أجرت وكالة “شفقنا” في بيروت حواراً مع مدير مكتب سماحة السيد السيستاني “دام ظله” في لبنان الحاج حامد الخفاف، تناول فيه دور المرجعية الدينية في المشهد السياسي وملامح منهجها، ومواردها المالية، وكيفية صرفها، وآلية كتابة خطبة جمعة كربلاء، وتطرق إلى علاقة المرجعية بمشاريع العتبات المقدسة ونشاطاتها الاستثمارية، وطبيعة مفهوم المتولي الشرعي. وعن مستقبل المرجعية الدينية بعد مرحلة السيد السيستاني أدام الله بقاءه.
وفي الموضوع السياسي أجاب عما اذا كان السيد عادل عبد المهدي مرشح المرجعية لموقع رئاسة الوزراء، وعن سبب إغلاق السيد السيستاني دام ظله بابه أمام الساسة العراقيين، وعما ينسب لسماحته من قبل زائريه. كما أوضح رؤية المرجعية حول مستقبل “الحشد الشعبي”.
الخفاف:
• السيد السيستاني دام ظله يتابع كل ما يجري بدقة متناهية.
• المرجعية امتنعت عن تلقي أي دعم حكومي مباشر أو غير مباشر.
• تسنم طبقة من (المتدينين) المواقع التنفيذية واخفاقهم في تلبية طموحات الشعب أثر سلباً على موقع الدين في نفوس شرائح من الناس.
• كافة مشاريع العتبات المقدسة هي تحت سقف ما أقره قانونها ويطبق عليها كل مقتضيات الرقابة المالية.
• موقع المتولي الشرعي للعتبتين الحسينية والعباسية ليس لإدارة العتبتين وإنما لمجرد تأمين الجانب الشرعي فيما يجري فيهما.
• لم يكن د. عادل عبد المهدي مرشح المرجعية، ولكنها لم تعترض عليه.
• المرجعية تنتظر تطبيق قانون الحشد الشعبي وتنفيذ الأمر الديواني…
• ديمومة المرجعية الشيعية قوية ومؤثرة رهن بإبعادها عن شبهة التوريث…
• أسس السيد السيستاني لنمط من التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية يصعب تجاوزه في المستقبل.
وفيما يلي نص الحوار:
1. ما هو دور المرجعية في المشهد السياسي، وما هي حدود تدخلها وتوقيته؟
كان للمرجعية العليا أدوار مختلفة منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 ولحد الآن، فقد أخذت بزمام المبادرة بإصدارها الفتوى الدستورية الشهيرة التي أسست لبناء الدولة العراقية الحديثة وفق نظام يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، وحثت العراقيين على الاشتراك في الانتخابات لتقرير مصيرهم بأيديهم، وعلى احترام القانون والحفاظ على المال العام، وعدم الثأر والانتقام.
وتدخلت المرجعية العليا غير مرة لإيقاف التدهور الأمني في أكثر من منطقة، مستخدمة قوتها المعنوية، بتقديم حلول سياسية تارة، وبالتدخل المباشر تارة أخرى، كما حدث في أزمة النجف الكبرى آب 2004.
كما أجهضت كثيراً من المشاريع الأجنبية المشبوهة التي حاولت الالتفاف على المطالب المحقة للشعب العراقي في السيادة والاستقلال وأخمدت الفتنة الطائفية بالحكمة والصبر. وواجهت الارهاب بكافة صوره وأشكاله، وكان من أهمها الهجوم الهمجي الذي تعرض له العراق من قبل عصابات داعش، حيث أصدرت فتوى الدفاع الكفائي، ما أدى إلى تغيير موازين القوى بشكل جذري وإحباط مؤامرة كبرى حيكت للعراق والعراقيين.
وواكبت المرجعية العليا الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد المالي والاداري ودعمته بخطبها ومطالباتها ومواقفها، ولكنه ــ وللأسف ــ لم يسفر لحد الآن عن نتائج ملموسة.
وكانت المرجعية العليا ولا تزال تراقب العملية السياسية بدقة تامة فتتدخل متى ما استشعرت الخطر محدقاً بالعراق ومصالح شعبه، ووجدت أن تدخلها يكون مجدياً في حل الازمات المستعصية أو التخفيف منها، ولتدخل المرجعية ـــــ التي هي حريصة على أن لا تتجاوز فيه الاطر القانونية ـــ صيغ مختلفة معلنة وغير معلنة، باختلاف الظروف والحيثيات، ولكنها في كل الاحوال تكون شفافة وواضحة لذوي الشأن من مسؤولين وغيرهم، وليس من دأبها أن تتفاوت مواقفها المعلنة عما تتبناه في واقع الحال.
2. ما هي آلية المتابعة السياسية للمرجعية وكيفية اتخاذ الموقف من قبلها؟
سماحة السيد السيستاني دام ظله يتابع كل ما يجري عبر عدة آليات، منها: المتابعة المباشرة عبر وسائل الاعلام المرئي والمسموع، كما يقدم لسماحته أهم ما ينشر في الصحافة والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل مما هو محل الحاجة، وكذلك كتب وتقارير علمية في الملفات المهمة والحساسة، ويطلع على ما يصل الى مكتبه من تقارير عن احاديث وتصريحات المسؤولين في الدولة بمستويات متفاوتة تبين وجهات نظرهم في مختلف شؤون البلد. كما أن سماحته يعتمد في جزء أساسي من متابعاته على ما يستمع إليه من زائريه وهم من عموم طبقات المجتمع العراقي وغيره.
أما إصدار المواقف، فهو يبتني على دراسة دقيقة ومتأنية لكل حالة، وبعضها قد يستدعي الاستشارة من أهل الاختصاص، كما حصل في حالات عديدة، منها على سبيل المثال: رأي المرجعية العليا بإمكانية إجراء الانتخابات على أساس البطاقة التموينية، وهو رأي معمول به لحد الآن، اذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة اجراء احصاء سكاني حتى يومنا هذا.
3. ما هي الموارد المالية للمرجعية الدينية، وما هو حجم تأثيرها على الواقع، وأين تصرف؟ وهل موارد العتبات المقدسة في العراق تكون في متناول يدها وهي تتصرف فيها؟
من المعروف تاريخياً ان الحقوق الشرعية (الخمس والزكاة) وسائر ما يتبرع به المؤمنون من الخيرات والمبرات تشكّل الموارد المالية للمرجعية الدينية، وبالتأكيد ان لذلك تأثيراً واضحاً على الواقع المرجعي، ويتمثّل بالدرجة الاساس في حفظ استقلالية المؤسسة الدينية الشيعية عن السلطات الحاكمة عبر التاريخ. ومن هنا تجرى محاولات دؤوبة من جهات مختلفة لتقليص ما يصل الى المرجعية من الحقوق الشرعية ظناً منهم ان ذلك يؤثر في نشاطها ويحدّ من تأثيرها.
وأما أين تصرف الاموال؟ فالجواب واضح: إنها تصرف في مواردها المعروفة من تأمين رواتب ومخصصات اساتذة وطلاب الحوزات العلمية وتأسيس المشاريع الدينية والخيرية وديمومتها والصرف على الفقراء والمحتاجين، وما ماثل ذلك، وليس للمرجعية مبالغ كبيرة مخزنة ــــ كما يشيع البعض ــــ بل ما يصلها يصرف في مواردها خلال مدة قصيرة نسبياً.
وجدير ذكره ان سماحة السيد السيستاني دام ظله ـــ ومنذ بدايات تصديه للعمل المرجعي ــــ أجاز لعموم العراقيين من مقلديه ان يدفعوا حقوقهم الشرعية إلى الفقراء مباشرة من دون الرجوع إليه. وكان لهذه الفتوى آثار مهمة ومباركة في الشارع العراقي، كما أن سماحته ملتزم بصرف كل ما يصله من العراقيين في العراق نفسه، ويصرف فيه أيضاً الكثير مما يصله من مقلديه في سائر البلاد.
وأما الموارد المالية للعتبات المقدسة في العراق فلم يسبق للمرجعية أن تصرفت في شيء منها، كما انها امتنعت عن تلقي أي دعم مالي حكومي مباشر أو من المؤسسات الممولة من قبل الحكومة كديوان الوقف الشيعي.
أما الحديث عن امكانات مالية كبيرة للمرجعية الدينية فهو مما لا اساس له، وربما تذكر مبالغ خيالية لا عهد للمرجعية بها في كل تاريخها، ومن الغريب ما يطرحه البعض من ان المرجعية تستطيع ان تحل مشكلة الفقر هنا أو هناك فانه كلام غير علمي وغير واقعي بتاتاً. وانما حل هذه المشكلة واضرابها هو من مهام الحكومة وضمن الخطط والامكانات المتاحة لها عادة. وأما امكانات المرجعية فهي بحدود المساهمة في رفع بعض الحاجة عن الفقراء والمعوزين من خلال المساعدة المباشرة او اقامة المشاريع الخدمية. ومؤسسة العين للرعاية الاجتماعية من أهم المشاريع الخيرية للمرجعية، وهي تعنى برعاية عشرات الآلاف من الايتام والارامل وتقدم مساعدات للجرحى والمرضى لعلاجهم حتى في خارج العراق.
4. ما هي ملامح منهج السيد السيستاني؟
لتوضيح بعض ملامح منهج المرجعية العليا، يمكن الاشارة إلى ما يلي:
أ ــ إنَّ المرجعية العُليا لا تتدخل في تفاصيل العمل السياسي بل تترك المجال واسعاً للقوى السياسية للقيام بذلك، وإنما تتدخل في القضايا المصيرية التي تعجز القوى السياسية عن التعاطي معها أو تقديم حلول مركزية لها .
ب ــ إنَّها تُؤمن بالتعايش السلمي بين أبناء المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة وبينهم وبين أبناء الأديان الأخرى، وقد أصّلت ذلك بمنهج عملي يبتعد عن الشكليات غير المنتجة لحساب المضمون الذي يُكرس ثقافة التعايش والاحترام المتبادل .
ج ــ إنَّها تؤكد على احترام مؤسسات الدولة المنبثقة من خيارات الشعب التي لا بديل عنها بتاتاً لقيام وطن حر ومستقل وسيد، وهذا يسري على كافة القطاعات العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية والاجتماعية وغيرها .
د ــ إنها تؤمن بضرورة اندماج الشيعة أينما وجدوا في أوطانهم وهي تترك لأهل الحل والعقد في كل بلد تدبير شؤونهم، ولا تتدخل في قضاياهم إلا إذا طُلب منها ذلك ورأت أن لتحركها ثمرة مفيدة وفق الظروف والمعطيات الموجودة.
ه ــ إنَّها تُراقب بدقة الأحداث محلياً وإقليمياً ودولياً وقد تسكت طويلاً ولكن سكوتها ليس غياباً، ولذلك فهي عندما تقول تقول وبقوة في الوقت والمكان المناسبين لتقلب الموازين أو تُغير خُططاً أو تفرض واقعاً فيه مصلحة للوطن والأمة والدلائل على ذلك كثيرة.
5. هل ان خطبة الجمعة الثانية التي تلقى في الصحن الحسيني من قبل الشيخ الكربلائي والسيد الصافي تكتب في النجف وترسل إليهما أم أنها من إعدادهما؟
كان قسم منها يعدّ في مكتب سماحة السيد (دام ظله) في النجف الاشرف بتوجيه ومراجعة سماحته ويقُرأ بالنص، وقسم آخر كان من اعداد فضيلتي الشيخ الكربلائي والسيد الصافي ويتم اجراء بعض التغييرات الضرورية عليه قبل القائه، وقسم ثالث كان مما ارتجله صاحبا الفضيلة ضمن عناوين عامة متفق عليها مع مكتب سماحة السيد (دام ظله).
ولما تقرر في ربيع الاول عام 1437هـ الموافق شباط 2016م عدم التطرق اسبوعياً الى رؤى المرجعية الدينية العليا في الشأن العراقي بل حسبما تستجد من الامور اقتصر في الخطب ـــ ولا يزال ـــ على ذكر أمور اخلاقية ودينية واجتماعية عامة، وهي كلها من إعداد الشيخ الكربلائي والسيد الصافي، مع استثناءات قليلة يعدّ فيها نص الخطبة مكتوباً في النجف الاشرف فيقرأ من دون اضافة مرتجلة او تغيير ملموس، كخطبة تحرير الموصل في 19/10/1438 الموافق 14/7/2017 وخطبة الاستفتاء في اقليم كردستان -العراق- في 8/1/1439 الموافق 29/9/2017 وخطبة النصر على داعش في 26/3/1439 الموافق 15/12/2017 وخطبة الانتخابات في 17/8/1439 الموافق 4/5/2018 .
6. هل هناك تطور وتجديد في حركة المرجعية العليا على صعيد العمل الديني؟
في العصر الراهن يواجه الخطاب الديني تحديات مستجدة نتيجة لتسنم طبقة من (المتدينين) المناصب السياسية المهمة والمواقع التنفيذية العليا في البلد مدة طويلة واخفاقهم في تلبية طموحات الشعب وتحقيق تطلعاته في حياة حرة كريمة، مما أثّر سلباً على موقع الدين وقيمه العقدية وحتى الاخلاقية في نفوس شرائح من الناس، بالإضافة الى اشكاليات أخرى برزت نتيجةً لاحتدام الصراع بين منهجين يتسمان بالإفراط والتفريط يتبناهما العديد ممن يتصدون لمخاطبة الجمهور الشيعي، فأصبح من الضروري، أولاً: العمل على التفريق في أذهان الناس بين المبادئ والمُثل الدينية الحقة وما تمثل منها في سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام بأبهى صورها وبين ما لوحظ من عدم تطبيقها في سلوك وسيرة كثير ممن يدعون التدين. وثانياً: الترويج أزيد من ذي قبل للخطاب المرجعي الوسطي المعتدل الذي يتبنى عدم المساس بمستلزمات العيش المشترك مع الآخرين وفي الوقت نفسه لا يتنازل عن الأسس الفكرية والعقدية التي يرى أحقيتها، والمرجعية الدينية تعمل في كلا الاتجاهين، وهناك مسارات أخرى لنشاطها:
منها: توفير الظروف الملائمة للارتقاء بالمستوى العلمي لطلاب الحوزات العلمية، من خلال حثّ الاساتذة والطلاب على التعمق في العلوم الاسلامية وما يمهد لها من علوم أخرى، والابتعاد عن السطحية والتسرع في طي المراحل الدراسية من دون اعطاء كل مرحلة حقها من الضبط والاتقان، ولهذا الغرض أيضاً تم تشييد العديد من المدارس المخصصة للطلاب الجدد من الاذكياء والنابهين للسير بهم وفق مناهج دراسية مناسبة بمباشرة واشراف اساتذة كفوئين، مع تأمين كامل مستلزماتهم المعيشية.
ومنها: توجيه الخطباء والمبلغين بالعمل على زيادة الوعي الديني للمستمعين من خلال شرح حقائق الدين ومعالم مذهب اهل البيت عليهم السلام بالمنطق العلمي الرصين المبني على الادلة المحكمة والثابتة، والابتعاد عن الاساطير وما يجري مجراها، بالإضافة الى بثّ روح الألفة والمحبة بين ابناء الشعب والتجنب عما يثير الفرقة والبغضاء ويخل بالسلم المجتمعي.
ومنها: التواصل مع جيل الشباب ولا سيما في الجامعات والمعاهد من خلال استضافة مجاميع منهم في المؤسسات الحوزوية للاستماع الى اسئلتهم الفكرية والعقدية والحوار معهم بشأن الشبهات التي تثار هذه الايام ومحاولة دفعها بلغة مفهومة مواكبة لثقافة العصر.
7. هل للمرجعية الدينية اشراف على مشاريع العتبات المقدسة في العراق ونشاطاتها الاستثمارية؟
ينتظم عمل العتبات المقدسة في العراق وفق قانون ادارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم (19) لسنة 2005، المشرع في مجلس النواب بتاريخ 26/12/2005.
وقد ورد في نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من هذا القانون، التأكيد على “صرف واردات (العتبات والمزارات) في مواردها وفق الضوابط الشرعية والقانونية”. وورد في الفقرة الثالثة من المادة نفسها امكانية “استثمار الاموال العائدة للعتبات والمزارات بمختلف الاوجه المتاحة والموافقة لأحكام الشرع الحنيف والقوانين النافذة”.
والحقيقة ان العتبات المقدسة وخصوصاً في كربلاء المقدسة أقامت مشاريع صحية وتربوية واجتماعية وتعليمية وخدمية غاية في الأهمية، ساهمت في تخفيف معاناة المواطنين. ولديها مشاريع استثمارية لدعم النشاطات الخيرية والتوسع فيها. وهي ليست من المؤسسات والجهات التابعة للمرجعية الدينية لتكون لها رقابة على عملها، بل تعمل باستقلالية تامة عنها، أقصى ما هناك ان الامناء العامين فيها لا يتم تعيينهم من قبل رئيس ديوان الوقف الشيعي الا بعد موافقة المرجع الاعلى بموجب تنصيص القانون عليه، ولو لم ينص القانون على ذلك لما تدخّل سماحته في الامر.
وأما حضور الشيخ الكربلائي والسيد الصافي ـــ وكيلي سماحة السيد دام ظله في كربلاء المقدسة ـــ في موقع المتولي الشرعي على العتبتين الحسينية والعباسية فليس هو بمعنى نصبهما لإدارة العتبتين، بل لمجرد تأمين الجانب الشرعي فيما يجري فيهما، وإنما تتم ادارتهما من قبل مجلسي الادارة فيهما ولا مساس لحضورهما بالصلاحيات القانونية الممنوحة لمجلسي الادارة، ولا بتبعيتهما لديوان الوقف الشيعي الذي بدوره يتبع رئاسة مجلس الوزراء.
وعلى هذا الاساس يفترض ان تكون كافة المشاريع والنشاطات الخدمية والاستثمارية في العتبات المقدسة تحت سقف ما أقره قانونها. ويطبق عليها كل مقتضيات قوانين الرقابة المالية على المؤسسات والدوائر الحكومية ويفعل دورها بالحدود التي تحددها القوانين المرعية الإجراء، وهذا منهج عام لدى سماحة السيد السيستاني دام ظله بالنسبة الى كل الدوائر والمؤسسات الرسمية.
8 ــ هل كان السيد عادل عبد المهدي مرشح المرجعية لموقع رئاسة الوزراء؟
لم يكن مرشح المرجعية العليا لرئاسة الوزراء، بل كان مرشح كتلتين كبيرتين، وحظي بقبول وطني واقليمي ودولي، فلم تعترض عليه المرجعية، ولكنها بلغت الاطراف المعنية بانها لن تؤيد الحكومة الجديدة الا اذا وجدت ملامح النجاح في عملها، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم المشاكل المتوارثة من الحكومات السابقة.
علماً ان منهج المرجعية العليا منذ بدء العملية السياسية في العراق يقوم على أساس عدم التدخل بتاتاً بتسمية أو ترشيح أي مسؤول تنفيذي فضلاً عن المناصب العليا، ما عدا موقعين يتطلبان ـــ بحسب القانون ـــ موافقة المرجع الأعلى على الترشيح لهما وهما: رئيس ديوان الوقف الشيعي، والأمناء العامين للعتبات المقدسة، ولكن في الوقت نفسه لا تتدخل المرجعية في عمل الديوان والعتبات ــــ كسائر المؤسسات الرسمية ــــ الا فيما يطلب فيه رأيها الشرعي في بعض القضايا لتنصيص القانون على ان الديوان ودوائره إنما تدار وفق الفقه الشيعي.
9- متى يفتح السيد السيستاني بابه للساسة العراقيين؟
سماحة السيد السيستاني دام ظله أغلق بابه بوجه السياسيين منذ حوالي سنة 2011 ولحد الآن، لأسباب معروفة لدى القوى السياسية، فإذا زالت تلكم الأسباب تفتح الباب.
المرجعية العليا تنتظر تغييراً واضحاً في اداء من بيدهم السلطة وتقدماً ملموساً في ملفات مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة وتخفيف معاناة المواطنين، وأمور أخرى أشارت اليها في أكثر من مناسبة. هي تنتظر رؤية ملامح النجاح في هذه الملفات لتبني على الشيء مقتضاه.
10ــ كثر الحديث حول الحشد الشعبي الذي تشكل من عدد من الفصائل المسلحة واعداد كبيرة من المتطوعين الذين التحقوا بجبهات القتال ضد داعش بعد فتوى المرجعية الدينية العليا بوجوب الدفاع الكفائي، ما هي رؤية المرجعية حول مستقبل هذه القوة؟
هناك قانون أقر في مجلس النواب ينظم عمل هذه القوة. ينص البند خامساً من الفقرة ثانياً من المادة الاولى منه على ضرورة أن (يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الاطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه) وهناك امر ديواني صدر من السيد رئيس مجلس الوزراء بغية هيكلة هذه القوة، والمرجعية تنتظر تطبيق ذلك القانون وتنفيذ ذاك الامر الديواني، وتؤكد على موقفها المبدئي من ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بامتلاك أي حزب أو مجموعة أو عشيرة او غيرها للسلاح المتوسط أو الثقيل تحت أي ذريعة أو عنوان خارج القوات المسلحة الرسمية على الارض العراقية، وترى أنه لا يمكن تطبيق القوانين وفرض هيبة الدولة ولا مكافحة الفساد بصورة شاملة ولا المحافظة على الحريات العامة والخاصة ولا غير ذلك مما يدعو اليه الدستور مع امتلاك السلاح وانتشاره خارج الاطر القانونية الرسمية.
11 ــ بعض من يلتقي بالسيد السيستاني من عراقيين أو اجانب ينشر في وسائل الاعلام او مواقع التواصل الاجتماعي ما يدعي انه مضمون حديث سماحة السيد اليه، متى يمكن الاعتماد على ما ينشر من هذا القبيل؟
لا يعتمد الا على ما يتم توثيقه من قبل مكتب سماحة السيد وينشر على موقعه الرسمي في شبكة الانترنيت، وقد لوحظ في حالات غير قليلة ان البعض نسبوا الى سماحته ما لم يقله خطأً منهم في الفهم والتلقي أو لمآرب معينة واغراض مسبقة.
12 ــ كيف ترى مستقبل المرجعية الدينية بعد عمر طويل للسيد السيستاني؟ وهل يكون لمكتبه دور في ذلك؟ وهل تتوقع أن يستمر منهجه السياسي مع المرجعية القادمة في العراق؟
المرجعيات الكبرى في التاريخ الشيعي لم تتشكل الا بدعم وإسناد طيف واسع من العلماء والفضلاء في الحوزات العلمية والبلدان التي تسكنها الشيعة في مختلف انحاء العالم. واعتقد أن المستقبل لن يختلف عن الماضي في هذا الشأن، ولا يسعني التنبؤ بما يستقر عليه الامر آنذاك. ولكن من المؤكد أن منهج سماحة السيد (دام ظله) ـــ الذي يسير عليه مكتبه في النجف الأشرف ـــــ بعيد تماماً عن أي فكرة باستمرار تعاطي أسرته مع الشأن المرجعي بعد غياب شخص المرجع (أطال الله عمره) ويرى أن ديمومة المرجعية الشيعية قوية ومؤثرة رهن بإبعادها عن شبهة التوريث بغض النظر عن المؤهلات العلمية والادارية للمنتسبين اليها.
وأما بشأن تعاطي المرجعية القادمة مع الشأن العراقي وفق منهج سماحة السيد فهو أمر متوقع الى حد بعيد، فقد أسس سماحته لنمط من التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية يصعب تجاوزه بعد أن أصبح واقعاً يحظى بمقبولية كبيرة لدى شرائح واسعة من الشعب العراقي ولا سيما من النخب الفكرية والثقافية والسياسية.
المصدر: وكالة شفقنا