لا تجبروا أطفالكم على تناول الطعام.. إليكم الأسباب!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر».

لا يوجد أية فائدة لإطعام الطفل بالقوة. ووفقا لدراسة أجرتها جامعة ميشيغان، يمكن أن يسبب الإكراه توترا وقت الطعام يضر بالعلاقة بين الوالدين والطفل. وبحسب مديرة مركز نمو وتطور الإنسان جولي لومينغ "كشف البحث عن عدم وجود دليل على أن الضغط على الأطفال لتناول الطعام يمكن أن يساعدهم على حل المشكلة".

ويمكن أن يؤثر الإجهاد الذي يعاني منه الوالدان على علاقة أطفالهما بالطعام. بحسب تقرير روثيو نافارو ماثياس الذي نشرته صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية، مؤكدة أن الدخول بمواجهة مع الأطفال بسبب الطعام يحبط كثيرا من الآباء والأمهات.

وقالت بيغونيا آرياس رئيسة قسم طب الأطفال بمستشفى سانيتاس لا ثارثويلا نوفاس "في كثير من الأحيان، يلجأ حوالي 30% من الآباء لأطباء الأطفال للتعبير عن قلقهم لهذه المسألة".

لماذا لا تأكل؟

عندما لا يرغب الطفل بتناول الطعام، فأول شيء ينبغي استبعاده وجود مشكلة صحية. وتشير الخبيرة إلى أن "الاضطرابات الغذائية الحقيقية التي لها تأثير على التغذية تحدث فقط بنسبة 1 أو 2% من الحالات".

وبالنسبة للرضع، يمكن أن تنشأ صعوبات عند الانتقال من التغذية شبه الصلبة إلى التغذية الصلبة. وقد يحدث ذلك بسبب التأخر بإدخال الطعام الصلب، بسبب خوف الآباء أن يتسبب ذلك باختناق أطفالهم.

وأفاد آرياس أنه "بالنسبة للأطفال الأكبر سنا، قد تنشأ صعوبات عندما يتم تضمين خيارات جديدة. فإذا كانوا انتقائيين للغاية بشأن ما يأكلونه، ولديهم مشاكل بتناول الفواكه والخضراوات فإن خطر الإصابة بالسمنة يزيد في المستقبل لأنهم يميلون بهذه الحالات لتناول الكربوهيدرات بشكل مفرط".

ويمكن أن تتسبب العوامل الخارجية برفض الأطفال للطعام. كما تؤكد إيفا ماريا بيريز جينتيكو رئيسة جمعية أخصائيي التغذية في لاريوخا، منها "بدء الدراسة والذي يمكن أن يؤثر على الشهية. وإذا كانوا أكثر عصبية يتناولون كميات أقل".

‪يعتقد معظم الأولياء أنه إذا لم يأكل أطفالهم فإنه يمكن أن يمرضوا فتنشأ الإحباطات الأولى (غيتي)

احذر الإحباط

مع وجود صحن مليء بالطعام على الطاولة. وفي ظل غياب الحوار، قد تتضمن محاولات إقناع الطفل أساليب غير ملائمة، مثل التهديد أو العصبية أو الابتزاز والإصرار من التصرفات الشائعة لدى الآباء أمام العجز الذي قد ينشأ في مثل هذه السيناريوهات.

ويعتقد معظم الآباء أنه إذا لم يأكل أطفالهم يمكن أن يمرضوا. لذلك، توضح آرياس بأنه "عندما يرفض الأطفال الطعام، تنشأ الإحباطات الأولى لدى الآباء. ونتيجة لذلك، فإنهم يواجهون لحظة تناول الطعام بقلق وعصبية، وهو ما يلاحظه الأطفال".

وفي حال نُقلت هذه المشاعر للأطفال تبدأ المشاكل، مما قد يؤدي لظهور رهاب ثانوي للغذاء. إضافة لذلك، يمكن أن يجعل الإصرار الأطفال يأكلون الطعام دون جوع. وتشير الخبيرة إلى أن أغلب هذه التعديلات في طريقة أكل الطفل مؤقتة ويمكن حلها بسهولة.

وعلى الوالدين التحقق من كمية الأكل المقدمة إذا لم يكمل الطفل تناول طبقه. وبهذا الصدد، قالت أخصائية التغذية "أحيانا، نقدم للطفل كمية من الطعام تفوق احتياجاته، بالتالي يفضل تقلَيص الكمية قبل أن نصر عليه لتناولها كاملة".

وتقترح جينتيكو تغيير طريقة التعامل مع الطفل، فبدل أن نصر على أن يأكل، يمكن أن نقول له مثلا "ألا ترغب بتناول المزيد من الطعام" كما ينبغي أن نتجنب عبارات مثل "إذا لم تكمل طبقك فلن تترك الطاولة".

‪ ينبغي على الآباء معرفة أفضل طريقة لتعليم ذريتهم أسس تناول الطعام(غيتي)

ممارسات جيّدة

عدم نقل الضغط الذي يشعر به الوالدان للأطفال من القواعد الأساسية لمرور هذه المسألة بسلام. وتؤكد جينتيكو "ينبغي على الأولياء التحلي بالهدوء والاستماع لأطفالهم ومراقبتهم ومساعدتهم بودّ". إذ ينبغي أن تكون الوجبات مناسبة اجتماع عائلي عوضا عن أن تكون الوقت الأكثر إرهاقًا.

وتعتبر السيطرة على العواطف من المسائل التي تبدو سهلة من الناحية النظرية، ولكنها في غاية الصعوبة على الصعيد العملي. وترى آرياس أن "عدم التعبير عما يخالجنا من مشاعر خير سبيل خلال إطعام الأطفال. لذلك، ينبغي على الآباء معرفة أفضل طريقة لتعليم ذريتهم أسس الطعام".

‪ينبغي أن تكون الوجبات مناسبة اجتماع عائلي عوضا عن أن تكون الوقت الأكثر إرهاقًا (غيتي)

الأدوات الأساسية

ويمكن استخدام أساليب تحسن العلاقة بين الأطفال والغذاء على غرار تناول وجبات منتظمة ومتنوعة. وأفادت آرياس "من الممكن أن يتناول أفراد العائلة فطور الصباح أو الغذاء أو العشاء سويا حول الطاولة دون مشاهدة التلفاز".

كما ينبغي أن يجلس الطفل بوضع مريح يتيح له أن يلمس الطعام بسهولة. ومن الأفضل أن يستخدم يديه في بداية الأمر ثم يستخدم أدوات المائدة التي تتناسب مع عمره.

وأحيانا، يصبح من الضروري أن تقدم للطفل بعض البدائل حين يرفض تناول أي نوع من الطعام، بحسب نصيحة جينتيكو "حين يقلق الأولياء نظرا لأن طفلهم يرفض أكل السمك على سبيل المثال، ينبغي عليهم التحري حول الأنواع التي تناولها من قبل، دون إجباره على تناول هذا الطعام".

كما ينبغي أن نقدم للطفل كميات صغيرة من الطعام. كما أكدت جينتيكو أن "الأطفال لا يقبلون دائما الأطعمة الجديدة في البداية، فقد يكون من الضروري إعادة المحاولة 15 مرة".

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام: https://t.me/The12ImamsWeb


المصدر : مواقع إلكترونية - نقلاً عن الجزيرة

2021/01/07

2020 لقّنت الـ ’متغطرسين’ درساً.. ما الذي ينتظرنا في 2021؟! (فيديو)

2020 كانت مختلفة عن السنوات السابقة بامتياز إذ أنها ستؤرخ بـ "سنة كورونا" فأحدنا عندما يريد أن يتحدث عن هذه السنة او السنوات القادمة سيقول في سنة كورونا أو بعد سنة كورونا بسنة او بسنوات.

نهاية السنة كانت مفرحة لدى بعض الناس لإيمانهم بنحسها وارتباطها بقضية النجوم والأبراج فرأوا أن انتهاء هذه المصائب مرهون بنهاية سنة 2020، وعليه فإن احتفالات هذه السنة كانت طغى عليها الفرح بطي صفحة مرت على الإنسانية كما يرون.

ما يهمنا من هذا كله هو أن نستلهم دروسا من هذا العام وأن نخرج ببعض المواعظ لتكون هذه السنة مفيدة.

نستلهم من هذا العام ثلاثة دروس:

الأول: الإنسان ليس سيد هذا الكون.

الثاني: دوام الحال من المحال.

الثالث: خسرنا الروتين الذي كنا نعتبره مملاً.

تفصيل أكثر عن متطلبات الاختبار الحقيقي القادم في عام 2021 مع سماحة الشيخ أحمد سلمان دامت بركاته في الفيديو أدناه:

2021/01/02

السيد السيستاني بعض الأزواج يقدمون ملذاتهم وصداقاتهم على عوائلهم والنتيجة ’تفكك الأسرة’!

حصل "موقع الأئمة الاثني عشر"، يوم الخميس، (31 كانون الأول، 2020) على كلمة مقررة لنجل المرجع الأعلى سماحة السيد محمد باقر السيستاني، دامت بركاته، تطرق خلالها إلى أهمية الأسرة ودورها وأثرها على المجتمع.

ونبه سماحته إلى أبرز أسباب تفكك الأسر، وأشار إلى أن لكل فرد من الأسرة دور ملائم ينبغي مراعاته.

وفيما يلي نص الكلمة:

كتب آية الله السيد محمد باقر السيستاني: الأسرة.. أهميتها، دورها، أثرها على الفرد والمجتمع

إنّ الأسرة تمثل حاجة فطرية للإنسان، فقد خُلِق الإنسان وفق تكوينه النفسي بحيث إنّه لا يجد غنى عن أن يعيش في ضمن أسرة في مختلف مراحله العمرية، فهو أصلاً يولد باجتماع أسري - من الأبوين -، ويحتاج إلى الرعاية والحضانة حتى يصل مرحلة يمكن أن يكوّن بنفسه أسرة فتنمو فيه الحاجة إلى تكوين أسرة لنفسه بعد أن كان جزءاً من أسرة كوّنها والداه، ليكتمل مع آخر، ويشكلا معاً أسرة معنيّة بالتكافل والتآزر لإعداد جيلٍ آخر.

وتمثّل الأسرة البنية الأساس التي تؤثر على شخصية الإنسان وتُنمّي فيه العناصر الإيجابية والمؤهلات الصالحة والنافعة، وتصونه عن تولد الأمور السلبية ونموها في شخصيته وتُبعِد العوامل المسببة لذلك عنه، ولذلك فإنّ سلامة البيئة الأسرية حسب السنن الاجتماعية والنفسية هي الأساس الأوّل لسلامة الفرد طفلاً وشاباً وشيخاً.

ولكل فرد من الأسرة دور ملائم له في جهة نجاحها وصلاحها وتخطي العقبات والمشاكل التي تطرأ عليها، فللأب دوره في الإشراف والرعاية والإنفاق، وللأم دورها في التوليد والاحتضان والتربية، وللأولاد أدوارهم في الاستجابة الراشدة والعمل السليم والإعانة الملائمة، فإذا أخل بعض أفراد الأسرة بمسؤوليته، ولم يملأ الفراغ الذي ينبغي أن يملأه، أو سعى أن يؤدي الدور الملائم لغيره، حدث الخلل في الأسرة وتضرّر جميع أفرادها بذلك، ولذلك فإنّ على أفراد الأسرة أن يَعُوا بصدقٍ وبعمق تفاوت المسؤوليات والأدوار وتكاملها، ولا يثيرهم التنافس السلبي على تمني أداء أدوار مخصصة لغيرهم فيؤدي إلى اختلال التوازن وحدوث الفراغ وتصادم الأفراد في داخل الأسرة وحدوث المشاكل فيها.

لقد خلق الله سبحانه الإنسان ليعيش في ضمن أسرة، يتكامل من خلالها مع إنسان آخر، ليتعاونا في الإيفاء بمصالحها الإنسانية، ويكون بعضهم عوناً لبعض في طريق الاستقامة والسلوك الصحيح ، ويُنشآن معاً جيلاً جديداً يهتموا بحضانته وتربيته وتعليمه وصلاحه.

فالإنسان في ضمن الأسرة من جهةٍ يرتبط صلاحه بصلاح تلك الأسرة وسعادتها واستقامتها وراحتها، كما أنّه من جهةٍ إيمانية وأخلاقية يتحمّل مسؤولية تجاهها لأجل أن يتصف بالمعاني الملائمة والخصال اللائقة والسعادة المتاحة.

وبذلك يصحّ القول إنّ المرء إذا عاش في ضمن أسرة فإنّ صلاح دنياه ودينه جميعاً في أن يهتم بأن يتحرّك في جهة ضمان راحة هذه الأسرة وسعادتها واستقامتها، وإنّ مَن قصّر في ذلك وفرّط فيه فإنّه سوف يجني بذلك على نفسه في دنياه؛ لأنّه يفرّط في الحقيقة - وفق النظرة العميقة والبعيدة والجامعة للأمور - بصلاحه وسعادته ولو كان من حيث لا يحتسب، كما أنّه يخل بمسؤوليته التي سوف يسأله الله سبحانه يوم القيامة عنها.

إنّ صلاح الفرد واستقامته في ضمن الأسرة حقاً هو منوط بصلاحها واستقامتها، ومن الخطأ الفظيع أن يبحث الإنسان في ضمن الأسرة عن مصلحته الخاصة حسب ما يتراءى له، فيكون الزوج معنياً بلهوه ولعبه وملاذه الفردية وأصدقائه خارج أسرته، لتكون حياته الأسرية في هامش اهتماماته، أو تعيش الزوجة معنية بلهوها ومواصلاتها ورغباتها وصداقاتها بعيداً عن مركزية الأسرة في اهتماماتها. وكذلك يعيش الأولاد كل منهم لحاله غير مكترث بالوالدين أو الأخوة والأخوات.

إنّ المصلحة التي تتراءى للفرد في تهميش حياته الأسرية والانشغال برغباته الشخصية من دونها هذه المصلحة سراب ووهم سوف ينقشع عنه بعد أن تتفكك الأسرة داخلياً - حتى وإن بقيت مرتبطة مكانياً وعاشت تحت سقف واحد - وبعد أن يستنفذ الفرد قواه وعلاقاته خارجها، ليجد غربة وتفككاً في سكنه ومأواه الذي كان عليه أن يهتم به ويقوي أوتاده وقواعده.

فلا صلاح للإنسان بعد تكوين الأسرة إلا في صلاح الأسرة وتماسكها. فعلى كل واحد من أفراد الأسرة أن يهتم بصلاح جميع من فيها ناصحاً لهم مهتماً بهم مراعياً لتكوين بيئة ملائمة من حيث السعادة والتربية والتثقيف والأخلاق والإيمان حتى يسعد الجميع بما تسمح به مقادير هذه الحياة، ويعيشوا على قلب واحد.

وإنّ الإنسان ليجد حافزاً إلى الاهتمام بالأسرة من خلال الإيمان بالله سبحانه وبالدين حيث تؤكد النصوص القرآنية والأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام) على أهمية هذا الأمر عند الله سبحانه وفي بركته للإنسان في هذه الحياة وما بعدها.

2020/12/31

كسروا ضلعها: ما حقيقة فاجعة ’الزهراء’؟ المرجع التبريزي (قدس) يجيب...

هل هناك خصوصية للزهراء (عليها السلام) في خلقتها، وبالنسبة للمصائب التي جرت عليها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) من ظلم القوم لها، وكسر ضلعها واسقاط جنينها، ما رأيكم بذلك؟

نعم، فان خلقتها كخلقة سائر الائمة (سلام الله عليهم أجمعين) بلطف من الله سبحانه وتعالى، حيث ميزهم في خلقهم عن سائر الناس، بما أنه يعلم أنهم يعبدون الله ويخلصون الطاعة له، وخصص في خلقتهم خصيصة يمتازون بها عن سائر الخلق، كما يشهد بذلك خلقه عيسى (عليه السلام) حيث تكلم وهو في المهد، (قال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا). وكانت فاطمة (عليها السلام) في بطن أمها محدثة، وكانت تنزل عليها الملائكة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويشهد بذلك الروايات المتعددة، منها صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ان فاطمة (عليه السلام) مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل (عليه السلام) فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن ابيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، وكذا غيرها من الروايات الواردة في المقام.

وأما ما جرى عليها من الظلم فهو متواتر اجمالا، فان خفاء قبرها (عليها السلام) إلى يومنا هذا، ودفنها ليلا بوصية منها شاهدان على ما جرى عليها بعد أبيها، مضافا لما نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي ‌طالب (عليه السلام) من الكلمات (في الكافي ج 1 ـ ح 3 ـ باب مولد الزهراء (عليها السلام) من كتاب الحجة) حال دفنها قال: (وستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكل من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثة سبيلا، وستقوله ويحكم الله وهو خير الحاكمين) وقال (عليه السلام): (فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم حقها، وتمنع ارثها جهرا، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، والى الله يا رسول الله المشتكى). (وح2 من نفس الباب) بسند معتبر عن الكاظم (عليه السلام) قال: ان فاطمة (عليها السلام) صديقة شهيدة، وهو ظاهر في مظلوميتها وشهادتها، ويؤيده أيضا ما في البحار (ج 43 باب 7 رقم 11) عن دلائل الامامة للطبري بسند معتبر عن الصادق (عليه السلام): (… وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا.

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام:
 https://t.me/The12ImamsWeb


المصدر: موقع آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي (قدس سره)

 

2020/12/30

موالاتها ركن الإسلام.. هل يدخلنا حب فاطمة (ع) الجنة؟

بمناسبة شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين، نتحدث في هذه العجالة عن منقبتين من مناقبها تيمنا بذكرها.

المنقبةُ الأولى:

ما ورد في الرواية المعتبرة كما في كتاب العلل روى الشيخ الصدوق طاب ثراه بسنده: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ [على المبنى المُختار من وثاقته] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ  يَقُولُ لِفَاطِمَةَ  وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ رَجُلٍ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ فَيُؤْمَرُ بِمُحِبٍّ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ إِلَى النَّارِ فَتَقْرَأُ فَاطِمَةُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُحِبّاً، فَتَقُولُ إِلَهِي وَ سَيِّدِي سَمَّيْتَنِي فَاطِمَةَ وَ فَطَمْتَ بِي مَنْ تَوَلَّانِي وَ تَوَلَّى ذُرِّيَّتِي مِنَ النَّارِ وَ وَعْدُكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَدَقْتِ:

يَا فَاطِمَةُ إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ وَ فَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وَ تَوَلَّاكِ وَ أَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَ تَوَلَّاهُمْ مِنَ النَّارِ وَ وَعْدِيَ الْحَقُّ وَ أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَ إِنَّمَا أَمَرْتُ بِعَبْدِي هَذَا إِلَى النَّارِ لِتَشْفَعِي فِيهِ فَأُشَفِّعَكِ وَ لِيَتَبَيَّنَ لِمَلَائِكَتِي وَ أَنْبِيَائِي وَ رُسُلِي وَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ مَوْقِفُكِ مِنِّي وَ مَكَانَتُكِ عِنْدِي فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وَ أَدْخِلِيهِ الْجَنَّةَ‌. [علل الشرائع؛ ج1، ص: 179 ح 6].

ومضمون هذه الرواية الشريفة وما يُقاربه لم يقتصر على كتب الخاصة، بل ورد عن بعض رواة العامة كأبي هريرة، بهذا النص:

" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ السُّكَّرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُخْدَجُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ فَاطِمَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَمَ مَنْ أَحَبِّهَا مِنَ النَّارِ‌.

ومن القرائن على صحتها رواية بعض العامة لها لقضاء العادة أن العامة لا يروون مثل هذه الفضائل إلا لاشتهاره وانتشاره بحيث لا يمكن إخفاؤه.

كما وردت في كتب العامة مثل: كنز العمال ومجمع الزوائد، والصواعق المحرقة 96 وتاريخ ابن عساكر والمواهب اللدنية كما في شرحه للزرقاني 3 ص 302.

وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله  لفاطمة رضي الله عنها: «يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟

[لا لأنّه اسمٌ مُتعارف في ذلك الزمان، بل لعلة غيبية خاصة سماها فاطمة]

قال علي رضي الله عنه لم سميت؟ قال: إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة».

وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده ولفظه: «إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار».

فهذه النصوص الشريفة، خصوصا النص الأول لو تأملنا فيها وجدنا أنها تشتمل على عدة مضمامين:

المضمونُ الأول: أن حب فاطمة ، وولايتها مناطٌ في استحقاق الجنة، وليست المسألة مسألة تفضُّل بل هي استحقاق، فإنه ذُكر في علم الكلام لدى الإمامية أنّ أصل الثواب والجنة هو تفضُّل منه تعالى، وإنما يكون استحقاقاً بالوعد لأن الله تعالى لا يخلف وعده، وإلا فهو تفضل من الأساس وذلك لقوله تعالى، في حق المؤمنين:

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: 122].

وكذلك هنا يقول الله جل وعلا كما في الرواية الشريفة: وَ وَعْدِيَ الْحَقُّ وَ أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

المضمونُ الثاني: أنّ حُب فاطمة الزهراء من أركان الإسلام، فمن الواضح أن استحقاق دخول الجنة متقوم بالإسلام، قال تبارك وتعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

ومفاد الآية: أن مناط الربح والخسارة في الآخرة هو الإسلام الواقعي الأخروي، وهنا في هذه الرواية الشريفة أُفيد أن الشرط المعتبر في الإسلام الواقعي هو حب فاطمة ، فنتيجة الجمع بين النصين أنّ حب فاطمة صلوات الله عليها من أركان الإسلام الواقعي، لا يقوم إسلام حقيقي واقعي إلا به.

المضمونُ الثالث: إن المناط الملحوظ في الرواية ليس هو حبّ فاطمة فقط، بل هو الحب والتولي، لذا قال: مَنْ أَحَبَّكِ وَ تَوَلَّاكِ وَ أَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَ تَوَلَّاهُمْ.

وليس التولي هو عبارة عن أن يراهم المسلم علماء أبرار كسائر علماء المذاهب الإسلامية، وإنما التولي هو الإعتقاد بكونهم أولياء الله في الأرض؛ المساوق واقعاً للتبري من أعدائهم، فما هو الشرط المعتبر في الاسلام الواقعي ليس هو مجرد المحبة بل المحبة مع التولي.

المنقبةُ الثانية:

ما ورد في رواية صحيحة رواها الشيخ الكليني طاب ثراه بسنده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ  جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ غَسَّلَ فَاطِمَةَ  قَالَ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ  قَالَ فَكَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ. فَقَالَ كَأَنَّكَ ضِقْتَ مِمَّا أَخْبَرْتُكَ بِهِ قُلْتُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ لَا تَضِيقَنَّ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ لَا يُغَسِّلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يُغَسِّلْهَا إِلَّا عِيسَى . [الكافي - الشّيخ الكليني - ج1/ ص 459، ج3/ ص 159؛ علل الشرائع؛ ج1، ص: 218 و219 ح].

وهذه الرواية تدلنا على مطلبين مهمين:

المطلبُ الأول:

أن للزهراء صلوات الله عليها هذا المقام العظيم الذي قرنه الله بمقام النبوة ألا وهو مقام الصديقين، قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم:

(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء: 69 - 70].

وهذه النعمة المشار إليها في الآية المباركة هي حضور الله وتجليه في أرواحهم، كما هو مفاد قوله تعالى:

(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) [ص: 45 - 47].

فإن هذا الحضور المُعبّر عنه بذكرى الدار هو النعمة التي حصل عليها النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وقد حازت عليه الزهراء صلوات الله وسلامه عليها حتى وصلت إلى مرتبة الصديقين.

فإن من وصل الى هذا المقام كان قطعة من الصدق، بل كان جوهر الصدق ومنبعه فهو الصدِّيق.

المطلبُ الثاني:

إن المستفاد من هذه الرواية الشريفة أن المعصوم لا يلي أمره الا معصوم مثله.

وهذه الرواية الصحيحة وغيرها من الروايات هي منشأُ لهذا المرتكز المتشرعي من أن المعصوم لأنّه صديق لا يلي أمره إلا معصوم مثله، ولذا لم يلي أمرها إلا الصدِّيق خليفة رسول الله في زمانه صلى الله عليهما وآلهما وهو الإمام أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب، وقد وليَ غسلها حزيناً كئيباً باكياً مُنتحباً، حتّى روى المؤرخون أنه أنشد هذه الأبيات التي تصدر من قلب متصدع بالفاجعة:

لكلِّ اجتماعٍ من خليلين فرقة

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ               وكلُّ  الذي دون الفراق قليلُ

دليلٌ  على أن لا يدوم خليلُ

فحقيق بالمؤمنين والمسلمين في كل مكان في هذه الأيام الفاطمية مواساة أمير المؤمنين ومواساة الحسنين ومواساة العقيلة زينب ومواساة مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه، باقامة العزاء والمواكب والاحتفال بهذه الذكرى العظيمة، فإن مظلوميتها مفتاح المظلوميات.

وقد ذكر السيد محمد باقر الصدر أن رسالة المعصومين من باب تعدد الأدوار ووحدة الهدف ونُضيف إلى كلامه قدس سره: ووحدة المنهج، حيث إن منهجهم كان واحداً وإن تعددت أساليبهم ابتداءً من فاطمة الزهراء واختتاماً بالمهدي المنتظر أرواحنا فداه.

وهذا المنهج يقوم على ثلاثة أركان:

الدفاع عن منصب الإمامة الذي هو منصب إلهي وحق للأمة الإسلامية في الارتباط بالقادة الإلهيين.

التضحية في سبيل منصب الإمامة.

شعار المظلومية.

وإن هذه الأركان الثلاثة لهذا المنهج العظيم قد بدأ بفاطمة وبخطوات فاطمة وتضحياتها.. فكأنّها المفتاح الذي سنّ وأسس هذا المنهج لباقي الأئمة من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

نسأل الله تبارك وتعالى أنْ يرزقنا في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها، وأنْ يجعلنا من مُحبيها وخدمها دنيا وآخرة، وأنْ يرزقنا قربها ورضاها حيث يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليجرام:
 https://t.me/The12ImamsWeb


المصدر: شبكة المنير

 

2020/12/30

كيف أصبحت ’الزهراء’ حجة على الأئمة (ع)؟

ورد في الحدث المروي عن الامام العسكري (ع) في حق جدته السيدة فاطمة الزهراء (ع) والذي قال فيه: "نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا"(1).

 فماذا يعني أن "تكون السيدة فاطمة (ع) حجة على الائمة (ع)"؟

في الجواب يقول سماحة الشيخ محمد الصنقور دامت بركاته:

إنَّ وسائل المعرفة للأئمة (ع) متعدِّدة، فمنها القرآن الكريم وهي أثرى وسيلةٍ يعتمدها الأئمة (ع) في تحصيل العلم ثم سنَّة الرسول الكريم (ص) التي تلقَّوها بتفاصيلها ودقائقها أباً عن جد، وثمة وسائلُ أخرى يعتمدُها الأئمة (ع) ومنها ما يُعبَّر عنه بمصحف فاطمة (ع) وهو كتاب ضخم ليس فيه شيء من القرآن الكريم وإنَّما هي علوم تلقَّتها السيِّدة فاطمة بواسطة الملَك الذي كان يأتيها فيحدِّثُها كما ورد ذلك في رواياتٍ كثيرة.

فالسيدة فاطمة كانت محدَّثة من قِبل الملائكة وكان عليٌّ (ع) يكتب ما كانت تُمليه الملائكة عليها.

وليس ذلك بمستغرب فقد كانت السيدة مريم (ع) مُحدَّثة (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ / يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)(2).

كما أنَّ الملائكة كانت تُحدِّث لقمان الحكيم ولم يكن نبياً.

إذا اتَّضحت هذه المقدمة نقول: إن معنى الحجَّة هو الدليل والمعرِّف على الحقائق، فأهل البيت (ع) حجَّة على الناس لأنّهم الأدلاّء على الله عزَّ وجلَّ والمعرِّفون للناس بأحكامه وتعاليمه، والسيدة فاطمة (ع) حجَّةٌ على الأئمة (ع) لأنَّها واحد من وسائل المعرفة الإلهيَّة للأئمة (ع)، فقد كان مصحفها يشتمل على الكثير من المغيَّبات والملاحم والفتن التي ستعصف بالأمة في مستقبل الزمان، فالحديث المنسوب للإمام العسكري (ع) وإنْ لم يكن نقيَ السند لكنَّ مدلوله بالمعنى الذي بيَّناه موافق لمفاد الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت (ع).


الهوامش:

1- الأسرار الفاطمية -الشيخ محمد فاضل المسعودي- ص53.

2- سورة آل عمران / 42-43.

2020/12/29

ميّزوا ’الانطوائي’ عن المصاب بـ ’التوحد’.. كيف نتعامل مع انطوائية أطفالنا؟

أهم ما يميز الأطفال الانطوائيين، أنهم يتخذون قراراتهم بناء على معاييرهم وقيمهم الخاصة دون أن يتبعوا الحشود.

الانطوائية، مجرد سمة خاصة من سمات الشخصية، هي ليست مرضا أو اضطرابا نفسيا بالتأكيد فلا يوجد شيء خاطئ كون المرء انطوائيا، لكن ستكون له أوقاته العصيبة أيضا التي سيقضيها بصحبة الأهل والأصدقاء وبقية الأشخاص ضمن محيطه الاجتماعي الضيق.

هذا الأمر، من شأنه أن يستنزف مشاعره وطاقته.. حيث تبدو صحبة الناس بالنسبة إليه مضيعة للوقت وتعطيلا لخططه (الداخلية)، بكل ما من شأنه أن يؤطر به عالمه الخاص من أفكار وأحلام وحتى معارك وهمية يخطط لها بنفسه، يخوضها ضد نفسه وهو مرتاح البال وكأنه يقضي نزهة على شاطئ البحر.

العالم الخارجي، بكل زحامه وضجيجه، يمثل كابوسا حقيقيا لصاحب الشخصية الانطوائية. فإذا علمنا بأن نسبة كبيرة من الناس يحملون هذه الصفة، تقدرها بعض الدراسات في الغرب بأنها ربما تصل إلى 30 بالمئة من حجم السكان، فسندرك بالتأكيد أننا ربما نكون ضمن هذه المجموعة من دون أن نعي ذلك. نورث هذه الصفات لأبنائنا، أم يولدون وهم يحملونها سلفا.. هذا أمر مازال قيد البحث؛ فالانطواء والانبساط هما سمتان فطريتان على الأغلب وتبقى الانطوائية بصورة خاصة ملازمة للفرد طوال مراحل حياته، فلا يستطيع الفكاك منها أو لا يريد ذلك باختياره.

ولا يحبذ متخصصون في علم النفس إهمال الطفل الانطوائي على الرغم من أنها سمة لن تعيقه عن إيجاد طريقه في الحياة واكتساب مهارات جديدة وتطوير ذاته وشخصيته.

ووفقا لعلماء النفس، فإن الطفل يبدأ في إظهار علامات الانطواء في عمر أربعة أشهر تقريبا وإذا كانت علامات الانطواء في الأشخاص البالغين تختلف من شخص لآخر، فإن هناك بعض المشتركات بين الأطفال الانطوائيين إلى حد ما.

وترى الأميركية جين جرانيمان، مؤلفة كتاب (العالم السري للانطوائيين)، أن هناك على الأغلب علامات محددة تؤكد أن طفلا بذاته يحمل سمات الشخصية الانطوائية وأبرزها على الإطلاق؛ أن هؤلاء الصغار يعيشون أغلب الوقت في عالمهم الداخلي، وهو عالم حيّ مليء بالأفكار والمشاعر المعقدة.. عالم متخيل، تنتفي معه الحاجة للآخرين أو الأصدقاء إلا في حدود ضيقة؛ فالطفل الانطوائي يفضل اللعب بمفرده وربما يغلق على نفسه باب غرفته لساعات، فينهمك في ألعابه الخاصة، يكتب، يرسم، يستخدم ألعاب الكمبيوتر وغيرها من النشاطات التي لا تتطلب بالضرورة مشاركة الآخرين.

لسوء الحظ، يمكن أن يكون وجود مثل هذا العالم الداخلي الثري بالنسبة للطفل سيفا ذا حدين؛ لأنه إذا لم يكن يمنحه تذكرة لعالم الإبداع أو التفوق العلمي مثلا فإنه قد يحكم عليه بالعزلة الدائمة، ومن هنا يأتي دور الأهل في مساعدة الطفل لاستغلال هذه السمة الشخصية وتطويعها لتكون مصدر قوة لا مصدر ضعف.

ويتعامل الطفل الانطوائي مع الجوانب الأعمق في الحياة، فهو لا يخشى طرح الأسئلة الكبيرة عن الوجود وعن وجوده الشخصي أيضاً، يهوى التأمل في الأشياء ويبحث دائما عن مصادر السلوك ولعبته المفضلة هي أن يسأل كل من حوله وخاصة الأهل “ماذا لو؟” وهناك دائما علامات استفهام كبيرة في رأسه، وهو قد يطرح أسئلته واستفساراته في سن مبكرة جدا الأمر الذي يثير فضول الآخرين.

أما في أوقات اللعب، فهو يفضل المشاهدة والمراقبة الطويلة أولا، ثم يبدأ تدريجيا بالانضمام إلى حلقة اللعب كأن يكون فريق من الأصدقاء أو زملاء المدرسة، وهذه سمة أخرى تؤكد حذره الشديد من الدخول في مواقف جديدة غير محسوبة النتائج.

وأهم ما يميز الأطفال الانطوائيين عن غيرهم، أنهم يتخذون قراراتهم بناء على معاييرهم وقيمهم الخاصة دون أن يتبعوا الحشود أو يأخذوا برأي الأغلبية، وهذه الميزة إيجابية ولصالحهم تماما لأن هذا يعني أنهم لن يقعوا بسهولة تحت طائلة الضغط من أي نوع ولا يمكنهم بالتالي أن يكونوا ضحايا إرادة الآخرين وتسلطهم عليهم، هؤلاء الصغار يفعلون ما يحبونه وما يناسبهم فقط.

كما أنهم مستمعون جيدون للآخر، يفكرون قليلا قبل أن يجيبوا على أسئلة الناس، يتحدثون بهدوء واتزان ولا يتعجلون في عقد علاقات جديدة حتى يطمئنوا للشخص المقابل فلا يعبرون عن أفكارهم وتصوراتهم بسهولة فهم يستمعون كثيرا ولا يتحدثون إلا عند اللزوم.

وتؤكد جين جرانيمان أن قيم المجتمعات تغيرت كثيرا، فأصبحت سمات الشخصية الانبساطية هي المفضلة داخل المجموعات البشرية، العلاقات والإنجازات المشتركة والقبول الاجتماعي صارت هي المعايير المعتمدة أكثر من التفكير الهادئ والعزلة واتخاذ القرارات الشخصية بمعزل عن تأثير الحشود.

هذا التغيير أسهم بشكل سلبي في تعقيد مشكلة الأشخاص الانطوائيين ومحاولة دمجهم قسريا بالعالم الخارجي، في الوقت الذي مازالوا يتمسكون فيه بحقهم في خياراتهم الذاتية. في المدرسة، مثلا، يقضي الصغار ما بين 6 إلى 7 ساعات يوميا مع قرابة 30 طفلا آخرين، حيث تطلب منهم طوال الوقت المشاركة في العمل الدراسي ضمن مجموعات وهذا قد يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للطفل الانطوائي.

هناك من يستطيع التكيف بشكل تدريجي وهناك من يعاني قبل أن يقسر على تفتيت القوانين الخاصة بعالمه الداخلي، وفي كلا الحالتين، يتوجب على الآباء تقديم الدعم النفسي ومساعدة الطفل على تخطي هذه الحواجز المجتمعية واستثمار سمات شخصيته الفريدة بما فيه مصلحته وتفوقه.

الفرق بين التوحد والانطواء

هل تقلق على طفلك أنه ربما يكون مصابا بالتوحد لمجرد تفضيله البقاء بمفرده؟ لا داعي لذلك، فالكثيرون يخلطون بين انطوائية الطفل وبين التوحد، وهناك فعلا علاقة بينهما، فالطفل المصاب بالتوحد لديه مشكلة في التواصل مع الآخرين ولديه مشكلة في التعبير عن مشاعره وهذا الأمر يسبب ل الإحباط والإرهاق النفسي فيفضل الانعزال ويمكن أن يفسر ذلك على أنه انطوائية ولكن هناك علامات التوحد الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار.

أما الطفل الانطوائي ليس بالضرورة أن يتحول لطفل مصاب بالتوحد، فهو يستطيع التواصل بشكل جيد جدا مع الأشخاص الذين يفضلهم ولكنه لا يفضل برغبته الشخصية أن يتواجد في مجموعات كبيرة.

كيفية التعامل مع الطفل الانطوائي

 أولا يجب أن تعرف أنه لا يوجد ما يدعو للحرج في شخصية طفلك، وأنه طفل طبيعي تماما يمكنه النجاح في حياته مثله مثل الأطفال الاجتماعيين، وإليك عدة نصائح لتتعامل معه بالشكل الأمثل: لا تدفع طفلك لتكوين صداقات وعلاقات لا يريدها، بل تمهل في تقديمه للآخرين واعطه الوقت والمساحة للتعرف عليهم ببطء.

ذكر طفلك أنه يمكنه أخذ استراحة من مواجهة الآخرين والتعامل معهم، إذا شعر بالإرهاق والتعب من التواجد في مجموعات. امدح طفلك إذا أخذ المبادرة في التحدث أو اللعب مع أطفال آخرين غير أصدقائه المقربين.

شجع طفلك على تجربة أشياء جديدة وأنشطة مختلفة ونبهه لذلك إذا وجدته يستمتع بالأمر فعلا. قد يكون لطفلك اهتمامات مختلفة وغير عادية، ادعمه في هذه الاهتمامات قدر الإمكان وشجعه على ملاحقة شغفه بها. تحدث مع المدرسين في المدرسة عن طبيعة طفلك حتى لا يفهمونه أكثر ويتعاملون معه على هذا الأساس.

شجع طفلك على الدفاع عن نفسه والمواجهة إن لزم الأمر. احرص على الاستماع لطفلك ومشاكله واهتماماته جيدا وتأكد أن من حوله يفعلون ذلك أيضا، لأنه قد لا يطلب المساعدة حين يحتاجها. لا تصف طفلك أبدا بالطفل الخجول ولا تجعله يصدق ذلك عن نفسه. لا تأخذ الأمر على محمل شخصي إذا أراد طفلك الابتعاد عنك لفترة من الوقت وعدم مشاركتك بما يفعله.

أمور لا يجب أن تفعلها مع الطفل الانطوائي

هناك عدة أشياء لا يجب أن تفعلها أبدا مع طفلك المنطوي حتى لا يتطور الأمر معه لمشكلة نفسية حقيقية، مثل: لا تقم بإحراجه عن عمد أمام الآخرين ولا تسخر منه ومن عزلته.

لا تدفعه للتحدث مع الآخرين والدخول في محادثات لا يريدها.

لا تضعه في مجال الانتباه حتى ولو لمدحه في وجود الكثير من الأشخاص.

لا تطلب منه أن يقوم بنشاط فردي أو أداء معين.

لا تتحدث بلسانه وبالنيابة عنه إذا لم يطلب هو ذلك منك.

لا تخطط لأنشطة متتالية بدون أي استراحات لأنه بالتأكيد سيريد وقتا لنفسه.

لا تفرض عليه الخروج واللعب في حين يريد فقط الجلوس بهدوء.

لا تعتبره قليل التهذيب إذا لم يرغب في تحية الزوار في المنزل.

لا تقوم بإخبار الآخرين بمعلومات شخصية عنه إذا لم يقم هو بذلك.

وأخيرا يجب أن تعرف وتتعلم ما يضايق طفلك لتتجنبه وما الذي يحفزه ويشجعه حتى تتطور شخصية الطفل الانطوائي بطريقة سوية بعيدا عن المشاكل النفسية المعروفة للأطفال والتي تصبح مرهقة له ولك في نفس الوقت.


المصدر: نقلاً عن بشرى

2020/12/27

تكسير المجاذيف.. كيف نتعامل مع ’رهاب’ كلام الناس؟

عندما يتربى الطفل في العائلة فإنه يسمع كثيراً من المصطلحات التي تتكرر عليه باستمرار ومنها ما ينشأ عليها كمصطلح ’العيب’، وهو ما يكون دائما وسيلة لمنعه عن أمور يريد فعلها.

هذا ’العيب’ يقصد منه الأهل هو العيب الاجتماعي، أي ماذا سيقول الناس عنك إذا فعلت هذا الشيء، إذ أصبح كلام الناس هو القيد الذي يربط به الإنسان بحيث إذا أراد أن يفعل شيئاً يضع أمام نصب عينيه كلام الناس.

وهنا يبرز السؤال التالي: كيف نتعامل مع كلام الناس الذي تحول إلى عائق للتطور وقاتل للإبداع؟

وفي الجواب، يضع سماحة الشيخ أحمد سلمان (دامت بركاته) ثلاث قواعد للتعامل مع هذه الظاهرة وهي كفيلة بتمزيق أن تردد ينشأ من هذه الرهاب:

1️. القاعدة الأولى: لا يسلم منه أحد

2️. القاعدة الثانية: لا يغير الواقع

3. القاعدة الثالثة: الأثر النفسي

تفصيل أكثر في الفيديو أدناه:

2020/12/12

طفلك يشكو من صعوبة في النوم وتدهور في السلوك؟ أعراض لا يستهان بها!

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

كتبت زينب علي: كيف يتم علاج الصدمات النفسية عند الأطفال؟

يتعرض الأطفال مثل البالغين إلى مواقف أو تجارب حياتية مخيفة وخطرة مثل حوادث الطرق، الإصابات البليغة، والجرائم والعنف.

كل هذه تؤدي إلى اضطرابات نفسية مختلفة نتيجة للصدمة منها اضطرابات التفكير والسلوك والعواطف.

ولأن الأطفال يتعرضون للاصابات النفسية كما في البالغين إذا لاحظ الآباء ذلك يجب أن يقدموا المساعدة الممكنة أو ممكن استشارة المهنيين مثل الأطباء، الباحثين النفسيين أو حتى طرح الموضوع مع الطفل.

هناك أعراض واضحة منها أعراض ضغط الصدمة النفسية عند الأطفال.

تكون استجابة الاطفال مختلفة للصدمة النفسية، مباشرة مع الصدمة يجد الطفل صعوبة في النوم، أحلاما مخيفة وكوابيس، أحيـانا الأعـراض لا تظهر مباشـرة بعد الصدمة فقد تظهر بعد أيام أو أسابيع فبمساعدة الوالدين أو الأقارب ودعم الأصدقاء يمكن أن يتجاوزها خلال مدة قليلة ويشفى الطفل ويعود إلى سابق حالته الطبيعية ولكن قد تستمر هذه الأعراض لفترات طويلة فتستدعي طلب المساعدة والاستشارة من مختصين..

اضطرابات ما بعد الصدمة المعروفة اختصارا P.T.S.D :-

هذه الاضطرابات تظهر بعد الخبرات المرعبة والخطيرة والعلامات كما يلي:

_ استرجاع ذكريات الأحداث وتستمر لبعض ثوانٍ وهي تعني أن المصاب يعيش الحدث في فكره وكأنه يعيش الحدث بشكل حيوي يعاد أمامه والذي يكون بالطبع مخيفا ويشعر الطفل بالرهبة.

_ تجنب التفكير بالحدث وما يرافقه من انفعالات بشكل متعمد، مثل تجنب الطفل الطرقات إذا كانت صدمته النفسية ناتجة عن حوادث طرق أو سير وحتى برامج التلفزيون التي تظهر السيارات لأنها تذكره بالحادث.

يجب طلب المساعدة في الحالات الآتية:

1-  إذا ساءت حالة الطفل وتدهور سلوكه.

2- تأثير ضغط الصدمة يستمر لأكثر من شهر.

3- القلق يمنع الطفل وذويه وعائلته من أداء أعمالهم الاعتيادية.

4- يعاني الطفل من آثار ضغط ما بعد الصدمة لأكثر من شهر.

كيف يمكن أن تقدم المساعدة:

_ أهم أسلوب في المعالجة هو تقبل الاضطراب الذى يحصل للطفل لأن هذا طبيعي في هذه المرحلة.

ويستطيع الآباء تقديم المساعدة لأبناءهم من خلال السماح لهم بالتحدث عن ما حدث وحتى لتمثيل ذلك بالرسوم والصور إن أرادوا، أما ترك الطفل وحيدا دون مساعدة لكى ينسى ما حدث فإن ذلك غير صحيح.

 - التحدث مع الأطفال يساعدهم على التعايش مع الخبرة المؤلمة والتكيف الجيد وكذلك لسرد ما حدث بهدوء وتروي لتقيمه بشكل صحيح ولكي تستعيد السيطرة على عواطفه وسلوكه ولكن إجبار الطفل على التحدث عما يحدث لا يكون صائبا.

- المساعدة المختصة مهمة جدا لعودة الطفل إلى سابق حالته الطبيعية ولتقليل التأثيرات الضارة نتيجة بقاء تأثير ضغط الصدمة لفترة طويلة.

المصادر:

العلاج النفسي لمواجهة الصدمات النفسية

علم النفس وتطوير الذات

بحث حول آثار الصدمة على الأطفال لمن هم دون سن المراهقة


نقلا عن بشرى

2020/12/06

مائدة «الدين الوردي»: ما لذّ وطاب.. لا ثوابت ولا مقدّس!

ما نلاحظه في بعض الطبقات الشبابية الساعية الى التطوير الفكري والثقافي بأن هناك طموحاً لديهم نحو التجديد والحداثة، تجديد يصل في أحيان كثيرة الى مستوى خروج مفهومٍ ما مِن المفاهيم الدينية عن معناه! فيصير غيره لا هو!

ما عادوا يريدون ديناً يحظر الاختلاط بين الجنسين، ولا يعطي أهمية للحجاب، يريدون غناءً محللاً وعباداتٍ مألوفة للذوق مما يشتهون. لا مقدّس وإن ارتبط بالله، لا عقيدة غير مستوعَبة لعقولهم وإن نزل بها كتاب مبين، لا يريدون ثابتاً، بل.. لا يريدون حقيقة! يريدون ما يريدون هم فقط.. هكذا، بمعية البعض ممن افترش لهم مائدة الإرادات هذه لينتقوا منها ما لذ وطاب!

[اشترك]

مثلاً.. وبحكم التواجد في الجامعة أعرف بعض الطّالبات ممن هنّ بعيدات عن الدين وأجوائه ورجالاته، قد استغرقن في المسلسلات والغناء، شُغلهن مراقبة الوقت للتسمّر أمام التلفاز ومشاهدة كل ما لا ينفع.. فجأة تتحول الى مدوّنة تكتب ضد ثوابت وكُبريات الدين، فجأة نسمعها وعند زيارة مرقد سيد الشهداء تقول لزميلاتها: لماذا تُمسكن بالشباك، هذه خرافة!

سبحان الله! أ في هذه الحالة من حالات كثيرة مشابهة أأتي وأقول إن المشكلة سببها "رجال الدّين" أو "المؤسسة الدينية" أو "الخطاب الديني" وهي وأمثالها مكانها قصيّ عن الدين برُمّته ولا تلتزم بأصغر مسألة فيه لتأتي وتفنّد وتُخرّف قضيّة عقائدية.. لماذا؟ لأنها قرأت وبحثت؟! كلا ومن أين؟ لأنها جلست في مجلس أحد علماء الدين في الحوزة ولم يقنعها فتبرأت من الدين، أو أنه استخدم أسلوباً جافاً معها فانتبذت الى غير هذه الملة؟ [وهل إن فضاضة الأسلوب مبرر لعقلها ولضميرها خروجها من الدين]؟

هي لم تستمع للمحاضرات فنفرت من رتابتها واستهلاك مواعظها، ولستُ في مقام الدفاع وأعترف أن هناك ركاكة فظيعة لدى بعضهم لا تُشجّع على الاستماع لمقولاتهم فضلاً عن الامتثال لها. هي لم تقرأ أصغر كتاب عقائدي فما الذي حدى بها الى ترك تراثنا الكبير واللجوء الى .....!

لا هذا ولا ذاك.. تلك وأمثالها إنما وجدوا رأياً شاذاً لبعض المؤلفين "الكبار" ممن زجّوا بأنفسهم في ميدان الاختصاص وهم غرباء عنه، مؤلفين يرسمون الدين باللون "الوردي" هم بارعون جداً في ميادينهم، لا أدري لماذا يحشرون أنفسهم في غيرها، بل لماذا نأخذ منهم علم الكلام وأساسيّات ديننا؟! لماذا أأخذ منهم "شريعتي" وهناك منابع أصيلة لها؟!

وقرأوا رأياً آخر لشيخ فيسبوكي يخيط العقيدة والفقه بالفصال والموديل الذي يريده المعجبون والمعلّقون!

ثم.. رويداً رويداً يترك الشاب ثوابته ويرد عليها، ولا تقنعه بديهياتها ثم ينبذ كل شيء ويصير ملحداً، فينتج عندنا شابّاً لا يعرف ديناً ولا ربّاً، بل لا يعرف نفسه.

لماذا، لماذا لا يجتهد هؤلاء لردّهم لأصولهم، لعلوم دينهم التي تديّنا بها وسرنا عليها منذ زمن الأئمة والغيبتين وعلى امتداد الخط العلمائي؟ نعم، فالدين لا يختص بحقبة زمنية ولا بمرجع معيّن حتى نُفرغ عليه غضبنا إذا ما كرهنا زماننا أو اختلفنا مع مرجعيّته!

هناك أمر تعوّدناه في الشريعة، نعم في الشريعة ذاتها لا عند المتشرعة فقط حتى نشكك فيه، وهو خفاء بعض أو كثير من علل أوامرها ونواهيها، بل حتى اذا ما لاحظنا سيرة أئمة أهل البيت فهم كثيراً ما اتخذوا مواقف لم يعللوها بعلل، وما صار لهم حواريّون من أصحابهم إلا لشدّة التسليم في تلك المواقف والانقياد دون تمرّد وسؤال..

فهل هناك قاعدة شبابية بهذا المستوى ينهض بها الإمام عند قيامه بالأمر العظيم؟!

في هذا المقطع من دعاء زمن الغيبة تشخيص للمشكلة مع سلسلة حلولها: "أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي".

2020/12/06

منها السخرية: سلوكيات ’مدمّرة’ لطفلك.. لا تفعلها!

عن الإمام (السادس) جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال:

"أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم"

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير أثناء تربيتهم لأبنائهم، وذلك بسخريتهم الدائمة من بعض السلوكياتكما يمكن لأحد أن يكسر عظمة طفل، فإنّه في نفس الوقت يمكن للمرء أن يكسر روح الطفل، إنّ التقليل من شأن الأطفال وإهانتهم والحط من شأنهم يقوّض من إحساس الطفل بذاته.

إنّ الاعتداء اللفظي هو عبارة عن الاستمرار في الشتائم، وتجاهل أو رفض الطفل "اتمنى أنّك لم تولد"، "أنت غبي للغاية"، "أنت لا قيمة لك"، إنّ هذه الكلمات يصدّقها الأطفال خاصّة وإن سمعوها من آبائهم أو مدرسيهم أو غيرهم ممن يحبون ويثقون، كما يعتبر الأطفال بمقدرة على أن يرد مثل هذه الإهانات أو الإساءات بين الحين والآخر، إلّا أنّ استمرار هذه الإهانات أو الإساءات يمكن أن تسبب الضرر في شخصية الطفل، وبغض النظر عما إذا صاحبت هذه الشتائم اعتداء جسدي وجنسي، أو من تلقاء نفسها فإنّ آثارها ستكون مدمرة.

حيث يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير أثناء تربيتهم لأبنائهم، وذلك بسخريتهم الدائمة من بعض السلوكيات التي يقوم بها الطفل أو من خلال نطقه غير الصحيح لبعض الكلمات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الشأن بل يمتد ليتحول إلى سخرية وتقليل من شأن الطفل مما ينعكس على نفسيته بشكل سلبي.

ويرى "د. جمال شفيق أحمد"- رئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس- أن "الكثير من الأطفال في فترة الطفولة يكون لديهم خلل في نطق الحروف والكلمات، فيعمد الأهل إلى السخرية من هذا الشأن، ولا يعي الطفل لما يضحكون ولكن بمرور الوقت يبدأ الطفل في فهم من حوله حتى ولو لم يظهر ذلك، ويبدأ في كتمان غضبه من سخريتهم له ومع الوقت تتربى بداخله كثير من العقد التي يعاني منها أهله عند كبره وهم لا يعلمون أنهم السبب في هذه العقد والمشاكل النفسية.

وكذلك الشأن بالنسبة للدراسة، فقد نجد الطفل متفوقاً في مواد معينة ويخفق في مواد أخرى، والأجدر أن نشجعه على تقدمه في المواد المتفوق فيها، ونحفزه على التقدم في المواد التي لا يجيدها دراسياً، ونعينه على اجتيازها، ولكن الكثير من الآباء والأمهات لا يفعلون ذلك بل يلجأوا إلى تعنيف الطفل والتقليل من شأنه، وفي أحيان كثيرة إلى مقارنته بأخ له أو زميل وهو من أكثر الأخطاء أيضاً التي يقع فيها الآباء؛ لأن ذلك يدفع الطفل إلى كراهية من يقارن به، ويتعمد في ذات الوقت عدم الاستجابة لهم بل ويتمادى في السير على الدرب الخاطئ، بالإضافة إلى أن ترديد بعض الكلمات غير المرغوب فيها على مسامع الطفل مثل كلمة "فاشل" أو "غبي"، - وغيرها من المصطلحات التي يجب ألا يتعامل بها الآباء مع أبنائهم - ترسخ في أذهانهم، وتجعل شخصياتهم سلبية وليست.. كل ذلك يجعل منهم أشخاصا غير أسوياء نفسيا ولديهم إحساس بعدم الثقة في النفس، مما ينعكس على علاقته بالآخرين عند الكبر.

ومعظم الأشخاص الذين يعانون من هذه العقد والمشاكل النفسية، إذا نظرنا إلى طفولتهم فسنجد أنهم عاشوا طفولة مشوهة وتعرضوا إلى قسوة شديدة من قبل الأهل، فلابد إذن من استخدام الأساليب الراقية في التعامل مع الأطفال حتى في وسائل العقاب، ويجب البعد عن كل ما يؤذي الطفل نفسياً ومعنوياً وذهنياً.

ومن أهم الاحتياجات النفسية التي يحتاجها الطفل وكثيرا ما نهمل في منحها إياه خلال سني حياته الأولى هي الحاجة إلى الاحترام.

يظن الكثير منا أن الطفل لا يفهم معنى الاحترام ولا يشعر به مما يدفعنا إلى سهولة إهانته اللفظية والبدنية ولا نجد أي حرج في ذلك؛ لأنه طفل لا يفهم ولأننا نربيه، ومع الإهمال يظهر أثر هذا الإهمال في شخصية لا تحترم الآخرين ولا تحترم مشاعرهم بالإيذاء اللفظي والبدني.

فنجد الأم تشتكي من أن ابنها يضرب أخواته أو أصحابه.. ويعضهم ويؤذيهم.. يأخذ أشياءهم.. يسبهم.. يتعامل بعنف معهم.

وقد تشتكي من انزواء الطفل وضعفه.. يضربه أصحابه فلا يدافع عن نفسه.. يسبه الآخرون فلا يحرك ساكنا.. ضعيفا بليدا لا مباليا.

وهذه نتائج عدم الاهتمام بمشاعره، وإيذائه المستمر وعدم احترامه فيكون رد فعله شخصية انفعالية منتقمة أو شخصية منزوية تفضل الانعزال حتى لا تتعرض لمزيد من الأذى.

الطفل يحتاج إلى الاحترام أكثر مما يحتاجه الكبير.. لأن الكبير لديه من العقل ما يجعله يتقبل بعض الاهانات البسيطة والتي يعلم أنها غير مقصودة من أحب الناس إليه كوالديه مثلا.. لكن الطفل لا يعلم ذلك؛ لأن عقله لم ينم بعد وبالتالي وقع الإهانات والأذى النفسي قد تكون أكبر من وقعها على الكبير العاقل البالغ.

يحتاج الطفل إلى الاحترام حتى ينشأ إنسانا محترما في ذاته (بفتح الراء) محترما لغيره (بكسر الراء) وذلك عن طريق:

- احترم شخصيته وتفرده عن غيره فلا تقارنه بالآخرين من أقرانه.. أصحابه أو أخوته.. فالمقارنة كما هي مؤذية لك فهي تؤذيه أيضا.

- احترم شخصيته بسلبياتها (القبول): لا تعايره بعيوبه وأخطائه فهو طفل من حقه أن يخطئ كي يتعلم بالتجربة.

- احترم عقله وفهمه للأمور حسب عمره، فلا تسخر من أفكاره وكلماته وأسئلته البسيطة.

- احترم مشاعره وأحاسيسه وتعامل معها بجدية فلا تتجاهل غضبه ولا تقلل من قيمه مشاعره، ولا تهمل فرحته وسعادته.

- احترم لغته وألفاظه وطرق التعبير عن ذاته ولا تهزأ بطريقة نطقه للكلمات أو بأسلوب كلامه كالتهتهة مثلا.

- احترم قدراته وإمكانياته فلا تكلفه مالا يطيق ولا تقلل من حجم ملكاته ومهاراته.

- احترم أشياءه وملابسه ولعبه فلا تتعامل معها وكأنها ملك عام؛ بل استأذنه إن احتجت شيئا منها.

- احترم شكله وملامحه ولا تسخر منها.

- احترم رغباته وحاجياته بأن توافقه عليها وتناقشه فيها ولكن لا تسارع إلى تلبية أي رغبة إلا في حدود المعقول والمقبول.

- احترم علاقاته وأصدقائه فلا تسخر منهم ولا تكن دائم النقد لهم والعيب فيهم.

- احترم مدرسيه ومدربيه الذين يحبهم، فلا تذكرهم أمامه بما يكرهه.

- حاول أن تتعامل مع طفلك كانسان محترم تقدره وتحترمه حتى ينشأ كما تريد.

وإليك بعض السلوكيات المدمرة لاحترام الطفل لنفسه ولك وللآخرين:

- النواهي مع التهديد بدون فهم؛ لماذا هذا منهى عنه.

- الأوامر مع التهديد بدون فهم لماذا هذا مأمور به.

- النقد الهدام والتركيز على الفشل والأخطاء.

- الإهمال لحديثه والانشغال المستمر عنه، وعدم منحه الوقت الكافي للحديث معه.

- العبوس في وجهه بشكل مستمر.

- المقاطعة لفترة طويلة.

- السخرية من شكله أو تصرفاته أو بعض صفاته وكلماته.

- اللمز والتغامز عليه.

- التنابز بالألقاب وإلقاء ألقاب ساخرة أو معيبة عليه.

- الحديث عن أخطائه أمام الناس (الفضيحة).

- الغيبة وذكر أخطائه وعيوبه للناس، وتعريفه أنك قلت عنه هذا.

- السب والشتم والتجريح والتعيير.

- الضرب والصراخ وهو من أبشع الإيذاء النفسي، والذي نتهاون فيهما كثيرا.

التعامل مع الطفل يحتاج قدر كبير من الحساسية للأسف نفتقدها في تعامل الكبار بعضهم مع بعض.. ولكن تأثيرها على الطفل توجد جروحا وندوبا قد تؤثر على التكوين العام لشخصيته.

وكما ترعى الشجيرة الصغيرة بتغذيتها وحمايتها من الأمراض.. لابد أن تعطيها من الفيتامينات والأملاح التي تساعد على نموها.

سلوكيات تساعد الطفل على احترام ذاته، وتعلمه كيف يحترم الآخرين:

- افصل دوما السلوك عن الشخصية: لا تقل أنت مهمل ولكن قل: أنت لا ترتب حجرتك.. لا تتهم الطفل بصفات عامة حتى لا تترسخ في عقله صورة سلبية عن نفسه.

- الطفل غير مسئول عن تحقيق طموحك وتوقعاتك، فلا تكلفه من المذاكرة والاجتهاد ما لا يطيق. فلكل طفل قدرات.

- اعترف باستقلاله وفرديته، فهو ليس صغيرا وليس تافها.

- امنح لكل طفل ما يسعده، واحترم الاختلاف بين أبنائك.

- تقبل اقتراحات ابنك وناقشه فيها: الطفل مبدع يطرح أفكار مبدعة.

- تقبل صداقات الطفل. وناقشه حول المشاكل والأخطاء التي تقابله معهم.

- قارن بين واقع الطفل وماضيه ليس بينه وبين الآخرين: درجاتك الشهر الماضي كانت أفضل من درجاتك هذا الشهر.

- كلف الطفل ببعض المهمات التي تتناسب مع قدراته وشجعه وعلمه. كيفية تنفيذها فإن ذلك يعطيه الثقة في نفسه واحترام ذاته.

وأخيرا تعامل مع طفلك كما تعامل إنسان كبير في احترامه وتقديره حتى يعاملك بنفس الاحترام والتقدير، فما تزرعه ستحصده بعد حين.


المصادر:

دليل الآباء والأُمّهات في تربية الأبناء/ جمال ماضي

الجزيرة

ويب طب

2020/11/29

زره عارفاً بحقه.. ما هو حق الإمام (ع)؟

نقرأ في الروايات الشريفة أن «مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اللهَ فِي عَرْشِه». (كامل الزيارات:١٤٩)، فما هو حق الإمام الحسين عليه السلام الذي ينبغي أن نعرفه.

إن معرفة الامام تتم بواسطة حيثيتين:

1 ـ حيثية أن به الوجود وبه النعمة بل كل ما في الكون به.

2 ـ الحيثية الطريقية وهي انه وسيلة لمعرفة مبدأ الوجود ومنتهاه، وبمعرفته تكون معرفة من منه الوجود متيسرة.

اذا اتضح هذا نقول أنه قد ورد في زيارات الأئمة (عليهم السلام) ما حظي باهتمام بالغ وهي هذه الجملة (عارفا بحقه) أو (عارفاً بحقكم) حيث يستفاد منهما مطلبان:

1 ـ الحق العام وهو حق الامامة الكبرى والولاية العظمة، ولزوم الاعتقاد بأن لك واحد منهم (عليهم السلام) له هذه المنزلة والمكانة الرفيعة.

2 ـ الحق الخاص وهو أن لكل امام حق، ومعرفة الحقيقة الخاصة لكل منهم تتم إما بمعرفة حقه من خلال الوسائط التي أثبتها له الشرع الحنيف كالطهارة والعصمة والعلم، أو من خلال المعرفة المباشرة بحيث تكون هي الدليل المثبت لإمامته كما في الإتيان بالمعجز.

والجامع بين الأمرين هو التسليم والانقياد لهم (عليهم السلام) وإلا فإن المعرفة مجردة عن العمل لا قيمة لها والعكس صحيح، لقوله تعالى (اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فالكلم الطيب فسر بأنه الاعتقاد الصحيح، فإذ اقترن بالعمل الصالح ارتفعا معاً وإلا فمن دون أحدهما يصدق على صاحبه قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) سورة الْكَهْفِ 103 .

قال الشيخ الأنصاري (قدس سره):

ويكفي في معرفة الأئمة صلوات الله عليهم: معرفتهم بنسبهم المعروف والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ويجب الانقياد إليهم والأخذ منهم.

وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان.

وقد ورد في بعض الأخبار: تفسير معرفة حق الإمام (عليه السلام) بمعرفة كونه إماما مفترض الطاعة. (فرائد الأصول ١ / ٥٦٧).


المصدر: مركز الرصد

2020/11/26

’’الشك’’ في الأئمة الاثني عشر!.. كيف نردّه؟

​كيف نرد على من يشكك في روايات النص على الأئمة الاثني عشر بأن أغلبها ضعيفة والصحيح منها لا يفيد العلم واليقين؟!فكيف نعتقد بإمامة من لم تثبت إمامته باليقين؟!

يقول فضيلة الشيخ أحمد سلمان في معرض الردّ:

"هذه مجموعة من الجهالات التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلا عن شخص يدعي الاجتهاد بل الأعلمية".

 وبيان ذلك:

أولا: إنّ دعوى الإمامية أعلى الله برهانهم هو أنّ الروايات التي تذكر الأئمّة الاثني عشر متواترة بمعنى أنّها بلغت من كثرة طرقها وتعدّد أسانيدها حدّا يستحيل معه عادة التواطؤ على الكذب.

ومن المعروف أنّ الحديث المتواتر لا ينظر في وثاقة رجاله ولا يبحث في عدالة رواته بل ذلك شأن الخبر الآحاد الذي هو قسيم المتواتر!

فالمتكلم أجرى أحكام الخبر الآحاد على خبر يدّعى فيه التواتر وهذا خطأ كبير لا يقع فيه مبتدأ!

قال الشهيد الثاني في الرعاية: ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا، أحالت العادة تواطؤهم أي: اتفاقهم على الكذب، واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث يتعدد، بأن يرويه قوم عن قوم، وهكذا إلى الأول فيكون أوله في هذا الوصف كآخره، ووسطه كطرفيه، ليحصل الوصف: وهو استحالة التواطؤ على الكذب، للكثرة في جميع الطبقات المتعددة بل حتّى علماء العامة الذين هم أكثر الناس تشدّدا في الأسانيد ذكروا هذه القضية في كتب علم المصطلح ونصوا عليها:

قال الزبيدي في لقط اللآلي 17: اعلم إنّ الخبر المتواتر إنما ذكره الأصوليون دون المحدثين خلا الخطيب أبا بكر البغدادي فانه ذكره تبعا للمذكورين و إنما لم يذكره المحدثون لأنه لا يكاد يوجد في روايتهم و لا يدخل في صناعتهم...قال ابن أبي الدم في كتاب العناية و قال غيره: لأنه ليس من مباحث علم الإسناد إذ هو يبحث فيه عن صحة الحديث و حسنه أو ضعفه ليعمل به أو يترك منه حيث صفات الرجال و صيغ الأداء و المتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب البحث به من غير بحث لإيجابه اليقين فالعمدة في التواتر الكثرة المفيدة للعلم في كلّ الطبقات لا أحوال الرواة من صدق وكذب!

ثانيا: لم يدّع أحد من الشيعة أن روايات أسماء الأئمة عليهم السلام هي من الكافي فقط، بل مثل هذه الروايات مبثوثة في كتب الطائفة مثل كتاب: كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، الغيبة للنعماني، الغيبة للطوسي وغيرها...

بل ألفت كتب كاملة تكفلت بجمع الروايات التي ذكرت أسماء الأئمة (ع) مثل كتاب (كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر) الذي ذكر فيه عشرات الروايات بهذا المضمون..

وكتاب (مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر) الذي جمع الروايات التي وردت من طرق العامة وذكرت فيها أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام..

ثالثا: لم يدّع أحد من الشيعة أنّ النص على الأئمة موقوف على الروايات التي تذكرهم كلهم بالأسماء، بل إنّ هنالك طوائف أخرى من الروايات يستفاد منها:

-الروايات التي ذكرت النصوص الخاصة على إمامة كل واحد من المعصومين عليهم السلام كالنص الذي يذكر من السابق لتعيين اللاحق..

-الروايات التي ذكرت بعض الأئمة بالأسماء وسكتت عن الباقين كالنصوص التي سمت الأئمة عليهم السلام من أمير المؤمنين إلى الصادق أو الكاظم أو الرضا عليهم السلام...

-الروايات التي ينص فيها بعض الأئمة على إمامة آبائهم وأجدادهم ويذكرون أنّ النبي صلى الله عليه وآله قد نصّ عليهم وعيّنهم بالأسماء.

رابعا: إنّ إثبات إمامة المعصومين عليهم السلام لا يتوقف على النصوص الخاصة الواردة فيهم، فمن يراجع كتب علم الكلام يجد أنّ الأعلام قد استدلوا على إمامة الطاهرين بإجماع الأمة على أعلميّتهم وأفضليتهم على باقي الخلائق بعد تثبيت كبرى قبح إمامة المفضول مع وجود الأفضل.

للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على تليغرام: https://t.me/The12ImamsWeb
2020/11/17

لا يشمل القلوب ’’المريضة’’ .. ما معنى روایة ’’حدیثنا صعب مستصعب...’’؟!

المراد من الحدیث الشریف: "إِنَّ حَدِيثَنَا صَعْبٌ‏ مُسْتَصْعَبٌ‏ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا صُدُورٌ مُنِيرَةٌ أَوْ قُلُوبٌ سَلِيمَةٌ وَ أَخْلَاقٌ حَسَنَةٌ".

هو المقام و الشأن للأئمة علیهم السلام.

كلمة "الحدیث" في هذا الكلام تعني المقامات و الشؤون المتعلقة بالأئمة علیهم السلام و لیس المراد منها "الكلام".

استیعاب مسألة «الولایة» ثقیل و لا یقدر كل أحد علی إدراك أنه من الولي؟ و ما شأنه و مقامه؟ و ماذا یقدر علی أدائه؟ كما أن الكثیر من الكرامات و المعجزات  لاتدرك عند العموم.

قول الإمام الصادق علیه السلام "حدیثنا صعب مستصعب..." یعني من الصعب جدا تحمّل الوصول إلی مرتبتنا و لایقدر أحد أن یصل إلی شأننا و درجاتنا. لا یدرك الناس معاني شأن أهل البیت علیهم السلام عادة. ولإدراك الولایة مراتب ومستویات كما لمعرفة الله عزوجل مراتب و مستویات.

و قوله "ما عرفناك حق معرفتك" یعني الوصول إلی المراتب العالیة من المعرفة. و یذكر الإمام علیه السلام هنا أیضاً أنه لا یتمكن كل أحد من الوصول إلی شؤوننا و من اكتساب معرفتنا.

كما أن الروایات التي ذكر فیها من المعصومین «بنا عُبدالله»: لولا الأئمة عليهم السلام لم یعرف الله معرفة صحیحة. كما نقل عن الأئمة المعصومین علیهم السلام: بنا عُبدالله وبنا وحد الله ولم تكن هدایة إلی الطریق الصواب. هناك بعض لایعتقد بالله عزوجل بوجوده كما یجسمه بعض آخر و هناك بعض یتفوه بخالق الخیر و خالق الشر وهذه كلها خزعبلات وجدت لأجل الانحراف عن الولایة.

من الممكن أن نفهم من الأحادیث المتعلقة بعالم الذرّ و عبائر كـ «من الأصلاب  الشامخة و الأرحام المطهرة» أنّ الأئمة  علیهم السلام كانوا منشأ الهدایة في عالم الذرّ أیضاً. و یصعب إدراك هذه المسائل نوعا إنهم كیف كانوا مناشئ الهدایة و الأثر قبل وجود هذا العالم فلذلك یقول الإمام علیه السلام: "حدیثنا صعب مستصعب..."

و في الحدیث "إدراك هذه المعاني بحاجة إلی تزكیة النفس". الوصول إلی حقیقة مقامهم و الشؤون المتعلقة بهم بحاجة إلی تزكیة النفس. لیس القلوب المریضة من مصادیق مدركي «حدیثنا». فلإدراك "حدیثنا" لابدّ أن یراعي الانسان المسائل الأخلاقیة . لایسوّد قلبه بالذنب و یقوی في نفسه نورالایمان و بهذا یمكنه الرجاء للوصول إلی هذا الكمال.

2020/11/13

مع ميلهم الغرائزي.. الشباب يحبون ’’الدين’’ ولكن!

خصائص التدين عند الشباب

تبرز لدى الإنسان عند دخوله مرحلة الشباب المشاعر الدينية بصورة قوية، ويتجلى ذلك من خلال حب الشباب للدين، والسعي من أجل فهم القضايا الدينية، والتفاعل مع كل ما يرمز إلى الفكر الديني بجدية.

وفي مرحلة الشباب تتفتح وتستيقظ جميع الغرائز عند الإنسان؛ فمن جهة تبرز عند الشباب وبقوة الغرائز والميول المادية، ومن جهة أخرى تبرز وتتفتح لديه الغرائز والميول والرغبات الروحية والمعنوية.

«تكشف تحولات البلوغ الثائرة عن جميع الفطرات الكامنة في وجود الشاب، وتبرز كل الاستعدادات الطبيعية إلى حيز الفعل، فبحلول البلوغ تتفتح في الشاب الرغبات الغريزية من جهة، وتستيقظ فيه الميول الروحية والضمير الأخلاقي من جهة أخرى، وكما أن الدافع الغريزي يحرك الشاب لإرضاء رغباته النفسية، كذلك فإن الدوافع الروحية تحثه على إشباع الميول المعنوية »[1]

ومن الحكمة البالغة أنه تتفتح كل الغرائز المادية والمعنوية في نفس المرحلة وهي مرحلة الشباب بحيث يمكن للشاب أن يحقق توازناً في شخصيته بين ميوله المادية وميوله المعنوية؛ وهذا التوازن بين المادة والروح شيء ضروري لبناء الشخصية المتوازنة والسوية.

أهم الخصائص

يعتبر التدين عند الشباب من أهم العوامل التي تساهم في بناء شخصياتهم بصورة إيجابية؛ إذ يساهم الدين في كبح شهوات الشاب التي تكون في أوج قوتها وعنفوانها في مرحلة الشباب. كما يساهم الدين في تقوية الإرادة، وبناء الثقة بالنفس، ووضوح الهدف، وطمأنينة النفس، وقوة العزيمة.. وهي عناصر أساسية في بناء الشخصية.

ويمكننا أن نحدد أهم خصائص التدين عند الشباب في النقاط التالية:

1- حب الدين:

يميل الشباب إلى حب الدين، والانجذاب نحو القيم الروحية والأخلاقية؛ وذلك بفعل شعور الشباب بالحاجة إلى الدين، كما أن الإنسان مفطور على اعتناق الدين كما قال تعالى مشيراً إلى هذه الحقيقة: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[2] ، فالإنسان مفطور على الانتماء إلى الدين ولكنه قد ينحرف عن تلك الفطرة بفعل عوامل خارجية مؤثرة تدفعه نحو الانحراف والسقوط في هاوية الشهوات والغرائز.

وقد أكد علم النفس الحديث على حب الشباب للدين، يقول (موريس دبس): «إن جميع علماء النفس متفقون على وجود علاقة بين أزمة التكليف وبين القفزة المفاجئة في المشاعر الدينية، في هذه الأوقات يشاهد حدوث نوع من الانبعاث الروحي حتى لدى أولئك الأشخاص الذين لم يكونوا متقيدين بالمسائل الدينية»[3] .

إن حب الدين والانتماء إليه والشعور بالحاجة إليه تبدو عند الشباب بصورة قوية جداً وذلك لوجود «الغريزة الدينية» التي أودعها اللَّه سبحانه وتعالى في شخصية الإنسان. أما ما نلاحظه من انحراف بعض الشباب عن تعاليم الدين وقيمه ومفاهيمه فهو ناتج من اتباع الهوى، وضعف الإرادة مما يجعل بعض الشباب ينساق وراء غرائزه الشهوانية من دون ضوابط ولا قيود. ولكن حتى مثل هؤلاء الشباب سرعان ما يعودون إلى الدين بعد فترة من الطيش الشبابي، لأن الإنسان -أي إنسان- لا يمكنه أن يعيش بسعادة وراحة وصحة من دون دين.

2- الوعي الديني:

في مرحلة الشباب يتشكل ويتبلور وعي الإنسان وفكره في جميع الأمور، ومن أهمها: تبلور الوعي الديني؛ فعادة ما يكون عند الشباب اهتمام واسع وقوي لمعرفة القضايا الدينية، وفهم القيم الروحية والأخلاقية، واستيعابه المعارف الدينية. ففي حين لا يدرك الطفل أبعاد الدين، ولا فلسفة الأحكام الدينية يكون لدى الشاب القدرة على فهم ذلك واستيعابه نتيجة لارتفاع الفهم والإدراك في مرحلة الشباب، ونمو الحس الديني في هذه المرحلة المهمة من حياة الإنسان.

«ويبلغ الميل الفطري للشاب نحو الدين من الشدة بحيث قال عنه علماء النفس: إن هناك علاقة لا يمكن نفيها بين أزمة المراهقة والوثبة الدينية، وحتى أولئك الأطفال الذين يترعرعون في أسر بعيدة عن الدين والإيمان يبدون في مرحلة البلوغ ميلاً أكثر نحو القضايا الدينية.

إن الانتماء إلى الدين هو أحد الرغبات الفطرية البشرية الذي يستيقظ بحلول البلوغ في ضمير الشاب حاله حال غيره من الميول الطبيعية، ويدفعه إلى السعي والتحرك. وللشباب رغبة طبيعية ماسة لفهم القضايا الدينية، ويصغي إلى الأحاديث الإيمانية بكل شوق وعن طيب خاطر»[4] .

ومن أجل بلورة الوعي الديني بصورة صحيحة عند الشباب ينبغي لهم قراءة أمهات الكتب الدينية، ومجالسة أهل العلم والرأي، وعمل حلقات لمناقشة القضايا الدينية بصورة عميقة. كما يجب على العلماء أن يقدموا أجوبة مقنعة على كل الشبهات والردود التي توجه ضد الإسلام والدين، كما يجب أن تقدم مفاهيم الدين وتعاليمه إلى الشباب بصورة عصرية بحيث يُقبل عليها، ويتفاعل معها، ويتأثر بها.

3- الحماس الديني:

ومن أهم خصائص التدين عند الشباب هو الحماس الديني، ويتأثر الحماس الديني بالخصائص الانفعالية للشباب، كما يتخذ أشكالاً مختلفة من العلامات والمظاهر، وقد يكون الحماس بشكل جماعي أو في صورة أفراد.

ومما يجب قوله هنا هو أنه يجب الاستفادة من الحماس الديني عند الشباب في توجيههم نحو مجالات وأفعال الخير والصلاح، وزيادة فاعليتهم العملية والإنتاجية، وتقوية إرادتهم وعزائمهم فيما يخدم قضايا المجتمع والأمة. كما يجب الاستفادة من الحماس الديني عند الشباب بدفعهم نحو الفهم الصحيح لقضايا الدين، والاطلاع الواسع والعميق على مفاهيم الدين. فالشباب عندما يكون متحمساً يكون مهيئاً للتعليم والتربية والإصلاح، وممارسة العمل الديني بجد وإخلاص.

وقد يكون الحماس الديني عند بعض الشباب متوجهاً في الاتجاه السلبي، وذلك عندما يكون الحماس في عنفوانه مع فهم سطحي للدين، وادعاء الحقيقة المطلقة، ورفض الآخر من نفس الدائرة الإسلامية.

ولتلافي ذلك، يجب توجيه الشباب، والاستفادة من الحماس الديني الموجود عندهم في الاتجاه الإيجابي، وإلا قد يتحول إلى حالة من التطرف والغلو في الدين خصوصاً إذا لم يتلقَ الشباب تربية دينية واعية، ولم يوجد من ينمي لديهم الوعي الديني الصحيح.

ولذلك يتحمل العلماء والمصلحون والقادة مسؤولية عظيمة في توجيه الشباب وتربيتهم وإرشادهم نحو قيم وتعاليم الدين، وتنمية الوعي الديني الصحيح، والاستفادة من الاستعداد والتهيؤ النفسي الموجود عند الشباب بدفعهم نحو المزيد من العمل والعطاء والنشاط فيما يخدم المجتمع والأمة والحضارة.


الهوامش:

[1] الشاب بين العقل والعاطفة، محمد تقي فلسفي، مؤسسة البعثة، بيروت، ط.1، 1412هـ -1992م، ج1، ص306.

[2] سورة الروم: 30.

[3]  الشباب في عاصفة الغرائز، همت سهراب بور، دار الهادي، بيروت، ط. 1، 1421هـ - 2001م، ص13.

[4] الشاب بين العقل والعاطفة، محمد تقي فلسفي، ج1، ص309.

2020/11/11

5 طرق لإسعاد ’’الزوج’’.. طبقيها من الآن!

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

تسعى كلّ امرأة إجمالاً إلى إسعاد زوجها وتعزيز شعوره بالأمان والاستقرار معها، وغالباً ما تبحث عن الطرق التي يمكن أن تسهّل عليها هذه المهمّة. فإذا كنت تحتاجين بعض النصائح في هذا السياق، رافقينا في هذا الموضوع حيث سنعرض لك مجموعة منها وندعوك للاستفادة منها وتطبيقها دون تردّد.

أولاً، يعتبر الاحترام والثقة المتبادلين ما بين الزوجين من أكثر الأمور الأساسية لنجاح علاقتهما الزوجية واستقرارها، كما يعززان الشعور بالسعادة والرضا عند الطرفين. لذلك حاولي الحفاظ على هذين العنصرين أثناء تعاملكما مع بعض، ما ينعكس بشكل إيجابيّ جداً خصوصاً على زوجك ويحفّز إحساسه بالسعادة وراحة البال.

ثانياً، تعاملي بشكل رومنسيّ ومتجدّد مع زوجك ولو من وقت إلى آخر، إذ تساهم هذه الخطوة في القضاء على الملل والروتين اللذين قد يسببان فشل العلاقة الزوجية ويحفّزان الزوج إلى الابتعاد أكثر عن شريكته. كما تجعله هذه الخطوة أكثر سعادة وتذكّره بلقاءاتكما الأولى المفعمة بالعاطفة والحبّ الجياش، الذي قد يتلاشى ويفقد رونقه بعد الزواج والانشغال بمسؤوليات الحياة اليومية.

ثالثاً، تفادي تماماً التعامل مع زوجك بعصبيّة زائدة أو اتهامه بشكل عشوائي خصوصاً عندما تواجهان مشاكل بسيطة أو اختلاف في وجهات النظر، إذ يكره الرجال هذه المواقف وغالباً ما تؤثّر سلبياً على نفسيتهم وعلاقتهم بزوجاتهم. لذلك تعاطي معه وناقشيه بهدوء وليونة، ما ينعكس بشكل إيجابيّ جداً على نفسيته ويسهّل عليكما إيجاد الحلول والحفاظ على علاقة مستقرّة وسعيدة.

رابعاً، حافظي على علاقة حميمة مستقرّة مع زوجك إذ يولي أغلب الأزواج أهميّة خاصة لهذه العلاقة، ففي حال حظي الرجل بعلاقة حميمة ناجحة ومتجددة مع زوجته فستزداد سعادته حتماً. لذلك لا تترددي بمناقشة أيّة مشاكل قد تواجهانها في هذا السياق بغية تخطيها بسرعة وسلاسة.

خامساً، تجنّبي قدر المستطاع مقارنة علاقتك الزوجية بعلاقات صديقاتك أو الأشخاص المحيطين بكما، إذ غالباً ماتزعج هذه النقطة الزوج وتسبب الخلافات ما بين الطرفين. لذلك حاولي خلق أجواء إيجابيّة لك ولزوجك والاستفادة من الفرص والإمكانيات المتاحة لكما بعيداً عن المقارنة أو التذمّر، ما سيعزز سعادته وراحة باله بشكل ملحوظ وينعكس إيجابياً على علاقتكما.

 

2020/11/09

بالأدلة والشواهد: أهل البيت (ع) «علماء أبرار» أم «معصومون أطهار»؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]

صدق الله العلي العظيم

الصدق هو عبارة عن تطابق القول والسلوك والمعتقد، فمن طابق قولُه فعلَه وطابق فعلُه معتقدَه فهو الشخصية الصادقة، فهو لا يقول إلا ما يفعل، ولا يفعل إلا ما يعتقد، وبذلك فهو يعيش الصدق في كلّ زاوياه وأنحائه، لذلك نرى القرآن الكريم عندما يعرّف الشخصية الصادقة يقول: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177]، الصدق مجموعة عناصر، (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)، الصدق ليس مسألة شكلية طقسية حتى أتجه للمشرق أو المغرب، الصدق ليس شكلًا ولا طقسًا، العنصر الأول: الإيمان، (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ، العنصر الثاني: العطاء والبذل (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ)، والعنصر الثالث: العبادة (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)، والعنصر الرابع: المبدأ والالتزام (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)، والعنصر الخامس: الصبر (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

صدق ظاهري وآخر واقعي

الصدق على نوعين: صدق ظاهري وصدق واقعي، الصدق الظاهري أن تكون صادقًا في تعاملك مع الناس، لا يرى منك الناس إلا الصفحة البيضاء، حيث إن تعاملك معهم خال من الكذب والغش والنفاق، كما ورد عن الرسول : ”بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهدًا ويأكله غائبًا“، عندما تتعامل مع الناس بوجه واحد فأنت تمتلك الصدق الظاهري، وأما الصدق الواقعي فهو أن تكون صادقًا مع نفسك حتى لو لم يكن هناك مجتمع، هل أنت صادق مع نفسك؟ هل عملك لله؟ ربما تعمل أشياء كثيرة أمام الناس بهدف الشهرة والتفوق والبروز، المهم عملك بينك وبين الله، هذا هو الصدق الواقعي، هل عملك لله؟ (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[الأنعام: 79]، إذا كنت صادقًا في السر بينك وبين الله بأن يكون عملك لله فهذا هو الصدق الواقعي، (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[القيامة: 14 - 15].

الصدق درجات: أولها صدق القول، وأعلاها درجة العصمة، فإن العصمة هي أعلى درجات الصدق، ومن هنا ننطلق في الحديث حول محورين يتعلقان بمبدأ العصمة:

المحور الأول: العصمة برؤية تحليلية وقرآنية

ما هي العصمة بحسب الرؤية التحليلية والقرآنية؟ هناك فرقٌ بين التسديد والعصمة، التسديد شيء والعصمة شيء آخر، التسديد عامل خارجي، العصمة عامل داخلي، التسديد يقول عنه تبارك وتعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا)[الجن: 26 - 28]، هذا تسديد، هذا ليس جبرًا، الرسول ليس مجبورًا، لكن هناك رقابة حوله، هناك عيون حوله من قبل الملائكة، هذا الرصد الذي يراقب الرسول ويرصده تسديدٌ من قبل الله، هذا غير العصمة، هذا التسديد هو الذي يقول عنه تبارك وتعالى: (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)[البقرة: 253] إشارة إلى عيسى بن مريم، وهو الذي يقول عنه تبارك وتعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)[الإسراء: 74]، هذا تسديد، هذا عامل خارجي، لكن ما هو العامل الداخلي؟ ما هو العامل الذي يعيش المعصوم في داخله ونسميه بمبدأ العصمة وبمعتقد العصمة؟ العصمة تتقوم بثلاثة عناصر: العلم الحضوري، وحضور العقل مع قوة الالتفات، وطهارة السلوك.

العنصر الأول: العلم الحضوري

العلم نوعان: حصولي وحضوري، ما هو الفرق بين علمي بك وعلمي بنفسي؟ هل علمي بنفسي مثل علمي بك؟ لا، علمي بك علم حصولي، أنا لا أعلم بك إلا عن طريق صورة، صورتك ترتسم في ذهني، إذا غبت عني أتذكر صورتك، أعلم بك عن طريق صورة ترتسم في ذهني، هذا يسمى علمًا حصوليًا، وأما العلم بنفسي، أنا أعلم بنفسي بلا صورة، نفسي حاضرة، لا يحتاج إلى وساطة صورة بيني وبين نفسي، علمي بنفسي، علمي بأفكاري، علمي بمشاعري، كله علم حضوري، لأن نفسي وأفكارها ومشاعرها حاضرة عندي بلا حاجة على وساطة صورة، هذا يسمى علمًا حضوريًا، العلم الحضوري أقوى من العلم الحصولي.

العصمة من العلم الحضوري

العصمة من العلم الحضوري، كيف؟ نحن والمعصوم نشترك في العلم بالفضيلة وقبح الرذيلة، أنا أعلم بجمال الفضيلة وأعلم بقبح الرذيلة، المعصوم أيضًا يعلم بجمال الفضيلة ويعلم بقبح الرذيلة، ما هو الفرق بيننا؟ علمي بجمال الفضيلة وقبح الرذيلة علم حصولي، صورة عندي للفضيلة والرذيلة، إذا قيل ما الفضيلة؟ تذكرت صورة معينة، وإذا قيل ما الرذيلة؟ تذكرت صورة معينة، علمي بجمال الفضيلة وقبح الرذيلة علم حصولي عبر صورة من الصور، لذلك هذا العلم لا يحثني على الفضيلة، هو مجرد علم، لا يبعثني نحو الفضيلة ولا يزجرني عن الرذيلة، لأنه مجرد صورة مرتسمة في دماغي.

وأما علم المعصوم بجمال الفضيلة وقبح الرذيلة فهو علم حضوري، يعني جمال الفضيلة حاضر في قلبه وقبح الرذيلة حاضر في قلبه، يشعر بلذة الفضيلة وبألم الرذيلة شعورًا وجدانيًا، أنت الآن بينك وبين نفسك تشعر بلذة حنان أبويك، تشعر بحب أبويك، شعورك بحنان أبويك ليس علمًا حصوليًا بل هو علم حضوري، شعورك بقبح القذارة، أنت تشمئز من البول والدم والقيح، هذا الاشمئزاز علم حضوري، علمك بحب أبويك لك علم حضوري، لأنه وصل إلى مستوى الشعور والوجدان، علمك بقبح القذارات علم حضوري لأنه وصل إلى مستوى الشعور والوجدان، هكذا العلم الحضوري عند المعصوم، هو يشعر في داخل وجدانه بلذة الفضيلة فينبعث إليها، هو يشعر في عمق وجدانه بقبح الرذيلة فيشمئز منها وينصرف عنها، هو يعيش لذة الطاعة وألم المعصية، لذلك ينبعث بشكل عفوي تلقائي نحو الطاعة، ينصرف بشكل أوتوماتيكي عن المعصية، علم المعصوم علم حضوري، وهذا هو منشأ العصمة، وهو العنصر الأول من عناصر العصمة.

هذا العلم يقول عنه القرآن الكريم: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النساء: 113]، ثلاثة أشياء: كتاب، حكمة، وعلم، ما هو هذا الشيء الثالث؟ علم الكتاب واضح، أنزل عليك الكتاب، الحكمة واضح، هي القيم والمبادئ، ما هو هذا الشيء الثالث الذي أنزله الله وعلمه النبي (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)؟ العلم الثالث هو العلم الحضوري الذي عطّر الله به قلب نبيه محمّد. في آية أخرى يقول تبارك وتعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24]، وصلوا إلى درجة اليقين، والوصول إلى درجة اليقين يعني العلم الحضوري، وصلوا إلى درجة اليقين فاستحقوا الإمامة.

إذاً.. هل المعصوم مجبور؟!

قد يسأل سائل: هل المعصوم لا يستطيع أن يعصي الله؟ هل هو مجبور على فعل الطاعة وترك المعصية؟ لا، ليس مجبورًا، القرآن يقول: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة: 44 - 46]، ويقول القرآن الكريم: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر: 65]، هو ليس مجبورًا، كيف؟ هناك فرقٌ بين الإمكان الذاتي والإمكان الوقوعي، أنت هل يمكنك أن تشرب ملعقة بول؟! يمكن، يمكن للإنسان أن يشرب فنجان بول أو فنجان دم أو فنجان قيح، هذا يسمى إمكانًا ذاتيًا، لكن هذا الممكن ذاتًا لا يتحقق وقوعًا، هناك إمكان ذاتي لكن ليس هناك إمكان وقوعي، بمعنى أن الإنسان حالة حضور عقله وحال حضور التفاته لا يتناول القاذورات، ما دام عاقلًا ملتفتًا لا يتناول القاذورات، يمكن أن يتناول لكنه لا يتناول لحضور عقله وقوة التفاته، إذن أنت معصوم أيضًا عن أكل القاذورات، لأنك تنصرف عن أكل القاذورات لعلمك بقذارتها فتنصرف عنها باختيارك، وتشعر باشمئزاز تجاهها مع أنك قادر على فعلك.

نفس القضية في المعصوم، المعصوم عندما يواجه المعصية كما تواجه أنت القذارات تمامًا، بإمكانه أن يفعل المعصية، الإمكان الذاتي موجود، لكن بحسب الإمكان الوقوعي لا تتحقق منه المعصية لحضور عقله وقوة التفاته وشعوره الوجداني بقذارة المعصية وقبحها، فينصرف عنها باختياره وإرادته.

العنصر الثاني: حضور العقل

المعصوم لا يغيب وعيه، بل هو حاضر الوعي، ربما يقول قائل: هذا غير معقول، كيف لا يغيب وعيه؟! ألا يخطئ؟! ألا ينسى؟! دائمًا حاضر العقل والالتفات والوعي، يعيش حضورًا في وعيه وعقله والتفاته، هذا عنصر مهم، ولذلك المعصوم لا يخطئ ولا ينسى، قد يقول قائل هل هذا معقول لإنسان؟! هو بشر بالنتيجة، (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) [الكهف: 110]، مقتضى أنه بشر أن يخطئ وينسى ويسهو ويلهو! نقول: لا، حضور الوعي عنصر مقوم للعصمة، ألا يغفل ولا يخطئ ولا ينسى، أنت بشكل وجداني ترى هذا، مثلًا إنسان درّس الرياضيات ثلاثين سنة، خبر الرياضيات أولها وآخرها، أصبح الرياضيات مثل العجينة بيده، حينئذ لا يخطئ، نتيجة لسيطرة عقله وخبرته على الرياضيات تصبح الرياضيات كماء يشربه، لا تغيب الرياضيات عن وعيه ولا يخطئ فيها ولا يغفل عن مسائلها أبدًا، هذا إنسان يمتلك عصمة عقلية في الرياضيات. أو مثلًا امتحان في الفيزياء بقي عليه شهر، أنت الآن وضعت رأسك في الفيزياء يوميًا، ضبطت المادة كلها، استوعبت المادة كلها، أصبحت المادة حاضرة في عقلك بتمامها، تدخل قاعة الامتحان، من المستحيل أن تخطئ أو أن تنسى، إذا كانت المادة حاضرة في ذهنك لن تخطئ، لن تنسى، لن تغفل، لأنها أمامك كأنها في شاشة.

إذن، حضور العقل، حضور الالتفات عنصر مقوّم لمبدأ العصمة، وقد أشار إلى هذا العنصر القرآن الكريم في قوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)[النساء: 41]، الرسول شهيد، هل الشهيد يخطئ؟! إذا يخطئ فإن الشهادة تكون خاطئة، الرسول شهيد على الأمة، والشهادة حتى تكون مقبولة لا بد ألا يكون فيها خطأ ولا نسيان ولا غفلة ولا ارتباك، بل تكون مطابقة للواقع حتى تكون شهادة واقعية، إذن قول القرآن: (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) يعني أن لك شهادة هي عبارة عن عصمتك العقلية، حيث لا تخطئ ولا تغفل ولا تسهو، ولذلك شهادته مقبولة. ورد عن الإمام الصادق : ”إن الله جعل مع النبي محمد  روح القدس، لا يغفل ولا ينام ولا يسهو ولا يلهو“.

العنصر الثالث: طهارة السلوك

من ملك العلم الحضوري وملك حضور العقل وقوة الالتفات من الطبيعي أن يصل إلى الدرجة الثالثة، وهي طهارة السلوك، سلوكه نقي وطاهر، العصمة هي طهارة السلوك ونقاء العمل استنادًا إلى العلم الحضوري واستنادًا إلى حضور العقل، هذه الطهارة السلوكية يعبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب: 33]، ويقول القرآن الكريم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ)[الأنبياء: 73]، دائمًا يفعلون الخيرات.

المحور الثاني: مساحة العصمة في ميدان الحياة

الباحث الإيراني محسن كديور له نظرية في كتاب مطبوع يسمّى «القراءة المنسية»، ما هي القراءة المنسية؟ يقول: الإمامة لها قراءتان: القراءة السائدة بين الشيعة في الزمن الحاضر، والقراءة المنسية، أما القراءة السائدة للإمامة في الزمن الحاضر فهي تعني أن الإمامة تعني ثلاثة أركان: النص، الإمام من يكون منصوصًا عليه بالإمامة، وثانيًا العصمة، من يكون معصومًا عصمة مطلقة، وثالثًا: من له الولاية على التكوين، فهو مصدر المعاجز والكرامات، الإمامة في العقل الشيعي في زماننا هذا تعني هذه الأركان الثلاثة، النص والعصمة والولاية، هذه تسمى القراءة السائدة.

وأما القراءة المنسية فيقول محسن كديور: من زمن الأئمة إلى القرن الثالث والرابع كان معنى الإمامة غير هذا الإمامة، كان للإمامة قراءة غير هذه القراءة، نسى الشيعة تلك القراءة واعتقدوا بهذه القراءة، ما هي القراءة التي نُسِيَت وكانت هذا السادة الشائعة في زمن الأئمة إلى القرن الثالث والرابع، يعني إلى الغيبة الصغرى؟ القراءة المنسية هي أن الأئمة علماء أبرار، الأئمة من علي إلى العسكري علماء أبرار، هم أفهم الناس بالقرآن والسنة، هم رواياتهم أوثق الروايات، ولذلك وجب اتباعهم، لا نص ولا عصمة ولا ولاية تكوينية، كل هذه نشأت في الأخير، الإمامة إلى القرن الرابع تعني أن هؤلاء علماء مثل غيرهم من العلماء، أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي كان عالمًا، مالك أيضًا كان عالمًا وهو إمام المذهب المالكي، وهكذا هم أهل البيت، علماء أبرار أتقياء، وجب اتباعهم لأنهم الأعرف بالقرآن والسنة، والأخذ برواياتهم لأنهم الأوثق، لا أكثر من هذا.

هذه القراءة نُسِيَت واعتقد الشيعة بقراءة أخرى، وهذه القراءة التي اعتقد بها الشيعة في أزمنتنا الحاضرة من أين جاءت للشيعة؟ إذا كان الشيعة إلى القرن الثالث والرابع هم معتقدون على أن أهل البيت علماء، فمن أين جاءت هذه القراءة الأخرى؟! أنهم منصوص عليهم وأنهم معصومون وأنهم ولاية ومعاجز، من أين كل ذلك؟! يقول: بعد القرن الرابع اقترن التصوف بالتشيع، التصوف غزا التشيع، نتيجة غزو التصوف للتشيع تأثر التشيع بنظريات المتصوفة، ومنها: نظرية الإنسان الكامل، أن هناك إنسانًا كاملًا في كل شيء، وتأثرًا بهذه النظرية - وهي نظرية الإنسان الكامل - ابتكر الشيعة وعلماؤهم في العصور المتأخرة مفهومًا للإمامة ينسجم مع نظرية الإنسان الكامل، الإنسان المعصوم عصمة مطلقة، الإنسان صاحب الولاية التكوينية، الإنسان المنصوص عليه بالإمامة، كل هذا انطلق من نظرية صوفية وهي نظرية الإنسان الكامل، ولذلك ينبغي للشيعة أن يرجعوا للقراءة الأولى الأصيلة، أنهم علماء كسائر العلماء.

نحن نذكر بعض الملاحظات، لأن مناقشة النظرية بتمام تفاصيلها تحتاج إلى وقت أكثر، نحن نقدم بعض الملاحظات لنربطها بمبدأ العصمة الذي هو حديثنا.

الملاحظة الأولى: الإنسان الكامل حقيقة قرآنية

إن مبدأ الإنسان الكامل ليس نظرية صوفية بل حقيقة قرآنية، القرآن طرح عنوان الإنسان الكامل، القرآن الكريم هو الذي طرح مفهوم الإنسان الكامل، وليس نظرية صوفية، القرآن الكريم عندما يتحدث عن عيسى بن مريم يقول: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)[النساء: 171]، كلمة الله، روح الله، ثم يقول عنه في آية أخرى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)[آل عمران: 49] يعني ولاية تكوينية، القرآن الكريم يقول في حق موسى بن عمران: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه: 40 - 41]، ويقول في آية أخرى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [طه: 39]، أي كمال أعظم من هذا؟! إنسان يُصْنَع بعين الله، يصطفيه الله لنفسه، القرآن يقول: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) [ص: 45] يعني عندهم أيد وأبصار؟! لا، اليد كناية عن العطاء والأبصار كناية عن بصيرة القلب، (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ)[ص: 46 - 47] أخلصناهم من كل شيء، (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 82 - 83].

الملاحظة الثانية: عدم استناد الإمامة على نظرية الإنسان الكامل

عندما نرجع إلى علمائنا الذين تناولوا بحث الإمامة، هل فعلًا انطلقوا من نظرية الإنسان الكامل وعرّفوا الإمامة بأنها عبارة عن الكمال الإنساني؟ صحيح أن الإمام هو إنسان كامل، لكن هل هذا هو تعريف الإمامة؟ هل هذا هو منطلق الإمامة؟ لا، راجع كتب علمائنا، المفيد في كتاب الإفصاح، المرتضى في كتاب الذخيرة، ربما يقول قائل: هؤلاء من القرن الرابع؟! طبعًا هؤلاء من القرن الخامس، نأتي إلى المحقق الحلي من القرون المتأخرة في كتابه المسلك في أصول الدين، نأتي إلى العلامة الحلي في كتابه الألفين، في كتابه معارج الفهم، نأتي إلى المقداد السيوري في كتابه الاعتماد، كل هؤلاء علماؤنا عندما تناولوا بحث الإمامة لم ينطلقوا من نظرية الإنسان الكامل، وإنما عرّفوا الإمامة بقولهم: الإمامة هي الرئاسة في أمور الدين والدنيا، فمن أين أن التشيّع اقترن بالتصوّف واكتب النظرية وعرّف الإمامة بها؟!

الملاحظة الثالثة: قصور شواهد النظرية عن إثبات المدّعى

كديور استقرأ بعض الروايات واستشم منها أن صحابة الأئمة ما كانوا يعتقدون أن الأئمة بهذه الضخامة، وأخذ بعض العبارات من علمائنا استكشف منها أنهم لا يعتقدون بأن الأئمة بهذه الضخامة التي نتعقد بها في زماننا الحاضر، أنا لا أريد أن أذكر الشواهد، تستطيع الرجوع إلى كتابه، إنما ما أتى به استقراء ناقص، لم يستوعب تاريخ أهل البيت، لم يستوعب مجوع روايات أهل البيت، لم يستوعب مجموع كلمات علمائنا، بنى النظرية على استيحاء من استقراء ناقص، لو فرضنا أن هذا الاستقراء تام فماذا يثبت هذا الاستقراء؟ يثبت عدم وضوح العصمة لا عدم ثبوت العصمة، لا بد من أن نفرّق بين هذين العنوانين، العصمة ما كانت واضحة لبعض أصحاب الأئمة، لا أن العصمة لم تكن ثابتة، هذه الشواهد لا تنفي ثبوت العصمة، وإنما لو تمّت تنفي وضوح العصمة، وفرقٌ بين عدم وضوح العصمة وبين عدم ثبوت العصمة، لا يقع خلطٌ بين الأمرين.

الملاحظة الرابعة: مخالفة هذه النظرية للمنهج العلمي

أنت عندما تريد أن تؤسّس نظرية، فما هو المنهج العلمي؟ أنت أمامك نظرية أخرى موجودة عند الشيعة يقول بها علماؤهم وعوامّهم، كلهم يقولون بهذه النظرية، أنت الآن تريد أن تصل إلى نظرية أخرى، المنهج العلمي يفرض عليك أن تقرأ أدلتهم للنظرية الأولى، وتبحثها بحثًا كلاميًا عقليًا، وتبيّن ضعفها والخدشة فيها، لكي تنتقل إلى النظرية البديلة، لأن النظرية الأولى ناقشتها وناقشت أدلتها واتضح بطلانها، فانتقلت بشكل علمي إلى النظرية الثانية، وهذا لم يحصل من قِبَل الباحث محسن كديور، كتب علم الكلام عندنا من زمان المفيد إلى زمان الخوئي، كلهم كتبوا في الإمامة، كلهم بحثوا في العصمة، كلهم طرحوا الأدلة والبراهين بشكل دقيق مفصّل، الذي يريد أن يطرح نظرية أخرى مقتضى المنهج العلمي أن يقرأ هذه الكتب الكلامية ويستعرض أدلتها ويناقش براهينها، ثم يثبت بطلانها ثم ينتقل إلى النظرية البديلة، أما أن يعرض عن كل هذا العلم المسمّى بعلم الكلام، ويطرح نظرية بديلة لمجرّد استقراء تاريخي، فهذا ليس منهجًا علميًا في اختيار النظرية وفي طرحها وتحريرها.

لذلك، أي باحث تسمع أنه يقول أنا لا أؤمن بالعصمة المطلقة! لماذا؟! هل استقرأت كتب علم الكلام؟! هل ناقشت أدلة علمائنا؟! هل عرفت بطلانها إلى أن وصلت إلى هذا الرأي المختار لديك، وهو أنك لا تؤمن بالعصمة المطلقة؟! المنهج العلمي يرفض مثل هذه الدعاوى ما لم تستند إلى مناقشات علمية في إطار علم الكلام وفي ضوء علم الكلام.

من هنا نحن ننطلق إلى ثلاثة أدلة على العصمة المطلقة، ما معنى العصمة المطلقة؟ الرسول الأعظم محمد معصومٌ في تلقي الوحي، معصومٌ في تبليغ الوحي، معصومٌ في تطبيق الوحي، معصومٌ في تعاملاته مع الناس، هذا معنى العصمة المطلقة، لا يخطئ وهو يتلقى الوحي، لا يخطئ وهو يبلّغ الوحي، لا يخطئ وهو يطبّق الوحي، لا يخطئ في تعامله مع زوجته، في تعامله مع جاره، في تعامله مع الناس في السوق، في إدارته لحياته الخاصة، في إدارته لحياته العامة، معصومٌ في تمام جهاته، هذا معنى العصمة المطلقة. الإمام كالنبي معصومٌ عصمةً مطلقةً، لماذا؟ ربما يقول قائل: لا داعي لذلك، هو معصومٌ في تبليغ الوحي، فلماذا هو معصومٌ أيضًا في تعامله مع زوجته وفي تعامله مع جاره وفي إدارته لشؤون الحياة؟! ما هو الداعي لأن يكون معصومًا في هذه الأمور؟! عندنا ثلاثة أدلة:

الدليل الأول: عدم قابلية العلم الحضوري للتجزئة

لقد ذكرنا أن العصمة هي عبارة عن العلم الحضوري، فهل العلم الحضوري يقبل التقسيم والتجزئة؟ حتى نقول: من هذه الجهة عنده علم حضوري، ومن تلك الجهة ليس عنده علم حضوري! العلم الحضوري لا يقبل التجزئة والتقسيم عقلًا، الفلاسفة يقولون: فرقٌ بين الكم والكيف، الذي يقبل التقسيم هو الكم، وأما الكيف فلا يقبل التقسيم، الكم يقبل التقسيم، أرض تقسمها إلى نصفين، كتاب تقسمه إلى نصفين، معلومات تقسمها إلى نوعين، الكم يقبل التقسيم، وأما الكيف فلا يقبل التقسيم، كيف؟

إنسان عنده ملكة الشجاعة والجرأة، إذا عنده هذه الملكة فهل الملكة تقبل التقسيم؟! تقول: والله هذا إنسان جريء عندما يواجه أعداءه، ولكنه جبان عندما يواجه الوزغة والذبابة!! الشجاعة لا تقبل التقسيم، وكما يقول الشاعر:

وفي الهيجاء ما جرّبت نفسي              ولكن   في  الهزيمة  كالغزالِ

لا يمكن أن يكون شجاعًا جريئًا في مواجهة الأعداء ولكنه جبان أمام الزهيوي - بتعبير الكويتيين - أو أمام الذبابة أو الوزغة أو الفأر! لا يمكن هذا، الشجاعة من مقولة الكيف، والكيف لا يقبل التقسيم. إنسان عنده ملكة الكرم، نقول: والله كريم مع أصدقائه وجيرانه لكنه بخيل على أولاده! هذا ليس كريمًا، الكرم لا يقبل التقسيم.

كذلك العصمة من مقولة الكيف، والكيف لا يقبل التقسيم، فلا معنى لأن يكون معصومًا في جهة وليس معصومًا في جهة، إما عقله حاضر، مقتضى حضور عقله ألا يخطئ في تعامله مع زوجته ولا في تلقي الوحي، أو عقله غير حاضر، أما أن يكون هناك تقسيم وتصنيف وتنويع فهذا يتنافى مع كون العصمة من العلم الحضوري، يعني من مقولة الكيف.

الدليل الثاني: الوثوق فرع العصمة

لو لم يكن الإمام معصومًا حتى في الموضوعات الخارجية لما حصل الوثوق بشخصيته، وإذا انتفى الوثوق بشخصيته انتفى الهدف من نصبه إمامًا، إذا لم نؤمن بأن النبي معصوم في علاقته مع زوجته أو في تعامله مع جاره، يمكن أن يخطئ، فمن الذي يضمن لنا أنه لا يخطئ في الأمور التشريعية؟! ما دام يخطئ هنا فمن المحتمل أن يخطئ هناك، ما الذي يضمن لنا أنه إذا نزل عليه جبرئيل لا يخطئ؟! لعل النازل عليه شيطانٌ من الجن، وهو ظنه جبرئيل، وأخذ منه المعلومات، وأوصلها إلينا وقال هذه وحي!! ما دام قد يخطئ في تعامله مع زوجته، ما دام قد يخطئ في تعامله مع الناس في السوق، إذن من الممكن أن يخطئ فيتصوّر أنّ من يحدّثه جبرئيل والحال أن من يحدّثه شيطان من شياطين الجن، فما الذي يضمن لنا أنه صادق في أن من يحدّثه جبرئيل؟!

النبي حجّ حجة الوداع، وجاء ووقف مع الناس في عرفة، قال: أيها الناس هذه عرفة وقفوا بها، وقف الناس معه في عرفة، من الذي يضمن لنا أنه لم يكن مخطئًا؟! لعله وقف في أرض غير أرض عرفة، لعله لم يشخّص المكان تشخيصًا صحيحًا، من الذي يضمن لنا أن تشخيصه صحيح ما دام قد يخطئ في الأمور الأخرى؟!

 

نأتي إلى الإدارة، قال للجيش: لا تنزل إلى الميدان، ابقَ على الجبل، يوم أحد قال للرماة: لا تنزلوا للميدان، ابقوا على رأس الجبل، هذا ليس أمرًا تشريعيًا، بل هو أمر إداري من الجائز أن يخطئ فيه! ما الذي يفرز لنا هذا عن هذا؟! كيف نعرف أنّ قوله صلوا كما رأيتموني أصلي تشريعٌ بينما قوله للرماة يوم أحد ابقوا على الجبل ليس تشريعًا، ما الذي يفرز الأول عن الثاني؟! هو لا بد من أن يفرز، وإلا نحن لا نعلم، هو أتى وفرز لنا، قال: الأول تشريع والثاني إدارة وليس تشريعًا، لعله أخطأ في فرزه، فلم نضمن ما هو تشريع مما هو إدارة، لم نضمن ما هو تشريع مما هو فعل شخصي خارجي له، لأنه لا طريق إلى الفرز إلا هو، ولعله أخطأ في الفرز، إذن هذه المسألة سوف تمتد، متى ما جوّزنا عليه الخطأ في أفعاله الخارجية جاز عليه الخطأ في الأمور التشريعية، وإذا جاز عليه الخطأ لم يحصل الوثوق به، وإذا لم يحصل الوثوق به لم تنقد الناس إليه، وإذا لم تنقد الناس إليه سقط الهدف من بعثته، فإن الهدف من بعثته هداية الناس، والهداية تتوقف على الوثوق، والوثوق لا يحصل إلا مع ضمان عدم خطئه في تمام أموره، يعني إلا مع الاعتقاد بعصمته المطلقة.

الدليل الثالث: قاعدة اللطف

يقول علماء الكلام: مقتضى قاعدة اللطف أن يرسل الله لنا دينًا، المجتمع البشري يحتاج إلى الدين، والله يعلم بحاجتهم، وهو قادرٌ على تلبيتها، فمقتضى علمه بحاجة المجتمع البشري للدين وقدرته على تنفيذ الحاجة أن يعطي المجتمع البشري الدين، هذا يسمّى اللطف، اللطف واجبٌ على الله، مقتضى لطفه أن يبعث لنا دينًا، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)[الحديد: 25]، نفس القاعدة نطبّقها على الإمام، كما أن البشرية تحتاج إلى دين فإنها تحتاج إلى قدوة، وكما أن البشرية تحتاج إلى نظام فإنها تحتاج إلى قدوة ومنار يشكّل الكمال المطلق في كلّ شيء، قد يقتدي به الناس في كلّ الزوايا وفي كلّ الكمالات وفي كلّ المجالات، فكما أن هناك حاجة بشرية للدين ولذلك أرسل الله لنا دينًا، كذلك هناك حاجة بشرية للقدوة، وهي الإنسان الذي يعيش الكمال المطلق، ليكون قدوة في كل نواحي الحياة، فكما وجب على الله أن يرسل دينًا وجب عليه أن ينصب رسلًا وأئمة يشكلون القدوة المطلقة، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21].

2020/10/20

السكن المنفرد: لم يكن حلاً للخلافات الزوجية

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»
كتبت حنين الربيعي:

الزواج أهم مؤسسة في المجتمع كونها البذرة الرئيسة فهي من تشكل إفراده عن طريق بناء الاسرة، ولكي يكون المجتمع متقدما يجب ان تكون العلاقات الزوجية المنتج للأسر علاقات ناجحة، وذلك بأن تبنى على اساس التعاون والتوافق الفكري والتكافؤ بين الطرفين وليس فقط الحب رغم الجمعاء على وجوده بين الزوجين!، كذلك يعد السكن المنفرد في الزواج شيئا مهما، لكن ما قيمته اذا كان بين اربعة جدار مع شخص يسخر من طموحاتك، ويهزأ بما تؤمن، ما قيمة الزواج والحب حين ينعدم الاهتمام وما قيمة الزواج اذا لم يتحلى بالصبر وتنجب الخلافات الزوجية قد المستطاع، الحياة الزوجية السعيدة لم تخلق بالسكن المنفرد وانما بالصبر والتكاتف والمسؤولية التكاملية بين الزوجين يصنع النجاح المبتغى.

الكثير من الناس يفهمون بيت الطاعة (المسكن الشرعي) بالصورة غير صحيحة ومفهومه مختلفاً من الناحية القانونية، أذ يعرف بيت الطاعة، المسكن الشرعي هو عنصر من عناصر النفقة التي اقرها قانون الأحوال الشخصية في المادة ٢٤ أ. ش، اما دعوى المطاوعة، هي دعوى يقيمها الزوج لإرجاع زوجته عند حدوث خلاف بينهم في المحكمة.

ويضع المختصون بالشأن القانوني مجموعة من الشروط لبيت الطاعة وكما يأتي:

١/ان يكون ملائماً لحالة الزوجين المالية ومكانتهم الاجتماعية.

٢/ يجب ان يشتمل كل ما يلزم السكن من أثاث وفراش ومواد منزلية (اي ليس الاثاث الذي تم الزواج عليه) ويكون الاثاث ملكاً للزوج، ولم يمنع القانون اذا كان البيت ايجار لكن يجب ان يكون عقد الايجار بأسم الزوج.

٣/ يجب ان يكون خالياً من سكن الغير.

٤/ يجب ان يكون في مكان مؤنس تأمن فيه الزوجة على نفسها وشرفها ودينها.

يعد بيت الطاعة حلاً للكثير من الخلافات الزوجية، لكنه ليس كل حل نهايته سعيدة بالأصل السعادة لم تكن وتخلق في مسكن منفرد وانما تنبع من حب فطري ونقي مع شخص تم اختياره لإكمال الدين معه حب لم تهدمه مشاكل عائلية، علاقة زوجية يسودها الصبر والتضحيات من الطرفين.

نعم جميعاً ندرك ان المسكن الشرعي حق شرعي وقانوني ومن حق كل زوجة ان تستقل ببيت يليق بها وايضاً يعد في صالح الطرفين، لكنه في نفس الوقت هناك الكثير من الحالات ادت الى الطلاق بسبب عدم تمكن الزوج من توفير المسكن حسب الشروط المنصوص عليها في الشرع والقانون نحن في مجتمع تسوده صعوبة العيش لدى اغلب الرجال، فرفقاً يا حواء بــ ادم حتى وان كان حقكِ شرعاً وقانوناً لكن يجب ان تسندي زوجكِ لكي يتوفر هذا المسكن بعيداً عن الخلافات وحتى ان كانت هناك خلافات فالبيوت اسرار لم يخلو اي بيت من سوء الفهم والمشاكل ولكن المرأة القوية الصبورة من تحتوي هذه الخلافات وتتحلى بالصبر والهدوء لان الرجال في وقت الغضب يشتعلون كالنار والنار لم يطفأها الا ان تعاملنا معها بهدوء وبرود وادراك.

موقف القانون

ذكر القانون في المادة ٢٤ أ. ش السكن ويجب ان يكون سكن يلائم حياة الزوجين ومستقلاً، لكن هناك أمور أخرى تترتب على الزوجة عند امتناعها من الانتقال الى بيت زوجها ويترتب على ذلك اثأر معينة، فتسقط نفقتها المستمرة أضافة الى ذلك يستطيع الزوج عند اكتساب الحكم الدرجة القطعية من ان يجعل زوجته ناشزا.

وأما بخصوص مهر الزوجة فإذا كان امتناعها من الانتقال الى بيت زوجها قبل الدخول فيجب عليها إعادة المهر المقبوض من قبلها ويسقط مهرها المؤجل وإذا كان امتناعها بعد الدخول فيسقط مهرها المؤجل فقط وإذا كانت قد استلمت المهر كاملا فعليها إعادة المهر المؤجل ويستطيع الزوج بعد اكتساب الحكم درجة القطعية ان يطلق زوجته فورا ولا تستطيع ان تطالب بتعويض عن الطلاق التعسفي كما يحصل في الطلاق العادي لكونها ناشزا.

أما بالنسبة للزوجة لا تستطيع ان تنفصل عن زوجها بعد اكتساب الطلاق الدرجة القطعية ويجب عليها ان تنتظر سنتان بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية كي تستطيع المطالبة بالانفصال ويكون نفس الحكم بالنسبة للمهر فانها تعتبر ناشز ويسقط جميع المهر وإعادة ما تم قبضه اذا كان قبل الدخول، واذا كان بعد الدخول تستحق مهرها المعجل ويسقط المهر المؤخر.

يؤيد اغلبية الباحثون في الشأن الاجتماعي ان السكن مع اهل الزوج يفجر الخلافات الزوجية ولا يوجد خصوصية للزوجين في امورهم، لذا تلجأ اغلبية الزوجات عند حدوث خلافات تذهب الى بيت اهلها ولكن هذا ليس الحل الامثل لأنه اثاره ستظهر مستقبلاً على علاقة زوجكِ باهلكِ ويزول الاحترام احيانا بين الطرفين وتبث روح الكره بينهم، لذلك احتوي تحدث معكِ، ونلاحظ الخلافات تصل الى المحاكم هنا يضطر الزوج الذي لا يريد ان بخسر اسرته الى قيام دعوى المطاوعة ولكن في نفس الوقت قد يلجأ اليها الزوج لإيقاع زوجته بخسارة حقها من نفقه وغيرها.

وحسب ما لاحظته من خلال عملي ومن خلال الاسئلة التي وجهت الي عن الخلافات الزوجية، أيقنتُ ان السعادة لم تكن في السكن المنفرد انما المسألة متعلقة بخصوصية الاسرة، اذا كانت لها خصوصية معينة اتجاه زوجة الابن وعدم وجود حزازيات ومعاملتها بأنها ابنتهم قلباً ولساناً لم نجد هذه الخلافات تكتسح المحاكم وهذا يشكل خطر كبير على حياة الاسرة.

وايضاً لم تخسر الزوجة اي شيء عندما تعامل اهل زوجها بحب واحترام وتعتبرهم اهلها تيقني بأنه ستكبرين بعين زوجكِ وسيرضى الله عنكِ ونحن جميعاً نريد طاعة الله ورضاءه ونعمل الخير لله ليس لبشر.

فرفقاً بعلاقتكم حاربوا كل عقبة بطريقكم لأنكم ان لم تسندوا بعضكم لم تخلق سعادتكم، لذلك ايتها الزوجة اسعدي نفسكِ بنفسكِ لانه عندما تسعدين نفس حتماً ستفعمين زوجكِ بالحب والاهتمام بعد يوم كامل من ضغوطات العمل فهو يحتاج لراحة يتكئ عليها وهذه الراحة لم يشترط ان تكون بالسكن المنفرد وانما بروح الزوجة الذكية المفعمة بالمشاعر النقية

نلاحظ الكثير من الزوجات تردد عبارة لو كنت بيت وحدي اسعد زوجي واكون سعيدة ومرتاحة، ليس كل ازواج يسكنون بمفردهم يعيشون حياة سعيدة متفاهمة لأنه لو الامر متعلق بالمسكن لماذا تَجد الآف من دعاوي الطلاق تكتسح المحاكم وفي مجتمعنا اصبحت احصائيات الطلاق تعلو على احصائيات الزواج.

فالأمر متعلق بمدى فهم الطرفين والتعاون والاحترام بينهم لذلك على الزوجين ان يقدرون بعضهم فأنت سند لها وهي سند لكَ ما عليكم الا ان تبث روح المحبة بينكم كلاكما تحتاجون بعضكم حافظوا على اسرتكم واسراركم.

لنقتدي بعلاقة النورين علي وفاطمة (عليهم السلام) ما اجملها من علاقة نقية فلنأخذ من صبرهم وتكاتفهم وحبهم الفطري، فلنصلح انفسنا ونقتدي بهم. يجب ان تبنى العلاقة الزوجية على التعاون والصبر فالمسكن يأتي بتعاونكم وتكاتفكم لأنه الصبر مفتاح النهايات الجميلة.

 

2020/07/22

تتنصت على مكالماته.. أزواج يشكون ويتجسسون على بعضهم!

سيل جرار وجارف من الأسئلة المؤذية ينطلق الرجل أحيانا مستقبلا زوجته المتهيئة لاستقباله واحتضانه، من اتصل هاتفيا حال غيابي؟ مع من تحدثتِ اليوم؟ ما دام الصوت صوت رجل فلم لم تقفلي خط التليفون؟؟ هل جاء أحد للمنزل أثناء غيابي؟

هل ذهبتِ لزيارة أحد من صديقاتك؟ وهل كان أحد من الرجال في المنزل حال زيارتك؟

مقابل أسئلة الرجل هناك عشرات الأسئلة تمطرها المرأة على زوجها، لماذا تحدثت مع تلك، ولما استقبلتها؟ ولماذا تذهب في مشاوير عملك معها؟ ولماذا تتحدث بالهاتف بعيدا عنا؟ إلى آخر القائمة التي لاحد لها تقف عنده.

الشك الزوجي مشكلة معقدة وتجاوزها ليس سهلا، فهي تمس الشرف، وتحط من الكرامة، وتحيط المتهم من الزوجين بحالة من الإحباط والمرارة، وهي ذات تشعبات مريعة ترمي بثقلها في كل تفاصيل الحياة الزوجية، وقد تصل أحيانا إلى الاقدام على الانتحار والذهاب إلى الموت بقلب بارد بغية التخلص من وهم العار وشناعة التهمة.

لنتمعن في سؤال قدمه أحد المصابين بهذا المرض لموقع أحد المشايخ المعروفين، يقول السائل:

«أنا متزوج من 15سنه لدي 8 اطفال مشكلتي أنني أشك في زوجتي مما جعلني أعيش في هم وغم اشك فيها بالخيانة ذلك الشك جعلني أفكر أحيانا بطلاقها أو الانتحار أو قتل الزوجة واشك في أولادي أنهم غير عيالي واشك في بعض الناس أنهم يخونونني في زوجتي وخاصة عند غيابي وعندما أكون موجوداً يكون سلوك زوجتي جيداً تحافظ على الصلاة وتأمر الأطفال بالصلاة والمواظبة عليها وعندما أكلمها عن الخيانة تقول الله حسيبك وأقول في نفسي أنني ظلمتها أرجو إرشادي إلى الحل أنا في حيرة علما أن عملي بعيد عن البيت مما يجعلني أتغيب لمده طويلة».

لن أذهب للجواب المذكور في الموقع، بل سأستحضر كلاما مهما يشرح أبعاد مرض الشك الزوجي بين الرجل والمرأة وأثره على الأسرة بشكل عام، حيث يؤكد الدكتور زكي عثمان -أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر (على أن الشك بطبيعته يؤدي إلى قتل المودة واختناق العاطفة وتدمير الرحمة، والشك بطبيعته أيضا يكون بينه وبين الاستقرار عداوة، وبينه وبين الأمن الأسري حرب شرسة لا تنتهي، ويكون بينه وبين الطلاق علاقة وثيقة وصداقه قائمة ودائمة؛ فاحذر الشك، وبخاصة الشك المبني على أوهام وظنون وتكهنات واتهامات وتزييف للحقائق.

والشك لا يقيم للحياة الأسرية بيتا ولا مأوى؛ فعواصف الشك عواصف عاتية وشديدة، فيها عذاب أليم، ونار تحرق كل ما حولها من عواطف وقيم؛ فالزوج الشكاك مريض نفسيا وقلبيا).

المودة والسكن والرحمة ليس لها مكان مع الشك، بل يسود البرود العطفي على كل تفاصيل الحياة الزوجية، وتبدو معه كل الأمور معكوسة رأسا على عقب.

هذه الشقلبة لا تقتصر على قراءة التصرفات المحيّرة أو ذات الأوجه والزوايا المتعددة، وإنما تتحول إلى منهج يصل بالبعض إلى اتهام كل حركة وسكون، فيحاكم الألفاظ ويقاضي الحركات والسكنات، وبتقصد عامدا مراقبة النظرات ليصل إلى كتم الأنفاس.

ولا تقف تأثيرات الشك على حالة البرود العاطفي بين الزوجين، ومراقبة النظرات والتصرفات فحسب، بل قد تصل الى ممارسة العنف بكل أنواعه من ضرب وشتم وقذف وطرد من المنزل وتشهير بالزوج أو الزوجة بين الناس من أقاربهم وذويهم، وقد أوردت صحفنا أخبارا كثيرة عن زوجات كن يسجن في منازلهن بسبب الشكوك الواهية التي تحوم في رؤوس أزواجهن.

لن تصدق أيها القارئ إن قلت لك أن بعض حالات الشك بين الزوجات والأزواج تدفعهم للقيام بتسجيل شريك حياتهم، والتنصت على كل مكالماته الهاتفية، والتي أصبحت سهلة ويسيرة بوسائل العلم والتكنولوجيا.

ربما لا يكون حل هذه المشكلة سهلا ويسيرا، خصوصا حين تصل ذروتها ويطبق الظن على قلب أحد الزوجين أو كليهما، لكن الخطوة الأولى في طريق الحل تتمثل في تدريب النفس وترويضها على عدم الاستجابة والتعاطي مع الظنون السيئة التي قد تخطر عليها وتمس شريك حياتها، يقول تعالى في كتابه الكريم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... ) 1.

الهوامش:


1. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 12، الصفحة: 517.

2020/07/12

2020/07/02

كسر الحظر الصحي: الأسباب والمعالجات

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لـ «موقع الأئمة الاثني عشر».

بات كسر الحظر سواء كان شاملاً أو مناطقياً أمراً معتاداً في العراق، وغدت قرارات خلية الأزمة تصطدم بعقبات عدم التنفيذ لاسيما في المناطق الشعبية بل إنَّ تهديد المخالفين ووعيدهم بفرض عقوبات وغرامات لم يعدّ يجدي نفعاً.

ولعلَّ أهم الأسباب كسر الحظر الصحي المفروض لمواجهة وباء كورونا، هي: اقتصادية ويكاد يكون العامل الاقتصادي هو الدافع الرئيسي لكسر الحظر، ويعدّ الكسبة وأصحاب الدخل المحدود هم المتضررين في الدرجة الأولى، وكان يمكن وضع آليات لمساعدتهم مالياً، وبالتأكيد لن نطالب بتخصيص أرقام هواتف للمحتاجين يسعفون طلباتهم ويهرعون لمساعدتهم كبعض الدول، ولن نقول بضرورة توزيع سلال غذائية حكومية للمحتاجين أو توضع عند أبوابهم كالصين، بل طالبنا بالمعقول كالمنحة التي وُعدوا بها بعد التسجيل عليها وعلى الرغم من قلة مبلغها إلا أنها لم تسلم إليهم، ولغاية تاريخ كتابة هذه السطور 30/5/2020.

أما الموظفون والمتقاعدون ومستلمو رواتب الرعاية الاجتماعية فإن وضعهم بات مقلقاً، فالرواتب شرعت بالتأخير بالتزامن مع تصريحات من هنا وهناك بخفضها أو باستقطاعات قد تطالها، وشهد شهر نيسان تأخير في رواتب المتقاعدين، فيما أخرت مستحقات جميع الموظفين في شهر أيار، وكانت في السابق توزع قبل أيام العيد. أما فئة المحالين إلى التقاعد حديثاً وعدم استلام مستحقاتهم حتى الآن؛ فتلك مشكلة أخرى والله يكون في عونهم!

 

ولم يعدّ خافياً أنَّ تأزم الوضع الاقتصادي في العراق يأتي بعد انهيار أسعار النفط بسبب جائحة كورونا والكساد العالمي وقلة الطلب عليه، وأصبح الشغل الشاغل للجميع هو ترقب أسعار النفط، داعين المولى في سرّهم وعلنهم أن يرتفع سعر برميله باعتباره المنقذ الوحيد لنا من أزمتنا الاقتصادية والمرتكز الأوحد لرواتبنا!.

أما السبب الأخر لكسر الحظر هو عدم الوعي بخطورة الوضع والاستهانة بالتعليمات الصحية؛ لذا يجب توجيه الدعوة للرموز الدينية والشخصيات العشائرية والرياضية والفنية والثقافية لتقوم بمهامها في التوعية بخطورة هذا الوباء عبر توجيه رسائل صوتية أو فيديوية تحث على البقاء في البيوت. ولعلَّ من أسباب كسر الحظر لاسيما في المناطق الشعبية: مساحة البيوت الصغيرة مقارنة بعدد سكانها، على سبيل المثال مساحة بعض بيوت مدينة الصدر لا تتجاوز ال 70 متراً مربعاً، وقد يقطنها ما لا يقل عن عشرة أشخاص، فبقاء هذا العدد في هذه البقعة لمدة أيام أمر شبه مستحيل!

أما الدافع الآخر لكسر الحجر الصحي والمكوث الإجباري في المنازل فهو الملل والضجر دون معرفة استثمار هذه الأوقات من العزلة الاجبارية بشكل سليم ومخطط له، كما أدى توقف الدراسة لمختلف الفئات العمرية إلى دفع التلاميذ والطلبة لقضاء جلّ أوقاتهم أمام الأجهزة الذكية. ويمكن أن تعالج هذه المشكلة بعدّة خيارات، منها: تصفح مواقع المكتبات الالكترونية: التي تسهم بتزويد القراء بمختلف الكتب، كما فعلت معظم الدول أو قيام الوزارات والمؤسسات الحكومية بإعداد دورات الكترونية لتطوير مختلف المهارات، وكذلك اعداد برامج رياضية الكترونية وتدريب الأطفال والهواة والفتية مع إعداد برامج لتعليم فن الطبخ والخياطة ومختلف الحرف للنساء تهدف لتطوير المهارات الشخصية وزيادة الدخل عند رفع الحظر فضلاً عن عقد محاضرات الكترونية تثقيفية عن كيفية استثمار الوقت وإدارة الأزمات وتقديم مقترحات للعوائل بهذا الشأن، بل محاضرات صحية واقتصادية تبث عبر تطبيقات الواتساب أو زوم أو fcc)) أو أي منصة من منصات مواقع التواصل الاجتماعي،.

كذلك تلك الخاصة بالعنف الأسري وتوجيه دعوات للمتخصصين في القانون وعلم النفس للوقوف على هذه المشكلة والحدّ منها، كما يمكن تنظيم مسابقات الكترونية للصغار والفتية والشباب بمختلف الاختصاصات لتنمية قدراتهم واكتشاف مواهبهم، تكون معدّة من الوزارات ومؤسسات الدولة أو الاتحادات والنقابات ذات الشأن، وفي ظل هذه الظروف لا يجب أن ننس دور الجيش الأبيض في التصدي لفايروس كوفيد 19 لذا تُنظم مبادرات كتحية لهم الكترونيا أو نشر بوستات وشعارات تهدى لهم.

وقبل الختام أنَّ "جائحة كورونا" سببت أزمات جمّة لأغلب بلدان العالم، وشكلت تهديداً للبشرية لم يسبق لها مثيل، وبدت بلدان متقدمة تقنياً وصحياً واقتصادياً مترنحة متهاوية متهالكة من ضربات هذا الكائن غير المرئي، فكيف الأمر ببلدٍ لا يجيد إدارة الأزمات وملفات الفساد تثقل كاهله؟!، ويبقى الصبر وضبط النفس والإرادة مفاتيح في غاية الأهمية للتغلب على الصعاب.

2020/06/09

الدعاء والأخذ بالأسباب: كيف يواجه «الدين» فيروس كورونا؟

الصحة والوقاية من الأمراض المعدية.. رؤية دينية

إن من أفضل النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة الصحة، حيث إنه بهذه النعمة يستطيع أن يقوم بأعماله الدينية والدنيوية بكفاءة عالية، ويستلذ بمتع الحياة المباحة، ويستمتع بحياته على خير وجه وبأفضل صورة؛ ولذلك يجب الحفاظ على هذه النعمة العظيمة، وعدم التفريط بها، لأن من يفرط بصحته يفرط بحياته كلها.

وقد حثت التعاليم الدينية على الحفاظ عل الصحة العامة للأفراد والمجتمع، لأنها من أفضل النعم، فقد ورد عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «خَصلَتانِ كثيرٌ مِنَ الناسِ مَفتونٌ فيهِما: الصِّحَّةُ والفَراغُ»[1] ، وقال الإمامُ عليٌّ عليه السلام: « الصِّحَّةُ أفضَلُ النِّعَمِ»[2] ، وعنه عليه السلام قال: «العافِيَةُ أهنى‏ النِّعَمِ»[3] ، وعنه عليه السلام قال: «لا لِباسَ أجمَلُ مِنَ العافِيَةِ»[4] ، وقال الإمامُ الصّادقُ عليه السلام: «النَّعيمُ في الدنيا الأمنُ وصِحَّةُ الجِسمِ، وتَمامُ النِّعمَةِ في الآخِرَةِ دُخولُ‏ الجَنَّةِ»[5] ، وغيرها من النصوص التي تحث الإنسان على المحافظة على صحته، وأنها نعمة يجب الحفاظ عليها.

وعندما يتمتع المرء بالصحة والعافية يستلذ بالحياة، ويحس بلذة الطيبات، فقد قال الإمامُ عليٌّ عليه السلام: «بِالعافِيَةِ تُوجَدُ لَذَّةُ الحَياةِ» [6] ، وعنه عليه السلام قال: «بالصِّحّةِ تُستَكمَلُ اللَّذَّةُ» [7] ، وعنه عليه السلام قال: «بصِحّةِ المِزاجِ تُوجَدُ لَذَّةُ الطَّعمِ» [8] .

وأما الشخص المريض فإنه يفقد الشعور بلذة الحياة، ولا يستذوق جمال الأشياء، ولا يستمتع بما أحله الله له من نعم وطيبات وخيرات، فلو قدم له أحلى طعام فإنه لا يحس بلذته، ولو قدم له أحلى شراب فإنه لايستذوقه، فالمرض يفقد صاحبه اللذة والمتعة والجمال؛ ولذا يجب على الإنسان أن يكون حريصاً أشد الحرص على صحته، وألا يستهين بها؛ فالصحة حاجة إنسانية، وضرورة رئيسة لكلّ إنسان، فهي ليست أمراً مُترفاً أو حاجة كمالية يمكن الاستغناء عنها؛ بل هي نعمة كبيرة وحاجة مهمة يجب الحفاظ عليها؛ ومع  ذلك فإن بعض الناس لا ينتبهون إلى أهمية هذه النعمة الكبيرة إلّا عند المرض، والعاقل الكيّس هو من يحافظ على صحته أشد المحافظة، ويغتنم أيام صحته في العمل الصالح، ويوظفها بما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته.

وكما لا يصح للإنسان أن يفرط بصحته الشخصية، لا يصح له كذلك أن يفرط بصحة مجتمعه، لأن الحفاظ على الصحة العامة من أوجب الواجبات عقلاً وشرعاً.

مفهوم الصحة

الصحة – كما في مفهوم منظمة الصحة العالمية - ليست مجرد خلو الإنسان من الأمراض أو الإصابة بالعاهات، ولكنها تعني الصحة الإيجابية وهي: أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائف أعضائه بحيث تجعله يتحمل ما قد يتعرض له من مسببات كثير من الأمراض أو بعبارة أخرى تكون لديه مناعة قوية جداً بحيث يقاوم الكثير من الفيروسات والميكروبات المسببة للأمراض المختلفة.

ويتطابق المفهوم الحديث للصحة مع نظرة الإسلام للصحة من خلال الأبعاد التالية:

البعد الأول: بناء الجسم وتحسين الصحة.

البعد الثاني: علاج وإصلاح ما يصيب الإنسان من أمراض، وهو ما يعرف بالطب العلاجي.

البعد الثالث: حماية الإنسان من الإصابة بالأمراض، وهو ما يعرف بالطب الوقائي.

وعلى الإنسان إذا ما أصيب بأي مرض أن يراجع الأطباء لتشخيص حالته المرضية، وعمل وصفة للأدوية التي يحتاجها، والأهم من ذلك أن يقوي الإنسان مناعته حتى يقاوم جميع أنواع الفيروسات والميكروبات والفطريات من خلال تناوله للأطعمة المقوية للمناعة، واتباع وسائل الوقاية خصوصاً مع انتشار وباء كورونا في العالم بصورة سريعة.

الوقاية من الأمراض المعدية

إن التوقي من كافة الأمراض المعدية، والاحتراز من الإصابة بها كفيروس كورونا وغيره من الفيروسات المعدية خير وسيلة لمواجهته والقضاء عليه، وقد قال الإمام علي عليه السلام: «لَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ‏ مِنَ‏ السَّلَامَةِ» [9] . وكما تقول الحكمة المعروفة: «درهم وقاية خير من قنطار علاج».

وتوجد عدة وسائل للوقاية من الأمراض المعدية أرشدت إليها التعاليم الدينية وأكّد عليها العلم الحديث، ومنها:

1- الاهتمام بالنظافة العامة:

أكد الإسلام على الاهتمام بالنظافة العامة في كل شيء، فقد قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظيفٌ يُحِبُّ النَّظافَةَ» [10] ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «تَنَظَّفوا بكُلِّ ما استَطَعتُم؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى‏ بَنَى الإسلامَ علَى النَّظافَةِ، ولَن يَدخُلَ الجَنَّةَ إلّا كُلُّ نَظيفٍ» [11] ، وقال الإمامُ عليٌّ عليه السلام: «تَنَظّفوا بالماءِ مِن النَّتنِ الرِّيحِ الّذي يُتأذّى‏ بِهِ، تَعَهَّدوا أنفُسَكُم؛ فإنّ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ يُبغِضُ مِن عِبادِهِ القاذُورَةَ الّذي يَتأنَّفُ بهِ مَن جَلَسَ إلَيهِ» [12].

ومن النظافة غسل اليدين بالصابون باستمرار لأنها من أكثر الأعضاء ملامسة للأشياء، وغسلها بالماء من أهم الوسائل التي ينصح بها الأطباء للوقاية من الفيروسات ومنه (فيروس كورونا)، وقد حثّت التعاليم الدينية على غسل اليدين قبل الأكل وبعده، وأن ذلك من المستحبات، فقد ورد عن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أنه قال:‏ «غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَ بَعْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الرِّزْقِ وَإِمَاطَةٌ لِلْغَمَرِ عَنِ الثِّيَابِ وَ يَجْلُو الْبَصَرَ»[13] .وعنه عليه السلام قال:‏: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْثُرَ خَيْرُ بَيْتِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ‏ الْأَكْلِ»‏[14] .

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ بُورِكَ لَهُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَعَاشَ مَا عَاشَ فِي سَعَةٍ، وَعُوفِيَ مِنْ بَلْوَى فِي جَسَدِهِ» [15]. وعنه عليه السلام قال: «اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ ويَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» [16].

وقد «ثبت علمياً أن غسل اليدين فقط ولمدة دقيقة واحدة يزيل 30 ـ 40 % من البكتيريا الهوائية، وغسيل الذراعين والوجه لمدة 15 ثانية يزيل 60 - 80% من البكتيريا الهوائية في الذراع، و 65 - 95% في الوجه» [17] .

فنظافة اليدين، ونظافة الطعام هو شرط رئيس لحماية الإنسان من التعرض لكثير من الأمراض المعدية والمضرة بصحة الإنسان، وهذا ما وجهنا إليه الإسلام عبر تعاليمه وتوصياته الخاصة على العناية بالنظافة في كل الأمور.

2- عدم حضور المصاب في الأماكن العامة:

من الوسائل الوقائية لمواجهة (فيروس كورونا) وغيره من الفيروسات المعدية هو عدم مخالطة المصاب أو المشتبه بإصابته بالفيروس للأصحاء، وعدم جواز حضوره للمجالس العامة أو المساجد والحسينيات أو النوادي وغيرها من أماكن تجمع الناس حتى لا ينقل المريض العدوى إليهم، وإذا حضر ونقل العدوى إلى غيره ضمن علاجهم كما أفتى جمع من الفقهاء بذلك، ولا يجوز له الحضور إلا عندما  يتعافى تماماً ويتأكد من خلوه من المرض، فقد روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله أنه قَالَ : «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»[18] ، ولقاعدة: لا ضرر ولا ضرار، المستفادة من قول رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ» [19] ، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: «لا ضَرَرَ ولا إضرارَ في الإسلامِ، فَالإسلامُ يَزيدُ المُسلمَ خَيراً ولا يَزِيدُهُ شَرّاً»[20]. ومن البديهي أن حضور المصاب بأي مرض معدٍ فيه ضرر على صحة الناس وإضرار بحياتهم، ولذلك عليه اجتناب مخالطة الأصحاء حتى يتعافى تماماً منه.

3- تجنب السفر للأماكن الموبوءة:

من الوسائل الوقائية والاحترازية لمنع انتقال الأوبئة والفيروسات المعدية هو الحجر الصحي للأماكن الموبوءة بالمرض، وعدم السفر إليها أو الخروج منها إلا للضرورة القصوى، وذلك بهدف محاصرته والقضاء عليه، وقد أشار رسول الله إلى ذلك بقوله: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني: الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه» [21] . والمقصود بالطاعون أي مرض معدٍ.

4- ترك عادة المعانقة والتقبيل:

بعض العادات في مجتمعنا جميلة في نفسها كعادة التقبيل والمعانقة وحب الخشوم وغيرها من صور التحية والترحيب الاجتماعي، والتي تعبر عادة عن مشاعر المحبة والمودة بين الأصدقاء والأحبة، وخصوصاً في المناسبات العامة؛ ولكن ينبغي تركها في (زمن كورونا) حتى القضاء نهائياً على هذا الفيروس المدمر للصحة العامة؛ لأن حفظ الصحة للنفس والمجتمع أهم من ذلك؛ والمحبة محرزة أصلاً بين الأحبة والأصدقاء والأقارب والأرحام؛ فالاكتفاء بالسلام عن بعد وإلقاء التحية للتعبير عن مشاعر الأخوة والمحبة تكفي في ظل انتشار وباء كورونا.

العودة إلى الله تعالى

إن انتشار وباء كورونا وغيره من الأوبئة بين الفينة والأخرى يؤكد حقيقة جليّة أن الإنسان كائن ضعيف، ويمكن أن يموت بفيروس في غاية الصغر أو بسكتة قلبية مفاجئة؛ فعلى المرء ألا يغتر بنفسه ويعجب بذاته؛ فمهما تطور العلم يبقى عاجزاً عن إدراك كل شيء، فلنقترب إلى الله تعالى؛ ونتضرع إليه، فهو وحده سبحانه القادر على كل شيء.

وعلى المؤمن أن يدعو الله تعالى من كل قلبه وبإخلاص ويقين أن يدفع عنه وعن جميع الناس الوباء والأمراض والأوبئة ما ظهر منها وما بطن، فقد أمرنا الله تعالى بالدعاء وضمن لنا الإجابة في قوله تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [22]  وقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [23] .

وروي عن زُرارَة عَن أبي جَعفَرٍ عليه السلام، قال: قالَ لي: ألَا أدُلُّكَ عَلى‏ شَي‏ءٍ لَم يَسْتَثنِ فيهِ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله؟ قُلتُ: بَلى‏، قالَ: «الدُّعاءُ؛ يَرُدُّ القَضاءَ وَقَد ابرِمَ إبراماً- وَضَمَّ أصابِعَهُ-»[24] .

وقال الإمامُ زينُ العابدينَ: «الدُّعاءُ يَدفَعُ البَلاءَ النّازِلَ وَما لَم يَنزِلْ» [25] . وقال الإمام الصادق: «عَلَيكَ بِالدُّعاءِ، فإنَّ فيهِ شِفاءً مِن كُلِّ داءٍ» [26] .

ومن مصاديق العودة إلى الله تعالى أيضاً التوبة النصوح وترك المحرمات والذنوب؛ لأن المعاصي تجلب الوباء والأمراض، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: «لم تَظهَرِ الفاحِشَةُ في‏ قَومٍ‏ قَطُّ حتّى‏ يُعلِنُوا بها إلّا فَشا فيهِمُ الطاعونُ‏ والأوجاعُ التي لم تَكُن مَضَت في أسلافِهِم الذينَ مَضَوا» [27] . فظهور المعاصي وارتكاب الموبقات يؤدي إلى شيوع الأمراض والأوبئة الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً.

ومما يدفع الأمراض والأوبئة الإكثار من الصدقة، فقد قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «الصَّدَقةُ تَدفَعُ البَلاءَ، وهِي أنجَحُ دَواءٍ، وتَدفَعُ القَضاءَ وقد اُبرِمَ إبراماً، ولا يَذهَبُ بالأدواءِ إلّا الدعاءُ والصَّدَقةُ»[28] ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «إنَّ اللَّهَ لا إلهَ إلّا هُو لَيَدفَعُ بِالصَّدَقَةِ الدّاءَ، والدُّبَيْلَةَ، والحَرَقَ، والغَرَقَ، والهَدمَ، والجُنونَ- فَعَدَّ صلى الله عليه وآله سَبعينَ باباً مِنَ الشَّرِّ-»[29] ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «تَصَدَّقُوا وداوُوا مَرضاكُم بالصَّدَقَةِ؛ فإنَّ الصَّدَقةَ تَدفَعُ عنِ الأعراضِ والأمراضِ، وهِيَ زيادَةٌ في أعمارِكُم‏ وحَسَناتِكُم»[30] . وقال الإمامُ عليٌّ عليه السلام: «الصَّدَقةُ دَواءٌ مُنجِحٌ»[31] .

وقال الإمامُ الكاظمُ عليه السلام‏- لَمّا شَكا إلَيهِ رجُلٌ في كَثرَةٍ مِنَ العِيالِ كُلِّهِم مَرضى‏-: «داوُوهُم بِالصَّدَقةِ، فَلَيسَ شَي‏ءٌ أسرَعَ إجابَةً مِنَ الصَّدَقةِ، ولا أجدى‏ مَنفَعةً على المَرِيضِ مِنَ الصَّدَقةِ»[32] . فأكثروا من الصدقة يدفع الله عنكم البلاء والوباء والداء وغيرها من أبواب البلاء.

وعلى المؤمن أن يسأل الله تعالى الصحة والمعافاة والعافية، فقد قال عنه صلى الله عليه وآله: «ما سُئلَ اللَّهُ شَيئاً أحَبَّ إلَيهِ مِن أن يُسألَ العافِيَةَ»[33] . ولَمّا سَمِعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله  رَجُلًا يَسألُ اللَّهَ الصَّبرَ. قال: «سَألتَ اللَّهَ البَلاءَ، فَاسألْهُ المُعافاةَ»[34] .

وروي أن الإمام زينَ العابدين عليه السلام‏- لَمّا ضَرَبَ عَلى‏ كَتِفِ رَجُلٍ يَطوفُ بِالكَعبَةِ ويَقولُ: اللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ الصَّبرَ- قال: «سَألتَ البَلاءَ! قُلِ: اللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ العافِيَةَ، والشُّكرَ عَلَى العافِيَةِ»[35] .

وعلى المؤمن ألا يجزع أو يقلق من انتشار أي مرض أو وباء، بل عليه أن يأخذ بالأسباب، ويتضرع إلى الله تعالى، ويسأله العفو والصحة والسلامة.

نسأل الله تعالى أن يدفع عن الجميع فيروس كورونا وغيره من الأمراض المعدية وغير المعدية، وأن يلبسهم الصحة والعافية، ويديم عليهم السلامة في دينهم وبدنهم وأنفسهم، بحق محمد وآله الأطهار.


الهوامش:

[1]  بحار الأنوار: 78/ 170/ 2.

[2]  غرر الحكم: 1050.

[3]  غرر الحكم: 973.

[4]  التوحيد: 74/ 27.

[5]  معاني الأخبار: 408/ 87.

[6]  غرر الحكم: 4207.

[7]  غرر الحكم: 4228.

[8]  غرر الحكم: 4289.

[9]  عيون الحكم و المواعظ (لليثي)، ص: 532.

[10]  سنن الترمذي: 5/ 112/ 2799.

[11]  كنز العمّال: 26002.

[12]  الخصال: 620/ 10.

[13]  الخصال 612.

[14]  الخصال 25.

[15]  بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏63، ص: 362، ح 38.

[16]  المحاسن 425.

[17]  صحيفة الخليج، العدد 5422، وتاريخ 6/10/1414هـ-18/3/1994م.

[18]  صحيح مسلم: المكتبة العصرية، بيروت، 1423هـ - 2002م، ص 851، ح 2221.

[19]  كنز العمّال: 9498.

[20]  كتاب من لا يحضره الفقيه: 4/ 334/ 5718.

[21]  صحيح البخاري: المكتبة العصرية، بيروت، 1424هـ - 2003م، ص 1044 - 1045، ح 5729. صحيح مسلم: المكتبة العصرية، بيروت، 1423هـ - 2002م، ص 850، ح 2219.

[22]  سورة غافر، الآية: 60.

[23]  سورة البقرة، الآية: 186.

[24]  أصول الكافي: 2/ 470/ 6.

[25]  أصول الكافي: ج 2، ص 469، رقم 5.

[26]  أصول الكافي، ج 2، ص 470، رقم 1.

[27]  الترغيب والترهيب: 2/ 568/ 3.

[28]  بحار الأنوار: 96/ 137/ 71.

[29]  بحار الأنوار: 62/ 269/ 61.

[30]  كنز العمّال: 16113.

[31]  نهج البلاغة: الحكمة 7.

[32]  طبّ الأئمّة لابني بسطام: 123.

[33]  كنز العمّال: 3130- 3153.

[34]  كنز العمّال: 4935، 3272

[35]  الدعوات: 114/ 261.

2020/06/08

2020/05/25

حسنة لا تضرّ معها سيئة: هل يغنينا حب علي (ع) عن الصلاة؟

​يقال في الإمام علي عليه السلام: "إنّ حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة". وللوهلة الأولى قد يُتصوّر من هذه الكلمات أنّه -أي حب علي (ع)- يغني المرء عن الصلاة مثلاً، غير أن هذا الفهم سطحي جداً، وفي هذه المقالة المختصرة سنسلط الضوء على معنىً أعمق لهذه الكلمات، وكيف فسّر الفقهاء "حب علي".

من هو قائل هذه الكلمات؟

لقد استفاضت الأخبار عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله أنّه قال: «حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة »[1].

وهناك عدّة تأويلات ذكرت لهذا الخبر:

منها: عن الشهيد الثاني (قدس سره): « حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة، وهي توجب عدم ملابسة شيء من الذنوب البتة، لأنّ المحبّ الحقيقيّ يؤثر رضا المحبوب كيف كان.

ولاشكّ أنّ رضا علي عليه‌ السلام في ترك المحرّمات والقيام بالواجبات، فمحبّة علي الحقيقيّة تؤثّر لأجل ذلك، فلا يفعل ما يوجب النار فيدخل الجنّة، ومن خالف هوى محبوبه فمحبّته معلولة »[2].

ومنها: عن علي بن يونس العامليّ (قدس سره): « إنّ من أحبّ علياً لا يخرج من الدنيا إلاّ بتوبة تكفّر سيئاته، فتكون ولايته خاتمة عمله، ومن لم يوفّق للتوبة ابتلى بغمّ في نفسه، أو حزن في ماله، أو تعسير في خروج روحه، حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب له يؤاخذ به »[3].

ومنها: عن الشيخ المفيد (قدس سره): « إنّ الله تعالى آلى على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحبّ علياً عليه‌ السلام، وإن ارتكب الذنوب الموبقات، وأراد الله أن يعذّبه عليها، كان ذلك في البرزخ، وهو القبر ومدّته، حتّى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب الله، فصارت ذنوبه لا تضرّه ضرراً يدخله النار »[4].

ومنها: عن بعض الأعاظم، نقله الشيخ الماحوزيّ: « إنّ محبّة علي عليه ‌السلام توجب الإيمان الخاصّ، والتشيّع بقول مطلق، وحينئذ لا يضرّ معه سيئة، لأنّ العصيان في غير الأُصول الخمسة لا يوجب الخلود في النار، بل المفهوم من أخبارنا الواردة عن أئمّتنا عليهم‌ السلام: إنّ ذنوب الشيعة الإمامية مغفورة »[5].

ومنها: عن ابن جبر (قدس سره): « لمّا كان حبّه هو الإيمان بالله تعالى وبغضه هو الكفر استحقّ محبّه الثواب الدائم، ومبغضه العذاب الدائم، فإن قارن هذه المحبّة سيئة استحقّ بها عقاباً منقطعاً، ومع ذلك يرجى له عفو من الله تعالى، أو شفاعة من الرسول ‎ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله، وكلّ شيء قلّ ضرره بإضافته إلى ما كثر ضرره، جاز أن يقال: إنّه غير ضارّ، كما يقال: لا ضرر على من يحبّ نفسه في مهلكة، وإن تلف ماله.

فحبّه عليه ‌السلام يصحّح العقيدة، وصحّة العقيدة تمنع من الخلود، فلا تضرّ سيئته كلّ الضرر، وبغضه يفسدها، وفسادها يوجب الخلود، ويحبط كلّ حسنة »[6].

ومنها: عن الشيخ الطريحي: « الظاهر أنّ المراد بالحبّ الحبّ الكامل المضاف إليه سائر الأعمال، لأنّه هو الإيمان الكامل حقيقة، وأمّا ما عداه فمجاز، وإذا كان حبّه إيماناً وبغضه كفراً، فلا يضرّ مع الإيمان الكامل سيئة، بل تغفر إكراماً لعلي عليه ‌السلام، ولا تنفع مع عدمه حسنة إذ لا حسنة مع عدم الإيمان »[7].

هذه بعض التأويلات وبها نكتفي...

الهوامش:


[1] ينابيع المودّة 2 / 75 و 292، فردوس الأخبار: 347.

[2] رسالة في العدالة: 227.

[3] الصراط المستقيم 1 / 199

[4] الأربعين: 105 عن الإرشاد.

[5] الأربعين: 105.

[6] نهج الإيمان: 449.

[7] مجمع البحرين 1 / 442.

2020/05/13

شبهات مردودة: جرح علي (ع) وصيحة جبرائيل
في الحديث عن مولى الموحدين عليه السلام تقف الاقلام حائرة امام هذا الطود الشامخ من اين تبدا وماذا تكتب فكل الوجود بحضرته يتلاشى ولكن من باب ذكر شيء من مناقبه عليه السلام التي قال النبي صلى الله عليه واله عنها كما روى أخطب خوارزم بإسناده الى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : " لو أن الغياض أقلامٌ ، و البحر مدادٌ ، و الجنّ حُسّابٌ ، و الإنس كتّابٌ ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام )".

نحاول ان نقف عند منقبة من مناقبه صلوات الله عليه رغم الكم الهائل  المتلاطم الذي ملا الخافقين من ذكر مناقبه عليه السلام التي حاول اعداؤه ومبغضيه اخفاءها فقد حاولوا التصدي لكل منقبة قرعت الاسماع ليكذبوها او يحرفوها عن مسارها ويلصقوها بشخص اخر، وها نحن تمر علينا ذكرى شهادته عليه السلام فقد روى الشيخ المجلسي في بحاره حادثة الاستشهاد فقال: قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع، وضجت الملائكة في السماء بالدعاء، وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: " تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء و أعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء"[2]

 صاح جبريل انفصمت العروة الوثقى. وكما هي طبيعة المشككين والمعاندين للحق حاولوا تشكيك الناس في هذه المنقبة. وسنتكلم باختصار حول الشبهات التي طرحوها والاجابة عنها بشكل موجز.

1ـ من قال بان علي بن ابي طالب عليه السلام هو العروة الوثقى.

2ـ الوحي انقطع بشهادة النبي صلى الله عليه واله فكيف نزل جبريل عليه السلام الى الأرض ونادى وهل يمكن للناس سماع صوت جبريل عليه السلام.

3ـ لو سلمنا ان جبريل نادى انفصمت العروة الوثقى الا ينافي ويناقض ذلك ما ورد في كتاب الله قوله تعالى: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .."[3]

أقول: متوكلا على الله في رد هذه الشبهات :

اما أولا: من قال بان علي بن ابي طالب عليه السلام هو العروة الوثقى او بعبارة أخرى انه مصداق العروة الوثقى سأذكر لك بعض ما ورد في تفسير الاية من طرق الخاصة والعامة على ان المراد من العروة الوثقى هو علي ابن ابي طالب عليه السلام.

 فمما ورد من طرق العامة:

اولا: عن ابي المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " أنت العروة الوثقى"[4].

ثانيا : ما ورد عن الفخر الرازي في تفسيره الكبير حيث قال: ( أما إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يجهر بالتسمية ، فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار......... ومن اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه و نفسه"[5].

اما من طرق الخاصة فقد ورد فيها احاديث كثيرة نذكر منها اثنين فقط:

الحديث الأول: ابن بابويه في معاني الأخبار قال: ..عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه"[6].

الحديث الثاني: ابن بابويه بإسناده قال رسول الله: " من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى فليتمسك بحب علي وأهل بيته"[7].

اما ثانيا: بأن الوحي انقطع بشهادة النبي صلى الله عليه واله فكيف نزل جبريل عليه السلام الى الأرض ونادى وهل يمكن للناس سماع صوت جبريل عليه السلام.

أقول: الكل مسلم بأن الوحي انقطع بشهادة النبي صلى الله عليه واله وانه لا نبي بعده وهذا ما ورد عن أئمة اهل البيت عليهم السلام فعن علي عليه السلام قال: "من زار النبي (صلى الله عليه وآله) فليسترجع ثلاثاً، ثمّ ليقل: أصبنا بك يا حبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع عنّا الوحي وحيث فقدناك، ما شاء الله وإنّا إليه راجعون"[8].

 ولكن من قال بان نزول جبريل الى الأرض مرتبط بالوحي بالمفهوم الاصطلاحي وهو نزوله الى الأرض على الأنبياء عليهم السلام لغرض الانباء والاخبار بالاحكام الشرعية والمغيبات فان النبوة ختمت بالنبي الاكرم صلى الله عليه واله ولكن لا يمكن نفي نزول جبريل عليه السلام لأغراض أخرى كما ذكر ذلك السيوطي في كتابه الحاوي للفتاوي حيث قال: " خَاتِمَةٌ: اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ جِبْرِيلَ لَا يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْكَبِيرِ "، «عَنْ ميمونة بنت سعد قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَرْقُدُ الْجُنُبُ؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَرْقُدَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُتَوَفَّى فَلَا يَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ» .

فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَحْضُرُ مَوْتَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ.

ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى حَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ نُزُولُ جِبْرِيلَ إِلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ "، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ الدَّجَّالِ قَالَ: «فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مِيكَائِيلُ بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ، وَيَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا جِبْرِيلُ بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ» . ثُمَّ رَأَيْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [القدر: 4]- الْآيَةَ - عَنِ الضحاك أَنَّ الرُّوحَ هَنَا جِبْرِيلُ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَيُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ،"[9].

وجاء في الرواية ان جبرائيل يأتي الزهراء عليه السلام يحدثها فعن أبي عبيدة قوله:" وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة"[10]. وقد وصف المجلسي الأول هذه الرواية بأنها صحيحة[11]. فاذا كان جبريل يهبط ليسلم على المسلمين في ليلة القدر  ويحضر من يتوفى من المسلمين فلماذا نمنع من نزوله الى الأرض ليسلم على مولى الموحدين وينعاه الى الخلق اجمعين.

اما الشق الثاني للاشكال: وهو هل يمكن للإنسان العادي سماع صوت جبريل عليه السلام نقول هناك شواهد يرويها التاريخ على ذلك

فمنها: هتاف جبريل عليه السلام يوم احد : لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي  وقد ذكر ذلك العلامة الاميني رحمه الله في كتابه الغدير حيث قال:  و من شعر حسان في أمير المؤمنين (عليه السلام):

جبريل نادى معلنا                 والنقع ليس بمنجلي

والمسلمون قد أحدقوا             حول النبي المرسل

لا سيف إلا ذو الفقار               ولا فتى إلا علي

يشير بها إلى ما هتف به أمين الوحي جبرئيل عليه السلام يوم أحد في علي و سيفه. أخرج الطبري في تاريخه 3 ص 17 عن أبي رافع قال: لما قتل علي بن أبي طالب (يوم أحد) أصحاب الألوية أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركين قريش فقال لعلي: أحمل عليهم. فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي قال: ثم أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من مشركين قريش فقال لعلي: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك فقال جبريل: يا رسول الله ؟ إن هذا للمواساة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه. فقال جبريل: وأنا منكما. قال فسمعوا صوتا:      

لا سيف إلا ذو الفقار      ولا فتى إلا علي

وأخرجه أحمد بن حنبل في الفضايل عن ابن عباس وابن هشام في سيرته 3 ص 52 عن ابن أبي نجيح والخثعمي في (الروض الأنف 2 ص 143) وابن أبي الحديد في (شرح النهج 1 ص 9) وقال: إنه المشهور المروي وفي ج 2 ص 236 وقال: إن رسول الله قال: هذا صوت جبريل وج‍ 3 ص 281, والخوارزمي في (المناقب ص 104) عن محمد بن إسحاق بن يسار قال: هاجت ريح في ذلك اليوم فسمع مناد يقول:

لا سيف إلا ذو الفقار                 ولا فتى إلا علي

فإذا ندبتم هالكا                       فابكوا الوفي أخا الوفي"[12].

ومنها: صيحة جبريل في شهر رمضان قبل ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه والتي تعد من العلامات الحتمية للظهور فقد روى نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن، حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة قال حدثني عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن الحارث الهمداني عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كانت صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال وتمييز القبائل في ذي القعدة وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم يقولها ثلاثا هيهات هيهات يقتل الناس فيها هرجا هرجا قال قلنا وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال هدة في النصف من رمضان ليلة جمعة فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم فإذا حسستم بالصيحة فخروا لله سجدا وقولوا سبحان القدوس سبحان القدوس ربنا القدوس فإن من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل ذلك هلك)[13].

وروى النعماني :علي بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن حسان الرازي، قال: حدثنا محمد بن علي الكوفي، قال: حدثنا عبد الله بن جبلة، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال ".... ولا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء... قلت: بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه، ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلا يسمع الصيحة، فتوقظ النائم، ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع، وهي صيحة جبرئيل عليه السلام".[14].

اذن نرى من خلال هذه الشواهد انه لا مانع منها عقلا ولا شرعا من سماع صوت جبريل عليه السلام من قبل عامة الناس والملاحظ من خلال ما ذكرنا ان نزول جبريل عليه السلام وهتافه كان في بيان مراحل مفصلية ومهمة وهي بيان ان المؤمن الحق والوصي الحق والولي الحق هو علي بن ابي طالب عليه اكد هذا في معركة احد حين فر القوم وتركوا الرسول وحيدا يجابه الأعداء وكسرت رباعيته صلوات الله عليه واله واكد ذلك حين قام المنافقون الخارجون على تضليل الناس فبين لهم مرة أخرى ان الولي الحق هو امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حينما وقع في محرابه ثم يرجع مرة أخرى جبريل الأمين يبين هذه الحقيقة للعالم من خلال النداء الأخير ان الحق في علي وشيعته حيث لا معذرية بعد ذلك .

اما الاشكال الثالث: وهو اننا لو سلمنا ان جبريل نادى انفصمت العروة الوثقى الا ينافي ويناقض ذلك ما ورد في كتاب الله قوله تعالى: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها"[15].

أقول: هناك أجوبة عديدة عن هذه الشبهة نذكر بعضا منها:

 ذكر في علم المنطق: ان من شروط التناقض وحدة الإضافة والنسبة ومع تعددهما فلا تحقق للتناقض فلا تناقض مثلا بين قولك: ( نور الشمس قوي بالنسبة للشمعة) وقولك: ( ونور الشمس ليس بقوي بالنسبة لنور الله تعالى). 

والعروة الوثقى حقيقة واحدة جامعة ذات افراد متعددة منتشرة بعدد المعصومين عليهم السلام فلها بعدان:

البعد الأول: طبيعي العروة الوثقى ذات الحقيقة الواحدة المنطبقة على ذوات المعصومين من اولهم الى اخرهم.

البعد الثاني: آحاد العروة الوثقى وافرادها وهم المعصومون عليهم السلام فكل واحد منهم يمثل العروة الوثقى بتمامها مثال ذلك حينما تقول ( الانسان) فعلي عليه السلام يمثل تمام حقيقة الإنسانية بتمام ابعادها وكمالاتها فلو قتل صح لنا ان نقول ( قتل الانسان .. قتل ابن عم محمد المصطفى قتل الوصي المجتبى قتل سيد الاوصياء) 

اذن من خلال ما ذكرنا تبين ان قول جبريل عليه السلام ليلة التاسع عشر من شهر رمضان الكريم حينما سقط امير المؤمنين عليه السلام مخضبا بدمة في محرابه : " تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء و أعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم محمد المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء"  هذه قضية شخصية وبين قوله تعالى: " ... لا انفصام لها.." قضية طبيعية ثم ان امير المؤمنين عليه السلام هو اول الائمة وليس الامام الوحيد حتى اذا ما استشهد تنفصم العروة الوثقى بمفهومها العام اذ ينوب عنه ويقوم مقامه احد عشر اماما.

واقرب لك الفكرة بمثال اخر: حينما نطالع القران الكريم نقرا قوله تعالى: " قل فلله الحجة البالغة.."[16]  وقد وصف الله انبيائه ورسله بانهم حجج الله كما جاء في قوله تعالى: " رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"[17]

وهذا الوصف غير مقتصر على الانبياء فقط بل يشمل الاوصياء عليهم السلام كما نقرا في الزيارة "[18]السلام عليك يا امين الله في ارضه وحجته على عبادة" فالنبي والامام هو حجة الله على خلقة فلو مات النبي او الامام نقول مات حجة الله على خلقة فهل معنى ذلك ان حجة الله ماتت وانعدمت بمفهومها العام ام هي باقية وموجودة بما تبقى من الائمة الذين يحتج بهم الله على خلقه فكذلك يكون الفرق واضحا بين قول جبريل انفصمت العروة الوثقى بلحاظ الامام علي عليه السلام كما لو قلنا قتل حجة الله مات حجة الله بينما حجة الله على خلقة باقية لا تموت هناك من يمثلها بعد موت الامام عليه السلام يخلفه امام اخر. وفي الختام نقول السلام على مولى الموحدين نقطة الوجود وسر المعبود سائلين المولى عز وجل ان يتقبل علمنا هذا ويحشرنا تحت لواء الحمد التي يقدمها امامنا علي بن ابي طالب عليه السلام التي من استظل بظلها لاخوف عليهم يومئذ ولا هم يحزنون والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.

الهوامش:
[1] انظر كفاية الطالب: 123، فرائد السمطين:1/16،  حلية الأبرار : 1 / 285 ، ميزان الإعتدال : 3 / 466 ، لسان الميزان : 5 / 62 ، ينابيع المودّة : 2 / 95 حديث 70 . وانظر: شرح احقاق الحق للسيد المرعشي : ج15 ص609. [2] بحار الانوار:ج42، ص282. [3] البقرة:256. [4] مناقب الخوارزمي: ص61، ح31. [5] التفسير الكبير: ج1، ص205-207. [6] معاني الاخبار:ص 368،ح31 [7] عيون اخبار الرضا: ج1 ،63، ح  216. [8] مستدرك الوسائل: ج10،ص190، ح11824. [9] الحاوي للفتاوي: ج2،ص200. [10] الكافي: ج1 ص240- [11] روضة المتقين:ج5،ص342. [12] الغدير:ج2، ص102. [13] مخطوطة ابن حماد:ص62. [14] الغيبة للنعماني: 299-300. [15] البقرة:256. [16] الانعام:149. [17] النساء:165. [18] مفاتيح الجنان:ص423 زبارة امين الله
2020/05/13

تُهمة قليلة التكلفة: هل فعلت يا أمي ما يقوله الناس عنك؟!

​بدموع دفاقة محرقة كانت رباب تروي قصتها مع من حاولوا تدنيس طهرها وبراءتها وتاريخها، فهي أم لفتاتين وولد، عرفت بالطهر والصلاح، وأولادها وبناتها خير دليل على حسن سيرتها وجمال سريرتها.

حين غيب الموت زوجها كانت في الـ 24 من عمرها، واليوم لا يفصلها عن الـ 30 عاما سوى شهرين فقط، لكن سير الأيام بتتابعها الرتيب لم يمنحها حياة هادئة حنونة، فصديق زوجها بدأ بمضايقتها منذ عامين، ومع رفضها ما يطلبه منها، يصر معاندا دون أن يتوقف ويتركها في حالها، إلى أن وصل به الأمر للتهديد بالفضيحة.

لا توجد اتصالات صادرة من هاتفها إلى هاتفه النقال، ولا توجد رسائل منها إليه، وفواتير شركة الاتصالات لكافة أرقامها بعيدة عن الريبة، وعلى العكس من ذلك، فاضت ذاكرة هاتفها برسائله المخزية، وتهديداته لها بالاتهام.

أشاع ذلك الأرعن تهمته، وتذوقت مرارتها رباب، وكان كل شيء قابلا للصبر والمقاومة والتحدي، إلى أن رأت نفسها أمام تساؤل أولادها، هل فعلت يا أمي ما يقوله الناس عنك؟

كفاءات وطاقات كثيرة كانت مضيئة في الأعمال الأهلية والخيرية لكنها انطفأت جراء أمواج الاتهام العاتية، والكثير من المبادرات التي يرسم الناس مسارها بنجاح تتلكأ خشيه السهام الكامنة والحراب الجاهزة على الألسن.

حين يجمعك مع رجل عاش أكثر من 30 سنة في الجمعيات والمؤسسات الأهلية لقاء ينصح فيه ابنه ألا يقترب من اللجان والمؤسسات الخيرية، لأن ذلك يخسره ثقة الناس، مؤكدا له أن وراءها التعب والقلق والأفواه التي لا ترحم، فإن ذلك يكشف وجها من وجوه المعاناة التي تثيرها زوابع الاتهام.

قرآن المجتمع المسلم ودستوره من الله سبحانه وتعالى يرفض التسامح في الاتهام إذا مس الشرف ولامس الكرامة (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[1].

ويبشرهم القرآن بخزي في الدنيا ونار في الآخرة .. وإذا كانت هذه الآيات ترتبط في أحكامها بسياقها الخاص، فإنها تشير لأخلاقية مهمة تؤدي لضبط اللسان فلا يجمح ولا يتطاول بالتهم على الآخرين إلا ببرهان ودليل.

ثقافة الاتهام في الدين جعلتنا نخرج الناس من دينهم وننسبهم للكفر والفسق، وفن الاتهام في الوطن دفع عالمنا العربي والإسلامي إلى رمي أطرافه وأجزائه بالخيانة والولاء لما وراء الحدود، وسلوك الاتهام الذي هيمن على قلوبنا ومجمل تصرفاتنا أوجد اتهامات مقابلة من الطرف المتهم، وكلما تعددت الآراء والتيارات والأفكار والمدارس وجدت ثقافة الاتهام ساحتها الخصبة للرواج.

ولو انعطفنا اتجاه المجتمعات التي لم يدعكها العمل السياسي المنفتح، ولم تدمنه ردحا طويلا من الزمن، لرأينا اتهام النوايا، وتأويل الكلمات، وتفسير التصرفات، بمبرر وبدون مبرر يغرق الآخرين في بحر التساؤلات وموج التشكيك.

لا بد هنا من التفريق بين خبر المؤمن المقبول بمفهوم الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... )[2] وبين تحليله وقراءته للأمور، ونظرته للقضايا، فهذه يجب أن تخضع للتبين قبل أن تثبت كتساؤل يتداول في سوق الضغط والاتهام والابتزاز.

آن الأوان لتغيير الكثير من سلوكياتنا في هذا المضمار، فنحن إذا أردنا التعريف بأنفسنا اتهمنا الآخرين بأسوأ التهم، فكان اتهامنا لهم وسيلة للتعريف بأنفسنا، وإذا أردنا النقد لأي أمر كان شهرنا سلاح الاتهام بوجهه قبل كل شيء، وحتى إذا أردنا التحاور قدمنا الاتهام كوسيلة من وسائل الضغط والتهديد لتركيع من يقابلنا الحوار.

التهمة أيها القارئ الكريم بسيطة المؤنة، قليلة التكلفة، سواء في صناعتها، أو في ترويجها، فالصناعة تحتاج خيال مريض خال من الضمير، وبعض الادراك للواقع، ومعرفة نقاط ضعفه وصراعاته، أما الترويج فيتكفل به خلق كثير ممن لا يعلمون فداحة ما يفعلون، ولا يرقبون الله في حرمة ما ينطقون.

الهوامش:


[1]  القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 4، الصفحة: 350.

[2] القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 6، الصفحة: 516.

2020/05/12

تعرّف على الحكمة: لماذا لم يذكر اسم الإمام علي (ع) في القرآن؟

ورد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كثيراً في القرآن الكريم، لدرجة أننا نجد كتباً كثيرة ألفت وطبعت تضمن هذه الآيات المباركة، إلا إننا لم نجد ذكره عليه السلام بالاسم، فلماذا لم يرد ذكره عليه السلام بالنص في كتاب الله؟

و يتّضح الجواب عن هذا السؤال من خلال أُمور:

أوّلاً : نزل القرآن الكريم على خطاب «إيّاك أعني واسمعي يا جارة»، أي على الاستعمال المجازي والكنائي، فإنّ الكناية أبلغ من التصريح ، فذكر أمير المؤمنين علي عليه ‌السلام وكذلك الأئمّة عليهم ‌السلام من بعده كناية ومجازاً.

ثانياً: من ثقافة القرآن الكريم أنّه يبيّن القوانين العامّة كما هو متعارف في كتب الدستور لكلّ دولة ، إلاّ أنّه يلحق به التنويهات ، والمواد الأُخرى تفسّر الكلّيات في الدستور ، فالقرآن يبيّن الأصل الكلّي للإمامة ، وأنّ الأئمّة على قسمين : أئمّة ضلال ، وأئمّة هدى يهدون بأمر الله.

ثمّ يبيّن صفاتهم بالكناية والمجاز ، كما في آية إكمال الدين ، والتطهير ، والإطاعة ، والولاية ، وأن الولي من أعطى الزكاة في صلاته ـ أي تصدّق بالخاتم ـ ولم يكن ذلك إلاّ الإمام علي عليه ‌السلام ، كما نقل ذلك المفسّرون من السنّة والشيعة.

فالقرآن الكريم يتكلّم بنحو عام ، والسنّة الشريفة هي التي تبيّن المصاديق والجزئيات ، فالقرآن يقول : (أَقِمِ الصَّلاَةَ)[1]، والسنّة تقول : صلاة الصبح ركعتان ، وهكذا باقي الموارد.

والرسول الأعظم صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله في روايات كثيرة جدّاً ـ نقلها الموافق والمخالف ـ نصّ على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه‌ السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر عند الفريقين، إلاّ أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول الله عن الولاية ، ولم ينصروا علياً عليه‌ السلام ، واعرضوا عن الأحاديث النبوية التي قالها في شأنه وخلافته.

فلو كان اسمه مذكوراً في القرآن الكريم لأدّى ذلك إلى إنكار القرآن أيضاً ، ويقولوا : إنّ النبيّ ليهجر ـ والعياذ بالله ـ كما قالها البعض في مرض النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله عندما طلب منهم الدواة ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده ، وهذا يعني إنكار الدستور الإسلامي ، وإنكار الإسلام كلّه ، وهذا يتنافى مع الحكمة الإلهيّة.

 

فاقتضت الحكمة أن لا يذكر اسم الإمام علي عليه ‌السلام في القرآن صريحاً، وإنّما يذكر في ترجمانه، وفي عدل القرآن أي : السنّة الشريفة ، ليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر ، فما ذلك لله بضارّ ، وما أكثر الأحاديث الدالّة على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه ‌السلام من مصادر أهل السنّة.

جاء في الكافي بسندٍ صحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌ السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)؟[2].

فقال : «نزلت في علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين».

فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته عليهم ‌السلام في كتاب الله عزّ وجلّ؟

قال: فقال : «قولوا لهم : إنّ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله نزلت عليه الصلاة ، ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتّى كان رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ، ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم ، حتّى كان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعاً ، حتّى كان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت : (َطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ـ ونزلت في علي والحسن والحسين ـ فقال رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله في علي: من كنتُ مولاه فعليّ مولاه.

وقال صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله : أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فإنّي سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرّق بينهما ، حتّى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك وقال : لا تعلّموهم فهم أعلم منكم ، وقال : إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة ، فلو سكت رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ، فلم يبيّن مَن أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكنّ الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه ، تصديقاً لنبيّه صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[3] ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌ السلام ، فأدخلهم رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثمّ قال : اللهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً ، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي ، فقالت أُمّ سلمة : ألست من أهلك؟ فقال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي ... »[4].

المصدر: إجابات مركز الأبحاث العقائدية بتصرّف

الهوامش:

[1] طه : 14.

[2] النساء : 59.

[3] الأحزاب : 33.

[4] الكافي 1 / 286.

2020/05/07

علگ أخضر: لماذا يربط الشيعة قطع القماش في أضرحة الأئمة (ع)؟

يعرف عن أبناء المذهب الجعفري بربطهم الخرق السوداء والخضراء وما شاكلها في أياديهم وحاجياتهم الخاصّة بعد مسحها أو ربطها بالشباك المقدس لضريح الأئمة المعصومين عليهم السلام، دون أدنى معرفة بأصل هذه العادة، ويُسألون كثيراً عن هذه العادة من قبل الآخرين.

في هذه المقالة، سنستعرض منشأ هذه الظاهرة ومشروعيتها..

أولياء الله أحياء

إنّ الشيعة بل المسلمين جميعاً، يعتقدون بحياة الأولياء بعد الموت، ودليلهم في ذلك أدلّة كثيرة، منها قوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[1] ، هذا حال الشهداء، فكيف بأئمّة آل البيت عليهم السلام فهم شهداء وأولياء.

فاعتقاد حياتهم ممّا لاشكّ فيه ولا ريب، وإذا كان الأمر كذلك، فإنّهم يرون ويسمعون من زارهم، ومن سألهم وهم في قبورهم هذه كرامة ومنزلة وهبها الله لهم تعظيماً لمقامهم وشرفهم.

ومن هنا، فإنّ الشيعة يقفون على قبورهم، ويسألون الله بحقّهم، ويدعونه فيستجاب لهم، فإنّ الله قد جعل لبعض الأماكن شرفاً ومنزلة، فأحبّ أن يدعوه المؤمن في هذه الأماكن المقدّسة، كما أحبّ أن يدعوه عند مساجده وبقاعه المشرّفة.

وبذلك فإنّ زائري قبورهم يستحصلون من قبورهم وضرائحهم البركة، ويتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً، لذا فإنّ أضرحتهم قد حلّت بها البركة، وأنّ لهذه الأضرحة آثاراً كما لأجسادهم الشريفة، فيجعلون ما مسّ أضرحتهم مورداً للاستشفاء بإذن الله تعالى، وهذه الخرق السوداء والخضراء حينما تمسّ هذه الأضرحة، يعتقد الناس ببركتها، فتكون لهم حرزاً لطلب الشفاء مثلاً.

خديجة (ع) تتبرك ببردة النبي (ص)

وهذه حالة من حالات اعتقاد الناس بحياة الأئمّة عليهم السلام بعد الموت، فهم يتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً.

ولهذه الحالات نظائر قد حدثت في حياة النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله، والأئمّة عليهم‌ السلام كذلك، فالروايات تشير إلى أنّ خديجة بنت خويلد عليها ‌السلام قد طلبت من النبيّ صلى ‌الله ‌عليه وآله أن يكفّنها ببردته تبرّكاً بها، ولتحميها من هول المطّلع، ومن القبر وحالاته، وفعلاً فقد استجاب لذلك رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله فكفّنها ببردته[2].

وهذا زهير بن أبي سلمى خلع عليه رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله بردته فقبّلها متبرّكاً بها،

بعد أن مدحه بقصيدته التي سمّيت بالبردة.

والكميت الأسدي الشاعر المعروف، حين ألقى قصيدته عند الإمام الباقر عليه ‌السلام أعطاه الإمام مالاً، فرفض الكميت أخذه وقال: ما مدحتكم للدنيا، فإنّ جزائي أُريده من الله تعالى، وطلب منه قميصه أن يعطيه تبرّكاً بهذا القميص الذي مسّ جسد الإمام عليه ‌السلام، وفعلاً فقد أعطى الإمام قميصه[3].

ودعبل الخزاعي حين أنشد قصيدته عند الإمام الرضا عليه ‌السلام، قدّم الإمام عليه ‌السلام له عطاءً جزيلاً فرفضه، وطلب منه جبّته وقال: لتقيني من أهوال القبر يا بن رسول الله[4].

وفعلاً أعطاه جبّته، فلمّا وصل بغداد كانت له جارية قد شكت عينها، وأصابها العمى، فمسح بفاضل جبّة الإمام على عينها، فزال ما بها من ألمٍ وعمى.

كلّ هذه شواهد على إقرار الأئمّة عليهم السلام بما اعتقده شيعتهم.

مضافاً إلى ما كان عمر بن الخطّاب يتبرّك بالحجر الأسود ويقبّله[5]، مع أنّه حجر، وضريح الإمام مشرّف بما حواه من جسد الإمام عليه السلام، كما أنّ غلاف القرآن منزلته تأتي ممّا يحويه من كلام الله تعالى.

والذي نريد قوله: إنّ اعتقاد الشيعة بشرف هذه الأضرحة، واستحصال البركة بكلّ ما يمسّ هذه الأضرحة من خرقة خضراء أو غيرها، ويتمّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى لمنزلة هذا الإمام، قد جعل سبب الشفاء والبركة لما يعتقده الإنسان بهذا الخرقة.

على أنّنا نودّ التنبيه إلى أنّ لفّ هذه الخرق ليس من الضروريّ أن تكون من ضرورات مذهبنا، بل هي حالة اعتقادية يعتقدها الشيعة لحسن ظنّهم بالله، واعتقادهم بمنزلة الإمام عليه السلام، ويمارسونها ليعطيهم الله ذلك على حسب ما يعتقدونه، وليس في ذلك ما يخالف الكتاب أو السنّة، بل العقل كذلك.

ومن ثمّ ما تعارف عليه المسلمون من التبرّك بما خلّفه رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله من قميصه وشعره، والمسلمون جميعاً يروون قصّة الرجل الذي أحجم رسول الله صلى‌ الله عليه ‌وآله فبعد حجامته له شرب ذلك الدم، فسأله النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله: (أين ألقيت الدم)؟ فقال: شربته يا رسول الله، فنهاه رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله عن ذلك، ولكن قال له: (إنّ جسدك لم تمسّه النار أبداً)[6]، ممّا يشير إلى أنّ لدمه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله خصوصية، وعدم مسّ ذلك الجسد الذي اختلط بدم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله.

الهوامش:


[1] آل عمران: 169.

[2] شجرة طوبى 2 / 235.

[3] مناقب آل أبي طالب 3 / 329.

[4] الأمالي للشيخ الطوسيّ: 359.

[5] مسند أحمد 1 / 51، صحيح البخاريّ 2 / 162، صحيح مسلم 4 / 66.

[6] 1 ـ المبسوط للسرخسيّ 3 / 69.

2020/05/07

أخ لك وآخر عليك: المؤاخاة وصنع الحياة

تحتاج صناعة الحياة مقومات وعوامل مساعدة، كي ينجح الانسان في بنائها، ولعل طريقة التفكير والسلوك الفردي والجمعي، هي التي تسهم بصورة او أخرى بتحديد مزايا ومساوئ حياتنا، وأمر بديهي كلما كانت القيم الجيدة هي المعيار الحاكم في علاقاتنا مع بعضنا، كلما كانت حياتنا أفضل وأكثر استقرارا وتطورا، علما أن المقومات الأساسية لصناعة الحياة، هي صاحبة الدور الأهم في جعلها متميزة ممتلئة أو خاوية وبليدة وناقصة!.

الإخاء يعد من أهم المقومات التي تصنع حياة ناجحة للفرد والمجتمع، وهي كلمة توحي الى الأخوة والتآخي وعلاقة الأخ بأخيه، إذ تتحدد قيم كثيرة، ونتائج أكثر على طبيعة العلاقة بين الأخوان، ولا نخطئ أو نبالغ عندما نقول أن طبيعة حياتنا تعتمد بصورة كبيرة على علاقة الإخاء، لدرجة أننا يمكن من خلال هذه المفردة، أن نصنع حياة جيدة، ويمكن أن نفشل في ذلك في حالة حدوث العكس.

وهذا يعتمد أيضا على الأخوان أنفسهم، وطبيعة العلاقات القائمة فيما بينهم، وهي حتما تكون مختلفة من أخ الى آخر ومن جماعة الى أخرى، تبعا لمنظومة القيم والثقافة والاعراف والدين والتقاليد والاخلاق وما شابه، لذلك قدمت الأديان والأنبياء وأئمة أهل البيت، وكثير من المفكرين ورجال الدين والفلاسفة، مواعظ ونصائح تؤكد الاهتمام بالمؤاخاة لصناعة حياة أفضل.

ولكن يبقى الأخ (الكائن أو الإنسان) محكوما بالتركيبة التكوينية له، فضلا عن البيئة، والرغائب والأهواء التي قد يضعف ازاءها الانسان في أية لحظة، ما يعني انهيارا أمام الملذات، وشروعا في الانحراف، وتدميرا لقيمة الإخاء، لدرجة قد يكون الأخ عدوا لأخيه، أو حاسدا له، وهنا سوف تفشل المجتمعات بصناعة حياة متناسقة ومنسجمة، كون قيمة الاخاء تتراجع، وفي حالة العكس، فإن حياة المجتمع ستكون نموذجية.

وعن طبيعة الاخوان وأنواعهم وطرق تعاملهم مع بعضهم، فقد حدد الإمام الحسين عليه السلام أنواع الأخوان بأربعة، حتى يفهم الناس أهمية الإخاء في صنع حياة الاستقرار والتطور والإبداع، وحتى يمكنهم تجنب أنواع الإخاء التي تقف حجر عثرة في طريق بناء الحياة المثلى، وهذا دليل على أن الفكر الحسيني تصدى لجميع القضايا التي تهم الناس، وتساعدهم على تحسين حياتهم، وبنائها بصورة أفضل.

الأخوان أربعة

فقد جاء في كتاب (تحف العقول): (قال الامام الحسين -ع-، الاخوان اربعة: فأخ لك وله. وأخ لك. وأخ عليك. وأخ لا لك ولا له، فسئل عن معنى ذلك؟ فقال -ع-: الأخ الذي هو لك وله فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء، ولا يطلب بإخائه موت الإخاء، فهذا لك وله لأنه اذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعا واذا دخل الإخاء في حال التناقض بطل جميعا.

والأخ الذي هو لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع الى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء فهذا موفر عليك بكليته. والأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر ويغشي السرائر ويكذب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد. والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقاً فتراه يؤثر نفسه عليك.

ونستطيع من قول الامام (ع) في الإخاء، أن نقدّر مدى أهمية اسلوب الإخاء وتأثيره في حياتنا، ولعلنا جربنا أنواع الإخوان الذين قسم الامام أنواعهم الى أربعة، ولا شك أن أكثر خطرا وإساءة هو الأخ (لا لك ولا له)، بمعنى أنه بسلوكه الخاطئ سوف يبث الشر في طريقة تعامله معك ويسيء لك ولنفسه، وفي الحقيقة هذا هو أخطر الاخوان، وهو بمثابة الفأس الذي يهشم مقومات الحياة كافة، ويصبح مشكلة كأداء لأخيه وللمجتمع عموما.

وهذا النوع كما يصفه الإمام (ع): (والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقاً فتراه يؤثر نفسه عليك)، بمعنى أنه أحمق بل بالغ الحمق، ولهذا لا يتردد قيد أنملة من تفضيل نفسه على أخيه، طلبا لمادة او جاه او منصب او أية مصلحة من أي نوع كان، وهذا السلوك ينشر الأنانية في المجتمع فتدمر حياة الناس من دون تمييز.

وهناك أخ عليك، كما يصفه الامام الحسين (ع)، وهذا لا يشكل خطرا على نفسه، فهو يعرف من أين تؤكَل الكتف كما يقال، وهذا النوع من الاخوان يكون ضد أخيه لصالح نفسه، فيدمر الحياة أيضا، ولا يسهم في بنائها مهما حاول أو صرّح بذلك، وهو في هذه الحالة ضد الحياة، وضد بنائها بالطريقة السليمة، كما أن هذا النوع من الاخوان لا يتورع عن إلحاق الأذى بأخيه.

فهو يتربص بأخيه كما يؤكد ذلك الامام (ع) عندما يقول عنه: (والأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر ويغشي السرائر ويكذب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد).

أما الأخ الذي (لك وله) بمعنى يؤاخيك وفق مقاييس الأخوّة الصادقة، وفي نفس الوقت يكون مع نفسه ويعمل لصالحها، وهذا هو الأخ الحق الذي يسهم بصورة كبيرة في صنع حياة قويمة وسليمة ومتطورة ومستقرة في وقت واحد، اذ يصفه الامام الحسين (ع) بقوله: (والأخ الذي هو لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع الى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء).

نشر الإخاء مهمة ممكنة

مما تم التطرّق إليه، والخوض فيه، لاسيما في تقسيم الامام الحسين (ع) الاخوان الى انواع أربعة، ومن ثم تفسيره لهم بصورة واضحة وبالغة الدقة، يتضح لنا أن الأخوّة تقع في صلب الفكر الحسيني، هذا الفكر الذي قدم رؤية دقيقة عن الإخاء، وفصّل هذه الرؤية، ووضع النقاط على حروفها بدقة متناهية بخصوص هذا المقوّم الحيوي لصنع الحياة.

لذلك يدعونا الفكر الحسيني الخلاق، بعد التقسيم الواضح، والتفسير الدقيق للإخوان، الى أهمية اعتماد مقوّم الإخاء في صنع الحياة، مع ملاحظة من يكون عليك وعلى نفسه من الإخوان، فمثل هؤلاء يشكلون خطرا على أنفسهم وعلى اخوانهم، وبالتالي على البيئة الاجتماعية التي ينتمون لها وينشطون فيها، الأمر الذي يستدعي متابعة حثيثة ومعالجات دائمة لتنقية المجتمع من مخاطرهم عبر طرق وسبل عديدة منها:

- مضاعفة أعداد الإخوان من النوع الأفضل وفق تقسيم الامام (ع) للإخوان وهو الأخ الذي (لك وله)، أي الذي يفيدك بقدر ما يفيد نفسه، ولا يفضلها عليك.

- تطويق حالة (الأخ الذي عليك)، فهذا النوع من الاخوان يعده الفكر الحسيني خطرا على نفسه واخوانه والمجتمع لذا وجب وقفه عند حده.

- قيام الجهات ذات العلاقة الدينية والتربوية والثقافية، والمنظمات المعنية بتطوير المجتمع، بدورها النشيط المتواصل في نشر ثقافة الإخاء بين الجميع.

- توجد مؤسسات خيرية كثيرة وكبيرة متخصصة في هذا المجال، يقع على عاتقها إقامة الندوات الكبيرة لتوضيح معنى الاخاء وفقا لما جاء في الفكر الحسيني الخلاق.

- ولا شك أن انواع العلاقات الاخرى بين الناس لا تغني عن علاقة الإخاء، كالصداقة وعلاقات المصالح والعمل وما شابه.

- وعندما ركّز الفكر الحسيني على دور الإخاء في صناعة الحياة وتطوير المجتمع، فهذا يعني أهمية هذه العلاقة الانسانية، وقدرتها على تنقية الاجواء الاجتماعية.

- وأخيرا يمكن للمعنيين بالقيام بحملات تثقيفية متواصلة، تفتح آفاق الفهم الأفضل للمجتمع، لما تعنيه (علاقة الإخاء) في الفكر الحسيني، وكيف يمكن استثمارها لصناعة حياة تليق بالمسلمين ومكانتهم التاريخية في الرحلة البشرية الطويلة.


المصدر: شبكة النبأ

موقع الأئمة الاثني عشر

2020/05/05

هل يعلم الأنبياء والأئمة (ع) بيوم وفاتهم؟

من مسلمات مذهب الإمامية ان الإمامة خلافة للنبوة، والإمام مكلف بنفس وظائف النبي صلى الله عليه واله، الأمر الذي يستدعي تميز الإمام بكل ما كان يتميز به الرسول من الصفات الكمالية كالعلم والعصمة وغيرها وأن يتنزه عن صفات النقص، مع المحافظة على "لا نبي بعدي"، وهذا ما صرحت به النصوص الصحيحة الصريحة، منه ما اخرجه الصفار (290هـ) قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل عليّ عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله؟!.

فقال عليه السلام : «علم النبي علم جميع النبيين ، وعلم ما كان ، وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة..؛ والذي نفسي بيده ، إنيّ لأعلم علم النبي صلى الله عليه وآله ، وعلم ما كان ، وما هو كائن ، فما بيني وبين قيام الساعة»([1]). قلت : إسناده صحيح .

وروى ثقة الإسلام الكليني عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن شعيب الحداد ، عن ضريس الكناسي قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو بصير فقال : أبو عبد الله عليه السلام : «إنّ داود ورث علم الأنبياء ، وإن سليمان ورث داود ، وإنّ محمداً صلى الله عليه وآله ورث سليمان ، وإنّا ورثنا محمداً صلى الله عليه وآله وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى»([2]). قلت : إسناده صحيح .

وقد اثبت محدثو اهل السنة علم النبي صلى الله عليه واله المطلق بالغيب بتعليم الله، منه ما أخرجه إمام الحنابلة احمد بن حنبل (241هـ) قال : حدثنا سلمة بن شبيب وعبد بن حميد، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟!.

قال النبيّ : «قلت: لا».

قال النبيّ عليه السلام : «فوضع يده بين كتفي ، حتى وجدت بردها في نحري، فعلمت ما في السماوات ، وما في الأرض»([3]).

قلت : صحيح ، رجاله ثقات على شرط الشيخين . وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير([4]) .

وأخرج الترمذي قال : حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هانئ أبو هانئ اليشكري قال: حدثنا جهضم بن عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، أنّه حدثه عن مالك بن يخامر السكسكي، عن معاذ بن جبل قال: قال النبيّ : «... فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟!.

قلت: لا أدري رب، قالها ثلاثاً.

قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلّى لي كلّ شيء وعرفته....».

قال الترمذي : «هذا حديث حسن صحيح ، سألت محمد بن إسماعيل (=البخاري) عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن صحيح ([5]).

علم الإمام بيوم وفاته

 لكن قد يسأل سائل، إن كان الإمام يعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة، فهو يعلم علماً يقينياً بساعة موته ووقت منيّته، فإذا كان يعلم ان خروجه الى المسجد سيكون سبباً لاغتياله، فلماذا خرج؟ ألا يُعد إلقاءٌ للنفس في التهلكة ، وهي معصية عظيمة؟

وجوابه نقضاً وحلاً:

فنحن ننقض بعلم أسماعيل عليه السلام بذبحه، ومع هذا سلم أمره لله، وقال لأبيه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ)، الصافات: 102. فهل لنا ان نقول ان اسماعيل عليه السلام أقدم على الهلكة!

وكذلك ننقض بفعل بني إسرائيل عندما أمرهم المولى سبحانه أن يقتلوا أنفسهم، (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة: 54. فهل تسليم أنفسهم للموت امتثالا لأمر الله، هو أقدام على الهلكة!

وننقض ثالثاً، بوجوب تسليم القاتل العمد نفسه للقصاص، أي لولي دم المقتول، فيخير الولي حينئذ بقتله او أخذ الدية.

ورابعاً بالجهاد في سبيل الله حتى لو علم انه مقتول لا محالة. يقول الغزالي: فإن قيل : مامعنى: (ولا تلقوا ايديكم بالتهلكة)؟ قلنا: لا خلاف في ان المسلم الواحد له ان يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم انه يقتل([6]).

وهل يتصوّر أحد أنّ الشّخص الّذي يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطر فيحميه بنفسه ويذبّ عنه معرّضاً نفسه للخطر فداءً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما صنع علي عليه السلام في حرب اُحد أو في ليلة المبيت فهل يعني هذا إلقاء للنفس بالتّهلكة وإنّه صنع حراماً ؟

وهكذا العديد من الموارد، التي يقدم فيها الإنسان على الموت، ولا يعد ذلك شرعاً او عقلاً من التهلكة.

وأما حلاً: فلأن معنى الهلكة هو تعريض النفس للموت من دون مسوغ، ويتعلّق بالموارد الّتي لا يكون فيها الهدف أثمن من النفس وإلاّ فلابدّ من التضحية بالنفس حفاظاً على ذلك الهدف المقدّس. فإذا كان هناك أمر شرعي يحتم تسليم الإنسان نفسه للخطر ولو فيها هلاكه، لزم ذلك ولم يعد القاءً للنفس في التهلكة، شاهد ذلك ما رواه الترمذي قال : غزونا القسطنطينية ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل على العدو ، فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ، يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب : سبحان الله! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه ، قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله عز وجل : وأنفقوا في سبيل الله الآية ، والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ، فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ، فقبره هناك ، فأخبرنا أبو أيوب أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله ، وأن الآية نزلت في ذلك . وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك([7]).

والإمام عليه السلام، لا يفعل شيئاً إلاّ بأمر الله تعالى ورسوله ، وإلاّ لما كان معصوماً ، وهذا معلوم ضرورة ، والنصوص فيه متواترة ؛ منها الأخبار القطعيّة كونه عليه السلام مخيّراً بين الموت والحياة ، والتخيير تكليف وأمر شرعي إجماعاً وقولاً واحداً.

ممّا يدلّ عليه، صحيح عبد الملك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أنزل الله تعالى النصر على الحسين عليه السلام ، حتى كان ما بين السماء والأرض ، ثمّ خُيِّـرَ النصرَ ، أو لقاء الله ؛ فاختار لقاء الله تعالى»([8]).

وهو صريحٌ أنّ استشهاد الحسين عليه السلام ، تكليفٌ إلهي وشرعٌ ربّانيّ، لكن على نحو التخيير ، لا التعيين ، ولا ارتياب أنّه مقدّم على أدلّة حفظ النفس.

ويدلّ عليها صحيح الحسن بن الجهم ، عن الرضا عليه السلام قال في إقدام أمير المؤمنين عليه السلام : «خُيِّـرَ في تلك الليلة ؛ لتمضي مقادير الله عز وجل»([9]).

قال الفيض : أراد السائل أنه عليه السلام كان عارفاً بقتله في ذلك الوقت وقد قال عند سماع صياح الإوز : «صوائح تتبعها نوائح» وقد منعته أم كلثوم عن الخروج من الدار في ذلك الوقت ، وهذه دلائل واضحة على أنّه لم يشك في قتله.

حينئذ ومع ذلك فأبى إلاّ الخروج ، وهذا مما لم يجز تعرضه في الشرع ، أو لم يحل ، أو لم يحسن على اختلاف النسخ ؛ فقد قال اللَّه تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).  فأجابه عليه السّلام بأنه عليه السلام ، خيِّر في تلك الليلة ، أي : جعل إليه الأمر بأن يختار لقاء اللَّه ، أو البقاء في الدنيا ، فاختار لقاء الله ، فسقط عنه وجوب حفظ النفس([10]).

والأمر التخييري هو أمر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وعليه فيسقط حينئذ وجوب حفظ النفس.

الهوامش:


([1])  بصائر الدرجات(ت: حسن كوجة): 147 . مطبعة الأحمدي، طهران.

([2])  الكافي (ت: علي غفاري) 1 : 227. دار الكتب الإسلامية ، طهران.

([3])  سنن الترمذي (ت: أحمد شاكر) 5: 366، رقم: 3233 .

([4])  صحيح الجامع الصغير 1: 73، رقم: 59 . المكتب الإسلامي ، بيروت.

([5])  سنن الترمذي (ت: أحمد شاكر) 5: 366، رقم: 3235 . مطبعة البابي الحلبي ، مصر .

وانظر معجم الطبراني(ت: حمدي السلفي) 20: 109، رقم: 216. مكتبة ابن تيمة، القاهرة.

([6])  احياء علوم الدين، ج2، ص319.

([7])  سنن الترمذي (ت: أحمد شاكر)، ج11، ص205، رقم:  3236.

([8])  الكافي (ت: علي غفاري) 1 : 260. دار الكتب الإسلامية ، طهران.

([9])  الكافي (ت: علي غفاري) 1 : 259. دار الكتب الإسلامية ، طهران.

([10])  الكافي (ت: علي غفاري) 1 : 260. دار الكتب الإسلامية ، طهران.

2020/05/03

كيف نتعامل مع الإشاعات؟

نعيش في عصر تتكاثر فيه الاشاعات و تتزايد فيه الاخبار الكاذبة أو المتلاعب فيها بحيث تكاد تغطي هذه الاخبار و الاشاعات على الاخبار الصحيحة و المعلومات المفيدة و النافعة.

بل و اصبحت حالة من فقدان الثقة تسيطر على الكثير من الناس لعدم مقدرتهم على التمييز بين الصحيح و السقيم منها، و من اسباب تكاثر الاشاعات هو سهولة انتشار الاشاعة خلال لحظات على نطاق واسع من جهة، و من جهة اخرى فان بث الاشاعة لا يكلف المشيع جهداً و لا مالاً و لا يلاحقه قانون في أغلب الاوقات و البلدان.

الاشاعة و الحرب النفسية

ثم إن بث الاشاعات على نطاق واسع من خلال الشبكة العنكبوتية و القنوات الفضائية إنما هو من مصاديق الحروب النفسية التي تشنها القوى الاستكبارية تجاه مناوئيهم بهدف قلب الحقائق و تسقيط مخالفيهم، و الحروب النفسية كما هو واضح أقل الحروب تكلفة، و لذا فقد تكون خيارهم الاول، و الحروب النفسية هذه رغم أنها قليلة التكلفة على من يشنها و يدير دفتها ، فهي خطيرة جداً على الطرف الآخر و قد تكلف الفرد و المجتمع ثمناً باهظاً أو تتسبب في خسارة مادية أو معنوية كبيرة لا يمكن جبرها أبداً.

ما هي الاشاعة ؟

الاشاعة و جمعها اشاعات هي الخَبر المكذوب أو الملفق ، أو غير الموثوق فيه، أو الخبر غير المُؤكَّد الذي يُنشر بين الناس بهدف التشويش على الاذهان أو بهدف قلب الحقائق أو استغلال الحوادث و ما اليها من الاهداف الخسيسة و الشيطانية.

حكم الشريعة الإسلامية في الاشاعات

لا يجوز صياغة الاشاعات الكاذبة بل و حتى الصادقة التي تخدم النوايا الفاسدة كالتي أشرنا اليها.

و من جملة الاشاعات التي نهت الشريعة الإسلامية عن بثها هي الاخبار الصحيحة التي لها تأثيرات سيئة على الافراد أو المجتمعات.

قال الله عَزَّ و جَلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) 1.

و المقصود هو نشر خبر وقوع الفاحشة، رغم وقوعها و صحة الخبر ، فقد وعدهم الله بعذاب اليم في الدنيا و الآخرة لما في نشر مثل هذه الاخبار من تأثيرات خطيرة على المؤمنين .

رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا رَأَتْهُ عَيْنَاهُ وَ سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ... ) 1 "  2.

و وَرَدَ في وصايا النبي صلى الله عليه و آله لأبي ذر أنه قال : "يَا أَبَا ذَرٍّ كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ‏ بِكُلِ‏ مَا سَمِع‏ " 3.

فلا يجوز لنا أن نصدق كل ما يُشاع إلا بعد التأكد من صحته الاشاعة و سلامة محتواها و تأثيراتها ،  كما لا يجوز لنا إعادة نشرها إلا بعد الوثوق بأرجحية نشرها.

الهوامش:


1. a. b. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 19، الصفحة: 351.

2. الكافي: 2 / 357 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.

3. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): 12 / 188 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي الحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة: 1104 بمشهد الإمام الرضا و المدفون بها، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران.

2020/04/27

هل سيجبرنا «الفقر» على أكل ما رميناه بالأمس؟!

لست مخضرما لكنني أسمع كما يسمع أبناء جيلي حكايات عن الفقر في زمن أجدادنا و ما عانوه من ضيق الحال و قلة ذات اليد. فلانة تلتقط التمر من السكك و فلان لا يكتفي بتناول الطعام في وليمة الزواج بل يضع الرز في ثوبه بعد أن يرفع طرفيه ليذهب به إلى البيت و يشرك الأهل في الوجبة. الفواكه كانت نادرة و تقدم المناسبات ولم يكن ثمة " كيوي" من نيوزلندا أو " منجا " الفونسو من الهند ولا " التفاح" الأحمر الأمريكي، مؤخراً، البرتقال و حسب كان سيد الفاكهة الذي يكرم به الضيوف.

تقلصت مهنتا الفلاحة و الملاحة كمهنتين أساسيتين في بلدنا و مع تدفق النفط انحسر الفقر بانحسار المهن التقليدية وبدأت تتدفق الأموال في الجيوب و تغير نمط العيش من الحياة الريفية البحرية الجميلة رغم صعوبتها و شظف العيش فيها (حسب شهادة أحد كبار السن "رحمه الله") إلى حياة المدنية و الحضارة التي أصبحنا فيها مجرد مستهلكين لما تنتجه الدول الزراعية و الصناعية الكبرى. لم تعد "النعمة " عزيزة. و أصبح مألوفاً أن ترمى الأطعمة الشهية الصالحة للأكل في حاويات القمامة. فليس مستغرباً أن ترى الرز و اللحم يحشر في الأكياس السوداء و البخار لما يتوقف عن الصعود من الطبق. و ليس عجيباً أن ترى قدوراً مهيأة لضيوف مفترضين تنبذ مع المخلفات دون أن تطرف عين من يرميها أو يتمتم متأسفاً مستغفراً ربه.

و ليست حفلات الزواج و الولائم العامة مناسبات فريدة يمارس فيها هذا السلوك، بل أصبح رمي الأطعمة معتاداً في البيوت و المطاعم و الرحلات و سائر شؤون الناس و اجتماعاتهم.

فلا تعترض لو حللت ضيفاً في شهر رمضان وبعد الفطور أو السحور قلب مضيفك أطباق القيمات و السمبوسة و الكفتة و لفائف المعجنات و العصيد و السلطة على وجهها تمهيدا لرميها أمام عينيك كدليل حسي ماثل امامك على حسن ضيافته و كرمه. لا تعترض!! فالسلوك أصبح عرفاً اجتماعياً مستساغاً لدى فئات كثيرة من الناس، و يمارسه ذو الراتب المتدني و ذو الراتب المرتفع. وليت رمي الأطعمة "الصالحة للاستخدام البشري" يتم التخلص منها بحيث ينتفع بها "الحيوانات و البهائم " كالرز للطيور و الخبز للبقر و اللحم للكلاب و القطط، فالمشاهد أن الرمي يتم وكأن هناك إصراراً وحرصاً على أن لا ينتفع بهذا الطعام أي مخلوق، فالأكياس محكمة الإغلاق و الطعام مختلط بالصحون و العلب و غيرها.

ربما يرى البعض صعوبة في إيصال الطعام إلى من يستفيد منه ولكنه لو تأمل في الجواب المطلوب منه بين يدي الله تعالى لتحمل في هذا العالم قليلاً من المشقة قبل تحمل مشقة يوم الحساب.

كيف نتخلص من هذه الظاهرة؟

ويبدو من التأمل في المجتمعات الأخرى أن مجتمعنا ليس بدعاً من المجتمعات البشرية التي تعيش ظروفاً و أوضاعاً مشابهة من وفرة الطعام و يسر الحال. فما الذي يمكن أن يمنع هذه الظاهرة؟

أهو الوعي و الإدراك بأن هذه الممارسة تصطدم مع الدين أولا مع الذوق السليم و الطبع السوي ثانياً و تتعارض مع الإنسانية و التحسس بآلام المسحوقين ثالثاً؟ هل إدراك هذه الأمور يكفي؟

أم أن الفقر و الاضطرار إلى احترام " النعمة " هو العلاج الناجع لهذا السلوك غير السوي؟

يصف أحد الخطباء العراقيين أوضاع مجتمعهم قبل ما يقارب 40 سنة، و يذكر أنهم كانوا يرمون الأطعمة في القمامة ثم ابتلاهم الله بما هم فيه من الفقر و العوز و الجوع. ولقد رأيت مشهداً يهز الوجدان في بعض أرض العراق عام 1421، رأيت عجوزاً جالسة على الأرض تقترب ببطء من حاوية القمامة و تلتقط قطعاً من الخبز تخبئها في كيس بين الثياب. و سألت أحد أهل المنطقة التي كنت فيها عما رأيت، أتجمعه للبهائم أم لبيتها؟ فقال كلاهما وارد " يجوز للحيوانات و يجوز لأولادها" وعقب بأن هناك من هلك جوعاً في بعض بلادهم.

جوهر المشكلة هو وضع الشيء في غير موضعه أي أن هذا الفعل و السلوك من أفعال و سلوك غير العقلاء. و المشكلة بوصف مبسط هي إهدار الثروة التي وهبها الله سبحانه وتعالى لعباده مع القدرة على الاستفادة منها. و فيها مخالفة واضحة لتعاليم النبي و أهل بيته المعصومين عليهم السلام. فإذا كان الأكل الزائد عن حاجة الجسم و تقويم الجسد يعد إسرافاً، فماذا يعد رمي المقادير الهائلة من الطعام دون الاستفادة منه مطلقاً؟ إن كان تناول الزائد عن حاجة الجسم إسرافاً فرمي الطعام تبذير.

و عذرا لو استطردنا في بيان الفرق بين الإسراف و التبذير، فالأول يكون إنفاقه في الحق و الحلال ولكن بإفراط و زيادة عن مقدار الحاجة، و التبذير إهدار للمال دون فائدة كفعل السفيه بدفع أضعاف القيمة للشيء الذي يشتريه، أو كإنفاق المال في المعاصي.

و الله تعالى يقول في المسرفين:

( ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )[1].

( ... وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ )[2].

ويقول في المبذرين:

( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )[3].

و قبل طرح الحلول نتعرض لمنشأ المشكلة.

ليس لظاهرة الإسراف و التبذير منشأ واحد بل هي مشكلة متعددة الجوانب:

  1. استبعاد حقيقة المحاسبة من الله، أي أن البعض يمارس هذا السلوك باعتباره أمراً مقبولاً لا ضير فيه ولا مخالفة لحكم من أحكام الله. بكلمة أخرى "الجهل المركب" فالبعض يجهل أنه يجهل فداحة الخطأ و سوء العمل الذي يقوم به.
  2. الخجل من تعيير المجتمع. فسهام الاتهام بالبخل مصوبة نحو من يتصرف بشكل عقلائي في الضيافة و ما يفضل من الطعام. فربما يعلم البعض أن هذا ليس كرماً ولكن يفعله اتقاء العتب و اللوم.
  3. الاعتقاد بأن هذا من الكرم. فهناك تصور بأن المبالغة في إكرام الضيف من الأدب و حسن الضيافة. و الحال أن المبالغة في إكرام الضيف باحترامه و توقيره و عدم التقصير في خدمته و ليس بإهدار ما قدم له دون منفعة.
  4. الاطمئنان بالقدرة المالية. فلا خشية من نقصان القوة الشرائية للعملة ولا خوف من نقصان الرصيد. و بالتالي ما الحاجة إلى "التقصير" مع الضيوف و العيال؟
  5. الملل و الكسل من اتخاذ أي حل. فالبعض مقتنع بخطأ الممارسة تماماً و يخشى أن يأتي يوم يضطر فيه لجمع ما نبذه أيام الرخاء ولكن الجواب " شنسوي؟ " " كده كده بينرمى" و"إذا ما رميته أنت بيرميه غيرك" (إذا بادر حتى لا تفوتك الفضيلة و يسبقك الآخرون إلى هذا الشرف!!!)
  6. عدم التحسس بجوع الناس في أصقاع الدنيا. ربما نعلم أن في الدنيا مجاعات و قحط في الموارد الغذائية، ولكن لا نشعر بآلام غيرنا، وإذا شعرنا استسلمنا للواقع و سلمنا بأفعال من حولنا.
  7. غياب النظرة الحكمية و الفلسفية لوجود الإنسان في هذا الكون. قد يكون السبب غامضاً ولكن ما أعنيه أن الإنسان لو تأمل في حقيقة وجوده المؤقت في هذا العالم و نظر في طول عمر الكون من آدم إلى نهاية الدنيا و قلب الأرض و ما تحويه من خيرات، ثم سأل نفسه هذا السؤال: ما هو نصيبي من هذا الكون؟ ما حصتي من الزمن و القوة و الثروة التي أرادها الله و التي تناسبني حسب ما قدره الله؟ أتراني أخذت أكثر مما خصصه الله لي إذ خلقني و خلق لي رزقي؟ فما هو الحد المناسب لاستخدام العاقل الحكيم ولو كان يملك أموالاً كمياه البحر؟

وهذا السبب الأخير - في ظني - هو الغرض من بعض التعاليم النبوية الشريفة في التعامل مع الثروة. فلماذا يكره الإسراف في ماء الوضوء ولو كنت تملك ماء الأنهار في الدنيا؟ (ربما يعزو البعض كراهة الإسراف للابتعاد عن الوسوسة في الطهارة) ولماذا يعد رمي نوى التمر أدنى درجات الإسراف و كذلك إهراق فضلة الماء؟؟ ولماذا يكره أن تجعل "ثوب صونك ثوب بذلتك"؟ أي أن تجعل ثياب الأناقة "الكشخة" مبتذلة للعمل و تعرضها للتلف؟ أليس ذلك من أجل تحويل الإنسان إلى كائن حكيم وليس خشية من الله – استغفر الله – على ثروات الدنيا؟

ما هو الحل إذاً؟

و الحلول - رغم أنني لست متفائلاً بأي منها- ليست بيد الخطباء و المشايخ كما هي عادة البعض في تحميلهم المسؤوليات الاجتماعية من "طق طق للسلام عليكم" مع أنني لا أنكر ولا أتنكر لدور الخطباء الكبير في الحد من الكثير من المشاكل الاجتماعية فبذورهم تنمو في الأرض الصالحة و هذا يلاحظ بالمقارنة مع من حرموا أنفسهم من نعمة المنبر الحسيني فبالنظر إلى حال الآخرين يهون خطبنا.

إنما هي مسؤولية مشتركة يتحملها الأكثر شعوراً بضرورة التغيير و الأقدر على ممارسة التغيير بغض النظر عن جنسه و منصبه و عمره و طبيعة عمله. بل ربما يستطيع التغيير من لا يخطر ببالنا إطلاقاً كالمعدمين من عمال النظافة حينما يفرحون بالطعام كما يفرح البعض بالذهب و النفائس.

فإذا نظرنا إلى المشكلة من جانب الولائم و حفلات الأعراس، ربما يساعد في ذلك توجيه الكلام إلى أصحاب المطاعم الذين يستقدمون المهرة من الطباخين لتصنع أيديهم طعاماً مصيره غير ما تعبو من أجله، يخاطبون بصفتهم مستقبلين للشريحة المعنية و الممارسة لهذا السلوك غير الديني و غير الحضاري فيقومون بدور المرشد و الموجه و لو من زاوية عملية في طريقة التوزيع و التقديم و التخزين و الاستعداد لاستقبال الفائض مثلاً.

ربما يحد من المشكلة أصحاب الصالات بتوجيه المشورة و إبداء الاستعداد للتعامل مع فائض الأطعمة بما يليق بمستوانا الإدراكي و الشعوري النابع من التعقل في جميع الشؤون. كإرسالها إلى من يقبلها من المسحوقين القادمين من بلاد الفقر و المسكنة إلى أرض النفط و الثروة.

ربما يحد من المشكلة نشر قصص عن أقوام كانوا منعمين مرفهين وادعين، لم يحترموا نعم الله عليهم، فأذاقهم الله مرارة الحاجة و أصبحوا مقتصدين بعد التبذير و متعقلين بعد السفه.

وربما لا يحد من المشكلة و حسب بل يحلها حلاً جذرياً نهائياً شاملاً مثاليا تقلب الزمان و تبدل الحال، و إني أخشى إن أصررنا على أفعالنا و استسخفنا جرمنا أن يبتلينا الله بذنوبنا و يجعلنا أحاديث يتعظ بنا غيرنا و تقص أنباؤنا على من يخلفنا.

الهوامش:


[1] القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 31، الصفحة: 154.

[2] القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 43، الصفحة: 472.

[3] القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 27، الصفحة: 284.

2020/04/21