو اتخذ الفرد هذه الشعارات الغربية غاية وهدفا عاش صراعا بين الهويتين.

وأما لو كان قد اتخذها كوسيلة للاندماج في المجتمع الغربي الذي يعيش فيه؛ فيمكنه اتخاذ وسيلة أخرى تقوم مقامه وتحقق له هذا الاندماج، ممكن أن يتخذ هذه الأمور كوسيلة ولكن من دون أن تكون عاملا يذيب الهوية الاسلامية.

إذن اختيار الشعارات التي تذيب الهوية الدينية غير مقبولة، يرفضها الدين للحفاظ على هوية الفرد المسلم.

 المحور الرابع: اهتمام القرآن الكريم بالهوية الدينية

في القرآن الكريم عدة مداليل تركز على الهوية الدينية، ومنها:

 المدلول الأول: الاعتزاز بالهوية الدينية:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

وقال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).

 وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).

اعتزاز بالهوية الدينية وتقديمها على وسائل الراحة عند الفرد المسلم.

المدلول الثاني: تجسيد الهوية الدينية في العلاقات الاجتماعية:

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) ، فلابد من تجسيد الهوية الدينية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنصح الزوجة بالحجاب ونصح الابن بالتعاليم الاسلامية ونصح الصديق. فالهوية الدينية تتجسد في حمل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) .

 المدلول الثالث: التنشئة الأسرية:

لقد ركز القرآن الكرين على التنشئة الأسرية ومن مداليله على ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ ، فالأبوان عليهما مسؤولية كبيرة في تنشئة الأسرة المسلمة الواعية، ونتيجة اهمال هذا الجانب والغفلة عنه عواقبه وخيمة، كانحراف الابناء وسقوطهم في غياهب السلوك الغربي، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما) .

فعدم الاهتمام بالتربية الدينية يعتبر حمل على العقوق لأن الأسرة مقدسة في الاسلام وقد اهتم بها وبحقوق كل من أفرادها على الآخر، خلافا للهوية الغربية.

قال النبي (صلى الله عليه واله) :  (لاعب ابنك سبعا ، وأدبه سبعا ، وصاحبه سبعا.) وسائل الشيعة ، باب 83 / أحكام الأولاد .

المدلول الرابع: الدعوة إلى الخير:

قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ، إن دور المراكز الاسلامية في الدعوة الى الخير خطير جدا، حيث يقع على عاتق المقيمين عليها مهمة عظيمة، ومن أهم المهام التي لابد من الالتفات اليها مهمة التخطيط، إذ ينبغي على كل مركز - في جميع أنحاء العالم - أن يخطط ويعمل بما يتناسب مع الأمكنة التي هو فيها، فخطة المركز الذي في العراق - مثلا - تختلف عن خطة المركز الذي في الغرب، ولكل منهم وظيفته، إذ المركز الذي في الغرب عليه ألا يقتصر على المناسبات بين الحين والآخر فقط بل يضع برامج تجذب الشباب والأطفال و... مدروسة ليُشعروا الفرد المسلم بقيمة هويته وفاعليتها معه وهكذا يشعر كل منهم بأنه جزء من المركز، وبالتالي يصبح المركز داعيا الى الخير ومصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ .

فنحن مسؤولون عن تربية أجيالنا على الاعتزاز بالدين على الاعتزاز بالمبادئ على غرس القيم والمبادئ الدينية في نفوسهم .

وهذه المسؤولية هي مسؤولية الأسرة والمراكز الدينية والخطباء. فتربية هذا الجيل على القيم المثلى عن طريق برامج مدروسة وجذابة، لا من خلال مناسبات نقيمها وينتهي مفعولها بانتهاء وقتها.


*تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي

2018/10/07

ما هي السعادة.. وكيف نطلبها؟

قال الله العظيم في كتابه الحكيم: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها. لا تبديل لخلق الله... ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون» (1).
نشأ الانسان منذ نعومة أظفاره محبا للسعادة والهناء، فارا من البؤس والشقاء...
فكل الناس يحبون أن يكونوا سعداء مرفهين، ويصرفون كل جهودهم في سبيل تحقيق ذلك الهدف المقدس النير... السعادة.
ولكن المشكلة المهمة هي معرفة أساس السعادة وحقيقة الرفاه، إذ لا يتسنى لمن لا يعرف حقيقة السعادة أن يطلبها ويسعى وراءها، لأن السعي وراء أمر مجهول عبث وباطل.
وطوال القرون المتمادية والأعصار المنصرمة، بحث العلماء عن السعادة البشرية وألفوا فيها وأوردوا نظريات مختلفة في هذا الموضوع. وكذلك الأمم والكتل البشرية اتخذت طرقا معينة وأساليب خاصة للوصول إلى السعادة، وإذا أردنا أن نستقصي جميع تلك النظريات والآراء والطرق والأساليب لاحتجنا إلى وقت أوسع من هذا، إلا أننا سنكتفي بذكر أهم تلك الآراء والنظريات المعروفة الآن. ثم نشير إلى بعض الأحاديث الواردة بشأن السعادة. هذا ولا يخفى أن المدار في تلك النظريات والأقوال ومحل النزاع في البحث هو ما يعتبره كل طائفة أصلا ثابتا للوصل إلى السعادة وأساسا لتحقيقها.
الفلاسفة والسعادة
1 - ذهب بعض العلماء والفلاسفة اليونانيين الذين سبقوا (أرسطو) إلى أن سعادة البشرية تنحصر في الكمالات النفسية، وهم يرون أن أساس السعادة الانسانية أربع صفات هي: الحكمة، الشجاعة، العفة، العدالة. فمن كان واجدا لهذه الصفات كان سعيدا، ومعها لا حاجة إلى الكمالات الجسدية وسلامة الجسم أو أمور خارجة عن البدن، فهؤلاء يقولون: «إن الانسان إذا حصل تلك الفضائل لم يضره في سعادته أن يكون ناقص الأعضاء مبتلى بجميع أمراض البدن» (2) فالأمراض البدنية عندهم لا تضر بالسعادة إلا إذا أوردت نقصا على الجانب المعنوي منه، وأدت به إلى الجنون أو الحمق. وكذلك الفقر والتردي الاجتماعي فإنهما لا يضران بسعادة الانسان إذا كان محرزا للصفات النفسانية الأربع الآنفة الذكر.
2 - ويعتقد المرتاضون بالمبدأ النفسي في السعادة البشرية، فهم يقولون: - إن السعادة والكمال يرتبطان بكمال النفس والتعالي في الجوانب الروحية فقط. ويجب تحقيق تكامل الروح وإظهاره في الخارج عن طريق الرياضة النفسية ومجاهدة الأهواء والشهوات.
ويفرط المرتاضون في عدم اعتنائهم إلى الجانب البدني كثيرا حتى أنهم أشد تفريطا من اليونانيين الذين سبقوا (أرسطو) بالنسبة إلى أبدانهم. فبينما كان يرى حكماء اليونان أن السعادة تتعلق بكمال النفس ولا يضر معها نقصان البدن - وليس في منهجهم ما يوجب الإضرار بالبدن - نجد المرتاضين يعتقدون بأن كمال النفس يتناسب تناسبا طرديا مع حرمان البدن والأضرار به. فكلما كانت درجة الحرمان عن اللذائذ والطيبات عندهم أكثر، كانت درجة التكامل الروحي أكثر. ولهذا فأن السالكين في هذا الطريق يسعون بجد واجتهاد لحرمان الجسد من ميوله وأهوائه، ويعذبون أجسادهم بالنوم على المسامير أو التعليق من غصن شجرة وما شابه ذلك من أساليب التعذيب أملا في الحصول على السعادة المعنوية الكاملة.
3 - وطائفة ثالثة تعتقد بالمبدأ النفسي في سعادة الانسان أيضا، ولكنها في نفس الوقت لا تغمط الجسد حقه. هؤلاء يقولون: إن السعادة الحقيقية تكمن في التكامل الروحي ويجب الاعتناء به كثيرا، ولكن لا ينبغي التغافل عن إرضاء الميول الجنسية الخارجة عن حريم السعادة. ويؤكدون على نقطة مهمة هي أن كل ما كان مشتركا بين الانسان والحيوان من الصفات والميول والشهوات فهو خارج عن نطاق السعادة الانسانية، ولذلك يقول قائلهم: «إن ما كان منها عاما للانسان والبهائم فليست سعادة لنا» (3).
إن نقطة الاشتراك بين هذه العقائد الثلاث التي كان لها أنصار في الأزمنة الغابرة بين الفلاسفة والحكماء اليونانيين وغيرهم من الناس طوال القرون المتمادية، هي أن الجانب النفسي فقط هو الذي يراعى فيه ويفقد الجانب البدني الاعتناء والمراعاة اللازمة، فالجسد عندهم يفقد قيمته الحقيقية وليس له أي دخل في تحقيق السعادة البشرية. والميول والرغبات المادية تلاقي حرمانا وكبتا شديدين في نظرهم، حتى أنها لتقع تحت مطرقة الرياضة النفسية الثقيلة والتعذيب الشديد... ولا يخفى على من له مسكة من العقل أن هذا هو الشقاء والحرمان بعينه، وليس موصلا إلى السعادة - كما يظنون - أبدا.
السعادة في المدنية الحديثة
 وتعرف السعادة في العالم اليوم - وفي كنف المدنية الحديثة - بلون آخر، وتفسر بتفسير مضاد لتفسير الأمم السالفة والعصور القديمة مضادة تامة. فبينما كان أولئك يرون أن الأصل في الوصول إلى السعادة هو الكمال النفسي والتكامل الروحي، يذهب هؤلاء إلى التمسك بالجانب المادي واعتبار الأهواء والرغبات المادية ملاكا في معرفة السعادة. وعليه فالكمالات النفسية والسجايا الخلقية والفضائل تفقد أثرها على مذهب هؤلاء المتمدنين.
وبصورة موجزة، فإن الافراط الشديد في الجانب الروحي، والتفريط الشديد في الجانب المادي... اللذين كنا نشاهدهما عند فلاسفة العصور القديمة قد انقلبا إلى العكس تماما في المدينة الغربية المعاصرة. فأخذت بالإفراط الشديد في الجانب المادي والتفريط الشديد في الجانب الروحي، كرد فعل للنظرة السابقة.
يتبع...


*مقتطف من كتاب الطفل بين الوراثة والتربية (ج1) «الشيخ محمد تقي فلسفي»



(1) سورة الروم، الآية: 30.
(2) طهارة الأعراق لابن مسكويه ص 78.
(3) ترتيب السعادات لابن مسكويه ص 259.

 

2018/10/03

«حمية» لمعالجة الانحراف؟!

للأطباء منهجان في معالجة المرض: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي.

فيقولون للمريض في المنهج الإيجابي: احتقن بهذه الإبرة. استعمل هذا الكبسول، اشرب من هذا الشراب ملعقة واحدة كل ثلاث ساعات.

أما في الجانب السلبي فيقولون للمريض: لا تأكل العنب، لا تشرب الخل. لا تستعمل الأكلات الدسمة، وهكذا.

والمنهج الديني يشابه المنهج الطبي تماما، فيقول للمسلم من جهة: أقم الصلاة، أد الزكاة، ليكن كسبك حلالا، تزوج... إلخ ويقول له من جهة أخرى: لا تكذب، لا تفحش، لا تغتب... فالجانب الايجابي في الدين يسمى بالواجبات، بينما يطلق اسم المحرمات على الجانب السلبي.

وإذا ألقينا نظرة فاحصة على المنهج الطبي، لوجدنا موضوع الوقاية من العدوى، وترك القيام ببعض الأمور (الحمية) مهما إلى درجة أن المريض لو لم يواظب على التوصيات اللازمة فالمعالجات الايجابية لا تنفعه أصلا.

إن أحسن عملية جراحية يقوم بها طبيب حاذق يمكن أن تصطدم بمشكلات جمة - وقد تكون فاقدة للأثر - إذا تهاون المريض في العمل بتوصيات الطبيب، فقام ببعض الحركات الزائدة أو لم يتحفظ على الجرح من التلوث بالميكروبات مثلا.

وحتى في الأمراض التي تنشأ من انحراف المزاج، نجد أن عدم اعتناء المريض بما يجب أن يجتنب عنه، يذهب بأثر معالجات طبيب حاذق وأما في بعض الأحيان، حيث لا يتمكن المريض من الوصول إلى الطبيب فإنه إذا احتمى ولم يحمل مزاجه فوق طاقته، نجد المناعة الذاتية قادرة على أن تنجي المريض من الانحراف وأن ترجعه إلى وضعه الاعتيادي.

وهناك حالات ينحصر العلاج فيها بالحمية فقط. يقول الإمام موسى بن جعفر (ع): «الحمية رأس الدواء».

 نستنتج مما تقدم: أن السلامة منوطة بالمواظبة على توصيات الطبيب - الايجابية منها والسلبية - ولكن النظرة الثاقبة ترينا أن أثر الجانب السلبي في العلاج أقوى من أثر الجانب الايجابي.

وعلى هذا المنوال تنسج التعاليم الاسلامية نسجها في تحقيق السعادة المعنوية. فالإنسان السعيد هو الذي يطبق التعاليم الايجابية والسلبية... يأتي بجميع الفرائض ويترك جميع المحرمات، ومع ذلك فان كفة الابتعاد عن الذنوب (الجانب السلبي) ترجح في ميزان السعادة البشرية على كفة الاتيان بالواجبات (الجانب الايجابي).

ومن هنا نجد أن القرآن الكريم والروايات الواردة عن النبي وآل بيته عليهم الصلاة والسلام، تعرف (التقوى) أعظم رصيد للسعادة، وترى أن الغاية العظمى من القرآن وتعاليمه هي تربية الناس على التقوى، فالتقوى بمعنى اجتناب المعاصي والابتعاد عنها، و (المتقي) هو المجتنب عن المعاصي.

فليس صيام رمضان، مثلا، - وهو من أهم الفرائض الاسلامية - إلا مظهرا من مظاهر الاجتناب عن المفطرات بنية التقرب إلى الله تعالى، ولقد أوجب الله الصيام على الأمم السالفة، وعلى الأمة الاسلامية كي يتمرن الناس في هذا الشهر على الحصول على ملكة التقوى. «... كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون».

 وبهذا الصدد نورد بعض الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام:

عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «فيما ناجى الله عز وجل به موسى، ما تقرب إلي المتقربون بمثل الورع عن محارمي...».

فلا يوجد عامل يقرب المتطهرين إلى الله مثل الاجتناب عن المعاصي.

وعن علي (ع): «اجتناب السيئات أولى من اكتساب الحسنات».

وعن الإمام علي بن الحسين (ع): «من اجتنب ما حرم الله عليه، فهو من أعبد الناس».

عن النبي صلى الله عليه وآله: «لرد المؤمن حراما يعدل عند الله سبعين حجة مبرورة».

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «غض الطرف عن محارم الله أفضل عبادة».

ولقد سبق أن نقلنا جواب النبي (ص) على سؤال علي (ع) حين سأله عن أفضل الأعمال في شهر رمضان فقال: الورع عن محارم الله».

ـــــــــــــــــــــــ

  • مقتطف من كتاب الطفل بين الوراثة والتربية (ج1) «الشيخ محمد تقي فلسفي»
2018/09/08

مع قرب بدء العام الدراسي الجديد... كيف نحفّز أبناءنا على الاهتمام بالدراسة؟

ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام  : «تَعَلَّمُوا العِلمَ صِغاراً، تَسودوا بِهِ كِباراً»[1] .

من الطبيعي أن تشكّل بداية السنة الدراسية حدثاً اجتماعيًّا، يسترعي انتباه كلّ أبناء المجتمع، فكلّهم معنيّون بمسألة التعليم، بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى مَنْ ليس لديه أبناء في المراحل الدراسية، قد يكون لديه أحفاد أو أسباط، كما أنّ دراسة أبناء المجتمع تهمّ الجميع، ذلك أنّ مستقبل المجتمع يرتبط بمستوى تعليم أبنائه، إذا تقدّم المستوى التعليمي لدى أبناء المجتمع، فإنّ ذلك يصبّ في صالح رقيّ المجتمع ككل، وعلى العكس من ذلك إذا تأخّر أو تقهقر!!

دور المنابر الدينية

من هنا يجب أن يكون لمنابرنا الدينية، وأجوائنا الشعائرية الروحية، دورٌ في الاهتمام بالتعليم، فهي ليست قضية منفصلة عن الدّين والتديّن.

نحن نرى تفاعل منابرنا مع المواسم الدينية، حينما يقبل شهر رمضان المبارك، يقوم العلماء والخطباء بتهيئة الناس للصيام، بالحديث عن فضله وعن مسائله الشرعية، وكذلك قبيل الحج، يتحدّث الدّعاة والموجّهون عن مسائل الحج والترغيب فيه، وكذلك يجري الحديث قبيل عاشوراء، أو زيارة الأربعين، فهي مواضيع حاضرة في أحاديث الخطباء ومحاضراتهم، في مقابل ذلك ينبغي ألّا تغيب مسألة التعليم وبداية السنة الدراسية عن الخطاب الديني، ينبغي للخطباء أن يتناولوا في أحاديثهم هذه المسألة المهمّة، وما يرتبط بها من مسائل فقهية وتربوية، تتعلق بالمعلم ووظيفته، وتعامله مع الطلاب، إضافة إلى الآداب والأخلاقيات الخاصّة بالمعلّم والمتعلّم، وفي تراثنا مئات الأحاديث حول العلم والتعلم والتعليم، هذا التراث الكبير ينبغي أن يُفعّل في مجال الإرشاد الثقافي الديني.

كتاب «منية المريد»

أحدُ أعاظم علمائنا، وهو الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي (911 - 965هـ) صنّف كتاباً مهمًّا، من أروع كتب التراث في التربية والتعليم، وأهمية العلم والمعرفة، وعنوانه (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد)، وهو كتاب جميل رائع، حول أهمية تحصيل العلم، ووظيفة المعلم وأخلاقه وآدابه، وكذلك حول طالب العلم وواجباته وحقوقه.

ينبغي لكلّ من له ارتباط بالعملية التربوية التعليمية من معلّمين وإداريين وآباء، أن يقرأوا هذا الكتاب، وأن يطّلعوا عليه، ومن المفيد أن يتبنّى بعض المحسنين نشر الكتاب وإيصاله إلى المعلّمين، بحيث يحصل كلّ معلّم على نسخة منه، حتى يطّلع على دوره ومسؤولياته تجاه أبنائه الطلبة.

معظم المعلّمين اليوم من أبناء المجتمع، وعلى عاتقهم مسؤولية كبيرة تجاه التلاميذ والطلاب، ونظرة المعلم ينبغي أن تتجاوز حدود الوظيفة كمصدر رزق فقط، فالتعليم مهمّة لها مكانتها العظيمة من الناحية الدينية، والمعلّم يقوم بعمل له مسحة دينية، يقوم بعمل عبادي له أجرٌ وثواب إنْ هو أحسن القيام بدوره عنه، وكتاب (منية المريد) يشير إلى هذا الجانب ويُعزّزه.

ونجد أنّ عددًا من الأدعية المأثورة واضحة في الحثّ على العلم، والدعاء للعلماء والمتعلمين كالفقرة التي في الدعاء المروي عن رسول اللّه: «اللّهُمَّ انفَعني بِما عَلَّمتَني، وعَلِّمني ما يَنفَعُني، وزِدني عِلمًا»[2] ، وورد أيضًا في دُعائِهِ : «اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ عِلمًا نافِعًا»[3] .

وفي الدعاء المروي عن الإمام المهدي (عج): «وَتَفَضَّلْ عَلى عُلَمائِنا بِالزُّهْدِ وَالنَّصيحَةِ، وَعَلَى الْمُتَعَلِّمينَ بِالْجُهْدِ وَالرَّغْبَة»[4] ، وهناك كثير من النصوص والأحاديث والأدعية التي تؤكّد أهمية التعليم، وترفع من شأن طالب العلم.

التكامل بين التعليم والمناسبات الدينية

ينبغي أن تكون برامجنا الدينية متكاملة مع التعليم، وليست متصادمة، البعض يظنّ أنّ هناك نوعاً من التزاحم، ويرى أنّ حضور المناسبات الدينية مقدّم على الدراسة، لكن المتأمّل لجوهر المناسبات الدينية وحقيقتها يجد أنّها حثّ على العلم والمعرفة.

وحتى يتحقّق التكامل فإنّ إحياءنا للمناسبات الدينية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار توقيت المدارس وأنظمتها والتزاماتها، ولا بُدّ من وضع حدٍّ لاتخاذ كلّ مناسبة دينية مبررًا للغياب عن المدرسة، وكذلك السهر إلى وقت متأخر في مواكب العزاء في أوقات الدراسة.

ويهمنّي بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد أن أؤكّد على قضية مهمة تطرح في مجال التعليم، وهي تحفيز الرغبة في التعليم عند الطلاب، وخلق حالة الشّوق والمحبّة في نفوس الطلاب والطالبات للدراسة والمعرفة، لأننا نلحظ ـ وخاّصة في مجتمعاتنا ـ أنّ التعليم بدأ يصبح وكأنّه شيءٌ ثقيل، الطالب يذهب إلى المدرسة متثاقلاً، بل حتى العائلة تعتبر أيام الدراسة أياماً ثقيلة عليها، تنتظر الإجازة، بل تتمنّى أنّ أغلب أيام السنة إجازة، وكذلك المعلّمون!!

وهذه مشكلة كبيرة، إذا كنّا نتعامل مع العلم والتعليم ـ مع أهميته وخطورته ودوره ـ باستثقال، وننظر له باعتباره عبئاً، فكيف نريد لأبنائنا أن يجدّوا ويجتهدوا ويتفوقوا؟!

القضية المهمّة: كيف نؤكّد مسألة الشّوق للمدرسة والدراسة؟

كيف يذهب الطالب إلى المدرسة بلهفة وشوق لا أن يُجرّ إليها جرًّا؟!

وكذلك المعلم، كيف يذهب إلى المدرسة برغبة واهتمام، وليس باستثقال؟.

هذه الحالة العامة التي نجدها من الحرص على الإجازات، أو تعطيل الدراسة بسبب شيءٍ من الأمطار أو سوء الأحوال الجوية!!

لماذا هذه الحالة؟!، ينبغي أن نحرص على أن يذهب أبناؤنا للمدارس.

هناك بلدان عديدة في العالم تكثر فيها الأمطار، لكنّ الدراسة لا تعطّل، فهم رتّبوا حياتهم بحيث لا تفوتهم أيام دراسة، بينما نجد في مدارسنا أنّ عدد أيام الدراسة قليلة، بسبب هذه الحالة!

النتيجة ماذا ستكون؟!

النتيجة هي تدنّي المستوى التعليمي، انخفاض الرغبة في العلم والمعرفة، وهذا ليس في مصلحة المجتمع، من هنا نحن معنيون جميعاً بخلق حالة التحفيز للدراسة لدى أبنائنا ومعلّمينا، ويتحمّل هذه المسؤولية أطراف عديدة:

أولاً: دور العائلة

يمكن للعائلة أن تقوم بدور كبير في رفد العملية التعليمية، وذلك من خلال:

 

1- التشويق

ينبغي أن تهتمّ العائلة بخلق حالة الشوق والمحبة في نفوس أبنائها وبناتها للدراسة، بعض الكلمات لها أثر سلبي في نفس الطالب، فحينما يتحدّث الأب بعبارات، مثل: «ستنتهي الإجازة.. الله يساعدنا»، فإنّ هذه العبارة وأمثالها تُشعِر الابن بثقل الدراسة، ويستقرّ في (عقله الباطن) أنّ الدراسة والتعليم شيءٌ ثقيل، بينما ينبغي أن تُشعر العائلة الأبناء بالرغبة في العلم والتعلم، من خلال عبارات لها إيحاءات إيجابية من قبيل: «الحمد لله المدرسة ستفتح أبوابها، ونرتاح بالمدرسة» لإشعارهم بالشوق والمحبّة للدراسة، العائلة معنية بهذا الأمر، عبر الحديث مع الأبناء حول أهمية الدراسة، وأهمية التعلّم، وذكر القصص، والحقائق.

2- عدم تَضخيم الأُمور السّلبية

 لا تَخلُو العملية التعليمية في أيّ بلدٍ من بعض السّلبيات، فقد تكون في المدارس نواقص من ناحية المبنى، أو قصور أو تقصير لدى بعض أعضاء هيئة التدريس أو الإدارة، وكذلك المناهج فيها جوانب من النقص أو الضعف، لكن لا ينبغي تضخيمها أمام الأبناء، الطالب قد يلاحظ جوانب النقص، وينقلها لعائلته، وهنا يأتي دور الأب في اختيار الكلمات المناسبة التي لا تترك آثاراً سلبية لدى الأبناء تجاه المدرسة.

بالطبع ينبغي السّعي لمعالجة المشاكل وجوانب القصور والتقصير، لكن يجب أن يكون ذلك في إطار الحكمة التي تلحظ آثار العبارات على نفس الطالب وفكره.

فبعض الكلمات تدفع الطالب إلى النفور من المدرسة، والاتّكاء على ما سمعه من عبارات والديه تجاه المدرسة.

3- التواصل مع المدرسة

ينبغي ألا يكون الولد في المدرسة في عالَمٍ مفصول عن عائلته، على العائلة أن تتواصل مع المدرسة بشكل إيجابي، فكثيرًا ما تشكو إدارات المدارس من ضَعف تواصُل أولياء الأمور، الأب غير مُهتمّ بالتواصل، وفي بعض الأحيان يترك المسؤولية على الأم، وقد لا تكون الأم قادرة على أن تتفقد أبناءها، أو تتواصل مع إدارة المدرسة.

ذات مرة سألت عدداً من الآباء عن التواصل مع المدرسة، فالبعض أجاب بأنه لم يذهب إلى المدرسة منذ أن سجّل ابنه فيها!

والبعض أجاب: لم أذهب إلى مدرسة ابني منذ عدة شهور!!

ابنك يقضي شطرًا كبيرًا من أيّامه في المدرسة، ألا تكلّف نفسك أن تتعرف على وضع هذه المنشأة التعليمية؟ ووضع الإدارة فيها؟!

بعض أولياء الأمور تحدّثوا عن إيجابيات كثيرة من خلال تواصلهم مع إدارة المدارس، سواء من الناحية التربوية أو التعليمية.

4- القدوة الصالحة

أن يكون الوالدان قدوة أمام الأولاد في الاهتمام بالعلم والمعرفة، بعض الآباء والأمّهات يضغطون على أبنائهم، بالعبارات والكلمات المجرّدة:

«لماذا لا تذاكر؟!»، «قم راجع دروسك» إلخ...

بينما الابن لم يَرَ أباه يوماً يقرأ كتاباً!

لم يَرَ أمّه تفكّر في موضوع علمي!

فكيف نخلق عندهم هذا الحافز، ونحن نفتقد ممارسة الاطّلاع والقراءة؟!!

الأبناء الذين يرون عوائلهم، آباءهم، أمّهاتهم، لديهم اهتمام بالعلم والمعرفة، بطبيعة الحال سيتأثرون بهم.

بعض العوائل يتفاعلون مع أبنائهم في دروسهم، ويسألونهم في مواضيع علمية تخصّ دراستهم، وهم بذلك يبدون اهتمامًا مؤثّرًا مشجّعًا، وكأنّ الابن يعلّم أباه أو أمّه، يشرح لهم بعض المسائل العلمية، وهو يشعر بأهمية ما درس، هذا يخلُق حافزًا عند الأبناء، حينما يرون اهتمامًا عند العائلة بالمعرفة والعلم.

5- برمجة حياة العائلة بما يخدم الاهتمام التعليمي

مجتمعاتنا تعوّدت بعض العادات السّلبية التي ليست في صالح الجدّية في التعليم ولا في العمل.

ومنها عادة السّهر، حينما تسهر العائلة على مشاهدة المسلسلات والأفلام، أو الخروج للتمشية والزيارات، ويطلب من الابن المبادرة للنوم المبكر، يشعر بأنه محروم من شيءٍ يعيشه بقية أفراد العائلة، فهو يحبّ أن يجلس معهم ويشاركهم السّهر.

بينما لو كانت العائلة كلّها تُوقّت نومها، ويقظتها، وأوقات طعامها بما يخدم حالة التعليم ووضع الأبناء في التعليم، سيكون ذلك مفيدًا جدًّا.

فحين يسهر الأبناء إلى وقت متأخّر من الليل، يكون استيقاظهم بمشقّة، واستعدادهم للخروج إلى المدرسة يحتاج إلى كلفة.

فكيف يكون لديه نشاط وحيويّة؟!.

الأبناء في مرحلة الدراسة ينبغي أن تحيطهم العائلة بأجواء الجِدّ والحيويّة والنشاط، حتى يكون الأولاد أكثر رغبة وأكثر نشاطًا.

ثانيًا: دور المعلم

المعلم ينبغي أن يعرف أنه يقوم بِعَملٍ عِبَادِيّ اجتماعي.

وأن يتعامل مع الطلاب باعتبارهم أبناءه، وغدًا سيرى نتاج عمله ماثلاً أمامه، طبيبًا يعالجه، أو موظّفًا في دائرة حكومية يخدمه، أو زوجًا لابنته، أو معلّمًا لأبنائه، وهكذا يقطف المعلم في المستقبل ثمار ما غرس في الماضي.

مِن هُنا ينبغي للمُعَلّمين أن يجتهدوا، وأن يُخلِصوا، وألّا يتعاملوا مع التعليم كمجرّد مِهنةٍ أو مصدر رِزقٍ، وإنّما بالفعل يتقرّبون إلى الله سبحانه وتعالى لقيامهم بهذا الدور.

ثالثًا: الأجواء الاجتماعية العامة

ينبغي أن تكون الأجواء الاجتماعية مُشجّعة على التعليم، فالمجتمع ينبغي أن يَخلُق أجواء التنافس للرقيّ بمستوى أبنائه، وقد حصلت بعض المبادرات الإيجابية في هذا الإطار، كإقامة احتفالات تكريم المتفوقين سنويًّا، وهو أمر مهمٌّ للغاية، ينبغي أن ينتشر في جميع مدن وقرى المنطقة.

وقبل ذلك نحتاج إلى صنع الأجواء التي تُنتِج المتفوقين.

كيف نصنع متفوقين؟

 أن نهتمّ بالمنشآت التعليمية، نعم.. هي مسؤولية الدولة في المقام الأول، لكن بعض القضايا تحتاج متابعة من أبناء المجتمع، تحتاج اهتمامًا من الناس.

اِعتَبِر نفسَك مَعنِيًّا بِأَوضاعِ المدرسة الموجودة في منطقتك، وينبغي أن تهتم فئة من أبناء المجتمع بأَوضاع المدارس، بتوفير النواقص فيها، بالمتابعة مع المسؤولين. في بعض الأحيان البيئة التعليمية لا تُشجّع الطالب على الرغبة في الدّراسة.

بحمد الله تقلّصت المباني المـُستأجرة في منطقتنا، وهذا أمرٌ طيّب وتُشكَر عليه إدارة التعليم في المنطقة، ووزارة التعليم بشكل عام، ونتمنّى أن يكون ذلك على مستوى الوطن، بتأهيل كلّ منشآت التعليم والدراسة، لتكون بيئة تعليمية صالحة. وإذا كان هناك نقصٌ في بيئات التعليم فعلينا أن نهتمّ بهذا الأمر على الصّعيد الأهلي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

* كلمة الجمعة بتاريخ 24 ذو الحجة 1438هـ

[1]  شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20، ص267، رقم 98.

[2]  سنن الترمذي. ج5، ص578، حديث 3599.

[3]  الكافي. ج4، ص250، حديث 7.

[4]  مصباح الكفعمي، ج1، ص280، من دعاء الإمام الحجة (عج): اللهم ارزقنا توفيق الطاعة.

2018/08/26

صبر الزوجين: لن أُصلِح حالي ما لم تصلح «زوجتي» حالها معي!!

بما أن هناك دائماً علاقة مالية بين الإنسان وبين من يعمل لديه، سواء كان عاملاً أو موظفاً أو خادماً؛ فليتوخ الحذر في التعامل معهم، لأن الروايات تتحدث عن عقوبات مغلظة لمن يظلم أجيره، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: (.. ولعنة اللّه، وملائكته، والناس أجمعين، على من ظلم أجيراً أجره).. وكذلك من مصاديق الحقوق المتبادلة؛ حقوق الزوجين.

أولاً: إن المشكلة عند بعض الأزواج تكمن في أنه لا يصلح أمره مع زوجته، إلا إذا هي أصلحت أمرها معه، ولا يكون باراً إلا إذا كانت هي بارة!.. والحال أن هذا المنطق فاسد، يجب الابتعاد عنه؛ لأنه على الإنسان أن يكون صالحاً لوجه الله تعالى، فهذه وظيفته عليه أن يؤديها على أكمل وجه!.. فإن لم يقدّر الطرف الآخر ذلك؛ ما عليه إلا أن يفوّض أمره إلى الله عز وجل، ولا ينسى أن "ما كان لله ينمو".

ثانياً: إن الروايات تذكر الطرفين؛ أي: الزوج الذي يصبر على أذى زوجته، والزوجة التي تصبر على أذى زوجها.. فهذا الصبر لا يذهب سدى؛ بل لكل منهما بشارة.. وهذا ليس كلاماً شاعرياً، بل ورد في روايات المعصومين (عليهم السلام)، ومنها هاتان الروايتان اللتان يذكرهما العلامة المجلسي في كتاب البحار:

1. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها؛ أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ).. فآسيا لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا: بعبادتها، وإيمانها بالله عز وجل، وأيضاً بصبرها على أذى زوج كفرعون.. لذا، كانت تدعو ربها قائلة: (وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ).. فالمرأة التي تصبر على سوء خلق زوجها؛ لها أجر!.. ولكن ليس نفس أجر آسيا؛ فشتان ما بين أذى فرعون وبين أذى الزوج المؤمن!.. وإنما في هذا السياق، إذ يكفي أن تكون هذه المرأة في منطقة في الجنة، هذه المنطقة فيها نساء العالم الأربع: آسيا، ومريم، وفاطمة الزهراء، وأمها خديجة؛ ألا يكفي هذا فخراً!..

2. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ واحتَسَبَهُ؛ أعطاهُ اللّه‏ُ تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه‏ السلام) عَلى بَلائهِ.. وكانَ علَيها مِنَ الوِزْرِ في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ؛ مِثلُ رَمْلٍ عالِجٍ)..

-(مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ).. إن الحياة اليوم فيها: إما زوجة صابرة، أو زوج صابر.. ومن الغريب أنه مع رفاهية العيش، وتيسر الأمور؛ إلا أن الخلافات هذه الأيام لا تقاس بالأزمنة القديمة قبل خمسين أو ستين سنة، حيث كان يُعتبر الطلاق حدثاً مهماً في المجتمع!.. أما هذه الأيام: فإنه في أسابيع الخطوبة، والأيام الأولى للزواج أو ما يسمى بـ"شهر العسل" يقع الانفصال؛ وبات هذا الأمر طبيعياً!..

-(واحتَسَبَهُ).. أي قال: يارب، اجعله في حسابك، أنا أصبر طلباً لما عندك.

-(أعطاهُ اللّه‏ُ تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه‏ السلام) عَلى بَلائهِ).. أيوب (عليه السلام) ابتلي ببلاءات عظيمة، ابتلي: في أهله، وفي زوجته، وفي ماله.. فالذي يصبر على أذى زوجته؛ له مثل هذا الأجر!..

إصلاح الأمر..

أولاً: إن بعض الأزواج يفرح كلما غضبت عليه زوجته؛ لأنه يقترب من نبي الله أيوب (عليه السلام)؛ ولأن له أجراً عظيماً في ذلك اليوم!.. ولكن هذا لا يغني عن السعي لإصلاحها، فليس من الصحيح أن يدعها تموت غيظاً؛ بل لابد أن يصلح أمرها، ولكن بلا توتر.

ثانياً: إن الذي يصبر على أذى زوجته ويعالجها؛ هو بمثابة إنسان يعالج مريضاً.. هذا المريض بعض الأوقات يقوم بضرب من يعالجه لشدة وجعه، ولكن المُعالِج يتحمل تلك الضربات منه، وفي نفس الوقت يقوم بعلاجه.. أو كإنسان شبه مجنون، أو مصروع.. هكذا يجمع الإنسان بين الصبر، وإصلاح الأمر!..

حقوق الزوجين..

إن روايات أهل البيت (عليهم السلام) مستوعبة لشؤون الحياة، لم تدع شيئاً لم تذكره، ومنها هذه الروايات:

1. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أعظم الناس حقّاً على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقّاً على الرجل أمُّه)!..

-(أعظم الناس حقّاً على المرأة؛ زوجها).. إن الزوج هو أعظم الناس حقاً على المرأة!.. لم يقل: لا أبوها، ولا أمها.

-(وأعظم الناس حقّاً على الرجل؛ أمُّه).. إن أم الإنسان هي أعظم الناس حقاً على الرجل!.. لم يقل: زوجته.

فإذن، إن هذه الرواية غريبة تعكس الموازين: فأعظم الناس حقاً على الرجل؛ هي أمه!.. ولكن في الجهة المقابلة أعظم الناس حقاً على المرأة ليس أمها؛ بل زوجها!.. وكأن الزوج له ما للأم وزيادة!..

2. روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (.. ألا وإنّ الله عزَّ وجلّ ورسوله؛ بريئان ممّن أضرَّ بامرأة حتى تختلع منه..).. إن الطلاق هذه الأيام على قسمين: طلاق رجعي، وطلاق خلعي.. والطلاق الخلعي هو أن يجبر الرجل زوجته على دفع أموال مقابل طلاقها، وذلك بأن يقوم بكل ما من شأنه أن يجعلها كارهة للعيش معه!.. إن هذا التصرف هو من أسوأ المؤامرات -إن صح التعبير- لأنه يريد أن يأخذ مالها، ويسرحها، ويفصلها عن أولادها؛ والحال بأن الله عز وجل مطلع عليه..

-(.. ألا وإنّ الله عزَّ وجلّ ورسوله؛ بريئان).. إن الله عز وجل بريء من المشركين، والرسول بريء منهم أيضاً!..

-(ممّن أضرَّ بامرأة حتى تختلع منه..).. ولكن الله عز وجل والرسول (صلى الله عليه وآله) بريئان في هذا المقام من الذي يؤذدي زوجته، ويعلقها إلى أن تمل هي من حياتها، فتطلب الطلاق خلعاً.. هكذا إنسان رب العالمين ورسوله؛ بريئان منه!..

3. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة، حتى ظننتُ أنه لا ينبغي طلاقها، إلا من فاحشةٍ مبيّنةٍ)!..

-(ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة).. إن الطلاق في الشريعة، كما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وعند كل الأمم العاقلة؛ هو هدم للبنيان.. يمكن تشبيهه بإنسان في منزله زاوية فيها رطوبة، أو فيه جحر فأر، وإذا به يذهب إلى بعض الشركات المختصة، ويطلب منهم هدم ذلك المنزل!.. فهل الإنسان الذي يُقدم على هكذا تصرف؛ هو إنسان عاقل؟.. وإذا سُئل عن السبب، ألا يُقال له: اذهب وعالج المشكلة؛ فإن هذا البيت لا يهدم لمثل هذه الأسباب!.. الطلاق هكذا؛ يهتز له العرش!..

-(حتى ظننتُ أنه لا ينبغي طلاقها، إلا من فاحشةٍ مبيّنةٍ).. إن البيت لا يُهدم إلا عندما تنهار أعمدته، أو عندما تكون مبنية على أساس رملي، لا على أساس إسمنتي؛ لأنه يصبح خطيراً!.. لذا، فإنه عندما ترتكب المرأة الفاحشة، لابد عندئذٍ من هدم هذا البنيان!.. ولكن في غير هذا الوجه، لا يستحق الأمر هدمه، ويا ليته بنيان صغير!.. فالشاب في بداية زواجه، هو كالإنسان الذي يملك غرفة واحدة، ولكن بعد سنوات يصبح وراءه عدد من الأولاد، أي أن هذا البيت صار كبيراً، فيه غرف وصالات؛ فكيف يمكن للإنسان أن يهدم هذا البيت على رؤوس أصحابه؟.. بعض المؤمنين يخاف على سمعة أولاده، إن أقدم على طلاق زوجته؛ وخاصة إن كان السبب أخلاقياً!.. لأنه في مثل هذه الحالة لا أحد يتقدم لخطبة ابنته، إذا هتكت بهذه الطريقة!.. ولكن بعض الناس يفكر في نفسه، لذا فإنه يطلق زوجته، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك!.. علماً بأن تبعات الطلاق تبقى لعدة سنوات، وفي بعض الحالات يكون الآباء هم السبب في سوء سمعة بناتهم!..

4. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): (قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: إِنِّي أُحِبُّكِ؛ لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)؛ إنها رواية جميلة، والرجال هم المخاطبون بها!.. فالنساء توقعاتهن بمعنى من المعاني قليلة، لذا من يطبق ما جاء في هذه الرواية، ويمنع عن زوجته الهدايا والذهب؛ فإن الحياة تمشي!.. ولكن إن منعها ذلك؛ فإنه لو أعطاها ذهب الدنيا؛ لا ينفعها!..

-(إِنِّي أُحِبُّكِ).. إن هناك -هذه الأيام- يوماً في السنة يسمى: "عيد الحب"، ولكن في الإسلام كل يوم هو يوم حب.. إنهما كلمتان لا تحتاجان إلى مبلغ كبير، ولا إلى رأس مال، ولا إلى شراء من السوق!..

-(لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً).. إن الرواية لم تقل: قول الرجل للمرأة كل يوم: إني أحبك.. بل مرة واحدة، ولكن بصدق لا بتمثيل؛ لأن النساء ذكيات يفرّقن بين التمثيل والواقع.. إذا قال الرجل: إني أحبك -في العمر مرة واحدة- الرواية تقول: (لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)؛ فكيف إذا كان يقول: إني أحبك؛ كل يوم لا بقوله بل بفعله؟!.. إن هذه المرأة ستصبح أسيرة لديه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)؛ تتحول المرأة إلى خاتم في اليد، ولكن الرجال لا يعلمون من أين تؤكل الكتف!.. أما الذي يعلم؛ فإنه يريح نفسه، ويريح زوجته!..

2018/08/14

كيف تختار «زوجة صالحة»؟

إن أهم ثمرة من ثمار العش الزوجي، الذرية الصالحة؛ لأنها مرتبطة بالأبدية.. وأما الاستمتاع، والانشغال بالجمال، والأنس الزوجي المتعارف، فله أمده، كما هو أمد كل متاع في الحياة الدنيا، فأمده إلى القبر وعالم البرزخ.. فالذي يبقى مع الإنسان في عالم البرزخ والقيامة، ما يتعلق بالذرية، كما ورد: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له).

فالعمل على تربية ولد صالح، يدعو للإنسان، لمن أفضل أنواع الاستثمار.. وقد يكون هذا الولد الصالح، على رأس سلسلة من الأولاد والأحفاد إلى يوم القيامة، فيكون صلاح الجد الأول، من موجبات صلاح الملايين من نسله.

وأما عن كيفية إعداد الأم لتربية أولاد صالحين، فإن هذا يكون من الأيام الأولى قبل اختيار الزوجة.. فالشاب الذي يريد الاقتران بفتاة، فينبغي أن يراعي عدة أمور، ومنها:

أولا: خلو المرأة من عناصر التوتر

إن من الضروري أن ينظر إلى منبت هذه الفتاة، أي إلى رحمها وتربيتها وثقافتها، فبعض صور انحراف الأولاد أو توتر الأولاد وعقوقهم، مترتب على حالة القسوة والعنف والتوتر في الأم.. فأنت عندما تقترن بامرأة في منتهى الجمال والمال، ولكنها امرأة غير مستقرة نفسيا، وعاشت اضطرابات في جوها الأسري مع الأبوين، فإن هذا التوتر سينتقل إلى البيئة الأسرية، إلى الزوج والأولاد.

ثانيا: خلو المرأة من حالات التمرد على الشريعة

إن بعض الشباب يقترن بفتاة غير ملتزمة بحجابها، بدعوى أنه سيغيرها ولو بعد حين، ثم يتفاجأ أنها امرأة لا تصلي ولا تصوم ولا تلتزم بالحجاب، وأنها امرأة متمردة على الشريعة.. ومن الطبيعي أن مثل هذه المرأة، التي لا يؤمن على دينها، لا يمكنها أن تكون حضنا مربيا لولد صالح.

ثالثا: أن تكون المرأة ذات نَفَس مبارك

إن هذا الكلام قد لا يعد علميا بالمعنى الدقيق، ولكنه واقع، وهو ما يعرف بالتأثير الروحي للبعض.. إن بعض الأشخاص عندما تعاشره، فنَفَسه نَفَس مرب، ووجوده مرب، فنور باطنه يؤثر فيما حوله؛ والعكس، فبعض الناس فيه ظلمة، وهذه الظلمة مؤثرة أيضا.. ومن اللطيف أنه حتى الطعام يكتسب نكهته من نَفَس الطابخ لهذا الطعام، فنَفَس المؤمنة الصالحة حتى يؤثر في الطعام الذي تطبخه.

فإذن، إن بعض أنفاس الأمهات، حقيقة أنفاس مباركة ومؤثرة في هذا المجال.

لكن هناك أبناء ينحرفون رغم وجود الأجواء الصالحة... لماذا؟

إن التربية الصالحة والمنبت الصالح، ليست بعنوان العلة التامة.. بل كما نلاحظ في عالم الزراعة، إذ يتفق أن شخصين لهما نفس الحقل ونفس التربة ونفس البذرة، وواحد تثمر شجرته ثمرة طيبة، والآخر لا تثمر.. فمسألة التربية ليست هي كالتفاعلات الكيميائية، من حيث النتائج القطعية، فعندما تأتي بجزيئات الهيدروجين والأوكسجين، فالنتيجة قطعا هو الماء.. ففي عالم التربية حتى لو أن الإنسان عمل بكل آداب ليلة الزفاف، وآداب التربية، والإرضاع.. ولكن يبقى احتمال انحراف مسرة الولد وارد، نتيجة تأثره بالمجتمع وبالمحيط الخارج عن الأسرة، بالمدرسة ووسائل الإعلام والفضائيات.

نحن لا نعلم بالضبط ماذا جرى لابن نبي الله نوح (ع)، فنوح (ع) من أنبياء أولي العزم، ومن الأنبياء العظام، وهو أكيدا ما قصر في تربية ولده، ولقد كان حريصا على نجاته، حتى وهو يغرق: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ».. نحن لا نعلم ما الذي كان عليه ابن نوح (ع)، ومن الممكن أن يكون أصدقاء السوء، هم الذين جعلوه ينحرف عن شريعة أبيه، نبي الله نوح (ع).

فإذن، إن سر انحراف الأولاد لاحقا، هو تأثرهم بالمؤثرات الخارجية.. ومن هنا ينبغي للأبوين الصالحين أن لا يعولا على تربيتهما، ويقولا لقد دعونا له، وربيناه، وأخذناه لبيئة الطاعة وللمساجد.. فبالإضافة إلى ذلك، لابد من تجنيبه البيئة الفاسدة.. لا أن يلقى في اليم مكتوفا، بدعوى أنه سيسبح ويخرج!.. فإن طبيعة الانغمار في دوامة البحر، أنها تغرق!.. وهذا يتفق كثيرا، فبعض الشباب عندما يتخرج من الثانوية العامة-والمتعارف في سن الثامنة عشرة- يلقيه الأبوان للغرق في بلاد الغرب، وعندما يقال لا ترسلاه إلى بيئة أنتما لا تضمنان استقامته فيها، فدعواهما أنه نحن اتقنا تربيته، ولا يخاف عليه.. ولكن تلاحظ في مقام العمل وفي الأسبوع الأول من ذهابه، وإذا به يفقد الكثير مما كان عليه من الالتزامات.

فإذن، إن من موجبات الانحراف، الأمور الخارجة عن دائرة الأسرة، وهي كثيرة هذه الأيام.

وهنا ينهض سؤالاً آخر: إذا انحرف الابن هل يمكن تدارك الأمر واستنقاذه؟

بلا شك.. إن طريق المحبة والعاطفة، لمن أفضل الطرق لاحتواء الطرف المقابل.. الآن لو فرضا أن الولد عصا أبويه، وتعرب بعد الهجرة، ورجع-بعد مضي مدة من العمر- فاقدا للمقومات الإيمانية، ومتزوجا بامرأة ليست على ملته؛ فالأبوان من الممكن أيضا أن يعملا على استنقاذه، بالكلام الحكيم، كما يقول القران الكريم: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ».

إن البعض من الأولاد قد لا يستمع لأبويه، وخاصة في فترة من العمر، وهو في سن فوران الشهوة والغريزة والعاطفة، حتى بعد بناء العش الزوجي، وبعض الأولاد إلى سن الأربعين، وهو قد يعيش حالة التمرد على والديه.. ولكنه بعد أن يهدأ، ويجرب الحياة بحلوها ومرها، وتذهب فورة الغرائز، يحب أن يرجع إلى أحضان أبويه، كما لاحظنا بعض الأولاد، وخاصة في قسم البنات.. إلا أن بعض الآباء كأنه في مقام الانتقام من الابن، فيواجهه مواجهة قاسية، بأنه مادمت خرجت مني فلا تعد، وأنا لست بأب لك، وأمثال هذه التعابير.. والحال بأن الأب العاطفي والأم العاطفية، هم من يبادرون في استنقاذ الولد، ولا ينتظرون الإشارات منه، حتى يستجيبا لإشارات الولد الآبق أو العاق لهما.

إذن، إن من الممكن للأبوين ذلك، كما وقع في التاريخ كثيرا، حيث كبار المجرمين والفسقة رجعوا إلى رشدهم، بحركة عاطفية من أحد العلماء، والقصص في هذا المجال كثيرة.

إن الأب الصالح من الممكن أن يضرب على هذا الوتر، ويعيد الابن إلى رشده، وخاصة مع الدعاء الحثيث في استنقاذ الولد.. هناك عمل يسمى بعمل أم داوود، يلتزم به المؤمنون عادة في منتصف شهر رجب.. وبعض الآباء والأمهات يلتزمون بهذا العمل، بنية استرجاع أولادهم من أحضان الرذيلة والانحراف، ولسان حاله: كما أن أم داوود ابتليت بفقد ولدها في سجون الظالمين، فأنا ابني ذهب إلى بلاد الغرب، ووقع في سجن الهوى، يا ربي!.. أنا ليست طلبتي استنقاذ ابني من السجن، وإنما طلبتي استنقاذه من الهوى الذي هو عاكف عليه.

ومن المناسب أيضا المداومة على صلاة الأولاد، وهي ركعتان خفيفتان: في الأولى بعد الفاتحة سورة القدر، وفي الثانية سورة الكوثر، تصلى في الليل للأبناء، وفي النهار للآباء.

ومن الأمور النافعة أيضا، الإكثار من قول الأبوين-قبل الولادة، وحين الولادة، وبعد الولادة: «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا».

 

2018/08/09

البحث عن عيوب الناس... نتائجه وتداعياته

روي عن الإمام الصادق أنه قال: «إذا رأيتم العبد متفقّدًا لذنوب الناس ناسيًا لذنوبه، فاعلموا أنه قد مُكر به»[1]  .

تحفل الحياة الاجتماعية للناس بأنماط لا حصر لها من السلوكيات الطيبة الصالحة والسلبية المنفرة. وتنحصر مسؤولية الفرد في الاهتمام بما يعنيه من هذه الأعمال والسلوكيات، التي يلحظها ضمن حياته الاجتماعية اليومية، فإذا كانت نزعة الفرد نزعة صالحة وخيرة، فسينصبّ اهتمامه على السلوكيات الخيرة، وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت نزعاته نزعات سيئة، فسيندفع للاهتمام بما يتلاءم مع تلك النزعة من سلوكيات.

إنّ الإنسان العاقل غالبًا ما يبحث عن الوجه الخيّر وأعمال الصلاح في بيئته الاجتماعية، فيزداد تحفّزًا لتمثل أعمال الخير والسلوك الحسن، وليجسّدها في حياته، في مقابل ذلك يغضّ العاقل الطرف عن الأعمال السيئة عند الآخرين، الموجودة بطبيعة الحال في كلّ مجتمع بشري. وبذلك يتجه الإنسان العاقل للاهتمام بالأعمال والسلوكيات الحسنة الصالحة، فيقف عندها ويتأمّل فيها ويتحدّث عنها، حتى يزداد تحفّزًا لتجسيدها في نفسه ونشرها في مجتمعه.

التفتيش عن المعايب

غير أنّ هناك صنفًا من الناس لا يهمّهم سوى التفتيش عن كلّ ما يشين من السلوكيات العامة. فمثل هؤلاء تراهم غارقين في البحث عن أخطاء وزلّات ومعايب الآخرين، والحديث عنها، وتناقلها على أوسع نطاق، فما لك ولمعايب الآخرين وزلّاتهم؟.

إنّ غاية ما ينبغي للمرء في هذا الصّدد هو الحذر وتوقّي الانزلاق في المعايب والأخطاء التي وقع فيها الآخرون، لا أن يحترف التفتيش والحديث في زلّاتهم وعثراتهم. ومن عجب ترى بعض الناس مولعين للغاية في التنقيب عن عثرات الناس وزلّاتهم، كما لو كانوا رادارات مسلّطة على حياة الآخرين الخاصة والعامة، وهذه من أسوأ الرذائل التي قد تعتري أيّ امرئ من الناس.

إنّ النصوص الدينية تنهى بشدّة عن تعقب زلّات الناس على أيِّ نحوٍ من الأنحاء. يقول الإمام الصادق: «إذا رأيتم العبد متفقّدًا لذنوب الناس ناسيًا لذنوبه فاعلموا أنه قد مكر به»، وتنطوي الرواية الشريفة على عدّة أبعاد، بدءًا من استنكار تعقّب عثرات الآخرين والتنقيب عن أخطائهم، واستطرادًا بلفت نظر المتورّطين في هذه الرذيلة إلى أنهم هم أنفسهم لا يخلون من عثرات، وأنّ عليهم عدم نسيان ذلك، فهم ليسوا قطعة من الكمال لا نقص فيها!، فالأحرى بهم أن يفتّشوا عن أخطاء أنفسهم ويتوقّوا الوقوع في الزّلات، ثم لتنتهي الرواية بالتحذير المغلظ بتوصيف من يقع في هذا السلوك المشين بأنه «قد مُكر به»، أي إنّه قد أوقع نفسه في فخ وورطة سرعان ما سيرى نتائجها السلبية في الدنيا والآخرة.

بين النحل والذباب

هناك سمات عديدة لمسلك المفتشين عن معايب وزلّات الآخرين، أوّلها تأمل عيوب الناس. يقول الإمام عليّ: «تأمّل العيب عيب»[2]  ، إنّ من يُمْعِنُ النظر والتدقيق في عيوب الناس، فهو بهذا السلوك إنّما يرتكب عيبًا، ولعلّ أقرب توصيف لنوعية متابعة الإنسان لأعمال الآخرين، هو ما يفعله النحل الذي لا يحطّ سوى على الورود والأزهار العبقة الرائحة فيمتص منها الرحيق، بخلاف الذباب الذي لا يعرف سوى القمامة، وكذلك الأمر مع الأشخاص، فالشخص الباحث عن زلّات وعثرات الآخرين، إنّما يتقمّص سلوك الذباب الذي يبحث في المزابل، في مقابل من يتخلّق بأخلاق النحل، حيث يهتم بالجوانب المشرقة عند الآخرين، المتمثلة في نجاحاتهم وإنجازاتهم وإيجابيّاتهم، فيتحدث عنها وينشرها ويشيع الأجواء الصالحة في مجتمعه، تحفيزًا لذاته لبلوغ ما حقّقه الآخرون.

نشر المعايب

والسمة الثانية لمسلك المفتشين عن معايب الناس هي إظهار عيوب الآخرين ونشرها على أوسع نطاق. وقد أفسحت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة المجال واسعًا أمام هذا الصنف من الناس، فمثل هؤلاء لا يدّخرون جهدًا في نشر معايب الآخرين عبر أيّ وسيلة تصل إليها أيديهم، واللافت أنّ الأخبار السلبية والكاذبة سرعان ما تنتشر انتشار النار في الهشيم، يحثّ يتداولها البعض على قاعدة «انشر تؤجر»، ودونما تمحيص ولا تدقيق لحقيقة الخبر، ولا إدراك لخطورة هذه الممارسة المضرّة بالآخرين، في مقابل ذلك لا تجد الأخبار الإيجابية التي تتحدث عن المنجزات والنجاحات عُشْرَ الاهتمام الذي تحظى به الأولى.

اختلاق المعايب

أمّا السمة الثالثة لمحترفي البحث عن عيوب الناس، فهي النزعة نحو اختلاق المعايب اختلاقًا، وتلفيقها للآخرين. ولعلّ الواحد من هؤلاء يستيقظ صباحًا فلا يجد خبرًا يسيء للآخرين فيقلقه ذلك كثيرًا، ولربما عمد عندها لاختلاق الشائعات وألصاقها بالناس جزافًا.

التشويه وسوء التفسير

كما يعمد المفتشون عن معايب الناس، في سمة رابعة، نحو إساءة تفسير أعمال وتصرّفات الآخرين. فقد يقوم الآخرون بأعمال إيجابية، غير أنّ محترفي التفتيش عن الزلّات، يعمدون إلى تشويه وإساءة تفسير تلك الأعمال الإيجابية، فبنظر صاحب النظارة السّوداء تتحول الإيجابيات والجوانب المشرقة عند الآخرين إلى معايب ومثالب يطعن عليهم بسببها.

عوامل وأسباب

هنا يبرز السؤال المهم؛ حول أسباب تورّط البعض في هذه المسلكيات الخاطئة.

حقيقة الأمر أنّ هناك أسبابًا عديدة تقف خلف هذا المسلك السيئ. ويأتي في طليعة الأسباب ما يمكن أن نصفه بالعقد النفسية عند هؤلاء، فلو أُخضع هؤلاء للفحص النفسي والسلوكي، للكشف عن طبيعة شخصيّاتهم، لاتضح كم يعانون من العقد والأمراض النفسية التي تتمظهر عندهم على هذا النحو السلبي.

ثم يأتي سوء التنافس في المقام الثاني من أسباب التورط في الإساءة للآخرين، مع لحاظ أنّ التنافس بين أبناء البشر أمر طبيعي على كلّ الصُّعد والمجالات، غير أنّ هناك من يخوض غمار التنافس من خلال زيادة نشاطه وفاعليته حتى يتفوق على الآخرين، فيما ينزع آخرون نحو التنافس السلبي وغير الشريف، الذي يعمد إلى عرقلة وتكسير المنافسين الآخرين. إنّ منافسة الآخرين على نحو خطأ، هي ما تدفع البعض نحو التفتيش عن الزلّات والمعايب لمنافسيهم.

أمّا السبب الثالث المحرك لمحترفي النبش في مثالب الناس فهو الفراغ، فالواحد من هؤلاء غالبًا لا يشغل وقته باهتمامات مفيدة، فيشعر عندها بفراغ كبير، ليقوده ذلك نحو إشغال نفسه بالتنقيب عن معايب الناس.

النتائج والتداعيات

هناك نصوص دينية كثيرة تحذّر الإنسان من التورط في هذه الخصلة الذميمة، والتفتيش عن عيوب الناس. ولعلّ أول محاذير هذا المسلك الخطأ هي انشغال المرء بمثالب الناس والغفلة عن عيوبه، كما لو أنه خالٍ تمامًا من الأخطاء والعيوب، التي من الحريّ أن يتجه نحو إصلاحها. ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس»[3]  ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: «أفضل الناس من شغلته معايبه عن عيوب الناس»[4]  ، وجاء عنه في رواية ثالثة أنه قال: «أعقل الناس من كان بعيبه بصيرًا وعن عيب غيره ضريرًا»[5]  .

وينبغي أن نلفت النظر هنا، إلى أنّ مسلك التفتيش عن الأخطاء، كما يجري على صعيد الأفراد، فهو يجري أيضًا على مستوى الجماعات. فقد تتورّط بعض الجماعات الدينية أو السياسية والاجتماعية في مسلك الإساءة للجماعات الأخرى، برصد عثراتها ونشرها عوضًا عن التفتيش عن عيوبها هي ومراجعة أخطائها.

ويحضرني في هذا الصّدد دراسة وافية للباحث الشيخ حسن بن فرحان المالكي بعنوان «قراءة في كتب العقائد»، حيث يشير في مقدمة دراسته إلى أن أبرز مشكلة وقعت فيها الفرق والمذاهب الإسلامية، هي أنّ كلّ فرقة اهتمت بالبحث عن أخطاء الفرق الأخرى، والثغرات في تراثها، فالشيعة صاروا ينقّبون عن الأخطاء في كتب أهل السنة، فيما تفرغ السنة للتفتيش عن الأخطاء في كتب الشيعة. ويخلص الباحث المالكي إلى ضرورة الاعتراف بأنّ كلّ التراث الاسلامي يعجّ بالأخطاء، فهذا التراث نتاج بشري، ينتمي إلى بيئته وعصره، وهناك ثغرات ونقاط ضعف يحفل بها التراث السني والشيعي على حدٍّ سواء، وحبّذا لو اتّجه أهل كلّ مذهب إلى إصلاح وتصحيح تراثهم. غير أنّ الحالة المتخلفة ونزعة التفتيش عن أخطاء الآخرين تجعل البعض يصبّ جلّ اهتمامه على ساحة الآخرين، ويغفل عن نفسه، وبذلك تبقى نقاط الضعف بمحلها، والثغرات في مكانها.

إنّ النصوص الدينية توجّه الإنسان المسلم إلى أن يتسامى على هذه الحالة، فلا يفتّش عن العيوب في علاقاته مع الناس. وقد توعّد القرآن الكريم بالويل لمن يسلك مسلك التنقيب عن عيوب الآخرين، قال تعالى: «ويل لكل همزة لمزة»، والهمزة هنا تأتي بمعنى سوق نقاط الضعف عند الآخرين بغرض كسر شخصيّاتهم، ولمزهم من خلال استغابتهم والتنقيص من مقامهم، وقد توعّد الله سبحانه أصحاب هذا المسلك بالويل والخزي والعذاب. وجاء عن رسول الله أنه قال: «حسب ابن آدم من الإثم أن يرتع في عرض أخيه المسلم»[6]  .

بين النقد والتشهير

وهنا ينبغي الالتفات إلى عدم الانخداع بالخوض في شخصيات الآخرين والانتقاص منهم، بادّعاء الحقّ في النقد وحرية التعبير عن الرأي، فلا ضير من مناقشة الأفكار وتقييم المواقف ضمن حدودها، أمّا الإساءة للأشخاص والتلفيق عليهم، بحجة حرية التعبير فتلك مخادعة فجّة للذات، ذلك أنّ حرية التعبير في تناول أفكار الآخرين ومناقشتها أمر صحيح، وحقٌّ مشروع، أمّا المساس بكرامة الأشخاص، والتجريح في شخصياتهم، والتشكيك في نيّاتهم، فلا صلة لذلك كلّه بحرية التعبير بتاتًا، بل هو اعتداء سافر تجرّمه الأعراف والقوانين. وتشير النصوص الدينية إلى أنّ الله سبحانه ينتقم من الإنسان المتتبع لعيوب الآخرين، وأنّ من بحث في أسرار غيره أظهر الله سبحانه أسراره، وقد ورد عن رسول الله: «من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته فضحه في جوف بيته»[7]  ، وعن الإمام عليّ: «ومن تتبع عورات الناس كشف الله عورته»[8]  .

إنّ شيوع مسلك البحث عن أخطاء وزلّات الآخرين سيجعل الجميع عرضة لأخطاره. فلا يظننّ أحدٌ أنه سيكون بمنأى عن ارتدادات هذا السلوك المشين في حال استفحل في الوسط الاجتماعي، لذلك ينبغي أن ينأى الجميع عن هذه الرذيلة حتى لا يساهم في تعزيزها في المجتمع، ويكون أحد ضحاياها، ولعلّ ذلك من المعاني التي تشير إليها النصوص، بأن الله يفضح ويكشف عيوب من يمارس هذا الدور.

-----------------

[1] بحار الأنوار، ج٧٢ ص٢١٥، حديث14.

[2] غرر الحكم ودرر الكلم، ص173، حكمة 10.

[3] نهج البلاغة، الخطبة ١٧٦.

[4] جامع أحاديث الشيعة، ج١٤، ص٢٠٢.

[5] غرر الحكم ودرر الكلم، ص12، حكمة 280.

[6] حكم النّبيّ الأعظم، محمد الریشهری، ج4 ص625.

[7] الأمالي، الشيخ المفيد، ص١٤١، ح8.

[8] عيون الحكم والمواعظ، ص٤٣٨.

2018/08/07

2018/07/23

2018/07/12

2018/07/07

ارتفاع معدلات الطلاق ينذر بكوارث اجتماعية في العراق

توقفت السيارة وسرعان ما فتح بابها وما ان رأته حتى ركضت نحوه وهي تجاذب اطراف عباءتها السوداء التي لم تكن اكثر سوادا من ليالي فراقها له لتعانقه عناقا مصحوبا بزفرات الدموع.

هكذا استقبلت السيدة (هـ. س) ولدها حيدر، هذا المشهد هو الذي مزّق أشهر الفراق الثمانية التي عانت منها (هـ) بعد طلاقها من زوجها بسبب مشاكل مع والدته.

تقول (هـ. س) لـ "البلاغ": لقد بدأت المشاكل مع والدة زوجي بعد فترة قصيرة من زواجنا، وقد حاولت اكثر من مرة التنازل وتسوية الامور لكن سرعان ما كانت المشاكل تعود الى الواجهة.

وتضيف "لقد اشترط زوجي واهله ان اتنازل عن مؤخر مهري وان يأخذوا ولدي حيدر مقابل ان يوافقوا على الطلاق، فوافقت خصوصا انني لم اكن قادرة على تحمل نفقات دراسته".

لكنها لم تكن السيدة الوحيدة التي يطلقها زوجها بسبب مشاكل مع والدته، بل هناك عشرات الالاف مثلها في العراق.

ارتفاع حالات الطلاق

في البلاد التي خرجت قريبا من حرب استنزاف استمرت أكثر من 3 اعوام، ترتفع معدلات الطلاق بشكل لافت، ففي الـ 25 من اذار الماضي نشر مجلس القضاء الاعلى العراقي احصائية لحالات الزواج والطلاق التي اجرتها 16 محكمة استئناف خلال شهر شباط في عموم المحافظات باستثناء اربيل والسليمانية ودهوك، سجلت الاحصائية 6800 حالة طلاق خلال شهر شباط فقط.

وبعملية رياضية بسيطة يظهر لنا ان معدل حالات الطلاق في شهر شباط الماضي هو 242 حالة طلاق في اليوم الواحد، ويزداد ذلك إذا اضفنا اعداد حالات الطلاق في مدن السليمانية واربيل ودهوك.

أسباب

وترى الدكتورة زهور كاظم، وهي باحثة في مجال التربية الاجتماعية في حديث لـ "البلاغ" ان "الطلاق هو مشكلة سببها مشكلة سابقة هي مشكلة الاختيار الخاطئ في الزواج، وهو اهم اسباب الطلاق عندما يكون اختيار الزوجة او الزوج مبني على علاقة سابقة ليست شرعية او علاقة عبر الهاتف او مواقع التواصل الاجتماعي لا هدف لها سوى اشباع الحاجة الغريزية للجنس، وليس هدفها بناء الاسرة وانجاب ابناء وتربيتهم تربية صحيحة، وفي هذه الحالة يكون الطلاق نتيجة ومصير محتوم لهذه العلاقة الا ما ندر".

وتضيف "هناك اسباب اخرى للطلاق مثل التفاوت في المستوى العلمي فاذا كان الفارق العلمي بين الزوجين كبير فأن الزواج سيكون مهدد بالانهيار، خصوصا إذا كان المستوى العلمي للزوجة او الشهادة التي تحملها أكبر من مستوى الزوج".

وتشير كاظم الى ان تباين المستوى الفكري بين الزوجين احيانا يكون هو سبب الطلاق، فقد يستوي الاثنان في المستوى العلمي ولكن فكر الزوج يختلف عن فكر الزوجة وهذا ناشئ عن الاختلاف في البيئة التي ولدا وتربيا فيها".

التواصل الاجتماعي تسبب بارتفاع معدل حالات الطلاق

من جهته، يرى الدكتور خميس غربي حسين، وهو استاذ في جامعة تكريت لـ "البلاغ" ان ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار افكار العولمة والعادات والتقاليد الدخيلة على المجتمع العراقي ادت الى ازدياد معدل حالات الطلاق بشكل كبير.

ويؤكد حسين "ان ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وثقافة العولمة والافكار الدخيلة التي بدأت تدخل المجتمع العراقي مع وجود القنوات الاخرى هي أكثر العوامل التي ادت ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع العراقي، فضلا عن ذلك ضعف الوازع الديني وعدم الاكتراث للآيات القرآنية الكريمة والاحاديث الشريفة الدالة على استحباب ووجوب تكوين الاسرة والاهتمام والحث على الزواج".

الطلاق ليس مشكلة اجتماعية فقط بل اقتصادية ودينية ايضاً

لكن ما يجعل الطلاق اكثر خطورة وضررا على المجتمعات هو ضياع مستقبل الاطفال وربما يصل الامر الى حرمانهم من التعليم وتشردهم في الشوارع.

ويعتبر التدريسي في جامعة تكريت ان الطلاق لا يمثل مشكلة اجتماعية فحسب بل هو مشكلة اقتصادية ودينية ايضا اذ ان "الطلاق يؤدي التفرقة بين شخصين، فضلا انه يخلق اثار سلبية كبيرة على ابناء المطلقين، فقد يتحولوا الى افراد مشردين في الشوارع، وقد يصبحوا مجرمين مستقبلا او قد يدمنون على المخدرات وغيرها".

في السياق ذاته، يتحدث الخبير القانوني علي الصراف لـ "البلاغ" قائلا: "هناك اسباب اجتماعية كالخلافات الزوجية وعدم التفاهم بين الطرفين او قدي يرجع الى وجود فوارق بين الزوجين كفارق السن او التعليم او المستوى الاقتصادي والتي تكون سببا من اسباب التفريق بين الزوجين".

ويشير الصراف الى ان قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل، اعطى والزوجة حق التفريق في حالات عددية منها عديدة منها مرض الزوج وعدم قدرته على الاستمرار بالحياة الزوجية، او هجر الزوج للزوجة او فقدانه، او ترك الزوجة بدون نفقة لمدة معينة.

لكن السبب الابرز وراء حالات الطلاق هو "التفكك الاسري وهو المشاكل بين الزوجة وام الزوج، ويرجع سببه الى سلوك فطري في ام الزوج وشعورها بالغيرة من زوجة ابنها ، ما يتسبب بإثارة مشاكل كبيرة بين ام الزوج والزوجة بسبب امور بسيطة لا تستحق ان تصل الى الطلاق"، وفقا لمختصين بعلم النفس الاجتماعي.

ممثل السيد السيستاني: تفاقم حالات الطلاق يتحمله المجتمع والاسرة نفسها

من جهتها، حملت المرجعية الدينية العليا مسؤولية تفاقم حالات الطلاق الى الاسرة والمجتمع، اذ دعا ممثلها في كربلاء السيد احمد الصافي خلال خطبة الجمعة في 16 من اذار الجاري الى ان يتجمل المجتمع بمختلف شرائحه المسؤولية ازاء هذه المشكلة.

وأشار الى ان "الشارع المقدس رغب كثيرا الى تكوين الاسرة، اذ هي النواة الاولى والحاجة الاساسية للنزعة الفطرية للإنسان، حتى دخل في خصوصيات التربية وتسمية الابناء.

وتابع سماحته خلال خطبته التي القاها من الصحن الحسيني الشريف ان البناء الاسري بدأ في بعض مجالاته يتصدع، وهذا وضع ينعكس سلبا على كم هائل من المشاكل ونحن ندفع الثمن، والمجتمع يتحمل وزر بعض الافكار الساذجة والغريبة وبالنتيجة الكل عليه ان يتحمل مسؤوليته، حيث ان الاسرة التي يخرج منها بناة المجتمع وقادته واذا بها بدأت تتصدع".

الاختيار السيء والطمع .. سرعان ما يفشل الزواج!!

ويعزو ممثل المرجعية ذلك الى عدة اسباب منها "الاختيار السيء والاختيار الناشئ من الطمع عند الزوجة او عند الزوجين. مشيرا الى انه "سرعان ما ينهار هذا الاختيار بعد ان يأخذ الزوجان حاجتهما من الطمع"، معللا ذلك ان متاع الدنيا هو الدافع للزواج حيث لا يوجد اساس صحيح لبناء هذه العلاقة.

وأشار السيد الصافي، الى ان عوامل عديدة ساهمت في زعزعة بناء الاسرة، منها ان الزوج لم يبني الاختيار على موازين صحيحة، وانما موازين من بدايتها هشة، فيما ان الزوجة يكون من ضمن اختيارها للزوج ان المال حاضر دائما، وماذا ينتج من ذلك، ان المودة والمحبة غير موجودة وسرعان ما يفشل مشروع الزواج ويذهب كل منهما الى حيث يريد.

وبين ان "عدم تفرغ رب الاسرة للبيت وانشغاله بملهيات كثيرة تاركا البيت خلف ظهره غير باديا اهتمامه بالأسرة، كما الزوجة ايضا حيث لا يشعران بالانتماء الى الاسرة، نتيجتها ان الاولاد سيكونون ضيوفا اقرب مما يكونوا ابناء".

واكد ممثل المرجعية الدينية "جميع الاعمال الاخرى مهما تكن ليست اهم من الاسرة، وعلى الزوجين مسامحة بعضهما على ارتكابهما المعاصي" معتبرا، ان الطلاق في بعض الحالات، حل لمشكلة لا تحل الا به، جازما ان اكثر المشاكل الموجودة هي مشاكل شكلية فقط، والحفاظ على الاسرة اولى من ان يفترق الزوجان.

المرجعية العليا: فليكن هناك جو عام يساعد لبناء الاسرة

ودعا السيد الصافي "وجوه القوم" والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية من منظمات المجتمع المدني بالدفع الى بناء الاسرة، حيث قال "فليكن هناك جو عام على بناء الاسرة واصلاح ذات البين، والحاجة الماسة الى بناء الاسر".

وشدد ممثل المرجعية الدينية العليا، على التثقيف في بناء الاسرة وكيفية توفير الجو الملائم لها، موضحا، انها "مسؤولية المجتمع بأكمله، والمسألة اكبر من ان تكون شخصية، اذ ان تفكك الاسرة يدفع ضريبتها الابناء، وعلى الجميع الاشتراك في لملمة الاسرة ومنع تهدمها.

غياب مبدأ الحقوق والواجبات

في السياق ذاته، اعتبر ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان غياب مبدأ اعتماد الحقوق والواجبات داخل الأسر، وانعدام مراعاتها يؤدي إلى ازدياد حالات الطلاق وتفكك الأسر، داعيا الى الأسر إلى الحب والاحترام المتبادل فيما بينهم، مشدداً على أهمية أن يحترم الزوج حقوق زوجته وأن يحسن إليها، وأن تحترم الزوجة زوجها مهما علت مكانتها الاجتماعية.

وعزا الشيخ الكربلائي انتشار النزاعات والخلافات والاقتتال إلى غياب مبدأ التسامح داخل الأسرة وهو ما ينعكس على المجتمع.

وعن المعالجات والحلول اللازمة للحد من تنامي وازدياد معدلات الطلاق، يؤكد الدكتور خميس غربي حسين التدريسي في جامعة تكريت ان الحل يكمن في الرجوع الى منهج القرآن الكريم والروايات الواردة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام في بناء علاقة طيبة بين الزوج والزوجة، والاهتمام بالتربية الدينية على القيم السامية للأبناء.

ويشير حسين الى اهمية مرحلة ما قبل الزواج لا سيما مرحلة اختيار الزوج او الزوجة مؤكد ضرورة "وجود دراسة لشخصية الزوج والزوجة والتأني باتخاذ القرار، والاخذ بنظر الاعتبار الامكانيات الثقافية والمادية والاجتماعية للطرفين".

وما لم تتبنى الاسر والافراد تصحيح ممارساتهم واعتماد مبدأ الحقوق والواجبات وحسن الاختيار لضمان استمرار ودوام العلاقة الزوجية، فأن شبح الطلاق سيبقى يهدد المجتمع العراقي بالانهيار.

مقتطف من مجلة «البلاغ» الصادرة عن شعبة البحوث والدراسات - العدد الأول

2018/07/02

بالفيديو: هؤلاء هم «قراصنة الدين»! ج -1-

اليوم، هناك العديد من الحركات المنحرفة التي تدّعي ارتباطها بالإمام المهدي (عج)، وقديماً، وعلى مر التاريخ حاولت العشرات من الشخصيات المعروفة تقمص دور الإمام المهدي أو تمثيله، غير أن غالبيتها انتهت بفشلٍ مدوٍ بعد أن اكتشف الناس زيف مدعاهم.
يسلط «فريق أبعاد الإعلامي» في سلسلة من الفيديوهات الضوء على هذه الظاهرة تحت عنوان «قراصنة الدين» وإليكم الجزء الأول:

2018/07/01