ما هي أركان التشيّع الأربعة؟ تعرّف عليها...

يجد المتتبع والمتأمل للكثير من الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) خصوصاً عن الباقر والصادق (عليهما السلام) اهتمامهم الشديد بتوعية اتباعهم بحقيقة وجوهر التشيّع وذلك حرصاً على الحفاظ على المنهج المتكامل لمذهب أهل البيت وصيانته من حصول سوء الفهم او الاشتباه او الغفلة او التطبيق السيء له مما يحرفه عن وجهته الاصيلة التي تمثل الوعاء العلمي والعملي الكامل لمنهج القرآن الكريم والنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

حيث وجد الأئمة في بعض شيعتهم مصاديق لذلك من خلال رؤيتهم الدقيقة للواقع المعاش لشيعتهم وترك هذه الظواهر في خضم التحديات الفكرية والاخلاقية والشعائرية التي يمر بها اتباعهم وفي ظل المعترك الفكري والحضاري مع مذاهب وديانات اخرى سيشكل تهديداً خطيراً على هوية وجوهر التشيع..

لذلك تصدى الائمة (عليهم السلام) بكل قوة للحفاظ على المقومات الاساسية للتشيّع المتمثلة بالعقيدة الصحيحة والعبادات المشروعة والشعائر المأثورة والعمل الصالح والاخلاق الفاضلة..

وحيث اننا نعيش تحديات صعبة في وسط قد يغلب فيه قلة الوعي وعدم الفهم الصحيح لما أراده أئمة اهل البيت (عليهم السلام) نجد لزاماً التذكير دائماً بتلك الروايات وما هي مضامينها ومقاصدها..

ويمكن ان نستقرئ مجموعة من تلك المقاصد (وليست جميعها) من خلال المؤشرات التالية:

1-  تطابق العمل مع العلم والعقيدة:

فنجد في بعض الروايات تحديداً دقيقاً من الائمة (عليهم السلام) لمواصفات شيعتهم ومقومات التشيع الصادق ووضعوا معايير للولاء الحقيقي لهم، فالبعض قد تلتبس عليه الامور فيعتبر ان التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) هو ان يعتقد الشخص بإمامتهم ومنزلتهم ومقامهم عند الله تعالى او ان التشيع يعني اظهار المحبة والمودة هلم او اظهار الفرح والحزن في مناسباتهم من الوفيات والولادات او الاكثار من زياراتهم وإقامة المجالس كافٍ في إظهار قوة الولاء لهم..

نحن نلفت النظر الى هذه النقطة..

لا يُنكر ان هذه الامور مهمة ومطلوبة في إبراز حقيقة وجوهر التشيّع لكنها لا تمثل كل المذهب في جوهره وحقيقته كما سنبينه في الروايات التي وردت عن الائمة عليهم السلام بل لابد من الجمع بين العلم والعقيدة والعمل والشعائر والعبادة الصحيحة وبقية الامور التي بيّنها الائمة (عليهم السلام)..

ويمكن هنا ان نتمثل هذه الاركان ونركزّ عليها أي اركان ومقومات اهل البيت (عليهم السلام):

أولا ً: العقيدة الصحيح الخالية من الخطأ والاشتباه وسوء الفهم.

ثانياً: العبادات المشروعة التي تتطابق مع الاحكام الشرعية المأخوذة من محالها ومن المرجع الذي يصح تقليده.

ثالثاً: الشعائر المأثورة.

رابعاً: العمل الصالح والاخلاق الحميدة.

اربعة امور ان جمعنا بينها تمثّل فينا جوهر التشيّع وصدقه وصدق الاتبّاع لأهل البيت، الإخلال بواحد منها يمثل نقصاً جوهرياً في حقيقة التشيّع.

ربما ولعله مثل حال اركان الصلاة فكما ان الصلاة لها اركان لا تتقوم في حقيقتها الا باجتماع هذه الاركان فكذلك التشيع لأهل البيت (عليهم السلام).

روي عن الامام الصادق (عليه السلام): (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في اعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتّبع آثارنا وعمل بأعمالنا اولئك شيعتنا).

وروي عن الامام العسكري (عليه السلام) في جوابه لسائل عن الفرق بين المحب والشيعي، فأجابه (عليه السلام): (الفرق ان شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا ويطيعونا في جميع اوامرنا ونواهينا، فاولئك شيعتنا،فأما من خالفنا في كثير مما فرض الله عليه فليسوا من شيعتنا).

[ذات صلة]

وعن الامام الباقر (عليه السلام): (لوْ أُتيتُ بشابٍّ من شبَاب الشيعةِ لا يَتفقَّهُ في الدِّينِ لأوْجَعْتُهُ).

والتفقه هو الفهم العميق فالمطلوب من كل منا ان يكون فهمه للدين عميقاً لا سطحياً، والفهم العميق للدين انما يتأتى من اخذ مصادر الدين والاحكام الشرعية من مصادرها الصحيحة لا المصادر المُضللة التي تدعي بهتاناً وزوراً مقاماً دينياً وعلمياً لها وهي لا تستحقه..

وعن الامام الرضا (عليه السلام): (رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقال الهروي: وكيف يحيي امركم؟ قال (عليه السلام): يتعلم علومنا ويعلّمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).

وعن نوف البقال قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) صف لي شيعتك.. فبكى الامام (عليه السلام) لذكر شيعته وقال: (يا نوف شيعتي والله الحلماء العلماء بالله ودينه).

2- الملازمة بين الشِعار (شعار التشيّع) والتقوى والورع في دين الله أي الوعي لجوهر التشيع المتمثل بالورع والتقوى:

فلقد وردت روايات كثيرة تبين وبألسنة مختلفة شدة اهتمام اهل البيت (عليهم السلام) بالاتصاف بالتقوى والورع والطاعة لله تعالى من التزام أوامره والانتهاء عن نواهيه ووصل الأمر ان الامام (عليه السلام) يقسم بالله تعالى لتأكيد هذا المفهوم وذلك خطورة الانفكاك في جوهر التشيع بين الشعار وملازمة التقوى..

من ذلك قول الامام الباقر (عليه السلام) لبعض شيعته: (والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابةٌ ولا لنا على الله حجّةٌ ولا نتقرب الى الله إلا بالطاعة فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعهُ ولايتنا ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا.. ويحكم لا تغتَرُّوا ويْحَكُم لا تغتَرُّوا).

فالإمام (عليه السلام) يحذر من الاعتداد الزائد والغرور بمجرد الانتساب لأهل البيت (عليهم السلام) فيتركوا طاعة الله تعالى دون ان يصاحب الاعتقاد بأهل البيت (عليهم السلام) ومقامهم التقوى والورع وملازمة الانقياد لله تعالى في اوامره ونواهيه.

3-  الاهتمام بالتعايش السلمي مع مكونات المجتمع الاخرى:

فقد يتصور البعض ان التشيع الصادق هو بطرح معتقدات مذهب اهل البيت (عليهم السلام) مع الانتقاص من غيرهم والطعن بهم او التقاطع والتنابذ والهجران لمخالفيهم بزعم انه من موجبات الحفاظ على هوية التشيع وصيانة اتباع الائمة من التأثر بالآخرين..

بينما نجد ان القراءة الصحيحة والواعية لسيرتهم (عليهم السلام) وما وجّهوا به شيعتهم تدعوهم الى طرح المذهب الحق بالحجة والبرهان مع رعاية التعايش السلمي مع الاخرين المبني على مخالطتهم ومعاشرتهم بالحسنى ومشاركتهم في مناسباتهم وكف اللسان عن التفوه بما يسيء اليهم ويخل بالسلم الاهلي ويضر بوحدة الصف امام الاعداء والطامعين في البلاد وثرواتها.

ففي رواية عن الصادق (عليه السلام)  لبعض شيعته:

(عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم وإفشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واتبعوا جنائزهم فإن أبي حدثني ان شيعتنا اهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم، ان كان فقيه كان منهم وإن كان مؤذّن كان منهم، وإن كان إمام كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وكذلك كونوا، حبّبونا الى الناس ولا تبغضّونا إليهم).

 

2018/04/07

هل انت شيعي؟!

ما هي حقيقة التشيّع؟ ما هو جوهر التشيّع الذي أراده أهل البيت (عليهم السلام)؟ وكيف نجسّد صدق الانتماء والانتساب لهم؟

إن المتتبّع لروايات أهل البيت عليهم السلام يجد فيها اهتماماً واضحاً وكبيراً لبيان حقيقة وجوهر التشيّع والانتماء لأهل البيت، وقد نبّه الأئمّة (عليهم السلام) من أجل إيقاظ الأمّة وتنبيه من وقع في توهّمٍ خاطئ، والتصوّر المظنون بعيد عن حقيقة الانتماء لأهل البيت وهذا التوهّم موجود لدى الكثير ومنذ زمن الأئمّة (عليهم السلام) وفي أزمنتنا هذه وفي بقيّة الأزمنة.

وهمٌ لا بد أن يرفع!

إنّ مجرّد الاعتقاد بمنزلة ومرتبة ومقام أهل البيت (عليهم السلام) وإنّ مجرّد حبّهم ومجرّد الادّعاء بالانتساب والانتماء إليهم، ومجرّد القيام ببعض الأعمال العبادية وبعض الأمور الأخرى التي تعبّر عن المشاركة للأئمّة (عليهم السلام) في مناسباتهم وأفراحهم وأحزانهم، فإنّ ذلك لا يكفي لصدق الانتماء وحقيقة الانتماء لأهل البيت.

هناك الكثير من الأحاديث التي بيّنها الأئمّة (عليهم السلام) أنّ هذا الأمر وهمٌ خاطئ فلا بدّ أن نرفع هذا الوهم ولابدّ أن يكون لدينا التصوّر الحقيقي الذي أراده أهل البيت (عليهم السلام) في بيان حقيقة الانتماء لهم، وكيف نجسّد صدق الادّعاء.

فهل يكفي مجرّد الادّعاء باللّسان أنّني من شيعة ومن محبّي أهل البيت (عليهم السلام)؟ هل يكفي مجرّد إعلان الحبّ؟ هل يكفي مجرّد المشاركة في المناسبات التي تُظهر الفرح لأفراحهم والحُزن لأحزانهم؟! هل يكفي مجرّد أداء الصلاة والصيام وبعض العبادات؟! وهل يكفي مجرّد زيارة الأرئمة (عليهم السلام)؟ هل يكفي هذا بأن نقول نحن من المنتسبين حقّاً والمنتمين صدقاً لأهل البيت أم أنّ هناك أمراً أعمق وأبعد بكثير من مجرّد هذه الأمور.

ليس من الشيعة!

لقد ذكر الأئمّة (عليهم السلام) مجموعة من المواصفات والمقوّمات التي لو اجتمعت حينئذٍ سيرتقي الإنسان الى حقيقة وجوهر التشيّع لأهل البيت (عليهم السلام)، وإذا أتى ببعضها وترك البعض الآخر إمّا لعدم معرفته أو لغفلته أو لاعتقاده أنّ هذا البعض الذي يأتي به هو الأهمّ والبعض الآخر ليس بمهمّ، فإنّه ليس من شيعة أهل البيت (عليهم السلام)..

فليعرض كلّ واحدٍ منكم سيرته وصفاته وأعماله على هذا الحديث، ولينظر هل اجتمعت فيه هذه الصفات حتّى يُمكن أن يدّعي أنّه من شيعة أهل البيت ومن أتباعهم حقاً أم أنّ هذا مجرّد ادّعاء باللسان ومجرّد حب وعاطفة بالقلب لا ترتقي الى مستوى الالتزام العمليّ الذي أكّد عليه أهل البيت (عليهم السلام).

هذا هو التشيّع

لقد اهتمّ الإمام الباقر (عليه السلام) وبقيّة الأئمّة (عليهم السلام) بتحديد مقوّمات ومواصفات مفهوم التشيّع من خلال ذكر هذه المواصفات في روايات كثيرة نقلها أصحاب الأئمّة (عليهم السلام):

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عليه السلام) قَالَ: قَالَ لِي: يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلّا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

الإمام الباقر(عليه السلام) يقول –التفتوا- لدى الكثير منكم توهّم خاطئ وهذا التوهّم الخاطئ لو بقيَ له آثار خطيرة منها:

1- له آثار على سيرة ومنهج عمل شيعة أهل البيت الذي يجب أن يتجسّد على أرض الواقع في سيرة أتباع وشيعة أهل البيت (عليهم السلام).

2- لو بقيَ هذا التوهّم فإنّه سينعكس سلباً على سمعة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

هناك مجموعة من المواصفات التي تجسّد حقيقة الانتماء الحقيقي لأهل البيت (عليهم السلام)، عبادة وأخلاق وتكافل اجتماعي والرحمة في قلوب المؤمنين والأمانة وصدق الحديث، وهكذا مجموعة من الأمور والنظم ومجموعة من مناهج الحياة لو التزمتم بها حينئذٍ ستكونون من شيعة أهل البيت (عليهم السلام).

أنت تصلّي وتصوم وتُقيم المجالس ولكن تغتاب الناس.. إذن أنت لست في مقام التشيّع، أنت تصلّي وتصوم وتُظهر الفرح في أفراح أهل البيت وتحزن في أحزانهم ولكن لديك نميمة أو لديك كذب أو افتراء أو شتم أو سبّ أو مجموعة من الأخلاق البذيئة.. إذن أنت لست في مقام التشيّع.. أنت محبّ أو موالي نعم.. ولكن لست في مقام التشيّع..

لاحظوا قول الإمام (عليه السلام): (فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ...).

التشيّع الحقيقي

الشيعيّ الحقيقيّ صارت صفته التواضع والتخشّع والأمانة وباقي الصفات.. صفات معروفٌ بها وثابتة لديه وراسخة عنده فهو تراه دائماً في حال التواضع لا أنّه في بعض الأيّام متواضع وفي أيّام أخرى متكبّر.. وهكذا في بقية الصفات من حفظ الأمانة وصدق الحديث..

[ذات صلة]

الأنبياء بأجمهم بُعثوا من أجل الأمانة وصدق الحديث، فيجب حفظ الأمانة حتى لو كان الإنسان باغياً أو فاجراً أو فاسقاً، هناك أمانة منه لديّ يجب أحفظ هذه الأمانة.. هذه أمانة المال أو غيره..

وهناك أمانة الأسرار، ففي المهنة أو العمل الذي أقوم به فيه أسرار فعليَّ أن أحفظ الأسرار من الأعداء ومن الآخرين الذي يضرّون بهذا العمل وهذا التوجّه إن كُشفت لهم هذه الأسرار.

الإنسان المؤمن عرضُه وسمعتُه أمانة لديّ فعليَّ أن أحفظها.. وهناك أمانة المهنة والوظيفة المكلّف بها.

ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلوات كيف محافظتهم عليها، وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها عند عدوِّنا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها).

الشيعيّ الصادق والحقيقيّ هو الذي يعتبر إخوانه شركاء له في ماله، فإذا كانوا من أصحاب الحاجة خصوصاً من جيرانه وأرحامه وأصدقائه بادر هو الى رفع حاجتهم ولا يضطرّهم الى السؤال وإراقة ماء وجههم حتّى يطلبوا منه شيئاً من ماله.. والشيعيّ الصادق في تشيّعه هو الذي يقدِّم الآخرين على نفسه.

الشيعيّ هو الذي تَطهَّر لسانُه وارتقى بذكر الله تعالى وطهَّره من هذه الآفات وهي آفات اللّسان.

*من الخطبة الثانية لصلاة الجماعة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف في الـ (5 رجب 1439هـ) الموافق لـ (23 آذار 2018م)

2018/03/24

غضب الزهراء (ع)... كيف يتحول "حدث تاريخي" إلى مصدر للتشريع؟

ورد عن النبي الأعظم: (صلى الله عليه وآله وسلم): "فإنما ابنتي فاطمة بضعة مني يريبني ما أرباها ويؤذيني ما آذاها"[1].

يوجد قسمان من القضايا التأريخية:

الأول: القضايا التاريخية المحضة، وهي التي لا ترتبط ببيان الدين، ولا ببيان العقائد أو الفقه أو القيم والأخلاق الإسلامية. كتلك التي تتناول -مثلاً- احتلال "التتر" للبلاد الإسلامية، أو ونظير اجتياح نابليون للأراضي المصرية، وهما حدثان تاريخيان لا يستنبط منهما أي حكم فقهي أو عقدي أو أخلاقي.

الثاني: القضايا التاريخية المرتبطة ببيان الدين، وهي القضايا والأحداث التي وقعت في الزمن المنصرم، ولكن من خلالها نستطيع التعرف على أحكام الدين، كالعقائد والأمور الدينية الفرعية وأيضا الجوانب الأخلاقية. هذه القضايا والأحداث هي ما يرتبط بسيرة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم)، فسيرتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) رغم أنها حدثت في زمن مضى وخلى، ولكنها تعتبر منبعا لمعرفة أحكام الله تبارك وتعالى.

يدخل الحدث التاريخي ضمن دائرة مصادر التشريع لدى الشيعة، فقول المعصوم أو فعله أو تقريره أو إمضائه التي تعتبر من "السنة" إلى جانب القرآن الكريم كمصدرين للتشريع؛ إنما هي حوادث تأريخية وقعت في الماضي، وهي محوراً مهماً في أخذ الأحكام سواء على مستوى الفقه أو العقيدة وسائر المعارف الدينية.

ومن هنا جاء الحث على التمسك بالقرآن الكريم والعترة، التي يؤصلها الحديث النبوي الشريف الوارد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"[2]

فإن المقصود من التمسك بالعترة الطاهرة هو السير وفق هديهم المبارك، وهذا الهدي المبارك نأخذه من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم. والصديقة الزهراء عليها السلام من المعصومين ومن أرز مصاديق أهل البيت عليهم السلام، ففي الحديث المروي عن أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها) أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قالت: فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - أجمعين فقال : "اللهم هؤلاء أهل بيتي "، قالت أم سلمة : يا رسول الله ، ما أنا من أهل البيت؟ قال : " إنك أهلي خير ، وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق" [3].

فإذا كانت الشهيدة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) من أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، الذين أمرنا الله تبارك وتعالى بالتمسك بهم، فيكون قولها وفعلها تقريرها مصدر من مصادر المعرفة العقيدية والفقهية والأخلاقية، وتكون سيرتها من القسم الثاني في القضايا التاريخية المرتبطة ببيان الدين.

ومن هنا يقول علماؤنا (أعلى الله كلماتهم) إن ما وقع على الصديقة الشهيدة الزهراء عليها السلام من أحداث بعد ارتحال أبيها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليست مجرد أحداث تاريخية محضة، بل ما وقع هو منبع من منابع بيان أحكام الله تبارك وتعالى.

غصب فدك ودلالته

عندما غصبت أرض فدك من الصديقة الزهراء عليها السلام فإنها لم تقبل بذلك وطالبت بها، فاحتج عليها الخصم بحديث نُسب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا نورث ما تركناه صدقة"[4]، فلم تقبل الزهراء عليها السلام بهذا الحديث، وقد غضبت على من غصبها فدكا وهجرته ولم تكلمه حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى.

وهذا الموقف من الزهراء عليها السلام يهدينا إلى عدة حقائق:

أولا: إلى عدم رضى الله تبارك الله وتعالى لغصب فدك، وعدم إقراره سبحانه لرفع الحديث المنسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لا نورث ما تركناه صدقة - في وجه الصديقة.

ثانيا: عدم شرعية خلافة من تقدم على أمير المؤمنين عليه السلام والذي غضبت عليه سيدة النساء عليها السلام وقاطعته.

وبالعودة إلى الرواية التي قدمنا بها الحديث "يريبني ما رابها ويؤذيني ما أذاها" يتبين لنا أن الصديقة الزهراء عليها السلام من خلال مواقفها تعتبر مصدرا من مصادر معرفة أحكام الله تبارك وتعالى.

فإذا كانت عليها السلام لا ترضى على شخص، فنعلم أن هذا الشخص غير مرضي عليه عند الله تبارك وتعالى، وإذا غضبت على شخص، فنعلم أن هذا الشخص مغضوب عليه في ساحة الباري تبارك وتعالى، وهذا ما نستخلصه من قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك"[5].

ومن هنا يتضح أن مصيبتها عليها السلام ليست مجرد حدث تاريخي بل هي مصدر في تحديد الموقف الشرعي من قضية عقائدية هامة وهي الإمامة. فمن تقدم على أمير المؤمنين ليس إماما ولا خليفة، وذلك لأن الله تبارك وتعالى غضب عليه بغضب الزهراء عليه.

دلالات حديث فاطمة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها

عندما ينظر الكثير من العلماء والخطباء إلى هذا الحديث يقولون: إنه دال على عصمة الزهراء عليها السلام، ولكن أحد علمائنا (أنار الله برهانهم) نظر لهذا الحديث الشريف بنظر أعمق، فقال إنه يثبت أمرا فوق مقام العصمة، فهذا حديث عجيب جدا.

إن من أبرز صفات المعصوم أنه لا يرضى إلا لله سبحانه وتعالى ولا يغضب إلا لله جل وعلا، بينما هذا الحديث العظيم لا يثبت لنا هذا المقام، وهو أن الزهراء عليها السلام ترضى لله تعالى وتغضب لله سبحانه، وإنما يثبت أن الله تبارك وتعالى هو من يرضى لرضها ويغضب لغضبها (صلوات الله وسلامه عليها)، أي: أن التبيعة في هذا الحديث العظيم ليست من جهة الصديقة الزهراء عليها السلام وإنما هي من جهة رضا الله تبارك وتعالى وغضبه، ومن هنا فإن المضمون الذي يستفاد من هذا الحديث المبارك والذي هو فوق مضمون العصمة هو: أن الصديقة الزهراء عليها السلام إذا رابها أو أذاها أمر فإن ذلك الأمر يريب ويؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنها إذا غضبت على فرد، فإن لله  تبارك وتعالى يغضب لغضبها، وهذا يثبت لنا أنها سنخ ذات عالية أخذ الله رضاها وغضبها في ملاكات أحكامه.

حيرة وإرباك..

لقد أوقع هذا الحديث الشريف والعظيم المخالفين في حيرة وإرباك فهل يعترفون بمضمونه  فتنتفي عدالة الصحابة وإمامة من تقدم، أو يشككون فيه وفي مدلوله وشأن الصديقة ليسلم لهم ما يعتقدون؟

بعض المخالفين في تعليقته على صحيح مسلم، وعندما تعرض لحديث غضب الصديقة الزهراء على من تقدم في الخلافة على أمير المؤمنين، وهجرانها له إلى أن توفيت قال: عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به ما يقول أو ما يفعل، أو ما هو الصواب فيه؛ فنسأل الله أن يعفو عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

[ذات صلة]

وفي الحقيقة فإن ما ألجأ هذا المتحدث للقول بهذا القول المنكر، هو المشكلة الكبيرة والحيرة الخطيرة التي وقع فيها بسبب هذا الحديث الشريف "يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها" فهو أمام هذا الحديث الشريف وقع بين خيارين:

الأول: تصديق النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول إن حديث النبي يدل على ما وقع مباشرة بعد ارتحاله وهو إيذاء له، وبالتالي فإن ما حدث من أمر لا قيمة له من الناحية الشرعية.

الثاني: أن يحط من قيمة الصديقة الزهراء عليها السلام فيكون بذلك خارج الورطة.

إن ورود روايات في كتب العامة في مدح الصديقة مع موقفها المعارض لحكومة من تقدم دليل على صدور تلكم الروايات وحقانيتها لأنه ليس من مصلحتهم مدح ورفع شأن هذه المعارضة الكبيرة لحكم من يعتقدون حكومته ، ولهذا حط من قدرها من تقدم نقل عبارته وكانت (عليها السلام) اليوم من أقل الناس ذكرا في كتبهم ونواديهم .

 الهوامش

——————

[1] صحيح مسلم ،  كِتَاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - بَاب فَضَائِلِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهَا الصَّلَاة وَالسَّلَامُ

[2] مسند أحمد، الحديث رقم 10720 .

[3] المستدرك على الصحيحين، كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة الأحزاب، جمعه صلى الله عليه وسلم أهل بيته وقوله اللهم هؤلاء أهل بيتي.

[4] صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة.

[5] المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم » غضوا أبصاركم عن فاطمة حتى تمر.

2018/03/09

كاسيات عاريات: ما أخبرنا به النبي أصبح واقعاً

البعض من النساء يرتدين الحجاب من دون اعتقاد بأنه فريضة إسلامية يتكفل بحفظ وصيانة العرض والشرف، ويضمن كرامة الأسرة وطهارة الفرد والمجتمع. بل يعتبرنه تقليداً عائلياً أو أمراً اجتماعياً، بل البعض يعتبرنه عبئاً على كاهلهن. وما هذا إلا بسبب ستر بعض أجسامهن وكشف البعض الآخر وتغطية جزء من الرأس وإبداء أجزاء أخرى.

ترتدي حجاباً يغطي رأسها وشعرها بينما تضع على وجهها مساحيق التجميل والألوان المغرية ترضي نفسها وتسخط الله تعالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أيّة امرأة تطيّبت ثمّ خرجت من بيتها، فهي تلُعن حتّى ترجع إلى بيتها متى رجعت"، ([1]).

وقال (صلى الله عليه وآله): (سَيَكُونُ آخَرَ أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ العجاف، الْعَنُوهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ)([2]). وفي الحديث الشريف إشارة واضحة إلى ما يجري في زماننا هذا من كون بعض النساء (كاسيات عاريات)، فهي تستر شيئاً وتكشف آخر، تخفي جزءاً وتظهر جزءاً آخر. أما قوله (صلى الله عليه وآله): (عَلَى رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ العجاف). (البخت العجاف): (البخت: أي النوق (جمع ناقة)، والعجاف: جمع عجفاء، أي الهزيلة. وقد بدأت هذه الحالة التي وصفها النبي (صلى الله عليه وآله) تظهر في مجتمعاتنا الإسلامية مع كل الأسف بشكل واضح وملموس. فترى المرأة تخرج من دارها وقد جمعت شعرها فوق رأسها بشكل يلفت الانتباه، ويجذب الناظرين، وكأنه سنام الناقة الهزيلة. ولا يكون الحجاب الذي تغطى به المرأة راسها مجدياً للنفع حينذاك، لما في فعلها المذكور من تبرج وجاذبية للرجال الأجانب يفضي إلى الافتتان وشيوع الفحشاء وسقوط القيم والمبادئ تدريجياً. يقول الشاعر: فتحجبي بنت العفاف ترفعا عن أعين الفساق في النظرات إن الحجاب وقاية الأعراض من سفه السفور وذلة اللذات

[ذات صلة]

فإن المرأة العفيفة الطاهرة تتجنّب الزينة والسفور وكل ما يجذب انتباه الرجال الأجانب، وكأنها الدرّ في كامن الصدف. بينما تجد أن المرأة المبتذلة الرخيصة تسعى لجذب الرجال الأجانب بوسائلها الشيطانية، اتباعاً للهوى وانقياداً للشيطان مضحية بأثمن وأعزّ ما تملك، وهو شرفها. فإن مسالة التبرّج لن تنتهي بنظر الرجال الأجانب أو تحرشهم بالمرأة السافرة أو المتزينة وما يتبعه من انحراف وانحطاط لأولئك الناظرين وخصوصاً الشباب، بل قد تتعداه إلى نتائج غير محمودة للفتاة والشاب والأهل.

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

________________________________________

([1]) مستدرك سفينة البحار: ج4. ([2]) كتاب التاج: ج3 كتاب اللباس ص 179و289.

2018/02/27

خلو القرآن من أسماء الأئمة (ع): تعرّف على ما هو أبلغ من التصريح بها

إن الدين عقائداً وأحكاماً أصولاً وفروعاً لا يمكن اقتصار استنباطها من القرآن الماثل بين أيدينا فالوحي الواصل إلينا سواء أكان بعنوان "القرآن" ام بعنوان "السنة" يجب الأخذ به والعمل بموجبه لعدم الفرق بينهما من جهة المعنى كما مر في مقالات سابقة بينا فيها وحدة وتطابق القرآن الكريم بالسنة.

القرآن الكريم
نعم، وحي السنة من النبي (صلى الله عليه وآله) لفظا بخلاف القرآن فهو لفظاً ومعنىً من الله تبارك وتعالى، وعلى هذا الأصل الأصيل والبناء الرصين يصبح من الإلحاد في الوحي التفرقة بينهما في الأخذ والعمل فيؤخذ بالقرآن مثلا وتترك السنة، وعليه فلو بين لنا النبي (صلى الله عليه وآله) اسم الوصي صح لنا القول إن إمامته جاءت في القرآن بالبيان النبوي، وقد وقع ذلك فعلاً من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فأشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالوصاية في مناسبات وأحاديث شتى في عناوين نذكر منها للمثال لا الحصر:
1ـ حديث المنزلة والذي جاء بصيغ منها ما اشتمل على لفظ الخلافة ومعناها: (لا ينبغي ان اذهب الا وانت خليفتي في كل مؤمن). 
وهو حديث صحيح، رواه كبار المحدثين وصححوه كالذهبي والحاكم([1])، وكذلك حسّنه الألباني([2]).
والحقيقة أكثر من ذلك فإن أصل الحديث متواتر كما نص على ذلك السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة([3]).
2 ـ وحديث الغدير المتواتر (من كنتُ مولاه فعلي مولاه...)
وقد نص على تواتره السيوطي أيضاً في قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة([4])، وحكم بتواتره الألباني أيضاً في السلسلة الصحيحة([5]).
3 ـ وحديث الثقلين المتواتر أيضاً، حكم بتواتره كلٌ من:

أـ سامي أنور خليل جاهين المصري الشافعي قائلا: ".. فحديث العترة بعد ثبوته من اكثر من ثلاثين طريقاً وعن سبعة من صحابة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم)، وصحته التي لا مجال للتشيك فيها يمكننا أن نقول إنه بلغ حد التواتر"([6]). 
ب ـ وأبو الفتوح التليدي أيضاً ونص عبارته:
".. والحديث وارد عن جماعة يفوقون العشرين بل أصله متواتر.." اهـ([7]). 
وغيرها من الأحاديث الصحيحة والمتواترة الدالة على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وما عرضناه ـ على اختصاره وإجماله ـ يغني اللبيب.
ذكر الوصف أبلغ
إنّ الإشكالية المزبورة تفترض أصلا مفاده إنّ الاسم دائما أوضح من الوصف، وهذا الأصل غير تام فإنّ الوصف قد يكون أبلغ من الاسم (العلم).


والسر في ذلك الاشتراك اللفظي الواقع في أسماء الأعلام من جهة وتضمنها ـ في الغالب ـ معنى الصفة من جهة أخرى ولهذا لم يعتبر النحاة أسماء الأعلام أعرف المعارف.

ولعله من هنا اكتفى القرآن الكريم بذكر أوصاف وعناوين لا تنطبق إلا على الأئمة كـ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([8])، و{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}([9]).
وقد أخرج البخاري عن ابن عباس إنه قال: " وَآلُ عِمْرَانَ المُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ..."([10]) وغيرها من الآيات.
حفظا للقرآن الكريم
من إحدى الوجوه المتصورة لحكمة خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة هو الحفاظ عليه وصيانة آياته الشريفة من سهام المنافقين، فيتهموا جبريل بالهجر في حال اشتمال النص القرآني على أسماء الأئمة ويشيعوا ذلك بين الأمة، كما وقع فعلاً منهم اتهام النبي (صلى الله عليه وآله)، الأعظم من جبريل نفسه ــ بالهجر أو بغلبة الوجع عليه، في الحادثة المشهورة بـ (رزية الخميس) حين أراد ان يكتب للأمة كتاباً يضمن لهم هدايتهم ويؤمّنهم من الضلال.

[ذات صلة]
عن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: «دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ»..."([11]). 
وما ربما يقال في المقام من عدم إمكان تصور ذلك لتعهد الله تبارك وتعالى بحفظه وصيانته صراحة بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([12])، فغير وجيه بالمرة بل أجنبي عن روح الإجابة السابعة، فإن مقصود الآية حفظه في الحقيقة والواقع لا في أنظار سائر البشر طرا، وإلا فما معنى اتهام المخالفين للشيعة باعتقاد تحريف القرآن؟! 
يتبع...________________________________________
([1]) المستدرك على الصحيحين: ج 3 / 143 / حديث رقم / 4652.
([2]) ظلال الجنة في تخريج السنة: حديث رقم / 1188.
([3]) قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: ص 281.
([4]) نفس المصدر السابق: ص277.
([5]) السلسلة الصحيحة: 4/330 / رقم الحديث / 1750.
([6]) الزهرة العطرة في حديث العترة: ص 69 ـ 70.
([7]) الأنوار الباهرة بفضائل أهل البيت النبوي والذرية الطاهرة: ص 14.
([8]) سورة المائدة: 55.
([9]) سورة آل عمران: 33.
([10]) صحيح البخاري: 4/163.
([11]) صحيح البخاري: 4/69-70.
([12]) سورة الحجر: 9.
 

 

2018/02/25

من الواقع: 10 آثار للتبرج والسفور

 

للتبرّج والسفور عواقب وآثار وخيمة نوجز منها ما يلي:

1.فساد أخلاق النساء وانحرافهن عن الإسلام وارتكابهن لمعصية كبيرة.

2.فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب ودفعهم إلى ارتكاب الفواحش المحرمة.

3. المتاجرة بالشرف والعرض في أماكن اللهو والفساد، وازدياد نسبة الفحشاء والمنكر، وبالتالي سقوط المجتمعات الإسلامية تحت طائلة الانحراف.

4. التبرّج والسفور يدلاّن على سوء نية وسريرة النساء المتبرجات ويعرضهن للاعتداء من قبل الأراذل والأشرار.

5. انتشار الكثير من المفاسد والأمراض وفتح الباب لارتكاب الكثير من المعاصي وعلى رأسها معصية الزنا.

6.التبرج يجعل المرأة كالسلعة المهينة التي لا قيمة لها ولا اعتبار، كونها مبتذلة يتصفحها ويتأمل محاسنها القاصي والداني من الرجال الأجانب.

7.انتزاع الفضيلة والحياء من رؤوس المسلمين، مما يستلزم ذهاب الإيمان وغياب التقوى وانعدام العفة.

قال الإمام الباقر (A): (الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه)([1]).

8. تفكّك أواصر الأسرة وازدياد نسب الطلاق وشذوذ الأبناء، بسبب الخيانة والعلاقات غير المشروعة التي هي من أبرز نتائج التبرج والسفور والاختلاط المحرم بين الرجال والنساء.

9. ارتفاع نسبة الجريمة بسبب جري الرجال خلف النساء المتبرجات لإشباع شهواتهم، مما قد يؤدي أحياناً إلى ارتكاب جريمة الاغتصاب وغيرها من الجرائم القبيحة.

10. انعدام القيم والمبادئ الإسلامية وانتشار الفكر الغربي والمعادي للإسلام، وبالتالي ضياع الهوية الإسلامية، وهذا ما يهدف إليه الكفار منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا. ولتعلم المرأة المتبرجة أنه ما من رجل يبتلى اليوم بما يفتنه ويصده عن ذكر الله والطريق المستقيم إلا كانت المرأة المتبرجة سبباً في انحرافه وضياعه.

وهي شريكة في وزره وما يفعله من محرمات وقبائح وستلقى يوم القيامة حساباً عسيراً.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: Pلَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَO([2]).

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة


([1]) بحار الأنوار: ج68، ص 331.

([2]) سورة المائدة: آية: 80.

 

 

 

 

2018/01/09

التشخيص نصف العلاج: كيف تعرف إنك مصاب بـ "الاكتئاب أو القلق"؟

 

علينا أن ندرك أنّ تعاظم المشاعر قد يُحدث مشكلة لدى الإنسان وتسمّى هذه المرحلة بداية المرض النفسي. القلق والاكتئاب هما أكثر الأمراض النفسية انتشارا كذلك قد يُصاب الإنسان بالمرضين معاً وتكثر هذه الحالة عند النساء.

الاكتئاب

يعاني كثير من الأشخاص من الاكتئاب بدرجة خفيفة إلى متوسطة وفي معظم الحالات يكون الاكتئاب ناتجاً عن ظروف الحياة المختلفة.

 معظم هؤلاء الأشخاص لا يراجعون أي أخصائي نفسي اذ يشعرون بالعار إذا ما تمّ تشخيصهم كمرضى نفسيين.

أما أعراض الاكتئاب الخفيف فهي الشعور بمزاج سيئ والرغبة في البكاء ويترافق مع ذلك فقدان للشهية وشعور بالتعب كذلك يعاني المصاب من عدم انتظام في النوم وضعف في التركيز.

في حالات الاكتئاب المتوسط تكون هذه الأعراض أشد وطأة إلّا أنّه غير معيق عن ممارسة النشاط اليومي الطبيعي للإنسان. حوالي سبعين بالمائة من حالات الاكتئاب الخفيف والمتوسط تنتهي في خلال ستة أشهر.

الاكتئاب الشديد يكون تأثيره أكبر وأشدّ بكثير إلّا أنّه أقل شيوعاً وندرةً من النوعين السابقين. تتشابه الأعراض مع الاكتئاب البسيط والمتوسط إلّا أنّها في هذه الحالة تعطّل الحياة وتكون شديدة التأثير على الشخص المصاب ففي حالة الاكتئاب الشديد يعاني المريض من مزاج سيئ بشكل دائم وخاصةً في الصباح.

يترافق الاكتئاب الشديد مع شعور شديد باليأس والشعور بالذنب وبعدم القيمة. وفي المراحل المتأخرة والصعبة يصبح الكلام والتفكير والحركة تتّسم بالبطيء والتراخي وباللامبالاة.

في هذه المرحلة تكون الأفكار المسيطرة على الشخص هي الإقدام على الانتحار بحيث تغدو هذه الخطوة أمراً وارداً والحقيقة أنّ الانتحار بين الأشخاص الذين يصلون إلى هذه المرحلة هو أمر شائع.

إمكانيات العلاج

في حالة الاكتئاب الخفيف والمتوسط عادةً ما تكون الآذان الصاغية والمتعاطفة بالإضافة إلى الدعم من المحيطين مع إمكانية الاستشارة الطبية عادةً ما تكون كافية لعلاج هذه الحالات دون الحاجة إلى اللجوء إلى تناول الادوية.

أما في حالة الاضطرار إلى تناول الادوية بعد استشارة الطبيب المختص يجب أن يتمّ تناولها لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر للحصول على النتائج الدائمة المرجوة من هذا العلاج.

القلق

 القلق القصير المدى هو ظاهرة كثيرة الحدوث عند البشر وهو أمر شائع جداً إلا أنّ هناك نسبة من البشر يعانون ممّا يسمّى اضطراب القلق العامّ وهو حالة مرضية طويلة الأمد والتي عادةً ما تتذبذب في درجة شدّتها.

في هذه الحالة يعاني المريض من العديد من الأعراض النفسية والجسدية التي تدلّ على الإصابة بالمرض مثل جفاف في الحلق، رعشة، شعور بالدوار والصداع، مشاكل في الهضم، خفقان، وضيق في الصدر.

بالنسبة للأعراض النفسية فهي شعور الإنسان بالخوف، الانزعاج، الاضطراب بالإضافة إلى شعور الإنسان بحساسية زائدة للأصوات وقد يعاني المصاب من الكوابيس والأرق.

أما الاضطرابات السلوكية التي تترافق مع القلق فهي نوبات الذعر والرهاب. في الحالات الأقل حدةً يسمى الشخص بالشخصية القلقة بمعنى هؤلاء الأشخاص يعانون مدى الحياة من قلق زائد وتوتر في كلّ نواحي حياتهم بحيث يكونون في حالة ترقب دائم.

ما هي إمكانيات العلاج؟

إنّ أعراض التوتر يمكن تخفيفها إلى المستويات الدنيا عن طريق تخفيف كمية المنبهات مثل    الشاي والقهوة.

أما الأعراض الجسدية التي تترافق مع حالة القلق فإنّها قابلة للعلاج عن طريق تناول الادوية. والعلاج بالاسترخاء وتمارين التنفس العميق من الممكن أن تخفّف من التوتر وتحسّن من قدرة الإنسان على كبح جماح نوبات القلق المفاجئة.

 العلاج النفسي قد يعطي نتائج جيدة عند المرضى الذين يعانون من الحالات المزمنة من القلق وخاصةً طريقة العلاج التي تدعو المرضى لأن يُخضعوا مخاوفهم للدرس المنطقي بحيث يخفّ تأثير الخوف.

*مركز الإرشاد الأسري

 

 

 

2018/01/06

الحجاب الإسلامي: ما هي حدوده؟

يجب على المرأة ستر جميع بدنها عدا الوجه والكفين، فلا يجب سترهما إلا إذا كان فيهما زينة أو كان هناك ناظر أجنبي ينظر إليها بلذة أو ريبة أو كان مع خوف الوقوع في الحرام جراء ذلك.

وقد تكفّلت الشريعة الإسلامية ببيان المواصفات والشروط التي يجب توفرها في الحجاب الإسلامي نستعرضها فيما يلي:

شروط الحجاب الإسلامي

1-     ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين.

2-     أن لا يكون قصيراً أو ضيقاً او شفافاً بحيث يكشف لون البشرة أو يجسّم مفاتن المرأة، فلا يجوز لبس ما كان مجسماً لمفاتن البدن أو مبرزاً لها.

3-      3. أن لا يكون مثيراً للفتنة حتى أمام النساء.

4-     أن لا يكون في نفسه زينة كالمزخرف والملون والمطرز وأمثالها التي تثير انتباه الناظرين وتجذبهم.

5-      أن لا يشبه ملابس الرجال.

6-     أن لا يشبه ملابس الكافرات، فإنه يحرم التشبّه بالكفار.

7-      أن لا يقصد به الشهرة، فيحرم ارتداء ملابس الشهرة.

8-      الحجاب الذي يستر رأس المرأة يشترط أن لا يكون ملوناً بألوان جذابة وصارخة أو مزخرفاً بشكل يثير انتباه الآخرين ويجذبهم. فقد حرّمت الشريعة مثل هكذا حجاب، كما يحرم على المرأة أن تتزين وتضع مساحيق التجميل على وجهها أمام الناظر الأجنبي، فقد حرّم الشارع المقدس كل زينة توضع على بدن المرأة، لما في ذلك من بواعث الفساد والانحراف وزرع الفتنة والريبة في قلوب الآخرين.

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

 

 

2018/01/02

قدسية كربلاء وانتهاك الحريات

لقد أثار القانون الجديد الذي أقره مجلس محافظة كربلاء المقدسة جدلاً واسعاً في الأوساط الاجتماعية بين مؤيد ورافض للفكرة، وبموجب هذا القانون تمنع بعض التصرفات التي كانت سائغة في السابق والتي تتعارض مع الشرع المقدس نظراً لقدسية تلك البقعة.

بعيداً عن تأييدنا لهذا القانون من عدمه، صدق نوايا الجهات المتبنية لتفعيل هذا القانون، أشر هنا إلى الهجمة التي شنها بعض المتباكين على انتهاك الحريات الشخصية، داعين من شرعوا هذا القانون الى الاهتمام بالواقع الخدمي بدل التضييق على الناس.

وقبل كل شيء لابد أن نعرف ما هو مفهوم الحرية سعة وضيقاً؟

إن الحرية من أهم المطالب التي يسعى الإنسان لتحصيلها، بل لا معنى للإنسانية من دونها لأن الإنسان دونما سواه من المخلوقات الأخرى يحاول التعبير عن رغباته وميوله دون تكبيل، ولذا فإن المناضلين من أجلها قد مجدتهم الأمم التي ينتمون إليها، وتغنى بهم الشعراء والأدباء، ونقشت رسومهم على الأوراق النقدية، وسميت بإسمهم المرافق والمؤسسات المختلفة.

أما مفهوم الحرية فهو من المفاهيم التي لم تستقر كلمات الباحثين على تعريف معين لها، بل كان لها أفهام متباينة تختلف باختلاف الزمان والمكان.

حيث ترى بعض المدارس الفكرية اليونانية (الأبيقورية) أن معنى كون الإنسان حراً حينما لا تكون هناك قيود لرغباته.

أما المادة السادسة في دستور الثورة الفرنسية فقد عرف الحرية بالتالي (استطاعة الإنسان أن يفعل كل مالا لا يضر بالآخرين)

وفي تعريف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي الصادر سنة 1789م، جاء فيه (حقُّ الفرد في أن يفعل كلّ ما لا يضرُّ بالآخرين).

الحريّة في الإسلام

لقد أرسى الإسلام أجلى مفاهيم الحرية، واعتبرها من ضروريات حياة الفرد والمجتمع، ولذا حض على مواجهة كل من أراد تكبيل المجتمع والحد من تطوره، نعم يشترك الإسلام مع الأيديولوجيات الوضعية التي تعتقد أن معنى الحرية = (كسر القيود)، ولا شك في أن الناس بصورة عامة لا بد أن لا يقيدهم قيد يساهم في تأخر النوع البشري، لكن كسر القيود بالمفهوم الغربي مختلف عنه في نظر الإسلام، فالحرية الغربية ترى أن الإنسان لا بد أن يتحرر من كافة القيود بما في ذلك القيود الأخلاقية والاجتماعية مما يعني كسر القيود أمام الغرائز والكوامن النفسية المكبوتة عند الإنسان، فيحق لأي أحد إشباع رغباته وميوله الجنسية مثلاً خارج نطاق المؤسسة الزوجية، ويحق له مشاهدة كل ما يثير هذه الغرائز من المسموع والمرئي ، ويحق له التعري وشرب الخمر والرقص، ويحق للمرأة التبرج وكشف جسمها وإقامة العلاقات خارج إطار الزوجية، إذن يتضح أن شكل الحرية الشخصية قائم على إباحة الملذات ليس أكثر، وأما في الإسلام فيرى أن هذه الأشياء التي يعتقد أنها حرية في منظور الغرب هي نفسها القيود التي تكبل الإنسان وتجعله أسيراً لها وعليه ينبغي التحرر منها، ولذا فقد عاتب الله تعالى من أخلد الى الراحة والتنعم في اللذائذ الدنيوية وترك الهدف الأخروي المرسوم للبشرية بقوله عز من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة 38

فالقرآن الكريم يعبر عن هذه القيود بأنها تثاقل ولذا يدعو الى تحطيمها عبر تذكيره بأن الدنيا ما هي إلا محطة زائلة.

ولأن المشرع الحكيم فقد كانت قوانينه وفق قاعدة المصلحة والمفسدة باعتباره خالق البشر وهو أعرف بمصالحهم، فهو من جهة لم يكبح الجانب الغريزي الذي هو حاجة ملحة عند الإنسان وإنما قننه وفق إطار محدد، ونهى عن بعض التصرفات باعتبارها تسبب مفسدة للفرد والمجتمع، هذا من جهة ومن جهة أخرى فحتى الحرية في الغرب وإن كانت تحت مسمى كسر القيود، إلا أن هذا الشعار هو في حدود التصرف الشخصي، ولذا ذكرت التعاريف السابقة أن حرية الفرد تنتهي عند حرية الآخرين، بمعنى آخر أن تلك الحرية المدعاة وإن كانت مطلقة كما يروج لها إلا إنها في إطار ضيق وبشرط أن لا تتعارض مع حرية المجتمع، فعلى سبيل المثال يباح لكل أحد شرب السكائر إلا أن هذا الفعل ممنوع في المؤسسات العامة، ما يعني وجود حرية لكنها ضيقة، أما على صعيد الفكر فهناك تقييد كبير في هذا المجال وإن كان الإعلام يخالف الحقيقة، فعلى سبيل المثال تجرم أكثر الدول حرية في العالم الفكر النازي أو الفاشي، مما يعني أن تلك الدول قد لاحظت أن هذا الفكر يشكل خطراً على مجتمعاتها ولذا سارعت الى حظره، وكذلك حرية المعتقد فهي أثر بعد عين إذ تمنع بعض الدول الغربية النساء المسلمات من ارتداء الحجاب في المرافق العامة، بل وقامت بإجبارهن على ارتداء ملابس فاضحة بغرض تعلم السباحة، إذن يتضح أن هناك توافق في الجملة بين الحرية التي يدعو لها الإسلام والحرية وفق المنظور الغربي من حيث التطبيق، فكلا الأيدولوجيتين تدعو الى تقييد الحرية الشخصية إذا كانت تمس حرية المجتمع وتخالف ثقافته وأدبياته.

إذاً، من خلال هذا السرد يتضح أن من حق المجتمع المتدين في المحافظات المقدسة أن يمارس حريته، وأن لا يعتدي عليها بعض المتطفلين بدعوى أن حق الحرية الشخصية مكفول، ولهم أن يقوموا بكل ما يشوه طابع تلك البقاع، فمن حقي كمتدين أن لا يقيم شخص يسكن الى جانبي بإقامة حفل موسيقي صاخب، باعتباره اعتداء على حريتي وحرية المجتمع الذي أنتمي، ومن حقي أن لا أشاهد صالات القمار والملاهي منتشرة في أجواء ترعرعنا ونحن ندينها ونرى أن مرتاديها  من شواذ المجتمع، هذا وفقاً لمنظور الحرية التي يتبجح بها الكثيرون والتي لا يفهمون منها إلا شيء واحد وهو التهتك والتحلل من كل القيود الاجتماعية والأخلاقية على حساب أعراف المجتمع وأدبياته.

 

 

 

2017/12/30

للنساء فقط: 11 وصية لتكوني سعيدة مع الرجل

 

 بداية ينبغي أن تعلمي أيتها الزوجة الكريمة أن الله سبحانه وتعالى عندما جعل الرجل هو القيم عليك لم يكن ذلك نقصا من قدرك بل رفعة من شأنك وحفاظا عليك وتنظيما لأمور الزواج والاسرة، فإن اي عمل إذا لم يكن له منظم فسيفشل وهكذا هو الزواج، ثم ان الله سبحانه وتعالى اعطاك من القدرة والحنان ما تستطيعين من خلاله ان تحافظي على زوجك واسرتك.

من هنا ينبغي الالتفات إلى الأمور التالية:

1-    كوني امرأة صالحة:

عليك ان تبني نفسك من الناحية الدينية اولاً، فهذا مفتاح سعادتك الزوجية فالمرأة الصالحة يكون لديا الثقة بالنفس والاطمئنان الذي يجعلها قادرة على مواجهة كل ما قد يكدر صفو عيشها وذلك لأنها تبحث عن رضا الله تعالى وما عند الله خير وأبقى، يقول النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة" (ميزان الحكمة ج4ص288).

2-    اخدمي الزوج والاسرة بكل فخر واعتزاز:

صحيح ان خدمة الزوجة في منزلها ليس بواجب شرعي عليها كما او كيفا، ولكنها تعتبر من العمل الصالح الذي فيه رضا الله تعالى ومما ينظم الاسرة ويبعث على السعادة والسرور ولا تنظري الى أحاديث الناس ووساوس النفس الامارة بالسوء وتزيين الشيطان الرجيم، بل انظري الى ما أعده الله تعالى للزوجة الصالحة التي تقوم بهذه الخدمة فجاء عن الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم): "ايما امرأة خدمت زوجها سبعة ايام اغلق الله عنها سبعة ابواب من النار، وفتح لها ثمانية ابواب من الجنة تدخل اينما شاءت " (ميزان الحكمة ج4ص286).

3-    اياك والاذية بالكلام او التصرف:

 إن من الامور التي تبعث على اغضاب الرجل وكرهه لزوجته هو الكلام او التصرف الخشن المؤذي الذي يشعر الزوج بأنه يحط من قدره ويقلل من شعوره بأن هذه الزوجة تسعده وتحترمه؛ لذلك حاولي ان لا ترفعي صوتك فوق صوته واختاري الالفاظ الجميلة المحترمة في حديثك معه او مناقشتك له في بعض الامور العائلية ولا يصدر منك اي تصرف وضيع؛ لان ذلك مما يكرهه الله تعالى قبل ان يكرهه الزوج ومما يؤدي الى افساد السعادة الزوجية، فاحذري ان تقعي في مثل ذلك وانظري الى العقاب او السيئات التي تنتج عن هكذا تصرف فعن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم):  "من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وان صامت الدهر، وعلى الرجل مثل ذلك الوزر اذا كان مؤذيا ظالما" (ميزان الحمة ج 4 ، ص 287).

4-    ليكن رضا الزوج هدف دائم:

لا شك انه اذا كان الزوج راضيا عن زوجته فانه يشعر واياها بالسعادة والاطمئنان وسيعاملها بالأحسن وسيحترمها ويقدرها اكثر فعليك ان تعلمي ايتها الزوجة الكريمة ان رضا الزوج فيه رضا الله تعالى فاسعي دائما لتحصيل رضاه وتأكدي من رضاه في كل يوم وليلة، واشعريه ان رضاه عليك فيه سعادتك ونشاطك، مثل كأن تقولي له: "ان رضاك عني يزيدني حبا لك ونشاطا في خدمتك وخدمة عيالك" كما في قول النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) "ويل لامرأة اغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها " (لالئ الاخبار ج3ص286).

5-    أظهري له العشق والحب والاهتمام به:

الرجل مثل المرأة بحاجة دائما الى من يخاطب احاسيسه العاطفية خصوصا ان مشاغله خارج المنزل واثناء العمل تلقي عليه عبئا ثقيلا، وعندما يعود الى المنزل عليك ان تبادريه بالكلام الطيب والمجاملة، فعن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) "من حق الرجل على المرأة ان تستقبله عند باب بيتها اذا رجع وان تشيعه اذا ذهب" (مستدرك الوسائل ج 3  ص )551.

6-    لا تقابلي الاذية بمثلها ولا الغضب بمثله:

عليك ان تعلمي ايتها الزوجة العزيزة انه ما من رجل الا وقد تصدر منه بعض الاذية لزوجته عن قصد او غيره، خصوصا في حالات المشكلات والغضب، لكن في هذه الحالة عليك ان تكوني صبورة وهادئة ولا تنفعلي مع تصرفاته؛ لأنك لو فعلت ذلك كبرت المشكلة وازدادت سوء الخلق بينما لو صبرت فإن لك الاجر العظيم عند الله. عن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) "من صبرت على سوء خلق زوجها اعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم (زوجة فرعون)" (ميزان الحكمة ج4 ص288).

7-    كوني الزوجة الذليلة مع زوجها:

ربما يعتقد البعض ان تكون المرأة ذليلة لزوجها وهذا اجحاف بحقها ومهانه لها، وربما يعتقد البعض هذا او اكثر من ذلك، ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح؛ لأننا عندما ننظر الى الامور بدقة، والى مستقبل الحياة الزوجية سوف يتضح لنا معنى آخر للتذلل الذي ندعو إليه، فالذلة نقصد بها "المسكنة" و "المطاوعة" وهو يتناسب ان تتصف به الزوجة مع زوجها فإن الزوجة بحاجة ان تشعر نفسها قبل زواجها انها في اشد الحاجة للانسجام معه وان سعادتها ومستقبلها مرتبطان به، فلابد من ابراز ضعفها والمسكنة أمامه وأنها بحاجة كبيرة لوجوده، وخفض جناح الذل له، كما يبرز فرخ الطائر مسكنته وضعفه امام امه؛ كي تغذيه وتحنو عليه وتحميه وتدافع عنه ويبرز الولد ضعفه ومسكنته وذله امام والديه، فكذلك الزوجة مع زوجها. فإن الزوجة وان كانت عزيزة في اهلها او في نفسها وعندها من الصفات الجمالية والكمالية والمادية الشيء الكثير، ولكن يلزمها ان تخفض جناح الذل لزوجها، وتشمله برعايتها وحنانها وعطفها وتكون كالخيمة له التي تظلله.

فعن النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم): "ان خير نسائكم الولود، الودود العفيفة، العزيزة في اهلها، الذليلة مع بعلها" (الكافي ج5ص324).

8-    لا تقولي هذا الكلام ابدا:

ايتها الزوجة، ان الزوج بحاجة الى العاطفة التي انت مصدرها، انه بحاجة الى الابتسامة المشرقة منك التي تبدد ظلمات الكآبة التي تعترضه في الحياة انه يريد ان يرى الانسانة التي تعتني به وتظهر له الاهتمام الكبير وتشعره انه بالنسبة اليها قطب الرحى واساس السعادة، انه يريد ان يسمع كلمة الشوق والشكر والحب والرغبة في الانس به واللقاء، فرددي بين الحين والاخر عبارات الاعجاب بمزايا واذكري له اعتزازك بالزواج منه فالحياة الزوجية التي تفقد من قاموسها الكلمات الطيبة والجميلة والعبارات الدافئة، حياة قد افلت انجم السعادة فيها. فعن الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) "ان في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقيل لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن اطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام " (بحار الانوار ج8ص119.)

9-    كوني المجاهدة في حسن التبعل:

حسن التبعل يحتاج الى لياقة واخلاق وصبر، بل والى ذوق وفطنة خاصة، فالله تعالى اعطى المرأة قدرة واضحة على ادارة شؤون المنزل بشكل يريح جميع الاسرة، من هنا لابد لك ايتها الزوجة الكريمة ان تتأملي وتفهمي جيدا المراد والمقصود من قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) "جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها" (بحار الانوار ج103ص247).

10-                       حافظي على جمالك واناقتك:

ان حفاظك على جمالك واناقتك له تأثير كبير على حالتك النفسية، فالمرأة المهملة لهذا الجانب عرضة لان ينفر منها زوجها، فلا يطيق الجلوس معها، وهذ بلا شك يؤثر سلبا على نفسيتها وليس هناك من حل الا ان تعيد هذه المرأة النظر في شأن جمالها وتزينها لزوجها.

11-                       انتبهي لحظة غضب زوجك:

لا يوجد بيت يخلو من المشكلات وليس هناك زوج لا يغضب ولا يثور ولكن المرأة الذكية هي التي تعرف كيف تتصرف لتمتص غضب زوجها بهدوء ومحبة وحل الامور بينهما وعدم اعطائها اكبر من حجمها.

ختاما اود ان اذكر كلا الطرفين (الزوج، الزوجة) بأن السعادة الزوجية مطلب كل عاقل ومن دونها تصبح الحياة مليئة بالمشكلات والقلق والاضطرابات، ويفقد المجتمع ركنا اساسيا من اركان استقراره وهو بناء الاسرة لذلك ينبغي الوقوف على هذه النقاط وغيرها وفهمها جيدا من اجل معرفة ما علينا القيام به اتجاه الزوج، لكي تبنى الحياة الزوجية على اساس متين لتصبح الحياة سعيدة، مطمئنة، خالية من المشكلات، منتجة لمجتمع صالح تسوده المودة والمحبة.   

 

*مركز الإرشاد الأسري 

2017/12/27

الانتماء لمن؟.. للوطن أم للطائفة؟!

تتفاوت أسباب ضعف الشعور بالانتماء الوطني حيث شكلت العقود الأخيرة بروز هذه الظاهرة بشكل ملفت، على الرغم من وجود كل العوامل الشرعية أو القانونية أو الاجتماعية التي تدعو الى التمسك بالوطن و الانشداد إليه وحماية ترابه،  لكن على الرغم من ذلك نجد أن العكس هو الصحيح، حيث تطغى على المجتمعات ـ وخصوصاً العربية منها ـ صفة النفور من الإحساس بالمسؤولية تجاه الأرض التي نشأ عليها أفراد تلك المجتمعات، بل حتى بعض المجالس التي قد يطرق بها ما يمت لهذا الموضوع بصلة تجد أن الحضور لا يتفاعلون معه بشكل جدي، وهذا الأمر له تداعيات خطيرة، حيث شاهد العالم برمته شباب تلك البلاد يركبون أمواج الموت العاتية مع فرصة نجاة ضئيلة لمجرد فكرة الخلاص عن الأرض التي ترعرعوا عليها، وبالرغم من أن كثير من الفارين ممن له مؤهلات علمية، ولعلك تتفاجأ أن هذا الشعور قد ينعكس على الشعور السلبي تجاه كل ما يمت للوطن بصلة، من قبيل المرافق والمؤسسات الوطنية، حيث شاهد السواد الأعظم منا كيف يقوم البعض بالاستيلاء على ممتلكات تلك المؤسسات، وإذا كان الشيء مما لا يمكن الاستيلاء فإحداث ضرر يكون كفيلاً بخروجه عن الخدمة.

السؤال... لماذا نلاحظ أن الانتماء للطائفة والقبيلة أصبح مقدماً على الانتماء للوطن؟

لماذا أصبح من يتشارك معي بالهوية الوطنية أقل أهمية ممن يشاركني الانتماء القومي أو المذهبي؟

أتصور أن الإجابة تكمن في عدم التفريق بين مفهومين أساسيين وهما مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة، فالدولة عبارة عن تركيب يتكون من الحكومة والشعب والأرض، ومسؤولية الحكومة تكمن في أدارة مفاصل الدولة ومؤسساتها بما ينص عليه الدستور.

فإذا صادف وحصل تقصير من الحكومة في إدارة مؤسسات الدولة فالمفروض أن لا يتحمل الوطن وزر تلك المؤسسة، وهذا للأسف الشديد ما نجده ظاهراً للعيان.

فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يفوض الشعب حكومته المنتخبة إدارة مفاصل الدولة والتي من أبرزها الملف الأمني، فإذا قصرت الحكومة في هذا المجال لم يبقَ أمام المواطن إلا أن يلجئ إلى بديل آخر لحمايته ممن يحاول استهدافه وهذا البديل هو إما الحزب أو العشيرة، ولو كان الحكومة تستطيع تطبيق القانون على كافة رعاياها لما احتاج فرد من الرعية الى اللجوء القبيلة أو الحزب، وهذا ما نلاحظه في المجتمع الغربي بشكل واضح حيث يمكن لأي فرد هناك أن يطالب بحقه بالوسائل القانونية السلمية، بخلاف المجتمعات الشرقية وبالأخص العربية منها حيث يكون هذا الخيار معدوماً.

الشعور بالظلم والتهميش

ومن العوامل التي تساعد على نشوء الإحساس بضعف الانتماء الوطني، هو الإحساس الذي يمر به كثير من الأفراد في كونهم مسلوبي الحقوق ولا قيمة لأصواتهم، وهذا ما ينعكس سلباً على الشعور الوطني.  

الإسلام وتعزيز الشعور بالمواطنة

 لقد دلت النصوص الشرعية على مشروعية التمسك بالوطن بل وجوب الدفاع عنه عند التعرض لخطر معين، قال تعالى: (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا) سورة البقرة 246.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (عمّرت البلدان بحب الأوطان) بحار الأنوار.

وروي أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لما أخرجه أهل مكة خاطب مكة فقال :

(والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك).

ما هي الأساليب من خلالها يمكن تعزيز الانتماء الوطني؟

لعلنا لم نفقد الأمل في إيجاد الوسيلة التي يمكن من خلالها معالجة هذه الظاهرة، وإن كانت نتائجها بطيئة إلى مزيد من الصبر، وهذه الطريقة تتم عبر تجنيد المؤسسة التربوية لمكافحة ضعف الانتماء الوطني، وتعزيزه عبر ترسيخ مبدء المواطنة الصالحة، وإفهام الفئات العمرية المختلفة أنهم مسؤولون عن كل ذرة من تراب الوطن.

 

وجزء من المسؤولية يقع على مؤسسات المجتمع المدني حيث يتوجب عليها الأخذ بزمام المبادرة، وإقامة الدورات التي من شأنها توظيف الطاقات المجتمعية لتذويب الرواسب التي خلفتها السياسة وغيرها .

2017/12/25

انتشار السلاح.. قد يكون إيجابياً!

كانت ولاتزال المجتمعات العربية تتفاخر بإقتناء الأسلحة، بل لا تزال بعض القبائل العربية ـ حتى يومنا هذا ـ يعتبر التمنطق بالأسلحة التقليدية شكلاً من أشكال الكاريزما التي تميز أولئك الأفراد عن غيرهم.

وقد تغنى شعراء العرب بأنواع الأسلحة التي كانوا يستخدمونها في حلهم وترحالهم، وقد ظلت هذه الظاهرة ممتدة بإمتداد الأجيال، نعم ظهور الدولة القطرية في العصر الحديث ربما ساهم في حدة زخمها، حتى أصبح إستعمال هذه الآلات حصرياً بيد شريحة معينة من الناس وهم أفراد القوى الأمنية.

لكن بعض الظروف السياسية التي تعصف بالبلدان العربية ساهمت بشكل مباشر في إنتشار كميات هائلة من السلاح، ولم يعد حكراً على أفراد المؤسسة الأمنية.

ففي العراق ـ على سبيل المثال ـ  كانت أحداث عام 2003 العامل الأبرز في تدفق كميات الأسلحة المتنوعة الى أيدي مختلف شرائح المجتمع، وصار الحصول على تلك الأسلحة وبالأخص منها الخفيف والمتوسط في منتهى اليسر والسهولة، فما على الفرد إلا أن يكلف أحد السماسرة المنتشرين وبكثرة بالحصول على قطعة السلاح التي يرغب بشرائها.

إيجابيات وسلبيات انتشار الأسلحة

حينما نريد أن ننقد ظاهرة معينة لا بد أن نكون موضوعيين في النقد ودراسة الظاهرة المعنية من كافة الزوايا، عند ذلك نحكم أنها إيجابية أو سلبية، وقد تكون في بعض الأحيان تحمل العنوانين معاً (الإيجاب والسلب) وهذا ما يمكن أن نستشفه من ظاهرة إنتشار السلاح.

أما الإيجابيات فالكل يعلم أن السلاح يكون وسيلة للدفاع عن النفس، فعلى سبيل المثال عندما أجتاح تنظيم داعش الأراضي العراقية عام 2014 هب العراقيون بأسلحتهم الشخصية للدفاع عن أرضهم، بل حتى بعض الخروقات الأمنية التي حدثت في بعض المحافظات كان لأسلحة العشائر دور بارز في التصدي لها كما حصل في ناحية القادسية التابعة لمحافظة النجف.

أما السلبيات

فلعل واقعنا اليومي شاهد على السلبيات والويلات التي جلبتها الأسلحة المنتشرة في عموم البلاد دون رادع قانوني، والأدهى من ذلك أن كلمة السلاح هي التي يكون لها الفصل في كثير من الخلافات سيما العشائرية منها، والتي يكاد يكون جنوب العراق مسرحاً لها.

لقد فقد المئات من أبناء تلك المناطق حياتهم بسبب النزاعات التي تكاد أن تكون يومية أو شبه يومية، ولأسباب تافهة تدعو للتهكم والسخرية، والشيء الملفت للنظر أن الأسلحة المنتشرة ربما تفتقدها حتى بعض القطع العسكرية، فليس الأمر مقتصراً على الأسلحة المتوسطة والخفيفة، بل كثير من الأحيان نلاحظ وجود أسلحة ثقيلة عند الأطراف القبلية المتخاصمة.

لعل الشواهد تشير الى وجود أيادي خفية كان لها دور كبير في إغراق الشارع العراقي بسيل كبير من مختلف الأسلحة، وأصابع الإتهام تشير الى جهات خارجية بالدرجة الأولى.

فعلى الرغم من أن القانون الخاص بحيازة الأسلحة النارية تحت الرقم 13 يمنع إقتناء أكثر من قطعة سلاح خفيفة لكل بيت، إلا إننا نجده أثراً بعد عين، إذ ما أن تحل مناسبة من المناسبات إلا وتتحول كثير من البيوت الى ما يشبه المشجب، ويقوم المحتفلون بإطلاق الأعيرة في الهواء، وكم من شخص فقد حياته جراء هذا الفعل المخالف للشرع والقانون، بل ومخالف حتى للذوق العام، فالمفروض أن السلوك في الحواضر المدنية يختلف عنه في القرى والأرياف، إلا إن الكثيرين لا يتقبل هذه الحقيقة.

وعلى الرغم من أن المرجعية قد حرمت هذا الفعل، إلا إنه لم يبقَ حكراً على المتنازعين بل تسرب وبشكل ملفت الى الجمهور الرياضي الذي يعبر عن إبتهاجه وفرحه بإنتصار المنتخب الوطني بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، ولاأخفيكم أن كثيراً ممن يكرهون هذه الظاهرة طالما تمنى خسارة المنتخب، لأن فوزه له عواقب وخيمة لا تحمد عقباها.

وأخيراً ينبغي لنا اتخاذ وقفة جادة لمحاربة هذه الأفعال التي أثرت سلباً على الفرد والمجتمع، والتصدي لمروجي هذه الظاهرة ومحاسبة من يقف خلفها.

 

 

 

2017/12/20

لهذه الأسباب ينتشر "المعالجون الروحانيون" في العراق

لا زلت أذكر ذلك اليوم العراقي المشمس اللاهب عندها مر بقربي رجل سبعيني يرتدي الزي العربي التقليدي، وكان على قدرٍ عالٍ من الأناقة وتقله سيارة فخمة، عندها وقف هذا الرجل ليسألني عن آخر يدعى أبو مصطفى كان يعيش في نفس محلتنا، فقلت ما تريد منه فقال سأخبرك بشرط عدم الإستهزاء، فتبين أن الرجل قد فقد بعض مقتنياته الثمينة وجاء الى أبي مصطفى كي يعلمه مكانها عن طريق تسخير الجن على حد زعمه.

استغربت ذلك كثيراً لأن أبا مصطفى هذا كان خليعاً ماجناً والسائل يظهر عليه الوقار، كما أنني وعلى حد ما أذكر، بل وهو اليقين، أن أبا مصطفى كانت ميوله رياضية ـ رغم أنه كان فاشلاً في الرياضة ـ فما شأنه وشأن التسخير والعلاج الروحاني؟!

وبعد يومين جاءت فتاتان تتراوح أعمارهمن بين 20 ـ 25 سنة الى نفس الشخص، وهكذا دواليك الى أن أصبح أبو مصطفى ممن يشار لهم بالبنان في كشف المستور والسحر والشعوذة.

لماذا إنتشرت وراجت مراكز العلاج الروحاني؟

الداعي لذكر هذه القصة من واقعنا، والتي قد يشاطرني كثيرون سرد مثيلاتها، هو انتشار ظاهرة ما يعرف بـ "المعالجين الروحانيين". هؤلاء تعدت شهرتهم كبار الجراحين الذين زاول بعضهم المهنة لمدة نصف قرن من الزمان، لكن السؤال الذي أنا بصدد الإجابة عنه في هذا المقال هو: "ما هي أسباب وتداعيات هذه الظاهرة الخطيرة؟"

يمكن أن نرجع انتشار هذه الظاهرة الى أسباب عدة أبرزها:

1 ـ الجهل: إن أغلب مراجعي تلك المراكز من الناس البسطاء، الذين لا يمتلكون المقدار الكافي من الثقافة، وهذا ما يساعد أولئك الذين يطلقون على أنفسهم وصف "الروحانيون" على ابتزازهم وطلب مبالغ كبيرة، بزعم إخراج الجن المتلبس في جسم المريض.

2 ـ إن كثيراً من المراجعين يكون لديهم شعور مسبق أنهم سيشفون على يد معالجيهم، وهذا الشعور له دخل مباشر في التأثير على العقل الباطن عند المرضى المراجعين.

3 ـ أساليب الترويج التي يتبعها الروحانيون، فنظراً للأموال الطائلة التي تدر عليهم، قام الكثير منهم بإفتتاح فضائيات تبث جلساتهم، والمحير في ذلك أن هؤلاء حطموا أرقاماً قياسية في مستوى الجهل الذي يمتلكونه، فقد شاهدت بعضهم وهو يرقي أحد المرضى بسورة الفاتحة، وهذه السورة المباركة على الرغم من قصر آياتها إلى أن صاحبنا زل لسانه بما يقرب من عشر أخطاء واضحة، وشخص آخر من هؤلاء قد أمَ جمعاً من المصلين، بقراءة أسوأ من صاحبه.

4 ـ إستخدام الدين مطية يحققون به مآربهم، حيث يدعي بعض هؤلاء دجلاً أنه يتصل بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) على الرغم من أن جمعاً من أساطين أعلام التشيع يرى أنه مع إمكان القول برؤيته (عجل الله تعالى فرجه) إلا إن التعرف على شخصه يتم بعد انقضاء اللقاء.

ضعف الرقابة الحكومية

لقد إستبشرنا خيراً عندما راج في وسائل الإعلام جهات حكومية وجهت أمراً بغلق هذه المراكز، وقد قام هؤلاء فعلاً بغلق فضائياتهم، لكن لبرهة من الزمن حيث رجعت بعد مدة يسيرة لمزاولة مهامها.

على الرغم من إن هذه الأفعال قد تندرج ضمن جرائم النصب والإحتيال التي يعاقب عليها القانون العراقي حيث نصت المادة (456) من قانون العقوبات: "يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسليم او نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص اخر وذلك بإحدى الوسائل التالية : أ- باستعمال طرق احتيالية . ب- باتخاذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة او تقرير امر كاذب عن واقعة معـينـة متــى كـــان مــن شأن ذلـك خداع المجني عـليـه وحمه على التسليم".

فما هو الداعي لتأخير الإجراءات القانونية بحق هؤلاء الذين عاثوا في الأرض فساداً وشوهوا الصورة الناصعة للدين الحنيف؟

يبقى أمراً مهماً وهو: إن بعض المسؤولين في السلطة التنفيذية قد تنصل من المسؤولية، زاعماً أن هذا ليس من إختصاصهم لأنه لا يخضع للجانب التنفيذي، بل خاضع للجانب الرقابي الذي هو من مختصات وزارة الصحة ـ حسب إدعائه ـ والمسؤولون في وزارة الصحة أيضاً قد تذرعوا بأن مكافحة هؤلاء ليس من إختصاصهم، وكل يلقي الكرة في ملعب الآخر.

إذاً، ليس أمامنا إلا أن ينبري شبابنا الواعي المثقف إلى تحمل مسؤولية توعية المجتمع من خطر هؤلاء وبيان مدى جهلهم وجشعهم، لعل ذلك يكون رادعاً للناس في إرتياد مراكز هؤلاء الذين اتخموا بالمال الحرام.

 

 

2017/12/18

"تطبيقات" و "مواقع" تهدد الأسر العراقية!

منذ التغيير السياسي الكبير الذي حدث في العراق بعد أحداث عام 2003 وحتى هذه اللحظة، لايزال مجتمعنا عرضة لدخول كل ما هو غريب عن ثقافته ومتبناه الأخلاقي، وكثيراً ما يلعب الشغف دوراً هائلاً في دفع الناس إلى اقتناء كل ما كان غريباً عنهم، فقد ملئت الأسواق وأمكنة التبضع المختلفة بالصالح والرديئ من السلع، وما ذلك إلا لفقدان وغياب أجهزة السيطرة، في تحديد شكل البضائع التي يسمح لها بإجتياز الحدود، ومنع الأخرى التي قد تسبب الأضرار المادية والمعنوية للفرد والمجتمع.

ولم يقف الحد عند البضائع والسلع، بل للتكنلوجيا كان نصيب مماثل، حيث أخذت مأخذها بين أفراد المجتمع الراقي، ففي هذه الأيام أصبح ـ على سبيل المثال ـ من السهل جداً على كل فرد اقتناء ما يعرف بالأجهزة الذكية، والتي يسهل ربطها بمواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي.

وقد أصبح لهذه المواقع والتطبيقات دور كبير في الحياة اليومية، حتى لم يعد بالإمكان الإستغناء عنها. وللوقوف على معرفة منافع ومضار إستخدام هذه الشبكات نذكر جملة من النقاط:

النقطة الأولى: يقصد بمواقع التواصل الاجتماعي: مجموعة البرامج والمواقع المختلفة على الشبكة العنكبوتية، والتي يمكن من خلالها التواصل بين مختلف الأفراد، وشكل هذا التواصل قد يكون بواسطة الرسائل الألكترونية، أو الإتصال المسموع والمرئي، وقد يكون الهدف من هذا التواصل، التعرف على أصدقاء جدد أو الإطلاع على ثقافة معينة لبلد ما، أو تكوين بعض الأفراد لمجموعات تحمل صفة معينة أو مهنة مشتركة.

النقطة الثانية : إن لهذه الشبكات نقاط إيجابية كثيرة جداً، فهي تتيح لمستخدميها إنشاء عالم افتراضي، يمكنهم من خلاله التواصل ومعرفة بعضهم البعض، لأن الإنسان يميل بطبيعته الى الأنس بأفراد نوعه، وهذا ما توفره هذه الشبكة، أضف الى ذلك أنها توفر ما عجزت عن توفيره السياسة حيث أن الحدود الجغرافية مفقودة بين المتواصلين.

النقطة الثالثة: إن هذه الشبكات سيف ذو حدين فبالإمكان أن تستخدم في التطور والرقي، فكم من المكاتب والكتب والأبحاث متوفرة ويسهل على المتلقي الحصول عليها بسلاسة ويسر،  ويمكن أن تكون أداةً لتدمير الفرد والمجتمع أخلاقياً وفكرياً، فكم من المواقع التي تبث سمومها عبر مشاهد فاضحة تخدش الحياء، وتنتهك العفة، وهناك مواقع كانت الواجهة الأساسية لإستقطاب المتطرفين وتجنيدهم وزجه في التنظيمات الإرهابية التي أهلكت الحرث والنسل.

ترشيد الاستخدام

رغم إن هذه الشبكات كان لها دور مهم في الحياة اليومية، إلا إننا نرى الكثير من المستخدمين يصرف جل وقته في إستخدامها، والسواد الأعظم من هؤلاء يكون استخدامه لمجرد إضاعة الوقت، فعلى سبيل المثال لو أخذنا موقع (الفيسبوك) لوجدنا أن كثيراً من منشورات صفحاته، يقوم أصحابها بنشر ما لا لون و لا طعم ولا رائحة له، فما هي الجدوى من نشر شخص معين وقوفه بجنب حائط أو نشر صورته وهو يتأمل؟!

والأدهى والأمر من ذلك التعليقات التي تنهال عليه من كل حدب وصوب (منور، مضوي، علم، الخ ..) .

الآثار السلبية لوسائل التواصل على العلاقة الزوجية

إن العلاقات الزوجية قد تأخذ في بعض الأحيان شكل الخمول والفتور بين الطرفين، ولذا قد يلجأ كل طرف منهما الى البحث عن البديل، ومن أسهل تلك الوسائل هي الولوج الى العالم الرقمي الإفتراضي، الذي يتيح لكل منهما ملئ الفراغ العاطفي والنفسي الذي يخلفه ضعف العلاقة.

وهذا الأمر كان لها الأثر البالغ حول إرتفاع مستوى حالات الطلاق حول العالم، حيث أشارت بعض الإحصائيات الى عدد المستخدمين لبرنامج الفيسبوك قد إرتفع بشكل ملحوظ في هذه الفترة حيث بلغ عدد المستخدمين أكثر بنسبة20% عن الماضي لكن في المقابل كان لظاهرة الطلاق نصيبها من الإرتفاع، حيث زادت بنسبة 2.18%.

فعلى سبيل المثال سجلت المحاكم العراقية 4402 حالة طلاق في تشرين الأول المنصرم، وأكد باحثون اجتماعيون أن شبكة التواصل كانت من أبرز الأسباب التي أدت الى ذلك.

وأما في مصر فقد  قام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهو الجهاز الرسمي للإحصاء في مصر حيث يقوم بجمع ومعالجة وتحليل ونشر كل البيانات الاحصائية والتعداد السكاني.

فقد اشار هذا الجهاز إلى حصول 40،000‏ حالة طلاق في عام 2016 كانت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص برنامج الفيس بوك وتويتر حيث ينشغل الأزواج عن بعضهما البعض.

أما الدول الغربية فليست بمنأى عن هذه الظاهرة، حيث أكدت بعض التقارير أن ما نسبته  33% من حالات الطلاق لعام 2011 في بريطانيا كانت بسبب الفيسبوك.

وأما في إيطاليا فقد كانت النسبة أكبر، حيث ذكرت  صحيفة (الإندبندنت) أن 40% من حالات الطلاق كانت بسبب وسائل التواصل.

وأما في فرنسا فقد قام أحد المواقع المعنية بدراسة هذه الظاهرة حيث كشف عن إحصائية مرعبة مفادها أن من بين كل ثلاث حالات زواج تنتهي واحدة بالطلاق بسبب (الفيس بوك).

2017/12/17

الكذب على الزوجة جائز.. ما هي حدوده؟!

لقد كان الهدف من الرابطة التي تربط الزوجين هي نشوء المودة, كما جاء في الذكر حيث قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الروم /21 .

وكما يقال إن لكل فعل ردة فعل، فلهذه العلاقة أن تتطور الى ما هو أفضل وأكمل إذا كانت وفق ما هو مخطط لها على المستويين الشرعي والإنساني.

ولهذا فإن الشريعة قد حددت نوعية الزوج أو الزوجة المناسبين لبعضهما، على أساس حسن الخلق والتدين الحقيقي، لكن في بعض الأحيان وعلى الرغم من أن الزوجين متوافقان ويسود علاقتهما الوئام والمحبة، إلا أن بعض المشاكل التي تلوح في الأفق قد تعكر صفو تلك العلاقة، ولعل بعض تلك المشاكل ليست مشاكل حقيقية بل ناتجة عن سوء الفهم بين الطرفين، مما يؤدي الى تلبد خطوط التفاهم بسحاب الأنانية، وقد تصل الأمور إلى أن يُعْرِضُ أحدهما عن الآخر، ولكسر هذه القيود نجد في الكثير من الأحيان أن الرجل هو من يبادر الى تذويب الجليد الذي شابَ ذلك الرابط المقدس.

وقد يفهم البعض من هذا التصرف أنه رضوخ لا مبرر له من قبل الزوج لزوجته، وهو الطرف الأقوى في المعادلة، خصوصاً في المجتمعات الشرقية ذات الطابع الذكوري، إذاً لماذا أتنازل وأكون أول المبادرين؟

لنطرح السؤال بطريقة أخرى: ماهي الطريقة التي من خلالها يمكنني أن أحافظ على أسرتي وعلى راسها زوجتي دون أن يمس ذلك كرامتي أو أن يفسر إصلاحي لذات البين أنه عامل ضعف؟

في مقام الجواب نذكر عدة نقاط :

1 ـ إغلاق كل الملفات القديمة التي كانت سبباً في تعكير صفو العلاقة، وبدأ صفحة جديدة بين الطرفين.

2 ـ عدم تعظيم صغائر الأمور التي قد تصدر من الزوجة بدافع الفضول أو الغيرة.

3 ـ إظهار الإهتمام المتبادل بين الطرفين، ومن الزوج بالأخص، فبالنسبة للرجل يمكن أن يملي فراغه في أغلب الأحيان عبر الأصدقاء او في أماكن العمل المختلفة، بينما السواد الأعظم من النساء تكون حبيسة الدار، فترى في الزوج ذلك الإنسان الذي يملي لها وقتها ويصنع لها سعادتها، وتنتظر منه كل كلمة يمكن أن يطريها فيها أو يشيد بدورها المحوري داخل منظومة العائلة، ولذا يتساءل البعض، لو أردت أن أعبر عن عظيم حبي لها وشدة إهتمامي بها فقلت لها لا يوجد لدي من هو أغلى منك أو أنت أجمل إمرأة رأتها عيني، فهل يلزم من ذلك إشكال؟

الجواب: لا إشكال في ذلك إذا كان على سبيل التورية بأن يكون قصده ـ مثلاً ـ أنت أجمل إمرأة بنظري، وهذا شكل من أشكال التودد المرغوب فيه، يبقى سؤال آخر وهو قد تحصل بعض المشاكل التي قد لا ينفع معها هذا الشكل من المجاملة، فيضطر البعض الى الكذب، فهل الكذب في مثل هذه الموارد ممكن وجائز؟

قبل الجواب لابد من مقدمة:

إن معنى الكذب هو أن يخبر الشخص بما يخالف الواقع، كأن يقول السماء تمطر وفي الواقع أن المطر لا أثر له ولا عين، والكذب حرام شرعاً وقبيح عقلاً، إلا إن صفة القبح بالنسبة للكذب يمكن إنفكاكها عنه لوجود عارض معين، فمثلاً لو إفترضنا أن إنساناً مؤمناً كان الظالمون يريدون قتله، وعلمت بمكانه فهل إذا سألني أولئك الظالمون عن مكانه هل يمكنني الكذب ؟

الجواب: إن الكذب وإن كان قبيحاً ذاتاً وحرام شرعاً إلا إنه لوجود العارض ـ حفظ نفس المؤمن في المثال ـ يكون جائزاً بل واجباً لوجود التزاحم بين المهم (عدم الكذب) و الأهم (حفظ النفس المحترمة) وقس على ذلك الكذب على الزوجة فإنه إذا توقف الأمر بين شيئين

 1 ـ دمار البيت وتشتت الأسرة         2 ـ أن يقدم على إرتكاب الكذب على الزوجة.

ومن المؤكد أنه لا يوجد عاقل يقدم على الخيار الأول، وأما الخيار الثاني ففيه محذور الكذب المحرم، فما هو الحل ؟

الجواب :

إذ أمكن للزوج إستعمال التورية في مثل هذا الفرض فلا مانع، وأما إذا تعذر ذلك فيمكن له الإقدام على الكذب للتزاحم بين المهم والأهم .

تبقى مسألة أخرى وهي أن الزوجة إذا  قام الزوج بتقديم الهدية لها فإن له الأثر البالغ في نفسها، حيث تعتبره علامة على استمرار المحبة متبادلة، إلا إن بعض الأزواج وللأسف الشديد قد تطلب منه زوجته شيئاً معيناً، فيعدها بذلك فإن كان ناوياً الإخلاف منذ البداية فحرام شرعاً، وإلا فلا إشكال فيه.

 

 

2017/12/16

محجبات الشهور: زينة الدنيا بخسران الآخرة

بعض النساء يتحجبن في بعض الشهور من كل عام فقط؛ كشهر رمضان أو شهري محرّم وصفر. أمّا في بقية أشهر السنة فتراهنّ متكشفات غير محجبات، حتى أنّ البعض منهن يضعن على وجوههنّ مساحيق خاصة للتجميل.

وقد حرّم الدين الحنيف هذا التبرج والتكشف أمام الأجانب من الرجال، وقد توعّد الله سبحانه وتعالى العاصين أن ليس لهم في الآخرة إلا النار.

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ([1]).

فليس للبشر إلّا أن يتبعوا ما أمر الله تعالى به لبلوغ الكمال النفساني إن أرادوا الفوز والنجاح في الدارين، وإلا كانوا من الأخسرين أعمالاً.

على حد قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ([2]).

ولاريب أنّ للشيطان دوراً في انحراف الإنسان إن استجاب له وأطاعه. فعلى المرء أن يعتصم بالله العلي العظيم ولا يستجيب لدعوة الشيطان. فالشيطان هو عدو الإنسان اللدود، وهو يسعى جهد قدرته أن يستزل الإنسان لكي يتبعه من خلال وساوسه وتسويلاته، فيصرف الإنسان عن كل ما يقربه إلى الله ويزكيه.

وإن الشيطان ليعترف يوم القيامة قائلاً: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} ([3]).

إذاً فلا سلطان ولا سيطرة للشيطان على الإنسان خلافاً لما يقوله بعض من يريد تبرير موقفه عند ارتكاب المعاصي واجتراح السيئات بتبريرات واهية عقلاً ومنطقاً. إنما الشيطان يدعونا فحسب ولا يتعدى أمره (الدعوة) فما علينا إلّا أن لا نلبّي دعوته ولا نضعف أمام المغريات وزخارف الدنيا والأهواء الباطلة.

يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير}ِ ([4]).

ولولا اتباعنا إياه وإطاعتنا له لعرجنا في ساحات القدس. فطوبى لنفس فكرت في عقباها فلازمت التقوى وما يؤدي إلى الزلفى، ووفقت إلى أنواع الاستغفار فطهرت من أدرانها وتزكّت مما علق بها من دنس ورجس، لتتوجه نحو النعيم الخالد والحياة التي كلها سرور ورضى.

 قال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ([5]) أي: أنّ الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية الأبدية لا هذه الدنيا الدنّية سريعة الزوال فانية الأجل.

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

------------------

([1]) سورة هود: آية 15-16.

([2]) سورة الكهف 103-104.

([3]) سورة ابراهيم 22.

([4]) سورة فاطر: آية: 6.

([5]) سورة العنكبوت: آية: 64.

 

2017/12/14

"جفاف المياه" يهدد مناطق جنوب العراق.. هل عاقبنا الله؟!

يعتبر الماء أهم الأشياء التي تتوقف عليها الحياة بصورة عامة، وحيث ما وجد وجدت الحياة، وحيث انعدم انعدمت، وهذا ما أشار له الإمام الصادق في حديثه له: عن الحسين بن علوان قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) عن طعم الماء فقال: (...)  طعم الماء طعم الحياة\.

الحضارات هي الأخرى تبنى حيث توجد المياه، ولهذا نجد أن المناطق التي لا ماء فيها لا أثر للحضارة والتمدن والعمران فيها، كما إن النصوص الدينية لم تغفل ذكر الماء وفضله على الكائنات.

وعلى رأسها تلك التي جاءت في القرآن الكريم حيث ورد ذكر الماء 63 مرة، ومن جملة النصوص القرآنية قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: 30]

وفي آية أخرى مثل القرآن الكريم دور الماء بأنه قد وهب الأرض نعمة الحياة حيث جاء في قوله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[النحل: 65].

وقد ورد في بعض الروايات أن الماء هو النعمة الأولى من بين كل النعم الآلهية التي يسأل عنها الإنسان، فعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: أول ما يسأل الله جل ذكره العبد أن يقول له: أو لم أروك من عذب الفرات.

الإسلام وترشيد المياه

إن من الحقوق التي إفترضتها الله تعالى على الإنسان هو أن يؤدي عباداته على وفق ما خطته الشريعة، وتلك العبادات لها علاقة مباشرة مع الماء، حيث أنها مشروطة بإستخدام الماء قبله، وتسمى تلك العملية (الوضوء) أو (الغُسْل)، ولكن لمكانة هذا السائل ولأهميته، حدد للوضوء أو الغسل مقدار يناسبها.

فعن زرارة، وكما جاء في كتاب وسائل الشيعة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد رطل ونصف، والصاع ستة أرطال.

والصاع حوالي 2.75 لتر والمد يساوي 687 ملليتر.

فإذا كانت العبادات التي من أجلها خلق الإنسان (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56 ، قد حددت كميتها بالنصوص الشرعية، فيا ترى كيف ستكون نظرتنا لمن يتلف هذا السائل الذي باركه الله بما لا فائدة فيه؟!

أو يستعمله في غير ما هو مخصص له، ولعلك تتسائل كيف يستخدم الماء في غير ما هو مخصص له مع أن استعمالات الماء معروفة ومحددة؟

أقول ليس هذا القصد، بل ما قصدته أن المياه التي تصل الى بيتي وبيتك أو كما يعبر عنها (مياه الإسالة) (الماء الصالح للشرب) له إستخدامات منزلية معروفة كالشرب والتنظيف والتطهير، فإذا قام شخص بإستعمال جائر للماء كقيام بعض اصحاب البساتين والمزارع ـ للأسف الشديد ـ بثقب أنبوب ماء الإسالة لسقي مزروعاتهم، فهذا الفعل محرم شرعاً  لأن الفقهاء يرون أن مخالفة القانون أمر محرم، فضلاً عن أنه هدر لمورد لم يعد من السهل الحصول عليه، وأبرز الشواهد على ذلك هي موجة الجفاف التي تضرب محافظتنا الوسطى والجنوبية.

الجفاف عقوبة!

 لقد تعهد الله تعالى لمن يقوم بطاعته ويقلع عن معصيته أن يجزيه على تلك الطاعة ماءً كثيراً، قال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) الجن/16 .

والغدق معناه الكثير يقال غَدَقَتِ الأَرْضُ : تَبَلَّلَتْ بِالغَدَقِ ، أَيْ بِالْمَاءِ الكَثِيرِ.

وقد جاء في بعض الروايات أن الطريقة التي كان يجب على البشرية الاستقامة عليها هي (الولاية) أي ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ، فعن سماعة قال: ((سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل: (( وَأَن لَوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا )) يعني استقاموا على الولاية في الاصل عند الاظلة حين أخذ الله الميثاق على ذرية آدم (( لَأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا )) يعني لاسقيناهم من الماء الفرات العذب)).

فلاحظ، أن كثرة المياه ووفرتها مترتبة على الطاعة، والجفاف ما هو إلا نتيجة المعاصي والذنوب التي ارتكبها الإنسان.

قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/ 96 .

وعن بعض المفسرين إن معنى قوله تعالى : (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) أي : قطر السماء ، ونبات الأرض .

ومن الشواهد على أن الجفاف ما هو إلا بسبب المعاصي والذنوب، فقد قام الإمام الحسين (عليه السلام) بالدعاء على أعدائه يوم العاشر من المحرم حيث رفع يديه وقال :

(اللهمّ احبس عنهم قطر السماء) أي بسبب جريمتهم النكراء فعاقبهم يا رب بقلة الغيث.

2017/12/12

هكذا كان حجاب فاطمة (ع)!

هذه صورة مشرقة لجهاد المرأة المسلمة تصنعها فاطمةُ (عليها السلان) في ظلال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يبخل أبوها النبي بتقليدها الأوسمة مما يجعلها القدوة التي يحتذى بها  في الصبر والالتزام والعفة والقداسة، فهي تشارك النبي  في صبرها وتحملها الآلام والمحن لتشد أزر الاسلام وتكافح جنباً إلى جنب مع أبيها وزوجها وأبنائها في ساحة واحدة وخندق واحد، لتدوّن على صحائف التأريخ درساً عملياً تتلقاه أجيال النساء والفتيات في هذه الأمة المسلمة، فيتعلمن حياة الإيمان ويكتشفن عمق الأثر العملي البنّاء الذي تتركه التربية الإسلامية في حياة المرأة المسلمة، فتشارك الرجل في حياته وجهاده ومهمات رسالته بعيدةً عن اللهو والعبث والضياع، مشغولة بالعطاء الاجتماعي والبناء الروحي وحمل الرسالة وصناعة الأجيال.

هكذا ربّى النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (عليه السلام) لتكون مثالاً حياً للمرأة المسلمة وقدوة للفتاة المؤمنة ونموذجاً رسالياً في دنيا الناس.

وفاطمة الزهراء (عليها السلام) هي الزاهدة العابدة المتبتّلة التي قال عنها ولدها السبط الحسن (عليه السلام): "رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمودُ الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثير الدعاء لهم. ولا تدعو لنفسها بشيء. فقلت لها: يا أمّاه لم لا تدعين لنفسك، كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار" ([1]).

والدعوة بالخير لا تصدر إلا عن قلب نقي محب للخير كقلب فاطمة (عليها السلام)، إنها معلّمة ومربية ومثل أعلى في عبادتها وزهدها في سلوكها وفي بيتها، وعلاقتها بأبيها وزوجها، ووقوفها بين يدي ربها، وفي عطفها على الإنسانية وحبّ الخير لها.

ينقل لنا التاريخ درساً في العفة والحجاب عن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم خرجت محتجة على أبي بكر، إذ منعها فدكاً نحلتها التي نحلها إياها أبوها النبي.

فيذكر لنا التاريخ: أنها لاثت خمارها واشتملت بجلبابها وأقبلت مع لُمةٍ (جمع) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها الأرض: أي أن ثيابها (عليها السلام) كانت طويلة تخطّ الأرض ستراً لعفافها وإتماماً لحجابها المقدس والتزاماً بأوامر الله تعالى وقيم الاسلام ومبادئ الدين الحنيف.

ثم إنها سلام الله عليها كانت تمشي وسط تلك المجموعة من النساء التي معها، لكي لا ينظر لها شخص ولا تعرف لها هيأة ولا يبصر لها رسم، بل لكي لا تعرف من بين النساء ولا يميزها الناظر إنها عظمة الدين وأخلاق سيد المرسلين وعزة الإيمان في أعظم تجلياتها.

كانت تمشي بخطى واثقة مطمئنة كخطى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث كانت تحاكي مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتمام الهيبة والوقار والسكينة - لا كما تفعله بعض النساء من مشية تناغم مشية النساء الغربيات يحيطها جو من الميوعة والتهتك، فينظر لها بعين الشك والريبة - (حتى دخلت على أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة رعاية للستر والحجاب وصيانة للعفة والوقار.

ما أسمى هذه الدروس والعبر والمعاني السامية التي سطرتها سيدة النساء (عليها السلام)  في موقف واحد جعلته مثلاً أعلى يحتذى ويقتدى به لكل امرأة مسلمة، تبحث عن العفة والحجاب والستر والاحتجاب بدلاً عن التبرج والزينة، تطبيقاً لمعالم الدين وشريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) .

عصمنا الله جميعاً من الزلل وأخذ بأيدي المؤمنين جميعاً إلى ما فيه الصلاح والإصلاح.

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

------------

 

([1]) كشف الغمة: ج2، ص94 الأربلي.
2017/12/11

الطفل "أرض خالية" ماذا نزرعها؟

يتصور الكثير من الآباء والأمهات أن مسألة تربية الأطفال من المسائل الميسورة التي بإمكان أي شخص يرتبط مع الطفل برابطة الأبوة أو الأمومة، أن يؤديها حسب المطلوب، ووفق الآليات التي تؤهل ذلك الطفل إلى أن يكون فرداً مساهماً في بناء مجتمع متحضر، غير أنهم ـ أعني الآباء والأمهات ـ لابد أن يلتفتوا الى نقطة مهمة، وهي أنهم أحد أطراف المجموعة الثلاثية التي تساهم في تنشئة وبناء شخصية الطفل سلباً أو إيجاباً، وهذا الثلاثي يتكون من (الأسرة ، المدرسة ، المجتمع) .

عندما يبصر الطفل النور فإن أولى محطات التلقي التي سيمر بها هي \العائلة\ التي يرتبط معها برابطة الدم، ومن هنا سوف تفرز الصورة النمطية أو القالب النمطي لتلك العائلة اللبنة الأولى لشخصية الطفل، فعندما يتدرج نموه يكون مشدوداً ومتعلقاً بأمه كثيراً، حيث أن ذلك التعلق أمر فطري يميل إليه التكوين الإنساني، ومن نافذة الأم يرى العالم.

ثم يدخل الأب عالم ذلك المخلوق الوافد حديثاً إلى معترك هذه الحياة، حيث ينظر الطفل إلى الأب بإعتباره السور الذي يمنع دخول المتطفلين الى عالمه، والقناة التي من خلالها تتحقق كل رغباته وميوله.

ولذا فإن هذه المرحلة حسب علماء الإجتماع تعتبر من أهم المراحل في بناء شخصية الإنسان، حيث يعتبر الطفل فيها كالأرض الخصبة التي ينمو فيها كل ما يبذر، وهكذا جاءت النصوص الشرعية التي تعزز هذه الحقيقة.

أرض خالية..

ورد في كتاب بحار الأنوار، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه أوصى ولده الحسن (عليه السلام) فقال : \إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبّك\.

ولذا، فربما إعتقدنا خطأً أن ما يتوجب علينا فعله هو أن يكون الطفل قد توفرت له كل ظروف الراحة والرخاء على مستوى المأكل والملبس والمشرب، مع إغفال الجانب الروحي والنفسي، وهذا التصرف نابع من التفريط، حيث أن الأمور المذكورة وإن كانت مطلوبة، إلا إنه ينبغي حفظ التوازن بينها وبين الجانب النفسي للطفل، (لا إفراط ولا تفريط).

إذاً، ماذا نزرع في نفوس الأطفال؟

تذكر الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) أن أول ما يستقيه الطفل من عائلته لابد أن يكون الأدب والأخلاق، حيث أنها الشيء الذي يمكنه البقاء بعد زوال كل ما هو قابل للزوال.

فعن الصادق (عليه السلام) \إنَّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى\.

وفي كتاب غرر الحكم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: \خير ما ورّث الآباءُ الأبناء الأدبَ\.

ما يجدر ذكره هنا، أن أحد العلماء الكبار المعاصرين قد أفنى أكثر عمره في الدرس والتدريس والتأليف حتى بلغ مجموع ما قضاه في هذا المجال أكثر من ثمانية عقود، كان لدى هذا العالم 6 بنات وولدان، وكانوا بأجمعهم متزوجين، وكانت بناته متزوجات من علماء كبار بعضهم كان من طلبة أبيهن، وكان ذلك العالم (الأب) يتصل بهن طالباً منهن زيارته، وفي إحدى المرات قمن بزيارته لكن من دون أبنائهن، ولما حطت رحالهن في بيته وإذا به يبصر بناته من دون أطفالهن، فاستغرب هذا التصرف مستفهماً منهن السبب، فتعللن بأن طبيعة الطفل تميل الى اللهو واللعب والضجيج وهذا ما لايتلاءم مع صحته وراحته، فأمر الأب بناته الست بالرجوع الى بيوتهن وجلب جميع أبنائهن، وبعد رجوعهن الى بيت الأب بصحبة الأطفال، استبشر بأسباطه وانفرجت أساريره فرحاً، ثم إلتفت الى بناته قائلاً:

\اعلمن يا بناتي لو أن شخصاً معيناً قد ربى طفله وفق الموازين الشرعية حتى صار ذلك الطفل إنساناً سوياً ملتزماً بالشريعة، ثم طلب مني أن أبادله ثواب ما قام به من عمل مقابل كل ما عملته في حياتي لقبلت ذلك\.

وهذا التصرف ليس مستغرباً أبداً،  فقد جعل الله تعالى جزاءً عظيماً لهذه التنشأة الصالحة، فاعتبره إحياءً لجميع الناس، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة 32.

 

 

 

 

2017/12/10

الحجاب حاجة إنسانية

إن التبرج والتعري انحراف عن الطبيعة البشرية التي أودعها الله تعالى في الإنسان، لأن تلك الطبيعة تقوم على الاعتدال والفطرة الإلهية البيضاء التي هي مصدر القيم الأخلاقية والسلوك المستقيم.

ولكن هذه الفطرة قد تتعرض للتلوث والانحطاط، بسبب بعض العوامل التي توجب انحراف الإنسان عن الطبيعة البشرية والفطرة الإلهية.

ومن تلك العوامل؛ الخضوع للشهوات واللذائذ التي تنزلق بالإنسان نحو البهيمية.

وما نلاحظه اليوم في الغرب من التبرج والانحراف وتعرّي النساء فهو أمر يدل على مستوى هذا الفكر المادي، التي قام على إنكار وجود القيم والمثل الأخلاقية والتبري من الدين والمقدسات، وكل ما يدل على الله (تعالى) في حياة الإنسان، فأطلق العنان لباب الشهوات والرغبات وخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها. فغيرة الإنسان على عرضه فطرية أودعها الخالق العظيم في نفس وشعور مخلوقاته لمصلحة الفرد ومجتمعه.

قال النبي (صلى الله عليه وآله): "كان أبي إبراهيم عليه السلام غيوراً وأنا أغير منه وأرغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين" ([1]).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى غيور يحب كل غيور، ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها" ([2]).

ومن هنا على الرجل المسلم أن يعي حقيقة الآثار المأساوية التي يفرزها التبرّج والسفور، فيحصن زوجته وابنته ويمنعهن من الاختلاط مع المتبرجات وغير الملتزمات من النساء، لكي لا يتأثرن بنهجهن فتفسد الأخلاق ويسلب الحياء لا سامح الله تعالى.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ في وصية له إلى ابنه محمد المعروف بابن الحنفية (رضوان الله تعالى عليه): "فإنّ شدة الحجاب خير لك ولهنّ من الارتياب. وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا يوثق به عليهنّ. وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل" ([3]).

فعلى الزوج الشريف أن يكون غيوراً على زوجته وابنته وأخته وأهله عامة، ويحثهن على التزام الحشمة والفضيلة والتمسك بأخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا المجال.

فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: "حُرّمت الجنة على الديوث". ([4]).

والديوث هو الذي لا يغار على أهله.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أيّما رجل تتزيّن امرأته وتخرج من باب دارها، فهو ديّوث، ولا يأثم من يسمّيه ديّوثاً. والمرأة إذا خرجت من باب دارها متزينّة متعطّرة، والزوج بذلك راضٍ، يُبنى لزوجها بكلّ قدم بيت في النار". ([5]).

فالإسلام يدعو إلى تحصين المرأة وحفظ كرامتها وعزتها من خلال الحفاظ على عفتها وشرفها، فلا يحل لها أن تبرز مفاتنها إلا لزوجها لتشعر بإنسانيتها الحقيقية وفخرها كمخلوقة أودع الله تعالى فيها سرّ الجمال والأنوثة.

ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لفاطمة (عليها السلام) ذات يوم: أي شيء خير للمرأة؟ قالت أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل فضمها إليه وقال: ذريةٌ بعضها من بعض.([6])

ولا ينسلخ عن هذا القانون الطبيعي والفطرة الإلهية المودعة في نفس كل إنسان إلا من أنسلخ عن إنسانيته وآل حاله إلى ما هو أضل من البهائم. قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.

فإن الناس إلى تكميل نفوسهم أحوج من إملاء بطونهم إلا أن المدنية الحاضرة تعمل لأجل إصلاح الظاهر وإملاء البطون، بل قد تأخذ الناس باسم الحرّية إلى الجاهلية الجهلاء وعبادة الأهواء.

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} ([8]).

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

--------------------------------

([1]) وسائل الشيعة: ج14، ص109.

([2]) ميزان الحكمة: ج7، ص 428.

([3]) بحار الأنوار: ج74، ص 213.

([4]) الكافي: ج5، ص537.

([5]) بحار الأنوار: ج103، ص249.

([6]) مناقب ابن شهرآشوب: 3/341 ط قم. ورواه عنه البحراني في العوالم: ج 11/128 ح 3.

([7]) سورة الفرقان: 44.

 

([8]) سورة محمد: آية 12.

2017/12/10

هذا ما سيحدث لك إذا استمعت إلى "الغناء"!

تعتبر مسألة الغناء من العادات السيئة، التي وللأسف الشديد قد وجدت طريقها الى أوساط المسلمين رغم النهي عن هذا الفعل في الكتاب والسنة، وقد تطورت هذه العادة مع تطور الزمن، لنجد أنها تنتشر مع انتشار العوامل المساعدة لها، فبدل أن تسوّق بعض الفضائيات والمواقع الالكترونية على الانترنت ما يخدم الإنسانية ويخلصها من المشاكل والتحديات الكبيرة التي تحيط بها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نراها تبث الاغاني على مدار الساعة، وكأن مجتمعاتنا أوجدت حلولاً كفيلة بحل أزماتها لتتجه نحو الغناء واجواء اللهو والترف، بل ان بعض القنوات التلفزيونية الفضائية كان الهدف الوحيد من إنشائها هو ترويج لما يعرف بـ كليبات المطربين التي تحتوي على مشاهد خليعة تنافي الحشمة، وتهيج الحالة الغريزية لدى الشباب.

ومن هنا، فإنني أجد من الضروري بيان أبرز الآثار الوضعية للغناء على أمل أن يعتبر من يتابعه بشغف، على اعتبار أن الغناء كأي ذنب من الذنوب ومعصية من المعاصي لا يستثنى من ترتب الاثار الوضعية، بل إن آثاره الوضعية كثيرة، وسنأتي على ذكر مجموعة منها معززة بروايات أهل بيت عليهم السلام: 

1 - الفقر 

إن من جملة الاثار التي يخلفها الغناء هو الفقر، فقد ورد عن الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر.

وعن سعيد ابن علاقة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: كثرة الاستماع إلى الغناء يورث الفقر 

2 - يورث النفاق 

كما ان الغناء يسبب عادة خطرة على الانسان وهي النفاق، والنفاق هو إظهار الإنسان غير ما يبطن، فيكون ذا وجهين (اي متلون)، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت النخل الطلع، وعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال: الغناء يورث النفاق. وعن كليب الصيداوي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة.

3- التعرض للمصائب الدنيوية وعدم استجابة الدعاء

وهذا الامر يعتبر أمراً طبيعياً لأن من يتعرض لهذه العقوبة فهو عاصٍ لجبار السموات والارض، فعن زيد الشحام قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخله الملك.

وعن إبراهيم بن محمد المديني، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الغناء وأنا حاضر فقال: لا تدخلوا بيوتا الله معرض عن أهلها.

4- قلة الغيرة 

من الاعراض التي يخلفها الغناء على الفرد، فقدان الغيرة التي تعتبر مسألة فطرية، كما أن الشارع المقدس قد حث عليها فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: (كان أبي إبراهيم عليه السلام غيورا وأنا أغير منه، وأرغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين). وقال عليه السلام: (إن الغيرة من الايمان).

لكن وبسبب الغناء تختفي هذه الفطرة شيئاً فشيئاً حتى تختفي، ويصير مدمن الاغاني فاقد لها، حتى يصبح لا يغار على عرضه، فعن إسحاق بن جرير قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن شيطانا يقال له: القفندر إذا ضرب في منزل رجل أربعين يوما بالبربط ودخل عليه الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه على مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها حتى تؤتى نساؤه فلا يغار .

 

2017/12/09

الحجاب.. تحضر أم تخلف؟!

في هذا المقال سنستعرض أبرز الانتقادات التي يطرحها معارضو الحجاب:

1- من أهم ما يذكروه أن النساء يشكلن نصف المجتمع، والحجاب يحجزهن عن المجتمع، ويكون ذلك سبباً في تأخرهن الثقافي، وانعدام الاستفادة من هذه الطاقات العظيمة في ازدهار الاقتصاد؟

إلا أن أصحاب هذا المنطق قد غفلوا أو تغافلوا عن عدة أمور منها:

أولاً: من الذي قال إن الحجاب الإسلامي يعزل المرأة عن المجتمع؟ أوليس الواقع الاجتماعي في الكثير من بلاد المسلمين خير جواب عن هذا السؤال؟ وكما يقول الفلاسفة خير دليل على إمكان وجود الشيء حدوثه، وما ثبت بالوجدان لا يحتاج إلى البرهان.

ثانياً: أضافة إلى ذلك، أليس إدارة المنزل وتربية الأبناء الصالحين رجال المستقبل الذين يديرون عجلة الاقتصاد والسياسة في البلاد عملاً مقدساً؟ فمن لا يعد رسالة المرأة إيجابية ولا يعترف بدورها في الأسرة وفي التربية وفي بناء مجتمع سليم فعال؛ إما غافل أو متغافل عن هذه الحقيقة.

ولا يريدون إلا أن يغادر الرجال والنساء المنازل صباحاً – كالغربيين - ليلتحقوا بالدوائر والمصانع وهم يجعلون أبناءهم تحت رعاية الآخرين في دور الحضانة، أو يغلقوا عليهم المنازل ليعيشوا في معتقل دون رعاية، حتى يعود الوالدان من العمل وقد أرهقهما التعب.

إن افتقاد الأطفال لرعاية وعطف الأبوين، يؤدي إلى تحطم شخصيتهم ويُعَرِّض المجتمع إلى الخطر.

2- يعترض المخالفون للحجاب قائلين: إن الحجاب يفصل بين الرجال والنساء ويزيد في حرص الرجال بدلاً من إخماد هذا الحرص، لأن (الإنسان حريص على ما منع)؟

وما هذا القول إلا سفسطة واضحة يهدف أصحابها إلى تحقيق مشروعهم الإفسادي الواضح، ولكي يبرروا النتائج السلبية التي جرّتها عليهم هذه النظرية الشيطانية الباطلة.

فلو قارنا بين المجتمعات الإسلامية التي يسودها الحجاب والمجتمعات الأخرى نجد ارتفاع نسبة الولادات غير الشرعية وازدياد الطلاق بنسبة عالية، وغيرها من المفاسد الناتجة من الاختلاط اللا مشروع بين الرجال والنساء وعدم الالتزام بالستر والحجاب.

 الحجاب حضارة أم تخلف؟

يرى البعض أن الحديث عن الحجاب حديثاً اسطورياً بعيداً عن التطور والحضارة المعاصرة، ويتصورون أنه يعود لعصور خلت.

وبسبب الغزو الثقافي الغربي وسياستهِ الهادفة إلى إفراغ الشخصية الإسلامية من محتواها ومضمونها الحقيقي، وإغراقها في ألوان شتى من الترف الفكري والمادي من أجل القضاء على كل ما تحمله هذه الشخصية من عقائد إسلامية أصيلة، ومحتوى فكري إيماني. فيصبح الإنسان كالدمية يحرّكونها كيف شاءوا وحسب أهوائهم السقيمة. ولهذا يصبح الفرد المسلم ضعيف البصيرة طائش الفكر، لا يستطيع أن يميز بين (التبر) (الذهب) والتراب والحق والباطل، وهذا يؤدي بالتدريج إلى فقدان الأذن الصاغية لأي واعز ديني أو وعظ وإرشاد ينطلق من منابع الإسلام الأصيل. وقد أسمى الغربيون هذا العصر بـ: (عصر التعري والحرية الجنسية).

والسؤال الذي نطرحه في هذا المجال: هل من الصحيح بقاء النساء في سباق لا نهاية له في عرض أجسامهن وتحريك شهوات وأهواء الرجال؟ أو يجب تصفية هذه الأمور من أجواء المجتمع وتخصيصهاً بالأسرة والحياة الزوجية؟

منهج الإسلام في هذا إن الأمور الجنسية خاصٌ بالأزواج ومحرمةٌ على غيرهم، لأن ذلك يؤدي إلى تلويث المجتمع وانحطاطه. وقد أشار الكتاب الكريم إلى هذا المعنى بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*} (سورة النور: آية 30-31).

فلا ينبغي للمؤمن أن يبهره ما لهؤلاء الجاحدين من مال وبنين وحياة مترفة، ثم عاقبة أمرهم إلى السعير، فإن الدين الإسلامي هو دين التكامل والسمو والطهارة الروحية لا تدانيه حضارة ولا يرتقي إليه دين.

كما إن العقل البشري مهما علا وسما لا يستطيع أن يؤسس لحضارة أكمل وأشمل من حضارة الإسلام، لأنها من صنع الله تعالى الذي أتقن كل شيء صنعاً. فهل تستطيع العقول البشرية أن تنشئ قانوناً أو تضع قيماً أو مبادئ كالتي أرساها القرآن الكريم، أو ما جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من لدن الحكيم الخبير. وشتان بين قدرة الإنسان وقدرة الرحمن خالق الإنسان والمنعم عليه.

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة  
2017/12/09

لتحقيق "الرحمة" بين الزوجين.. اتبع هذه الخطوات الثلاث 

الحقيقة التي لا تقبل الشك، هي أن الله تبارك وتعالى عندما يربط الرجل بالمرأة عبر ميثاق الزواج، فإنه ينثر عليهما \المودة\ و \الرحمة\ معاً في واحدة من أجلى صور آيات العظمة في القدرة على الخلق، وقد صرح بذلك في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).

غير أن ما يحدث بعد ذلك هو تراجع هذين العاملين المهمين بسبب دوامة المشاكل والتحديات التي تواجه الزوجين، ومن هنا ينبغي السعي مجدداً لإعادة ضبط توازن هذه العلاقة الفريدة بين الرجل والمرأة التي جعلها الله رحمة لهما.

وفي هذا المقال، سأبين جملة من العوامل التي ننصح من خلالها الزوجين باتباعها على أمل تحقيق الرحمة بينمها لينعما بحياة هانئة ويحققان بيئة صحية لتنشئة أسرة فاضلة.

تتحقق الرحمة بين الزوجين من خلال الامور التالية : 

1- التغافل والتسامح

ينبغي على الزوجين عدم الوقوف احدهما عند هفوات الاخر والتدقيق فيها والإفراط في المحاسبة على أساسها, فإن هذا الامر يعكر صفو الحياة الزوجية وينغصها, فمن اراد السعادة الزوجية فعليه أن يتقن التغافل عن الأخطاء اليسيرة ويتبنى مبدأ التسامح، وعن الامام علي (عليه السلام) \من لم يتغافل ويغض عن كثير من الامور تنغصت عيشته\.

(الريشهري , محمد , ميزان الحكمة , ج3, ص2217).

2- الاعانة والخدمة 

ان تدبير المنزل، نظافةً وترتيباً وتحضيراً للطعام وما شاكل، ليس من مسؤوليات المرأة الإلزامية، والظاهر لنا من النصوص المأثورة، أن الله تعالى اراد للزوجة في حياتها ان تنطلق في ذلك من العطاء الذاتي لا من قانون ملزم, لذا بين الله تعالى الثواب الجزيل للزوجة التي تعمل في اطار تدبير المنزل, وهذا ما نلاحظه في الاحاديث التالية: 

عن الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم):  \ايما امرأة خدمت زوجها سبعة ايام, غلق الله عنها سبعة ابواب النار, وفتح لها ثمانية ابواب جنة , تدخل من ايها شاءت\ (الحر العاملي , محمد حسن , وسائل الشيعة ,ج20 , ص172).

 وعن الامام الصادق ( عليه السلام ): \ان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) قال: ايما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع الى موضع تريد به صلاحا نظر الله عز وجل اليها , ومن نظر الله اليه لم يعذبه\. (المجلسي , محمد باقر , بحار الانوار , ج 100, ص251). 

وعن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) \ما من امرأة تسقي زوجها شربة ماء الا كان خيرا لها من سنة صيام نهارها, وقيام ليلها ويبني الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة, وغفر لها ستين خطيئة\. (الحر العاملي , محمد حسن , وسائل الشيعة , ج 20 , ص172).

ليس ما في هذه الروايات الشريفة آنفة الذكر ما يلزم أو يجبرها بأداء واجبات البيت لوحدها، نعم، هناك حث على ذلك، لكن جملة من الروايات تبين أن رسول الله كان يكون في خدمة زوجاته، كما أنه كان يحث الرجال على خدمة الزوجة والعيال ومنها الاحاديث النبوية التالية: 

\ان الرجل اذا سقى امرأته من الماء اجر\ (ابن حنبل , احمد , مسند احمد , (لا , ط) , دار صادر , بيروت , ج4, ص128).

\يا علي, لا يخدم العيال الا صديق او شهيد, او رجل يريد الله به خير الدنيا والاخرة \ (المجلسي , محمد باقر , بحار الانوار , ج 101, ص132).

3- الاهتمام والاكرام 

حث النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) واهل بيته ( عليهم السلام ) في ما ورد عنهم من روايات على ابراز اهتمام كل من الزوجين بالآخر واكرامه فعن النبي محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) \من اتخذ زوجة فليكرمها\ (البروجردي , حسين , جامع احاديث الشيعة , ج20 , ص 250).

ومن مصاديق هذا الاهتمام جلوس الزوج مع زوجته وباقي افراد الاسرة وهذا ما دعا اليه الرسول الاكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ) بقوله \جلوس المرء عند عياله احب الى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا\. (الريشهري , محمد , ميزان الحكمة , ج 2, ص 1186).

*مركز الإرشاد الأسري

 

2017/12/07

عندما يُغيّب الشرع تتحول المرأة إلى "جارية"!

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الشريعة الإسلامية أولت المرأة الأهمية التي لم تولها باقي الديانات السماوية، ولا حتى الأنظمة الوضعية، حيث أن الخطابات والنصوص الدينية الموجهة الى البشرية لم تغفل جانبها أبداً بل توجه لها وللرجل على حد سواء، قال تعالى  {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة : 71)

نعم هناك استثناء من بعض التكاليف مرجعه الى البنية التكوينية للمرأة من قبيل الجهاد الذي يحتاج الى جهد خاص، حيث تتطلب المعارك والحروب كراً وفراً، وهذا لا يتناسب والمرأة، غير إن الإسلام وإن أبقى مقعدها في ذلك الميدان شاغراً، إلا إنه لم يحرمها من ثواب ذلك العمل حيث ورد في بعض النصوص أن (جهاد المرأة حُسن التبعل) ومعنى حسن التبعل حسن الطاعة للزوج.

غير أن المرأة التي أنصفتها الشريعة وحافظت عليها ككيان مستقل له كرامته وحقوقه، جاء العرف ليعتدي على تلك الحقوق ويغيبها بعد أن صيرها أثراً بعد عين.

فمن أبسط الحقوق التي كفلتها الشريعة للمرأة، هو حق اختيار الشريك الكفؤ والمناسب، حيث اعتبر النص القرآني أن ما ينبغي أن تؤول إليه تلك العلاقة بين المرأة وبين من تختاره، هو المودة والرحمة، أما إذا سلب حق الاختيار فستتحول الى عذاب ونقمة، هذا من وجهة نظر الشارع، أما العرف فلم يعرْ لذلك أي اهتمام حيث صير المرأة الى سلعة تتقاذفها الأيدي، فالمتسلطون من الأخوة والأعمام وأبنائهم أو من يمت لهم بصلة كثر، لكنهم يشتركون في أمر واحد ، وهو حق الفيتو الذي من خلاله يسوغ لهم عرقلة ذلك الحق الفطري والإنساني الذي كفله الشارع، بل وصل الأمر في بعض الأعراف، إلى أن المرأة لا تقترن إلا بفرد من أفراد قبيلتها، ولا يحق لغيرهم التقدم لخطبتها، والأنكى والأمر هو ما تقوم به بعض القبائل، حيث تقوم بتقديم مجموعة من بناتها كجزء من الدية للقبيلة التي لها نزاع معها، وهي ما يطلق العرف بــ (الفصلية).

أما في الحقوق المالية فالكلام ذو شجون، لأن المتعارف عند أغلب الناس في الوقت الراهن، إبعاد المرأة عن مستحقاتها المالية، أي الحصة التي افترضها الشرع المقدس كحق لها والمعبر عنه بالإرث، وتلك الحصص تختلف بحسب المرأة الوارثة فإن كانت بنتاً فلها حصة معينة وإن كانت أماً فلها حصة مغايرة وكذا إن كانت أختاً فالحصة مختلفة على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.

ولعل هذا الأمر سببه الأساسي الطبيعة الذكورية للمجتمعات الشرقية، وبالأخص منها العربية، حيث تلحظ أن الثروة التي جمعتها العائلة لا يمكن السماح لها بالتسرب خارج النطاق الأسري، باعتبار أن المرأة من الممكن أن تقترن بشخص خارج العائلة، فسيكون مصير جزء من تلك الثروة بين يدين أجنبيتين.

وهذه التصرفات وفق ما ذكرته النصوص هو نوع من أنواع الغصب لأنه الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق، وأكل للمال بالباطل  قال تعالى : {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وفي الحديث النبوي الشريف "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وقوله (صلى الله عليه واله) : "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه".

أما المرأة وحقوقها المنزلية، فمن الناحية الشرعية لا يجب عليها القيام بأي نوع من أنواع الخدمة كالطبخ والتنظيف وغيرها، بل حتى رضاعة أطفالها غير واجبة وإن شاءت أخذت أجراً على ذلك من الزوج، وعليه أن ينفق عليها بما يتلاءم مع شأنها قبل الزواج، لكن السائد في أغلب البيوت هو على النقيض من ذلك تماماً، حيث لا فرق بين جواري العصور الوسطى وبعض النساء في هذه الأيام بتقدير بعض الأزواج، إذ يرون أنهم حينما ينفقون عليهن سواء كانت النفقة مأكل أو ملبس أو مسكن فهذه منه لابد من شكرهم عليها، مع أنه واجبهم الشرعي الذي لابد من أدائه.

 

 

 

2017/12/07

إليكم أربع خطوات لتجنب كابوس الطلاق

في خضم المسؤوليات الملقاة على الزوجين وصعوبة العيش يغمر أغلب الأسر جو من التوتر وعدم التفاهم وغير ذلك من الأزمات، ولعله لا يخلو عش زوجي من أزمة ما ولو من حين لآخر، ولكن تتفاوت درجاتها من أسرة الى أخرى.

وهنا، في هذه المقالة، أود أن أقف على بعض الخطوات الكفيلة بحل بعض هذه الأزمات دفعا لتضخمها وتحرزا من هجمة كابوس الطلاق:

أولا: معرفة أسباب الأزمة

إن لمعرفة السبب دور للإمساك بخيط الوصول الى الحل، ومن دون كشفه لدى الطرفين يتعذر عليهما التشخيص وسيغيم عليهما التوتر المصعد للموقف، ومن ثَمَ ستُقتل لغة التفاهم بين الزوجين، ولا تُحمد عواقب الأمور.

قد يكون أحد الطرفين هو المسبب وقد يشتركان، ولكن المهم ان يقفا على منشأ الخلاف وعرض الحلول وألا يُكلف أحدُهما الآخر أكثر من طاقته تكلفةً مادية أو معنوية، بل لابد من التنازل لعبور الأزمة.

ثانيا: قبول الآخر

إذا عَلَتْ سماءَ الجو الأسري (لغةُ التفاهم) باتت تغمرها صورُ السعادة من كل جانب، فحينها سيقبل كلٌ من الطرفين الآخرَ على ما هو مع الالتزام بالثوابت الأسرية.

ولكي يسود هذا السلوك فلابد من معرفة الحقوق - المذكورة في محلها شرعا- الواجبة على كلا الطرفين كيما تهمش الثوابت بينمهما.

ثالثا: تجنب القاء اللوم

إن لتجنب ذكر الجزئيات السلبية -التي من شأنها ايقاظ التوتر والحدية- دور كبير في حل الأزمات عموما والأسرية خصوصا، بل التركيز عليها نوع من الاستفزاز.

فلذا من أبرز علامات الطرف المتقبل للحلول - أي الباحث عن الحل دون تضخيم الموقف - أن يكون بعيدا عن الملامة وذكر الجزئيات المصعدة  ومراعيا ليونة التعبير وهجر الخشونة والتنديد.

رابعا: تجنب سوء الظن من الطرفين

إن من أكثر المعاول التي تهدم صرح الأسرة وتضعضع أركانها هو سوء الظن، سواء كان من طرف واحد أو من كلا الطرفين.

ولا يخفى أن هذا الهوس من الأمراض النفسية التي ترمي بصاحبها الى حضيرة الخسران في الدنيا والآخرة، واستشراء هذا الداء يبدأ من اعطاء الفرص المتكررة للقوة المتخيلة عند الانسان لترسم له صورا لا واقع لها في الأغلب، بل لا يخلو هذا النمط - غالبا - من تدخل الشيطان بنفث مساوئ وهمية في المتلقي لها، فتعشعش أفكار سلبية تطحن كل الايجابيات المتبادلة بينهما، وحينها يصعب تلافي الأمور وإرجاعها الى نصابها.

وعلى طريق الحل، إليكم جملة من الإرشادات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام في هذا الصدد، والتي نأمل أن يتبعها الزوجين:

خير النساء

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه واله) فَقَالَ: (إِنَّ خَيْرَ نِسَائِكُمُ : الْوَلُودُ الْوَدُودُ الْعَفِيفَةُ، الْعَزِيزَةُ فِي أَهْلِهَا، الذَّلِيلَةُ مَعَ بَعْلِهَا، الْمُتَبَرِّجَةُ مَعَ زَوْجِهَا، الْحَصَانُ عَلَى غَيْرِه، الَّتِي تَسْمَعُ قَوْلَه وتُطِيعُ أَمْرَه، وإِذَا خَلَا بِهَا بَذَلَتْ لَه مَا يُرِيدُ مِنْهَا، ولَمْ تَبَذَّلْ كَتَبَذُّلِ الرَّجُلِ)الكافي: ج5 ص324.

التهيئة للزوجة

وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) اخْتَضَبَ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ اخْتَضَبْتَ؟

فَقَالَ (عليه السلام) : نَعَمْ ، إِنَّ التَّهْيِئَةَ مِمَّا يَزِيدُ فِي عِفَّةِ النِّسَاءِ ، وَلَقَدْ تَرَكَ النِّسَاءُ الْعِفَّةَ بِتَرْكِ أَزْوَاجِهِنَّ التَّهْيِئَةَ !!

ثُمَّ قَالَ : أَيَسُرُّكَ أَنْ تَرَاهَا عَلَى مَا تَرَاكَ عَلَيْهِ إِذَا كُنْتَ عَلَى غَيْرِ تَهْيِئَةٍ؟

قُلْتُ : لَا .

قَالَ : فَهُوَ ذَاكَ .

ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): (مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ، التَّنَظُّفُ، وَالتَّطَيُّبُ، وَحَلْقُ الشَّعْرِ، وَكَثْرَةُ الطَّرُوقَة)الكافي ج : 5 ص : 567

2017/12/05

ما هو الجلباب؟ ولماذا يأمر القرآن النساء به؟

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}([1]).

جاء في تفسير علي بن إبراهيم([2]) في سبب نزول الآية: إن المسلمات كن يذهبن في تلك الأيام إلى المسجد ويصلّين خلف النبي (ص)، وعندما كنّ يذهبن إلى صلاة المغرب والعشاء ليلاً كان بعض الشباب الطائشين يجلسون في طريقهن ويؤذونهن بمزاحهم وكلامهم البذيء الأجوف ويضايقونهن، فنزلت الآية وأمرتهن أن يلتزمن بالحجاب التام حتى لا يجد من يريد الأذى عذراً في إيذائهن فستر جميع البدن أقرب إلى أن يعرفن أنهن من أهل الستر والصلاح فلا يؤذيهن أهل الفسق بالتعرض لهن.

وورد رأي آخر مفاده: أن الهدف هو أن لا تتساهل المسلمات في أمر الحجاب أو لا يعبأن به كبعض النساء المتحللات اللواتي يظهرن أجزاءً من أبدانهن من دون خجل أو رهبة، مع أنهن يرتدين الحجاب، فهذا الإظهار للبدن يغري الشباب المراهق وغيرهم ويلفت انتباهه فيجره إلى الأذى والفساد.

أما الجلباب: فقد ذكر المفسرون وأرباب اللغة عدة معان ٍله:

1- إنه الملحقة وهي قماش أطول من الخمار يغطي الرأس والرقبة والصدر.

2- إنه المقنعة والخمار.

3- إنه القميص الفضفاض الواسع.

ومع أن هذه المعاني تختلف عن بعضها، إلا أن العامل المشترك فيها أنها تستر البدن وتغطي مفاتن المرأة أمام الناظر الأجنبي.

والمراد من: (يدنين) أن يقربن الجلباب إلى أبدانهن ليكون أسترُ لهُنَّ، لا أن يدعنه كيفما كان بحيث يقع من هنا وهناك فينكشف البدن، وبتعبير أبسط أن يلاحظن ثيابهن ويحافظن على حجابهن.

ومن نافلة القول: إن الحجاب والستار وأمثالها وسائل للحفظ والصيانة والابتعاد عن الذنب والمعصية، وتبقى الدعامة الأساسية هي التقوى. فإنها إن لم تكن فسوف لا تنفع كل هذه الوسائل التي أمر بها الإسلام.

فالتقوى: هي الحجاب الحقيقي والاحتجاب النفسي الذي يصون النفس الإنسانية عن ارتكاب أي معصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وهي المانع الفعلي من ارتكاب المآثم.


([1]) سورة الأحزاب: آية 59.

([2]) تفسير القمي: ص197.

*مقطتف من كتاب "التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع" صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

 

 

2017/11/28

كيف نواجه غضب الأطفال؟

التطور اللغوي لدى الطفل ذوي الاعاقة الذهنية يكون بطيئاً عادةً، كما يكون أيضاً اقل قدرة في التعبير اللفظي عن ذاته ومشاعره, اضافة الى التأخر الحاصل لديه في مختلف الجوانب النمائية, مما يرفع من درجة تكرار النوبات التي يعبر من خلالها عن الامور الانفعالية والوجدانية الداخلية, اذ لا تزال القدرات العقلية ومهاراته التي تؤهله للتعامل مع المتغيرات المحيطة به اقل تطوراً, وبالتالي فهو اقل قدرة  لمواجهتها والتكيف معها.

ومن اجل التعامل الصحيح مع ثورات الغضب عند الاطفال, وبالتالي فهو اقل قدرة عند مواجهتها والتكيف معها. ولضمان التعامل الصحيح مع ثورات الغضب عند الاطفال, لابد للوالدين والقائمين على رعاية الطفل من مراعاة النقاط التالية :

1-    التوقعات الإيجابية: (ستكون لطيفاً اليوم)

لابد من اعطاء الطفل رسائل ايجابية واضحة حول الامور التي نتوقعها منه , والتي ينبغي ان لا تكون اعلى من قدراته وطاقاته , اضافة الى تعليمات ايجابية ومحددة ايضاً مثل ( انا اتوقع منك اليوم ان تتصرف اثناء الزيارة بشكل مهذب وانت لديك القدرة على ذلك ) يأثر التعزيز الايجابي بشكل مباشر على الطفل .

2-    التنفيس الانفعالي: (ممارسة الرياضة مثلاً)

على الام ان تتيح الفرصة لابنها كثير الغضب لينفس عن غضبه بين فترة واخرى وتعويده على ان يستخدم جسده بطريقة ايجابية مثل ممارسة الانشطة الحركية والهوايات خارج البيت او داخله , واتاحة المجال له لسماع الموسيقى والقفز وممارسة الرياضة, وتشجيعه على رسم مشاعره ورسم مناظر تعبر عن غضبه باستخدام الالوان التي يحبها .

3-    مراعاة قدراته على التقليد : (غضب الكبار)

 يتعلم الاطفال الصغار من الكبار طريقة تعبريهم  عن الغضب , اذ يقوم بعض الاباء بالتعبير عن غضبهم عن طريق الصراخ و الضرب او الخروج في نزهة, وهناك من يعكس غضبه على الجو الاسري بكامله ويتعامل بعنف مع افراد الاسرة , وبالتالي فان الأذن والعيون الصغيرة تراقب كل ما يحدث وتقلده , حتى لو كان الاطفال من مختلف مستويات الاعاقة الذهنية. وينبغي هنا مراعاة هذا الجانب، وتوخي الحذر من قبل الوالدين في تصرفاتهما عند حالات الغضب، لأنها سوف تنعكس بشكل مباشر على الطفل.

4-    عدم التعزيز

بعض الامهات يعززن ثورات الغضب عند الطفل بإعطائه ما يرغب في الحصول عليه, فيؤدي ذلك الى ان يلجأ الطفل باستمرار لهذا السلوك حتى يحصل على مبتغاه .

5-    التجاهل:

قد يؤدي تجاهل ثورة الغضب الى نتائج ايجابية خاصة عندما يرمي الطفل من خلالها لفت انتباه الاخرين , حينها ينصح بعدم الاهتمام بالسلوك مع بقاء الاهتمام بالطفل , وبذلك يدرك الطفل ان تصرفه خاطئ ولذلك تم تجاهله فيعيد النظر ليبحث عن سلوك مقبول ليتم تعزيزه . واذ تجاهلت الام ثورة الغضب وابتعدت مسافة عن الطفل فقد يكون ذلك افضل , ولكن بعد اعطائه تلميحاً بأنه عندما يهدأ سوف تأتي وتساعده وتتعرف على ما يرغب .

6-    العزل:

 قد تلجأ بعض الامهات  الى عزل الطفل في غرفته عند اشتداد ثورة الغضب , فيخرب الطفل العابه ويكسر اغراضه , ولكن هذه العابه التي يحبها او ممتلكاته , وسوف يتحمل نتائج اتلافها ولن يحضر له والديه بديلاً عنها, وبعد ان تنتهي ثورة الغضب عليه تحمل مسؤولية نثر الاغراض في الغرفة وبالتالي اعادة ترتيبها .

7-    التعامل مع نوبات الغضب خارج البيت :

 ان الكثير من الاماكن كمراكز التسوق واماكن الترفيه تعد مغرية بالنسبة للطفل؛ لأنها تحتوي على الكثير من الاشياء التي يرغب في الحصول عليها ولا يستطيع, فعندما يصر الطفل على اخذ قطعه حلوى وتصر الام على عدم اخذها , فتحدث نوبات الغضب ولو كانت نوبة الغضب قد حدثت في البيت لاستطاعت  الام التعامل معها بسهولة عن طريق اهماله الطفل . لذلك يحسن التصرف مع الطفل بهدوء وبصوت منخفض , ومحاولة تهدئته والحديث معه عن الموقف الذي يضايقه وتبريره له مع اهمية المحافظة على ضبط النفس؛ لان الطفل اذ شعر ان الغضب بدء يتسرب الى الام التي ستكون بالطبع مهتمة بما يفكر به الناس المحيطون بها تجنباً للأحراج سيصرخ اكثر وستعزز عصبية الام سلوكه واذ لم يهدا الطفل يفضل اخراجه من المكان الى السيارة واذ رفض المشي فيحسن حمله والحديث معه بشكل هادئ مع النظر اليه واشعاره بتفهم مشكلته.   

 

*مركز الإرشاد الأسري
2017/11/26

عندما لا تتقن استخدام الانترنت.. هذا ما سيواجهك!

الحقيقة التي ينبغي الإشارة إليها بدايةً، هي أننا نتفق سوية، على أن للشبكة العنكبوتية الفضل الكبير في دعم التواصل بين أفراد المجتمع، وتطوير ومسيرة الإنسان الحضارية في الحياة بشكل عام، وأن الحاجة إلى الانترنت باتت ضرورية جداً، بل إنها واحدة من اهم مفاصل حياتنا اليومية، لأنها تدخل ضمن آليات العمل والتعليم وباقي الأدوات المعرفية والحياتية.

لكننا في هذا المقال، سنتناول استخدام الانترنت من زاوية المضار التي باتت تشكل خطراً جسيماً على مجتمعاتنا، وتحديداً الخطر  الذي يحيط بالأسر المسلمة التي لا تقنن استخدامه، ومن هنا نبين أبرز تلك المضار:

1.انشغال الأهل عن أبنائهم

فبالتجربة، ثبت أن الاستخدام غير الضروري للإنترنت أنه يؤدي الى توسيع دائرة غياب التواصل الاجتماعي بين افراد الاسرة، فسوء التعامل مع جهاز يحوي على خدمات رقمية من قبل الوالدين يؤدي الى استحواذ وقت اجتماع الاسرة, ويوجه اهتمامهم الى برامجها فيكون هذا الجهاز مانعا ومعرقلا لتعامل الاباء مع ابنائهم فنرى العديد منهم يستخدمون الانترنت  لمدة تتجاوز العديد من الساعات يوميّاً يهملون أبناءهم عاطفيّاً.

2- ضعف العلاقة بين الزوجين 

فعندما ينشغل احدهما بهذا الجهاز يؤدي الى قلة التواصل بينهم , شعورهم بالملل, زيادة المشاكل بينهما، فكم من مشكلة حدثت بسبب كثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي قبل الام مع عدم الاهتمام بواجبات الزوج والابناء والبيت  وكم من اب يكثر استخدام هذه المواقع مع عدم الاخذ بنظر الاعتبار واجباته اتجاه زوجته وابنائه وتلبية كل ما يحتاجون.

 

3- الانترنت مضيعة للوقت

عند الجلوس لفترات طويلة لمتابعة أحد البرامج التي تبث على شبكة الانترنت، فإنه من المرجح أن يجلس المرء للمتابعة فقط بدون القيام بأي عمل آخر ، وقضاء العديد من الساعات على الشبكة، وبالتالي لا ننصح استخدام الانترنت على مدار اليوم، على ان يكون وفقاً لمقدار الحاجة سواء كان للعمل او للتعلم او الترفيه المقنن.

 

4- صعوبة  قدرة الفرد على التحكم بنفسه

بفضل استمرار ومتابعة البرامج التي يعرضها الانترنت التي قد تصل الى حد الإدمان، فإنه يصبح من الصعب على الفرد الابتعاد عنه، وهناك دراسات وتقارير جديدة تتحدث عن ظاهرة الإدمان على الانترنت والهواتف الذكية، وبدأت بالفعل بتأسيس عيادات لمعالجة هذه الحالات من الإدمان، ويعني ذلك أن الاستخدام المفرط للإنترنت يؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم بالنفس وضبطها.

*مركز الإرشاد الأسري  
2017/11/23

لماذا فقدنا لغة التفاهم؟

اذا رأيت مجتمعا ما يعيش السلام والأمن والاستقرار - وإن اختلفوا في الفكر والعقيدة - فاعلم انه قد أتقن فن الحوار ولغة التفاهم وقبول الآخر، بل ربما يكون قد ضحى بالغالي والنفيس لإتقانها، وسعى من أجل تغليب المصالح العامة دون الخاصة، واحترام حقوق شركائه على اختلافهم ضمن الضوابط المتعارف عليها عقلياً وأخلاقياً، والأهم من ذلك، أنه هجر الأسلوب المتشنج في خطابه مع الآخرين. كل ما تقدم من عوامل كفيلةٌ بخلق بيئة الانسجام والوئام والسلام  في البلاد.

لكن، مما يؤسف اليه أننا - في أغلب البلدان الاسلامية - فقدنا الكثير من هذه العوامل وصار شغلنا الشاغل هو التركيز على خطاب التطرف والكراهية وكل ما يثير النزاعات، وبالتالي فقدان لغة التفاهم والسلام، ومن هنا لعلنا فيما يلي نمسك بأهم الخيوط الموصلة الى إتقان لغة التفاهم:

1- تقديم المصلحة العامة على الخاصة:

عندما يؤمن الفرد أن المكسب الشخصي - ماديا كان او معنويا - اذا كان مضرا بالمصلحة العامة يجب اجتنابه؛ هذا النوع من التفكير بحد ذاته يعكس جمال ونزاهة الشخصية، ولكن السؤال: كيف ننمي هذا النوع من التفكير في الفرد ليصبح تفكيرا نوعيا في مجتمعنا؟

لا شك أن هذا النوع من الكسب تعود عاقبة أضراره على الفرد نفسه حين يتضرر المجتمع، ولكن أغلب الافراد يحتاج الى بيان أوجه الضرر اللاحقة به بالطرق المقنعة، وهذا النحو من الثقافة - أي بيان أوجه الضرر للفرد نفسه فضلا عن المجتمع - ينبغي ان تبدأ من لبنة الأسرة وانتهاءً الى أعلى مستويات المسؤولية.

فلو غلّب الفرد هذا الاسلوب من التفكير، تحكم في جميع حركاته وسكناته ومواقفه، وصار ينتقي المفردة والسلوك وحتى الإشارة التي تصبُ في الصالح العام.

وأجلى من جسد هذا النمط من التفكير على أرض الواقع عليٌ أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كثيراً ما غلّب السلام على الحرب والمواجهة في سبيل المصلحة العامة، إذ قال: (لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي، و وَاللَّه لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً..) 2

2- احترام حق الآخر:

من أهم المسائل التي اهتم بها العلماء - عموما - هي عدم تضييع حق الاخر واحترامه، ولكن الكثير قد وقع في لبس من حيث تطبيق هذه المفردة بين الافراط والتفريط.

فالبعض قد فهم أن كل فكرة تخطر في الذهن لا مانع من تطبيقها على أرض الواقع مهما كانت عواقبها، وفي الجهة الأخرى بعضٌ قد تعسف ويريد الغاء حقوق الغير جملة وتفصيلا!!

ولو رجعنا الى النقطة الأولى لتلمسنا ما يُقَرّب بين وجهات النظر تحت عنوان عام، وهو النظر الى المصلحة العامة دون الخاصة.

وبعبارة أخرى: لا مانع من ممارسة الحقوق الفردية أو تطبيق الأفكار على أرض الواقع ما لم تضر بصحة جسد الأمة وكيانها، بل ما لم تضر أو تهتك حقوق الآخرين.

وهذا العامل يضمن حقوق الجميع بلا استثناء، إذ كلما تأصلت في تفكير المجتمع بدت ظواهر التفاهم والعيش السلمي، ولا يخفى أن تأصيلها - كما تقدم في النقطة الأولى - يبدأ من لبنة الأسرة وصاعدا.

وقد أكد الامام علي (عليه السلام) على حقوق الرعية مهما كانت معتقداتهم بعهده لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه إذ قال: (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ) 2.

بل ان الامام علي (عليه السلام) جسد هذا الفكر على الواقع لما رأى ذلك الرجل النصراني يستعطي في حكومته فقال: ما هذا؟ فيا لجمال الفكر عند علي (عليه السلام) إنه لم يسأل عن شخصه وعقيدته! بل استنكر أن يكون في حكومته رجل يستعطي مهما كانت عقيدته.

3- هجران التشنج في لغة الخطاب:

من الواضح جدا أن توحيد الناس - جميعا - على منظومة فكرية واحدة من الأمور المتعسرة ولا سبيل لها إلا ما شاء الله تعالى، ولكنّ هذا لا يعني تعسر وحدة الصف والعيش السلمي والعمل على المصالح العامة في المجتمع، بل لابد من التركيز على الخطوط العريضة التي تصب في مصلحة البلاد أجمع.

وبما أن تبني كل فرد أو مجموعة أو طائفة لفكر معين؛ فمن الطبيعي أن يطرحَ كلٌ فكرتَه التي يتبناها - نظرا للمصالح العامة كما تقدم - فالحرية الفكرية أمر متسالم عليه في البلدان الحرة، ولكنّ الذي ينبغي الالتفات اليه هو توخي الحذر من تشنج لغة الخطاب في الطرح، بنحو يبتني طرح الفكرة على لغة هجومية تحفل بإيقاظ روح التعصب في الآخر أو انتهاك حرمته.

إذاً لابد من طرح الأفكار التي يراد تبنيها أو تطبيقها بأسلوب يزخر بالحفاظ على روح الأخوة بين أفراد المجتمع.

وهذا ما أدبنا عليه القرآن الكريم، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..)3 

 --------

  1- نهج البلاغة: خطبة 74.

  2- نهج البلاغة: العهد 53.

  3- النحل: 125

 

2017/11/22

عشر خطوات لتجنب العنف الأسري 

عندما ندقق في الكثير من حالات العنف الاسري وخصوصا العنف بين الزوجين نجد ان منشأه أسباب بسيطة, ومن الممكن جداً تجنبه فيما لو اتبع الزوجان الحكمة في العلاقات بينهما, ولكي يكون التوافق هو السائد في العلاقات الزوجية ينبغي الالتزام بمجموعة من القواعد في فن التكيف الاسري منها:

1- اشاعة المودة: 

لتكوين اسرة ناجحة يجب ان تقوم على المودة والرحمة بين افرادها, فالمنزل الذي يسوده اجواء المودة والتعاطف والترحم يخرج منه افراد اسوياء, وعلى العكس، فإن المنزل الذي تسوده اجواء الاضطراب والعنف سوف يخرج حتماً افرادا مضطربين, لذلك يكون تلاحم الاسرة فيما بينها امر ضروري مما يؤدي الى شيوع المودة, لذلك على المرأة الناضجة ان تمنح زوجها الحب الخالص , وان تستجيب لرغباته , والا فأنها تهدد حياتها الزوجية بالخطر وتقضي على سعادتها الزوجية, فعند غياب المودة والرحمة بين الزوجين ينقلب الزواج الى جحيم , فحتى لا يقع كل ذلك,  لنعمل على اشاعة نسائم المودة , ورياح الرحمة بين جميع افراد الاسرة  كما في قوله تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون) سورة الروم , الايه 21.

2- تبادل المحبة:

 الحب المتبادل بين الزوجين احد العناصر النفسية الهامة التي تلعب دورا اساسيا على صعيد تفاهم الزوجين واستقرار الاسرة, فالحب الحقيقي والمتبادل بين الزوج وزوجته كفيل بالقضاء على جميع حالات التوتر والتشنج في الحياة الزوجية, اما عندما يكون الحب من طرف واحد او لا يكون اصلا , فإن ابسط اختلاف قد يؤدي الى العنف او التوتر العصبي ,وحتى نمنع  حدوث ذلك علينا ان نحول حياتنا الزوجية وكياننا الاسري الى منطلق للحب الحقيقي بين افراد الاسرة , ونزرع مشاعر الحب والمودة , ونقلع اشواك الكراهية والقسوة من بنياننا العائلي.  

3- استخدام الكلمات الجميلة :

 ان من اهم الامور التي تقوي الروابط الزوجية هو استخدام الكلمات والالفاظ الجميلة بينهما , فعندما يخاطب الزوج زوجته بأجمل الالفاظ الى قلبها وبأحلى الكلام الى عقلها , فإنها ستزداد حبا له , ووفاء واخلاصا اتجاهه , وكذلك الزوجة عندما تنادي زوجها بأحسن الالفاظ واجملها , فأن ذلك يعمق الحب والمودة بينهما, فالكلمات العاطفية مهمة لأنها تنمي المحبة بينهما , وتقضي على اي بوادر للغضب بين الطرفين وهذا ينعكس ايجابيا على الاطفال ايضا.

لذلك يجب على الطرفين الابتعاد عن اي الفاظ غير مقبولة او مؤذية او مثيرة للأعصاب او مهيجة للغضب حتى لا يقع العنف بين الزوجين ويحصل التكيف الاسري.

وقد ورد عن الامام السجاد (عليه السلام) وهو يعدد فوائد القول الجميل: " القول الحسن يثري المال , وينمي الرزق , وينسئ في الاجل , ويحبب الى الاهل , ويدخل الجنة "  الوسائل , الحر العاملي , مؤسسة ال البيت (عليه السلام) لاحياء التراث , بيروت – لبنان , الطبعة الاولى 1413ه - 1993م, ج 12, ص 186, رقم 16038.

ومن هنا، فإن القول الحسن يحبب الأهل فيما بينهم ويقوي التماسك الأسري وينمي الثبات في العائلة وبالتالي الاستقرار المنشود.

4- اتباع منهج التسامح :

 طبيعة الانسان انه يصيب ويخطئ , فقد يخطأ الزوج اتجاه زوجته , وقد تخطيء الزوجة تجاه زوجها، ولكيلا يستحيل الخطأ إلى مشاجرات بين الزوجين، عليهما اتباع منهج التسامح والعفو واللين , والتغاضي عن صغائر الأمور، والا تحول اي خطأ او سوء فهم او مشكلة صغيرة الى عامل مساعد في استخدام اساليب عنيفة في الحياة الزوجية مما يؤدي الى انهيارها , كما ان هذه الاجواء تعرض الاطفال الى خطر كبير , ويفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي اكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة.

فأذا اردنا القضاء على اي جذور للعنف بين الزوجين , فإن من المهم للغاية ان يتبع الزوجان منهج التسامح تجاه اخطاء احدها على الاخر , والعفو عن الهفوات التي تصدر عن اي منهما , ومعالجة اي مشكلة بهدوء والحوار وتناسي الاخطاء والمشاكل السابقة , وتعميق السلم الاسري.

5- القيام بالواجبات واداء الحقوق :

الاسرة تقوم على حقوق وواجبات متبادلة اذ يجب على كل من الزوج والزوجة القيام بواجباته , وتوفير الحقوق للطرف الاخر فحقوق الزوج على زوجته تعتبر واجبات بالنسبة لزوجته يلزمها القيام بها , كما ان للزوجة حقوقا على زوجها وهي واجبات بالنسبة للزوج ويلزمه القيام بها, فتعيش الاسرة في راحة وسكون وسعادة عندما يقوم الزوجان بواجباتهما وحقوقهما تجاه بعضهما البعض , في حين تتحول الحياة الزوجية الى شقاء وتعاسة عندما يقصر احدهما ,لذلك ينبغي على الطرفين معرفة حقوقهما وواجباتهما لكي تنجح الحياة الزوجية وتبنى على السعادة ,وعند حدوث غير ذلك سوف يؤدي الى عنف بين الزوجين وربما الانفصال بالطلاق و وهدم كيان الاسرة .

6- فهم كل طرف للأخر:

 ان وجود التفاهم المتبادل بين الزوجين يساهم في استقرار الحياة والعيش بسعادة ومودة ,فالتفاهم حول مختلف الامور وفهم كل طرف للآخر فهما صحيحا , اي معرفة ما يريحه وما يزعجه, وما يهدئ اعصابه ويثيرها كل ذلك يؤدي الى تجاوز الخلافات.

اما غياب التفاهم والتحاور الهادئ, او عدم فهم احدهما للآخر يؤدي الى نشوء صرعات بينهما , وبمرور الزمن يتحول الى ضربات عنيفة وبالتالي تتراكم المشاكل ويزداد التشنج بينهما ومن ثم يحدث العنف بمختلف اشكاله , ولكي نتخلص من لك ينبغي على الطرفين فهم احدهما للآخر بصورة عميقة وان يكون حوار هادئ بينهما في حل المشاكل وبذلك يتم التخلص من اي جذور للعنف. 

7- الاحترام المتبادل:

 الاحترام المتبادل بين الزوجين يقوي اواصر الحياة الزوجية ويقضي على اي بذور للمشاكل والازمات التي قد تحدث لاي اسباب كانت , لذلك تؤكد التعاليم الاسلامية على اهمية الاحترام , فأحترام الزوجة لزوجها يزيده اخلاصا وحبا لها , يقول الامام الصادق (عليه السلام) “سعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع احواله “  الوسائل , الحر العاملي , مؤسسة ال البيت (عليه السلام) لاحياء التراث , بيروت – لبنان , الطبعة الاولى 1413ه – 1993م, ج16, ص280,رقم 21555.

اما في حالة غياب الاحترام المتبادل فإن المشاكل تزداد يوما بعد يوم بينهما , ويترك النزاع والخصام المستمر بينهما تأثيرات سلبية على حياة الاطفال ومستقبلهم.  فالاحترام المتبادل يؤدي الى استقرار العائلة وثباتها واستمرارها اما غيابه يؤدي الى عكس ذلك , والنتيجة: صراع عنيف بين الزوجين وعنف وصراخ وتذمر , وربما تنتهي الحياة الزوجية الى التفكك والانفصال .

8- التقارب الثقافي: 

يلعب التقارب الثقافي والفكري بين الزوجين دورا اساسيا في الحياة المشتركة ونجاحها فهو يساعد على خلق حالة من الارتياح النفسي , والانسجام العقلي , والتفاهم حول مختلف الامور , اما في حالة انعدام التقارب الثقافي , والتباعد الفكري فأن كل شيء بسيط يمكن ان يحول الحياة الزوجية الى صراع عنيف , ومن هنا يأتي اهمية اختيار شريك الحياة , بحيث يكون الطرف الاخر قريبا فكريا وثقافيا معه فهذا ينمي حالة الانسجام بين الزوجين , لذلك كلما تقارب الزوجان ثقافيا وفكريا انسجما معا في قالب واحد فالزواج الناجح ما هو الا انصهار روحين في بوتقة واحدة. اما في حالة وجود اختلاف بسيط بين الزوجين عليهما ان يتعلما اصول ادارة الاختلاف , وعدم السماح بأن تتحول وجهات النظر الى معارك بيهم لان ذلك يفسد العلاقة الزوجية .

9- الانسجام العاطفي:

 ان من اهم الامور التي تساهم في نجاح الحياة الزوجية , وتثبيت الاستقرار والسعادة فيها هو الانسجام العاطفي بين الزوجين فهذا الانسجام المهم يساهم في القضاء على اي خلافات او سوء فهم كم انه يقضي على اي هموم , فاذا وجدت زواجا ناجحا فاعلم ان هناك انسجام عاطفي , واذا وجدت زواجا فاشلا وتسوده الصراعات والنزاعات والخلافات وتبادل الاتهامات , واستخدام الضرب فان هناك غياب تام للانسجام العاطفي لذلك يبقى الانسجام اكثر من امر هام في حماية الاسرة من اي اساليب او وسائل عنيفة كالضرب , والطرد وغيرها من الاساليب, فلا يمكن لزوج يحب زوجته ومنسجم معها عاطفيا ان يمارس العنف ضدها , كما لا يمكن لزوجة منسجمة مع زوجها ومتوافقة معه ان تمارس العنف ولو اللفظي ضد زوجها , لذلك اذا اردنا حياة زوجية سعيدة خالية من المشاكل فمن المهم اتقان فنون الاشباع العاطفي.  

10- التوسعة على الابناء :

 ينبغي على الزوج توفير كل ما تحتاجه العائلة من متطلبات, ومن جهة أخرى، ينبغي أن تتفهم الزوجة لظروف زوجها المالية، وعدم الضغط عليه بما يرهقه، لان عدم تفهما لظروفه والالحاح عليه بالمطالبات التي لا تنتهي, واظهار التذمر منه، قد يثير غضب بعض الأزواج أو تذمره من الزوجة، وقد يؤدي إلى فتور العلاقة بين الزوجين بسبب الإلحاح المتواصل, وهذكا ينبغي على الزوجة تفهم ظروف زوجها في كل مرحله, والقناعة بما تيسر,  لكي تستقر الحياة العائلية, لإسعاد الأبناء وتوفير الأجواء المناسبة للعيش بسلام في المنزل, اما عندما يكون الزوج غنيا لكنه يبخل على اولاده ولا يوفر لهم المقدار الواجب او المستحب من النفقة؛ فأن ذلك يؤدي الى البغضاء والكراهية بين الزوجين وبين الاب وأولاده، بل يتمنون موته حتى يحصلوا على أمواله.

فقد ورد عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) قوله " ينبغي للرجل ان يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته ". (الوسائل , الحر العاملي , مؤسسة ال البيت (عليه السلام) لاحياء التراث , بيروت – لبنان الطبعة الاولى 1413ه- 1993م,ج21,ص541,رقم 27810).

 لذلك على الزوج توفير كل ما يحتاجون حتى يعيش جميع افراد الاسرة بسعادة واطمئنان , وراحة وسلام , وتفاهم وانسجام , وحب واحترام.  

*مركز الإرشاد الأسري.  
2017/11/15

في منهج أهل البيت (ع).. أربع حقائق عن الزواج ينبغي معرفتها 
الزواج هو العلاقة المشروعة ديناً وعُرفاً وفِطرةً بينَ الرجل والمرأة، وهي الالتقاء السليم بين الرجل المُناسب بالمرأة المُناسبة من خِلال شُروطٍ يجب توافرها كالبُلوغ والموافقة بين الزوجين ووليّ أمر المرأة، فلا زواج لامرأة دونَ وليّها خُصوصاً البِكر التي لم يسبق لها الزواج من قبل، ويستحب حضور الشُهود، ويكون في هذا الزواج إشهاراً بين الناس وإعلاماً لهُم حتّى يُعرف الأمر، ويكونَ على بيّنة لأنّهُ حقّ والحقّ يكونُ تحت نورِ الشمس.

وقد حثَّ الدين على الزواج في أكثر من موطن في القُرآن الكريم، وفي السُنّة النبويّة المُطهّرة، فكانَ الزواج بذلك سُنّةً فعلها النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام وآله الكِرام، وكذلك من سبقَ من الأنبياء والرُسُل عليهِم السلام، وهذا ممّا لا شكّ فيه أنّهُ من الفِطرة التي فطر الله الناس عليها.

قال تعالى : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 

( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم )  

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ) 

وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( من أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ألا وهي النكاح ) 

وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا يوم القيامة) 

وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر ) 

ان الزواج من ضروريات الحياة الانسانية، فالبركة تعم البيت المؤمن اذا دخلت الزوجة فيه فعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآلة وسلم ) : ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الارض بلا إله إلا الله.

أهداف الزواج 

تتحقّق من خِلال الزواج جُملةٌ من الأهداف التي تنعكس بدورها بشكلٍ كبير على مُستوى الفرد والجماعة، نذكر بعضاً من هذهِ الأهداف على سبيل المِثال لا الحصر كما يلي: 

1ـ حُصول المودّة والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، فالزواج سبيل للاستقرار النفسيّ بين الزوجين، حيث يجد كُلّ منهما مكاناً للحديث وإبداء الرأي والتعبير عن المشاعر والأحاسيس، وتفريغ العواطف المكبوتة طيلة فترة ما قبلَ الزواج، وكذلك يسكُن كُلّ واحد للآخر حينَ يجد فيهِ تماثلاً وتعايشاً في ظُروفٍ مُشتركة، وهذا الودّ والسكَن هوَ مرهَم نفسيّ وعِلاج فعّال من كثير من العوارض النفسيّة التي قد يتعرّض لها الإنسان 

2-  الحِفاظ على النسل من خِلال انتشار الذريّة الطيّبة التي نبتت من زواجِ شرعيٍّ نقيٍّ طاهر، واستمرار العُنصر البشريّ من خِلال الزواج هوَ هدفٌ أساسيّ للزواج، والنسل من ضرورات الحياة التي جاءَت الشريعة والقوانين جميعها للمُحافظة عليها وعلى استمرارها. 

3ـ  تكوين الأسرة التي تُعدّ النواة الأولى للمُجتمع والتي فيها الآباء والأبناء والأحفاد والتي فيها يكون التربية الصالحة والتعليم السليم ومن خِلالها يتم رفد المُجتمع بالعناصر البشريّة القادرة على بنائه وتطويره. 

4ـ  تتحقق المُشاركة الفعليّة بين الرجُل والمرأة والتي إن أحسن كُلّ منهُما لشريكَ حياته فإنَّ تغيَرات كبيرة ستطرأ عليهِما وعلى حياتهما من خِلال تحقيق الإنجازات والتطلّعات والمشاريع التي يحلُم كُلّ منهُما بفضل التعاون والتشارك الذي تمنحهُ لهُما مؤسسة الزواج العريقة

حقيقة الزواج 

للزواج حقائق ثابته وفق الرؤية الاسلامية ومنهجية أهل البيت (عليهم السلام)

الحقيقة الاولى: الخوف من الله سبحانه

بمعنى أن الزوج المؤمن يعامل زوجته من خلال الله، ومن خلال الخوف منه، ومن خلال رجاء رحمته ومن خلال تطبيق منهجه، يخافه ويرجو رحمته ويطبق منهجه، الزوج المؤمن يغفر سلبيات زوجته ويتقرب إلى الله بخدمتها ، والزوجة المؤمنة تغفر سلبيات زوجها وتتقرب إلى الله بخدمته ، فإذا كان الله بين الزوجين سعد الزوجان.

فاذا كان الزواج مبتنى على المنافع المادية، ينتهي مثل هكذا زواج بانتفاء المنفعة، وهذا ما نلاحظه جليا في مجتمعاتنا الإسلامية، فرق كبير بين زواج إسلامي مبني على أن كل طرف يعامل الطرف الآخر من خلال معرفته بالله، من خلال تطبيق منهجه، من خلال طلب جنته ، من خلال الخوف من ناره ، أما الطرف الآخر مبني على علاقة مباشرة علاقة مادية. 

قال تعالى: {ولَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. وهذا ما يسمى بالتعلق الدنيوي والاغترار بها: يقول الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد (أي ركون) أهل الدنيا إليها وتكالبهم (أي حرصهم) عليها فقد نبأك الله عنها ونعتت هي لك نفسها وتكشفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارئة (أي حريصة على الطعمة) يهر بعضها بعضا ويأكل عزيزها ذليلها ويقهر كبيرها صغيرها.  

 الحقيقة الثانية: تطبيق المنهج الالهي 

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}  هو أنه في الزواج الإسلامي ، هناك مرجعية ، وهذه المرجعية تلغي الغالب والمغلوب ، كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) بين الزوجين فإذا تنازعا في شيء ردوه إلى الله ورسوله ، إذا كان هناك تشريع من قبل الله عز وجل ، هذا التشريع هو مرجع وهذا التشريع يلغي الغلبة ، لا يوجد أحد غالب هذا أمر الله عز وجل ، فلذلك الإنسان في ظل هذا النظام الإلهي يسعد بزوجته لأن الله له أمر وله نهي ، فإذا طبقنا أمر الله عز وجل ليس هناك إنسان غُلب وإنسان غَلب ، هذه الحقيقة الثانية .  المؤمن له مرجع ، وأساساً المسلم حينما يطبق منهج ربه سبحانه وتعالى يشعر أنه في ظل الله يشعر أن الله سبحانه وتعالى معه ، يشعر أن الله متجلي عليه بالبركات والأنوار والخيرات والتوفيق والدعم من الله.

الحقيقة الثالثة: الطاعة لله سبحانه وتعالى

 أنه ما من زواج يبنى على طاعة الله في الجزئيات ولو افتقر إلى مقومات النجاح إلا ويتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، وما من زواج يبنى على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح إلا ويتولى الله التفريق بينهما .  يجب أن تبنى جزئيات العلاقات الزوجية ، جزئيات الحياة الزوجية على طاعة الله عز جل وأن كل إنسان يشعر أنه يطبق تعليمات الخبير يقطف الثمار يانعة ، أضيف إلى هذه الأسس في العلاقة الزوجية المرجعية ، الله بين الزوجين ، بناء تفصيلات الزواج على منهج الله عز وجل.

الحقيقة الرابعة: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ 

 معنى ذلك أن هذه الآية الكريمة التي احتلت مساحة من كتاب الله الذي يتلى إلى يوم القيامة لولا أنها تشير إلى أخطر حقيقة في السعادة الزوجية لما ذكرت. ما الذي يميز العلاقة الزوجية الإسلامية؟

إن الزوج المؤمن يقصر طرفه على زوجته فهي ملء عالمه، والزوجة المؤمنة تقصر طرفها على زوجها فهو ملء عالمها، فحينما تنفرد الزوجة من بين النساء بملء عالم الرجل، وحينما ينفرد الرجل من بين الرجال بملء عالم المرأة يكون الوفاق بينهما.

أما إذا تطلعت إلى غيره وتطلع إلى غيرها، والإنسان بعقله الباطن يوازن، هو يوازن وهي توازن وصار شرخ في العلاقات الزوجية، هذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾  ومن غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه ومن ملء عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم.

2017/11/09

تعرف على ست خطوات للتعامل مع كبار السن

أكثر ما يحتاجه كبار السن هو العناية الخاصة والاهتمام البالغ، ليس لأنهم يعيشون مرحلة حساسة من عمرهم وحسب، أو لأنهم عانوا عناءً كبيراً لفترات طويلة من حياتهم، وإنما يأتي هذا الاهتمام لدواعي دينية واخلاقية إنسانية.

فهناك حث شديد في مرويات أهل البيت عليهم السلام، داعية إلى توقير المسن والاهتمام به. فعن أبي بصير وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال (عليه السلام): \من إجلال الله عزّ وجّل إجلال ذي الشيبة المسلم\. وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: \ليس منّا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا\.

ومرة أخرى يشير الإمام الصادق، عليه السلام، إلى أهمية إجلال الكبير في السن والتحذير من الاستخفاف به، إذ يروى عن عبدالله بن سنان، قال: قال لي أبو عبدالله -أي الإمام الصادق- (عليه السلام): من إجلال الله عزّ وجّل إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته\.

\\

ومن هنا أضع بين يدي القارئ بعض النصائح والأساليب التي يمكن اتباعها في التعامل مع كبار السن:

1-    المبادرة والسلام:

المبادرة بالسلام ومصافحة كبار السن، وما يتبعه من تقبيل للرأس وكذلك اليد، وحسن استقباله والترحيب به والتبسم في وجهه، لأن هذا كله يشعره بحب الجميع له، فلا يصح أن يشعر كبير السن في البيت بأنه منبوذ أو غريب.

\\

2-    الإصغاء:

واحدة من الصفات التي شترك فيها أغلب كبار السن، هي شغفهم بالحديث عن الماضي والذكريات التي عاشوها، وخصوصاً تلك التي عاشها أيام الصبى والشباب، ومن الضروري جداً هنا الإصغاء له بشكل جيد عند بدئه بالحديث عنها، لإن ذلك سيشعره بتفاعل المستمعين وأهمية ما يرويه من قصص ومواقف.

3-    استذكار إنجازاتهم:

الإنسان بطبيعته، سواء كان كبيراً او صغيراً، يحب الحديث دائماً عن نجاحاته وإنجازاته، ومع كبار السن، نحن بحاجة إلى التذكير المستمر بإنجازاتهم ومناقبهم والدعوة إلى الاستفادة منها والاعتبار بها، إذ يشعر كبير السن عند الاقتداء به او استذكار نجاحاته وما حققه خلال مسيرة الشباب بالراحة النفسية، وأن وجوده بين المجتمع مرهون بوجود هذا الماضي الحافل النجاحات.

 \\

4-    الحرص على حضورهم في المناسبات واللقاءات:

لأن ذلك يساعد كبير السن على تكوين علاقات وصداقات عديدة، والتعرف على اشخاص جدد بأعمار متفاوتة، كما أن عزله عن الأجواء الجماعية سوف يشعره بالوحدة وعدم المقبولية من المحيط.

5-    الذهاب إلى المسجد وأداء الشعائر الدينية:

كما أنه من الضروري جداً، وفي هذه المرحلة العمرية بالتحديد، حث كبار السن وتشجيعهم على الصلاة في المسجد، أو المشاركة في الهيئات الحسينية، أو المساهمة بالحضور إلى مجالس الوعظ أو العزاء التي تقام في شهري المحرم وصفر، إضافة إلى ذلك مساعدتهم على أداء الحج الواجب مع الإمكان، أو المستحب، أو الذهاب لأداء العمرة، فهذه الأجواء الإيمانية تمنح كبير السن الراحة والطمأنينة وتفعل التواصل مع الآخرين.

\\

6-    تربية الأولاد على احترام كبير السن:

فينبغي غرس ثقافة مساعدة كبار السن لدى الأطفال، وخصوصاً أحفادهم، والتشديد على احترامهم له وعدم الاستهزاء ببعض الممارسات التي يقوم بها كبار السن عادة.

 

*مركز الإرشاد الأسري
2017/11/07