هل أنكر ’السيد الخوئي’ كسر ضلع الزهراء (ع)؟!

لقد أثار بعض المتحدثين مؤخراً سجالاً علمياً عندما ذكر أن السيد الخوئي (رحمه الله) كان لا يعتقد بتحقق فاجعة كسر الضلع في مصيبة الصديقة الزهراء (عليها السلام)، وذكر أن سبب عدم اعتقاده أنه لا توجد رواية كسر الضلع إلا في كتاب واحد وهو كتاب سليم، ولم يثبت عنده هذا الكتاب بطريق معتبر، ولهذا عبر (رحمه الله) عن القضية بأنها مشهورة، والمشهور ليس بحجة، وفي مقام التعليق على هذا الكلام أذكر نقاطاً:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

النقطة الأولى: الظلامة وطريقة التحقيق العقلائية

لا ينبغي الشك في أصل ظلامة فاطمة (عليها السلام)، كما لا ينبغي الشك في بعض تفاصيل الظلامة من قتلها، و كسر ضلعها، وإسقاط جنينها، و سوف أتحدث حول ظلامتها في أمور:

الأمر الأول: إن روايات العامة في الهجوم تفيد القطع بوقوعها فقد رواها ابن عقبة في مغازيه بأكثر من طريق إلى ابن عوف، وروى عنه جماعة كثيرة، منهم أبو الربيع الأندلسي، والطبري، ومحمد بن يوسف الشامي، وحسين بن محمد الدياربكري، والحاكم، وقال: صحيح بشرط الشيخين، و البيهقي، وأبو الفداء الشامي وقال: إسناده جيد وغيرهم، كما إن سعيد بن منصور قال فيه: إنه حديث حسن.

  ورواها أبو الحسن النوفلي، و الواقدي، ونصر بن مزاحم، وروى عنه ابن عبد ربه الأندلسي، وابن أبي الحديد، و الخطيب الخوارزمي والقلقشندي، وغيرهم.

  كما رووا تأسف الأول من كشف بيتها (عليها السلام)، وممن روى ذلك الحافظ بن عبيد، وسعيد بن منصور، واليعقوبي، والطبري، و الأندلسي، و الطبراني، و ابن عساكر، والضياء المقدسي، والذهبي، وابن كثير، والسيوطي، وغيرهم، ومما رواه البلاذري أن أبا بكر قال عن علي ائتني به بأعنف العُنْف. راجع أنساب الأشراف ج 1 ص 587 .

 نعم، حاول البعض التشكيك في السند، ولكن البحث ليس في صحة آحاد الروايات وإنما إفادة المجموع لليقين، ونقل القوم لها يفيد القطع بوقوعها؛ لأنها على خلاف مذهبهم، ولا يحتمل من عاقل أن يتعمد وضع ما على خلاف مذهبه، فهذه قرينة عقلائية على صحة الواقعة.

  ولوضوح وقوع الهجوم صرح بوقوعها المخالفون وممن صرح به:

1ـ ابن أبي دارم حيث نقل عنه الذهبي في ميزان الاعتدال أن الزهراء بسبب رفسة أسقطت بمحسن. راجع ج 1 ص 139 ونقل الشهرستاني في الملل والنحل مثله عن النظام المعتزلي .

2ـ قال ابن تيمية: نحن نعلم يقيناً أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلِّف عن بيعته أولاً وآخراً، وغاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه، وأن يعطيه لمستحقه، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء. منهاج السنة: ج 4ص343.

ويكفي الهجوم على دار من يريب رسول الله ويؤذيه ما يريبها ويؤذيها لاتخاذ موقف من المهاجمين.

الأمر الثاني: هو إن المطلوب في القضايا التاريخية يختلف باختلاف مطلوب الباحث في عملية البحث التاريخي، فتارة يريد الباحث تحصيل اليقين بحدث، وأخرى يريد الإثبات بالنحو الذي يعتمد عليه العقلاء، وهو تحصيل الاطمئنان وسكون النفس، فإن حصول اليقين في المعارف مختص ببعض القضايا، والأعم الأغلب من الناس في أغلب العلوم لا يملكون أكثر من الاطمئنان.

 كما أن غرض الباحث يحدد كيفية تعامله مع الشواهد التاريخية، فتارة يكون غرضه إثبات كل حدث باليقين أو الاطمئنان، و أخرى يكون غرضه إثبات قضية محددة بتحصيل التواتر المعنوي فيها، كما إذا كان غرضه أن يثبت شجاعة عنترة العبسي، وفي النحو الثاني يكون الباحث معنياً بحشد كل الشواهد ولو كانت ضعيفة في نفسها لكي يحصل بتراكب الاحتمال القطع أو الاطمئنان، وهذا جار في موضوع ظلامة فاطمة (عليها السلام)، فإن الشيعة تعتمد على مظلومية الزهراء (عليها السلام) لتحديد موقف من خلافة من تقدم على أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولا بد في سبيل ذلك من حشد الشواهد وجمع القرائن لإثبات أصل الظلامة، كما أن هدف الخطباء ترسيخ المظلومية بذكر كل شواهدها وما نقل فيها، لتكون راسخة مؤثرة في وجدان الناس، فيصعب التشكيك ورفع قناعة الناس فيها، ولهذا يكون التشكيك في الشواهد أمام العامة غير مستقيم ولا محمود النتائج، لأن بعض العامة لا يحسن البحث العلمي، و يتصور أن ضعف بعض الشواهد تاريخياً هو ضعف في أصل القضية، مع أنها حق وثابتة.

الأمر الثالث: إن من الخطأ أن يضعف الباحث مضمون رواية في حدث من أحداث ظلامة الزهراء (عليها السلام) بمجرد وقعوها في كتاب ضعيف عنده أو بسند ضعيف في كتب معتبر، بل لابد أن يلاحظ الباحث مضمون الرواية والشواهد الواردة فيه، فإن التحقيق التاريخي لتحصل الاطمئنان نظير التحقيق الجنائي حيث لا يهمل المحقق فيه خبر رجل مجهول، وإنما يعمل النظر بدراسة الظروف والملابسات، والشواهد المختلفة، و بعد ذلك ينتهي إلى حكم و يتخذ موقفاً، ولكي أقرب هذه الفكرة أذكر مثالاً من أحداث ظلامات مولاتنا (عليها السلام)، وهو ضربها:

1- فإن روايات الضرب متعددة في كتاب سليم ص 96، و تفسير العياشي ج2 ص 207، و الهداية الكبرى للخصيبي ص 407، و كامل الزيارات ص 332 و أمالي الشيخ الصدوق ص 115، و الاختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد ص 185، و الشافي للسيد المرتضى ج4 ص 115، و تلخيصه للشيخ الطوسي ج3 ص 156، وكامل البهائي ج1 ص 312 و المختصر للحلي كما نقل عنه في البحار ج31 ص 120.

2- وهذا المضمون وافق فيه بعض العامة، كالنظام وابن أبي دارم.

٣ـ وهذه النصوص مع وجودها في كتب قديمة معتضدة بمشهور ومعروف الشيعة في كسر الضلع، فقد وجه إلى السيد الخوئي (رحمه الله) هذا السؤال (سؤال 980: هل الروايات التي يذكرها خطباء المنبر، وبعض الكتاب عن كسر فلان لضلع السيدة فاطمة (عليها السلام) صحيحة برأيكم؟)، فأجاب بقوله: ذلك مشهور معروف، والله العالم).

4- وفي كسر الضلع عدة روايات كما في كتاب سليم ص 83، و أمالي الصدوق المجلس 24 ح 2 ص 99، و إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ص 625 وفيما نقله العلامة المجلسي ج 101 ص 44 .

5- كما إنها معتضدة بروايات الهجوم والتهديد بالحرق، وشدة طلب القوم للمنصب وعدم تحرجهم عن حرق آل الرسول (صلى الله عليه وآله).

6- وما ورد في حالهم و موقفهم من خصومهم كسعد بن عبادة، و قتلهم لبعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) كابن نويرة بمجرد منع الزكاة .

7- وما ورد في أنها (عليها السلام) مظلومة شهيدة، وكانت عليلة ومريضة، وأن مرضها بسبب الضرب وإسقاط الجنين كما في دلائل الإمامة ص 104 و134، حتى أن الإمام الجواد (عليه السلام) أطال الفكر وهو ابن أربع سنين فيما صنع بها (عليها السلام) كما البحار ج 50 ص 59 عن دلائل الإمامة، وهذا ما يدل على شناعة ما صنع بها.

وغير ذلك مما جمعه السيد الجليل مرتضى العاملي (رحمه الله) في (مأساة الزهراء عليها السلام) من شواهد، وقرائن في الشعر، و الأدب، والروايات، وكلمات الأعلام ، و تصريح المخالفين بذهاب الشيعة قاطبة إلى تحقق ضرب الزهراء (عليها السلام).

النقطة الثانية: وضوح نسبة الظلامة إلى الشيعة في الأزمنة المتقدمة، و بيان أحد معاني اصطلاح (المشهور).

من تتبع كتب المخالفين الذين تحدثوا عن موقف الشيعة من الأحداث الواقعة بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) يدرك أن من الواضح عندهم ذهاب الشيعة إلى ظلامة فاطمة (عليها السلام) الجسدية، فهذا هو القاضي عبد الجبار المعتزلي المعاصر للشيخ المفيد (رحمه الله) في كتابه تثبيت دلائل النبوة يقول: (وفي هذا الزمان منهم مثل أبي جبلة إبراهيم بن غسان، ومثل جابر المتوفي، وأبي الفوارس الحسن بن محمد الميمديّ وأبي الحسين أحمد بن محمد بن الكميت، وأبي محمد الطبري، وأبي الحسن الحلبي، وأبي يتيم الرلباى، وأبي القاسم النجاري، وأبي الوفا الديلمي، وابن أبي الديس، وخزيمة، وأبي خزيمة، وأبي عبد اللّه محمد بن النعمان، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور، وبعكا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق. وكل هؤلاء بهذه النواحي يدّعون التشيع ومحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأهل بيته، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أن فلان قتله، ويذكرون لهم تبديل القرآن والفرائض، ويذكرون ما قد تقدم ذكره من أن خلافهم له وقتالهم إنما هو لعداوته صلّى اللّه عليه وسلم وللشك في نبوته، ويقيمون المنشدين والمناحات في ذلك). تثبيت دلائل النبوة، ج ٢، القاضي عبد الجبار الهمذاني، ص ٢٨٨ – 289.

 وذكر أن الشيعة قد ادعوا رواية رووها عن جعفر بن محمد (عليه السلام) وغيره: إن فلان ضرب فاطمة بالسوط. المغني للقاضي عبد الجبار: ج 20 ق 1 ص 335

وقال (...ومن جملة ما ذكروه من الطعن ادعاؤهم: أن فاطمة (عليها السلام) لغضبها على فلان وفلان أوصت أن لا يصليا عليها، وأن تدفن سراً منهما، فدفنت ليلاً وادعوا برواية رووها عن جعفر بن محمد وغيره: أن فلان ضرب فاطمة بسوط، وضرب الزبير بالسيف. وذكروا: أن فلان قصد منزلها، وعلي، والزبير، والمقداد، وجماعة ممن تخلف عن أبي بكر يجتمعون هناك، فقال لها: ما أجد بعد أبيك أحب إلى منك. وأيم الله، لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك ليحرقن عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع، ولم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر إلى غير ذلك من الروايات البعيدة.

الجواب: إنا لا نصدق بذلك...)، المغني للقاضي عبد الجبار: ج 20 ق 1 ص 335، وراجع: الشافي للسيد المرتضى: ج 4 ص 110.

وقد تحدث الأعلام في رد ما أثير حول ذلك من شبهات، فقال السيد المرتضى (رحمه الله) رداً على القاضي عبد الجبار الذي لم يستبعد التهديد بالخرق لعلة أخذ البيعة واستبعد الضرب (… وبعد، فلا فرق بين أن يهدد بالإحراق للعلة التي ذكرها، وبين ضرب فاطمة لمثل هذه العلة، فإن إحراق المنازل أعظم من ضربة بالسوط... فلا وجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة سوط، وتكذيب ناقلها "الشافي: ج 4 ص 120.

وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله تعالى). " ومما أنكر عليه: ضربهم لفاطمة (عليها السلام)، وقد روي: أنهم ضربوها بالسياط، والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن فلان ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمي السقط (محسنا). والرواية بذلك مشهورة عندهم. وما أرادوا من إحراق البيت عليها - حين التجأ إليها قوم، وامتنعوا من بيعته. وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بينا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذري وغيره، ورواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك. وليس لأحد أن يقول: إنه لو صح ذلك لم يكن طعناً، لأن للإمام أن يهدد من امتنع من بيعته إرادة للخلاف على المسلمين؛ وذلك: أنه لا يجوز أن يقوم عذر في إحراق الدار على فاطمة (عليها السلام) وأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهما السلام). وهل في مثل ذلك عذر يسمع؟ وإنما يكون مخالفاً للمسلمين وخارقا لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت، وإنما يصح ذلك ويثبت متى كان أمير المؤمنين ومن قعد عن بيعته ممن انحاز إلى بيت فاطمة (ع) داخلاً فيه غير خارج عنه. وأي إجماع يصح مع خلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) - وحده، فضلاً عن أن يبايعه على ذلك غيره؟ ومن قال هذا من الجبائي وغيره - بانت عداوته، وعصبيته، لأن قصة الاحراق جرت قبل مبايعة أمير المؤمنين (عليه السلام) والجماعة الذين كانوا معه في منزله، وهم إنما يدعون الإجماع - فيما بعد - لما بايع الممتنعون... فبان: أن الذي أنكرناه منكر ". تلخيص الشافي: ج 3 ص 156 و157.

  وقال عبد الجليل القزويني، في كتابه الذي رد فيه على كتاب "بعض فضائح الروافض "، ما ترجمته: "... يقولون: إن فلان ضرب على بطن فاطمة، وقتل جنينا في بطنها كان الرسول سماه محسناً...".

  فجوابه: ".. إن هذا الخبر صحيح. وقد نقله الشيعة وأهل السنة في كتبهم. ولكن قد روي عن المصطفى (صلى الله عليه و آله) قوله: "إنما الأعمال بالنيات"، فإن كان قصد فلان هو أخذ علي للبيعة، ولم يقصد إسقاط الجنين، ولعل فلان لم يكن يعلم أن فاطمة كانت خلف الباب، فيكون قتله للجنين خطأ لا عن عمد. وحتى لو كان قد قتله عمداً، فإنه لم يكن معصوماً. والله هو الذي يحكم فيه، وليس لنا نحن ذلك، ولا يمكن أن يقال، أكثر من ذلك هنا. والله أعلم بأعمال عباده وبضمائرهم، وسرائرهم ".

وقال: " يقولون: إن فلان وفلان منعا فاطمة الزهراء من البكاء على أبيها الخ.." من كتاب النقض لعبد الجليل القزويني: ص 298.

وهذه القرائن كافية لإفادة الاطمئنان بوقوع مثل هذه الظلامات العظيمة، كالضرب، وكسر الضلع.

وإن المرء ليحصل له الاطمئنان بمثل إخبار مجهول بموت جاره مع سماع النائحة من بيت الجار و ازدحام الناس على بابه، مع قلة القرائن، فكيف في مثل ضرب الصديقة (عليها السلام) وكسر ضلعها مع تظافر الشواهد و تكثرها، و في ظل ثبوت مثل الضرب و كسر الضلع ينبغي قراءة الروايات الواردة في التفاصيل الأخرى، فإنها لو كانت ضعيفة سنداً تكون محفوفة بما يجعلها تفيد الاطمئنان أو ما يقرب منه أو عدم الظن بالوضع، وهي تساهم في زيادة أصل مظلومية الزهراء (عليها السلام) وضوحاً.

ونلاحظ في قول الشيخ الطوسي (رحمه الله): (والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن فلان ضرب على بطنها حتى أسقطت) أن اصطلاح المشهور في التاريخ لا يقابل القطعي الذي لا خلاف فيه، و أن أصل الظلامة لا خلاف فيه.

 وإطلاق  المشهور على الواضح القطعي مشهور معروف في كتب الأعلام، وليس هذا هو المورد الوحيد، ومن تتبع كلمات الأعلام يعلم بذلك، وسوف نذكر بعض الموارد في النقطة التالية.

النقطة الثالثة: وجّه إلى السيد الخوئي (رحمه الله) السؤال التالي (سؤال 980: هل الروايات التي يذكرها خطباء المنبر، وبعض الكتاب عن كسر فلان لضلع السيدة فاطمة (عليها السلام) صحيحة برأيكم؟)، فأجاب (رحمه الله) بقوله: (ذلك مشهور معروف، والله العالم)، وقد صار جوابه هذا سبب في التشكيك في ذهاب السيد الخوئي (رحمه الله) إلى تحقق ظلامة كسر الضلع، إذ لو كان رأيه على تحققها لقل بوقوعها، ولم ينسب ذلك إلى المشهور مع أنه لا يرى حجية الشهرة.

 وفي مقام التعليق على ذلك نقول:

أولاً: إن اصطلاح (المشهور) قد يقصد به الواضح الذي لا خلاف فيه، وقد استعمل كثيراً في هذا المعنى كما في رواية عمر ابن حنظلة: (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا ـ في ذلك الذي حكما به ـ المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لاريب فيه)، وفي مرفوعة زرارة بن أعين: (قال: سألت الباقر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال (عليه السلام): يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر)، وقد قال المحقق البحراني (رحمه الله): (الفائدة الثالثة عشرة: في إطلاق المشهور على المجمع عليه قد عبر في المقبولة المذكورة عن المجمع عليه بالمشهور، وهو لا يخلو بحسب الظاهر من نوع تدافع وقصور)، قم أخذ في ذكر وجوه لحل مشكلة التعبير عن المشهور بالمجمع عليه فقال: (أو بأن يقال بمرادفة المشهور للمجمع عليه، فإن تخصيص المشهور بهذا‌ المعنى المشهور- وهو ما قال به الأكثر والجمهور- لعله اصطلاح حادث. ولعل هذا أقرب الاحتمالات في المقام، كما يعطيه سياق الخبر...) الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، ج‌1، ص: 315‌.

وعلى هذا كان تعبير الشيخ الطوسي (رحمه الله) في قوله المتقدم: (والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن فلان ضرب على بطنها حتى أسقطت)، وعليه فلو كان السيد الخوئي (رحمه الله) قد عبر عن مصيبة كسر الضلع بالمشهور، فهذا لا يدل على إنكاره لها، مع احتمال إرادته الوضوح والجلاء والظهور بالنحو الذي أوجب عدم الخلاف عند الشيعة (أنار الله برهانهم).

وثانياً: إن السيد الخوئي (رحمه الله) لم يعبر بلفظ (المشهور) فقط، وإنما قال: (المشهور المعروف)، وهذ تعبير دارج بين العلماء يستعمل في الأمر الواضح المفيد للقطع أو الاطمئنان، ومن ذلك:

1- ما عَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَتِ الصَّلَوَاتُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ- وَ لَمْ تُقَدَّمْ وَ لَمْ تُؤَخَّرْ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَشْهُورَةَ الْمَعْلُومَةَ- الَّتِي تَعُمُّ أَهْلَ الْأَرْضِ فَيَعْرِفُهَا الْجَاهِلُ وَ الْعَالِمُ أَرْبَعَةٌ- غُرُوبُ الشَّمْسِ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ تَجِبُ عِنْدَهُ- الْمَغْرِبُ الشَّفَقُ مَشْهُورٌ تَجِبُ عِنْدَهُ الْعِشَاءُ- وَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ تَجِبُ عِنْدَهُ الْغَدَاةُ- وَ زَوَالُ الشَّمْسِ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ يَجِبُ عِنْدَهُ الظُّهْرُ- وَ لَمْ يَكُنْ لِلْعَصْرِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ- مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْأَرْبَعَةِ- فَجُعِلَ وَقْتُهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَبْلَهَا- وسائل الشيعة؛ ج‌4، ص: 159.

فالمشهور المعروف هنا بمعنى المشهور المعلوم.

2- قول السيد المرتضى (رحمه الله): (وفي رواية أخرى: «فلأولى رجل ذكر عصبة». فالجواب عنه: أن هذا خبر مقدوح في روايته وطريقه بما هو معروف، ومع هذا فإنه يخالف ظاهر الكتاب الذي تلوناه، والعمل بالكتاب أولى من العمل به. وأيضاً فإن ابن عباس الذي أسند هذا الخبر إليه خالف مضمون الخبر، وقوله في نفي العصبة مشهور معروف، وراوي الحديث إذا خالفه كان قدحاً في الحديث) المسائل الناصريات؛ ص: 408.

فإن غرضه رد الخبر بالمعلوم من رأي ابن عباس إذ هذا ما ينفع للرد يوجب قدح ما يخالف من الحديث، وعبر عن رأيه بأنه مشهور معروف.

3- قول المحقق البهبهاني (رحمه الله): (و الحقّ أن يقال: إنّ زمان علي بن الحسين (عليه السّلام) ما كان يوجد المؤمن العارف إلّا نادرا نهاية الندرة لو قلنا بوجوده، إذ مثل سعيد بن المسيّب ممّن عدّ من الحواريين له عليه السّلام، كان من فقهاء العامّة، مذهبه مشهور معروف غير خفي على أحد من الفقهاء في الفقه و غيره، فما ظنّك بغيره؟) مصابيح الظلام؛ ج‌10، ص: 640.

ووصفه للمشهور المعروف بأنه غير خفي على أحد من الفقهاء واضح في إرادة الواضح المعلوم.

وعليه فإن تعبير السيد الخوئي (رحمه الله) ظاهر في أنه يرى الثبوت، ولا أقل لا يمكن أن يكون مستنداً لنسبة النفي إليه.

وثالثاً: إن رأي السيد الخوئي (رحمه الله) في كسر الضلع معروف عند تلامذته لا سيما الكبار منهم، وهم أفهم بمراده من عباراته، وقد عاصروه و قارنوه في جميع المناسبات الدينية ولم ينقل أحد منهم عنه أنه ينكر كسر الضلع، وهذا الشيخ التبريزي (رحمه الله) لما مر على عبارة السيد الخوئي (رحمه الله) وقوله: (مشهور معروف) لم يعلق ويستدرك عليها، بل وافقه فيها، مع أنه من القائلين بكسر الضلع، يراه أمراً واضحاً لا مرية فيه، فقد قال (رحمه الله): (في جواب سؤال ((1209) حينما يتحدث بعض المراجع الكرام في معرض إجابتهم عن ثبوت قضية كسر الضلع الشريف للسيدة الزهراء عليها السلام يقولوا المشهور ذلك فهل المقصود من التعبير بالمشهور هو ثبوته، و هل المشهور في الثبوت بين الفقهاء هنا أم في الرواية؟ وهل هناك فرق بين من لا يرى ثبوتها اجتهاداً أو اشتباهاً أي هل تصل بصاحبها لما يقال بأنه إنكار الضروري أو بعبارة أخرى كيف تكون بحكم إنكار الضروري؟) ما نصه: (بسمه تعالى هذه القضية من المسلمات التاريخية كسائر القضايا المسلمة المشهورة وقد روتها كتب السير والتواريخ بما لا مجال للشك في ثبوتها والتشكيك في ثبوتها بعد كثرة النقل وتسالم الشيعة على تحققها جهل أو انحراف عن المنهج المتبع في القضايا المسلمة والمشهورة والله العالم) صراط النجاة (للتبريزي)؛ ج‌10، ص: 430.

وبهذا ينكشف أن مرادهما بالتعبير بالشهرة المعنى اللغوي المتداول في كتب التاريخ، والذي لا ينافي الإجماع والقطع، وبالتالي تكون عبارة السيد الخوئي (رحمه الله) دالة على أنه كما يرى ثبوت القضية يراها أيضاً واضحة جلية لا ينبغي الشك فيها.