فكر وثقافة
تفسيرات في جذور الحرب... هل هي حالة فطرية في الإنسان؟

كتب مصطفى الهادي: الحرب هل هي حالة فطرية

إن مجرد التفكير بالقتال وخطر الاقتتال يجعل الإنسان يعيش في دوامة من القلق، وأن إعلان حالة الاقتتال هو الأكثر شؤماً على المجتمعات، لأن فيه نذر الفناء للطاقات ولما تبنيه هذه المجتمعات.

[اشترك]

ويذهب كثيرون بأن القتال أمر لا مفر منه، ويقولون بأنه لا يُمكن القضاء على فكرة القتال إطلاقا، لأنه أمر متأصل في الغريزة البشرية حيث تنبت العوامل المساعدة على القتل في طبيعة الإنسان. وفي ذلك إشارة إلى الجانب البهيمي عند الإنسان ومما لا شك فيه أبدا أن السلوك العدواني هو السائد في مملكة الحيوان وليس في عالم الإنسان.

وليس بالضرورة أن نجزم على أن السلوك العدواني لدى الإنسان فطري.

وهؤلاء الذين يجزمون بأن السلوك العدواني فطري عند الإنسان، إنما اعتمدوا على ما قاله بعض علماء الأجناس الغربيين.

يقولون إن الجانب الحيواني باق في الإنسان يسايره جنباً إلى جنب مع آدميته، وهو ضروري لديمومة روح العمل عند الإنسان فبالقوى الحيوانية تدوم الحياة المادية.

وفي زعمهم أن القتال والعدوانية إنما تنطلق من الجانب الحيواني البهيمي عند الإنسان نابع من هذا الأساس.

 

ويرى فريق آخر من الباحثين من أن حالة القتل العدوانية بعيدة جدا عن أن تكون طبيعية في نفس الإنسان، وقد أثبت هؤلاء الباحثون من أن الكثير من القبائل لا تعرف الاقتتال، وأن هذه الحالة كانت غريبة عنهم، ومن هذه القبائل (الأسكيمو) في الشمال الكبير.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى المجتمعات البدائية والشعوب البسيطة التي لم تكن محاربة حيث أنها لم تكن تُقدم على الحرب العدوانية وكانت قليلة الاستعداد للانخراط في أي حرب دفاعية. فكانت أغلب حالات القتال التي تقع بسيطة ولربما تنشأ جراء سرقة أغنام القبائل فيما بينها أو خطف النساء لغرض الزواج.

ولكن عندما تبلغ الثقافة درجة من التعقيد وتتوسع مواردها الاقتصادية وتتطور عقائدها الدينية فإن الحرب والاقتتال سيكون لها موضع قدم في هذه الثقافة.

وهذه الحالة يمكن أن تتغير، بأشكال مختلفة، تبعا لهذه الثقافة أو تلك؛ فقد تعلن الحرب بقوة رهيبة في أحد المجتمعات ولكن قد تكون شبه مفقودة في غيرها من المجتمعات، فعلى سبيل المثال كان الوطن والعرق يُقدس بصورة تكاد تكون دينية حيث كان يرافق هذه العاطفة اندفاع نحو القتال كما حدث بين روما وإسبرطة أو الحروب الصليبية على فلسطين قديما والدول النازية والفاشية وغيرها حديثا.

وهذا لا يعني أبدا من أن عوامل الحرب متأصلة في الإنسان أو غريزته، وإلا لم يمضي أكثر الناس إلى القتال مكرهين ولربما أٌرغم الناس على القتال إرغاماً. وكثيرا ما كنا نسمع عن فِرَق الإعدام التي تبقى في الخطوط الخلفية لدفع المقاتلين إلى القتال. ولربما قام الجنود بعملية تسليم طوعية إلى العدو لأسباب قد تكون مختلفة ولكن يبقى أهمها عدم الرغبة في قتل الآخرين.

وقد كان الكثير من الملوك والخلفاء والأباطرة يُكرِهون الناس على القتال في الحروب ومن ذلك أنهم كانوا ينادون في الأسواق والشوارع بالخروج إلى المعسكر خارج المدينة ولمدة ثلاث أيام، ومن لم يخرج للحرب فقد أباح دمه.

ولكن يبقى أمر هام وهو أن الإنسان عرف الحرب والقتال منذ أن سكن هذه الأرض فليس العامل الحيواني وراء الحروب، فقد كان للغرائز البشرية مثل الحسد وحب السيطرة وقهر الآخرين أمرا مهمّا في إشعال نيران الحروب بين بني البشر. (1)

فبعد أن كان القتال في بدايته فرديا قد يقع بين الأفراد. تطور شيئا فشيئا حتى أصبح قتالا جماعيا يقع بين القبائل والأُسر فكان على هؤلاء أن يختاروا المقاتلين الشجعان والأقوياء وإعداد القادة الذين يطيعون أمرائهم طاعة عمياء وهكذا ظهرت الحرب التي خلقت الزعيم والرئيس والملك وأصبحت حربا بين المدن والمقاطعات ثم إلى حرب شاملة امتدت إلى جميع القارات كما حدث في الحربين العالميتين في القرن العشرين، والقادم اسوأ.

_________

توضيحات:

1- الغريب أن رؤية اليهود للقتل تقول بأن طبيعة الإنسان هي طبيعة الله لان الله خلقه على صورته أي شبيه له ولذلك فإن في الجانب الإلهي غضب وقسوة، فتنسب سفك الدم لله فتقول في سفر التكوين 9: 6 (سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه، لأن الله على صورته عمل الإنسان).

أي أنه يحمل الروح الإلهية بين جنبيه بما فيها الغضب والقسوة وسفك الدماء، لأن الله يحب منظر الدماء ولذلك يطلب دائما أن نُقدم له الاضاحي. والأغرب من ذلك أن المفسر المسيحي يقول بأن الحيوانات كانت مسالمة ولا تعرف القتل والشر والافتراس ولكنها تعلمت الشر والافتراس من الانسان كما نقرأ في تفسير القس انطونيوس فكري في تفسيره للنص أعلاه فيقول : (وحشية الإنسان انعكست على الحيوان فصارت بعض الحيوانات متوحشة وصارت بعض الطيور متوحشة وهكذا الأسماك، طبع الإنسان الوحشي انعكس على الحيوان، ومن أجل أن لا يأكل الانسان لحم أخيه الإنسان سمح له أن يأكل لحوم الحيوانات).

 

2021/08/30

تُهمة جديدة: فيلم الرسالة صناعة ’شيعية’ خبيثة!

نُشر شريط فيديو على اليوتيوب، متبنى من قبل جهة سلفية، حيث نكون فيه امام تعليق صوتي يدين الفلم الاسلامي الرسالة للمخرج العالمي مصطفى العقاد، واصفا إياه بأنه خدعة شيعية خبيثة، ومبرهنا على زعمه بملاحظات، تصحب التعليق الصوتي، بعض المشاهد الصورية ـ من الفلم ـ والتي تعد شواهد لما ذكره من نقاط.

[اشترك]

ومن هذه النقاط:

1ـ إغفال الفلم لدور ابي بكر وعمر وهما من هما في مسيرة الإسلام.

2ـ ما جاء على لسان ابي سفيان من الله في بيته وفي الطائف وفي كل مكان.. وهذه فكرة شيعية حيث ان الفكرة الحقة هي ما تقول به اهل السنة والجماعة من الله على العرش استوى.

3ـ اتهام هند بالفرية الباطلة في حقها رضي الله عنها وهي استخدام وحشي لقتل حمزة رضوان الله عليه ومن ثم اكله كبده

4ـ اظهار ابي طالب رضوان الله عليه وكأنه كان مسلما في حين انه لم يسلم.   

لن اناقش هذه النقاط في محتواها الفلسفي والتاريخي حيث انه حوار قائم لن أغنى فيه شيئا كتبت ما كتبت.. ولكني سأناقشه من البعد الفني... وعلى وجه الخصوص عبارة خدعة شيعية خبيثة.

1ـ الشخص الاول في الفلم وأعني المخرج مصطفى العقاد الذي تبنى الفلم من اوله الى اخره.. سني سوري قضى حياته في هوليود.. فما علاقة شخص كهذا بالتشيع؟!

2ـ كتّاب الفلم.. توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمد علي ماهر .. مصريون سنة لا علاقة لهم بالتشيع وقد كتبوا الفلم اعتمادا على مصادر سنية.

3ـ الفلم كان بمتابعة واشراف الازهر في مصر.. وقد عرض على المجلس الشيعي الاسلامي الاعلى في لبنان لبيان رايه فيما يمكن ان يعترض عليه.. اي ان المجلس لم يكن مقررا لما جاء في الفلم.

4ـ انتاج الفلم عام 73ـ 74 ويومها لم يكن للتشيع جهة سلطوية يمكن ان تتبنى فكرة انتاج ضخم كفلم الرسالة لتمرير افكارها.

5ـ المفروض بهذه الجهة ان تتولى مهمة تمويل الفلم.. والحال ان التمويل جاء من دول ثلاث لا علاقة لها بالتشيع وهي الكويت وليبيا والمغرب.

6ـ المفروض بهذه الجهة ان تكرس الفلم لافكارها ومتبناها العقائدي.. والحال ان الفلم يوازن في استعراض دور الصحابة الخلفاء بشكل متساو.. فهناك مشهدان فقط لابي بكر.. يستعرض المشهد الاول ما كان يقوم به ابو بكر من شراء للعبيد المؤمنين واطلاق سراحهم عن طريق شراءه لبلال وهو يعذب ثم تقول هند (ابو بكر هذا يعني محمد)، والاخرى في مصاحبة ابي بكر للنبي ص في الغار. وهذا نفسه بالنسبة للإمام علي (ع) حيث يقتصر ما ظهر فيه على مشهدين، نومه في فراش النبي (ص) وقول ابي سفيان (هذا الفتى يفتديه ابي سفيان اي اناس تحارب). اضافة الى الاشارة لدوره البطولي في حماية الاسلام حيث يقول حمزة في مشهد من الفلم سيف علي اول سيف في الاسلام.

7ـ الفتاوى الدينية في ذلك الوقت بمنع ظهور هذه الشخصيات هو ما جعل التوسع بدورها غير ممكن.. وليس الاغفال المتعمد لدور الصحابة.. فقد تمت المعالجة الدرامية من خلال اظهار الشخصيات المسموح بظهورها كحمزة وعمار وبلال وجعفر.

8ـ عشرات الاعمال الدرامية من افلام ومسلسلات.. مصرية وغير مصرية، تناولت قصة الاسلام والنبي الاكرم (ص) وقد ذكرت نفس النقاط حيث اظهرت دور ابي طالب في حماية الاسلام والنبي ص وقتل هند لحمزة رضوان الله عليه.. فهل كل هذه الاعمال كانت خطة شيعية خبيثة؟!

9ـ لقد كان فلم الرسالة اول خطاب اعلامي ضخم يوصل قصة الاسلام الى الغرب، وقد تعمد المخرج مصطفى العقاد ان يشير بشكل مكثف الى دلائل السلام والانسانية في المحتوى الاسلامي، من خلال معالجات منها:

ـ قول جعفر بن ابي طالب (رض) لملك الحبشة (كنا اهل جاهلية يأكل القوي منا الضعيف.... حتى بعث الله لنا) وفي في تلك المقالة بيان شامل لما جاء به الاسلام من ارساء لمكارم الاخلاق ومكانة المرأة وقوانين حضارية ترقى بالمجتمع.

 ـ قول ملك الحبشة له (الحق الحق اقول لكم ان ما بين ديننا (المسيحي) ودينكم ليس أكثر من هذا الخط).

ـ ظهور بلال الاسود واقفا على اكتاف عمار الابيض الحر في بناء المسجد، للدلالة على ان البناء الاسلامي يقوم على رفض التمييز العنصري والعرقي.

ـ إظهار مسألة تمسك النبي (ص) بالسلام؛ حيث انه استمر في رفض القتال رغم ما واجهه به حمزة (رض) من طلب للقتال، وحين وافق على خوض معركة بدر كان البيان القراني المعلل لها هي قوله الذي صرح به زيد بن حارثة في الفلم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا)

إن هذه المعالجات هي بالضبط ما أغاظ الجهة السلفية التي طالما تبنت التطرف الديني ومشاريع الإرهاب.

 

2021/08/24

الكون صُدفة.. ’الملحد’ لا يحترم عقله ويخّنع لنفسه!

هناك فرق بين تقديس العقل وتقديس النفس ورغباتها، ومشكلة الملحدين ليست في السماح للعقل في التفكير بحرية، وإنما في تحجيمهم للعقل من خلال السماح لهيمنة الشهوات.

[اشترك]

ومن هنا تحدثت آيات القرآن عن الكفر بوصفه مشكلة نفسية وليست عقلية، فنجدها وصفت الكافرين بأنهم قوم لا يعقلون، قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (171 البقرة)، وعلى هذا لا يعاني الإيمان من مشكلة إذا فُتح الطريق أمام العقل والتعقل، بينما قد يعاني الإيمان من مشكلة إذا فتح الطريق أمام هوى النفس وشهواتها، ومن هنا جاز لنا أن نقول إن إشكالية المعرفة في منظور القرآن نفسية وليست عقلية؛ لأن النفس إذا استأثرت بإرادة الإنسان عملت على توجيهه نحو الأهواء والشهوات، وعندها تتعطل قدرة الإنسان على التفكير والتقييم الموضوعي للحقائق.

وعليه فإن تقديس العقل لا يعني إنكار الحقائق الثابتة بالبرهان، وإنما تقديسه يكون عبر الالتزام بضوابط التفكير المنطقية، وإنكار الملحدون لما يشاءون يدل على رغبتهم في الإنكار ولا يدل ابداً على تقديسهم للعقل، فالذي يؤمن بوجود الكون بدون علة كيف يزعم أنه يقدس العقل أو يحترمه؟ وبالتالي قناعات الإنسان وافكاره لا تعود إلى الإنسان بوصفه عاقلاً فقط وإنما بوصفه صاحب أهوى ومصالح ذاتية أيضاً، فبمقدار ما للعقل من أفكار للنفس افكارها الخاصة ايضاً، ونتيجة لعدم القدرة على التمييز بين الفكرتين يظن البعض أن أفكار الإلحاد عقلية في حين أنها نفسية بامتياز، ومن هنا يحدث الخلط بين الفكرة القائمة على رؤية موضوعية وبين الفكرة القائمة على رؤية ذاتية، والإسلام كدين يقوم بدور تزكية النفس وتهذيبها حتى يتمكن الإنسان من التفكير بعقل مجرد بعيداً عن الأهواء والشهوات.

أما حدود العقل، فيمكننا أن نقول وباختصار: بإن العقل يتحرك في دائرة الشهود من خلال الحواس الخمس، أي أن كل ما هو موجود في عالم المخلوقات المادية يمكن للعقل إدراكه والتفكير فيه وبكل الوسائل الممكنة، أما ما هو خارج عن حدود الحواس والمادة فإن العقل لا يدركه إدراك احاطة تفصيلية، وإنما يتعرف عليه من خلال آياته وعلاماته، وهنا يأتي دور المنهج العلمي الذي يوفر للعقل الطرق الصحيحة للاستنتاج والاستنباط.

2021/07/31

لا اكتشافات ولا اختراعات.. ماذا قدّم ’رجال الدين’ للعالم؟ (فيديو)

يجيب سماحة الشيخ أحمد سلمان عن سؤال فيه "مغالطة كبيرة" على حد تعبيره.

[اشترك]

إذ يعتبر الدين من العلوم الإنسانية وليس معنياً بالاكتشافات والاختراعات على مستوى العلوم التجريبية الأخرى.

تفاصيل أكثر في الفيديو أدناه:

2021/07/31

’موتُ الفجأة’.. عقوبة أم رحمة وما علاقته بـ ’علامات الظهور’؟

هل موتُ الفجأة رحمةٌ للإنسان أو عقوبةٌ له؟ وهل ثمة من دعاء ينجينا من موت الفُجأة؟ وهل كثرةُ موتُ الفجأة من علامات الظهور؟

[اشترك]

ورد في العديد من الروايات أنِّ موت الفُجأة راحةٌ أو رحمةٌ للمؤمن وأخذةُ أسفٍ على الكافر. أمَّا أنَّه راحةٌ للمؤمن فلأنَّه عُوفي من مُقاسات الأمراض المُزمنة، وأمَّا أنَّه أخذةُ أسفٍ على الكافر فلأنَّه مات ولم يستوفِ من الدنيا أملَه، ولأنَّه لا ينتظرُ في الآخرة نعيماً، فشأنُه الحسرةُ على ما خلَّف وما كان قد فاته من حُطام، وهو في ذات الوقت قادمٌ على ما لا يُرجى معه التدارُك.

فمِن الروايات التي أفادت هذا المعنى مارواه الصدوق عن الرسوال (ص) أنَّه قال: "ياعلي موتُ الفُجأة راحةٌ للمؤمن وحسرةٌ للكافر"(1).

ومنها: ما رواه في بصائر الدرجات عن أبي جعفر (ع) قال: قال عليُّ بن الحسين (ع): "موتُ الفُجأة تخفيفٌ على المُؤمن وأسفٌ على الكافر"(2).

ومنها: ما رواه في الكافي بسنده عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال رسول الله (ص): " إنَّ موتُ الفجأة تخفيفٌ على المُؤمن وأخذةُ أسفٍ عن الكافر"(3).

وروى الصدوق قال: قال رسول الله (ص): "إنَّ موت الفُجأة تخفيفٌ على المؤمن وراحةٌ، وأخذةُ أسف ٍعلى الكافر"(4).

ومنها: ما رواه الراوندي قال: وقال النبيُّ (ص) "موتُ الفُجاة رحمةٌ للمؤمنين وعذابٌ للكافرين"(5).

نعم شيوعُ موت الفُجأة في أوساط المجتمع قد يكون منشأه عقوبةً لذنبٍ شاع إرتكابُه بينهم, وحينئذٍ يقعُ ذلك على المؤمن كما يقعُ على غيره، فإنَّ البلاء إذا وقع فإنَّه قد يعم، فتكون إصابةُ المؤمن به تكفيراً لذنوبِه أو رفعاً لدرجتِه، ويكون وقوعُه على غير المؤمن عقوبةً وجزاءً على سوءِ فعله.

وقد ورد في أكثر من رواية أنَّ شيوع موت الفجأة ينشأ عن شيوع الزنا.

فمِن هذه الروايات ما رواه في الكافي بسندِه عن أبي جعفر (ع) قال: "وجدنا في كتاب رسول الله (ص) إذا ظهر الزنا من بعدي كثُر موتُ الفُجأة" (6).

وليس معنى ذلك أنَّ موت الفُجأة لايُصيب المتحرِّز عن الزنا بل معنى ذلك إنَّ الزنا إذا ظهر بين الناس وشاع إرتكابُه فإنَّ منأثرَه إبتلاء الناس بموت الفجأة، فيُصيب هذا البلاء المُرتكب للزنا وغيره.

وأمَّا ما يدفع مِن موت الفُجأة على المستوى الشخصي فورد في بعض الروايات أنَّ قراءة سورة التغابن يدفعُ موتَ الفجأة عن المداوم على قرائتها.

ففي مستدرك الوسائل عن الرسول (ص) أنَّه قال: "ومَن قرأ سورة التغابُن دُفع عنه موتُ الفجأة"(7).

وأورد الكافي بسندٍ معتبرعن أبي عبد الله (ع) دعاءً كان يدعو به أبو جعفر الباقر(ع) إِذَا أَصْبَحَ: " بِسْمِ اللَّه وبِاللَّه وإِلَى اللَّه وفِي سَبِيلِ اللَّه وعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّه (ص) اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَسْلَمْتُ نَفْسِي وإِلَيْكَ فَوَّضْتُ أَمْرِي وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِحِفْظِ الإِيمَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ومِنْ خَلْفِي وعَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمَالِي ومِنْ فَوْقِي ومِنْ تَحْتِي ومِنْ قِبَلِي لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ، لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه، نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ والْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ومِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ ومِنْ ضِيقِ الْقَبْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ سَطَوَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ورَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ ورَبَّ الْحِلِّ والْحَرَامِ أَبْلِغْ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ عَنِّي السَّلَامَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِدِرْعِكَ الْحَصِينَةِ وأَعُوذُ بِجَمْعِكَ أَنْ تُمِيتَنِي غَرَقاً أَوْ حَرَقاً أَوْ شَرَقاً أَوْ قَوَداً أَوْ صَبْراً أَوْ مَسَمّاً أَوْ تَرَدِّياً فِي بِئْرٍ أَوْ أَكِيلَ السَّبُعِ أَوْ مَوْتَ الْفَجْأَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مِيتَاتِ السَّوْءِ ولَكِنْ أَمِتْنِي عَلَى فِرَاشِي فِي طَاعَتِكَ وطَاعَةِ رَسُولِكَ (ص) مُصِيباً لِلْحَقِّ غَيْرَ مُخْطِئٍ أَوْ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّهُمْ فِي كِتَابِكَ: ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ أُعِيذُ نَفْسِي ووُلْدِي ومَا رَزَقَنِي رَبِّي بِقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ حَتَّى يَخْتِمَ السُّورَةَ، وأُعِيذُ نَفْسِي ووُلْدِي ومَا رَزَقَنِي رَبِّي بِقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حَتَّى يَخْتِمَ السُّورَةَ، ويَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّه عَدَدَ مَا خَلَقَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه مِثْلَ مَا خَلَقَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه مِلْءَ مَا خَلَقَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه مِدَادَ كَلِمَاتِه، والْحَمْدُ لِلَّه زِنَةَ عَرْشِه، والْحَمْدُ لِلَّه رِضَا نَفْسِه، ولَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، ولَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّه رَبِّ السَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ ومَا بَيْنَهُمَا ورَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ ومِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ والْوَقْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ والْمَالِ والْوَلَدِ، ويُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ(8).

وأمَّا أنَّ شيوع موت الفُجأة هل هو من علامات الظهور، فقد ورد في الكافي بسندٍ معتبر عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال النبيُّ (ص) "مِن أشراط الساعة أنْ يفشوَ الفالجُ و موتُ الفجأة"(9).

 

الهوامش:

1- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج4 / ص363.

2- مختصر بصائر الدرجات -الحسن بن سليمان الحلي- ص91.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص112.

4- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص134.

5- الدعوات -قطب الدين الراوندي- / ص242.

6- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص374.

7- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج4 / ص352.

8- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص526.

9- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص261.

2021/07/17

هل ’المرجعية الدينية’ مؤسسة إدارية تشبه ’الكنيسة’؟!

لا شكَّ أنَّ العملَ المؤسّسيَّ أفضلُ وأكثرُ عائداً على المُجتمعِ منَ العملِ الفرديّ، إذ إنَّ فيهِ تجميعاً للطّاقاتِ، واستقرارا نسبيّاً للعملِ، لكنَّ استجلاب النّموذجِ الكنسيّ للتّطبيقِ على المرجعيّةِ الشّيعيّةِ هل يمكنُ أن يكونَ حلّاً لِما يراهُ السّائلُ مِن سلبيّاتِ العملِ الفرديّ للمرجعيّةِ الشيعيّةِ؟ وهل توجدُ سلبيّاتٌ للتّنظيمِ الكنسي؟

[اشترك]

لمعرفةِ ذلكَ لابدَّ منَ التّعرّفِ على النّموذجِ المطروحِ في سياقِه التّاريخي والحالي وقياس إيجابيّاتِه وسلبيّاتِه، والتّعرّف على ما يمكنُ أن يكونَ أوجهاً للخلافِ بينَه وبينَ النّموذجِ الشيعيّ للمرجعيّة.

منَ المعروفِ أنَّ النّظامَ الكنسيَّ وليدُ المجاميعِ المسكونيّةِ التي كانَت تُعقدُ بدعوةٍ منَ الأباطرةِ، ابتدأت بالمجمعِ المسكونيّ الأوّلِ في نيقية الذي عُقدَ بناءً على تعليماتٍ منَ الإمبراطورِ قسطنطين الأوّلِ لدراسةِ الخلافاتِ في كنيسةِ الإسكندريّةِ بينَ آريوس وأتباعِه مِن جهة وبينَ الكسندروس الأوّلِ وأتباعِه مِن جهةٍ أخرى حولَ طبيعةِ يسوع هل هيَ نفسُ طبيعةِ الرّبِّ أم طبيعةِ البشر؟

أنكرَ آريوس أزليّةَ يسوع فاعتقدَ بأنّهُ كانَ هناكَ وقتٌ لم يكُن يسوعُ موجوداً فيه، واعتبره رفيعاً بينَ مخلوقاتِ اللهِ ومِن صُنعِهِ، كما اعتبر أنَّ الرّوحَ القُدسَ مِن صُنعِ اللهِ أيضاً. بينَما أكّدَ الكسندروس الأوّل (بابا الإسكندريّة) على أنَّ طبيعةَ المسيحِ هيَ مِن نفسِ طبيعةِ اللهِ وتغلّبَ رأيُ الكسندروس الأوّل (بابا الإسكندريّة) بالاقتراع ورفضَ آريوس وإثنانِ منَ القساوسةِ بإصرارٍ التّوقيعَ وحُرقَت كتبُ آريوس وسُمّيَ مذهبُه ببدعةِ آريوس ووُصمَ أتباعُه إلى اليوم بلقبِ أعداءِ المسيحيّة.

وكما هوَ الحالُ في مجمعِ نيقية كانَت تنتهي المجاميعُ دائماً بقراراتٍ تشطبُ مجموعةً منَ الرّؤى بقرارٍ منَ المجمعِ وتُدينُ أصحابَها وتتّهمُهم بالهرطقةِ والزّندقةِ؛ مثلما جرى في مجمعِ افسس الذي إنتهى بتكفيرِ نسطور وكايليستوس.

والذي نريدُ أن نُشيرَ إليهِ أنَّ هذا التّنظيمَ المؤسّسيَّ الحالي، وليدُ شرعيّةِ القوى وليسَ الحقّ، وأدّى إلى وأدِ كثيرٍ مِن أراءِ العُلماءِ التي ربّما كانَت اليومَ في صُلبِ العقيدةِ المسيحيّةِ لولا التّنظيمِ المؤسّسي.

ربّما مِن هُنا تتّضحُ قيمةُ ما أشارَ إليهِ المرجعُ الدّينيُّ السّيّدُ محمّد سعيد الحكيم في سياق جوابِه عنِ المرجعيّةِ المؤسّسيّةِ، حيثُ أشارَ للقيمةِ التي تلعبها المرجعيّةُ الفرديّةُ التي تُعطي حقَّ الاختيار للمؤمنينَ مباشرةً، لاختيار مرجعيّتِهم، حيثُ قالَ في كتابِه المرجعيّةُ الدّينيّةُ وقضايا أخرى ص60-61: 

"وفي الحقيقةِ أنّهُ بعدَ غيابِ القيادةِ المعصومةِ وتعرّضِ القيادةِ للخطأ المُتعمّدِ أو غيرِ المُتعمّدِ ، فالمرجعيُّة الفرديّةُ الحُرّةُ حيثُ تبتني على إيكالِ تشخيصِ مَن هوَ أهلٌ للمرجعيّةِ لعامّةِ النّاسِ مِن دونِ أن يُفرضَ عليهم فرضاً، فهيَ تبتني في الوقتِ نفسِه على أمرينِ مهمّين:

الأوّلُ: رقابةٌ عامّةِ النّاسِ على المرجعِ، فمَن لا يعجبُهم واقعُه وسلوكُه ينكرونَ عليه ـ ولو في أنفسِهم ـ ويُعرضونَ عنهُ ويتّجهونَ إلى غيره.

الثاني: فسحُ مجالِ التّصدّي لأهلِ الإخلاصِ والواقعيّةِ والاستقامة ممَّن يهتمُّ بخدمةِ المبدأ. وحينئذٍ يبقى للحقِّ ولأهلِه صوتٌ ودعوةٌ، وتقومُ بهما على النّاسِ الحُجّة.

كما أنّهُ يمنعُ مِن شدّةِ الانحراف والبُعدِ الكثيرِ عنِ الحقِّ ، لأنَّ وجودَ حقٍّ ظاهرٍ ناطقٍ يفضحُ الباطلَ وينبّهُ الغافلَ عنه، ويمنعُ أهلَ الباطلِ منَ الإغراقِ فيه. أمّا المُنحرفونَ في سلوكِهم فإنّهم لو استطاعوا أن يجمعوا حولَهم النّاسَ ويقنعوهم ـ بطرقِهم الملتويةِ أو بكفاءاتِهم الشخصيّةِ ـ مدّةً منَ الزّمنِ ، إلّا أنَّ الحقَّ بقوّةِ حُجّتِه وبواقعيّةِ حَمَلتِه يُعرّي الإنحرافَ والزّيفَ ، فيتراجعُ إليهِ مَن يستيقظُ ضميرُه وتقومُ الحُجّةُ بهِ على غيره ."

وهذا الأمرُ تؤكّدُه حقيقةُ المُنظّمةِ الكنسيّةِ التي تُعطي العصمةَ للبابا في قضايا العقيدةِ الدّينيّةِ خصوصاً في الكنيسةِ الغربيّةِ، الرّوميّةِ نسبةً لروما إذ يُعتبرُ البابا نائباً عَن بطرس الذي على حسبِ الاعتقاد المسيحيّ أنّهُ وكيلُ المسيحِ في إنشاءِ الكنيسة.

وهذا الأمرُ الذي ربّما سرى على المرجعيّةِ الشيعيّةِ إذا سلكَت نفسَ الطريقِ، حيثُ ستُصبغُ المرجعيّةُ العليا في هذهِ الحالةِ بصبغةِ العصمةِ، الأمرُ الذي يخالفُ اعتقاد الشّيعةِ الذين يعتقدونَ بوجودِ صاحبِ الأمرِ والعصمةِ، ويتطلّعونَ إلى ظهورِه الميمون.

أضِف إلى ذلكَ أنَّ هناكَ نقطةً جوهريّةً يجبُ أن تعالجَ في طريقِنا لاجتراحِ حلولٍ مؤسّسيّةٍ للمرجعيّةِ وهيَ أنَّ المرجعيّةَ قضيّةٌ دينيّةٌ (مِن أجلِ الخروجِ عن عُهدةِ التّكاليفِ الشرعيّةِ، وبراءةِ الذّمّةِ مِنها أمامَ اللهِ تعالى ، وحصولِ العُذرِ بينَ يديهِ يومَ يعرضونَ عليه، ويناقشُهم يومَ الحسابِ ـ فلابدَّ مِن ابتنائها على الأدلّةِ الشرعيّةِ الكافيةِ التي تصلحُ حُجّةً بينَ يدي اللهِ تعالى يومَ العرضِ الأكبر.

والمرجعيّةُ الحُرّةُ ـ حيثُ يفترضُ حريّةُ كلِّ شخصٍ في اختيار المرجعِ الذي يُقلّدُه ويقتنعُ بقيامِ الحُجّةِ الشرعيّةِ عليهِ ـ التي جرى عليها الشّيعةُ هذهِ القرونَ الطويلةَ، مِن عصورِ الأئمّةِ (عليهم السّلام) إلى يومِنا هذا، قد ثبتَت مشروعيّتُها بالأدلَّةِ والبراهينِ الكافيةِ، التي أجهدَ علماؤنا (رضيَ اللهُ عنهم ورفعَ درجاتِهم) أنفسَهم في تشييدِها على خلافٍ منهُم في كثيرٍ منَ الخصوصيّات. المصدرُ 49)

لذلكَ نقلُ هذا النّموذجِ الكنسيّ بتفاصيلِه التي خلقَتها صيرورةُ تراكمِ القوى السياسيّةِ، بعيداً عنِ الموازينِ الشرعيّةِ، يُجابَهُ بعقبةٍ كبيرةٍ في النّظامِ الشيعيّ إذ المطلوبُ إقامةُ أدلّةٍ قطعيّةٍ على النّظامِ الذي يخلقُ المرجعيّةَ المؤسّسيّةَ بتفاصيلِها الكثيرةِ، وإلّا نُقضَ الغرضُ وهوَ الإجماعُ عليها، ففي غيابِ الأدلّةِ القطعيّةِ على هذا النّظامِ، يفتقدُ للشّرعيّةِ التي تُبرئ ذمّةَ المُكلّفينَ مِن جهةٍ ولا يقطعُ النّزاعَ الذي هوَ غرضُ هذهِ الدّعوةِ مِن جهةٍ أخرى.

هذا إن كانَ السّائلُ ناظراً إلى اختيار المرجعيّةِ العُليا على طريقةِ البابا في النّظامِ الكنسيّ، أمّا إن كانَت الدّعوةُ عامّةً لتأسيسِ المؤسّساتِ وتركِ العملِ الفرديّ فإنَّ الأدلّةَ العامّةَ في الشريعةِ تكفي لتُعطي الشرعيّةَ لمثلِ هذهِ الدّعوة.

2021/06/29

عذاب قبل يوم القيامة: هل الجنة والنار مخلوقتان الآن؟!

أوّلاً: مِن عقائدِ الشّيعةِ التي أجمعوا عليها هوَ أنّ الجنّةَ والنّارَ موجودتانِ ومخلوقتانِ الآن، قالَ الشّيخُ الصّدوقُ: واعتقادنا في الجنّةِ والنّارِ أنّهُما مخلوقتانِ، وأنَّ النّبيَّ (ص) قد دخلَ الجنّةَ، ورأى النّارَ، حينَ عُرجَ به. (الاعتقادات للصّدوق ص79).

[اشترك]

وقالَ الشّيخُ المُفيد: إنَّ الجنّةَ والنّارَ في هذا الوقتِ مخلوقتانِ، وبذلكَ جاءَت الأخبارُ وعليهِ إجماعُ أهلِ الشّرعِ والآثار، وقد خالفَ في هذا القولِ المُعتزلة والخوارجُ وطائفةٌ  منَ الزّيديّةِ. (أوائلُ المقالاتِ للمُفيد ص124).

روى الصّدوقُ بسندٍ مُعتبرٍ عَن عبدِ السّلامِ بنِ صالح الهروي - في حديثٍ طويل - عنِ الرّضا عليه السّلام، قالَ: قلتُ لهُ يا بنَ رسولِ اللهِ: أخبِرني عنِ الجنّةِ والنّار، أهُما اليومَ مخلوقتان؟ قالَ: نعَم، وإنّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله قد دخلَ الجنّةَ ورأى النّارَ لمّا عُرجَ به إلى السّماءِ، قالَ: قلتُ لهُ إنَّ قوماً يقولونَ إنّهما اليومَ مُقدّرتانِ غيرُ مخلوقتينِ، فقالَ عليه السّلام: ما أولئكَ منّا ولا نحنُ منهم، مَن أنكرَ خلقَ الجنّةِ والنّارِ فقَد كذّبَ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وكذّبنا، وليسَ مِن ولايتِنا على شيءٍ، ويُخلّدُ في نارِ جهنّم ). (عيونُ أخبارِ الرّضا: 1 / 106).

ثانياً: إنّ النّبيّ (ص) قد عرجَ ببدنِه وروحِه الشريفةِ إلى السّماءِ، وهذا أيضاً مِن ضروريّاتِ مذهبنا.

ثالثاً: ثبتَ أنّ النّبيَّ (ص) في رحلةِ المعراجِ قد دخلَ الجنّةَ وأكلَ مِن طعامِها، ورأى بعضَ النّاسِ مُعذّبينَ في النّار.

وعليهِ نقول: نؤمنُ بما رآهُ النّبيّ (ص) في المعراجِ، ولا ننكرُه، مِن بابِ الإيمانِ بالغيبِ وتصديقِ الرّسولِ، قالَ تعالى: (هُدىً للمُتّقينَ الذينَ يؤمنونَ بالغيبِ)، فإنّ نبيّنا (ص) قد أخبرَ عنهُ، وهو صادق.

ونحنُ نعلمُ أنّه أمرٌ ممكنٌ، إذ رؤيتُه للمُعذّبينَ في النّارِ والمُنعّمينَ في الجنّةِ، على الحقيقةِ، ليسَت منَ الأمورِ التي يحيلها العقلُ أو يمنعُها الشّرعُ، كيفَ يحصلُ طيُّ الأرضِ؟! وكيفَ حصلَ إحضارُ عرشِ بلقيس منَ اليمنِ إلى فلسطين بأقلِّ مِن طرفةِ عين؟! وكيفَ كانَ عيسى يُحيي الموتى؟! وكيفَ عُرِجَ بنبيّنا (ص) إلى السّماءِ؟! هذهِ أمورٌ مُمكنةٌ وواقعة.

ولكِن نذكرُ بعضَ الاحتمالات في هذا المجال:

الاحتمال الأوّلُ: أنّ اللهَ تعالى أخرجَ نبيَّه (ص) منَ الزّمانِ الحالي وأدخلَه في الزّمانِ المُستقبلِ، رحلةٌ إلى عالمِ الآخرةِ والقيامةِ، فرأى أهلَ النّارِ وهُم يُعذّبونَ في النّار.

ولعلّهُ أخرجَه منَ الزّمانِ الماضي والحالي والاستقبالي، وأراهُ الأشياءَ مُنسلخةً منَ الزّمان.

فإنّ الماضي والحالي والمُستقبل كلّه حاضرٌ عندَ اللهِ تعالى مُنكشفٌ له، ولا يختلفُ عليهِ الزّمانُ والمكان، وحضورُ الأشياءِ ليسَت زمانيّةً عندَه تعالى، فلعلَّ اللهَ أطلعَ نبيَّه (ص) على الأشياءِ وهيَ حاضرةٌ عندَه تعالى.

وهذا الأمرُ وإن كانَ يصعبُ على العقلِ تعقّلُه، لأنَّ تعقّلنا مقترنٌ بالزّمانِ، ولكنّه أمرٌ ممكنٌ، وليسَ في حيّزِ المُستحيلات.

الاحتمال الثّاني: أن تكونَ رؤيتُه لشاكلةِ الأعمال، فإنّ الأعمالَ تتجسّمُ في عالمِ الملكوتِ والبرزخِ والقيامةِ، فإنّ بعضَ الأعمالِ السّيّئةِ باطنها وحقيقتها نارٌ وعذابٌ وجحيم، كما أنّ بعضَ الأعمالِ الحسنةِ باطنُها وحقيقتُها روحٌ وريحانٌ وجنّةٌ ونعيم، ويمكنُ لبعضِ أولياءِ اللهِ رؤيتُها ببعضِ طبقاتِ وجودِهم.

الاحتمال الثّالثُ: أن يكونَ تجسّدَ لهُ مصيرُ ومستقبلُ هؤلاءِ الرّجالِ والنّساءِ، كما تجسّدَت لهُ الدّنيا على شكلِ امرأة، فيكونُ اللهُ بعدَ أن أرى نبيَّه الجنّةَ والنّارَ، أطلعَه على لوحِ القَدَر، فرأى مصيرَهم ونتائجَ بعضِ أعمالِهم السّيّئةِ في النّار.

الاحتمال الرّابعُ: أن يكونَ رأى مثالَهم وصورَهم التي في السّماءِ، فإنّ لكلِّ إنسانٍ مثالٌ في العوالمِ الفوقانيّةِ، وهناكَ تأثيرٌ وتأثّرٌ وارتباط بينَ البدنِ الأصليّ والمثالِ الفوقيّ، فلعلَّ الإنسانَ إذا قامَ بعملٍ موجبٍ لدخولِ النّارِ، فإنّ مثالَه وصورتَه تتعذّبُ وتتنعّمُ، فيكونُ النّبيُّ (ص) قد رأى صورَهم التي في السّماء.

والاحتمال الأوّلُ أقربُ إلى ظاهرِ النّصوصِ.

والاحتمالات الثّلاثةُ الأخيرةُ مبنيّةٌ على عدمِ رؤيةِ النّبيّ (ص) لذواتِ المُعذّبينَ، وإنّما رأى أعمالَهم المُجسّمةَ، أو مصيرَهم، أو مثالَهم.

2021/06/24

حركات إسلامية بشعارات ’علمانية’.. هل هذه هي نهاية التقاطع؟!

مفاهيم الدولة المدنية والقيم الإسلامية

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

بداية نشير إلى مقدمة نفهم من خلالها خلفيات النزاع الذي تعيشه المجتمعات المسلمة بين هويتها الإسلامية وبين الخيارات الحديثة للدولة، حيث أن الإشكالية لا تختص بالمجتمع العراقي وإنما هي ممتدة عبر معظم المجتمعات الإسلامية.

[اشترك]

والسبب في ذلك يعود إلى الإخفاق السياسي الذي تعانيه تلك الدول، مما فتح الباب واسعاً أمام خيارات سياسية تقوم على استبعاد الدين وقيمه من المشهد السياسي والاجتماعي، ومن المفارقات أن كل الأنظمة التي ورثت نظام الحكم بعد حقبة الاستعمار تقوم على التشبه بالنظم الغربية، ولم تعمل على إيجاد نظامها السياسي الذي يناسب بيئتها وتراثها وقيمها وهويتها الإسلامية، ومع ذلك نجد الدعاية العالمية والمحلية تعمل على تحميل الإسلام مسؤولية كل ما في العالم العربي والإسلامي من كوارث، بل حتى الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية بعد الربيع العربي بدأت ترفع شعارات الدولة المدنية في حالة من الاستسلام الواضح لموجة الخطاب العلماني، وهكذا اصبح الخطاب السياسي المتحكم في المشهد هو الخطاب العلماني الذي يعمل وبشكل مدروس على تفتيت بنية المجتمع الديني واستبداله ببنية علمانية.

  ومن المؤكد أن الصورة غير واضحة ويكتنفها الكثير من الغموض، والشارع العربي والإسلامي اصبح في حالة من الاضطراب حتى فقد القدرة على تحديد خياراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والذي يتحمل مسؤولية ذلك هو الفوضى التي خلقتها النخب المتحكمة في الوضع الثقافي سواء كانت إسلامية أو علمانية، فلو قمنا بمقاربة لإشكالية الإسلام والعلمانية بشكل نظري بعيداً عن معطيات الواقع، لوجدنا من الصعب تقديم خيار العلمانية على خيار الإسلام، فالعلمانية في مفهومها النظري تقوم على تضخيم الجانب المادي على حساب الجانب الروحي، والإسلام يقوم أساساً على خلق توازن بين الجانبين، وبذلك تصبح العلمانية خياراً ناقصاً لا يكتمل إلا بالإسلام، أما إذا قاربنا إشكالية الإسلام والعلمانية على ضوء التجربة العملية، لتمكن البعض من جمع الكثير من الشواهد التي تثبت الطابع السلبي لتجارب الحكم الدينية، في مقابل الكثير من الشواهد الناجحة للدول العلمانية وبخاصة في الدول الاوربية، ويبدو أن هذه المقارنات هي التي تجعل الصورة مشوشة يصعب معها التمييز الموضوعي بين التجربة الدينية والتجربة العلمانية، والتقييم الموضوعي والمحايد يجب أن يقودنا إلى القول: لا التجربة العلمانية تمثل الصورة المثالية لما يطمح له الإنسان، ولا التجارب الدينية تمثل تعبيراً صادقاً عن الدين، ومن هنا نؤكد على أن النقاش العلماني الديني يجب إعادة طرحة بنفس نزيه يبحث عن ما يمثل طموحاً للإنسان، ومن الخطأ البحث عن الطموح الإنساني ضمن المقارنات التنافسية لكونها تمنع الإنسان من التفكير في الخيارات خارج حدود ما هو مجرب بالفعل، فبالقدر الذي يمكن جمع شواهد مشوهة للتجربة الحكم الديني يمكن جمع شواهد أيضاً مشوهة لتجربة الحكم العلماني، وكل ذلك يجعلنا في حالة من الجدل الدائم الذي لا يخدم المصلحة الإنسانية، والخيار العقلاني يوجب إعادة الوعي لمفاهيمنا حول الإنسان والدين والدولة بعيداً عن الاسقاطات السلبية للتجارب التاريخية، وعليه فإن التيار الديني والتيار العلماني يجب أن يرتقي إلى مستوى الهم الإنساني والبحث من جديد من أجل إعادة فهم الإنسان روحياً ومادياً ومن ثم إيجاد النظام الذي يلبي طموحاته بعيداً عن جعل البحث محصوراً بين الخيارات المجربة، وإذا تم فهم الإنسان فهماً حقيقياً وواقعياً على أنه روح وجسد يعيش في الدنيا ويتطلع إلى الأخرة، حينها لا يمكن النظر الي الدين بهذه السطحية المتفشية بين التيارات اللا دينية.

إن إشكالية التوافق بين قيم الدين وبين قوانين الدولة المدنية ليس إلا عرضاً متوقعاً لما يعانيه مجمل الواقع السياسي في البلدان الإسلامية، وكل المعالجات التي تتوجه للأعراض دون الأسباب الحقيقية هي معالجات ارتجالية  تحركها الحمية الدينية، وهي بدورها لا تؤدي إلا إلى مزيد من التصادم بين تيارات الأمة، مما يؤدي إلى اتساع الهوة وزيادة الشرخ الاجتماعي، ومن هنا فإن الحلول الجذرية تستوجب معالجات تمتد إلى البنية الدينية والسياسية والثقافية، فعلى الخطاب الإسلامي أن يرتقي إلى مستوى الهموم الحقيقية للأمة حتى لا يتم عزله ومن ثم تصفيته، وعلى الخطاب العلماني أن يبني خياراته السياسية بما ينسجم مع الإمكانات المحلية بعيداً عن اسقاط نماذج جاهزة فصلت اساساً لتتناسب مع مجتمعات أخرى، وبناء أي دولة لا يكون إلا من خلال مراعاة الإرث التاريخي والحضاري لها، واهمال ذلك لا يؤدي إلا إلى خلق صور مشوهة كما هو الحال في عالمنا الإسلامي، بحيث ضيعت أنظمتنا السياسية قيمنا الدينية كما لم توجد لنا دولاً حديثة، وكما يقال ضيعت المشيتين.

فالسؤال عن مدى حرية المجتمع في خلق أنماط سلوكية لا يمكن تحديده بقرار؛ لأن حركة المجتمع وخياراته السلوكية رهينة بالمتغيرات التي لا يمكن التحكم فيها مالم يتم التحكم في المشهد العام، ولا يمكن جبر المجتمعات على الحفاظ على سلوكها الإسلامي إذا كان الإسلام غير متحكم في المشهد، ومن هنا تتعقد المعادلة وتتشابك الخيوط المؤثرة فيه، وحتى يتمكن الإسلام من فرض خياراته على المجتمع لا بد أن يكون خطابه مقنعاً لهذا المجتمع، وهذا ما يجب أن يشتغل عليه المهتمون بكل جد وإخلاص وتجرد، مضافاً للموضوعية العلمية التي تخاطب العقول وتستثير القيم الفطرية الكامنة في الإنسان بعيداً عن الخطابات العاطفية التي لا تستهدف غير تحريك الغرائز الدينية وبدون أي رؤية واضحة ومدروسة.

2021/06/21

ما الفرق بين ’البدعة’ و ’التجديد’ في الدين؟

*السيد مكي العلوي

البدعة هي الإضافة للدين وقد جاءت في آية من القرآن الكريم في قوله تعالى:

(ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) [ الحديد].

[اشترك]

ويبدو ان كلمة البدعة من الناحية اللغوية تطلق على الاضافة وليس على النقصان، ولكن اضافة منسوبة الى الدين، تأمل في الحديث الشريف:

(إذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عَلِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ اجمعين).

والحديث مروي في الكافي والمحاسن ودعائم الإسلام، ورغم أن البعض لا يقبل بسنده لكن رواية هؤلاء الأعلام له ومتنه قد يشيران لصحته.

(وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ، فَاتَّقُوا الْبِدَعَ، والْزَمُوا الْمَهْيَعَ، إِنَّ عَوَازِمَ الأمُور أَفْضَلُهَا، وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا). نهج البلاغة الخطبة 145

(يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إِيَّاكَ أَنْ تَسُنَّ سُنَّةَ بِدْعَةٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَنَ‏ سُنَّةَ سَيِّئَةٍ لَحِقَهُ وِزْرُهَا وَ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ). (مكارم الأخلاق ص 454, بحار الأنوار ج 74 ص 104, الوافي ج 26 ص 215

فالذي يظهر من هذه الأحاديث ان البدعة اضافة الى الدين، ولاريب ان تحريم شيء او ايجاب شيء، يعتبر زيادة في الدين، ويلحق بالبدعة.

قال العلامة المجلسي في بيان معنى كلمة البدعة، التي وردت في الأحاديث: البدعة كل رأي، او دين، او حكم او عبادة، لم يرد (نص) من الشارع بخصوصها ولا في ضمن حكم عام.  البحار ج 2، ص 264.

وجاء في حديث شريف عن امير المؤمنين علي عليه السلام في معنى السنة والبدعة (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ السُّنَّةِ وَ الْبِدْعَةِ وَ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَ عَنِ الْفِرْقَةِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع السُّنَّةُ مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ‏ مِنْ‏ بَعْدِهِ‏ وَ الْجَمَاعَةُ أَهْلُ الْحَقِّ وَ إِنْ كَانُوا قَلِيلًا وَ الْفِرْقَةُ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَ إِنْ كَانُوا كَثِيراً. معاني الأخبار ص : 154

وفي ذلك يقول الكاتب علال الفاسي: ان البدعة الشرعية لا تشمل الا مايقع في امر الدين مع قصد معناها في الشريعة. وعليه فالعاديات (الامور الحياتية المعتادة) ليست من البدع وان كانت واقعة على غير مثال سابق. ((التشريع الإسلامي مناهجه ومقاصده السيد محمد تقي المدرسي ج 2 ص 91 وما بعده)).
 ويضيف الفاسي والغاية من تحريمها هو البعد عن الزيادة في الدين ما ليس منه، وذلك ما شنع الله على الكافرين وروءسائهم حين قال: (ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وان الظالمين لهم عذاب اليم).

ونستفيد هذا المعنى للبدعة من روايات اهل البيت عليهم السلام فقد جاء عن الامام الصادق عليه السلام

عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ الْعَبْدُ كَافِراً قَالَ أَنْ يَبْتَدِعَ‏ شَيْئاً فَيَتَوَلَّى عَلَيْهِ وَ يَبْرَأَ مِمَّنْ خَالَفَهُ. بحار الأنوار (ط - بيروت) / ج‏2 / 301 / باب 34 ص: 283

أما التطور فيمكن ملاحظة مفارقته للبدعة بالآتي:

1- التطور في الوسائل: الدين قيم سامية ثابتة وقد تختلف وسيلة الوصول إليها ونشرها من زمان لزمان فيكون التطور في الوسائل، مثل وسائل الدعوة التي تتطور عبر الزمان من أعواد المنابر إلى الإذاعات إلى الوسائط الإلكترونية.

2- التطور في المناهج الموصلة إلى قيم الدين وأحكامه، مثال نشوء علوم الدراية والرجال، قديما والمناهج الحديثة في التدبر التي أوسعت المجال للقرآن الكريم ليلعب دورا كبيرا في التشريع الإسلامي.

3- التطور الذي يتبع المصاديق، مثل العقود الجديدة مثل التأمين والحقوق الجديدة الملكية الفكرية التي نشأت مع تطور الزمان، والأحوال الجديدة من تطور المدن واختراع الآلات التي فرضت استنباط قوانين جديدة لتنظيمها، وقانون البيئة وغيرها.

2021/06/21

ما معنى العلمانية؟ وما موقف الإسلام منها؟

ما معنى العلمانية؟، وما موقف الاسلام منها؟، وهل يجوز التعامل السياسي مع من يسمون بالعلمانيين؟

[اشترك]

العلمانية مصطلح مفاده فصل الدين عن الحياة الاجتماعية والسياسية، وهو يعبِّر عن اتجاه فكري يقضي باختصاص الدين بالفرد، وانَّ الدين ما هو إلاّ مجموعة معتقدات وطقوس تُحِّدد علاقة الإنسان بربه ولا صلة له بتنظيم شئون المجتمع، وأنَّ علاقة الإنسان بالمجتمع يصوغها الإنسان نفسه.

وعليه فالمرتكزات التي يقوم عليها الاتجاه العلماني هي ما يلي:

الأول: أن المساحة التي يتحرك الدين في إطارها لاتتعدى العلاقة الشخصية بين الإنسان وربه.

الثاني: إن إدارة الدولة بجميع مفاصلها لابدَّ وأن تقوم على أساس الرؤية البشريّة.

الثالث: إن الذي له صلاحية التقنين والتشريع في كل ما يرتبط بالشأن الاجتماعي الخاص أو العام إنما هو الإنسان.

الرابع: إن الولاية والحاكمية في الاتجاه العلماني ليست لله عز وجل ولمن يخوُّله وإنما هي للإنسان ولمن يُخوِّله.

وأما موقف الإسلام فهو على طرفِ نقيض من الاتجاه العلماني.

فالإسلام ليس ديناً فرديّاً يُحدِّد علاقة الإنسان بربه وحسب بل هو بالإضافة إلى ذلك جاء بنظام شامل ومستوعب لجميع مفاصل الحياة الاجتماعية.

فليس ثمة شأن من شئون الانسان الفردية و الاجتماعية مهما حقُر ودقَّ إلا وللإسلام فيه حكم.

قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)(1):

فالإسلام منظومة متكاملة من القوانين والتشريعات ترتبط بالأحوال الشخصية وبالعقود والمعاملات الخاصة والعامة والأحكام الجنائية ومسائل الحرب والسلم وحدود العلاقة مع الآخرين من أصحاب الديانات كما أنه له أحكام ترتبط بالولاية والحاكمية وحدودهما والشروط المعتبرة في التصدي للولاية.

ثم إن الله عز وجل لم يأذن لعباده في اعتماد غير ما جاء به الإسلام وأمر عباده بالتزام أحكامه قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(2)، (.. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(3)، (.. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(4).

وأما التعامل مع العلمانيين فلا بأس به إذا كان في ذلك نفع للمؤمنين ولم يكن التعامل مستلزماً لارتكاب محذورٍ شرعي.

الهوامش:

1- سورة النحل / 89.

2- سورة المائدة / 44.

3- سورة المائدة / 45.

4- سورة المائدة / 47.

2021/06/15

هل يتحمل الدين مسؤولية فشل الحكومات؟

يرتكزُ السّؤالُ على الواقعِ الذي يشهدُ بفشلِ التّجاربِ الإسلاميّةِ في الحُكمِ الإسلاميّ منذُ السّقيفةِ ومروراً بالدّولةِ الأمويّةِ والعبّاسيّةِ ووصولاً إلى الخلافةِ العُثمانيّةِ، فقد عاشتِ الأمّةُ في ظلِّ الخلافةِ الإسلاميّةِ تسعمائةَ سنةٍ وتحتَ إدارةِ قبيلةٍ واحدةٍ وهيَ قريشُ.

[اشترك]

 وفي هذهِ الفترةِ اكتسبت الأمّةُ وعيَها الدّينيَّ وتشكّلَت فيها مفاهيمُها الإسلاميّةُ، ولم يكُن منَ المسموحِ أبداً لهذهِ الأمّةِ أن تُفكّرَ خارجَ حدودِ السّلطةِ الحاكمةِ، فكانَت البيعةُ للخليفةِ فرضاً، والسّمعُ والطّاعةُ لهُ واجباً، ومَن خرجَ على ذلكَ قُتلَ بسيفِ الإسلامِ، كما حدثَ لأهلِ المدينةِ مِن مجازرَ وإستباحةٍ للحُرماتِ، وكما هُدمتِ الكعبةُ على رؤوسِ المُسلمينَ، وكما قُتلَ الحُسينُ بنُ عليٍّ (عليهِ السّلام) في كربلاءَ، وقُتلَ الكثيرُ مِن كبارِ الصّحابةِ صبراً أمثالَ حجرٍ بنَ عديٍّ وسعيدٍ بنِ جُبير وآخرينَ، فلم ينعم المُسلمونَ طوالَ هذهِ الفترةِ الطّويلةِ بإسلامِهم دونَ أن يكونَ على رأسِهم خليفةٌ يسوسُهم وحاكمٌ يتسلّطُ عليهم، فتشبّعَت الأمّةُ بذلكَ ورُبّيَت عليهِ ودرجَت فيهِ حتّى أصبحَ الحالمونَ بحُكمِ الإسلامِ اليومَ لا يرونَ سِوى تلكَ الصّورةِ التي حُشيَت بها كتبُ التّراثِ وتفنّنَ بعضُ الخُطباءِ في نسجِ التّبريراتِ الثّقافيّةِ والفكريّةِ لها، فباتَ منَ الصّعبِ على المُسلمِ أن يُقاربَ الخلافةَ في التّاريخِ مُقاربةً سياسيّةً بعيدةً عنِ الدّينِ والعقيدةِ، برغمِ أنَّ ما حصلَ بالفعلِ هوَ عملٌ سياسيٌّ بامتياز، فلَم تكُن سقيفةُ بني ساعدةَ ولا آخرُ خليفةٍ حكمَ باسمِ الإسلامِ، يُمثّلُ فِعلاً دينيّاً لهُ علاقةٌ بجوهرِ الإسلامِ وتعاليمِه، إنَّما هيَ السّياسةُ التي مُورسَت بكلِّ أشكالِها وأدبياتِها، والسّؤالُ الطّبيعيُّ الذي يفرضُ نفسَه هو: هَل كانَ عصرُ الخلفاءِ فترةَ حُكمٍ دينيٍّ يُعبّرُ عَن روحِ الدّينِ الإسلاميّ، أم أنَّه حُكمٌ سياسيٌّ صرفٌ يُعبّرُ عنِ المصالحِ الدّنيويّةِ لفئاتٍ وأشخاصٍ في تلكَ الفترة؟

 

وبالرّغمِ مِن بداهةِ الإجابةِ على هذا السّؤالِ إلاّ إنَّنا نجدُ أنَّ الوعيَ الذي توارثَتهُ الأمّةُ لا يسمحُ بمُجرّدِ التّشكيكِ في مشروعيّةِ الخِلافةِ الذي بدأهُ كبارُ الصّحابةِ وسارَ عليهِ التّابعونَ، ومِن هُنا نجدُ قياداتِ العملِ الإسلاميّ ترتكزُ عليهِ في مشروعِها السّياسيّ المُعاصر.

وفي مُقابلِ هذهِ التّيّاراتِ التي تشكّلَت ضمنَ التّصوّرِ السّنّيّ للإسلامِ، كانَ هناكَ التّشيّعُ الذي يحتفظُ بقراءةٍ خاصّةٍ وفهمٍ يتجاوزُ الإسلامَ كتصوّرٍ تاريخيٍّ يُرادُ إعادةُ إنتاجُه مِن جديد، لأنّه يرتكزُ على مفهومِ الإمامةِ، وهيَ في نظرِ الشّيعةِ ضمانةٌ إلهيّةٌ لسلامةِ المسيرةِ، وكامتدادٍ حقيقيٍّ للسّلطةِ الإلهيّةِ، فالإسلامُ كدينٍ في التّصوّرِ الشّيعيّ لهُ حقُّ الولايةِ على النّاسِ، وبالتّالي لا يرتقي أحدٌ لهذه الزّعامةِ ما لم يكُن مُمثّلاً فعليّاً لهذهِ الرّسالةِ، سواءٌ كانَ في صورةِ الولايةِ الخاصّةِ التي يُحدّدُها النّصُّ أو الولاية العامّة التي يشترطُ مُحدّداتها النّصُّ نفسُه، فالمجتمعُ الإسلاميُّ في المنظور الشّيعيّ بناءٌ هرميٌّ يكونُ على رأسِه الإمامُ، والولايةُ والموالاةُ هي التي تُحقّقُ التّرابطَ والإنسجامَ الدّاخليَّ لهذا المُجتمعِ، ويكتسبُ هذا المُجتمعُ شرعيّتَه الإسلاميّةَ مِن خلالِ الإمامِ أو مَن ينوبُ عنهُ مِن مرجعيّاتٍ فقهيّةٍ، فالولاءُ في هذا المُجتمعِ ليسَ للنّظامِ السّياسيّ الذي يحكمُ، وإنَّما للإسلامِ الذي يتمثّلُ في الإمامِ أو المرجعيّاتِ، فهوَ مجتمعٌ خاصٌّ يمتازُ عَن غيره بوجودِه في هذهِ الدّائرةِ التي تجعلُ منهُ مُجتمعاً إسلاميّاً، وبهذا تتحقّقُ أوّلُ مفارقةٍ بينَ المُجتمعِ السّنّيّ الذي ينتظمُ ويتّجهُ ولاؤهُ نحوَ النّظامِ السّياسيّ الذي يحكمُ، وبينَ المُجتمعِ الشّيعيّ الذي لا يعترفُ بأيّ نظامٍ وسلطةٍ خارجَ سلطةِ الدّينِ المُتمثّلةِ في الإمام.

فإذا كانَ للسّلطةِ السّياسيّةِ الحاكمةِ وعيُها الخاصُّ بالإسلامِ الذي توارثَتهُ الأمّةُ في صورةِ الإسلامِ السّنّيّ، فإنَّ هناكَ إسلاماً آخر ظلَّ مُغيّباً ومُهمّشاً وهو إسلامُ المعارضةِ، وهوَ الإسلامُ في نسختِه الشّيعيّةِ الذي مثّلَ خطَّ الثّورةِ والمُعارضةِ لكلِّ الأنظمةِ التي حكمَت باسمِ الإسلام.

وأهمّيّةُ هذا الخطِّ في الوقتِ المُعاصر ترجعُ إلى أنَّ خطابَه السّياسيَّ لابدَّ أن يتجاوزَ النّمطَ التّقليديّ لنظامِ الحُكمِ طالما كانَ مُعارضاً لهُ تاريخيّاً، وما حقّقهُ التّشيّعُ مِن قطيعةٍ حقيقيّةٍ معَ النّظمِ السّياسيّةِ التّاريخيّةِ، مكّنَتهُ منَ القطيعةِ معَ النّظمِ السّياسيّةِ المُعاصرةِ، فأوجدَ لنفسِه إطاراً خاصّاً ضمنَ دائرةِ الإسلامِ سواءٌ كانَ حاكِماً أو محكوماً. فبالمقدارِ الذي فُتحَ فيهِ بابُ الإجتهادِ عندَ الشّيعةِ- ولم يُغلَق في أيّ مرحلةٍ مِن مراحلِه التّاريخيّةِ- ظلَّ بذاتِ المقدار مفتوحاً لاجتهاداتٍ سياسيّةٍ. ومِن هُنا يجوزُ لنا أنَّ نتصوّرَ التّشيّعَ المُعاصرَ بوصفِه صاحبَ خلفيّةٍ ثقافيّةٍ تُمكّنَه مِن إيجادِ قراءةٍ تجعلُه أكثرَ حيويّةٍ وتفاعلاً معَ الواقعِ الموضوعيّ، طالما لم يعترِف بالتّجربةِ التّاريخيّةِ كتصوّرٍ نهائيٍّ للنّظامِ الإسلاميّ، وعدمُ إعترافِ الشّيعةِ بالنّماذجِ التاريخيّةِ في الحُكمِ، يرجعُ إمّا لكونِها تُمثّلُ إنحرافاً عنِ المسارِ الرّساليّ للرّسالةِ المُتمثّلِ في إمامةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، وإمّا بوصفِها تجربةً محكومةً بظروفِها التّاريخيّةِ لا يمكنُ تكرارُها، ومِن هُنا يصعبُ علينا إيجادُ مُشتركاتٍ فكريّةٍ تُقرّبُ بينَ الإسلامِ السّياسيّ الشّيعيّ وبينَ إسلامِ الخلافة.

والمفارقةُ الكُبرى بينَ التّصوّرينِ، أنَّ التّشيّعَ لا يعترفُ بأيّ حكمٍ باسمِ الإسلامِ ما لَم يكُن على رأسِه معصومٌ سواءٌ كانَ نبيّاً أو إماماً، وذلكَ لكونِ الحُكمِ الإسلاميّ هوَ الحكمُ الذي يُمثّلُ ما أرادَهُ اللهُ، والمجتمعُ الإسلاميُّ مهمَا كانَ مُنضبِطاً لا يمكنُ أن يكونَ مُعبّراً عنِ اللهِ في كلِّ أفعالِه وأعمالِه، ومِن هُنا يجبُ التّفريقُ بينَ الحكومةِ الإسلاميّةِ التي تحكمُ باسمِ اللهِ، وبينَ الحكومةِ التي يرتضيها المُسلمونَ لأنفسِهم، فالأولى خاصّةٌ بالأنبياءِ والأوصياءِ، والثّانيةُ غيرُ مُعبّرةٍ عنِ اللهِ حتّى لو رفعَت شعارَ الإسلامِ لكونِها خاضعةً للإجتهادِ ونظرةِ القائمينَ عليها، وعليهِ يجوزُ للمُسلمينَ في أيّ بلدٍ منَ البُلدانِ أن يقيّموا حكومتَهُم بما يفهموهُ منَ الإسلامِ مِن دونِ أن يكونَ الإسلامُ كدينٍ مسؤولاً عن إخفاقاتِهم، وفي نفسِ الوقتِ لا يمكنُ نزعُ غطاءِ الإسلامِ عنهُم طالما كانوا يسعونَ في تطبيقِ أحكامِه بقدرِ جهدِهم وطاقتِهم البشريّةِ، فكما أنَّ المُسلمَ العاديّ يُسمّى مُسلِماً حتّى لو صدرَ عنهُ الخطأ فكذلكَ الحالُ في دولةِ المُسلمينَ، وعليهِ فإنَّ حكومةَ المُسلمينَ في حقيقتِها هيَ محاولةُ البعضِ لتطبيقِ قيمِ الإسلامِ ونظامِه التّشريعيّ والأخلاقيّ، وليسَ في الإسلامِ نظامُ حكمٍ خاصٌّ أوجبَه على المُسلمينَ فإذا ما اقاموهُ يتمُّ نسبتُه للهِ، وإنّما هناكَ قيمٌ ومبادئُ عامّةٌ يجبُ الحفاظُ عليها والإلتزامُ بها، أمّا ما يخصُّ نُظمَ الدّولةِ وهيكليّتَها الإداريّةَ فإنّها منَ الجوانبِ المُتغيّرةِ التي لا يحتفظُ الإسلامُ فيها بصورةٍ مُحدّدةٍ، ومِن هُنا ينفتحُ بابُ الإجتهادِ أمامَ العقلِ المُسلمِ مُستفيداً مِن كلِّ التّجاربِ الإنسانيّةِ في الحُكمِ طالما لا تقومُ على مُخالفةِ ما أمرَ اللهُ به. 

وإذا إعتمَدنا هذا الوصفَ الذي تقدّمَ يمكنُنا أن نُعرّفَ الدّولةَ الإسلاميّةَ بأنّها الدّولةُ التي يكونُ فيها الحاكمُ هوَ المُمثّلَ الحقيقيَّ للهِ والمُعبّرَ عَن إرادتِه في الحُكمِ، وكما يمكنُنا تعريفُ دولةِ المُسلمينَ بكونِها الدّولةَ التي يعتمدُ فيها مجموعةٌ منَ المُسلمينَ في دولةٍ ما على النّظامِ القيميّ في الإسلامِ كمبادئ دستوريّةٍ لكلِّ تشريعاتِها وقوانينِها، بحسبِ جهدِهم وإخلاصِهم، وفي هذهِ الحالةِ لا يتحمّلُ الإسلامُ بوصفِه إرادةً ربّانيّةً أيَّ مسؤوليّةٍ جرّاءَ الإخفاقاتِ التي تصيبُها.

 

2021/06/14

بروباغاندا الدراما: ’رجل الدين’ شهواني و ’العلماني’ إنساني!

شاء المبطلون أم أبوا فإن قصة الارهاب الديني المتطرف، الذي أدخل بلداننا الاسلامية نفقا للرعب والموت منذ عقود، تبدأ في افغانستان، حين عكف الجهد الامريكي الهائل على صنع تنظيم القاعدة فيها ومن ثم دعمه بالغالي والنفيس ليكون شوكة تدمي خاصرة الاتحاد السوفيتي أيام الحرب الباردة.  

[اشترك]

وبعد انتهاء الحرب بسقوط الامبراطورية السوفيتية، وانتفاء المسوغ لدى امريكا للاستمرارية في دعم القاعدة، واجهت امريكا مشكلة عويصة تمثلت بتحول ابناء ذلك التنظيم، الذين صنعت منهم الحرب رجالا يعتاشون على القتال ودَفعَهم التثقيف الديني المتوحش ومشهد العنف والدم طيلة أمد الحرب الى مستوى عال من البربرية والعنف. وقد راحوا يعبرون عن وجودهم بمشاغبات جهادية أزعجت السلطات الغربية وحتمت عليها إيجاد حل لها. فكان الجزء الثاني من القصة، أن حوّلت الدول العربية المحيطة باسرائيل الى مجمع للارهاب لصرف نظر القائمين عليه عن أية بقعة أخرى يمارسون فيها انشطتهم، وإشغال الدول العربية عن أي نشاط مضاد لاسرائيل.

وبهذا يكون الاسلام الذي آمنت به الملايين وكان سببا فعالا في انغراس الكثير من قيم السلام والخير في مجتمعاتهم لازمان طويلة، مقطوع الصلة تماما بالايدلوجية الاسلامية التي صنعت خصيصا لفصول تلك القصة.  

وقد ووجه ذلك المد المنحرف، طوال تواجده، في بلداننا الاسلامية وتشكله كظاهرة في غاية الخطورة، باتجاه مضاد عمل على محاربته وتأكيد القطيعة التامة بينه وبين الاسلام، من خلال قنوات شتى، يهمنا منها ـ في هذا المقال ـ القناة الاعلامية التي سجلت من خلال وسائلها المختلفة دلائل مشرفة من العمل الدؤوب والمؤثر.

رغم هذا، فإن ثمة مايمكن أن يقال في مجمل العمل الاعلامي وفي الدراما التلفزيونية على وجه الخصوص. 

إن المتابع لكمّ المسلسلات والافلام التي تناولت موضوع الارهاب والتطرف الدينيين يجدها قد دأبت على تجسيد مشهد العنف والرعب في تنظيم داعش نفسه أوفي تعامله مع ضحاياه.. بالاضافة الى تناول الجانب الفكري والمعني ببيان الانحراف والسوداوية الكامنة في العقيدة الداعشية السلفية ومن ثم بيان القطيعة ما بينها وبين الاسلام أوالانسانية عموما. غير أن هذا الجانب قد حمل في طياته نقاطا مضيئة تنويرية بالفعل ونقاطا أخرى، يمكن وصفها بالطرح الخاطيء ـ أو ربما المغرض ـ لمفهوم  التنوير.. 

فلما كانت الجهات القائمة على صنع تلك الاعمال الدرامية ذات انتماء علماني، كان تجليات الخطأ والانحراف متمثلة بـ 

1ـ رسم النموذج الاسلامي المقابل للنموذج الداعشي، وفق معايير الفهم العلماني للدين.. فلم يظهر الاسلام في نفسه متسامحا وانسانيا. بل هي العلمانية التي على المسلمين أن يعملوا وفق منهجها كي يكونوا متسامحين وانسانيين.

2ـ رجل الدين قد تحول ظلاميا وسيئا وسلبيا بالذات، فهو في جل الاعمال الشخص الشهواني المزيف وقبالته العلماني الذي يحرص على الخير والانسانية. بمعنى انه كان من المفروض إظهار رجل دين سيء وقبالته رجل دين ايجابي خيّر لتظهر القطيعة بين الدين وداعش لا بين الدين والانسانية. ولاشك أن هذه النقطة لها تأثير واضح على تكريه المشاهدين بعامة رجال الدين ووجودهم الاجتماعي.

3ـ تكريس فكرة الدين الطبيعي المقتصر على الاتصال الروحي بالله، ونقاء السريرة . بعيدا عن اية احكام شرعية او شعائر بل إنه بعيد حتى عن الالتزام الايماني والاخلاقي. حتى لنجد من تلك الاعمال من يجعل الفضيلة والخير والايمان النقي لبنات هوى جاعلين منهن رموزا للتنوير

إن هذا المنحى المعمول به في الدراما المرئية بشكل لايمكن انكاره، يحتم التصدي له وتسليط الضوء على مكامن الانحراف فيه لدى المشاهد العربي المسلم.    

وفي هذا الصدد سأكتفي ـ في هذا المقال ـ باعتماد لغة الدراما التلفازية نفسها، وذلك عن طريق التذكير بعدد من المسلسلات الدرامية سيما السورية والمعبّر عنها بالشامية كليالي الصالحية والخوالي وأهل الراية .. تتجلى فيها واقع تلك المجتمعات التي يشكل الدين عنصرا فعالا في خلق ماهم عليه من تلاحم وتوادد والتزام بقيم الخير والفضيلة.. ويظهر فيهم رجل الدين المعلم والمرشد والقدوة الخيرة والحياة والارتباط بالله. 

 

 

           

     

2021/06/09

على هيئة طائر.. هل يزور الميت أهله؟
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الأَوَّلِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْمَيِّتِ يَزُورُ أَهْلَه؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْتُ: فِي كَمْ يَزُورُ؟ قَالَ: فِي الْجُمْعَةِ وفِي الشَّهْرِ وفِي السَّنَةِ عَلَى قَدْرِ مَنْزِلَتِه فَقُلْتُ: فِي أَيِّ صُورَةٍ يَأْتِيهِمْ؟ قَالَ: فِي صُورَةِ طَائِرٍ لَطِيفٍ يَسْقُطُ عَلَى جُدُرِهِمْ ويُشْرِفُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ رَآهُمْ بِخَيْرٍ فَرِحَ وإِنْ رَآهُمْ بِشَرٍّ وحَاجَةٍ حَزِنَ واغْتَمَّ"([1]).

[اشترك]

هل الفقرة الأخيرة صحيحة؟ هل يأتي الميِّت أهلَه في صورة طائر؟

الرواية معتبرة من حيثُ السند، وليس معنى يزور أهلَه في صورةِ طائرٍ أنَّه يكون قابلًا للرؤية البصريَّة، فالصورةُ المقصودة من الرواية -ظاهرًا- صورةٌ برزخيَّة غير قابلةٍ للرؤية بالعين الباصرة لأهل هذا العالم، وهذا هو مفاد قوله (ع): "فِي صُورَةِ طَائِرٍ لَطِيفٍ" فإنَّ وصف اللطيف يُطلقُ -فيما يُطلق- على ما رقَّ من الأشياء وما استدقَّ، وذلك في مقابل الثخين والغليظ، ولذلك يُقال للمعاني الدقيقة أنَّها لطائف، ويُعرِّفُ علماءُ الكلام الملائكة بأنَّهم أجسامٌ لطيفة يقصدون مِن ذلك أنَّها مخلوقة من طبيعة وجوهرٍ غيرِ قابلٍ للرؤية البصريَّة.

فالظاهر أنَّ مراد الرواية من وصف الطائر باللطيف هو الإشارة إلى خفائه وعدم قابليته للرؤية البصريَّة.

معنى يزورُ أهلَه فِي صُورَةِ طَائِرٍ:

وأمَّا قوله: يأتيهم "فِي صُورَةِ طَائِرٍ" فالظاهر أنَّ المراد من ذلك هو أنَّه يُمنحُ بفضل الله تعالى القدرةَ على التحليق والطيران فذلك هو منشأ تشبيهه بالطائر لا أنَّه يكون في صورة طيرٍ كالطيور المعهودة عندنا فإنَّ ذلك منافٍ -ظاهرًا- للروايات المستفيضة التي نصَّت على أنَّ الله تعالى إذا قبض روح المؤمن صيَّرها في قالبٍ كقالبه في الدنيا بمعنى أنَّه تعالى يُصيِّرها في صورةٍ مثاليَّة برزخيَّة تُشبه صورة الجسد الذي كان عليه في الدنيا، فالصورة التي يكون عليها في عالم البرزخ تُشبه الصورة التي كان عليها في عالم الدنيا ولكنَّها في عالم البرزخ تكون مناسبة لتلك النشأة وذلك العالم.

فمن الروايات التي نصَّت على ذلك:

ما رواه الكليني بسنده عن يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فَقَالَ: مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ: يَقُولُونَ تَكُونُ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ فِي قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): سُبْحَانَ اللَّه الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّه مِنْ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَه فِي حَوْصَلَةِ طَيْرٍ، يَا يُونُسُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَتَاه مُحَمَّدٌ (ص) وعَلِيٌّ وفَاطِمَةُ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ (ع) والْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ (ع) فَإِذَا قَبَضَه اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ صَيَّرَ تِلْكَ الرُّوحَ فِي قَالَبٍ كَقَالَبِه فِي الدُّنْيَا.. فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْقَادِمُ عَرَفُوه بِتِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا"([2]).

فقوله: "صَيَّرَ تِلْكَ الرُّوحَ فِي قَالَبٍ كَقَالَبِه فِي الدُّنْيَا" يعني صيَّرها في قالبٍ يُشبه صورة الجسد الذي كان عليه حين كان في عالم الدنيا، لذلك إذا قدم هذا الميِّتُ على مَن سبقه إلى عالم البرزخ عرفوه بتلك الصورة التي كانوا يرونه عليها حين كانوا في عالم الدنيا.

وقد نفت الرواية ما هو متداول عند أبناء العامَّة مِن دعوى أنَّ أرواح المؤمنين تكون في حواصل طيورٍ خضر، وأفاد الإمام (ع) أنَّ: "الْمُؤْمِن أَكْرَمُ عَلَى اللَّه مِنْ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَه فِي حَوْصَلَةِ طَيْرٍ".

ومنها: صحيحة أبي بصير قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن أرواح المؤمنين؟فقال: في الجنَّة على صور أبدانهم لو رأيته لقلتَ فلان"([3]).

فأرواحهم في تلك النشأة تكون في صورٍ مثاليَّة تُشبهُ صور أبدانهم حتى أنَّه لو رآهم مَن كان يعرفهم لأمكنه تشخيص هويتهم تمامًا كما لو رأى النائم في منامه أحد الأموات من معارفه.

ومنها: صحيحة أَبِي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ قُلْتُ لَه: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَرْوُونَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ حَوْلَ الْعَرْشِ؟ فَقَالَ: لَا، الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّه مِنْ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَه فِي حَوْصَلَةِ طَيْرٍ ولَكِنْ فِي أَبْدَانٍ كَأَبْدَانِهِمْ"([4]).

أقول: يعني أنَّهم يكونون في أبدانٍ مثاليَّة تُشبه صور الأبدان التي كانت لهم في عالم الدنيا.

ومنها: موثقة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): إِنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَرْعَى فِي الْجَنَّةِ وتَأْوِي إلى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَقَالَ: لَا إِذًا، مَا هِيَ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ، قُلْتُ فَأَيْنَ هِيَ؟ قَالَ (ع): فِي رَوْضَةٍ كَهَيْئَةِ الأَجْسَادِ فِي الْجَنَّةِ"([5]).

مقتضى الجمع بين الروايات:

فالهيئات التي تُجعل لهم في عالم البرزخ تُشبهُ الهيئات التي كانت لأجسادِهم في الدنيا، والروايات في ذلك مستفيضة، والعديدُ منها معتبرة من حيث السند، ولذلك يتعيَّن حملُ ما ورد من أنَّهم يزورون أهلهم في صورة طائرٍ لطيف على إرادة التشبيه بالطائر من جهة قدرتهم على التحليق والإشراف وسرعة التنقُّل لا أنَّهم يكونون في صورة الطائر المعهود وعلى ذلك يُحمل ما ورد في رواية أخرى لإسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله (ع) أنَّ الميِّت يزور أهله "فِي صُورَةِ الْعُصْفُورِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ"([6]).

فإنَّ التشبيه بالعصفور إنما هو من جهة الخفَّة وسرعة التنقل والقدرة على الإشراف لا أنَّه يكون على صورة العصفور حقيقة كما أفاد ذلك الميرزا أبو الحسن الشعراني (رحمه الله) كما في هامش كتاب الوافي للفيض الكاشاني قال الشعراني (رحمه الله): "قوله (في بعض صور الطير) تشبيه في سرعة الحضور والحركة والاشراف لا أنَّ الأرواح في صورة طيرٍ حقيقةً لأن الإمام (عليه السلام) كذَّب ذلك وقال: إنَّ الأرواح في أبدان كأبدانِهم الدنيويَّة"([7]).

الهوامش:

[1]- الكافي -الكليني- ج3 / ص230.

[2]- الكافي -الكليني- ج3 / ص245.

[3]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج1 / ص466.

[4]- الكافي -الكليني- ج3 / ص244.

[5]- الكافي -الكليني- ج3 / ص245.

[6]- الكافي -الكليني- ج3 / ص231.

2021/06/03

رصاصة في الرأس تنهي حياة الإنسان.. هل ’الأجل’ كذبة؟!

لكلِّ إنسان أجلان موقوفٌ ومحتوم

البعضُ يقول عندما يموت شخص بسبب مرضٍ معين أو يموت مقتولاً انَّ اجلَه قد حان أو انتهى وإنَّ الحيَّ لا يموت إلا في وقتِه وساعته. ولكنَّ آخرين يقولون: إنَّ ذلك غير صحيح وإنَّ اجل ذلك الشخص مثلاً لم يحن ولكن بسبب القتل أو المرض مات ذلك الشخص ولو لم يُقتل أو لم يمرض لعاش أكثر من ذلك. فأيُّهما صحيح شرعا.

[اشترك]  

الصحيح كما هو المُستفاد من القرآن الكريم والروايات الواردةِ عن أهل البيت (ﻉ) أنَّ للإنسان أجلين أحدهما عبرَّت عنه الروايات بالأجلِ الموقوف، والآخر هو الأجل المحتوم وهو الذي عبَّر عنه القرآنُ بالأجل المُسمَّى في قولِه تعالى: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ)(1) وهو الذي عنتْه الآيةُ المباركةُ من سورة يونس: (إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)(2).

الأجلُ الموقوف

هو الذي قدَّره اللهُ تعالى على عبادِه بنحو الإقتضاء، ولهذا قد يتَّفق تقدُّمه نظراً لعروض مانعٍ يحولُ دون استيفاء الإنسان لأجلِه المقدَّر بنحو الاقتضاء. وقد يتَّفق تأخُّره، لأنَّه قد فعل ما يستوجبُ منحَه مِن قبل الله عزَّ وجل عمراً زائداً على ما كان قد قُدَّر له بنحوِ الإقتضاء، فالأجلُ الموقوف إذن هو المدَّة التي قُدَّر أنْ يعيش فيها الإنسانُ في هذه الحياة بشرط عدم طروء ما يمنعُ من استيفائها أو ما يُوجب امتدادها لزمنٍ أطول. فإذا لم يطرأ ما يمنع من الاستيفاء أو ما يُوجب الامتداد كان أجلُ الإنسان هو ما كان قُدَّر له بنحوِ الاقتضاء.

وأمَّا الأجلُ المحتوم

والذي عبَّر عنه القرآنُ الكريم بالأجل المُّسمى فهو الذي لا يتخلَّف، فلا يطرأُ عليه تقديمٌ ولا تأخير.

وبتعبير آخر: هو الأجل الفعلي المُنجَز الذي قضاه اللهُ على عبده لعلمِه بأنَّ شرائط وقوعِه سوف تتحقَّق وموانع حدوثِه ستكونُ مُنتفيه. وهذا النحو من الأجل قد يتَّفق اتحادُه مع الأجل الموقوف، وقد يتقدَّمُه وقد يتأخَّرُ عنه.

الفرق بين الأجلين

ويُمكن التوضيح للفرق بين الأجلين بهذا المثال: وهو أنَّ أحدًا لو كان له مولودٌ وكانت بُنيتُه الجسديَّة والأجواءُ التكوينيَّة المُحيطةُ به مقتضيةً لبقائه مائة سنة، فيُمكن أنْ نفترض أنَّ عمره سيمتدُّ إلى مائة سنة فيكون هذا هو أجلُه الذي قُدَّر له إلا أنَّ هذا الأجل المقدَّر ليس فعليَّا وإنَّما هو اقتضائي، ولذلك فهو مشروطٌ مثلاً بعدم طروء عارضٍ من مرضٍ أو غرقٍ أو قتل، فلو طرأ مثلُ ذلك فإنَّ المدَّة التي قُدَّر له أنْ يبقى فيها حيَّاً سوف تنقص.

وكذلك قد تطول المدَّة عن الأجل المقدَّر اقتضاءً ولكن بشرط أن ينتقل مثلاً إلى أجواءٍ تُضفي على بُنيتِه قوةً تُؤهِّله للبقاء أزيد ممَّا كان قد قُدَّر له.

فالأجلُ الذي افترضناه مائة سنة هو المعبَّر عنه بالأجل الموقوف، والأجل الذي ترتَّب عليه الموت فعلاً هو المعبَّر عنه بالأجل المحتوم والمسمَّى، وكلا الأجلين مكتوبان ومقدَّران إلا أنَّ الأول قد يتخلَّف وأما الثاني فهو لا يتخلَّف، فاللهُ تعالى وإنْ كان قد قدَّر للإنسان عمراً إلا أنَّه يعلم أنَّ هذا الإنسان سوف لن يستوفيَ ذلك العمر المُقدَّر لأنَّه سيُقتل أو أنَّه سيطرأ عليه مرضٌ عارض فيموتُ بسببه، فهذا الموت الإخترامي هو من الأجل المحتوم، وكذلك قد يُوشك الإنسان على استيفاء العمر الذي قُدِّر له فيصل رحِمَه أو يبرُّ والديه فيمدُّ اللهُ في عمره. فالأجلُ المحتوم لهذا الإنسان هو هذا الذي مات بعده والذي هو أطول من الأجلِ الذي كان قد قُدِّر له بنحو الاقتضاء.

وهذا الذي ذكرناه من الفرق بين الأجلين هو المستفاد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ) والمتصدِّية لبيان معنى قوله تعالى: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ)(3).

منها: ما رواه العيَّاشي عن حمران قال: سألتُ أبا عبد الله عن قولِه تعالى: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ). قال: فقال: هما أجلان: أجلٌ موقوف يصنعُ الله ما يشاء وأجلٌ محتوم".

وفي رواية: أمَّا الأجل الذي غير مسمَّى عنده فهو أجلٌ موقوف يُقدِّم فيه ما يشاءُ ويؤخِّرُ فيه ما يشاءُ، وأجلٌ محتوم(4).

ومنها: ما ورد في تفسير العيَّاشي أيضاً عن حمران عن أبي عبد الله (ع) قال: سألتُه عن قول الله تعالى: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ) قال (ع): المُسمَّى ما سُمِّي لملَك الموت في تلك الليلة، وهو الذي قال الله (إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)(5)، وهو الذي سُمِّي لملك الموت في ليلة القدر والآخر له فيه المشيئة، إنْ شاءَ قدَّمه وإنْ شاءَ أخَّره(6).

ومنها: ما ورد في تفسير العيَّاشي(7) أيضاً عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) في قوله: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ)(8) قال: الأجلُ الذي غيرُ مُسمَّى موقوفٌ يُقدِّم منه ما يشاء ويُؤخِّر منه ما يشاء، وأمَّا الأجل المُسمَّى فهو الذي ينزل ممَّا يريد أنْ يكون من ليلة القدر إلى مثلِها من قابل، فذلك قول الله تعالى: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)(9).

ويُمكن أنْ يُستفاد هذا الفرق الذي ورد بين الأجلين من قوله تعالى: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(10) فالمحوُ لا يكون إلا لِما هو مكتوب، والإثبات هو الإبقاء على ما هو مكتوبٌ ثم إنَّ عنده تعالى أمُّ الكتاب والذي فُسِّر في الروايات بالقضاء المحتوم.

ورد في تفسير العيَّاشي عن عمَّار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) إنَّه سُئل عن قول الله تعالى: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) قال: "إنَّ ذلك الكتاب كتابٌ يمحو اللهُ فيه ما يشاءُ ويُثبِت، فمِن ذلك الذي يردُّ الدعاءُ القضاءَ، وذلك الدعاء مكتوب عليه: الذي يُردُّ به القضاء حتى إذا صار إلى أمِّ الكتاب لم يغنِ الدعاءُ فيه شيئاً"(11).

كما يمكنُ أنْ يُستدلَّ على أنَّ ثمة أجلين بآياتٍ عديده، فمنها قولُه تعالى: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ)(12) فقوله (وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) معناه أن لهذا الإنسان عمراً مقدَّراً إلا إنَّه قد أُنقص ممَّا كان قد قُدِّر له من عمر، إذْ لا معنى للإنقاص إلا أن يكون ثمة حدٌ مقدَّر لم يتم استيفاؤه، وقد أفادت الآيةُ أنَّ كلاً من الاستيفاء وعدم الاستيفاء للعمر مكتوبٌ عنده تعالى أي أنَّه مقدَّر عندَه تعالى، غايتُه أنَّ أحدَهما حتميُّ الوقوع وهو المقدَّر- كما في الروايات(13) - في اللوح المحفوظ والآخرُ اقتضائيٌّ قد يتخلَّف وهو المُقدَّر في لوحِ المحوِ والإثبات.

منشأُ جعل الأجلين

وهنا تجدرُ الإشارةُ إلى ما يُمكن أنْ يكون منشأً لجعل الأجلين، وعموم ما يُعبَّر عنه بالبَداء في القضاء والقدر، فإنَّ منشأ الجعل لذلك يتَّضح بالتأمُّل في الأثر الذي يترتَّب على شعور الإنسان بأنَّ له أجلاً محتوماً سواءً عليه سعى من أجل تغييره أو لم يسعَ، إنَّ شعوراً من هذا القبيل لو انتاب إنساناً فإنَّه سيُصاب باليأس والإحباط، فلو أنَّ هذا الشعور استحكم في نفوس كلِّ الناس فإنَّ الحياة ستُصاب حتماً بالشلل التام، فلا المريض سيسعى من أجل أن يُعافى من مرضه ولن يتصدَّى أحدٌ للبحث عن الأدوية الناجعة لعلاج الأمراض، لأنَّ من غير المُمكن أنْ يتغيَّر واقعٌ عن واقعِه، ولا معنى لأنْ يُراعى الطفل ويُحتضن لأنَّه سوف يستوفي أجلَه على أيِّ تقدير، ولا معنى للبحث عن الرزق فسواءٌ عليه سعى من أجل تحصيلِه أو لم يسعَ فإنَّه لن يحظى بأكثر ممَّا هو مقدَّرٌ له ، فهو لا يزيدُ وإنْ تضاعفَ سعيُه ولا ينقصُ وإن لم يكنْ قد سعى لتحصيلِه أصلاً، وكذلك لا معنى لأنْ يحتمي الإنسانُ من الآفات الكونيَّة ويبتكر ما يُساهم في المزيد لحمايتِه لأنَّ شيئاً لن يحميَه من أجلِه المحتوم.

وهذا على عكس ما لو شعر الإنسان بأنَّ واقعه يمكن تغييره، وإنَّ عناءه يمكن أن يتحوَّل إلى رخاء، وإنَّ عمرَه يُمكن أن يطول، وإنَّ ثمةَ أسباباً تقتضي إطالة العمر لو أخذ بها، وأسباباً تمنعُ من تأثير الآفات المقتضية لبتر العمر فيسعى من أجل تحصيلِها أو ابتداعها فتكتسبُ الحياة بذلك فاعليَّة وحيويَّة. وإذا شعر الإنسان أنَّ اللهَ تعالى سيمنحُه أجلاً طويلاً إذا أحسن لوالديه ووصلَ أرحامَه وقضى حوائج إخوانِه فإنَّ ذلك سيبعثُه نحو المسارعة إلى فعل الخيرات والمبرَّات، وهو ما يُنتج التقويم للبناء الاجتماعي وتقوية أواصره، وهكذا حينما يعلمُ بأنَّ بعض الذنوب تقصمُ العمر وتبترُ الاجل فإنَّه سيُحجِم عن فعلها حرصاً على حياةٍ أطول، ولذلك جاءت الآياتُ والرواياتُ لتؤكِّد هذا الشعور لِما له من أثَرٍ بالغِ الأهميَّة على انتظام الحياة وفاعليتِها وتكاملِ الإنسان فيها.

قال تعالى: (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(14) (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)(15) فالسيرُ في الأرض والاستفادةُ من تجارب الماضين والإيمانُ والتقوى كلُّ ذلك يُساهمُ في تغيير واقع الإنسان الاقتضائي ويُساهمُ في تنميتِه وتحسينِه.

ورد عن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: "يعيشُ الناسُ بإحسانِهم أكثر ممَّا يعيشون بأعمارِهم ويموتون بذنوبِهم أكثر ممَّا يموتون بآجالِهم"(16)

وعن الإمام عليٍّ (ع) انَّه قال: "بالصدقة تُفسحُ الآجال"(17).

الهوامش:

1- سورة الأنعام / 2.

2- سورة يونس / 49.

3- سورة الأنعام / 2.

4- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص355، الفصول المهمة -الحر العاملي- ج1 / ص268.

5- سورة يونس / 49.

6- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص354.

7- تفسير العياشي-محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص354، الفصول المهمة -الحر العاملي- ج1 / ص267.

8- سورة الأنعام / 2.

9- سورة يونس / 49.

10- سورة الرعد / 39.

11- تفسير العياشي-محمد بن مسعود العياشي- ج2 / ص220، الفصول المهمة -الحر العاملي- ج1 / ص268.

12- سورة فاطر / 11.

13- راجع ما نقله الحر العاملي في كتابه الفصول المهمة في اصول الائمة ج1 / ص266، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- في باب البداء والنسخ ج4 / ص92 وباب الآجال ج5 / ص136.

14- سورة الأنعام / 11.

15- سورة الأعراف / 96.

16- الدعوات -قطب الدين الراوندي- ص291، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج5 / ص136.

17- عيون الحكم والمواعظ -علي بن محمد الليثي الواسطي- من اعلام القرن السادس الهجري ص187.

2021/05/15

مع صديقي الملحد.. هل الدين أداة للهيمنة؟

مع صديقي الملحد

سألته عن الاسباب التي جعلته في منأى عن الدين والالتزام بمفردات احكامه وتشريعاته..

قال لي: لماذا تجعل من الالتزام امرا مفروضا، وأن على الانسان بالضرورة أن يلتزم الدين وتشريعاته.. ؟
[اشترك]  

قلت: إن الدين يعنى بالحياتين الدنيا والاخرى.. فالله قد انعم على الانسان نعما لاتحصى والدين يبيّن لك السبيل لشكره على تلك النعم.. كما يبيّن السبيل لما يتكفل بنجاتك من عقاب يوم القيامة في الاخرة.. وشكر المنعم وتوقي العقاب أمران يحتمهما العقل والوجدان

قال: هذا إذا اعتبرنا ان وجود الله أمرا مفروغا منه.. وبالنسبة لي لا أجد قناعة بمايؤكد وجوده.. أنني أطمئن الى الاطاريح الفلسفية القائلة بالإلحاد.. إن العلم التجريبي أثبت قدرة أكبر بكثير من الفكر العقلي المعتمَد في الفكر الميتافيزيقي.

قلت: أولا إن العلم التجريبي بكل طاقاته الهائلة لم ولن يقدر أن يبرهن على عدم وجود الله.. وغاية ماقام به هو تقديم تفسير للنظام الكوني لم يصنعه صانع، وإنما قام من تلقاء نفسه.  

ثانيا: وهذا التفسير، وصولا الى أفضل ماقدمته الفلسفة المادية، مابرح يعاني من تأييد حساب الاحتمال له.. بمعنى إن ما هو مفروغ منه عند علماء الرياضيات وفلاسفة العلم في أن اصغر جزء في النظام الكوني حين نقول بعدم وجود الصانع تكون نسبة احتمال قول كهذا ضئيلة الى درجة لاتصدق.. فكيف بالنظام الكوني ككل؟!!

قال: كيف يرضى هذا الاله الصانع الحكيم بكل هذه الشرور الموجودة في الكون من امراض وحروب وكوارث؟!

قلت: إن غاية مايمكن ان يؤدي بنا وجود الشرور هو وصف الاله الصانع بعدم القدرة التامة وعدم الحكمة من دون الاستدلال على عدم وجوده كما يسعى لذلك الفكر الالحادي، حيث أن الاصالة في الكون للنظام والشرور أمر طارئ.. وهذا يؤدي الى بداهة أن الحكيم المبدع في صنع النظام قادر على تلافي الشرور، أي أن الله الخالق للجسم الانساني في حالته السليمة المتكاملة قادر على منع المرض والتشوهات. وهذا ينقل الاشكال من الطعن في قدرة الله الى الطعن في حكمته. ليأتي الرد على ذلك بـ :

أـ الملحد حين اعترض على ماهو عليه العالم ونعته بأنه ليس أفضل العوالم.. لم يحدد صورة يعتبرها العالم الافضل كيما يقاس على أساسه ، فحتى حينما يصير الحديث عن جنان الخلد التي لاتعب فيها ولاشر وإنما هي نعيم دائم، نرى من الملحدين من يشرقون ويغربون في إدانة عالمها المثالي ذاك بأنها تصوير لإطلاق الشهوات الحيوانية وتدنى بواقع الرقي الانساني.

ب ـ الملحد يتعامل مع الله ـ في هذا الصدد ـ على أساس من جحوده وإنكار تعاليه المطلق، والحال أن على الانسان أن يذعن لإرادة الله سبحانه ومشيئته في إنشاء العالم كما يريد، وذلك بجعله مرحلة مؤقتة لوجود الانسان يختبر فيها بين اختياره الخير أو الشر. فجعل الكون على حالة من الكون والفساد، أي أن الحياة قد أوجدها الله لتتلاشى، وجل الشرور الموجودة في الحياة من حولنا هي أسباب محققة للموت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ  وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً  وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35الانبياء)

ج ـ الملحد يطلق لنفسه العنان في جحود نعم الله وعصيانه، ثم يعترض على مافي الحياة من أسباب الشقاء. لقد خلق الله الكون على أساس يرتبط فيه الجانب المعنوي (الذنب والمعصية) مع الجانب المادي (الشرور)  بشكل يقترب من الآلية المباشرة، أي أن المعصية تكون علة مباشرة لحدوث شر ما. وعليه فجزء كبير من هذه الشرور هي جراء معصية الله ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(41الروم)

وإذا ما كف عن المعصية وآمن وعمل الخير تكون النتيجة أن ينعم بحياة غير هذه. يقول جل وعلا  (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96 الاعراف)

قال: الدين أداة للهيمنة في استغلال القضايا الغيبية وهو بذلك يلغي العقل، وهو اساس لبث الفتنة الطائفية بين بني الانسان. وكذلك هو أداة يفرض بها رجل الدين نفسه على الواقع الاجتماعي من خلال التبرقع بمحاسن الاخلاق

قلت: مادامت نظرية الاحتمالية قد حتمت علينا وجود الصانع فإن الغيب حقيقة واقعة ـ شئت أم أبيت ـ وعليه فإن الايمان بالغيب أمر يتماشى مع العقل ولايتقاطع معه وعلينا هنا أن نفرق بين دين يأمر به الكاهن الوثني الذي يريد فرض هيمنته السياسية من خلال إماتة العقل بقضايا الغيب فيستعين باساطير وخرافات والمفروض بالناس أن تؤمن وتسلم بها وبين الدين الحق الصادر من الله الذي بذل قرآنه الكريم جهدا جبارا في الحث على استخدام العقل والتعقل في قبول المعتقدات ورفضها، حتى لقد كانت القضية الأم في صراع الدعوة الاسلامية بقيادة النبي الاكرم صلى الله عليه واله مع الخط الجاهلي، هي الرفض المطلق للمبدأ الذي يعتمده الجاهليون وهو ( هذا ماوجدنا عليه آباءنا ) وإحلال العقل والتعقل محله  

وبالنسبة للفتنة الطائفية فهي أيضا نابعة من عدم التفريق بين.. دين الكاهن الذي يحامي عن سلطانه بذريعة الدين، كما فعلت الكنيسة لقرون في تأليب الكاثوليك على البروتستات او المسيحيين على المسليمن. أو يروج لافكار تفرق بين ابناء الانسان كفكرة شعب الله المختار عند اليهود.. والدين الحق الذي يلغي الفوارق بين الناس ويجعلهم جميعا على صعيد واحد فهم جميعا لآدم وآدم من تراب كما يقول نبي الاسلام ص أو كما يقول قرانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13الحجرات))   

كما إن هذا الاستغلال السيء ليس مقصورا على الدين، فالمنظومة الالحادية فيها من دعم الحكومات الاستبدادية ووعاظ السلاطين الكثير الكثير.. والقادة الالحاديون تملأ اسماءهم صفحات التاريخ بما جنته يداهم من مجازر وكوارث بشرية.

وبالنسبة لتبرقع رجل الدين فإن الامر لايعدو عن كونه استغلال سيء من قبل الانسان، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإننا لو أمعنا النظر في الامر نرى أنه دليل حي على ماهية الدين الخيّرة، وأنه الوعاء الحاوي على مكارم الاخلاق. ولهذا تبرقع به رجل الدين.          

 

2021/05/13

ما لا يُخالف ’الثوابت’.. لماذا يدعو السيد السيستاني إلى احترام القوانين ’الوضعية’؟

منشأ وجوب احترام القوانين!

يبرز في الفقه الشيعي، وفتاوى الفقهاء والمرجعيّة المعاصرة على الخصوص عنوان:" التقيّد بالأحكام، والقوانين"، والمقصود من الأحكام هنا هي الأحكام الشرعيّة، فيما يراد من القوانين: القوانين الحكوميّة، فإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ التقيد يشير للإلزام، فإنّ ما يعنيه العنوان آنفاً هو: عدم جواز مخالفة القوانين الحكوميّة، وحرمة مخالفة الضوابط المرعيّة عند الدولة، والأمر سواء في الدول الإسلاميّة، أو غير الإسلاميّة.

[اشترك]

والسؤال هنا عن مدرك هذا الإفتاء؟ وأساس هذا الإلزام؟! والكلام هنا طبعاً: عن القوانين الحكوميّة التي لا تتنافى وثوابت الشرع.

يستند هذا الحكم على مقولة: وجوب حفظ النظام، وتمثّل هذه المقولة مبدءاً فقهياً تنتج عنه جملة من الأحكام، وغرضاً شرعياً تبتني عليه وتترشح منه العديد من الفتاوى، فهو ليس مجرّد حكم شرعي كسائر الأحكام الشرعيّة، وإنّما هو مبدأٌ عام في الفقه الإسلامي.

وقد قسّم الفقهاء الواجبات الشرعيّة إلى قسمين:

 واجب نظامي، وهو: كلّ ما كان وجوبه لأجل حفظ نظام العباد، كجميع صنوف الصناعات التي يتوقف نظام الناس عليها.

واجب غير نظامي، وهو ما كان وجوبه لأجل غرض عائد إلى الأشخاص غير جهة حفظ النظام، ويشمل هذا: العبادات (ما يجب فيه قصد القربة) و التوصليّات. (انظر مثلاً: تقرير بحث النائيني للآملي،ج1،ص32).

ومن خلال متابعة كلمات الفقهاء واستدلالاتهم، نجدهم يبنون كثيراً على مقولة: (وجوب حفظ النظام، أو على الأقل: حرمة مخالفته)، حتى إذا انتهى طريق الاستدلال إليها؛ كفّوا عن الحديث عنها، وأقفوا الكلام عليها، وكأنّها من القضايا البديهية، وهي كذلك عندهم؛ إذ يستدلون بها، ولا يستدلون عليها، فالمقولة من واضحات الفقه، وبديهياته، لكن مع ذلك: قد أرشد إليها النقل، ودل عليها العقل.

أمّا النقل فكثير جدّاً، فخذ مثلاً مما جاء صريحاً أو شبه صريح في هذا الإطار، ما ورد من وصيّة لأمير المؤمنين لولديه (عليهم السلام): أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم.. (نهج البلاغة،47، ت: صبحي الصالح). وقد جعله في مصاف تقوى الله وتالي تلوه.

أمّا التنبيه أو البرهان العقلي عليها فيمكن إيجازه في مقدمتين:

أولاً- تقرّر في علوم المعقول (كلاماً، وفلسفة، وأصولاً) أنّ العقل يحكم و على نحو مستقل بحسن بعض الأفعال، وقبح بعضها، وأنّ له القابلية على تقييم الأفعال في الجملة، وله اللياقة على اكتشاف شيءٍ من القيم، ومن أوضح الموارد التي يستغني العقل فيها عن غيره في معرفة حسنها أو قبحها بالبداهة هي: إدراكه لحسن العدل وقبح الظلم.

ثانياً- ومن الواضح: أنّ الغاية الداعية للعقلاء الى البناء على مدح فاعل بعض الأفعال وذم فاعل بعضها الآخر، كون العدل مثلاً بعنوانه مما ينحفظ به النظام، وكون الظلم بعنوانه مما يختل به النظام، وانحفاظ النظام هي الفائدة المترقبة من العدل، واختلال النظام هي المفسدة المترتبة على الظلم. (الإصفهاني-نهاية الدراية،ج4،ص40). وهذا يعني أنّ مسألة حفظ النظام أقوى وضوحاً وأكثر ضرورة من حسن العدل وقبح الظلم، وقد ثبت أنّ ما حكم به العقل حكم به الشرع.

2021/05/10

يوم القيامة: جميع الخلق موتى.. من ينفخ في ’الصور’ إيذاناً بيوم الحساب؟

يوجدُ في هذهِ المسألةِ ثلاثةُ أقوالٍ:

[اشترك]

الأوّلُ: أنَّ اللهُ سبحانهُ يُحيي إسرافيلَ (عليهِ السّلامُ) لينفخَ نفخةَ البعثِ في الصّورِ، كمَا ذهبَ إليهِ ابْنُ كثيرٍ في تفسيرهِ، قالَ: (فقولهُ تعالى: "ونُفخَ فِي الصّورِ فصَعقَ مَن فِي السّماواتِ ومَن فِي الأرضِ إلّا مَن شاءَ اللهُ"، هذهِ النّفخةُ هيَ الثّانيةُ وهيَ نفخةُ الصّعقِ وهيَ التي يموتُ بهَا الأحياءُ مِن أهلِ السّماواتِ والأرضِ إلّا مَن شاءَ اللهُ كمَا جاءَ مصرّحاً بهِ مفسّراً فِي حديثِ الصّوْرِ المشهورِ ثمَّ يقبضُ أرواحَ الباقينَ حتَّى يكونَ آخرُ مَن يموتُ ملكُ الموتِ وينفردُ الحيُّ القيومُ الذي كانَ أوّلاً وهوَ الباقِي آخراً بالدّيمومةِ والبقاءِ ويقولُ "لمَنِ المُلكُ اليومَ" ثلاثَ مرّاتٍ ثمَّ يجيبُ نفسهُ بنفسهِ فيقولُ "للهِ الواحدِ القهّارِ" أنَا الذِي كنتُ وحدِي وقَد قهرتُ كلَّ شيءٍ وحكمتُ بالفناءِ على كلِّ شيءٍ ثمَّ يُحيي أوّلَ مَن يحيِي إسرافيلَ ويأمرهُ أن ينفخَ في الصّورِ أخرى وهيَ النّفخةُ الثّالثةُ نفخةُ البعثِ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: "ثمَّ نفخَ فيهِ أخرى فإذا هُم قيامٌ ينظرونَ"). [تفسيرُ ابْنِ كثيرٍ 4: 69].

الثّانِي: أنَّ اللهَ سبحانهُ يستثنِي إسرافيلَ (عليهِ السّلامُ) مِنَ الموتِ لينفخَ نفخةَ البعثِ، كمَا يذهبُ إليهِ البعضُ في تفسيرِ قولهِ تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزّمرُ: 68. انظُر: تفسيرُ الطّبري ج21 ص 330.

 الثّالثُ: مَا وردَ عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهِمُ السّلامُ) أنَّ الذي يتولّى نفخةَ البعثِ هوَ اللهُ عزَّ وجلَّ، جاءَ فِي تفسيرِ "البُرهانِ": قولهُ تعالى: (ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيه أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ). - عليُّ بنُ إبراهيمَ، قالَ: حدّثنِي أبي، عنِ الحسنِ بنِ محبوبٍ، عَن محمّدٍ بنِ النّعمانِ الأحولِ، عَن سلامِ بنِ المستنيرِ، عَن ثويرِ بنِ أبي فاختةَ، عَن عليّ بنِ الحُسينِ (عليهمَا السّلامُ)، قالَ: سُئلَ عَنِ النّفختينِ، كَم بينهمَا؟ قالَ: «مَا شاءَ اللهُ».

فقيلَ لهُ: فأخبرنِي يا ابْنَ رسولِ اللهِ، كيفَ يُنفخُ فيهِ؟ فقالَ: «أمَّا النّفخةُ الأولى، فإنَّ اللهَ يأمرُ إسرافيلَ فيهبطُ إلى الأرضِ ومعهُ الصّورُ، وللصّورِ رأسٌ واحدٌ وطرفانِ، وبينَ طرفِ كلِّ رأسٍ منهمَا ما بينَ السّماءِ والأرضِ، فإذا رأتِ الملائكةُ إسرافيلَ وقَد هبطَ إلى الدّنيا ومعهُ الصّورُ، قالوا: قَد أذنَ اللهُ فِي موتِ أهلِ الأرضِ، وفي موتِ أهلِ السّماءِ، قالَ: فيهبطُ إسرافيلُ بحظيرةِ بيتِ المقدسِ ويستقبلُ الكعبةَ، فإذا رأوهُ -أهلُ الأرضِ- قالوا: قَد أذنَ اللهُ فِي موتِ أهلِ الأرضِ، قالَ: فينفخُ فيهِ نفخةً فيخرجُ الصّوتُ مِنَ الطّرفِ الذي يلي الأرضَ، فلا يبقى فِي الأرضِ ذو روحٍ إلّا صَعقَ وماتَ، ويخرجُ الصّوتُ منَ الطّرفِ الذي يلي السّماءَ، فلا يبقَى ذو روحٍ في السّماواتِ إلّا صعقَ وماتَ إلّا إسرافيلَ».

قالَ: «فيقولُ اللهُ لإسرافيلَ: يا إسرافيلُ مُت فيموتُ إسرافيلُ، فيمكثونَ فِي ذلكَ مَا شاءَ اللهُ، ثمَّ يأمرُ اللهُ السّماواتِ فتمورُ، ويأمرُ الجبالَ فتسيرُ، وهوَ قولهُ تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) يعنِي تنبسطُ وتُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ، يعنِي بأرضٍ لم تُكتسَب عليهَا الذّنوبُ، بارزةً ليسَ عليهَا جبالٌ ولا نباتٌ، كمَا دحاهَا أوّلَ مرّةٍ، ويعيدُ عرشهُ على الماءِ كمَا كانَ أوّلَ مرّةٍ، مُستقلّاً بعظمتهِ وقدرتهِ - قالَ -: فعندَ ذلكَ يُنادِي الجبّارُ جلَّ جلالهُ بصوتٍ مِن قبلهِ جهوريّ يسمعُ أقطارَ السّماواتِ والأرضينَ: لِمَنِ الملكُ اليومَ؟ فلا يجيبهُ أحدٌ، فعندَ ذلكَ يجيبُ الجبّارُ عزَّ وجلَّ مجيباً لنفسهِ: للهِ الواحدِ القهّارِ وأنا قهرتُ الخلائقَ كلّهُم وأمَتّهُم، إنِّي أنا اللهُ لا إلهَ إلّا أنا وحدي، لا شريكَ لِي ولا وزيرَ، وأنَا خلقتُ خلقِي بيدِي وأنا أمتّهُم بمشيّتِي، وأنَا أحييهِم بقدرتِي، قالَ:

فينفخُ الجبارُ نفخةً فِي الصّورِ، فيخرجُ الصّوتُ مِن أحدِ الطّرفينِ الذي يلي السّماواتِ، فلا يبقَى أحدٌ في السّماواتِ إلّا حييَ وقامَ كمَا كانَ، ويعودُ حملةُ العرشِ، وتعرضُ الجنّةُ والنّارُ، وتحشرُ الخلائقُ للحسابِ». قالَ: فرأيتُ عليّاً ابنَ الحسينِ (عليهمَا السّلامُ) يبكِي عندَ ذلكَ بكاءً شديداً. إنتهى [البرهانُ في تفسيرِ القرآنِ، للسّيّدِ هاشمٍ البحرانيّ  4: 728].

2021/04/21

أول ليلة للميت.. كيف ينجو من ’ضغطة القبر’؟

كتب المرحوم الشیخ عباس القمي في كتابه الشریف «منازل الآخرة»:

[اشترك]

«أحد منازل الآخرة المهولة: القبر، فإنه في كل یوم یقول: أنا بیت الغربة، أنا بیت الوحشة، أنا بیت الدود، ولهذا المنزل عقبات صعبة جداً، ومنازل ضیقة ومهولة، ثم یشیر إلی عدة عقبات، ویقول: العقبة الأولی: وحشة القبر، العقبة الثانیة: ضغطة القبر، والعقبة الثالثة: مسألة منكر ونكیر في القبر».

وقد وردت روایات تصرح بأن منزل القبر صعب جداً، لكنه سهل للمؤمن، وعلی أي حال: في القبر، ظلمة ووحشة، غربة، ضغطة، وأسئلة عقائدیة وسلوكیة صعبة وشاقة للغایة، روي عن أمیر المؤمنين علي(عليه السلام) أنه قال: «يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت القبر فاحذروا ضيقه و ضنكه و ظلمته و غربته إن القبر يقول كل يوم أنا بيت الغربة أنا بيت التراب أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود و الهوام و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار... وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنينا فينهشن لحمه و يكسرن عظمه يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا...». [1]

لكن المهم أن نعرف أولاً: ما سبب ضغطة أو عذاب القبر؟

وثانیاً: أي الأسباب تنجي من ضعطة وعذاب القبر؟

وثالثاً: عن ماذا یسأل في القبر؟ وبأي كیفیة؟

روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «أیما مؤمن سأله أخوه المؤمن حاجة وهو یقدر علی قضائها ولم یقضها له سلط الله علیه شجاعاً في قبره ینهش أصابعه».[2]

أسباب ضغطة القبر

أما أسباب ضغطة القبر فهي كالتالي:

1- إضاعة النعم الإلهیة.

2- عدم الاحتراز من البول، والاستخفاف به، یعني استسهاله، وعدم رعایة الطهارة والنجاسة.

3- النمیمة.

4- الغيبة.

5- ابتعاد الرجل عن أهله.

6- سوء الخلق وغلظة القول مع أهله.

أسباب النجاة من عذاب القبر

1- قراءة سورة النساء في كل جمعة.

2- المداومة علی قراءة سورة الزخرف.

3- قراءة سورة القلم في الفریضة أو النافلة.

4- من مات بین زوال الشمس من یوم الخمیس إلی زوال الشمس من یوم الجمعة.

5- صلاة اللیل.

6- وضع جریدتین رطبتین مع المیت (تحت أبط المیت الیمنی والیسری).

7- وردت روایات كثیرة في استحباب رش القبر بالماء بعد دفن الميت و إبقاء القبر رطباً، مادامت الجریدتین رطبتین، فإن الله یرفع عنه العذاب ما دام القبر رطباً.

8- الصلاة عشر ركعات في اول یوم من رجب فكل ركعة فاتحة الكتاب مرة و قل هو الله أحد ثلاث مرات.(منازل الاخرة).

9- الصیام 4 أیام من رجب.

10– الصیام 12 یوماً من شعبان.

11- قراءة سورة «تبارك الملك» فوق قبر الميت.

12- أن یقرأ هذا الدعاء إلی جانبه بعد دفن الميت «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا تُعَذِّبَ هَذَا الْمَيِّتَ إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ إِلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ»[3]، وروي أنه هذا الدعاء یقرأ ثلاث مرات.

13- صلاة ركعتین في لیلة الجمعة؛ روي عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال: «من صلی لیلة الجمعة ركعتین یقرأ فیهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرة آمنه الله من عذاب القبر ومن أهوال یوم القیامة».[4]

السؤال والجواب في القبر

من المسلمات الاعتقادية في المذهب الشيعي: الاعتقاد بالسؤال والجواب في القبر. روي عن الامام الصادق(ع) قال: «من أنكر ثلاثة أشیاء، فلیس من شیعتنا: 1- المعراج 2- المسائلة في القبر 3- الشفاعة».[5]

ویستفاد من روایات كثیرة: أن الله ینزل علی الانسان بعد الموت ملكین اسماهما ناكر ونكیر أو منكر ونكیر فیسألانه عن أصوله وعقائده، التوحید، النبوة، الولایة، وكیف أنفق ماله، واكتسبه، فإن كان مؤمناً أجاب، فتعمه رحمة الحق ورعایته، وإن لم یكن مؤمناً، صمت ولم یجب، وابتلي بالعذاب الشدید البرزخي في قبره.

وفي روایات أخری: یأتي الملكان منكر ونكیر بهیئة موحشة مرعبة حین یدفن المیت، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فیكون الجواب في تلك الحال صعباً جداً، ولهذا، یستحب تلقین المیت مرتین.

روي: «أن الامام علي بن الحسين (ع) كان یعظ الناس ویزهدهم في الدنیا، ویرغبهم في أعمال الآخرة، بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله وحفظ عنه وكتب كان یقول: أیها الناس اتقوا الله وأعلموا أنكم إلیه ترجعون...».[6]

و ورد أیضاً في كلام له علیه السلام إشارة منه إلی مجيء منكر ونكیر إلی المیت في القبر، بشكل مخیف ومرعب، فقال علیه السلام: «أَلَا وَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلَانِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَ عَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ و عَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَ عَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَ عَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلَّاهُ ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ أَفْنَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَ فِيمَا أَنْتَ أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَ انْظُرْ لِنَفْسِكَ وَ أَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الِامْتِحَانِ وَ الْمُسَائَلَةِ وَ الِاخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ مُؤْمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَقَّاكَ اللَّهُ حُجَّتَكَ وَ أَنْطَقَ لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ وَ أَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَ بُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَ الْجَنَّةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحَانِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَ دُحِضَتْ حُجَّتُكَ وَ عَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَ بُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَ اسْتَقْبَلَتْكَ مَلَائِكَةُ».[7]

الهوامش:

[1] (بحار الانوار، ج6، ص 218، باب 8 - أحوال البرزخ والقبر وعذابه).

[2] (بحار، ج 74، ص330).

[3] (ثقة الاسلام حاجي نوري، مستدرك الوسائل ج 2 ص 372 باب 49 باب استحباب الدعاء بالمأثور عند...).

[4] مصباح المتهجد،ص228.

[5] نتائج الأفكار،السید الگلبایگاني،ج1، ص211.

[6] الكاف،الكلیني،ج8،ص72،ح29.

[7] (الكليني، الكافي ج 8 ص 72 و محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج 6 ص 223 حديث 24).

 

2021/04/05

حقانية الدين أم العصبية الدينية؟!

العصبيّة الدينيّة

إنّ حقيقة العصبيّة هي أن يقدّر المرء ما يتّصف به بأكثر من تقديره، أو يقدّر ما لدى الآخرين بأقلّ من استحقاقه، بحيث يبرّر به سلوكاً خاطئاً.

[اشترك]

فالعصبيّة القوميّة ـ مثلاً ـ هي أن يعتقد الإنسان أنّ قومه أرقى وأعلى وأفضل من قوم آخرين بما يوجب التكبّر عليهم واحتقارهم وهضم حقوقهم. ولكن ليس من هذه العصبيّة أن يشعر الإنسان تجاه قومه بمزيد من الودّ والمحبّة تقديراً للجهة المشتركة من غير أن يحتقر الآخرين ويهمل ما يستوجبونه بجامع الأخوّة الإنسانيّة.

والعصبيّة العشائريّة هي أن يعتقد الإنسان أنّ عشيرته أرقى من غيرها بما يؤدّي إلى احتقار العشائر الأخرى وهضم حقوقهم. ولكن ليس من هذه العصبيّة أن يشعر تجاه عشيرته بخصوصيّة إضافيّة من الودّ والمحبّة لمكان كونهم أرحاماً له يستوجبون لمزيد من التفاعل، ويرغبون بحسب تلك الوشيجة إلى مزيد من التعاون، لضمان المصالح المشتركة من غير ظلم للآخرين وتعسّف تجاههم.

ويتفرّع على هذا الأصل أنّه ليس من العصبيّة شعور الإنسان بمزية يتّصف بها ونعمة كان واجداً لها، إذا لم يخرج بها مخارج التعصّب والازدراء للآخرين، بل من الضروريّ أن يكون الإنسان واجداً لهذا الشعور حتّى يعرف قدر النعمة فيتمسّك بها ولا يهملها فيكون مظنّة لافتقادها.

وعليه فليس من عصبيّة الدين أن تدّعي الرؤية الدينيّة الحقّانيّة لنفسها؛ فإنّ ذلك أمر طبيعيّ لكلّ رؤية في أيّ مجال من مجالات الحياة بل تتقوم الرؤية بادّعائها الحقّانيّة لنفسها، وإلا كانت نظريّة راجحة أو افتراضاً محتملاً؛ وإنما الذي يخلّ بالعدالة نفيُ وجود حرمات للآخرين على سبيل التأصيل العام؛ حيث إنّه يجافي القانون الفطري.

كما إنّه ليس من العصبيّة للدين الحقّ المبني على معرفة ثاقبة بحقائق الحياة وآفاقها أن يعتقد المرء بحقّانيّة هذا الدين وصوابه؛ فإنّ مثل هذا الدين هو واعية الحقيقة في الحياة وندائها، ولن يستطيع المرء الحفاظ عليه إلّا بمعرفة قدره والاقتناع بصوابه والتمسّك به، وهذا شأن سائر العلوم الصائبة والخطيرة؛ فإنّ من الطبيعيّ أن يعتقد أصحابها بحقّانيّتها ويشعرون بالمزية من حيث الاطّلاع عليها.

فالدين الراشد أيضاً يشعر صاحبه بأنّ له مزية من جهة استكماله للرؤية الصحيحة والثاقبة للحياة والإذعان بها، وله فرصة متاحة للعمل الصحيح والصالح وفق مناحي تلك الرؤية واتّجاهاتها.

وليس في ذلك تقديراً للأمور بفوق ما يستحقها ويستوجبها ولا تعسّفاً في حقّ من لم يعتقد بهذا الدين كما هو واضح.

وعلى ضوء ذلك: ينبغي أن يفرّق في منحى التعليمات الدينية ذات العلاقة بذلك بين أن يكون منحى التعليم تذكيرَ من أدرك العقيدة الصحيحة بأهميّة هذا الاعتقاد ـ وهو أمر هامّ وخطير في المنظور الديني طبعاً ـ لزرع الثقة في نفسه باعتقاده، ولئلّا ينصرف عنه بشبهات ضعيفة، وبين أن يكون منحى التعليم تحقيرَ الآخرين وهدرَ حقوقهم.

ولا شكّ في أنّ مثل هذا التفريق ممّا تجده كل جهة عامّة تثقّف المجتمع ـ في اعتقادها ـ بالمبادئ الصحيحة ـ وليكن مثلاً قوانينُ حقوق الإنسان والمواطنة ـ كما تجده أيضاً كلُّ جهة خاصّة كالوالدين في تربيتهم للأولاد، والمعلمين في تربيتهم للتلاميذ، فهم يزرعون الثقة فيهم بمقتضيات التربية الصحيحة.

2021/04/03

جهاز لكشف ’الإله’.. هل يمكن وضع الله في أنبوبة الاختبار؟! (فيديو)

بعض الناس صار يرتكب خطأ عند اعتماده المنهج التجريبي لفهم كل الحقائق في الكون، ويقول إنه لن يصدق إلا ما رآه بعينيه، وأن العلم التجريبي هو مقصده الأوحد للكشف عن أي حقيقة. وهذا القائل يظلم العلم التجريبي، ويسيء فهم دوره من حيث يظن أنه يتبعه وينصره.

[اشترك]

في الفيديو أدناه تشخيص لأهم نقاط الخلل لأصحاب هذا الاعتقاد:

 

2021/03/31

من هم ’النخبة الدينية’ وما هو دورهم؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)

الآية المباركة تتحدث عن دور النخبة في المجتمع الإسلامي وحديثنا عن الدور النخبوي في محاور ثلاثة:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

في بيان ما ذكره القرآن عن دور النخبة.

وفي بيان أن النخبة الدينية إصطفاء من الله عز وجل.

وفي الدور النهضوي للنخبة في المجتمع.

نأتي الآن إلى المحور الأول:

القرآن الكريم قسم الحركة الإصلاحية إلى أدوار ثلاثة هي: دور الأمة ودور القيادة ودور النخبة.

الدور الأول دور الأمة: فقد أناط بها المسؤولية الإجتماعة: قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) فأناط مسؤلية الإصلاح بالأمة كلها ليبين أن الإصلاح ميثاق مشترك ومسؤولية مشتركة.

الدور الثاني دور القيادة: القيادة دورها الهداية والتزكية: قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) «وَيُزَكِّيهِمْ» هذا الدور الاول دور التزكية (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) هذا الدور الثاني دور الهداية.

الدور الثالث: دور النخبة: قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) هؤلاء هم النخبة هم الفئة المتميزة، (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ» إذا الأدوار الثلاثة هي دور الإمة ودور القيادة ودور النخبة، ما هو تعريف النخبة؟؟

عندما نرجع إلى كتاب النخب السعودية، دراسة في التحولات والإخفاقات ل الدكتور محمد بن صنيدان يذكر في كتابه عن أحد المفكرين في علم الإجتماع السياسي وهو بورتومور في كتابه الصفوة والمجتمع. تعريف بورتومور: النخبة هم الفئة المميزة وينقسمون إلة قسمين: نخبة سياسية ونخبة إجتماعية.

النخبة السياسة: هم الجماعة وراء السلطة وهي مصدر القرار والسلطة الحاكمة قد لا تكون هي مصدر القرار وقد يكون وراءها جماعة هي مصدر القرار السياسي إما بقوتهم الإقتصادية أو لنفوذهم الإجتماعيأو لقدرتهم التنفيذية.

النخبة الإجتماعية: هي الفئة التي تمتلك عنصرين هما التميز والقدرة على التأثير.

أنت الأن على مستوى الأطباء توجد نخبة يعني أطباء متميزون وعلى مستوى المدرسين توجد نخبة وهم الذين يتلكون تميزا في ثقافتهم وقدرة على التأثير في الطلاب. هؤلاء يسمون نخبة في مجال التدريس، تخبة في مجال الطب، نخبة في مجال العمل الإجتماعي. إذا فكل فئة متميزة وتمتلك القدرة على التأثير فهي نخبة.

المحور الثاني في بيان أن النخبة الدينية اصطفاء من الله عز وجل:

النخبة كما تنقسم إلى نخبة ساسية ونخبة إجتماعية وهي الفئة المميزة وهناك أيضا قسم ثالث وهو النخبة الدينية من بين العلماء هناك نخبة ولدينا ثلاثة أسئلة نطرحها ونجيب عنها.

السؤال الأول: ما هي مواصفات النخبة الدينية؟

السؤال الثاني: هل النخبة الدينية ضرورة أم لا؟

السؤال الثالث: من هم الممثلون للنخبة الدينية؟

السؤال الأول: ما هي مواصفات النخبة الدينية في القرآن الكريم؟

القرأن الكريم يذكر أن النخبة الدينية تتمتع بمقامات ثلاث هي مقام الخلافة ومقام الشهادة ومقام الاصطفاء القرآن الكريم يركز على الخلافة: قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ) وقال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً) ما معنى خلافة الله في الأرض؟

علماء العرفان يقولون هي الوجود الظلي لله في الأرض، ما معنى الوجود الظلي لله في الأرض؟

هو الذي يحكي ذا الظل، ظل الشجرة يحكي الشجرة وظل الإنسان يحكي الإنسان. كيف يكون وجود ظلي لله في الأرض؟ الوجود الظلي لله في الأرض هو ما ورد عن النبي : «تخلّقوا بأخلاق الله» ما معنى تخلقوا بأخلاق الله؟ تعني الإنسان لديه القدرة على أن يجسد صفات الله الإنسان لديه القدرة على أن يكون إلاهيا، الإنسان لديه القدرة على أن يكون ظلا حاكيا عن الله عز وجل، الإنسان لديه الٌقدرة على أن يتحمل ثلاث صفات فيكون وجود ظلي لله وهي الرحمة، الصرامة، العدالة.

الرحمة هي أول صفة قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). إذا صار الإنسان قطعة من الرحمة كان خليفة لله، كان وجودا ظليا لله. إذا صار رحمة في سلوكه قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً). إذا كان رحمة في تعامله قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) إذا كان رحمة في عطائه قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) إذا الرحمة هي الصفة الأولى. الصفة الثانية صفة الصرامة. كما أنة خليفة الله رحيم بالأمة فهو شديد النقمة على أعداء الإنسانية. كيف؟؟ القرآن الكريم دائمة يقرن صفة الرحمة بصفة الشدة بصفة النقمة قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) صفتان متكافئتان ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).

إذا هناك رحمة وهناك صرامة. الصفة الثاثة هي العدالة أي إعطاء كل ذي حق حقه. من جمع الصفات الثلاث، رحمة ونقمة وعدالة كا وجودا ظلي لله في الأرض، كا نخليفة لله في الأرض، كان ممثلا عن الله في الأرض، كان حاكيا الذات الإلاهية. طبعا البشر يتفاواتوا في صفة الرحمة، في صفة النقمة، في صفة العدالة. لماذا نركز على صفة العدالة؟ لو هناك شخص سألك سؤال ما هي أصول الدين؟ تقول أصول الدين هي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.

السؤال الثاني، لماذا جعل العدل أصلا من أصول الدين؟

التوحيد معروف، لو لم يكن هناك توحيد لا لم يكن هناك دين، النبوة معروفة لكن العدل ليش؟؟ هناك صفات الله كثيرة، الله قادر الله عالم، لماذا لم تجعل أصلا من أصول الدين. لماذا؟ لأن العدل هو الهدف الأول لرسالة السماء. أول هدف خططت له الإرادة الإهية هو إقامة العدالة على الأرض. قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) لماذا؟

ليقوم الناس باقسط. يعني لتتحقق العدالة. العدالة هو اول هدف يطمح له المجتمع البشري وأول هدف خططل له السماء، فلو لا العدالة لكان الدين بلا هدف. إذا هدفية الدين متقومة بالعدالة، لولا العدالة لكان الدين بلا هدف وبما أن هدفية الدين مقوم باعدالة كانت العدل أصلا من أصول الدين.

لذلك نرى القرأن قرن الخلق بالعدالة. كيف؟ قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)يعني من بدأ خلق السماء كان عدل، نظام عادل. قرن العدل بالسماء لأهمة العدالة قال تعالى: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)إذا مقام الخلافة يجمع صفات ثلاث، رحمة وصرامة وعدالة. المقام الثاني من مقامات النخبة الدينية نخبة الشهادة. القرآن يركز على الشهادة قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤولاء شهيد» وقال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم قال تعالى: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

الشهادة: يعني الرقابة على الأمة. بما أن الخلافة تعني العدالة فهناك شهادة على العدالة. هل أن الأمة تطبق العدالة أم لا.

كما أن الله طلب من الأمة تحقيق الخلافة والخلافة تعني العدالة كذالك وضع الله رقباء على الأمة وشهداء على الأمة يراقبون مسيرتها. هل أنها تسير نحو العدالة أم لا. إذا أن الشهادة متفرعة على العدالة. المقام الثاني للنخب الدينية هو مقام الشهادة يعني الرقابة على مسيرة الأمة. هل أنها تسير نحو العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه أم لا.

المقام الثالث مقام الإصطفاء القرآن الكريم يعبر عن الإصطفاء في عدة آيات قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).، ما معنى الاصطفاء: هو الاختيار وتخليص الشيء من الكدورات.

أنت ما تقول ذهب مصفى، ما تقرأ في مدح الإمام علي ”علي الذر والذهب المصفى وبقاي الناس كلهم تراب“.. الذهب المصفى يعني المنقى المخلص من الكدورات ومن تراب وأحجار يصير مصفى وهذا يسمى إصطفاء والإصطفاء ينقسم إلى قسمين إصطفاء ذاتي وإصطفاء تفضيلي. ما معنى الإصطفاء الذاتي والإصطفاء التفضيلي؟ الإصطفاء الذاتي هو الإسلام، كيف هو الإسلام؟ القرآن الكريم يتحدث عن النبي إبراهيم: قال تعالى: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

ما معنى إصطفيناه في الدنيا؟ الأية التالية تفسر معنى الإصطفاءقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ،). الاصطفاء هو الإسلام، وبما أننا مسلمون فكلنا مصطفون!! لا. الإسلام المقصود به الإسلام الإبراهيمي (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ).

الإسلام الإبراهيمي: بمعنى الحضور الإلهي. كيف؟ علماء العرفان يقولون الإسلام جعل النفس في مقام العبودية لله، بمعنى أن يستحضر الإنسان ربه في كل لحظة وفي كل وقت وفي كل سلوك وفي كل حركة، إستحضار الله في كل لحظة هو عبارة عن جعل النفس في مقام العبودية وهو عبارة عن الإسلام وهو عبارة عن الإصطفاء وطبعا هذا له درجات، المؤمن يقدر يستحضر الله في كل وقت إلى ان يصل إلى درجة قال عنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «ما رأيت شيء إلا ورأيت الله قبله وبعده وفوقه وتحته وفيه».

كلنا يرى إثنين أنا والله، هو خالق وأنا مخلوق، أما إذا ترقى الإنسان ووصل إلا ما يقوله أمير المؤمنين فهو لا يرى إثنين بل يرا شيء واحدا، لا يرى إلا الله. ذابت الإثنينية في الوحدة، ذابت الكثرة في الوحدة، فلا يرى هذا المسلم المسلم إلا شيء واحد هو الله تبارك وتعالى: «ما رأيت شيء إلا ورأيت الله قبله وبعده وفوقه وتحته وفيه». إذا الإصطفاء الذاتي هو الإسلام والإسلام له درجات. الإصطفاء التفضيلي هو التمييز يعني تميز الشيء على غيره.

آية مريم جمعت بين الإصطفائين قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ) ما معنى إصطفاكِ؟ الإصطفاء الذاتي يعني الإسلام بمعنى أن مريم وصلت مرتبة الإسلام (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ) الإصطفاء الذاتي هو الإسلام «وطهركِ» يعني أعطاها العصمة «و إصطفاكِ» وهو الإصطفاء التفضيلي، يعني فضلك ميزكِ على نساء العالمين. إذاً عدنا الإصطفاء من مقامات النخبة الدينية وينقسم إلا قسمين، الإصفاء الذاتي والإصطفاء التفضيلي.

نأتي الأن إلى السؤال الثاني:

هل النخبة الدينية حالة عفوية أو النخبة الدينية استفاقٌ من الله عز وجل؟

ربما يتصور الإنسان أن النخبة الدينية هي حالة عفوية يعني مجموعة من الناس يدرسون الدين ويتعلمون الفقه فيصبحون نخبة دينية أو انهم جماعة يتعلمون الفقه ويدرسون الدين ويصبحون قادة للمجتمع فهم النخبة الدينية.. فالنخبة الدينية مسألة عفوية تعتمد على الخبرة وتعتمد على التعلّم وتعتمد على تكامل الثقافة الدينية.. يوجد فرق بين المتفقهين وبين النخبة الدينية..

المتفقهون حالة عفوية القرآن الكريم يتحدث عنها «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» المتفقهون حالة عفوية إنسان يدرس الفقه يصبح فقيه يقود مجتمعاً معيناً هذا صح حالة عفوية أما النخبة فهي اصطفاءٌ من الله لا يمكن أن يكون الإنسان من النخبة الدينية إلا اذا كان مصطفى من قبل الله ومختار من قبل الله تبارك وتعالى.. لماذا؟

هناك قاعدة في علم الكلام تسمى قاعدة الطف وهذه القاعدة يستدل بها علمائنا على ضرورة النبوة وضرورة الإمامة..

قاعدة اللطف هي عبارة ان كل ما تحتاجه البشرية حاجة ضرورية فمقتضى لطفه تعالى تلبيه تلك الحاجة.. كيف؟ المجتمع البشري يحتاج إلى النظام العادل هذه حاجة بشرية ضرورية مؤكدة.. هل الله عالم بهذه الحاجة أم جاهل؟ طبعاً الله عالم لأن العلم ذاته.. اذا كان عالم هل هو قادر على تلبيه هذه الحاجة ام عاجز؟ بالطبع قادر لأن القدرة ذاته..

إذاً إذا كان عالم بهذه الحاجة وقادر على تلبيتها فهل هو بخيل او جواد؟ البخل نقصٌ وهو منزهٌ عن النقص إذاً وصلنا إلى النتيجة بما إنه عالم بحاجة المجتمع إلى النظام العادل وقادر على إيصال النظام العادل وجواد بالنظام العادل إذاً مقتضى لطفه بإن ينزل النظام العادل من السماء إلى المجتمع البشري.. هذه تسمى قاعدة اللطف استددلنا بقاعدة اللطف على ضرورة وجود نظام عادل منزل من قبل الله تبارك وتعالى.

نفس الشيء بالنسبة إلى النخبة الدينية كيف؟ المجتمع البشري يحتاج إلى النظام العادل ولكن لايمكنه تطبيق النظام العادل إلا مع وجود مجموعة من الرموز هم الذين يقومون بتطبيق النظام العادل.. لماذا المجتمع البشري يحتاج إلى نظام عادل ويحتاج إلى رموز ايضاً هاؤلاء الرموز لهم أدوار ثلاثة تعليم المجتمع ماهو النظام العادل تربية المجتمع على العدالة وأن يكون هؤلاء الرموز في أعلى درجات العدالة حتى يكونوا قدوة للمجتمع في تطبيق العدالة وهذا ماتحدث عنه القرآن عن النبي محمد  قال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) هذا الدور الأول التزكية هي تربية المجتمع على قيمة العدالة «يعلمهم الكتاب والحكمة» تعليم المجتمع ماهو النظام العادل أيضاً.

الدور الثالث: وهو القدوة قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) إذاً المجتمع يحتاج إلى شخصيات هكذا تعلم تربي هي قدوة للمجتمع كما نحتاج لنظام عادل ايضاً نحتاج إلى رموز يتمتعون بالأدوار الثلاثة أليس الله بعالم لحاجة المجتمع البشري إلى رموز يتمتعون بالأدوار الثلاثة «عالم» أليس قادر على أن ينصب هؤلاء الرموز «قادر» أليس جواداً «جواد» إذا مقتضى علمه وقدرته وجوده أن ينصب للمجتمع البشري رموزاً تعلمه وتربيه وتكون قدوة له في تطبيق النظام العادل وهؤلاء الرموز هم المصطفون وهؤلاء الرموز هم النخبة الدينية وهؤلاء الرموز هم القادة إذاً وجود النخبة الدينية ضرورة فرضها العقل من خلال قاعدة اللطف وليست حالة عفوية كما في المتفقهين فرق بين المتفقهين والنخب الدينية.. النخب الدينية اصطفاء من قبل الله.

نأتي للسؤال الثالث:

في هذا المحور الأخير من هم النخب الدينية؟ 

النخب الدينية القرآن حددهم في الآية قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) هذا أول مثال للنخبة الدينية «يحكم بها النبيون الذين أسلموا» قلنا ان الإصطفاء بمعنى الإسلام ليس انهم اسلموا اي قالوا ”لا إله إلا الله“ لا أسلموا تعني الإسلام الإبراهيمي الذي تحدثنا عنه «يحكم بها النبيون الذين أسلموا» يحكمون لمن؟ للذين هادوا المثال الأول النبيون وايضاً الربانيون..

الربانيون هم الأوصياء أوصياء الأنبياء أوصياء إبراهيم وموسى وعيسى وأوصياء النبي محمد  هؤلاء الربانيون هم المثال الثاني للنخبة الدينية المثال الثالث «والأحبار» وهم العلماء المصلحون من النخبة الدينية «والاحبار» إذا النخبة الدينية تتكون من ثلاثة: الأنبياء، الأإمة، العلماء المصلحين وصلنا إلى النقطة الحساسة..

مثلاً: واحد يقول كيف إذا العلماء وهم مصطفون من قبل الله؟ لم نسمع انه يوجد عالم مصطفى من قبل الله.. الأنبياء مصطفون صحيح الأإمة مصطفون صحيح لكن علماء مصطفون من قبل الله لم نسمع بذلك النخبة الدينية من هؤلاء النماذج الثلاثة الأنبياء والأإمة والعلماء مصلحين كلهم مصطفون من قبل الله كلهم مختارون من قبل الله كلهم بإصطفاءٍ من قبل الله عز وجل وليس بحالة عفوية.. ماهو الدليل على هذا؟

الأنبياء الأئمة واضح فماهو الدليل في العلماء؟ الآن سأذكر لك حديث متواتر عن النبي محمد : ”في كل خلف من امتي“ خلف تعني جيل في كل جيل في كل مئة سنة في كل خمسين سنة هذا جيل ”في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وبدع المبطلين“ لا يمر زمن إلا ويختار الله جماعة.

لا يمر زمن إلا ويصطفي الله جماعة يختارهم لأجل الحفاظ على الدين ”ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وبدع المبطلين“ إذاً هؤولاء مختارون من قبل الله عز وجل هؤلاء منتخبون من قبل الله عز وجل لايمر جيل الا وهناك عدول من أهل بيت رسول الله  يتكفلون حفظ هذا الدين والدفاع عنه والذب عن حريمه حتى يبقى الدين بلا تحريفٍ بلا زيفٍ بلا زيادةٍ ولا نقص.. طبعاً أهل بيته لايقصد بهم السادة فقط كل من ينتسب إلى الرسول عن طريق الأب أو عن طريق الأم فهو من اهل بيته فهو يدخل ضمن هذا الحديث ”عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وبدع المبطلين“ أنا الآن أذكر لك وجدان يا إخوان الحوزة العلمية تضم آلاف من الطلاب المحصلين المتقين المتدينين الحوزة العلمية تضم مئات من الفقهاء والمجتهدين العدول المتقين الحوزة العلمية تضم مئات من المؤلفين تضم مئات من المفكرين لكن لايصل من هؤلاء الآلاف والمئات إلى درجة التأثير في مسيرة الامة إلا اعداد قليلة لماذا؟ لماذا لا يصل إلى درجة النخبة إلا إعداد قليلة؟ ممكن اثنين أو ثلاثة خمسة فقط، العلماء الذين وصلوا إلى درجة القيادة للأمة والتأثير في سلوكها والتأثير في فكرها والتأثير في مسيرتها أعداد نادرة لماذا هؤلاء أللآلاف كلهم متقون وعدول وفقهاء ومؤلفون.

لماذا جماعة لايتجاوزون خمسة هم الذين يكونون في موضع القرار والتأثير في مسيرة الأمة سلوكاً فكراً عطاءاً لماذا؟ لأن هناك يداً إلهية تتدخل في الأمر ليست المسألة بالحظ ولا المسألة بالوسائل الإعلامية ولا بالأموال وصول الشخص إلى مرتبة القيادة المؤثرة في مسيرة الامة يدٌ غيبية إلاهية ظوو إصطفاءٌ من قبل الله تبارك وتعالى..

من هؤلاء الآلاف كلهم ربما هو لا يشعر إنه مصطفى من قبل الله.. ولكن الله منذ ان يدخل هذا الإنسان الحوزة الله يفتح له ابواب العلم يفتح له ابواب الهداية يفتح له ابواب التقوى يفتح له المراتب والدرجات يسلك بها سبيلاً سهلاً حتى يصل إلى أعلى المراتب من العلم والعدالة ويهيئه الله على ان يكون في موقع التأثير في سلوك الأمة وفي مسيرة الأمة قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) إذا المسألة مسألة اصطفاء ولست مسألة عفوية ساذجة عابرة لا.

نحن نتكلم الآن عن الدور النهضوي للنخبة في مجتمعنا ”موسكا“ هذا ايضاً من المفكرين في علم الإجتماع السياسي يقول: النخبة هم قادة التاريخ.. لماذا هم قادة التاريخ؟ لأنهم يمتلكون عناصر ثلاثة ”تميّز، قدرة على التأثير في الناس، وروح غيرية“ اذا كنت تقرأ القرآن ترى ملأ ونخبة أحياناً يعبّر بالملأ.. مامعنى الملأ؟

الملأ يقابل النخبة.. الملأ هم النفعيون والنخبة هم الغيريون.. الملأ هم الذين يفكرون في مصالحهم الذاتية.. يبني مأتم لكن لمصلحته، ينشأ صندوق لكن لمصلحته.. هذا يسميه القرآن ملأ لذلك القرآن يقبر عن الملأ بقوله: قال تعالى: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ) وقال تعالى: (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)، وقال تعالى: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ)وقال تعالى: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ)، دائماً الملأ صفة سيئة.. الملأ هم النفعيون الذين يدافعون عن مصالحهم الذاتية ومقابلهم النخبة.

النخبة تتمتع بيتميز ثقافي تتمتع بقدرة على التأثير في الناس تتمتع بإخلاص وروح غيرية تفكر في مصلحة المجتمع لا بمصالحها الذاتية.. السؤال: أليس في مجتمعنا نخبة؟ بلا لايوجد مجتمع ليس فيه نخبة.. ماهو الدور الدور النهضوي للنخبة في مجتمعنا؟ عندنا مثقفون نخبة عندنا إداريون نخبة..

ما هو دور هؤلاء النخبة في النهوض بمجتمعنا؟ 

الدور النهضوي للنخبة يمر بمراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: مرحلة التنظير، ما معنى مرحلة التنظير؟ الفرق بين النخبة وغير النخبة أن باقي الناس تركز على الاعراض ولكن النخب تركز على الأمراض  على الأعراض.. النخبة هي الفئة القادرة على تشخيص المرض وتشخيص جوهر المشكلة.. مثلاً: تقول للناس ماهي المشكلة لديكم؟ ويرد الناس ”سرقات، إعتداءات، ظواهر غوغائية..“ الناس تركز على الأعراض هذه كلها أعراض ولكن يوجد مرض وراء هذه الأعراض..

هذه أعراض ”سرقات، اعتداءات، ظواهر غواغئية..“ هذه كلها اعراض ما هو المرض الذي ورائها؟ النخبة هي القادرة على تشخيص المرض النخبة تقول المرض وراء هذه الأعراض كلها البطالة لو قضي على البطالة لما وجدت غوغاء أو سرقات أو اعتداءات العامل الاقتصادي مؤثر لرفع هذه المشاكل ورفع هذه الأعراض كلها..

إذا النخبة هي القادرة على تشخيص المرض. فنحن نحتاج إلى نخبة لتشخيص الأمراض في مجتمعنا إذاً إذا شخصت المرض ورتبت الأولويات نحن لدينا أمراض كثيرة عندنا مشاكل اقتصادية وبطالة عندنا مشاكل اجتماعية تفكك الأسر عندنا مشاكل اخلاقية الإنحلال والفساد الخلقي. النخبة هي التي تستطيع ربط هذه المشاكل بعضها ببعض وتحديد الأولويات وتحديد الأسلوب المؤثر في رفع هذه المشاكل.. هذا نسميه بمرحلة التنظير

المرحلة الثانية: مرحلة الإعداد هي عبارة عن انتخاب الطاقات أليس في شباب الجامعة طاقات؟ في شابات الجامعة طاقات في شباب المآتم طاقات في شباب المساجد طاقات في شباب الجمعية الخيرية طاقات كل مكان يوجد به طاقات من المسؤول عن انتخاب الطاقات؟ نحن حتى ننهض بالمجتمع نحتاج إلى نخبة طاقات ونتلقفها وننتقيها من المسؤول عن انتخاب الطاقات؟ المسؤول هم النخبة الدور الإعدادي للنخبة هو انتخاب الطاقات انتخاب الطاقات من المدرسة الإبتدائية أنت الآن مدير مدرسة ابتدائية أليس في هؤلاء الأطفال طاقات؟

بعض الأطفال لديهم طاقة أدبية قدرة على التعبير قدرة على الإنشاء بعض الأطفال لديهم طاقة فنية قدرة على الفن المسرحي بعض الأطفال لديهم طاقة إدارية.. انت اذا خرجت من الفصل عشر دقائق تقول إلى بعض الطلاب أريدك أن تضبط لي هذا الفصل خلال عشر دقائق بعض الأطفال عمره عشر سنوات يمتلك طاقة إدارية يقدر على التنظيم وهو عمره عشر سنوات إذاً لدينا طاقات أدبية ولدينا طاقات فنية ولدينا طاقات إدارية من المسؤول عن اكتشاف هذه الطاقات وتربيتها وتنميتها؟ الإشراف الإجتماعي..

وظيفة المشرف الإجتماعي في المدرسة لا أن يحمل العصا بل وظيفته اكتشاف طاقات الاطفال وعندئذ تتعاون الأسرة مع المدرسة مع اللجان الأهلية مع المؤسسات الاجتماعية في تنمية هذه الطاقات والمواهب لأن هؤلاء الاطفال يصبحون في المستقبل هم النخبة التي تقود المجتمع.. أليس كذلك؟

المرحلة الثالثة: مرحلة التنوع في العمل لا يتكمال الدور النهضوي في النخبة إلا مع التنوع في العمل كيف تنوع في العمل؟ في المجال الاقتصادي لدينا مشاكل اقتصادية هل تعلم ان لدينا في مجتمعنا أكثر من خمسين منزل مازالوا يعيشون في الأخشاب هل تعلم انه يوجد خمسين بيت يعيشون في صفائح نعم لدينا مثل ما يوجد لدينا ثراء فاحش فإن هذا موجود إذاً عندنا حالات فقر عندنا حالات بطالة المطلوب من النخب الاقتصادية ان تعالج هذه المشاكل النخبة الاقتصادية هي التي تمتلك رأس مال وتمتلك عقلية تجارية مجموعة من رجال الاعمال يمكنهم ان يشتركوا في تأسيس شركة عملاقة تغطي كثير من حالات البطالة وحالات الفقر.

نأتي إلى المستوى التطوعي: - الحمد لله - مجتمعنا في المجال التطوعي ممتاز جداً جمعيات خيرية كثيرة ولجان كافل اليتيم كثيرة المجال التطوعي يدل على ثقافة حضارية ويدل على وعي ديني ويدل على ضمير إنساني منتشر في مجتمعنا بلغ بعض الجمعيات الخيرية انها تتكفل باليتيم المحروم من الأب إلى أن يتخرج من الدراسة لا تتكفل به إلى ان يبلغ الرشد بل تتكفل به إلى ان يتخرج من الدراسة وهذه ظاهرة صحية وهذا رشد حضاري بلغ بعض الجمعيات الخيرية عندنا انها لاتفكر في مساعدة الفقر بل تفكر في إخراجه من فقره ليس المهم ان تساعد الفقير ولكن المهم ان تخرجه من فقره بان توفر له فرصة عمل وان توفر له مجالا للعمل بلغ بعض الجمعيات الخيرية انها توفر قروض للمشاريع الصغيرة للعوائل الفقيرة حتى تعتمد على نفسها في خروجها من حالة الفقر وهذه ظاهرة ايجابية جليلة جداً

للمستوى الأدبي: الحمد لله لدينا طاقات أدبية لدينا شعراء لدينا ادباء لدينا مواسم ادبية ولكن مازالت المرأة مظلومة ومهضومة في مجتمعنا كما ان عندنا طاقات ادبية على مستوى الرجال عندنا ايضا طاقات ادبية على مستوى النساء عندنا فتيات واخوات ماهرات في مجال الشعر في مجال النثر في مجال الرواية في مجال الصحافة هذه الطاقات النسوية من المسؤول في رعايتها وعن الاهتمام بها عن تشجيعها عن مواصلة مسيرتها؟

نحن نحتاج الى مؤسسات نحتاج إلى ان تقوم النخبة المثقفة بدورها في تشجيع هذه الطاقات النسوية وفي تنميتها لوجود الحاجة الماسة اليها.

للمستوى الثقافي: نحن من عشرين سنة افضل من الآن قبل عشرين سنة كان الحراك الثقافي أفضل من الآن كان المجتمع قبل عشرين سنة يعج بالحضارات بالندوات بالاحتفالات كان يعيش حراكاً ثقافياً واضحاً لكن هذا الحراك الثقافي تراجع أين ذهبت النخب المثقفة؟

النخب المثقفة إما مشغولة بالاوضاع السياسية وإما مشغولة بلقمة العيش لذلك هذان سببان لتأخر الحراك الثقافي نحن نحتاج حاجة ماسة إلى أن تعيد النخب الثقافية دورها في المسيرة الثقافية في عقد الحوارات الثقافية الفكر مازال يحتاج إلى تعميق مازال يحتاج إلى دقة مازال يحتاج إلى تنقيب نحتاج إلى حراكٍ ثقافي عبر ندوات وحوارات تلهم هذا المجتمع صحوة ثقافية متكاملة إذا نحتاج الدور النهضوي لنخبنا في المجالات كلها وبشكل متنوع.

وإذا أردنا أن نعرف دور النخبة نقرأ تاريخنا الذي يتحدث عن دور النخب النخبة من صحابة رسول الله  محمد رسول الله والذين معه ”سلمان، أبو ذر، المقداد“ النخبة من صحابة علي  ”كميل بن زياد، رشيد الهجري، ميثم التمّار“ النخبة من صحابة الحسن والحسين  ”حبيب بن مظاهر الأسدي“ هذا الإنسان العظيم وعده الامام امير المؤمنين بالشهادة.. وخاض المعارك ”صفين والنهروان والجمل“

2021/03/25

مدرسة الامام الصادق (ع) ضرورة منطقية

القفزة الحضارية التي شهدتها اوروبا منذ ما يزيد عن القرنين من الزمن، بسمتها الابرز التطور العلمي والتقني الهائل، نتجت عن مخاض طويل استمر لقرون، تضافرت فيه عوامل عدة، في مقدمتها الجهود الفلسفية الكبرى التي عملت في البدء على تخليص العقل من ظلامية الكهنوت المسيحي والوثوق به كجوهر قادر على الوصول الى المعرفة والحقيقة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ومن ثم رسم معالم الطريق بالمناهج العلمية الكفيلة بتحقيق ذلك الوصول على الصعيد العقلي الذي قاده الفرنسي ديكارت و على الصعيد التجريبي  بريادة الانجليزي فرنسيس بيكون. إضافة الى التحولات الكبرى في العلم الطبيعي كالثورة الكوبرنيكية في الفلك واكتشاف الجاذبية من قبل نيوتن، التي حولت النظرة الى الطبيعة من كونها مجرد لوحة جميلة رسمها الله وعند المسيحية تبيان كل مايخصها الى منظومة اسرار وقوانين على العقل اكتشافها والاستفادة منها.  كما أفرزت ارهاصات تلك المرحلة التاريخية في اوروبا جملة من فلسفات سياسية هدفت الى قيام دولة مدنية حديثة تعنى بالعلم والتقدم لا بالميتافيزيقا وما بعد الموت. الى غير ذلك من العوامل التي تتابعت طيلة عصري التنوير والنهضة.

إن هذه الحقيقة تضعنا، فيما يخص الحضارات القديمة كالبابلية الفرعونية وما شيدته من صرح علمي مبهر في مجالات شتى كالعمران والفلك والطب والكيمياء والفيزياء، ولم تسبقها ـ تاريخيا ـ سوى المشاعية واكتشاف الزراعة، أمام اشكالية وسؤال ملح.

هل يمكن أن تكون تلك الحضارات قد ولدت دفعة واحدة، وبلا مسارات تاريخية ممهدة؟!

بالتأكيد لا..

فالطبيب الفرعوني لا يمكن له أن يتوصل الى المادة الكيميائية ذات التأثير بالغ الفعالية في حفظ الانسان الى يومنا هذا، من دون قطع مسار طويل من العمل التجريبي القائم على الفشل والنجاح، والالمام بمنهج العلم التجريبي بما يحتويه من مفردات كالملاحظة والفرضية والاحتمال وغيرها.

أظن أن هذا كفيل بدفعنا الى القبول بنظرية تأثير الانبياء عليهم السلام ودورهم في إرساء القواعد العلمية والمعرفية، سيما أن القرآن الكريم لم يحدثنا إلا عن جزء يسير من الانبياء واقاصيصهم، وفي تلك الاقاصيص إشارات الى جانب غرائبي يتجاوز الطبيعة البشرية كقوله تعالى (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) فأجابهم ذو القرنين إلى طلبهم: (قالَ ما مَكَّنِّي فِيه رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَه ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْه قِطْرا) . وفي تفسير هذه الاية أن ذا القرنين قد أذاب الحديد وصبه بتقنية متطورة لاتتلاءم إلا مع وقتنا الحالي. وهذا الجانب الغرائبي يتلاءم الى حد كبير مع ما احتوته تلك الحضارات القديمة من اسرار غامضة لم تعرف حتى الان تتصل بكيفية بناء الاهرامات والجنائن المعلقة وغيرها.

وأعود بالإشكالية نفسها الى ما صنعه المسلمون في العصر العباسي من حضارة تركت بصمات واضحة في التاريخ الانساني، وهي حضارة تحتوي على عنصري الاشكالية من جهة الصرح العلمي الشاهق الذي قدم فيه العلماء المسلمون خطوات بعيدة المدى في المضمار العلمي العالمي، ومن جهة المسار الممهد، حيث لم يسبقها ـ الحضارة ـ سوى الجاهلية والاسلام والعصر الاموي الذي لم يشهد سوى نشاط كلامي منشأه فكرة الجبر التي فرضتها السلطات الاموية وقد انتجت مذهب الاعتزال كردة فعلي عقلية على ماعاثت به تلك الفكرة بالعقل.

هذا وأن المظهر الموازي لحضارة المسلمين العلمية تلك، وأعني المنجز الفلسفي، قد قام بشكل أساس على الاطلاع على فلسفة اليونان وترجمة نصوصها واستيحاء افكارها.. ولايمكن أن نفسر ذلك العطاء العلمي الهائل بـ:

1ـ كون الدولة العباسية ـ آنذاك ـ تمثل قوة عظمى وبغداد عاصمة الدنيا، وباهتمام شخصي من بعض خلفاء بني العباس كالمنصور والرشيد والمأمون.... لأننا نتحدث عن مسار ممهد سابق على تلك الفترة وأساس لها.

2ـ عامل الفتوحات وتلاقح الثقافات والخبرات الاجنبية المختلفة، وبالتالي صبها في الحاضرة الاسلامية. كما هو الحال مع الجانب الفكري والعقائدي.. وذلك لأن الدول التي طالها الفتح ـ يومها ـ هي بلاد فارس والشام وشمال افريقيا، وليس في تلك الدول مايعوّل عليه للتمهيد لمنجز علمي كالذي قدمه ابن الهيثم في البصريات والخوارزمي في الرياضيات وابن النفيس في الطب وغيرهم. إذ يكفي ذلك المنجز أنه مازال الاساس للكثير من الاكتشافات والاختراعات الاوربية في عصرنا الراهن.

بهذا لن يكون لنا سوى الوثوق بفكرة الدور الاساس لمدرسة أئمة اهل البيت عليهم السلام وعلى رأسها أمير المؤمنين ع القائل (أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني, سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض) الى عدد لايحصى من الاشارات الى حقائق علمية يضيق المجال بذكرها، وقد تجلت تلك المدرسة بالصرح العلمي الذي شيده الامامان الباقر والصادق عليهما السلام في ما بين السقوط الاموي وقيام حكم العباسيين، ويحوي في أروقته شتى مجالات المعرفة الانسانية والعلمية.

ومن جهة اخرى فكلنا يعلم مدى تأثير عامل المصلحة على اهتمامات السلطة الحاكمة وسياسة القائمين عليها، ويبدو هذا لنا جليا في الحضارة الاوروبية حيث استفادت السلطات الحاكمة من تطور العلم في مجالات كثيرة منها تطور السلاح الفتاك الذي أعانها على كسب معاركها مع الدول الاخرى واستعمار الشعوب التي استعمرتها. والى يومنا هذا فإن شعوب العالم الثالث لاتنفك عن حاجتها للخبرات التي يحتكرها الغرب في بناء المعامل والمصانع، وعجز تلك الشعوب عن صناعة الكثير من الاجهزة والالات وبالتالي اضطرارها الى استيرادها من دول الغرب. بل إن ثمة ابتكارات تقنية ضمنت لبعض دول الغرب تحكما شبه مطلق، كالإنترنت الذي يعد عصب الحياة في يومنا هذا، ولا تمتلك مصادره سوى بعض الدول العظمى كامريكا واليابان.

وهذه النقطة لانجدها في الحكم العباسي، حيث ظلت الهيمنة العباسية تعتمد الاسلحة التقليدية كالسيف والمنجنيق، كما ظلت الهيمنة العباسية حبيسة الاسلوب التقليدي آنذاك والذي لم يتجاوز القوة العسكرية.

 وهذا مايدفعنا ـ ايضا ـ الى الوثوق بفكرة أن جانبا كبيرا من اهتمام الحكام العباسيين بتشييد صروح للمعرفة والعلم ناجم عن الرغبة في التعتيم على صدى معطيات مدرسة الامام الصادق ع العلمية، تماما كما هو الحال في اهتمامهم بالجانب الفكري والفقهي.

2021/03/20

كـ ’’خلع الثياب’’ .. كيف يصف الأئمة (ع) الموت؟

​الموت عبارة عن خروج الروح من البدن، وانتقالها من هذا العالم الى عالم البرزخ، وقد جاء وصفه في لسان أئمتنا عليهم السلام، كلّ يصفه بوصف، ومن زاوية وجانب، وقد جمع الكثير منها الشيخ الصدوق رضوان الله عليه:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

1- قيل لأمير المؤمنين علي - عليه السلام - صف لنا الموت؟. فقال عليه السلام: على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إما بشارة بنعيم الأبد، وإما بشارة بعذاب الأبد، وإما بتحزين وتهويل وأمر مبهم لا يدري من أي الفرق هو.

أما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الأبد.

وأما عدونا والمخالف لأمرنا، فهو المبشر بعذاب الأبد.

وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله، فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول حاله يأتيه الخبر مبهما مخوفا ثم لن يسويه الله بأعدائنا، ويخرجه من النار بشفاعتنا.

فاعملوا وأطعيوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله، فإن من المسرفين من لا يلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة.

2- وسئل الحسن بن علي عليهما السلام، ما الموت الذي جهلوه؟

فقال عليه السلام: أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد.

3- ولما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنهم إذا اشتد بهم الأمر تغيرت ألوانهم، وارتعدت فرائصهم، ووجلت قلوبهم، ووجبت جنوبهم. وكان الحسين عليه السلام وبعض من معه من خواصه تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم.

فقال بعضهم لبعض: أنظروا إليه لا يبالي بالموت.

فقال لهم الحسين عليه السلام: صبرا بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضر إلى الجنان الواسعة والنعم الدائمة، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وهؤلاء أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم: إن أبي حدثني عن رسول الله: إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.

والموت جسر هؤلاء إلى جناتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبت ولا كذبت.

4- وقيل لعلي بن الحسين: ما الموت؟

فقال عليه السلام: للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفك قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح، وأوطأ المراكب، وآنس المنازل.

وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش المنازل، وأعظم العذاب.

5- وقيل لمحمد بن علي عليه السلام: ما الموت؟

فقال: هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة، إلا أنه طويل مدته لا ينتبه منه إلا يوم القيامة. فمنهم من رأى في منامه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره، ومنهم من رأى في نومه من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره، فكيف حال من فرح في الموت ووجل فيه ! هذا هو الموت فاستعدوا له. 

6- وقيل للصادق عليه السلام: صف لنا الموت؟

فقال: هو للمؤمنين كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه فينقطع التعب والألم كله عنه. وللكافر كلسع الأفاعي وكلدغ العقارب وأشد. 

قيل: فإن قوما يقولون هو أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، ورضخ بالحجارة، وتدوير قطب الأرحية في الأحداق؟

فقال: كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذلك الذي هو أشد من هذا ( إلا من عذاب الآخرة فإنه أشد ) من عذاب الدنيا. 

قيل: فما لنا نرى كافرا يسهل عليه النزع فينطفئ، وهو يتحدث ويضحك ويتكلم، وفي المؤمنين من يكون أيضا كذلك، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد؟

قال عليه السلام: ما كان من راحة هناك للمؤمنين فهو عاجل ثوابه، وما كان من شدة فهو تمحيصه من ذنوبه، ليرد إلى الآخرة نقيا نظيفا مستحقا لثواب الله ليس له مانع دونه. وما كان من سهولة هناك على الكافرين فليوفى أجر حسناته في الدنيا، ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه العذاب، وما كان من شدة على الكافر هناك فهو ابتداء عقاب الله عند نفاد حسناته، ذلكم بأن الله عدل لا يجوز.

7- ودخل موسى بن جعفر عليه السلام على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو لا يجيب داعيا، فقالوا له: يا بن رسول الله، وددنا لو عرفنا كيف حال صاحبنا، وكيف يموت؟ فقال: إن الموت هو المصفاة: يصفي المؤمنين من ذنوبهم، فيكون آخر ألم يصيبهم كفارة آخر وزر عليهم. ويصفي الكافرين من حسناتهم، فتكون آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم. أما صاحبكم فقد نخل من الذنوب نخلا وصفي من الآثام تصفية، وخلص حتى نقى كما ينقى ثوب من الوسخ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد.

8- ومرض رجل من أصحاب الرضا عليه السلام فعاده، فقال: كيف تجدك؟

فقالت: لقيت الموت بعدك، يريد به ما لقي من شدة مرضه.

فقال: كيف لقيته؟ فقال: أليما شديدا.

فقال: ما لقيته، ولكن لقيت ما ينذرك به، ويعرفك بعض حاله. إنما الناس رجلان: مستريح بالموت، ومستراح منه فجدد الإيمان بالله وبالولاية تكن مستريحا. ففعل الرجل ذلك والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

9- وقيل لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟

فقال: لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله حقا لأحبوه، ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا.

ثم قال: يا عبد الله، ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي للألم عنه؟

 فقال: لجهلهم بنفع الدواء.

فقال: والذي بعث محمدا بالحق نبيا، إن من قد استعد للموت حق الاستعداد فهو أنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنهم لو علموا ما يؤدي إليه الموت من النعم، لاستدعوه وأحبوه أشد مما يستدعي العاقل الحازم الدواء، لدفع الآفات واجتلاب السلامات.

10- ودخل علي بن محمد عليهما السلام على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: يا عبد الله، تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت ثيابك وتقذرت، وتأذيت بما عليك من الوسخ والقذرة، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أن الغسل في حمام يزيل عنك ذلك كله، أما تريد أن تدخله فتغسل فيزول ذلك عنك، أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟

قال: بلى يا ابن رسول الله.

قال: فذلك الموت هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته، فقد نجوت من كل غم وهم وأذى ووصلت إلى سرور وفرح. فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله.

11- وسئل الحسن بن علي عليهما السلام عن الموت، ما هو؟ فقال: هو التصديق بما لا يكون. إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن الصادق - عليه السلام - أنه قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا، وإن الكافر هو الميت، إن الله عز وجل يقول: ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) يعني المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.

12- وجاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول الله، ما بالي لا أحب الموت؟ قال: ألك مال؟ قال: نعم.

قال: قدمته؟ قال: لا.

قال: فمن ثمّ لا تحب الموت.

13- وقال رجل لأبي ذر رحمة الله عليه: ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.

وقيل له: كيف ترى قدومنا على الله؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسئ فكالآبق يقدم على مولاه.

قيل: فيكف ترى حالنا عند الله؟ فقال: اعرضوا أعمالكم على كتاب الله، يقول الله تعالى: ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ).

قال الرجل: فأين رحمة الله؟

قال: ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ).

الاعتقادات في دين الإمامية، للشيخ الصدوق ص٥٣ - ٥٩

وأما لمن أراد رؤية ميته في المنام.

قال الشيخ الطوسي في المصباح:

ومن أراد رؤيا ميت في منامه فليقل :

اللهم أنت الحي الذي لا يوصف والايمان يعرف منه، منك بدت الأشياء وإليك تعود، فما أقبل منها كنت ملجأه ومنجاه، وما أدبر منها لم يكن له ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، وأسألك بلا إله إلا أنت، وأسألك ببسم الله الرحمن الرحيم وبحق حبيبك محمد صل الله عليه وآله سيد النبيين وبحق علي خير الوصيين وبحق فاطمة سيدة نساء العالمين وبحق الحسن والحسين الذين جعلتهما سيدي شباب أهل الجنة عليهم أجمعين السلام أن تصلي على محمد وآله وأن تريني ميتي في الحال التي هو فيها. مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص ١٣٠

- وقال المامقاني:

وورد الصلاة على محمد وآله مائة مرة بعد العشاء الآخرة لرؤية الميت في المنام. مرآة الكمال ج 1 ص 266.

والله العالم.

2021/03/10

الإحسان.. ’عطاء مجاني’ لا تجده في غير الدين (فيديو)

الدين يدعوك إلى ضبط اعصابك مهما اسيئ إليك ويأمرك أن تتعامل مع الناس بدون خدش ولا اعتداء انطلاقاً من مبدأ "الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس".

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

يقول السيد منير الخباز إن "الإحسان مفردة لا توجد في القواميس الأخرى غير الدينية"، في مقارنة سريعة من خلال هذا الفيديو بين الدين وباقي الاعتقادات الأخرى.

المزيد من التفاصيل في الفيديو أدناه مع آية الله السيد منير الخباز دامت بركاته:

2021/03/06

ما موقف الشيعة من الإصلاح ’السياسي و الاقتصادي’ ؟

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

​الإصلاح هو الغاية النهائية التي يطمح الإنسان إليها، وهو القيمة المحورية التي تدور حولها بقية القيم الكمالية، فالعلم قيمة لأن فيه الصلاح، والعدل مطلوب لأن به يتحقق الصلاح، والرحمة قيمة لأن بها يسود الصلاح.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وهكذا كل القيم تتحرك في دائرة الصلاح، وبما أن الإصلاح نقيض الإفساد تعين على الإنسان أن يتحرك دائماً في اتجاه الإصلاح، وبذلك تتحقق سعادته في الدنيا والاخرة قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

فالعمل الصالح الذي اكدت عليه معظم آيات القرآن يكشف عن الفلسفة العامة للإسلام وهو تحقيق الإصلاح في كل المجالات، بل لم يكتفِ القرآن بجعل الإصلاح والصلاح سبباً للحياة الطيبة في الدنيا فحسب وإنما جعله ايضاً سبباً لنعيم الجنة، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (الشورى/ 22)، وبذلك يمكننا أن نقول إن هدف الإنسان في الحياة منحصر في المحافظة على صلاح الأرض والحياة، قال تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (الأعراف/ 56)، وكذلك الإصلاح هو هدف الأنبياء والرسل، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف/ 35). وقال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام/ 48).

وقد بينت آيات القرآن صور متعددة للإصلاح تشمل جميع أفعال العباد، حيث تبدأ من اصلاح النفس مروراً بإصلاح الاسرة والمجتمع وانتهاءً بإصلاح الأرض جميعها، وعليه لا يمكن استثناء الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي لا يفهم الإسلام بوصفه مشروعاً إصلاحياً في مجال السياسة والاقتصاد والمجتمع ففي فهمه للإسلام اشكال، فالإسلام ليس مجرد شعائر وطقوس فارغة، كما أنه ليس تجربة فردية منعزلة عن محيطها الاجتماعي والسياسي، وإنما هو مشروعاً إصلاحياً لجميع البشرية بما يحمله من قيم ومبادي وحِكم، ومع ذلك فإن الإصلاح والامر به يصنف من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس من باب العقائد بحسب ما هو مشهور من تصنيف المسائل الإسلامية، فمع أن الصلاح ضرورة لا يستقيم الإسلام بدونه إلا أنه ليس من باب الاعتقاد، فالصلاة مثلاً ضرورة من ضرورات الدين مع ذلك لا تصنف في قسم العقائد، أما إذا اذا كان المقصود من العقيدة هو المعنى العام الذي يستوعب ضرورات الدين وقيمه المركزية فحينها يمكننا أن نقول إن الإصلاح هو عقيدة ثابتة وراسخة في الفكر الإسلامي.

وقد شهد التاريخ بان مسيرة شيعة أهل البيت قائمة على مناهضة الفساد السياسي والاجتماعي، ولذا كانوا يشكلون المعارضة لكل الأنظمة السياسية المتسلطة، وذكر لنا التاريخ عشرات من ثوراتهم المناهضة للظلم والافساد، حتى باتت الثورات تسمى بالثورات العلوية، وما زلال الشيعة يحملون راية الامام الحسين (عليه السلام) الذي قام بثورته المباركة تحت شعار (انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي).

2021/03/04

هل يوجد عالم غير عالمنا الذي نعيش فيه؟

في هذا المقال نتناول الموضوع من الرؤية الدينية بما يتضمّن من نصوص شرعية تتعلق بوجود عوالم وحياة أخرى غير حياة البشر.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ومن هنا تختلف طبيعة هذا المقال مع البحوث القائمة مثلاً على الحفرياتِ أو الاكتشافات الفلكية؛ فما يمكن أن تخبرنا عنه النصوصُ هو الحقائق الغيبية الخارجة عن العالم المشهود لنا، وبالتالي لا يجوز محاكمة النصوص التي تخبرنا عن عوالمَ أخرى بنفس المنطق الذي نحاكم به العالم الذي نعرفه، وعليه ليس هناك طريقٌ للكشف عما هو غائب عنا غير الوحي سواء كان قرآناً أو أحاديث المعصومين (عليهم السلام). ولذا سوف يكون المقال مختصراً على ذكر الروايات الواردة في هذا الامر بعيداً عن البحث السندي والدلالي. روى الصّدوق بسنده للإمام الباقر (عليه السلام) قال: لعلك ترى أنّ الله إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله لم يخلق بشراً غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم، وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين). (توحيد الصدوق، 277. والخصال 652) وفي بحار الانوار باب (ما يكون بعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار) يروى من كتاب الخصال عن محمد بن عبد الله بن هلال، عن العلاء، عن محمد قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: لقد خلقَ الله عز وجلّ في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عز وجلّ أبا هذا البشر وخلق ذريته منه، ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها، ولا خلت النار من أرواح الكفار والعصاة منذ خلقها عز وجل، لعلكم ترون أنّه إذا كان يوم القيامة وصيّر الله أبدانَ أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة، وصيّر أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار إنّ الله تبارك وتعالى (لا يعبد) في بلاده ولا يخلق خلقاً يعبدونه ويوحدونهُ ويعظمونه ويخلق لهم أرضاً تحملهم وسماءً تظلهم، أليس الله عز وجل يقول: "يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات" وقال الله عز وجل "أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبسٍ من خلق جديد" (بحار الانوار ج ٨ - الصفحة ٣٧٥). وظاهر الخبر الشريف أنّ هؤلاء البشر لم يولدوا من أبينا النبيّ آدم عليه السلام، وأنهم متواجدون في سبعة عوالمَ أرضية، وليسوا من جنس الملائكة، باعتبار أنّ الملائكة مخلوقون من النور وليس من الطين كما هو حال هؤلاء؛ ويبدو من الخبر أنّ الله تعالى سيخلق بعد يوم القيامة أناساً سيعبدون الله تعالى. وفي البحار رواية أخرى عن الخصال ايضاً عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل "أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد" فقال: يا جابر تأويلُ ذلك أنّ الله عز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وأسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جدّد الله عز وجلّ عالماً غير هذا العالم، وجدّد خلقاً من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه، و خلق لهم أرضاً غير هذه الأرض تحملهم، وسماءً غير هذه السماء تظلهم، لعلك ترى أنّ الله عز وجلّ إنما خلقَ هذا العالم الواحد وترى أنّ الله عز وجل لم يخلق بشراً غيركم؟ بلى والله لقد خلق الله تبارك وتعالى ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين).

2021/03/02

نكسة الإلحاد الجديد: هل انتصر العلم على الإيمان؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

​مع مطلع القرن الحادي والعشرين عادت ظاهرة الإلحاد إلى واجهة المشهد العالمي مرة أخرى، معلنة عن موجة جديدة لعلها الأقوى أو الأنشط في تاريخها الحديث، متغايرة بعض الشيء شكلا ومضمونا عن الموجات السابقة، متحفزة بطريقة كما لو أنها تريد اقتناص هذه الفرصة التي رأت فيها أنها من أفضل الفرص التاريخية المتاحة لها أو التي مرت عليها في تاريخ صراعها الوجودي مع الدين.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

تحفزت هذه الموجة مستفيدة من الحروب المشتعلة، ومن النزاعات المتفاقمة، ومن اشتداد نزعات التطرف والتعصب وتصاعد الإرهاب المعولم والعابر بين القارات، وذلك بالنظر لما تتركه هذه الوضعيات من تأثيرات نفسية واجتماعية واقتصادية ضاغطة تتهيأ معها إمكانية إثارة الشكوك تجاه المعتقدات الدينية، وقلب صورة الإيمان الديني في أذهان الناس، وتحميل الدين مسؤولية ما يحدث.

وتأكيدا لهذا الرأي يرى المؤرخون المعاصرون إمكانية انبثاق ظاهرة الإلحاد واشتدادها في المجتمعات التي مرت بحروب قاسية أو عاصرت أحداثا مؤلمة خلفت معها كوارث ونكبات، على شاكلة ما جرى في المجتمعات الأوروبية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، فقد ظهرت موجة من الإلحاد لاحظها المؤرخون هناك وتنبهوا لها، رابطين العلاقة بينها وما حل بأوروبا من حربين مدمرتين، متوثقين من هذه العلاقة التي تربط بين الحروب المدمرة وظاهرة الإلحاد من جهة القابلية والاستعداد.

واتصالا بهذا السياق جاءت هذه الموجة الجديدة من الإلحاد حيث اتخذت من حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001م لحظة تاريخية، بوصفه حدثا خلق كارثة مرعبة، وأثار قلق العالم، وفجر حروبا كالتي حدثت في العراق وأفغانستان، فقد وجد أصحاب هذه الموجة أنهم أمام لحظة تاريخية لا تفوت لتوجيه السهام إلى الدين، ووضعه مرة أخرى في قفص الاتهام، وإثارة الشكوك حوله.

واللافت في هذه الموجة أنها تقصدت تغيير صورتها، كأنها أرادت مع القرن الجديد أن تؤرخ لنفسها بتسمية مفارقة مطلقة تسمية الإلحاد الجديد، متحزبة بهذه التسمية ومستبشرة، متأملة منها ومتوثبة في أن تحقق تقدما أو تحرز اختراقا أو تكسب جولة في مواجهة الدين والإيمان الديني، محملة الدين وزر ما حدث في العالم من نكسات ونكبات وكوارث على الأصعدة كافة، مستعيدة خطابها القديم في اعتبار أن الدين يقف عقبة صلبة في طريق تقدم البشرية وازدهار المدنية وارتقاء الحضارة.

ارتبط ما عرف بالإلحاد الجديد بفضاء الثقافة الأنغلوسكسونية، متخذا من الولايات المتحدة الأمريكية مركزا له متصلا ببريطانيا، مشتهرا بأربعة أشخاص عرفوا بالفرسان الأربعة هم: عالم الأعصاب الأمريكي سام هاريس صاحب كتاب: (نهاية الإيمان.. الدين والإرهاب ومستقبل المنطق) الصادر سنة 2004م، وعالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكنز صاحب كتاب: (وهم الإله) الصادر سنة 2006م، والناقد البريطاني الأمريكي كريستوفر هيتشنز (1949-2011م) صاحب كتاب: (الإله ليس عظيما.. الدعوى ضد الدين) الصادر في بريطانيا سنة 2007م، وفي طبعته الأمريكية تغير العنوان الفرعي وصدر بعنوان: (الإله ليس عظيما.. لماذا يسمم الدين كل شيء؟)، ونشر في طبعة لاحقة في بريطانيا من دون عنوان فرعي، رابعا العالم الأمريكي دانيال دينيت صاحب كتاب: (فكرة داروين الخطيرة.. التطور ومعاني الحياة) الصادر سنة 1995م.

على مستوى الخطاب حدثت تحولات في بنية الإلحاد الجديد، منها التصويب على الإسلام في معترك المواجهة الوجودية، فبعد أن كان الإلحاد في الغرب ولزمن طويل يصوب معركته الفكرية النقدية على الأديان الإبراهيمية بصورة عامة، وعلى الديانة المسيحية بصورة خاصة، اتجه هذه المرة نحو الإسلام مصوبا عليه سهام المجابهة.

هذا التحول حدث نتيجة واقعة الحادي عشر من سبتمبر التي هزت العالم، وتبنتها جماعة حسبت نفسها على الإسلام، واستغلالا لهذه الفرصة جاء كتاب سام هاريس (نهاية الإيمان.. الدين والإرهاب ومستقبل المنطق)، محملا الإسلام مسؤولية ما حدث، فاتحا عليه المعركة، رابطا بين الدين والإرهاب، مفتعلا التناقض بين الإيمان والمنطق.

ومن التحولات الأخرى التي حدثت في بنية خطاب الإلحاد الجديد تغير نظرته إلى العلم، فقد أظهر أصحاب هذا الاتجاه اعتقادا بالعلم هو أشبه بالاعتقاد الديني وأقرب إلى الأيديولوجيا والالتزام الأيديولوجي موصوفا عند النقاد بالتعصب العلموي، معتبرين أن العلم بات يتقدم بطريقة متفوقة تفارق جميع المراحل والأزمنة السابقة، وسيعلن فوزه الحتمي على الإيمان، ودفع الدين نحو التراجع والتقهقر.

يضاف إلى هذه التحولات ما أظهره الإلحاد الجديد من حماسة واندفاع، مستعيدا حيويته، ومستجمعا قواه، مبرزا نشاطا مكثفا على أكثر من صعيد، منها: الكتابة والنشر، الندوات والمحاضرات، الحوارات والمناظرات، وهكذا على صعيد الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي، اعتقادا من أصحابه أنهم أمام لحظة سانحة تتيح لهم إمكانية تحويل الإلحاد إلى هوية نشطة يمكن التبشير بها وتوسعة رقعتها وتعزيز مكانتها في العالم، انطلاقا من حس الهوية من جهة، ومن حس التبشير من جهة أخرى.

لكن المفارقة وخلافا لتلك التوقعات، فقد تعرض الإلحاد الجديد لنكسة قوية في بيئته ومحيطه بعد الإعلان عن هويته وإطلاق حركته، مجابها بنقد شديد، وتشكيك صارخ، إلى جانب الإنقلاب عليه من أشخاص كانوا قد اقتربوا منه وانخرطوا فيه، ثم انشقوا عنه، وكانوا مندفعين في نقده جذريا.

من صور هذا النقد وتمثلاته، ما طرحه الكاتب الأمريكي كرس هيدجز في كتابه المتجلي بعنوانه: (أنا لا أومن بالإلحاد.. الصعود الخطر للأصولية العلمانية) الصادر سنة 2008م، وتغير العنوان في طبعته سنة 2009م واشتهر بعنوان: (عندما يصبح الإلحاد دينا.. الأصوليون الجدد لأمريكا)، متضمنا نقدا شديدا، وتحذيرا قويا تجاه ظاهرة الإلحاد لكونها تمثل في نظر الكاتب نمطا خطيرا من أنماط الأصوليات.

ومن صور هذا النقد وتمثلاته، ما أشارت إليه الكاتبة الأمريكية سيكيفو هتشينسون في كتابها: (الشيء الأبيض.. الإلحاد الجديد ومضايقاته) الصادر سنة 2011م، متخذة من المنظور العرقي مدخلا لتوجيه النقد لظاهرة الإلحاد الجديد، قاصدة لفت الانتباه إلى هذا الجانب غير المرئي عند الكثيرين، مسلطة الضوء عليه، واصمة هذه الظاهرة بالعنصرية لتحيزها إلى العرق الأبيض.

ومن صور هذا النقد وتمثلاته أيضا، ما قدمه عالم الاجتماع الكندي ستيفن ليدرو في كتابه: (تطور الإلحاد.. السياسة في الحركات الحديثة) الصادر عن جامعة أكسفورد سنة 2019م، متخذا من السياسة والمنظور السياسي مدخلا لتكوين الفهم حول الإلحاد الجديد، معتبرا أنه في حقيقته يمثل حالة سياسية ترتكز على نقد جذري للدين ومواجهته بصورة قاسية في العلن.

ومن صور هذا النقد وتمثلاته كذلك، ما عرضه الكاتب الأسترالي سي جي ويرلمان في كتابه: (تهديد الإلحاد الجديد.. الصعود الخطر للعلمانيين المتشددين) الصادر سنة 2019م، تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه جاء من شخص كان منتسبا لهذه الظاهرة متحمسا لها ومنخرطا بفاعلية في أنشطتها، لكنه أدرك بعد الاقتراب منها أنها تحولت بسبب تشددها إلى أصولية خطرة، مظهرا الخوف منها، فقرر الابتعاد منها، والانقلاب عليها، متجها لنقدها من الداخل.

هذه عينة من صور النقد الغربي وتمثلاته على مستوى التأليفات المتتابعة، وهناك الكثير من المقالات التي يصعب حصرها، وليس بعيدا أن نسمع قريبا عن كتابات تعلن نهاية ظاهرة الإلحاد الجديد أو تتحدث عما بعد الإلحاد الجديد، مؤكدة نكسة الإلحاد الجديد!

2021/02/27

تأكل وتشرب ولها عقل.. ما مصير أرواحنا بعد الموت؟

حقيقة الإنسان هي بروحه لا ببدنه، وأنّ هذه الروح لا تفنى بفناء الجسد وإنّما تنتقل الى عالم آخر هو البرزخ، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ([الزمر:42], وقال تعالى: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ آرْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).[سورة المؤمنون: الآية 99].

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لأرواحنا عقل وإدراك!

وروح الإنسان تبقى حيّة بعد خروجها من الجسد وانتقالها إلى عالم البرزخ، ومعنى أنّها حيّة أنّ لها عقلاً وإدراكاً، ويدلُّ عليه ما جاء في قوله تعالى في قصّة (حبيب النجار( : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس:26ـ27], فانّه هناك وهو في عالم البرزخ يتمنّى أن يعلم قومه ما أنعم الله عليه والتمنّي فعل منه ، وكذلك قوله تعالى: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( [آل عمران:169]، فهي صريحة بحياتهم بعد الممات، وأنّهم يفرحون ويستبشرون. ثُمَّ إنّ هناك صلةً بين الحياة الدنيا وحياة البرزخ بمعنى إمكان الاتّصال بالأرواح ومخاطبتها وأنّها تسمع وتحسُّ بما يفعله الأحياء، قال تعالى فيما أخبر به عن نبيّ الله صالح (عليه السلام): (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ([الأعراف:78،79] ، وكذلك في الرواية المشهورة من كلام النبي (صلى الله عليه وآله) للمشركين المقتولين الذين ألقوا في قليب بدر، وقوله (صلّى الله عليه وآله): (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم, ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني)، وكذلك سلامنا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في نهاية كلِّ صلاة، إذْ لو لم تكن هناك صلةٌ بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعد وفاته فما معنى سلامنا عليه. وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ (ج2/ص94)، البرزخ هو أمر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو قول الإمام الصادق (عليه السلام): والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ. وفي الخصال للصدوق (ره) (ص120) بإسناده إلى زين العابدين (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ..) (هو القبر وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا والله إن القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار) وفي الكافي للكلينيّ (قدّس) (ج3/ص245) عن الصادق(عليه السلام): (فإذا قبضه الله صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا).

فيمرُّ الإنسان - إذنْ - بهذه المرحلة بعد الموت أي بعد دفنه بالقبر, فالقبر أوّل منازل الحياة الأخرى كما نقل الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين, في الصفحة (494) عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) (إنّ القبر أوّل منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده ليس أقلّ منه) وفي البحار للعلّامة المجلسيّ (ج74/ص371): قال الإمام عليّ (عليه السلام) (يا ذوي الحيل والآراء والفقه والأبناء اذكروا مصارع الآباء فكأنّكم بالنفوس قد سلبت والأبدان قد عريت وبالمواريث قد قسّمت فتصير يا ذا الدَّلَالِ والهيبة والجمال إلى منزلة شعثاء ومحلّة غبراء فتُنوَّم على خدّك في لحدك... حتّى تشقّ عن القبور وتبعث إلى النشور.

فإذنْ هذه المرحلة من المراحل الطبيعيّة التي يمرُّ بها الإنسان كما مرَّ من قبل بمرحلة الأصلاب والأرحام ثمَّ مرحلة الدنيا... وبعد الموت تكون أرواح المؤمنين في نعيم وسرور على عكس أرواح الكافرين والمنافقين فإنّها تعيش في حياة ملؤها الكآبة والعذاب.

 

2021/02/20

الافتراء على الدين.. 3 أسباب للمآسي والحروب في العالم

إن الالتفات إلى بداهة أصالة حرمة المسلم في الإسلام يوضح أن كثيراً من المآسي التي تقع في المجتمع باسم الدين لا يستند في الحقيقة إلى تعاليمه؛ إذ لا يمكن أن يُسند ما وقع من الحروب والقتال بين المسلمين إلى توجيه الدين إلى التعصّب بين فرق المسلمين، وإسقاطه لحرماتهم.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 كما يؤكد ذلك علماء المسلمين عند نشوب الفتن الطائفية بين المسلمين، مستشهِدين بالنصوص الدينية.

وكيف يمكن لأحد أن يدعي –مثلاً- أن الدين هو الذي وجّه الخوارج في صدر الإسلام لقتل الإمام علي (ع) -مع موقعه وسابقته في الإسلام-، وكذا قتل كثير من المسلمين -على أساس تكفيرهم بدعوى ارتكابهم للكبائر- وبقر بطون نسائهم.. حتى احتج عليهم الإمام علي (ع) في بعض خطبه في نهج البلاغة: بكون ذلك مخالفة واضحة لسيرة النبي(ص) .

ونظير ذلك ما وقع في هذا الزمان من قومٍ؛ على أساس التوسّع في تكفير المسلمين، حتى استباحوا دماء الآمنين من المسلمين وغيرهم -من نساء وأطفال وشيوخ-، بأساليب شائنة، تنفر منها الفطرة، وينكرها الدين، وكأنهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه حيث يقول: [مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا].

وعليه: فليس هناك من دخلٍ للدين في حدوث هذه المآسي بحالٍ؛ وإنما نشأت هذه المآسي من خليطٍ: من عدم العلم، وضعف التعقّل، وعدم تهذيب الأخلاق..

١. فمن عدم العلم: قراءة النصوص القرآنية وتفسيرها بغير وجهها؛ وما ذلك إلا لعدم امتلاك أدوات فهمها وتفقهها؛ مما أدى إلى تطبيق الآيات الواردة في شأن المشركين المحاربين للمسلمين على المسلمين.

ومن العجب أن يتنزّل مستوى الفهم والتفطّن الأدبي للنصوص القرآنية والنبوية إلى هذا المستوى في وسط قسم من المسلمين؛ حتى فهموها على وجه يسوّغ لهم هذه التصرفات الشائنة وغير المسبوقة في تاريخ الدين.

٢. ومن ضعف التعقل: الاعتقاد بأن هذه السلوكيات والأعمال يمكن أن تؤدي إلى وجود دولة مستقرة، تشمل جميع بلاد المسلمين، ليعود مجد الإسلام والمسلمين إلى ما كان عليه في العهد الأول.. مع أن من الواضح أن هذه الأمور لن تؤدي إلا إلى زيادة الفتن، وانتشار الشبهات في بلاد المسلمين، وصرف طاقاتهم وإمكاناتهم في القتال فيما بينهم.

ولقد كان تقدم الإسلام قبل أربعة عشر قرناً في الجزيرة العربية التي كانت مليئة بالخرافات والتعسّف -على صفاءٍ في نفوس أهلها- على أساس خطاب فطريٍ عقلانيٍ، يحفز في الناس روح العقل، ويوقد فيهم مشاعر الفطرة، ويستشهد لهم على حقانية النبي (ص) بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعوهم إلى التأمل والتفكير في الكون والحياة، ويوجههم إلى التصرّف الحكيم والعمل الفاضل برفق وأناة.. فكيف يمكن الدعوة إليه في هذا العصر -مع نموّ الفكر والشعور الإنساني- بهذه الأفكار والسلوكيات المجافية للعقل والفطرة؟

وبعد، فالحكومة في الإسلام وسيلة لإشاعة العدل، والتوجيه نحو الفضيلة، وليست غاية لذاتها.. فكيف يضحي المرء بالغاية لأجل الوسيلة؛ فهل هذا إلاّ من قبيل لبسِ الإسلامِ لبسَ الفرو مقلوباً  -كما ورد التنبؤ به في الحديث -؟

٣. ومن عدم تهذيب الأخلاق: الوقوع في المزاجيات المفرطة الخارجة عن الاعتدال الإنساني، وطغيان المشاعر الناشئة عن حب الرئاسة والجاه، أو الشعور بالتحقير والتهميش -مما يؤدي إلى الحقد على الآخرين والنكاية بهم-، أو ردود أفعال مبالغ فيها على ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية.

ومن المعلوم أن الإنسان ما لم يتهذب فسوف يجعل أي مبدأ وعقيدة سبيلاً لإرضاء مزاجياته، ويتخذ من المبادئ غطاءً لتوجيهها -سواء كان هذا المبدأ هو الدين، أو الدولة المدنية، أو قانون حقوق الإنسان-.. ولقد شهدنا في هذا العصر سلوكيات من دول تنادي بمبادئ، مع أن سلوكها ليس السلوك الأمثل في تطبيق تلك المبادئ؛ بل بعضها لا تناسبه أصلاً؛ لما فيها من التعسف ومجانبة الإنصاف.

وعلى العموم فإن المبادئ الحقة لا تكفي في تصحيح السلوك الإنساني؛ بل تحتاج في فهمها -فضلاً عن تطبيقها- إلى حاضنة سليمة؛ فإذا لم تسلم الحاضنة -لعدم استكمال العقل، واستحكام الجهل، والخروج عن الاعتدال- فإن هذه الحاضنة سوف تشوّه تلكم المبادئ، وتحوّر نصوصها، لتوجيه تصرفاتها، ويستحيل عليها فهمها وتطبيقها على وجهها.


من كتاب منهج التثبت في شأن الدين

2021/02/17

السيد السيستاني يحذر من تأثير ’’التيارات المنحرفة’’ ويقترح 6 حلول

حصل «موقع الأئمة الاثني عشر» على جواب لسماحة آية الله السيد محمد باقر السيستاني، دامت بركاته، حذر فيه من تأثير التيارات المنحرفة على الشباب.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ودعا سماحته في ردّه على سؤال وجّه له بشأن تكليف الشباب تجاه الثقافات والحركات الفكرية، إلى "نشر المعروف وهجر المنكر".

فيما يلي نص السؤال مع الإجابة:

س: ما هو تكليفنا اليوم تجاه الثقافات الأخرى والحركات الفكرية والشبهات المطروحة مع كثرة أدوات التأثير لها؟

ج: لا شك أن هذا العصر يتميز بكثرة التحديات التي تتفق إزاء سلامة الفكر والعقيدة والأخلاق، وذلك من خلال أدوات الاطلاع والتواصل المميزة التي تيسرت وعمّت الناس جميعاً.

وهذا أمر يذعن به الباحثون جميعاً مهما كان الاتجاه الذي يعتقدونه ويرون صوابه، لأنهم يجدون كيف أن الاتجاهات الأخرى تؤثر على الناس في جذبهم إليها رغم خطئها والانحراف فيها، لأن هذه التحديات لا تتفق تجاه فكر محدد أو عقيدة معينة أو منهج أخلاقي خاص، بل هذه التحديات أصبحت تواجه ثوابت الرشد والاعتقاد والأخلاق.

فإذا لاحظنا عنصر الرشد وجدنا أن التيارات المنحرفة انحرافاً واضحاً كيف تستهوي كثيراً من الشباب وغيرهم إلى أنفسها، وتصرفهم عن الاتجاهات المعتدلة والمستقيمة في الحياة للإيمان بأفكار وسلوكيات ومناهج خاطئة بوضوح.

وإذا لاحظنا عنصر الاعتقاد وجدنا تسخير كل صاحب عقيدة -حتى الاعتقادات المبتدعة- هذه الوسائل لجلب جماعة والتأثير عليهم، وهو ما كان مؤثراً فعلاً في فريق من الناس.

وإذا لاحظنا عنصر الأخلاق فمن المعروف التحديات التي تمثلها هذه الوسائل لأخلاق الأطفال والمراهقين والشباب، بل والمراحل العمرية من بعد ذلك.

إضافة إلى ذلك ما يجده الإنسان المؤمن بالدين من تحديات تجاه ما يبني عليه من الرشد والحكمة والاعتقاد الصحيح والأخلاق السليمة وفق المنظور الديني الموافق للفطرة الإنسانية.

ولذلك كان لزاماً على المؤمنين من منطلق واجبهم تجاه أنفسهم وأولادهم ومجتمعهم عملاً بفريضة التعاون على البر والتقوى والسعي إلى نشر المعروف وهجر المنكر من الاهتمام بتدبير هذه النقطة، كلّ وفق ميسوره ودائرة تأثيره من الأسرة والمجتمع الخاص أو العام ووفق المواقع التي يكون فيها مثل موقع الأبوين في الأسرة وموقع المعلم والمربي في المدرسة وموقع الخطيب والعالم في المجتمع، بل موقع الزميل والصديق في المدرسة والسوق وموقع رجل الدولة في المسؤوليات المنوطة به فيها ونحو ذلك، ويصدق في هذا الشأن حقاً مقولة النبي (ص) المعروفة: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).

والانتباه إلى هذه الفريضة وضرورتها وأهميتها وأبعادها هو بنفسه أول واجب على الإنسان في الموضوع.

وأما الخطوات العملية في هذا الشأن:

١- ملء الإنسان أوقاته بأعمال هادفة وسامية وناظرة إلى تأمين مستقبله الدنيوي والأخروي - فإنّ الانتباه إلى المستقبل والتفكير في عناصر النجاح والسلامة والسعادة فيه والاهتمام بالإعداد له بعيدا عن الاستغراق في اللهو أو اللامبالاة بالوقت أو مشاعر اليأس والإحباط - مؤثرٌ في صيانة الإنسان عن خطر المزالق وصدوده عن جموح الرغبات، وتشتت همومه بين أمور غير نافعة، فلا بدّ من التفكير لمستقبل ملائم يعطي معنى للحياة ويرسم له أفقا مأمولا ينير الإنسان فيما يراوده من أفكار وهواجس ويوجه سلوكياته وأعماله في ضمن رؤية للاستقرار والنجاح والارتقاء والتكامل.

٢ ــ الحضور المؤثر والملائم في مسرح الأحداث كلٌّ حسب استطاعته وفق قاعدة: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ]، فالغياب عن المشهد هو غياب مطلق عن التأثير.

٣ ــ دراسة الأدوات الملائمة وفق المبادئ الدينية والتربوية الاجتماعية والنفسية ــ من المتخصصين ــ، ووضع مناهج مناسبة للتأثير على المجتمع في الاتجاه السليم.

٤ ــ تكاتف الجهود تحقيقاً للتعاون على البر والتقوى، لأن كثيراً من المسؤوليات لن تتحقق بالجهد الفردي، وهو يقتضي الاهتمام بمبدأ الإدارة والكفاءة وغياب نزعات التصدر والمصالح الشخصية.

٥ ــ إيجاد بيئات ملائمة يمكن للمرء أن يعيش فيها ويتأثر بأجوائها ويمنع من احتضان بيئات مغايرة له، لأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان لها دور كبير في صيانة أفكاره ومعتقداته وأخلاقياته.

٦ ــ الاهتمام ببناء الإنسان لنفسه ــ خاصة من يكون في موقع مؤثر من جهة التأسي به والنظر إليه، فوجود نماذج صالحة حقاً وليست مرائية في كل وسط بأداء صامت له أبلغ الأثر على الآخرين الذين يشهدونه، وإلى ذلك أشير في قوله تعالى عن دعاء المؤمنين: [وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا]، فكل إنسان صالح في الأسرة والمجتمع والمدرسة والجامعة يكون له تأثير إيجابي في اتجاه الصلاح على الآخرين.

وبعد فإن الإنسان المؤمن يجد في مبادئ الإيمان وقواعده والممارسات الإيمانية والبيئة المؤمنة عوناً على إنجاز أيسر لهذه المهمة، وقد قال الله سبحانه: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ].

2021/02/16

’’اتق شر من أحسنت إليه’’ .. هذه العبارة الشهيرة ليست حديثاً!

هذا النصُّ لا يوجد في كتب الشيعة الإماميّة المعتمدة وغيرها، وإنّما هو موجود في بعض كتب السنّة، وهو في حقيقته ليس حديثاً من الأحاديث المرفوعة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ وإنّما هو من كلام بعض السلف، بل بعضهم عَـدّ أصله مأخوذ من الإسرائيليّات.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ففي كتاب كشف الخفاء للعجلونيّ (1/43): عند تعليقه على هذا النصِّ: ( اتّقِ شرَّ من أحسنت إليه )، قال: وفي لفظ من تحسن إليه، إذْ نقل العجلونيّ عن السخاويّ قوله: لا أعرفه ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف، قال: وليس على إطلاقه بل هو محمول على اللّئام دون الكرام، ويشهد له ما في المجالسة للدينوريّ عن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه (عليه السلام): الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا لطف... ثُمَّ بعد ذلك نقل العجلونيّ كلام أبي عمرو بن العلاء يخاطب بعض أصحابه: كن من الكريم على حذر إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العاقل إذا أحرجته ومن الأحمق إذا رحمته ومن الفاجر إذا عاشرته وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك أو تحدّث من لا ينصت لك، وفي الإسرائيليّات يقول الله عز وجل : من أساء إلى من أحسن إليه فقد بدّل نعمتي كفرا ومن أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لي شكرا.

2021/02/14

من أين جاء الإله؟ .. أقوى 5 أسباب للإلحاد!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

في مقطعٍ مُصوّرٍ اِنتشرَ على وسائلِ التّواصلِ، ظهرَ عالمُ الأحياءِ التّطوّري وأيقونةُ الإلحادِ المُعاصرِ ريتشارد دوكنز (ولدَ : 1941م ) مُجيباً عَن سؤالٍ عُنوِنَ بهِ المقطعُ :( ما هيَ أفضلُ خمسةِ أسبابٍ على عدمِ وجودِ إلهٍ ؟ ).

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وقَد رأيتُ في هذا المقالِ أن أعرضَها مثلما جاءَت في المقطعِ، وأعلّقَ على كلِّ واحدٍ مِنها:

الهروبُ إلى الأمامِ:

1ـ يقولُ دوكِنز : " المُلحدُ لا يتحمّلُ عِبء تقديمِ دليلٍ على عدمِ وجودِ الشّيءِ بَل العكس ، المُؤمنُ هو مَن يتحمّلُ عِبءَ تبيانِ وجودِ الشّيء ... لِذا فالسّببُ الأهمُّ على عدمِ وجودِ إلهٍ هوَ أنّهُ لا يوجدُ أسبابٌ تدعمُ وجودَ الإلهِ "إِنتهى.

التّعليقُ:

في هذهِ النّقطةِ، يستخدمُ دوكينز مغالطةَ " الإحتكامِ إلى الجهلِ " فيتّخذُ مِن " غيابِ الدّليلِ " ، دليلاً، يقولُ الفرنسيّونَ : " الجهلُ ليسَ دليلاً على شيءٍ إلّا على أنّنا نجهلُ"(1)!

ويُفسّرُ الفيلسوفُ البريطاني أنتوني جون باتريك – كيني، لماذا الإلحادُ غيرُ مُبرّرٍ مُطلقاً، فيقولُ: إظهارُ أنّكَ تعرفُ يتطلّبُ جُهداً أكبرَ مِن إظهارِ أنّكَ لا تعرِف، ويضيفُ: هذا أيضاً لا يُخلّصُ اللا أدري منَ الورطةِ، فالمُتقدّمُ للإختبارِ يُمكنُه تبريرُ عدمِ معرفتِه بإجابةِ أحدِ الأسئلةِ؛ لكِن هذا لا يمنحُه القُدرةَ على النّجاحِ واِجتيازِ الإختبار(2)

والمفارقةُ أن دوكنز الذي قدّمَ هُنا "خمسةَ أسبابٍ" على عدمِ وجودِ إلهٍ! يقولُ في مُناظرتِه معَ جورج بيل : " لن تجدوا أيّ عالمٍ مِن أيّ اِتّجاهٍ عقليّ يُمكنُ لهُ أن يُبرهنَ لكُم على عدمِ وجودِ أيّ شيءٍ، ليسَ باِستطاعتي أن أُثبتَ عدمَ وجودِ إله"(3).

التّطوّرُ بديلاً عنِ التّصميم!

2ـ يضيفُ دوكنز : " حُجّةُ التّصميمِ القائلةِ بأنّ الأشياءَ تبدو وكأنّها صُمّمَت بشكلٍ جميلٍ كالموزِ والتّفاحِ والبشرِ والكنغرِ وإلخ وهيَ تبدُو وكأنّها مُصمّمةٌ لأنّها ناتجُ عملِ الإنتخابِ الطّبيعيّ الدّارويني فهوَ الذي يجعلُها تبدو وكأنّها مُصمّمةٌ ، هوَ يُنتجُ نُسخاً شبيهةً جِدّاً بالتّصميمِ ".

التّعليقُ:

داروِن نفسُه، لَم يكُن يرى ثُنائيّةَ: ( إمّا التّصميمَ – أو نظريّةَ التّطوّر) على أنّها مانعةُ جمعٍ، وثُنائيّةٌ استقطابية، وحينَ ذُكرَ ذلكَ لدُوكينز أثناءَ مُناظرتِه معَ الكاردينال جورج بيل، ردَّ: هذا غيرُ صحيحٍ!، فأرجعهُ الكاردينال للصّفحةِ [92] مِن سيرةِ داروِن، لمَ ينبِس دوكِنز ببنتِ شفة(4) وهذا الجزءُ مِن كلامِ الكاردينال  -للأسفِ-  لمَ يُسجِّل في كتابِ: حوارات سدني (5)  وحينَ سألتُ المُترجمَ عَن ذلكَ، برّر: أنّهُ قَد ترجمَ المُناظرةَ مُحرّرةً على موقعِ دُوكينز نفسه!

يؤكّدُ هُنا دوكنز: (بأنّ الأشياءَ تبدو وكأنّها صُمّمَت) وفي مكانٍ آخرَ بعدَ أن يقولَ أنّنا أكثرُ الأشياءِ تعقيداً في هذا الكونِ يُعرّفُ علمَ الأحياءِ والبيولوجيا: " دراسةُ الأشياءِ المُعقّدةِ التي تُعطي مظهراً بأنّها قَد صُمّمَتْ لهدفٍ"(6) فما الذي يجعلهُ يتركُ ما تبدو عليهِ الأشياءُ وما تُوحي بهِ غيرُ "الإلحادِ الدّوغمائي"؟!

دوكنز لا يُفرّقُ بينَ الآليّةِ التي تعملُ مِن خلالِها الطّبيعةُ، والفاعليّةُ وراءَ هذهِ الآليّةِ وأنَّ العلمَ الطّبيعيّ معنيٌّ بدراسةِ الأسبابِ والعللِ القريبةِ المادّيّةِ المُرتبطةِ بالإجابةِ عَن سؤالِ "كيف"؟ ولا علاقةَ لهُ بالأسبابِ البعيدةِ والعِلّةِ (الفاعليّةِ والغائيّةِ) المُجيبةِ عَن سؤالِ مَــن ولِماذا؟

كتبَ لينوكس: الفكرةُ القائلةُ أنَّ مفهومَ اللهِ والتّطوّرِ البيولوجي يُلغي كلٌّ مِنهُما الآخرَ تعني أوّلاً : أنَّ اللهَ والتّطوّرَ يندرجانِ تحتَ فئةٍ تفسيريّةٍ واحدةٍ ، ولكنَّ هذا خطأٌ بيّنٌ ، هذهِ الفكرةُ تنطوي على خطأٍ تصنيفيٍّ، فنظريّةُ التّطوّرِ تدّعي كونَها آليّةً بيولوجيّةً ، ومَن يُؤمنُ باللهِ يعتبرونَهُ فاعِلاً يُصمّمُ ويخلقُ الآليّاتِ ، إنَّ فهمَ آليّةِ عملِ سيّارةِ فورد لا يعُدُّ بذاتهِ حُجّةً تُبيّنُ أنّ مستِر فورد نفسَه غيرُ موجودٍ فوجودُ الآليّةِ لا يُعتبرُ في ذاتِه حُجّةً تُثبتُ عدمَ وجودِ فاعلٍ صمّمَ هذهِ الآليّةَ.

 ولئِن أصرَّ على إحلالِ الانتخاب الطّبيعي محلَّ التّصميمِ الذّكي فيما يبدو بظاهرِه مُصمّماً، (يعني في الحياةِ على هذا الكوكبِ وحسب) فـإنَّ الضّبطَ الدّقيقَ في الكونِ كما ينصُّ، يقولُ عالمُ الفلكِ البريطاني إدوارد هاريسون (ت2007م): يقدّمُ دليلاً مبدئيّاً بديهيّاً على وجودِ تصميمٍ إلهيّ، فلتحسِم إِختياركَ : إمّا صُدفةٌ عمياءُ تتطلّبُ كثرةً منَ الأكوانِ أو تصميمٌ يتطلّبٌ كوناً واحِداً(7).

التّجربةُ الدّينيّة:

3ـ  " والأسبابُ الأخرى مثلَ زعمِ البعضِ أنّهم يمتلكونَ تجربةً شخصيّةً أو تجربةً ذاتيّةً عنِ الله، حسناً: نحنُ نعرفُ سهولةَ اِنخداعِ النّاسِ وسهولةَ تعرّضِهِم للهلوسةِ وسهولة توهّمِهم وسهولةَ رُؤيتِهِم للأحلامِ " إنتهى.

التّعليقُ:

مِن حقِّ دوكنز أن يقولَ: إنَّ هذهِ التّجربةَ الشّخصيّةَ معَ اللهِ لا تُلزِمُ إلّا صاحبَها، تماماً كالشّعورِ بالعطشِ أو الألمِ أو السّعادةِ.. وغيرِها مِن مشاعِر،  لكنَّ تكذيبَها كما تكذيبِ المشاعرِ وسائرِ التّجاربِ الشّخصيّةِ أمرٌ غيرُ واردٍ، بَل قبيحٌ، نعَم، قَد لا يكونُ الآخرونَ مُلزمينَ بإحضارِ المُسكّناتِ وأنتَ تُخبرُهم عَن وجعِ ضرسكَ، أو أن يستشعرُوا معكَ الطّمأنينةَ والسّعادة، لكِن، تخيَّل -بدلاً عَن ذلكَ- أن يُقالَ لكَ وأنتَ في تلكَ الحالِ فِعلاً: أنتَ تكذِب، أو هذا مُجرّدُ وهمٍ وهلوسةٍ!

ما أُريدُه بإيجازٍ: أنَّ المشاعرَ والتّجاربَ الشّخصيّةَ لا تُكذّبُ، ليسَ لحقّانيّتِها أو صِدقِها بالضّرورةِ؛ إنّما لأنّها تخضعُ لمعاييرِ التّصديقِ والتّكذيبِ، سيّما تلكَ التي لا يعرفُ غيرَها دوكِينز!، ومعَ هذا، عليكَ أن تُحقّقَ في مقولةِ: لا مُلحدينَ في الخنادِق!

مِن أينَ جاءَ الإلهُ؟!

4ـ  ويواصلُ مُتسائِلاً  :" حُجّةُ المُسبّبِ الأوّلِ تُفنّدُ نفسَها بنفسِها لأنّكَ إن اِفترضتَ أنَّ الإلهَ هوَ المُسبّبُ الأوّلُ ستواجهُ صعوبةً كبيرةً في أن تُفسّرَ مِن أينَ جاءَ الإله ؟ "

التّعليق:

والجوابُ وتماهياً معَ سؤالِه: جاءَ مِن إلهٍ آخرَ قبله، وحينَ يعاودُ السّؤالَ يعودُ الجوابُ ذاتُه: خلقهُ إلهٌ آخرُ، وهكذا دواليكَ، إلى أن ننتهي إلى إلهٍ خالقٍ غيرِ مخلوقٍ، مُوجِدٍ غيرِ مُوجَدٍ، عِلّةٍ غيرِ معلول، سببٍ لا سببَ لهُ، موجودٍ وجودُه عينُ ذاتِه والذّاتيّ لا يُعلّلُ وكُلُّ ما بالغيرِ لابُدَّ أن ينتهِيَ إلى ما بالذّاتِ. ويجدرُ الإهتمامُ في هذا السّياقِ ما قالهُ ماكغراث، مِن أنَّ الغايةَ الأسمى منَ العلومِ الطّبيعيّةِ هيَ السّعيُ مِن أجلِ " النّظريّةِ المُوحّدةِ العُظمى – نظريّةُ كُلِّ شيءٍ " فـلِـمَ نظريّةٌ كهذهِ تُعدُّ بتلكَ الأهمّيّةِ؟ لأنّها تُفسّرُ كُلَّ شيءٍ دونَ الحاجةِ إلى أن يكونَ مَطلوباً تفسيرُها بذاتِها ، وينتهِي المسارُ التّوضيحيُّ ههُنا فتنتفِي الحاجةُ إلى التّراجعِ اللّانهائي بُغيةَ التّفسيرِ(8).

رهانُ باسكال:

5ـ يختمُ دوكِنز: "رهانُ باسكال القائلُ بأنّهُ مِن مصلحتِكَ الرّهانُ على وجودِ إلهٍ لأنّكَ إن لَم تفعَل ستذهبُ إلى الجحيمِ، هذهِ حُجّةٌ سخيفةٌ لأنّها تفترضُ أنّك تعلمُ أصلاً أيُّ إلهٍ هوَ الإلهُ الحقُّ ".

التّعليقُ:

هناكَ الكثيرُ ممّا يُمكنُ أو يجبُ أن يُقالَ بشأنِ رهانِ باسكال، لكِن بإيجازٍ: رهانُ باسكال ليسَ حُجّةً تُثبتُ وجودَ إلهٍ موضوعيّاً ليُدرجَ هُنا، وإنمّا يُجادلُ بهِ - براغماتيّاً- قضيّةُ الإلحادِ وعدمُ وجودِ إلهٍ ويفيدُ أنّها بمنطقِ الرّبحِ والخسارةِ قضيّةٌ مُعرّضةٌ للخسارةِ الأبديّةِ مُقابلَ الإيمانِ الذي لا خسارةَ أُخرويّةَ معهُ على كُلِّ حالٍ .

على أنَّ عُنوانَ حديثِ دوكنز كانَ " عدمُ وجودِ إلهٍ " ذلكَ الإلهُ الذي يُعبّرُ عنِ المبدأِ الأزليّ لسائرِ الموجوداتِ، لكنّهُ هُنا راحَ يُجادلُ فكرةَ " الإلهِ الحقِّ " مُوهِماً المُتابعَ أنَّ تعدّدَ أسمائِه وصفاتِه بحسبِ الأديانِ والمذاهبِ يعنِي بالضّرورةِ تعدّدَ ذاتِه، وكأنَّ رهانَ باسكال جاءَ ليُرجّحَ منظوراً دينيّاً مُحدّداً للإلهِ على آخر!

الهوامش:

(1) للتّفصيلِ أكثَر يُراجع كتابُ :  المغالطاتُ المنطقيّة ، للدّكتور عادِل مُصطفى ص239 ط1: القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2007 م.

(2) أنتوني فلو -  هُناك  إلهٌ - كيفَ غيّرَ أشرسُ مُلحدٍ رأيه ؟  ، ص75 ، ترجمة : د. صلاح  الفضلي.

(3) ريتشارد دوكنز - حواراتُ سدني ص27 ط : دارُ سطور ، الطّبعة الأولى : 2017 ، ترجمةُ : قيس قاسم العجرش .

(4) جاءَ ذلكَ في الدّقيقة [29] منَ المُناظرةِ المَنشورةِ على الإنترنِت والمُترجمةِ بعنوانِ : هَل الإيمانُ بالدّينِ يجعلُ مِن العالمِ مكاناً أفضَل؟ مُناظرةٌ بينَ ريتشارد دوكنز وجورج بيل .

(5) المصدرُ السّابق - حواراتُ سدني ص37 .

(6) دوكينز- صانع السّاعاتِ الأعمى ص21 ، دارُ العين للنّشر ، الطّبعةُ الثّانية : 2002 ،  ترجمةُ : د . مصطفى ابراهيم فهمي.

(7) جون ليونكس_العلمُ ووجود الله ص61 وما بعدها.

(8) ليستر إدغار ماكغراث  - وهم دوكنز ،  الأصولية الملحدة وإنكار الإله ص28

2021/02/10