نساؤكم حرث لكم... هل يعتبر القرآن "المرأة" أداة للجنس والإنجاب؟

ذكر كامل النجار في كتابه قرأة منهجيه للإسلام أن مجموعة من المفكرين طرحوا إشكالية حول نظرة القرآن لدور الزوجة قالوا بأن القرآن الكريم يرى أن الزوجة مجرد أداة لإستمتاع الرجل وأنها ماكينه لتفريخ والإنجاب ولا يراها القرآن في موقع الشراكة الحقيقة للرجل في بناء الأسرة وتبادل العلاقات العاطفية وذلك من خلال عدة آيات مثلا قوله تعالى: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، التعبير بالحرث إهانة للمرآة وجرح لشخصيتها لأن التعبير عنها بالحرث يحصر دورها وكأنها دجاجة تبيض وتفرخ وليس لها دور آخر بإعتبار أن الحرث هو ما كان خزانة للبذور التي تثمر وتنتج وفي آية أخرى قوله تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾، هذه الآية صريحة في أن المرأة أداة لمتعة الرجل فقط ولذلك إذا لم تستجب لشهوة الرجل وغريزته فله أن يضربها حتى يحصل على قضاء وطره وإشباع شهوته وهذا إهدار لكرامة وشخصية المرأة.

وفي آية ثالثة يقول تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾ جعل المرأة في صف الحمامات مما يعني أن المرأة بنظر القرآن علاقتها بالرجل كعلاقتها بالحمام، فكما يقذف الرجل أوساخه من بدنه في الحمام لأنه يقذف مائه في المرأة ويقوم عنها، إذا علاقة المرأة بالرجل بنظر القرآن الكريم مجرد أن المرأة أداة لاستمتاع الرجل وقضاء شهوته أو أنها مكان للتفريخ والإنجاب ولم يجعلها القرآن في موقعها الحضاري المناسب لها وهو موقع الشراكة الحقيقية للرجل في بناء الأسرة وتبادل العلاقات العاطفية.

نحن نسجل على هذه المقالة عدة ملاحظات:

لولا الزواج لانقرض الوجود البشري

الملاحظة الأولى: أن المرأة عنصر ضروري لاستقرار الحياة على الارض، الحياة الزوجية ما هو الهدف منها؟ قد يكون الهدف من الزواج والعلاقة الزوجية هدفاً اعتباريا كأن يتزوج الإنسان من عائلة معروفة بالذكاء حتى يخرج اولاده أذكياء، أو يتزوج الإنسان من امرأة أجنبية عن عائلته حتى يتخلص من أمراض تداخل القبائل والعروق هذا هدفاً اعتباري وليس هدفاً أصيلاً وحقيقياً، الهدف الأساس للعلاقة الزوجية استمرار الحياة على الأرض لو لم يكن هناك زواج لانقرض وتوقف النسل البشري عن وجه الأرض، من أجل استمرار الحياة والوجود البشري والنوع الإنساني على الأرض لابد من علاقة زوجيه فالعلاقة من أهدافها الرئيسية والأساسية استمرار الوجود البشري على الأرض وهذا الهدف ليس هدفاً اعتباريا أو ثانوياً بل هو هدف فرضته الطبيعة البشرية والفطرية للإنسان أن الهدف من الزواج هو استمرار الوجود الانساني على الأرض.. كيف ذلك؟ نذكر ثلاثة أدله:

الزواج هدف فطري

الدليل الأول: لا تجد مجتمعا بشريا من يوم آدم الى هذا اليوم إلا وفيه علاقة زوجة لا يوجد مجتمع بدون زواج ومهما اختلفت الأديان والمذاهب فهو يرى العلاقة الزوجية ولهذا هو هدف فطري انساني اتفقت كل المجتمعات البشرية على العلاقة الزوجية.

المرأة مصدر الوجود الإنساني

الدليل الثاني: لو نظرنا لطبيعة المرأة انظر إلى جهاز جسم المرأة، جهزت المرأة بالرحم والمبيض وثديين، لماذا هذا الجهاز الذي جهزت به المرأة؟ من أجل استمرار الحياة البشرية على الأرض، إذا استمرار الحياة البشرية على الأرض هدف ينسجم مع جهاز وطبيعة المرأة نفسها، إذا القرآن لم يجعل الهدف، هدف الإنجاب والنسل واستمرار البشر هدفٌ فرضته طبيعة المرآة ولم يفرضه القرآن الكريم ولم تفرضه نظرة السماء فولدت المرأة وطبيعتها مهيأة للإنجاب والإيلاد وفطرتها وخلقتها معدة لأن تكون مصدراً للوجود الإنساني على الأرض فهذا ليس هدفا اعتباريا بل هو هدفٌ طبيعي فطري.

لا يمكن الاستغناء عن المرأة

الدليل الثالث: عندما نلاحظ العقل يقرر حتى لو لم يذكر القرآن ولم يذكر أحد ولم تتفق المجتمعات البشرية على العلاقة الزوجية، العقل هو يقرر بنفسه يقول بأن استمرار الحياة على الأرض يتوقف على وجود المرآة إذا فلابد من هذه العلاقة تحقيقا لاستمرار الحياة البشرية على الأرض، هذا فرض فرضه العقل ولم يفرضه القرآن الكريم، بل إذا راجعنا علماء الطب والبيولوجيا ماذا يقولون؟

يقولون يمكن أن يستغنى عن الرجل لكن لا يمكن أن يستغني عن المرأة، يمكن الآن أن تلد المرأة عن طريق استنساخ الخلية ووضعها في رحمها بدون حويمن الرجل إطلاقاً، إذا دور المرأة أصبح ضرورياً لاستمرار الحياة لا يمكن أبدا الاستغناء عن المرأة في استمرار الحياة على الأرض فالمرأة عنصر ضروري بل هي العنصر الأساس في وجود الإنسان على الأرض، من هنا نفهم التعبير بالآية المباركة: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، ليس المراد بهذا التعبير تصوير المرآة كدجاجة تبيض وتفرخ وإنما المقصود بهذا التعبير أنه لا يمكن الاستغناء عن المرأة فإنها هي العنصر الأساس لبقاء الحياة الإنسانية على كوكب الأرض هذا هو المعنى بـ "حَرْثٌ لَّكُمْ" والقرآن بهذا بين أهمية وضرورة وجود المرأة لا أنه احتقرها أو أهان كرامتها.

الزوجة شريكة وليست خادمة

الملاحظة الثانية: تنوع الأهداف القرآنية، نلاحظ بعض الكتاب اقتصر على آية واحده ولم يقرأ مجموع الآيات القرآنية ولو قرأ مجموع الآيات لرأى تنوع الاهداف القرآنية، أن القرآن ينص على شراكة المرأة وأنها شريك حقيقي في بناء الحياة والعلاقة العاطفية عندما يقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ وهذا خطاب لجميع المؤمنين رجالا ونساء وجعل بينهم شراكة حقيقية ولم يقل القرآن خدماً لكم فجعل بينهم شراكة في تبادل العواطف والمشاعر قال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لُهنَّ﴾، كما أن الرجل زينة للمرأة فالمرأة زينة للرجل قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾، أي أن حقوق

الرجل وحقوق المرأة متساويان فهما شريكان في الحقوق إلا ما استثني للرجل أو استثني للمرأة لبعض الخصوصيات فالقاعدة العامة ترى أنهما شريكان في الحقوق وتبادل العلاقة العاطفية.

ضرب المرأة

الملاحظة الثالثة: إن آية الضرب ذكرت الضرب كأخر وسيلة للردع عن الخطأ ولم تذكر الضرب وليس كوسيلة لتسخير المرأة لإشباع شهوة الرجل، تبين ذلك أن المرأة عندما ترفض اللقاء الجنسي تارة يكون رفضها بدافع عقلاني وتارة يكون بدافع عداوني، إذا كان رفضها للقاء الجنسي بدافع عقلاني أي أنها مريضة أو متعبة أو أنها في حرج هذا ليس نشوزاً فالعلاقة هي امرأة معدة نفسياً وجسدياً لتبادل الرجل في القيام بهذا الدور، لذلك لو لم تكن المرأة معدة لمرض جسديا او نفسيا او حرجا عليها فليس رفضها نشوزاً وينبغي للرجل أن يقدر ويدرك ذلك، إذا كان رفضها لداعي عقلاني فلا تستحق عليه الضرب والهجران أما إذا كان رفضها لداعي عدواني وهو الإعراض إنما رفضت للإعراض عن زوجها، الإعراض يعد خطأ جسيماً لأن إعراض المرأة عن الرجل يخلق جواً من الاحتدام والصدام داخل الأسرة المستقرة لذلك الإعراض عن الرجل خطأ والخطأ لابد من علاجه.

وقد ذكر القرآن خطوات لعلاج هذا الخطأ:

أولاً: النصيحة ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ النصيحة والموعظة فإن لم تجدي هذه الخطوة يصل الأمر الى الخطوة الثانية: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ كوسيلة للردع عن الخطأ فإن لم تجدي هذه الوسيلة تضرب المرأة ولكن ضرب غير مبرح أي ضرباً لا يوجب حتى احمرار البدن، لأنه ليس المقصود هو الضرب في القرآن هو الضرب وإنما المقصود التعبير والردع والتنبيه على الخطأ وذكر الفقهاء أن المقصود بالضرب هنا هو الضرب غير المبرح الذي لا يوجب دية.

إذن القرآن لم يذكر الضرب كوسيلة لتسخير المرأة لإشباع شهوة الرجل وإنما ذكر الضرب آخر أسلوب للردع عن الخطأ وإلا لو لم تكن المرأة معرضة عن الرجل لا تضرب، تضرب كآخر وسيلة للردع عن الخطأ، فكما أنت تعتبر ضربها خطأ فإن إعراضها خطأ أيضا وإعراضها يوجب إثارة أجواء الأسرة، إذن فبالنتيجة من أجل الردع عن الخطأ وكآخر أسلوب تضرب ضربا غير مبرح، ربما تقول امرأة في حال الرجل أعرض ما الحل؟ إعراض المرأة عن الرجل أيضا حرام لأنه يدخل أيضا ضمن الإضرار بالمرأة «ولا ضرر ولا ضرار» على مؤمن.

إذا اعرض الرجل عنها رفعت أمرها الحاكم الشرعي القرآن يقول: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، بأن يتعامل معها كما يحب أن تتعامل معه أن تكون علاقته معها كما تحب أن تكون علاقة به.

الملاحظة الأخيرة: في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾، ليس النساء هنا لخصوصية في النساء وإنما ذكر النساء في الآية كناية عن اللقاء الجنسي كما أن قوله تعالى: ﴿أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ﴾ هل هناك خصوصية للغائط إنما هو مثال وكناية عن الحدث أو من أحدث سواءً من أحدث بريحٍ أو بولٍ أو غائط فلا خصوصية للغائط كذلك قوله: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء﴾ لا خصوصية للنساء وإنما هو كناية عن اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة بعقد وإلا فغيره من اللقاءات فهي محرمه، لكن لو حصل هذا اللقاء المحرم فإنه يوجب الغسل قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ﴾ إذا كلمة أو لامستم النساء مجرد مثال ولا خصوصية للمرأة كي يقال جعلت المرأة في صف الحمامات وهذا إهانة للمرأة فلابد من الانتباه من خصوصيات الآيات القرآنية، إذاً القرآن وضع المرآة في موقع الشراكة مع الرجل قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ ولم يضع المرآة مجرد أداة لاستمتاع الرجل.

يتبع...

2018/04/02

هذه هي صورة النبي آدم (ع)!

صورة النبي آدم عليه السلام في نهج البلاغة

إن الصور التي يرسمها الإمام (عليه السلام) لنا من خلال كلامه أنما هي صور تقرب مفهومه العميق في بيان وصفه لأمور غيبية، لم يتكلم عنها أي مخلوق سواه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن الصور الجميلة التي رسمها لنا الإمام (عليه السلام) صورة النبي آدم (عليه السلام) وكيفية خلقه.

ففي الخطبة الأولى من كتاب (نهج البلاغة) تكلم الإمام (عليه السلام) عن خلق آدم (عليه السلام) وقد صوَّرَ لنا أمير المؤمنين ذلك بقوله (عليه السلام): (ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَه مِنْ حَزْنِ الأَرْضِ وسَهْلِهَا، وعَذْبِهَا وسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، ولَاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ ووُصُولٍ وأَعْضَاءٍ، وفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وأَمَدٍ مَعْلُومٍ)[1].

فالله سبحانه جمع تربة آدم (عليه السلام) من مختلف تركيباتها؛ لأنَّ التربة منها الغليظة, ومنها السهلة, ومنها العذبة ومنها المالحة، وقد سأل يهوديٌّ الإمامَ (عليه السلام) لماذا سمي آدم آدم فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((... وسمى آدم آدم لأنه خُلق من أديم الأرض، وذلك أن الله تعالى بعث جبرئيل (عليه السلام) وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات طينة بيضاء وطينه حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء, وذلك من سهلها وحزنها, ثم أمره ان يأتيه بأربع مياه: ماء عذب، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن، ثم أمره أن يفرِّغ الماء في الطين وأدمه الله بيده فلم يفضل شيء من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شيء يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينية، وجعل الماء المر في اذنيه، وجعل الماء المنتن في أنفه))[2].

وعنه (عليه السلام) قال: ((إن الله (عز وجل): خلق آدم من أديم الأرض، فمنه السباخ، ومنه الملح، ومنه الطيب، فكذلك في ذريته: الصالح، والطالح))[3].

وعن وهب بن منبه: أنه وجد في التوراة صفة خلق آدم (عليه السلام) حين خلقه الله (عز وجل) وابتدعه، قال الله تبارك وتعالى: إني خلقت آدم وركبت جسده من أربعة أشياء, ثم جعلتها وراثة في ولده تنمى في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة، وركبت جسده حين خلقته من رطب ويابس وسخن وبارد وذلك إني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفساً وروحاً، فيبوسةُ كلِّ جسدٍ من قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح، ثم خلقت في الجسد بعد هذه الخلق الأول أربعة أنواع: وهن ملاك الجسد وقوامه بإذني لا يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم منهن واحدة إلا بالأخرى، منها المرة السوداء، والمرة الصفراء، والدم، والبلغم، ثم أسكن بعضَ هذا الخلق في بعض، فجعل مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء ومسكن الحرارة في الدم ومسكن البرودة في البلغم، فأيما جسد اعتدلت به هذه الأنواع الأربع التي جعلتها ملاكه وقوامه وكانت كل واحدة منهن أربعا لا تزيد ولا تنقص كملت صحته واعتدل بنيانه، فإن زاد منهن واحدة عليهن فقهرتهن ومالت بهن دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت، وإذا كانت ناقصةً ثقل عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقارنتهن، وجعل عقله في دماغه، وسره في طينته، وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورغبته في ريته، وضحكه في طحاله، وفرحه في حزنه، وكربه في وجهه، وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا ))[4].

ونفهم من ذلك أن العلة في اختلاف الألوان واختلاف المبادئ والعادات سببها اختلاف الطينات، وبما أن آدم ابو البشر؛ لذلك خلقه الله من جميع الطينات فكان منه الابيض والاسود والاصفر والاسمر.

 فالله سبحانه خلق الأنبياء والأولياء والحجج من طينة في علين، وورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن المؤمنين خلقوا من فاضل طينة الأنبياء والمعصومين؛ لأن أرواحهم طيبة طاهرة لذا اختار لهم الله هذه الطينة المباركة.  

[ذات صلة]

ثم قال (عليه السلام) في إفاضة الروح: (ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِه)[5].

قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }، الحجر: 29.

فبعد أن اكتمل جسد آدم واصبح مستعداً لإفاضة الروح نفخ الله فيه الروح، روى حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، قول الله عز وجل (وروح منه)، قال: هي مخلوقة خلقها الله بحكمته في آدم وفي عيسى (عليهما السلام))[6].

وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل (ونفخت فيه من روحي) كيف هذا النفخ ؟ فقال: إن الروح متحركٌ كالريح، إنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح، وإنما أخرجه عن لفظة الريح؛ لأن الروح متجانس للريح، وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح، كما اصطفى بيتا من البيوت، وقال: (بيتي) وقال - لرسول من الرسل: (خليلي) وأشباه ذلك مخلوق مصنوع مربوب مدبر)[7].

فسبحان الله خالق الوجود فالجسد الذي خلقه الله لا يتحرك ولا يستطيع أن يعمل أي شيء إلا أن يستقر فيه الروح ولا زال العلم الحديث لا يعلم ما هو الروح هل هو شبيه بالجسد أم تختلف ام هو نور، أم هواء خفيف كما عبر عنه بعض الفلاسفة، وقد قال الله تعالى لرسوله الكريم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، الاسراء: 85.

فبعض الأمور حجبها الله عن العباد والعلة في ذلك الأمر؛ كي يتفرد سبحانه وتعالى في بعض الخصائص ليبين للناس أنهم عاجزون عن أسراره لولا رحمته.

وقال (عليه السلام) بعد اتحاد الجسد والروح: (فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا، ومَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ والْبَاطِلِ، والأَذْوَاقِ والْمَشَامّ،ِ والأَلْوَانِ، والأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، والأَشْبَاه الْمُؤْتَلِفَةِ والأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، والأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ والْبَرْدِ، والْبَلَّةِ والْجُمُودِ)[8].

 فالله سبحانه صور الانسان بأتم صورة وقد وضح لنا الإمام صورة آدم، ثم أشار الى القوة العقلية التي أعطاها الله للإنسان والأجزاء الأخرى  كالقلب وباقي الجوارح والادوات فهذه الأدوات يستخدمها الإنسان في أمور معيشته وأساسها العقل، فلو فقد الانسان عقله اصبح كالبهيمة.

 وكذلك لو انتقص منه شيء سوف يؤدي الى نقص في تركيبة جسمه، وإن مرض الانسان سوف يفقد بعض حواسه فلا تعمل حتى يشفى من مرضه كحاسة الذوق والشم.

فما أروع هذه الصورة وما أروع هذا التعبير الذي من خلاله نتوصل الى عظيم قدرة الله ونستدل به سبحانه من خلال هذا الجسد المتكامل، قال الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وقد سئل عن الدليل إلى الله، قال: (اني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنّي فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجر المنفعة إليه علمت ان لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات)[9].

فهذا الوصف الدقيق في خلق النبي آدم (عليه السلام) انما هي صورة واضحة رسمها لنا الإمام لتبين لنا عظيم منزلته وإنه باب علم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فلو أمعنا جيداً كيف توصل الإمام الى وصف النبي آدم (عليه السلام) في خلقه ونحن نعلم ان النبي آدم (عليه السلام) أول من خلقه الله من بني البشر، ولكن للرجوع الى بعض الروايات الشريفة نجد أن الكثير منها تشير الى أن الخمسة الأطهار كانوا أشباح نور يدورون حول عرش الله([10])، قبل أن يخلق الله آدم بآلاف السنين وهذا ما بينه الإمام الحسين (عليه السلام) أيضا حينما سأله حبيب ابن مظاهر، وهذا وجه من الأوجه الذي نستدل به على كلامه (عليه السلام) كونه خلق قبل آدم بألاف السنين.  

كذلك القرآن الكريم تطرق الى خلق آدم قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }، الحجر: 26- 28.

 فهذه الآية توضح لنا خلق آدم بصورة مجملة، ولكن الإمام قرب هذه الصورة أكثر في هذه الخطبة الشريفة فلولا أمير المؤمنين لما عرفنا كيف خلق الله آدم بهذا التفصيل من خلال هذه الآيات, ففسر لنا الإمام ذلك، وهذا وجه آخر نستطيع ان نستدل به على أنه وصف لنا هذه الصورة بأدق ما يمكن، لأن الإمام ترجمان القرآن وهو القائل سلوني قبل أن تفقدوني، ولا شك أن الإمام يُكشف عنه الغطاء لكثير من الأمور كما كان سبحانه يكشف لرسوله الكريم (صلى اله عليه وآله) عن ذلك، فكان (عليه السلام) يرى نور الوحي ويشم ريح النبوة, الا أنه ليس بنبي ولكنه وصيه ووزيره وحامل لوائه في الدنيا والاخرة.  


[1] - نهج البلاغة، الخطبة الأولى، صفة خلق آدم (عليه السلام)، ص42، تحقيق صبحي الصالح.

[2] - علل الشرائع، ج1، ص2، ح1.

[3] - علل الشرائع، ج1، ص83، ح3.

[4] - علل الشرائع، ج1، ص110، ح9.

[5] - تكملة الخطبة.

[6] - الإحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج2، ص56.

[7] - المصدر السابق.

[8] - تكملة الخطبة.

[9]- الكافي الشيخ الكليني ، ج1 ، ص78.

[10] - ينظر، علل الشرائع، ج1، ص23.

*نقلا عن مؤسسة علوم نهج البلاغة

 

2018/03/20

إنفوكرافيك: أركان الصلاة

اركان الصلاة هي: الأجزاء الأساسيّة لها، فتبطل الفريضة بنقصانها، وزيادتها عمداً او سهواً، أو كان جاهلا قاصرا. نعم، لا تبطل الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام سهواً.

واركان الصلاة هي:

١- النية.

٢- تكبيرة الاحرام.

٣- القيام اثناء تكبيرة الإحرام، والقيام المتصل بالركوع، وهو: ان يكون ركوعه عن قيام.

٤- الركوع.

٥- السجود.

2018/03/15

إنفو كرافيك: نواقض الوضوء

1- خروج البول 
2- خروج الغائط
3- خروج الريح من الدبر
4- النوم الغالب على الحواس أي ما يتعطل معه السمع والبصر والإدراك، ويلحق به ما يُذهب العقل كالجنون والإغماء.
5- استحاضة المرأة
6- الجنابة، فإنها تُنقض الوضوء، وإن كانت لا توجب إلا الغسل

2018/03/10

كيف يوحّد الإمام علي (ع) ربه؟

 

يمثل فكر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في التوحيد رؤية كونية متكاملة والحجر الأساس في الاصول النظرية والعملية، وعلى هذا فإن النصوص الواردة عن الامام علي (عليه السلام) مليئة بالاستدلال لإثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى، ويمكن بيان شيئا من ذلك بحسب الآتي.

امتناع المحدودية عليه تعالى

من ذلك قول الإمام علي (عليه السلام): "من وصفه فقد حده ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين فقد حيزه" [1].

إن نظرة عابرة للنص أعلاه تفصح عن أمور مهمة منها:

1ـ إنه لوكان الله سبحانه وتعالى واحد عددي لكان حادثا لان العد يدخل في الاشياء المثليّة فمن اعتقد العدّ فيه تعالى فقد قضى بإثبات امثال له، والقدم يحيل – ينفي-  المثل، وينبو عن المماثلة.

2ـ ولو صار حادثا لاحتاج الى محدث يخرجه من العدم، وإذا احتاج الى المحدث صار ممكنا وليس بواجبا، ومن سمات الممكنات احتياجها الى غيرها بسبب فقرها، وبتعبير القرآن الكريم ليس غنيا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [2].

3ـ إن الاستدلال بنص الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) يستلزم أن وحدة الله لو كانت وحدة عددية للزم بطلان أزليته سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن تكون وحدته وحدة عددية لامكن اتصافه تعالى بالفقر وهو الغني الحميد [3].

4ـ وقد وضّح الإمام علي (عليه السلام) هذه الناحية الحسّاسة بقوله إن صفات اللَّه هي عين ذاته، وأنه سبحانه غير قابل للتجزئة أو المحدودية، فلا يقال له (فيم)؟ و (علام)؟ و (متى)؟ و (حتى) و (ممّا)؟ التي هي من نعوت الأشياء المخلوقة، واللَّه منزّه عن ذلك[4]، ومنه قوله (عليه السلام): "الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود" [5]،  وقال أيضا (عليه السلام): "من جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: " فيم " فقد ضمنه، ومن قال: "علام ؟" فقد أخلى منه". [6]

وقال عليه السّلام في هذه الخطبة أيضا: "تعالى عما ينحله المتحدّدون من صفات الأقدار ونهايات الأقطار وتأثّل المساكن وتمكَّن الأماكن فالحدّ لخلقه مضروب وإلى غيره منسوب"[7]. وأوضح منهما ما في البحار من التّوحيد للصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عن أمير المؤمنين في خطبة طويلة له عليه السّلام قال: لمّا شبّهه العادلون بالخلق المبعض في صفاته ذوي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته وكان عزّ وجلّ الموجود بنفسه لا بأداته انتفى أن يكون قدّروه حقّ قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدّرين له بالحدود من كفرة العباد: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُه  يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه سُبْحانَه  وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}  ومثل هذه في الدّلالة على تنزّهه سبحانه من التحديد والتّشبيه أخبار كثيرة متواترة [8]، منها ما رواه في البحار من توحيد الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: "كتبت إلى الرّجل يعنى أبا الحسن عليه السّلام إنّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التّوحيد: فمنهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة، فكتب عليه السّلام بخطه: سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ليس كمثله شيء وهو السميع العليم أو قال البصير". [9].

وفيه أيضا عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لهشام: "إن اللَّه تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكلَّما وقع في الوهم فهو بخلافه"[10]

وقال الإمام علي (عليه السلام): "كل مسمى بالوحدة غيره قليل"[11].

يتحدث الامام (عليه السلام) في هذا النص عن الوحدة الغيرية العددية، فعندما تكون الوحدة عددية فتخضع لنظام العدد في السبق واللحوق في الاعداد، فإذا أضيف الى العدد الواحد اثنان فتصبح الاثنان أكثر من الواحد، وإذا أضيف الى الاثنين ثالث، فتصبح الثلاثة أكثر من الاثنين وهكذا الى الاربع والخمس.. وبذلك فإن ما يوصف بالوحدة العددية يكون قليل، لأن من مميزات هذه الوحدة المحدودية فعندما تضاف الى الغير تكون أقل وهذا مالا يصح على الباري تعالى.

الهوامش:

--------------

[1] نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 1/ 14.

[2] سورة فاطر: 15

[3] التوحيد: السيد كمال الحيدري: 47.

[4]  تصنيف نهج البلاغة: لبيب بيضون :74.

[5] - نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 1/ 14.

[6] نهج البلاغة شرح محمد عبده:1/   15.

[7] - نهج البلاغة، اشرح محمد عبده: 2/ 66.

[8] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي الجزء: 13 -191.

[9] الوافي: الفيض الكاشاني الجزء: 1/389

[10] التوحيد الشيخ الصدوق :80.

 

[11] نهج البلاغة: 65.

2018/01/24

من فكر الإمام علي (ع): ما العلاقة بين العبودية والإدارة؟

يمتاز الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) بمتانته وتماسكه واستناده إلى قواعد منطقية رصينة، فجاء هذا الفكر متميزاً بخصائص قد لا يظفر بها أيُّ مفكر إداري غربي. فهو فكرٌ إنساني؛ لأنَّه ينظر إلى الإدارة بنظرة إنسانية، فالذي يتحرّك في أُفق الادارة هو الإنسان وليس الآلة، كما أنّ نظرة الإمام (عليه السلام) إلى المؤسسة الإدارية على أنّها مجتمعِ مصغّر تتضامن فيه جميع المقومات الاجتماعية، وتوصف نظرته إلى الادارة على أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن الفوضى، لهذا الجهاز هدف سامٍ، فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل مِن أجل تحقيق أهداف كبيرة في الحياة، هي إذاً- الإدارة- كيانٌ اجتماعي حي يعيش في وسط المجتمع يسعى مِن أجل أهداف كبيرة في الحياة. قد لخصها الإمام في مواقف معينة، - سنجتهد لبيانها في سلسلة من المقالات- ومن أهم تلك الأهداف مبدأ الاعتقاد والعبودية لله سبحانه وتعالى.

 فما هي مدخلية العبودية لله في موضوع الإدارة؟

يريد الإمام (عليه السلام) أن يسلط الضوء على سلوكيات المدراء وانطباعاتهم وتصوراتهم وهم في موقع المسؤولية، فهناك انطباعات وسلوكيات تدفع الانسان نحو التسلط وحب الدنيا وحب الجاه. إذاً ماذا تكون خلفية من يحمل هذه السلوكيات والانطباعات فيمن يكون في موقع السلطة؟

لا شك إنّه حينما يصل إلى موقع المسؤولية سيتخذ مجموعة من الإجراءات القاسية والقرارات الظالمة ويسير نحو الانحراف في تضيع الأهداف وخدمة الناس، ويعتقد بأن من يعمل تحت أمرته هو عبد له، وليس تعامل رئيس مع مرؤوسين يستحقون الاهتمام والرعاية كما هو في فكر الإمام (عليه السلام) بينما هناك من ينظر إلى موقع المسؤولية على أنها محطة لهداية الناس وخدمتهم ومحطة يؤتمن فيها على مصالح الناس يضمن عن طريقها حقوق الاخرين.

فالجانب السلوكي والمعتقد له أثر كبير في مسار أداء المدراء على الاصعدة كافة، إذ يمكن أن يلعب المدير دورا بارزا وسلوكا مغايرا لمعتقداته، لكن على المستوى البعيد لا يستطيع المدير أن يخفي تأثير معتقداته.

ولذلك يقدم الامام (عليه السلام) مفتاحا سحريا من مفاتيح النجاح والتفوق في الإدارة لمالك الاشتر (رضوان الله عليه) وهو العبودية لله تعالى والاعتقاد بالمبدأ.

وهذه القضية ليست قضية من القضايا الثانوية أو قضية لا صلة لها بموضوع الإدارة والقيادة. فالعبودية لله استحضار العلاقة بين الإنسان وربه، ولها الأثر الرئيس في مجمل السلوك الإداري في كافة المراتب، هذا الاستحضار يجعل الإنسان المسؤول والقيادي الذي يمارس العلاقة الانسانية على وفق النظرية الإسلامية، وليست العلاقة السلطوية مع غيره من العاملين تحت أمرته.

ومن الجدير بالذكر أنّ الدور الإداري والقيادي يجب أن تتوافر فيه حالة الحزم والقوة، وهذان الأمران يجب أن لا يتقاطعا مع علاقة الانسان وربه وعلاقة المسؤول في سلسلة المراتب ومع من يعمل تحت أمرته.

من هنا يشير الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر(رضوان الله عليه) واصفا حالة التعامل والانسجام في النظام الإداري على وفق الرؤية الإسلامية. ففي قوله:

 

"فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ ..... أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ )[1] الكلام عن معاقبة المسيء لا يعني أن تتحول طبيعة العمل إلى مجموعة قوانين عقابية وأن تصبح القسوة هي الحاكمة في التعاطي مع المرؤوسين،  بل ينبغي بقاء مساحة للتسامح واللين ولا توصل إلى الفوضى ولكنها في نفس الوقت لا تلغي الليونة والفرصة الجديدة. فيبين لنا الإمام (عليه السلام) في هذا النص علاقة الإنسان بربه، فهي ليست علاقة تجميد وإنّما علاقة انطلاق وتكامل،  فأن استعمال كلمة (عبدالله) تعني أنّ الإنسان في ذروة الكمال لا يمتلك سوى الرحمة والقدرة  التي منحها الله له التي يتصل بها ويتزود منها ويتحرك عبرها،  فيبقى الإنسان في هذا الظرف الوجودي والسعة الذاتية والقدرات الشخصية المحدودة ، فينبغي للإنسان المتصدي الارتباط بالمبدأ متوكلا عليه سبحانه وتعالى".

قال (عليه السلام):

 "وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَجَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَالسَّلَامُ ."

نلاحظ إنّ الإمام (عليه السلام) في بداية كلامه وختامه كان يذكر الله تعالى ومرضاته والتأكيد على القضايا الخاصة في وضع الصور الظاهرية في الإطار العام للأهداف المرسومة عبر الفكر الابداعي للمسؤول صاحب الشعور والإدراك العميق للعبودية لله سبحانه وتعالى، من حيث صبره على القضايا الموقتة ولا يضيع نفسه باتباعه هواه، ولا يفقد توازنه وإن صار زعيما على الدنيا وما فيها، فإنّه يقف ليقول كلمة الفصل والارتباط لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

فيتحصل من ذلك: إنّ الرؤية الإسلامية التي يحملها المسؤول (العبودية لله والإيمان بالمبدأ) هما الركنان الأساسيان في تحقيق الأهداف الإدارية في مساراتها الصحيحة.

المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة --------- [1] نهج البلاغة : رسالة 53
2017/12/19

من معايير نجاح المنظومة الإدارية  في فكر الإمام علي (ع)

لعل التجربة العملية للإمام علي (عليه السلام) تكمن بالدرجة الأولى في علم الإدارة العامة، متجلياً ذلك في مواقفه، وعدد من رسائله إلى ولاته في الأمصار، وبالأخص عهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه). :كما برز الإمام (عليه السلام) في مجال علم الإدارة الشخصي عبر مقولاته الحكيمة، ودعواته في أن يحرك الإنسان كوامنه الذاتية ويثق بها، ومن ثم ينطلق بقدراته إبداعاً وعطاءً.

ونحن نلاحظ أن العديد من  حِكم الإمام (عليه السلام) تندرج في إعادة صياغة الإنسان فكراً وسلوكاً ليكون قادراً على إدارة طاقاته ومواهبه بصورة ناجحة وذكية؛ لكي يتخطى الدنيا بنجاح، ويحرز الآخرة بجدارة[1].

 ومن هذه المعايير (الاعمال الصالحة )، يقول (عليه السلام): (فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ)[2].

إذ يذكر الإمام (عليه السلام) أن واحدة من هذه المعايير التي يستدل بها على صلاح المسؤول والمتصدي هو تقييم الناس له عبر الحديث عنه وبيان أعماله الصالحة، ومن ثم انطباعات وتصورات الرأي العام وتقييم اداء المسؤول تمثل واحدة من المداخل التي عن طريقها يستدل على صلاح المسؤول ورشدة وحسن أداءه.

وقد أشار إليها القران الكريم في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [3].

وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [4], العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ويعمل على ترسيخ العقائد السليمة في واقع الإنسان وقلبه. ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[5].

لذا نلاحظ الإمام (عليه السلام) يؤكد في هذا المقطع من العهد الشريف على العمل الصالح الذي يعد من الذخائر النفيسة للإنسان المتصدي وغيره, ونتيجة هذا العمل يتحقق الاحترام  والتقدير والمحبة في قلوب الناس التي تحضي بتأييد من الله سبحانه وتعالى, وعبر حسن ظن الناس وتقييمها يكون قادرًا على النفوذ إلى قلوب الناس والسيطرة على عواطفهم من دون الحاجة إلى إظهار حالات التصنع والتظاهر بأمور معينة, ومن دون الحاجة الى المكر والخداع أو التخويف والترهيب واستخدام الأساليب المغرية, وتضيع أموال بيت المال لأجل استمالة قلوب الآخرين وضمانة السمعة الجيدة.

فمعيار الرأي العام  في تقييم المسؤول هو العمل الصالح الذي يقوم به المتصدي فالحديث عنه بخير واحترامه ونعته بصفاته الواقعية يعد من العطايا الإلهية لا يحتاج إليها استخدام الطرق الملتوية , بل يكفي أن يكون هذا المسؤول واضحًا مع الناس في أداءه وسلوكياته وانطباعاته, يسمع ويتشاور معهم ويحترم أراءهم في الخطأ والصواب, وكل عمل صالح يقدمه للناس ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى يندفع إليه بالاتجاه الصحيح.

المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة

-------------------

الهوامش:

[1] نفحات الولاية شرح نهج البلاغة: ناصر مكارم الشيرازي: ج10 ص294

[2] نهج البلاغة: رسالة 53

[3] سورة الكهف: 110

[4][4] سورة فاطر 10

[5] سورة العصر : الآيات: 1,2,3,4

2017/12/13

أبواب الجنة في كلام أمير المؤمنين (ع)

جعل الله سبحانه وتعالى للجنة أبوابا تدخل منها كافة الخلق, وقسمها على ثمانية أبواب حسب الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: (إنّ للجنّة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النّبيّون والصّديقون، وباب يدخل منه الشّهداء والصّالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا؛ فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول ربّ سلَّم شيعتي ومحبّي وأنصاري وأوليائي ومن تولَّاني في دار الدّنيا؛ فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه ساير المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت)[1].

 وتعدد أبواب الجنة لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم، بل هي إشارة إلى الأسباب والعوامل المتعددة التي تؤدي لدخول الناس في الجنة، وأن لكل من هذه الدرجات باب معين يدخل بها من فاز بنعيم الآخرة وهي:

باب دخول النبيين والصديقين

قوله (عليه السلام): (باب يدخل منه النّبيّون والصّديقون).

 في بادئ الأمر يجب توضيح من هم النبيون ومن هم الصديقون؟

النبيون: (هم أصحاب الوحي الذين عندهم نبأ الغيب ولا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار)[2].

والصديقون: (هم الذين زكتْ فطرتهم، حتى أنهم يميزون بين الحق والباطل، والخير والشر بمجرد عروضه عليهم)[3].

فجعل الله (سبحانه وتعالى) للنبيين والصديقين باباً في الجنة يدخلون منها تكريماً لهم على صبرهم وجهدهم الذي بذلوه في سبيل إيصال الرسالة السماوية إلى أقوامهم, قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[4].

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (عدن دار الله التي لم ترها عين، ولم تخطر على قلب بشر، لا يسكنها غير ثلاثة: النبيين، والصديقين، والشهداء، يقول الله، عز وجل: طوبى لمن دخلك (ورضوان من الله أكبر) )[5].

باب دخول الشهداء والصالحين

قوله (عليه السلام): (باب يدخل منه الشّهداء والصّالحون).

الشَّهِيدُ : (المقْتول في سبيل الله، والجمع شُهَداء)[6].

يقول محمد جواد مغنية: (الشهداء: هم الذين يقتلون في سبيل اللَّه، أما أجرهم عند ربهم؛ فقد بينه سبحانه بقولهم:{إِنَّ اللَّهً اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ}[7], أما نورهم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: {يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}[8], وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ما من أحد يدخل الجنة، ثم يحب أن يخرج منها إلى الدنيا ولو كانت له الأرض بما فيها إلا الشهيد؛ فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما رآه من الكرامة عند اللَّه), {والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ }, هذا على عادة القرآن الحكيم، يقابل المتقين بالمجرمين، وثوابهم بعقابهم بقصد الترغيب والترهيب)[9].

والصالحون: (هو جمع صالح، وهو الذي يؤدي فرائض الله وحقوق الناس)[10].

فإن الشهادة في سبيل الله مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية ووسام لا يهديه الله سبحانه وتعالى إلا لخاصة أوليائه بعد أن اجتاز العديد من العقبات التي تحول بينه وبين ذلك المقام الرفيع.

أبواب دخول الشيعة والمحبين

قوله (عليه السلام): (وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا؛ فلا أزال واقفا على الصّراط أدعو وأقول ربّ سلَّم شيعتي ومحبّي وأنصاري وأوليائي ومن تولَّاني في دار الدّنيا؛ فإذا النداء من بطنان العرش قد أجيبت دعوتك، وشفعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه).

في هذه الفقرة يبين الإمام (عليه السلام) أبواب دخول الشيعة والمحبين؛ فالشيعة: (هم التابعون لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهم درجات ومراتب بمقدار متابعتهم للأئمة (عليهم السلام) في الأعمال؛ فمن ترك بعض الواجبات أو ارتكب بعض المحرمات لا يخرج عن كونه من شيعة علي(عليه السلام)، وعليه؛ فالحائز لجميع الكمالات والتابع لهم في تمام الأعمال هو الشيعي الحقيقي والإنسان الكامل، والفاقد لجميع الكمالات الجوارحية هو الناقص وما بينهما درجات والكل مشتركون في أصل فضائل الشيعة)[11].

أما المحبون؛ فهم المحبون لأهل البيت (عليهم السلام)، الموالون لهم المقرون بفضلهم, والملتزمون بنهجهم الذي وضعوه, ويذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضل أهل بيته (عليهم السلام) والمحبين لهم؛ فعن عبد الرزاق عن أبيه عن عبد الرحمان بن عوف أنه قال : ألا أحدثك حديثا قبل أن تختلط الأحاديث بأباطيل؟ إنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنا شجرة، وفاطمة و علي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، ومحبهم من أمتي ورقها، وحيث نبت أصل الشجر نبت فرعها في جنة عدن والذي بعثني بالحق)[12].

والتشيّع الحقيقي لأهل البيت إنما هو الالتزام بنهجهم، والأخذ بطريق الورع والتقوى والاجتهاد في تطبيق جهاد النفس، وإن التعبير عن حبهم وولائهم الحقيقي إنما هو بالمتابعة لهم في السلوك والعمل, قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (سمعت النبي يقول: إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد: يا رسول اللّه إنّ اللّه جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك، فكافئهم بما شئت، فأقول: يا رب الجنة فأُبوّؤهم منها حيث شئت، فذلك المقام المحمود الذي وعدت به)[13].

وإن تكريم الله تعالى للمحبين لأهل البيت (عليه السلام) عظيم، لما سيناولون من الرحمة والمغفرة والرضوان، فعن بُريد العجلي وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ({وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[14], قال: هم والله شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله عزّ وجل علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحق وعلى دين الله عزّ وجل واستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ})[15].

فلا أقل من أن يكون هذا التفضل الإلهي، والكرم الرباني، له إيثاره في قلوب بني البشر استجابة لأمر الله سبحانه، وتحقيقا لدعوة رسوله صلى الله عليه واله,  والإيثار لحب أهل بيت النبوة، استجابة لله ولرسوله؛ فحبهم مبدئ للإسلام ودين الحق وأصل له لما يعتبر فيه وبه بناؤه وثباته[16].

باب دخول سائر المسلمين

قوله (عليه السلام): (وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ولم يكن في قلبه مثقال ذرة من بغضنا أهل البيت).

أبواب الجنة مشرعة لجميع المسلمين المحبين لرسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام), الذين لم يكن في قلبهم حقد وبغض لأهل بيت النبوة (عليهم السلام), عن الإمام علي (عليه السلام): (إن للجنة إحدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي وأهل بيتي ومن باب واحد سائر الناس)[17].

فمن يزعم أنه يؤمن بالله (عز وجل) وبما جاء به نبي الرحمة (صلى الله عليه واله) ويبغض ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فهو كاذب, لأن النبي محمد (صلى الله عليه واله) والإمام علي (عليه السلام)  من نفس واحدة، فقد رويعن عبدالله بن مسعود قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليّاً عليه السلام فهو كاذب ليس بمؤمن)[18].

لذا دخول الجنة لسائر المسلمين مرتبط بحب أهل البيت (عليهم السلام) فهم حجة الله على الأرض وبهم النجاة يوم القيامة من الهول والفزع.

*المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة

الهوامش:

-----------------------

 

[1] - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, حبيب الله الهاشمي الخوئي, ج2

[2] - تفسير الميزان, العلامة الطباطبائي, ج4, ص408.

[3] - التفسير الكاشف, محمد جواد مغنية, ج2, ص371.

[4] - النساء:69.

[5] - تفسير مجمع البيان, الشيخ الطبرسي, ج5, ص88.

[6] لسان العرب, ج3, ص242.

[7] - التوبة: 111.

[8] -  الحديد: 12.

[9] - التفسير الكاشف, ج7, ص247.

[10] - مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي, ج2, 386.

[11] -  الشيعة في أحاديث الفريقين, السيد مرتضى الأبطحي, ص543.

[12] - بحار الانوار, ج27, ص107.

[13] - الشيعة في أحاديث الفريقين, ص88.

[14] - الاعراف:170.

[15] - الوافي, ج5, ص804.

[16]- إحقاق الحق إزهاق الباطل، شهاب الدين المرعشي: 33/ 189.

- [17] مستدرك سفينة البحار, الشيخ الشاهرودي, ج4, ص445.

[18] - بحار الانوار, ج39, ص253.

 

2017/11/29

أثر نهج البلاغة في الأدباء والمفكرين

لا تقتصر شخصية العظماء على أهل ملتهم بل تتعدى كل الحدود والمعتقدات، وهذا من الأمور الطبيعية التي فطرت عليها الشخصية الإنسانية إذ تسعى دائما إلى اكتشاف مواهب الآخرين، وكيف وصلوا إلى هذا، للاقتداء بهم واقتفاء أثرهم، والسير على منهاجهم أو مواصلة ابداعهم، ولا يخفى نور أهل البيت عليهم السلام على كل ذي بصيرة، فهم السراج الوهاج والقمر المنير، لذا كان لشخصياتهم أثر كبير عند كل إنسان على اختلاف دينه ومعتقده، فتجد سيرهم على لسان الناس يحكونها ويكتبون فيها؛ لأنهم (عليهم السلام) نعم المثل الأعلى الذي يقتدى به، وكيف لا! وهم المعصومون المنزهون الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ومن أكثر الأئمة (عليهم السلام) تأثيرا في الناس بكل جنسياتهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد لهج الكل بذكره وذكر فضائله حتى أعدائه؛ لأنه (عليه السلام) أعظم من الشمس، والشمس لا يحجبها غربال؛ فكيف هو؟.

ويبرز تأثير أمير المؤمنين (عليه السلام) في العلماء والمفكرين من الديانة المسيحية على اختلاف طوائفهم، فنجد الكثير منهم كتب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجالات شتى. ومنهم المفكر الأردني روكس بن زائد العزيزي الذي يدين بالديانة المسيحية الكاثوليكية، فقد ألف كتاباً في أمير المؤمنين (عليه السلام) أسماه ( الإمام علي أسد الإسلام وقدِّيسه):  وذكر في مقدمته ((أحببت الإمام عليّاً كرّم الله وجهه، من اليوم الذي قرأت فيه سيرته الخصبة، وحياته النبيلة، وقد كنت أحسّ بأنّ انقسام الناس فيه دليل على العظمة!

وكم كنت أودّ أن أُسجّل انطباعاتي عنه فأتهيّب، كالّذي يريد أن يخوض البحر، وهو يرى البحر للمرّة الأُولى في حياته!

أو كالّذي يحاول أن يحلّق في الجو وهو يجهل الطيران!

هذا هو الشعور الذي كان يخامرني كلّما مددت يدي إلى القلم!

كنت في الخامسة والعشرين من عمري يوم كتبت مقالاً عنوانه( قدّيس الإسلام).

قرأته على صديق لي، فقال: (هذا شعر! لكن ثق بأنّك لن ترضي النصاري، ولا تُعجب المسلمين! ستكون متّهماً على أي حال!...).

وطويت المقال وها أنا ذا بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة أشعر بأنّ سحر هذه الشخصية يجذبني لأكتب، فإذا كتبت شيئاً يستحقّ القراءة، فإنّما أكتب بوحي من أسد الإسلام وقدّيسة))[1].

ويظهر من هذه المقدمة مدى الحب الذي في قلب هذا الشخص اتجاه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكيف يبين لنا أن  هذا الكتاب لم يكن وليد الساعة بل هو عبارة عن تأملات لعمر طويل في شخصية الإمام (عليه السلام) حتى استوت الفكرة في المرحلة التي كان فيها شيخ

كبير قد تمرس على الكتابة وبدا قلمه سيّالا لما في قلبه، فاستغل هذه الإمكانية التي حصل عليها في بلورة هذا الكتاب ليكون على أتم وجه، ليتناسب مع شخصية الإمام (عليه السلام).

ويقول العزيزي في نهج البلاغة "يقيناً إنّ كل مثقف عربي، كل كاتب عربي، كل شاعر عربي، كل خطيب عربي مدين للإمام علي، فإذا كان كل مسلم في الدنيا مدين للقرآن الكريم في تكون عقليته وتفكيره فإنّ كل مثقف عربي مدين لنهج البلاغة في تقويم قلمه"[2]. 

وهذا يشير إلى قراءته لنهج البلاغة بكل تأمل وتدبر حتى أن النهج ساعده في تقويم قلمه، ويبين أن على كل مثقف وكاتب وشاعر وخطيب أن ينهل من معين أمير المؤمنين (عليه السلام) ليرقى بنتاجه إلى اعلى المراتب.

ويختم كتابه بكلمات تنبع من روح عالية ونفس مولعة بحب أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يطرزها بعبارات جمالية تبهر القارئ، إذ يقول مخاطبا أمير المؤمنين (عليه السلام):

"أبا الحسن!

أيّها الإمام العظيم

هذه انطباعات كانت تجول في خاطري نحوك من زمن بعيد!

حاولت أن اصوّر فيها نفسك الكبيرة شجاعتك وعلمك سخاءك وجودك.

كتبت ما أشعر به أنّه حق، واعتمدت على المراجع التي وثقت بها، ولا أقول إنّي اطّلعت على ما كُتب عنك لأنّه شيء كثير وكثير!

فإن نالت منك القبول يا أيها الإمام العظيم فحسبي ذلك.

إنّها كلمة لم يعوزها الإخلاص، ويقينا أنّ الكلمة التي تخرج من القلب لن تجد مستقرّاً لها إلّا القلب.

سيقول بعض الذين ما تعوّدوا الصدق والإخلاص المجرّدين: إنّ العزيزي متحمّس للإمام كأنّه من الشيعة، الحقّ إنّي لست شيعيّاً ولست مسلماً بل أنا عربي نصراني كاثوليكي، ومن هنا تعلّمت أن أقول ما أعتقد حقّاً، كائنة ما كانت نتائجه وأنا فوق هذا أعتقد أنّ العظيم كل عظيم ليس ملكاً لفرقة ولا هو حكرة لدين أو مذهب، فأنا كما قال البحتري:

وأراني من بعدُ أُكلف بالأشراف            طرّاً من كل سنخ وأس"[3]

وما يميز هذا الكاتب عن غيره طريقته في السرد، فهو يجمع بين المنهج العلمي الرصين، والطريقة الروائية في طرح المعلومات، التي جاءت بأسلوب منمق جميل وبسيط.

هذا بعض ما تركه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أثر في نفوس الشخصية الإنسانية على وجه العموم، فهو كما يقول هذا المفكر أنّ العظيم كل عظيم ليس ملكاً لفرقة ولا هو حكرة لدين أو مذهب.

-----------

[1] الإمام علي أسد الإسلام وقدِّيسه: مقدمة المؤلف.

[2]  المرجع نفسه: 225

[3] المرجع نفسه: خاتمة الكتاب.

*مؤسسة علوم نهج البلاغة – العتبة الحسينية المقدسة  
2017/11/20

2018/01/03

2018/01/01

إنفو كرافيك: السيد فاطمة المعصومة (ع)

اسمها ونسبها

السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق عليهم السلام  ، المعروفة بالمعصومة . 

 

لقبها بالمعصومة

ورد أنّ أخاها الإمام الرضا عليه السلام قد لقّبها بالمعصومة ، كما ورد أنّ جدّها الإمام الصادق عليه السلام لقّبها بكريمة أهل البيت ، قبل ولادتها . 

 

ولادتها

ولدت السيّدة المعصومة في الأوّل من ذي القعدة 173 هـ بالمدينة المنوّرة . 

 

أُمّها

السيّدة تكتم ، وهي جارية . 

 

نشأتها

نشأت السيّدة المعصومة تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام ، لأنّ هارون أودع أباها عام ولادتها السجن ،ثم اغتاله بالسم عام 183هـ ، فعاشت مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا عليه السلام . 

 

رحلتها إلى خراسان

اكتنفت السيّدة المعصومة - ومعها آل أبي طالب - حالة من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السلام منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان . 

فقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها الإمام الرضا عليه السلام أنّه سيستشهد في سفره هذا إلى طوس ، فشدّت الرحال إليه عليه السلام . 

 

سفرها إلى قم

رحلت السيّدة المعصومة تقتفي أثر أخيها الرضا عليه السلام ، والأمل يحدوها في لقائه حياً ، لكن وعثاء السفر ومتاعبها للذينِ لم تعهدهما أقعداها عن السير . 

فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة ، ثمّ سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم - وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة - فقيل لها إنّها تبعد عشرة فراسخ ، أي 70 كم ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم . 

 

وصولها إلى قم

حملت السيّدة المعصومة إلى مدينة قم ،وهي مريضة ، فلمّا وصلت ، استقبلها أشراف قم ، وتقدّمهم موسى بن خزرج بن سعد الأشعري ، فأخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله ، وكانت في داره حتّى تُوفّيت بعد سبعة عشر يوماً . 

فأمر بتغسيلها وتكفينها ، وصلّى عليها ،ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البواري ، إلى أنبَنَت السيّدة زينب بنت الإمام محمّد الجواد عليه السلام عليها قبّة . 

 

وفاتها

توفّيت السيّدة المعصومة في العاشر من ربيع الثاني 201 هـ ، ودفنت بمدينة قم المقدّسة . 

 

كراماتها

ظهرت للسيّدة فاطمة المعصومة كرامات كثيرة ، نقل بعضها مؤلّف كتاب كرامات معصوميه ، ومن تلك الكرامات التي نقلها هي عن أحد المهاجرين العراقيين حَدَث يوماً أن وُصف لي طبيب حاذق ، فاصطحبت والدتي له ، فعاينها ووصف لها علاجاً ، ثمّ إنّي عُدت بوالدتي إلى البيت ، وبدأت بحثي عن الدواء الذي وصفه لها ، فما وجدته إلاّ بعد عناء ومشقّة عظيمة . 

ولمّا كنت في طريقي إلى المنزل ، وقع بصري على القبة المقدّسة للسيّدة المعصومة عليها السلام ، فألهم قلبي زيارتها والتوسّل بها إلى الله تعالى ، فدخلت الحرم المطهّر ، وألقيت بالأدوية جانباً ،وخاطبت السيّدة بلوعة وحُرقة

يا سيّدتي ، لقد كنّا في العراق نلجأ إلى أبيكِ باب الحوائج في كلّ شدّة وعُسر ، ونستشفع به إلى الله تعالى في قضاء حوائجنا ، فلا نعود إلاّ وقد تيّسر لنا عسيرُها ، وها نحن لا ملجأ لنا هنا إلاّ لكِ، وها أنا سائلك أن تشفعي في شفاء أُمّي ممّا ألمّ بها . 

قال ولقد منّ الله تعالى على والدتي بالشفاء في نفس ذلك اليوم ببركة السيّدة المعصومة ، فاستغنينا عن الدواء . 

 

فضل زيارتها

1ـ عن سعد بن سعيد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام، فقال من زارها فله الجنّة2 . 

2ـ قال الإمام الجواد عليه السلام من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة3 . 

3ـ عن سعد ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال يا سعد ، عندكم لنا قبر، قلت له جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى ؟ قال نعم ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة4 . 

4ـ قال الإمام الصادق عليه السلام إنّ لله حرماً وهو مكّة ، وإنّ للرسول صلى الله عليه وآله حرماً وهو المدينة ، وإنّ لأمير المؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة ، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنّة5 .

ـــــــــ 

1ـ أُنظر : أعيان الشيعة 8 / 391 ، مستدرك سفينة البحار 8 / 261 . 

2ـ ثواب الأعمال : 99 . 

3ـ كامل الزيارات : 536 . 

4ـ بحار الأنوار 48 / 317 . 

5ـ المصدر السابق 57 / 216 .

2017/12/29

إنفو كرافيك: نواقض الوضوء

نواقض الوضوء سبعة:

(1 ، 2) البول ــ وفي حكمه ظاهراً البلل المشتبه به قبل الاستبراء ــ والغائط ، سواء أكان خروجهما من الموضع الأصلي ــ للنوع أو لفرد شاذ الخلقة من هذه الجهة ــ أم من غيره مع انسداد الموضع الأصلي ، وأما مع عدم انسداده فلا يكون ناقضاً إلاّ إذا كان معتاداً له ، أو كان الخروج بدفع طبيعي لا بالآلة ، وإن كان ــ الأحوط استحباباً ــ الانتقاض به مطلقاً. ولا ينتقض الوضوء بالدم ، أو الصديد الخارج من أحد المخرجين ما لم يكن معه بول أو غائط ، كما لا ينتقض بخروج المذي وهو الرطوبة الخارجة عند ملاعبة الرجل المرأة ونحو ذلك ممّا يُثير الشهوة ، والودي وهو الرطوبة الخارجة بعد البول ، و الوذي وهو الرطوبة الخارجة بعد المني.

(3) خروج الريح من مخرج الغائط ــ المتقدّم بيانه ــ إذا صدق عليها أحد الاسمين المعروفين.

(4) النوم الغالب على السمع.

(5) كل ما يزيل العقل ، من جنون ، أو إغماء ، أو سكر ، دون مثل البهت.

(6) الاستحاضة المتوسطة ، والقليلة.

(7) الجنابة ، فإنها تنقض الوضوء وإن كانت لا توجب إلاّ الغسل.

المصدر: موقع مكتب سماحة

2017/12/28

إنفوكرافيك: حياة الإمام الصادق (ع)

اسمه ونسبه (عليه السلام): الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

كنيته (عليه السلام): أبو عبد الله، أبو إسماعيل، أبو موسى، والأُولى أشهرها.

ألقابه (عليه السلام): الصادق، الصابر، الطاهر، الفاضل، الكامل، الكافل، المنجي، و...، وأشهرها الصادق.

لقبه (عليه السلام) بالصادق: لقد جاء لقب الإمام (عليه السلام) بالصادق من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث قال: (يخرج الله من صُلبه ـ أي صُلب محمّد الباقر ـ كلمة الحق، ولسان الصدق)، فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا رسول الله؟

قال: (يقال له: جعفر، صادق في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليّ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ ...) (1).

تاريخ ولادته (عليه السلام) ومكانها: 17 ربيع الأوّل 83 هـ، المدينة المنوّرة / الأبواء.

أُمُّه (عليه السلام) وزوجته: أُمّه: السيّدة أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وزوجته: السيّدة حميدة البربرية أُم الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وهي جارية، وله زوجات أخرى.

مدّة عمره (عليه السلام) وإمامته: عمره: 65 سنة، وإمامته: 34 سنة.

المراسيم الشرعية: لقد استقبل الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) حفيده بحفاوة، قبّله وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية، من أذان في أُذنه اليمنى، ومن إقامة في أُذنه اليسرى، وغير ذلك.

 

2017/12/07

إنفوكرافيك: حياة النبي محمد (ص)

 المشهور عند الامامية ان ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت في السابع عشر من ربيع الاول ، وذهب اكثر علماء اهل السنة الى انها كانت في الثاني عشر منه والمشهور ان ولادته كانت عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل ، اليوم الذي جاؤوا بالفيل لتخريب الكعبة المعظمة فاهلكهم الله تعالى بحجارة من سجيل.

 روي انه لما كانت ليلة الجمعة عشية عرفة وكان عبد الله قد خرج هو واخوته وابوه ، فبينما هم سائرون واذا بنهر عظيم فيه ماء زلال ولم يكن قبل ذلك اليوم هناك ماء فبقي عبد المطلب واولاده متعجبين ، فبينما عبد الله كذلك اذ نودي يا عبد الله اشرب من هذا النهر ، فشرب منه ، واذا هو ابرد من الثلج ، واحلى من العسل ، وازكى من المسك ، فنهض مسرعا والتفت الى اخوته فلم يرو للنهر اثرا فتعجبوا منه ، ثم ان عبد الله مضى مسرعا الى منزله فرئته امنة طائشا ، فقالت له : مالك ؟ صرف الله عنك الطوارق ، فقال لها : قومي فتطهري وتطيبي وتعطري ، واغتسلي ، فعسى الله ان يستودعك هذا النور ، فقامت وفعلت ما امرها ، ثم جاءت اليه فغشيها تلك الليلة المباركة ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتقل النور من وجه عبد الله في ساعته الى امنة بنت وهب ، فقالت امنة : لما دنا مني ولامسني اضاء منه نور ساطع ، وضياء لامع ، فانارت منه السماء والارض ، فادهشني ما رأيت ، وكانت امنة بعد ذلك يرى النور في وجهها كانه المرآة المضيئة. (1)

    روي انه ولد صلى الله عليه وآله وسلم في يوم السابع عشرة من شهر ربيع الاول في عام الفيل ، وانه ولد صلى الله عليه وآله وسلم عند طلوع الفجر من يوم الجمعة بعد خمس وخمسين يوما من هلاك اصحاب الفيل.

    وذكر الطبري ان مولده صلى الله عليه وآله وسلم كان لاثنين واربعين سنة من ملك انوشيروان وهو الصحيح ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ولدت في زمن الملك العادل انو شيروان بن قباد قاتل مزدك والزنادقة (2).

    وكانت ولادته في داره المباركة بمكة ، ثم وهبها النبي صلى الله عليه واله وسلم لعقيل بن ابي طالب.

    وتقول امنة بنت وهب ام محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسقط الى الارض ، ثم رفع راسه الى السماء فنظر اليها ، ثم خرج مني نورا اضاء له كل شيء ، وسمعت في الضوء قائلا يقول : انك قد ولدت سيد الناس فسيمه محمدا (3) ، واتي عبد المطلب لينظر اليه وقد بلغه ما قالت امه ، فاخذه فوضعه في حجره ثم قال : الحمد لله الذي اعطاني هذا الغلام الطيب الاردان ، قد ساد في المهد على الغلمان.

    ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتيما حيث توفي عبد الله بن عبد المطلب والد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند رجوعه من الشام في تجارة لابيه عبد المطلب ، فمرض وتوفي من مرضه وزوجته امنة حامل بمحمد صلى الله عليه واله وسلم ودفن جثمانه الطاهر في دار النابغة بالمدينة المنورة.

    وروي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي بن ابي طالب عليه السلام : لما خلق الله عزوجل ادم ونفخ فيه من ررحه واسجد له ملائكته واسكنه جنته وزوجه حواء امته ، فرفع طرفه نحو العرش فاذا هو بخمسة سطور مكتوبات ، قال ادم : يارب من هؤلاء ؟ قال الله عزوجل له : هؤلاء الذين اذا تشفع بهم الي خلقي شفعتهم ، فقال ادم : يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ قال : اما الاول : فانا المحمود وهو محمد ، والثاني : فانا العالي الاعلى وهذا علي ، والثالث : فانا فاطر وهذه فاطمة ، والرابع : فانا المحسن وهذا حسن ، الخامس : فانا ذو الاحسان وهذا حسين ، وكل يحمد الله عزوجل (4).

_____________________________________________

1 ـ البحار : ج 15 ص 103.

2 ـ نفس المصدر ص 250.

3 ـ نفس المصدر.

4 ـ نفس المصدر : ص 14.

 

2017/12/06

إنفوكرافيك: ما هو غسل الجمعة وما هي كيفيته؟

غسل الجمعة من الأغسال المستحبة المؤكدة ، ويذهب جماعة من الفقهاء و المحدثين منهم الكليني و الصدوق و الشيخ البهائى رحمهم اللّه الى وجوبه على ما نقل عنهم لظاهر كثير من الاخبار، غير أن المشهور بين الفقهاء هو استحبابه، و الوجوب المذكور في تلك الاخبار يراد منه تأكد الاستحباب.

غسل الجمعة في الروايات الشريفة

كَانَ امير المؤمنين عَلِيٌّ عليه السلام يَقُولُ‏: "مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْغُسْلَ يَوْمَ‏ الْجُمُعَةِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَوْ لِعِلَّةٍ مَانِعَةٍ".

وعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ أنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَبِّخَ الرَّجُلَ يَقُولُ لَهُ: "أَنْتَ أَعْجَزُ مِنْ تَارِكِ‏ الْغُسْلِ‏ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي طُهْرٍ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى".

و عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنَّهُ قال : "لَا تَدَعِ الْغُسْلَ يَوْمَ‏ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَ شَمَّ الطِّيبَ، وَ الْبَسْ صَالِحَ ثِيَابِكَ، وَ لْيَكُنْ فَرَاغُكَ مِنَ الْغُسْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ".

و رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنهُ قَالَ : "غُسْلُ‏ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا".

وقت غسل الجمعة

وقت غسل الجمعة هو من طلوع الفجر إلى الزوال، وأما لو أراد الاغتسال في ما بين وقت الظهر إلى غروب الشمس فيأتي به دون نية الأداء أو القضاء، و من فاته الاغتسال في يوم الجمعة يجوز له قضاء غسل الجمعة حتى غروب الشمس من يوم السبت.

كما يجوز لمن خاف عوز الماء أو نقصانه في يوم الجمعة تقديم غسل الجمعة  والاغتسال يوم الخميس رجاءً.

 

وتستحب إعادة الاغتسال لمن اغتسل في يوم الخميس ثم وجد الماء في يوم الجمعة.

2017/11/30

لهذه الأسباب.. شرّع الإسلام الحجاب

1ـ إن الغريزة الجنسية، أقوى الغرائز في الإنسان وأكثرها عمقاً، وكانت عبر التأريخ السبب في أحداث دامية وإجرامية مرعبة حتى قيل: إن وراء كل حادثة مهمة امرأة.

فتعرّي النساء وما يرافقه من تجميل وتبرّج وما شاكل ذلك يحرّك الرجال ـ خاصة الشباب ـ ويحطّم أعصابهم وتراهم قد غلب عليهم الهياج العصبي. وأحياناً يكون ذلك مصدراً للأمراض النفسية، فأعصاب الإنسان محدودة التحمل وهو لا يتمكن من الاستمرار في حالة الهيجان.

وينسب إلى أحد أطباء علم النفس: \أن هذه الحالة سبب للأمراض النفسية\. بينما يريد الإسلام للرجال المسلمين والنساء المسلمات نفساً مطمئنة وأعصاباً سليمة ونظراً وسمعاً طاهرين.

2-تبين إحصاءات موثقة ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسرة في العالم بسبب زيادة التعري، لأن الناس أتباع الهوى غالباً وهكذا يتحول حب الرجل من امرأة إلى أخرى كل يوم بل كل ساعة.

فسوق التعرّي والحرية الجنسية يعتبر المرأة سلعة تباع وتشترى أو في أقل تقدير موضع نظر وسمع الرجال، عندها يفقد عقد الزواج حرمته وتنهار أسس الأسرة بسرعة؛ كانهيار بيت العنكبوت. ويتحمل الأبناء أعباء هذه المصيبة بعد أن يفقدوا أولياءهم ويفقدوا حنان الأسرة.

أما في البيئة التي يسودها الحجاب (والتعاليم الإسلامية الأخرى) فالعلاقة وثيقة بين الزوج وزوجته ومشاعرهما وحبهما مشترك.

3- إن لقضية ابتذال المرأة وسقوط شخصيتها في المجتمع الغربي دلالة واضحة لا تحتاج إلى أرقام، فعندما يرغب المجتمع في تعري المرأة ليتبعه اعتياد التجميل الفاضح والانحدار السلوكي وسقوط شخصية المرأة في مجتمع يركز على جاذبيتها الجنسية، ليجعلها وسيلة إعلامية يروج بها لبيع سلعة أو لكسب سائح.

وهذا السقوط يفقدها كل قيمتها الإنسانية، إذ يصبح شبابها وجمالها وكأنه المصدر الوحيد لفخرها ومكانتها، فلا يبقى لها من إنسانيتها سوى أنها أداة لإشباع شهوات الآخرين الوحوش الكاسرة في صور البشر.

ومن المؤسف كيف تلعب المرأة دوراً سلبياً باسم الفن، وتشتهر وتكسب المال الوفير وتنحط إلى حد الابتذال في المجتمع ليرحب بها مسيّرو هذا المجتمع المنحط خلقياً في المهرجانات والحفلات الساهرة وغيرها من مظاهر الفساد والانحراف.

4- انتشار الفحشاء وازدياد الأبناء غير الشرعيين، يعتبران من أنكى نتائج إلغاء الحجاب وكما نرى ولا حاجة إلى إحصائية بهذا الصدد. فشواهدها ظاهرة في المجتمع الغربي وواضحة بدرجة لا تحتاج إلى بيان.

حتى أن علماء الغرب حذروا المسؤولين من مغبة هذا الوضع بسبب الخطر الذي أوجده هؤلاء الأبناء لأمن المجتمع فقد وجدوا أنهم يمثلون القسم الأعظم من ملفات القضايا الخاصة بالجرائم. ومن هنا ندرك أهمية هذه القضية، وأنها كارثة حتى للذين لا يؤمنون بدين ولا يهتمون بأخلاق.

5- كثرة الأمراض الجنسية التي تعصف بالمجتمع الإنساني نتيجة الممارسات المحرمة. وهذا ما يكلّف الدول والمجتمعات كثيراً من المال والجهد ونحوها. وهذا عامل اقتصادي، حيث تذهب كثير من الطاقات والأموال لعلاج الأمراض الجنسية، وبالتالي يتعرض النوع الإنساني للتشوّهات الخلقية.

*مقتطف من كتاب \التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع\ صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

 

2017/12/02

من صور الحجاب.. عدم الخضوع بالقول

قال تعالى:  {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى...} ([1]).

(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) أي لا ترققن القول وتلِنَ الكلام أي لا تجعلن كلامكنّ ليناً رقيقاً.

بل تكلَّمْنَ عند تحدثكنّ بجد وبأسلوب عاديّ لا كالنساء المتميعات الشخصية.

ومن المؤسف إن بعض النساء غير المتدينات يسعين من خلال حديثهنّ المليء بالعبارات المحركة للشهوة والتي قد تقترن بترخيم الصوت وأداء بعض الحركات لكي يدفعن الرجال إلى الفساد وارتكاب المعاصي.

 {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}  للقول المعروف معنى واسع يتضمن مصاديق عديدة، إضافة إلى أنه ينفي كل قول باطل لا فائدة فيه، ولا هدف من ورائه وكذلك ينفي المعصية وكل ما خالف الحق، ثم يصدر أمراً في باب رعاية العفة والحجاب.

فيقول تعالى:  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}  أي: الزمن بيوتكن.

(قَرْنَ): من مادة الوقار، أي الثقل، وهو كناية عن التزام البيوت، واحتمل البعض أن تكون من مادة القرار، وهي لا تختلف عن المعنى الأول كثيراً.

والتبرج يعني الظهور أمام الناس، وهو مأخوذ من مادة برج يبدو ويظهر لأنظار الجميع، والمعنى لا تظهرن زينتكن للأجانب ولا تخرجن على عادة نساء الجاهلية.

والحكم الوارد في الآية المباركة عام والتركيز على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) من باب التأكيد الأشد، كما تقول لعالم: أنت عالم فلا تكذب فلا يعني هذا أنَّ الكذب مجاز ومباح للآخرين، بل المراد أن العالم ينبغي أن يتقي هذا العمل بصورة آكد وأشد.

*مقتطف من كتاب "التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع" صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

 



([1]) سورة الأحزاب: آية 32.

2017/11/29

التبرج والسفور ووجوب الحجاب

قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}([1]).

الغض: هو إطباق الجفن على الجفن. والأبصار: جمع بصر وهو العضو الناظر.

فقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ* لما كان {يَغُضُّوا} مترتباً على قوله: {قُلْ} ترتب جواب الشرط عليه دلّ ذلك على كون القول بمعنى الأمر والمعنى مُرْهُم {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} والتقدير: مُرْهُمْ بالغض، إنك إن تأمرهم به (يَغُضُّوا).

ما الحكمة؟

والآية أمر بغض الأبصار ومفادهُ النهي عن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من الأجنبي والأجنبية {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} أي ومرهم {يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.

والمقابلة بين قوله: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} و{يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} يعطي أن المراد بحفظ الفروج سترها من النظر فضلاً عن الزنا واللواط والعياذ بالله.

ثم أشار إلى وجه المصلحة في الحكم وحثّهم على المراقبة في جنبه بقوله تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة وإطلاق البصر والفرج من أسباب النقمة والعذاب في الدنيا والآخرة.

وقدْ دلّت الأحاديث الشريفة أن المراد من الأمر بالغض في الآية المباركة النهي عن مطلق النظر إلى الأجنبية. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "النظر إلى محاسن النساء سهم من سهام إبليس، فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسرُهُ" ([2]).

ثم توجه الخطاب الإلهي إلى المؤمنات يأمرهن بغض البصر وحفظ الفرج.

قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} .

فلا يجوز لهن النظر إلى مالا يجوز النظر إليه ويجب عليهن ستر العورة عن الأجنبي والأجنبية فأمر المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج -كما أمر المؤمنين بذلك - صيانة لهم من أسباب الفتنة وتحريضاً لهن على أسباب العفة والسلامة.

أفعمياوان أنتما؟

ورد في جوامع الجامع عن أم سلمة قالت: كنت عند النبي عن النبي صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال: احتجبا، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ فقال أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟([3]).

والأمر الإلهي في هاتين الآيتين الكريمتين للمؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج واضح جلي وما ذاك إلا لعظم ما يترتب على عدم حفظهما من الفساد الكبير بين المسلمين.

فإطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة والهداية. كما أن حفظ الفرج واجب، ومن أبرز مظاهر العفة والالتزام بأوامر الله تعالى والانتهاء عما نهى عنه جلّ وعلا.

وعدم الالتزام بذلك من مظاهر سقوط الشخصية وازدياد الفحشاء بين المسلمين وهذا الانحدار والسقوط الخلقي من أظهر أسباب سقوط المجتمع وانحراف الشخصية الإسلامية.

فعلى العبد أن يحذر ربه وأن يستحي منه أن يراه على معصيته أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه.

ثم انتقلت الآية المباركة إلى ذكر حكم آخر وهو حرمة إبداء الزينة.

قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} .

فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية وإن كانت لا تُظهر أجسامهن فلا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزينّ به تحت اللباس العادي أو العباءة بنص القرآن الكريم، الذي نهاهن عن ذلك وقد فُسّرت الزينة في بعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) بالقلادة والدملج (وهو نوع من الحلي يوضع على الساعد)، والخلخال ونحوها من أنواع الزينة التي اعتادت النساء التزين بها([4]).

وقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} .

الخُمُرْ ـ بضمتين ـ: جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وينسدل على صدرها. والجيوب: جمع جيب بالفتح فالسكون والمراد به الصدور.

والمعنى: وليلقين بأطراف مقانعهن على صدورهن ليسترنها بها.

ثم يذكر الكتاب الكريم حكماً آخر زيادة للعفة والحجاب، يقول تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}  أي على النساء أن يتحفظن كثيراً، ويحفظن عفّتهن، ويبتعدن عن كل شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرجال حتى لا يتهمن بالانحراف عن طريق العفة. ويجب أن يراقبن تصرفهن بشدة بحيث لا يصل صوت خلخالهن وما أشبه ذلك إلى آذان غير المحارم، وهذا كله يؤكّد دقّة نظر الإسلام إلى هذه الأمور المهمة.

فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي النساء وامنعوهنّ مما حرم الله عليهنّ من السفور والتبرج وإظهار المحاسن والتشبه بالنساء الكافرات، واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله تعالى وعموم عقابه.

وانتهت الآية الكريمة بدعوة جميع المؤمنين رجالاً ونساء إلى التوبة والعودة إلى الله تعالى ليفلحوا {وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . وتوبوا أيها الناس مما ارتكبتم من ذنوب في هذا المجال بعدما اطلعتم على حقائق الأحكام الإسلامية.

 



([1]) سورة النور: آية 30 - 31.

([2]) مستدرك الوسائل: ج2، ص 544.

([3]) بحار الأنوار: ج101، ص37.

([4]) مستدرك الوسائل: ج14، ص6 باب ما يحل النظر اليه من المرأة بغير تلذذ وما لا يجب عليها ستره.

 

*مقطتف من كتاب "التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع" صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة
2017/11/27