كيف أقاوم وساوس الشيطان والشهوات؟!
الى سماحة السيد حفظه الله... ابعث برسالتي إليك أيها المربي الفاضل وأنا من المتابعين لكم وقد ارتأيت أن أبعث إليك بالخصوص لأني على ثقة بكم أن تدلني على ما ينير بصيرتي في سبيل الطريق إلى الله فأنا طالبة علم ومنيتي أن أرتقي بالنفس إلا أنني في كل مرة أخفق ويغلبني هواي.. لقد يئست من نفسي ولا أدري إلى ما يكون مصيري.. أرشدني بما يداوي قلبي المغلوب لعل الله يفتح لي نور البصيرة.

[اشترك] 

الجواب من سماحة آية الله السيد منير الخباز:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ المداومة على صلاة الفجر، والتسبيح والدعاء بعدها، وقراءة أدعية الصحيفة السجادية، خصوصا المناجاة الخامسة عشرة، والتَّدبُّر في القرآن الكريم، خصوصاً في آيات الموت والعذاب وأوصاف الآخرة؛ كفيلٌ بأن يعطي الإنسان رصيداً روحياً يقاوم به وساوس الشيطان، وتأثير الأهواء والشهوات على نفسه.

2023/10/25

ما حقيقة أن «الجرجير» من نبات جهنم؟
لم أقفْ على روايةٍ في طرقِنا مفادها أنَّ الجرجير أصلُه في جهنم وإنَّما وردت رواياتٌ عديدة بألسنةٍ مختلفة مفادُها أنَّ الجرجير سوف يكونُ من الزروع التي تنبتُ في جهنَّم.

[اشترك]

الرواية الأولى: رواها البرقي في المحاسن عن محمد بن عليٍّ عن عيسى بن عبد الله العلويِّ عن أبيه عن جدِّه قال: نظر رسولُ الله (ص) إلى الجرجير فقال: "كأنِّي انظرُ إلى منبتِه في النار"(1).

وظاهرُ الرواية أنَّ الجرجير سوف يكون من نبات جهنَّم، فقولُه: "كأنِّي أنظر إلى منبتِه في النار" معناه كأنِّي أرى الموقع الذي سوف يكون محلاً لنبات هذه البقلة في النار، فمساقُ هذا التعبير هو التأكيد على أنَّ الجرجير من الزروع التي سوف تنبتُ في النار.

الرواية الثانية: رواها البرقي أيضًا بسندٍ إلى أبي جعفر(ع) قال: "شجرةُ الجرجير على بابِ النار"(2).

الرواية الثالثة: رواها البرقي أيضًا بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: "كأنِّي أنظر إلى الجرجير يهتزُّ في النار"(3).

الرواية الرابعة: رواها البرقي بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) قال: إنَّ رسولَ الله قال: "أكرهُ الجرجير وكأنِّي أنظر إلى شجرتِها نابتة في جهنَّم"(4).

الرواية الخامسة: رواها القطب الرواندي في الدعوات عن النبيِّ (ص) قال: "مَن أكلَ الجرجير ثم نام يُنازعُه عرقُ الجذام في أنفِه"، وقال (ص): "رأيتُها في النار"(5).

هذه هي الروايات التي وقفتُ عليها في طرقِنا وأكثرُها ضعيفُ السند، فالأولى مشتملةٌ على عيسى بن عبد الله العلوي وهو من المجاهيل، والثانيةُ مشتملةٌ على أبي جميلة وهو الفضل بن صالح وهو ضعيفٌ جدًا، وضعْفه متسالمٌ عليه بين الرجاليِّين بل إنَّ بعضَهم نسب إليه تعمُّدَ الوضع للحديث، والرابعةُ ضعيفةُ السند أيضًا لاشتمالِها على قتيبة بن مهران وهو مهمل وحمَّاد بن زكريا وهو مهمل أيضاً، وأمَّا الروايةُ الخامسة المرويَّة في الدعوات للقطب الراوندي فهي ضعيفة أيضًا لأنَّها مرسلة أي أنَّ الراوندي (رحمه الله) لم يذكر سندَه للرواية. فلم يبقَ إلا رواية واحدة وهي الرواية الثالثة التي ذكر لها البرقي طريقين فإنَّ الظاهرَ هو اعتبار سنديها.

وفي مقابل هذه الروايات تُوجد روايةٌ -إلا أنَّ في سندها ضعفًا- مرويَّةٌ عن موفَّق مولى أبي الحسن(ع) قال: كان إذا أمر بشيءٍ من البقل يأمرُ بالإكثار من الجرجير فيُشترى له، وكان يقول: ما أحمق بعض الناس يقولون: إنَّه ينبتُ في وادي جهنَّم، واللهُ تبارك وتعالى يقول: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ﴾(6) فكيف ينبتُ البقل(7).

هذا وقد أفاد صاحبُ البحار العلامة المجلسي رحمه الله: إنَّ من المحتمل صدور الأخبار المثبِتة لنبات الجرجير في جهنم تقيةً، أي إنِّها كانت قد صدرت لغرض المجاراة لأخبار العامَّة وليس لغرض الإخبار عن الواقع.

فلأنَّه وردت في طرق العامَّة رواياتٌ مفادها إنَّ الجرجير ينبت في جهنَّم، لذلك كان من المحتمل صدور ما ورد من طرقِنا مدارةً لهم لاقتضاء ظروف الصدور لذلك، ولهذا لا يمكن الاطمئنان بصحَّة ما اشتملت عليه هذه الروايات من مضمون خصوصاً بعد الالتفات إلى أمرين:

الأول: أنَّ أكثرها ضعيفُ السند.

والثاني: هو غرابة المضمون الذي اشتملت عليه، وذلك يقتضي لكي يتمَّ الاطمئنان بصدقِه أنْ تتراكم القرائن على الصدق بمستوىً يتناسب مع غرابةِ هذا المضمون.

فالعقلاءُ قد يطمئنون إلى صدق خبرٍ لمجرَّد كون الجائي به ثقة، وذلك لأنَّ مضمون الخبر الذي جاء به كان مألوفاً أو متوقعاً، أمَّا لو كان الخبرُ غريباً فإنَّ العقلاء لا يكتفون في مثلِه بخبر الواحد وإنْ كان ثقةً، فما لم يتعزَّز الخبرُ ذو المضمون الغريب بإخباراتٍ أخرى وقرائن تُساهم في تضعيف احتمال الكذب والاشتباه وتُساهم في مضاعفة احتمال الصدق إلى أنْ ترقى به إلى مستوى الاطمئنان بالصدق فإنَّ مثل هذا الخبر لا يكون معوَّلاً عليه عقلائيًا وكذلك يكون ساقطًا عن الحجيَّة شرعًا إمَّا لأنَّ حجيَّة الطرق والأمارات لم تكن تأسيسيَّة وإنَّما هي إمضاءٌ لما عليه العقلاء، وقد قلنا إنَّ العقلاء لا يُعوِّلون على مثل هذه الأخبار ما لم تكن معتضدة بقرائن موجبة للاطمئنان بالصدق، وإمَّا لأنَّ حجيَّة خبر الثقة تعبُّدًا ثابتة لخصوص الروايات المتضمِّنة لبيان حكم شرعيٍّ أو نفي حكمٍ شرعي أو بيان مضمونٍ ذي أثرٍ شرعي، ومثل هذه المضامين ليست كذلك، فلا هي بيانٌ لحكمٍ شرعي ولا هي نفيٌ لحكمٍ شرعي ولا هي بيانٌ لمضمونٍ ذي أثرٍ شرعي. لذلك لا تكونُ مشمولةً لأدلة حجيَّة خبر الواحد الثقة.

كلُّ ذلك مبنيٌّ على القبول بغرابة المضمون الّذي اشتملت عليه الروايات المذكورة، وأمَّا بناءً على انتفاء الغرابة وذلك لأنَّ منشأ الإستغراب ليس تاماً فحينئذٍ لا يكون ثمَّة مانع من اعتماد هذه الروايات خصوصاً وأنَّها متعدِّدة وفيها ما هو معتبرٌ سندًا فلا بدَّ إذن من ملاحظة منشأ الغرابة في المضمون الذي اشتملت عليه هذه الروايات.

والظاهر أنَّ منشأ الغرابة والاستيحاش هو أمور ثلاثة مجتمعة:

الأوّل: هو عدم قابليّة الجرجير وغيرِه من الزروع لأنْ ينبتَ في وسط النّار خصوصاً نار جهنّم التي وصفها القرآنُ الكريم بقولِه: ﴿إِذَا أُلقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ / تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ...﴾(8)، وقوله: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى﴾(9)، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ / نَارٌ حَامِيَةٌ﴾(10)، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ / نَارُ اللَّهِ المُوقَدَةُ / الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ / إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ / فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾(11).

فإذا كانت النّار كما وصفها القرآن الكريم كيف يُتَعقَّل أن ينبتَ فيها مثلُ الجرجير والّذي هو من أضعف الزروع ساقاً وأقلّها تجذّراً.

الثّاني: إنَّ كلَّ ما في جهنَّم هُيِّئَ ليكون وسيلةً لتعذيب أهل النّار، وليس في الجرجير ما يقتضي ذاك، فليس هو من قبيل الأشواك كما إنَّه ليس مرَّ المذاق، وليس هو من قبيل الأطعمة السامَّة والّتي يترتَّب على تناولها آلامٌ وأسقام، فلو كان للجرجير واحد من هذه الخصوصيَّات وأمثالها لأمكن القول بأنَّ اللهَ سيُعذِّب الكافرين بهذه النبتة إلا أنَّ الأمر ليس كذلك.

الثالث: إنَّ الجرجير من البقول التي يرغبُ النّاس في تناولِها، فهي مستساغةُ الطعم وهي في الوقت نفسه ذاتُ قيمةٍ غذائيَّة، وحينئذٍ لا تكونُ صالحةً لأنْ يُخوَّف بها العصاة والكافرين. فهي ليست من قبيل الضريع الّذي هو غير مستساغِ الطعم عند الإنسان بل وربَّما الحيوان أيضًا.

هذه الأمور الثلاثة لعلَّها هي منشأ الاستيحاش والاستغراب من مفاد الروايات المذكورة إلا أنَّه وبالتأمّل اليسير يتَّضحُ عدم اقتضائها جميعاً للاستغراب.

أمَّا الأمر الأوَّل: فلأنَّ من المقطوع به أنَّ الجرجير إذا كان سوف ينبتُ في جهنَّم فإنَّه سيكون واجدًا لخصوصيَّاتٍ تقتضي أهليَّته التكوينيّة للإنبات في وسط جهنَّم، فليس من الصحيح افتراض نباتِه في جهنَّم مع الالتزام ببقائه على ما هو عليه من خصوصيَّات في هذه الحياة. فإنَّ فساد ذلك أوضح من أنْ يخفى على أحد.

ولهذا لم يطرأ في ذهن متوهِّم ٍأو لا ينبغي أنْ يطرأ وهمٌ في أنَّ نبتةَ الضريع المعهودة هي بعينِها وبتمام خصوصيَّاتها سوف تكون طعامًا لسكَّان جهنّم، إذ من غير المعقول أن يتصوَّر أحدٌ قابليَّة هذه النبتة مهما كانت صلابتها لمقاومة نار جهنَّم، وهذا هو ما يلزم افتراضه لنبتة الجرجير لو كانت ستنبتُ في جهنَّم.

وعليه لا يصحُّ اعتبار الأمر الأوّل منشاً للاستغراب بعد أنْ كان اختلاف الخصوصيَّات في النشأتين أمراً مفروغاً عنه.

ويمكنُ تأكيد ذلك بملاحظة الكثير من الآيات التّي لا مصحِّح للقبول بمضامينها إلا الالتزام بالاختلاف في بعض الخصوصيَّات بين النشأتين.

ونذكر لذلك نماذج من هذه الآيات:

النموذج الأوّل: قوله تعالى: ﴿مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ / يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾(12).

فرغم أنَّ أسباب الموت تنتابُه مجتمعةً ومتوالية إلا أنَّه ليس بميِّت، فهل يصحُّ قبول هذا المعنى لولا الإيمانُ بأنَّ ثمَّة خصوصيَّةً لتلك النشأة منتفية عن هذه النشأة.

النموذج الثاني: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الحَمِيمُ / يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ / وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ / كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ﴾(13).

فالثياب من نار والغَسول حميم وأثرُه انصهار الأحشاء وما بطَن وظهر ثمَّ إنَّهم لا يموتون بل كلَّما خرجوا من عذابٍ أُعيدوا فيه، فأيُّ روح هذه التي تستقرُّ في بدنٍ رغم كلِّ هذا العذاب لولا أنَّ الله تعالى أراد لها الاستقرار على خلاف ما تقتضيه طبيعة النشأة الأولى.

النموذج الثالث: قوله تعالى: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ / إِنَّا جَعَلنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ / إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ / طَلعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾(14).

﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ / لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ / فَمَالِؤُونَ مِنْهَا البُطُونَ / فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ﴾(15)، فالزقوم شجرةٌ تنبتُ في أصل الجحيم، والظاهر أنَّها ليست شجرةً واحدة بل إنَّ ثمَّة أشجار زقّومٍ كثُر كما هو المُستظهَر من قوله تعالى: ﴿لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾(16).

فهذه الشجرة إمَّا أن تكون مسانخة في حقيقتِها وخصوصيَّاتها مع شجر الدنيا، وإمَّا أنْ تكون مباينة لها في حقيقتِها وتمام خصوصيَّاتها.

فالاحتمال الأوّل ممتنعٌ لافتراض امتناع أنْ تنشأ شجرةٌ بالخصوصيَّات المعهودة في أصل الجحيم.

والاحتمال الثّاني وهو أنَّ شجرة الزقُّوم ليست شجرةً أصلاً وإنَّما هي حقيقةٌ أخرى أُطلق عليها اسم الشجرة، هذا الاحتمال خلاف الظاهر فلا يُصار إليه دون قرينة، فإنَّ لفظ الشجرة ظاهرٌ عرفًا ولغةً في المعنى المعهود للشجرة.

فيتعيّن احتمالٌ ثالث وهو أنَّ شجرةَ الزقُوم مسانخة في حقيقتِها للشجر المعهود في هذه النشأة، غايتُه أنَّها تختلف عنها في بعض الخصوصيَّات المناسبة لتلك النشأة.

هذه ثلاثةُ نماذج من آيات القرآن الكريم، وثمة نماذجُ أخرى كثيرة أعرضنا عن ذكرها لكفاية ما ذكرناه ورعايةً لعدم الإطالة.

هذا مضاف إلى ما ورد في السنَّة الشريفة من رواياتٍ كثيرة يصعب تأويلُها أو التنكُّر لصدورها، فهي متواترةٌ إجمالاً أو مستفيضة، ومفادها إنَّ الله تعالى سيعذِّب أقوامًا في النار بالحيَّات والعقارب، فإذا كان استيحاشٌ من نبات بعض الزروع في جهنَّم فليكن استيحاشٌ من وجود الحيَّات والعقارب في جهنم، إذ كيف يتمُّ القبول بإمكانيَّة بقائها حيةً في وسط الجحيم لولا القبول بمنحِها خصوصيَّاتٍ تُؤهلُها لذلك.

إذن فالأمر الأول لا يصحُّ اعتباره مبرَّرًا للاستيحاش والاستغراب من مفاد الروايات المتضمِّنة لنبات الجرجير في النار.

وأما الأمر الثاني والثالث: فكذلك لا يصلحان لتبرير الاستيحاش والاستغراب من الروايات المذكورة، وذلك لأنَّه لم يثبت أن كلَّ ما في جهنم سيكون مادَّةً لتعذيب العصاة من أهل النار، ولو تمَّ القبول بذلك فما المانع من إيداع هذه البقلة بعض الخصوصيَّات فتكون بذلك واحدًا من وسائل التعذيب لسُكان أهل النار بأن يُصبح الجرجير بقلةً شديدة النتَن يتأذَّى من رائحتها سكانُ جهنم أو يكون ذلك هو أثرها بعد الأكل، فهي مقتضية له في الدنيا فيكون مضاعفًا في الآخرة خصوصاً لو لم يكن في جوف مَن تناولها غيرها وكان ما تناولُه كثيرًا فإنَّ أثرها حينئذٍ لا يُطاق، فهي عذاب للمتملِّي منها قسرًا وعذاب لمتلقِّي أثرها، فالأول ينتابه الخزي والعار، والثاني ينتابه الغثيان، أو لا تكون كذلك ولكنَّها تكون طعاماً لذوي العز والكبرياء فيشعرون بالصغار والمذلَّة، فبعد صنوف الطعام وأجوده والذي كان يُحمل إليهم على أطباق الذهب والفضَّة ويحوطُهم الخدم والجواري ينتظرون أمراً ليسارعوا في إمضائه فإذا هم يقتاتون بقلةً ليست بذي بالٍ عند فقراء الدنيا فضلاً عن كبرائهم، فهم يحرصون على تحصيلِها وتناولِها لما المَّ بهم من جوعٍ فيجدونها كما وصف الله تعالى الضريع بقوله: ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾(17)، وقد يجدونها ملوَّثةً بصديد القروح ومٌلطَّخة بالدماء النازفة من حروق العصاة، فأيُّ مهانةٍ ومذَّلة أقسى على قلب العزيز من ذلك، فحتى لو كانت هذه البقلة مُستساغة في نفسِها فإنَّها لن تكون مُستساغة في هذه الأجواء الملبَّدة بألوان المهانة وصنوف التحقير، فكأنَّه معنيٌّ هو الآخر بقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾(18).

ثم إنَّه ما مِن شيءٍ إلا ويصلحُ أنْ يكونَ مادَّةً للتعذيب، فالجبابرةُ والطغاة قد يُعذِّبون أسراهم بشربِ الماء أو بتناول البطيخ، وقد ورد أنَّ الله تعالى يُعذِّب بعض العصاة بالثلج.

وبما ذكرناه يتَّضح أنَّ روايات الجرجير التي أفادت أنَّه من زروع الجحيم ليس فيها ما يقتضي تكذيبَها أو استبعادَ صدورها.

وأما أنَّ الجرجير بقلةٌ لبني أمية

قد وقفنا في ذلك على أربعِ روايات:

الرواية الأولى: رواها الكليني في الكافي بسندٍ له إلى أبي بصير قال: سأل رجلٌ أبا عبد الله (ع) عن البقل الهندباء والباذروج والجرجير فقال: إنَّ الهندباء والباذروج لنا والجرجير لبني أمية(19).

الرواية الثانية: رواها البرقي في المحاسن بسندٍ إلى أبي عبد الله (ع) انه قال: "إنَّ لبني أميَّةَ من البقول الجرجير"(20).

والرواية الثالثة: رواها في المستدرَك عن دعائم الإسلام عن رسول الله (ص) انَّه قال: "الهندباء لنا والجرجير لبني أميَّة"(21).

الرواية الرابعة: رواها في المستدرَك أيضًا عن ابن بسطام في طبِّ الأئمة (ع) عن الرضا (ع) انه قال: "الباذروج لنا والجرجيرُ لبني أميَّة"(22).

والظاهرُ أنَّها جميعًا ضعيفةُ الإسناد.

أما الرواية الأولى فيكفي لإسقاطها سندًا اشتماله على أحمد بن سليمان، وأما الثانية فيكفي لسقوط سندها اشتماله على عليِّ بن أبي حمزة البطائني رأس الوقف والمفتري على الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) وأمَّا الرواية الثالثة والرابعة فضعيفتان بالإرسال.

وأما ما هو المراد من هذه الروايات فله أكثر من احتمال:

الاحتمال الأول: إنَّ المراد من التعبير بأنَّ الهندباء لنا والجرجير لبني أميَّة هو أنَّ الهندباء محبوب لنا والجرجير محبوب لبني أميَّة.

الاحتمال الثاني: إن المراد هو أنَّه ينبغي أن يكون الهندباء مختصاً بنا وأن يكون الجرجير مختصَّاً ببني أميَّة.

الاحتمال الثالث: انَّ النسبة سيقت لغرض التعبير عن محبوبيَّة أكل الهندباء ومرجوحيَّة أكلِ الجرجير.

وثمة احتمالات أخرى استبعدناها فلم نذكرها. والاحتمالات الثلاثة تشترك جميعًا في إفادة المفاضلة بين الهندباء والجرجير وأنَّ الأول خيرٌ من الثاني، إما لأن الهندباء محبوبٌ لأهل البيت (ع) ولن يكون ذلك إلا لخصوصيَّة امتاز بها عن الجرجير أوجبت محبوبيَّته، وهذه الخصوصية إما أن تكون من قبيل القيمة الغذائيَّة وإما لكونه من زروع الجنَّة والجرجير من زروع الجحيم كما ورد في الروايات، وكذلك يقتضي الاحتمال الثاني تفضيل الهندباء على الجرجير، إذ أنَّه لن يكون ممَّا ينبغي اختصاصه بأهل البيت (ع) إلا لمزيَّةٍ فيه اقتضت الطلب للانتساب التشريفي لأهل البيت (ع) كما أن هذا الاحتمال يقتضي أنْ يكون الجرجير من السوء بحيث يكون المناسب لشأنه هو الانتساب لبني أميَّة.

ولعل المنشأ لتشريف الأول بالانتساب لأهل البيت (ع) هو قيمتُه الغذائية أو الأثر النفسي والذهني الذي يترتَّب على تناوله أو لأنَّه من زروع الجنَّة أو لتمام هذه المناشىء كما أنَّ من المحتمل كون المنشأ للانتساب التوهيني للجرجير هو ما يقتضيه من أثرٍ سيئ على مَن تملَّى منه ليلاً حيث أفادت العديدُ من الروايات أنَّ مَن ملأ منه بطنَه ليلاً بات على خطر الجذام أو البرص كما في رواية. كما أنَّ من المحتمل كون المنشأ لطلب الانتساب التوهيني هو أنَّه من زروع الجحيم.

وهكذا الحال بالنسبة للاحتمال الثالث فإنَّه يقتضي تميُّز الهندباء على الجرجير، فإنَّه لن تكون المحبوبيَّة لتناول الهندباء جزافيَّة كما أن المرجوحيَّة لتناول الجرجير لن تكون جزافيَّة.

وأمَّا ما هو المستظهَر من الاحتمالات الثلاثة فالظاهر أنَّه الاحتمال الثالث، فإنَّ الاحتمال الأول مستبعدٌ لأنَّه يقتضي أن يكون الإخبار عن محبوبيَّة الهندباء إخبارًا عن هوىً شخصي للهندباء وهو مخالفٌ لظاهر حال الإمام والذي كان بصدد الجواب عن سؤال السائل، والسائل لم يكن يسأل عن ما كان يهواه قلبُ الإمام شخصيَّاً وإنَّما كان يسأل عن حكم الشريعة في الهندباء والجرجير نظراً لكون الإمام ممثلاً للشريعة أو أنه يسأل عن طبيعة الهندباء والجرجير لاعتقاده بأنَّ الإمام (ع) مطّلعٌ على الخصائص التكوينيَّة للأشياء.

وأما الاحتمال الثاني فاستبعادُه ينشأ من اقتضائه لعدم فعليَّة انتساب الهندباء لأهل البيت (ع) والجرجير لبني أميَّة في حين أن الظاهر من قوله (ع): "الهندباء لنا والجرجير لبني أميَّة" هو فعلية انتساب كلٍّ منهما لكلِّ منهما.

فيتعيَّن الاحتمال الثالث وهو إنَّ النسبة سِيقت لغرض التعبير عن محبوبيَّة تناول الهندباء ومرجوحيَّة تناول الجرجير فإنَّ الإمام (ع) إما أن يكون بصدد بيان الحكم الشرعي لتناول البقلتين.

وإمَّا أنْ يكون بصدد بيان طبيعة البقلتين التكوينيَّة وأنَّ الأولى تقتضي تكويناً رجحان تناولها والثانية تقتضي تكويناً مرجوحيَّة تناولها.

وعلى كلا التقديرين تكون النسبة فعليَّة فإنَّ أهل البيت (ع) أولى بما هو محبوب شرعًا وهو ما يصحِّح نسبة كلِّ محبوبٍ شرعيٍّ لهم كما إنَّ أهل البيت (ع) سادة العقلاء فشأنُهم الفعل والأمر بكلِّ ما هو راجح عقلاً وذلك هو ما صحَّح انتساب التناول للهندباء لهم، فهم مَن حثَّ على تناولِه، وهم من كشفَ عن طبيعة آثاره.

كما أنَّ بني أمية والذين هم رمز الشر والسوء شأنُهم أن يُنسب لهم كلُّ مرجوحٍ شرعاً أو عقلاً، فالمصحِّح لنسبة بقلة الجرجير لهم هو أنها سيئة الأثر تكويناً أو أنَّها مرغوب عن تناولِها شرعًا لسوء أثرِها تكويناً أو لأنَّها من زروع الجحيم.

والذي يؤكد ما استظهرناه هو تصدِّي الروايات للحثِّ على تناول البقول التي نسبَها أهلُ البيت (ع) لأنفسِهم وبيان آثارها وفوائدها وتأكيد ذلك بالإخبار عن أنَّها ستكونُ من زروع الجنة، فإن ذلك يُعزِّز استبعاد الاحتمال الأول وترجُّح الاحتمال الثالث.

كما أنَّ الرويات التي حثَّت على عدم تناول الجرجير ليلاً وعدم التملِّي منه تُؤكد ما استظهرناه من أن نسبتَه لبني أميَّة إنَّما هو لغرض التعبير عن مرجوحيَّة تناوله، لأنَّ شأنَهم أن يُنسب لهم كلُّ ما هو مرجوح.

مقال رداً على سؤال: ما مدى صحَّة سند ودلالة الحديث الوارد عن المعصومين (ع) في شأن الجرجير أنَّ أصله في جهنَّم وهو طعام بني أميَّة؟ الهوامش: 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص198. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص197. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص198. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 / ص187. 5- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج16 / ص422. 6- سورة البقرة / 24. 7- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج8 / ص306. 8- سورة الملك / 7-8. 9- سورة الأعلى / 12. 10- سورة القارعة / 10. 11- سورة الهمزة / 5. 12- سورة إبراهيم / 16-17. 13- سورة الحج / 19-22. 14- سورة الصافات / 62-65. 15- سورة الواقعة / 51-54. 16- المصدر نفسه. 17- سورة الغاشية / 7. 18- سورة الدخان / 49. 19- الكافي -الشيخ الكليني- ج6 / ص368. 20- المحاسن -أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ج2 / ص518. 21- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج16 / ص422. 22- المصدر نفسه.
2023/10/24

الكفار في «معيشة ضنكاً».. حقيقة أم وهم؟!
قال الله تعالى في سورة طه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾(1).

ظاهر الآية أنَّ الضنك والضيق والشقاء في المعيشة تُصيب المعرض عن ذكر الله في الدنيا بقرينة قوله تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ فإنَّ ظاهر الآية أن المعرض عن ذكر الله يُبتلى بضيق المعيشة في الدنيا ثم يُحشر يوم القيامة أعمى، وهذا بخلاف ما نجده من أنَّ الكثير من المعرضين عن ذكر الله تعالى في رغدٍ وسعة من العيش، وكذلك فإنَّ العديد من الآيات نصَّت على أنَّ الكافرين يُمتعون في الدنيا كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ.. نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾(2).

فكيف نوفِّق بين ما دلَّ على أنَّ الكافر يمتع في الدنيا وبين الآية التي أفادت أنَّ المعرض عن ذكر الله تكون له معيشة ضنكا.

ليس المراد من قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ هو الضيق في الرزق أو المرض أو عدم الأمن أو غيرها من أسباب الضيق في المعيشة، فإنَّ ذلك يُصيبُ الكافر ويُصيب المؤمن بل المراد من الآية- ظاهراً- هو أنَّ المُعرِض عن الله والجاحدَ لوجوده والمنكرَ لربوبيته يكون تعلُّقه متمحِّضاً بالدنيا لا يرجو غيرها لذلك يشتدُّ حرصُه على أن يتنعَّم فيها بأقصى ما يُتاح له، فهي الفرصة السانحة التي لا تقبل التكرار بحسب اعتقاده، ولهذا فإنَّه كلَّما حظيَ فيها بنعيمٍ أو لذَّة فإنَّه يحرصُ على أن يحظى بما هو أكثر فيكدح ويشغل قلبَه ويُجهد نفسه لغرض الوصول إلى ما يرغب إليه من المزيد فيشغله حرصه الدائم على المزيد عن الشعور بالهناء والسعادة الكاملة بما في يده، وهذا الحرص هو ما يبعثُ في نفسِه الشعور بالضيق، فلا يكاد يشعرُ بالراحة حتى تُساوره مشاعر الجشع والنهَم وطلبِ المزيد، وذلك ما يُكدِّر صفوه ويُقلق راحته لأنَّه يخشى أن يموت قبل الوصول إلى رغباته ومشتهياته التي لا تنتهي، ولا تقفُ عند حد.

ثم إنَّ الشعور بالهمِّ وضيقِ الصدر لا ينشأ عن طلب المزيد وحسب بل ينشأ كذلك عن الخشية من زوال ما بيدِه من أسباب الراحة، فهو يخشى دائماً أنْ يُصاب بمرضٍ يمنعُه من التلذُّذ بما في يدِه أو يخشى على أموالِه من التلف أو الضياع وعلى تجارته من الخسارة أو يخشى من ذهاب المنصب أو الموقع الذي يتبوأه أو يخشى أن يفقد مَن يُحبُّهم ويألفُهم، ويخشى أنْ يتقدَّم به السنُّ فلا يُتاح له التلذُّذ بما تحت يده، فهو دائماً في غمٍّ وهمِّ واضطرابٍ وقلقٍ وخوف من المجهول. وهذا هو معنى ضنك المعيشة التي يُبتلى بها المُعرِض عن ذكر الله والذي لا يرجو اللهَ واليوم الآخر.

وكذلك فإنَّ الحياة بطبعها محفوفة بالمكاره والمنغِّصات، فإنَّ ذلك لا يخلو منه إنسان، فلا تخلو الحياة من فقدٍ للأحبة أو إخفاق في مسعى أو عارض من مرضٍ أو عداوة أو خصومة وغير ذلك من المكاره والمنغِّصات، فالإنسانُ الذي لا يُؤمن بالله واليوم الآخر يضيقُ صدره بهذه المكاره أشدَّ الضيق لأنَّه يعتقد بأنَّ هذه الحياة غيرُ قابلةٍ للتكرار، فهو يرى أنَّ هذه الكاره وهذه المُعوِّقات تُفوِّتُ عليه فرصته الوحيدة في الاستمتاع والسعادة، لذلك فهو يشعر بالضيق والغيظ والتبرُّم والخشية من أنْ يمضي العمر على هذه الوتيرة.

وعلى خلاف ذلك المؤمنُ بالله حقَّ الإيمان والمعتقِدُ صادقاً أنَّ لهذه الدنيا ما وراءها وأنَّ المكارَه والمصائب معوَّضة بأوفرِ ما يكون العوض، وأنَّ ثمة حياةً بعد هذه الحياة ليس فيها موت، وأنَّ ثمة نعيماً لا يشوبه تنغيص ولا يخطر امتدادُه وسِعتُه على قلب بشر، وأنَّ هذه الدنيا دارُ بلاءٍ وامتحان مَن صبرَ فيها على المكروه وعمل فيها بمرضاتِ الله كان مآله إلى جنَّة يحظى فيها بعطاءٍ وافرٍ غير مجذوذٍ ولا مقطوع، مثلُ هذا يتلقَّى مكاره الدنيا بقلبٍ مطمئنٍ واثقٍ بوعد الله الصادق: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(3) وإذا أصاب من هذه الدنيا خيراً شعر بالقناعة والامتنان لربِّه ولم تذهبْ نفسُه حسراتٍ على ما يفوته من نعيمِ هذه الدنيا، لأنَّه ينتظرُ نعيماً واسعاً ليس له انقطاع فذلك هو ما يبعثُ في نفسه الشعور بالقناعة والرضا بما قُدِّر له في هذه الدنيا ، وهذه القناعة هي التي تمنحُه الراحة والاستقرار.

وخلاصة القول: إنَّ معنى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ هو أنَّ المعرِض عن ذكر الله تعالى يكون حظُّه من هذه الحياة ضيقَ الصدر واضطراب البال والحرص الشديد على الاستكثار من الملذَّات والخشية من فوات ما في يدِه منها ، وهو ما يسلب منه الشعور بالراحة والاستقرار، فلا يكادُ يشعر بالسعادة حتى تُساوره مشاعر القلق والخوف من المجهول فتُحيل غبطته بما صار في يده إلى توجُّسٍ واكتئاب.

الهوامش: 1- سورة طه / 124. 2- سورة لقمان / 23-24. 3- سورة الزمر / 10.
2023/10/23

سكري وكوليسترول.. دراسة تكشف حقائق صادمة حول تأثير العمل على الموظف
أظهرت دراسة هندية حقائق صادمة، حول تأثير العمل على الموظف في الشركات على الصحة القلبية.

وقام فريق من الباحثين من مستشفى أبولو، بتحليل الفحوصات الصحية الوقائية التي تم إجراؤها لنحو 1.5 ألف موظف في الشركات، وأظهرت النتائج، أن 50% من مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم ومرضى ارتفاع الكوليسترول، كانوا تحت سن 45 عاماً.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو، أن 75% من الأفراد الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم لم يعرفوا أنهم أصيبوا بارتفاع ضغط الدم. 

وبالمثل، فإن 2 من كل 3 مرضى سكري لم يكونوا على علم بمشكلة السكر في الدم لديهم.

إضافة إلى ذلك، كانت هناك نسبة عالية من السمنة ونمط الحياة الخامل بين هؤلاء الموظفين، إذ يعاني 70% من الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن، من واحد أو أكثر من عوامل الخطر. 

يقول طبيب القلب التداخلي، في مستشفيات أبولو الدكتور ديبيش فينكاترامان: «يعد مكان العمل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية ويمارس تأثيراً هائلاً على أسلوب حياتنا وخياراتنا، وبالتالي، أعتقد بشدة أنه من الضروري للشركات إنشاء نهج شامل للتعامل مع صحة الموظف، إن الطريقة التي يتم بها تنظيم أماكن عملنا تدفعنا إلى اتخاذ خيارات معينة في نمط الحياة لها تداعيات طويلة المدى على صحتنا، بما في ذلك صحة القلب». 

وفي ما يلي مجموعة من الأمور التي تؤثر على صحة القلب لدى الموظفين، وفق صحيفة تايمز أوف إنديا:

  • الجلوس لفترات طويلة
  • الإجهاد البدني والنفسي
  • النظام الغذائي السيئ
  • قلة شرب الماء وسوء الترطيب
2023/10/23

مجازر وتشريد: متى تنتهي معاناة المسلمين بـ «نصر من الله»؟!
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّی يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی‌ نَصْرُ اللَّـهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ (٢١٤ - البقرة)

‏قال بعض المفسّرين: إنّ الآية نزلت عند ما حوصر المسلمون و اشتدّ الخوف و الفزع بهم في غزوة الأحزاب، فجاءت الآية لتثبّت علی قلوبهم و تعدهم بالنصر.

‏و قيل: إنّ عبد اللّه بن أبي قال للمسلمين عند فشلهم في غزوة أحد: إلی متی تتعرّضون للقتل و لو كان محمّد نبيّا لما واجهتم الأسر و التقتيل، فنزلت الآية١.

‏الصعاب والمشاقّ سنّة إلهية

‏يبدو من الآية الكريمة أنّ جماعة من المسلمين كانت تری أنّ إظهار الإيمان باللّه وحده كاف لدخولهم الجنّة، و لذلك لم يوطنوا أنفسهم علی تحمّل الصعاب‌ و المشاقّ ظانّين أنه سبحانه هو الكفيل بإصلاح أمورهم و دفع شرّ الأعداء عنهم.

‏الآية تردّ علی هذا الفهم الخاطئ و تشير إلی سنّة إلهية دائمة في الحياة، هي أنّ المؤمنين ينبغي أن يعدّوا أنفسهم لمواجهة المشاقّ و التحدّيات علی طريق الإيمان ليكون ذلك اختبارا لصدق إيمانهم، و مثل هذا الاختبار قانون عامّ سری علی كلّ الأمم السابقة.

‏و يتحدّث القرآن الكريم عن بني إسرائيل- مثلا- و ما واجهوه من مصاعب بعد خروجهم من مصر و نجاتهم من التسلّط الفرعوني، خاصّة حين حوصروا بين البحر و جيش فرعون، فقد مرّوا بلحظات عصيبة فقد فيها بعضهم نفسه، لكن لطف اللّه شملهم في تلك اللحظات و نصرهم علی أعدائهم.

‏و هذا الذي عرضه القرآن عن بني إسرائيل عامّ لكلّ‌ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ‌ و هو سنّة إلهيّة تستهدف تكامل الجماعة المؤمنة و تربيتها. فكلّ الأمم ينبغي أن تمرّ في أفران الأحداث القاسية لتخلص من الشوائب كما يخلص الحديد في الفرن ليتحوّل إلی فولاذ أكثر مقاومة و أصلب عودا. ثمّ ليتبيّن من خلال هذا الاختبار من هو اللائق، و ليسقط غير اللائق و يخرج من الساحة الاجتماعية.

‏المسألة الأخری التي ينبغي التأكيد عليها في تفسير هذه الآية: أنّ الجماعة المؤمنة و علی رأسها النبيّ صلی اللّه عليه و آله و سلّم ترفع صوتها حين تهجم عليها الشدائد بالقول‌ مَتی‌ نَصْرُ اللَّـهِ‌؟!، و واضح أنّ هذا التعبير ليس اعتراضا علی المشيئة الإلهية، بل هو نوع من الطلب و الدعاء.

‏فتقول الآية أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ ....

‏و بما أنّهم كانوا في غاية الاستقامة و الصبر مقابل تلك الحوادث و المصائب، و كانوا في غاية التوكّل و تفويض الأمر إلی اللّطف الإلهي، فلذلك تعقّب الآية أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ‌.

‏(بأساء) من مادّة (بأس) و كما يقول صاحب معجم مقاييس اللّغة أنّها في‌ الأصل تعني الشّدة و أمثالها، و تطلق علی كلّ نوع من العذاب و المشّقة، و يطلق علی الأشخاص الشّجعان الّذين يخوضون الحرب بضراوة و شدّة (بأيس) أو (ذو البأس).

‏و كلمة (ضرّاء) كما يقول الرّاغب في مفرداته هي النقطة المقابلة للسرّاء، و هي ما يسرّ الإنسان و يجلب له النفع، فعلی هذا الأساس تعني كلمة ضرّاء كلّ ضرر يصيب الإنسان، سواء في المال أو العرض أو النفس و أمثال ذلك.

‏جملة مَتی‌ نَصْرُ اللَّـهِ‌ قيلت من قبل النبي و المؤمنين حينما كانوا في منتهی الشّدة و المحنة، و واضح أنّ هذا التعبير ليس اعتراضا علی المشيئة الإلهيّة، بل هو نوع من الطلّب و الدعاء، و لذلك تبعته البشارة بالإمداد الإلهي.

‏و ما ذكره بعض المفسرين من احتمال أن تكون جملة (متی نصر اللّه) قيلت من طرف جماعة من المؤمنين، و جملة (ألا إنّ نصر اللّه قريب) قيلت من قبل النبي صلی اللّه عليه و آله و سلّم بعيد جدّا.

‏و علی ايّة حال، فإنّ الآية أعلاه تحكي أحد السنن الالهيّة في الأقوام البشريّة جميعا، و تنذر المؤمنين في جميع الأزمنة و الأعصار أنّهم ينبغي عليهم لنيل النّصر و التوفيق و المواهب الاخرويّة أن يتقبّلوا الصّعوبات و المشاكل و يبذلوا التضحيات في هذا السبيل، و في الحقيقة إنّ هذه المشاكل و الصّعوبات ما هي إلّا إمتحان و تربية للمؤمنين و لتمييز المؤمن الحقيقي عن المتظاهر بالإيمان.

‏و عبارة الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ‌ تقول للمسلمين: أنّكم لستم الوحيدين في هذا الطريق الّذين ابتليتم بالمصائب من قبل الأعداء، بل أنّ الأقوام السّالفة ابتلوا أيضا بهذه الشدائد و المصائب إلی درجة أنّهم مسّتهم البأساء و الضرّاء حتّی استغاثوا منها.

‏و أساسا فإنّ رمز التكامل للبشريّة أن يحاط الأفراد و المجتمعات في دائرة البلاء و الشّدائد حتّی يكونوا كالفولاذ الخالص و تتفتّح قابليّاتهم الداخليّة و ملكاتهم النفسانيّة و يشتد إيمانهم باللّه تعالی، و يتميّز كذلك المؤمنون و الصّابرون‌ عن الأشخاص الانتهازيّين، و نختتم هذا الكلام بالحديث النبوي الشريف:

‏يقول (الخبّاب ابن الأرت) الّذي كان من المجاهدين في صدر الإسلام: قال قلنا يا رسول اللّه ألا تستنصر لنا ألا تدعو اللّه لنا.

‏فقال صلی اللّه عليه و آله و سلّم: «إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار علی مفرق رأسه فيخلص إلی قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه و يمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه و عظمه لا يصرفه ذلك عن دينه؛ ثمّ قال: و اللّه ليتمن هذا الأمر حتّی يسير الراكب من صنعاء إلی حضرموت لا يخاف إلّا اللّه و الذئب علی غنمه و كلّكم يستعجلون»٢.

*مقتبس من تفسير الأمثل الهوامش: ‏١ مجمع البيان، ج ١، ص ٣٠٨. ‏٢ الدر المنثور: ج ١ ص ٢٤٣، تفسير الكبير: ج ٦ ص ٢٠.
2023/10/18

هل يحاسبنا الله على الأخطاء البسيطة في العبادات؟
يبدو أن السائل يقصد الأخطاء التي تقع سهواً أو جهلاً ولا يقصد الأخطاء التي يتعمد المكلف احداثها؛ وذلك لأن كل خلل في أي جزء من أجزاء العبادة عمداً مبطلاً لها بالضرورة، فمثلاً من يزيد أو ينقص جزء من الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته، وهذا ما جاء في جواب السيد السيستاني على السؤال: "هل تبطل صلاة من يخلّ بجزءٍ من أجزاءها عامداً؟

الجواب: من أخل بشيء من أجزاء الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته ولو كان بحرف أو حركة من القراءة أو الذكر، وكذا من زاد فيها جزءاً عمداً قولاً أو فعلاً، من غير فرق في ذلك كله بين الركن وغيره، ولا بين أن يكون ناوياً ذلك في الابتداء أو في الأثناء"

أما الخلل الذي يكون عن جهل أو سهو فهناك تفصيل بحسب المسائل والموارد، ففي المبدأ يفرق الفقهاء بين الخطأ الذي يحدث سهواً وبين الخطأ الذي يحدث جهلاً، كما يفرقون بين الجهل الناتج عن التقصير والجهل الناتج عن قصور، وعليه يجب على المكلف الرجوع إلى فتاوي الفقهاء ليقف على حكم الخلل الذي احدثه.

ومثال على ذلك جاء في مناهج الصالحين للسيد السيستاني في مسألة الجهر والاخفات في الصلاة قوله: "إذا جهر في موضع الاخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت صلاته على الأحوط، وإذا كان ناسياً أو جاهلاً بالحكم من أصله أو بمعنى الجهر والاخفات صحت صلاته"

وإليك مثال في التفريق بين الجاهل المقصر والجاهل القاصر في فتاوي الفقهاء، في سؤال وجه للسيد السيستاني جاء فيه: "ما حكم صلاة من كان يترك التسبيحات الاربع في الركعتين الثالثة والرابعة في صلاة الجماعة، متصوراً ان الامام يتحملها من المأموم كما يتحمل عنه قراءة الحمد والسورة في الركعتين الاوليين؟

الجواب: إذا كان جاهلاً قاصراً فلا شيء عليه وإذا كان مقصراً لزمته الاعادة ومع مضي الوقت يجب القضاء"

وقد وجه لسماحة السيد السيستاني سؤال عن الضابطة العامة في هذه المسائل جاء فيه: "هل توجد ضابطة كلية يمكن الاعتماد عليها في مقام الاخلال بالواجبات غير الركنية بحيث يمكننا من خلال تطبيقها الحكم بصحة الصلاة او فسادها؟

الجواب: الاخلال بالشروط والاجزاء غير الركنية عن عذر ـ كالنسيان والجهل القصوري ـ لا يوجب البطلان، بخلاف غيره كالجهل التقصيري فانه يوجبه. نعم الاخلال بالجهر والاخفات (ولو عن جهل تقصيري) لا يضر بالصحة"

أما الأدلة على ذلك فقد جاء في وسائل الشيعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)

فأفعال العباد لا تخلو من حالين: فإما أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف فيكون عمداً يحاسب عليه صاحبه، قال تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما)

وإما لا يكون عن قصد واختيار مثل الاكراه والنسيان والخطأ القصوري، فإن الله بكرمه يسامح العباد عليه، وهذا ما يشير إليه حديث الإمام الصادق المتقدم وغيره من الأحاديث الأخرى.

وفي المحصلة يجب الوقوف على حكم الخلل البسيط الذي يحدثه المكلف في عباداته، فإن كان مبطلاً للعبادة بحسب فتاوى الفقهاء فهو مسؤول ومحاسب عليه، وإن لم يكن مبطلاً للعبادة بحسب فتاوى الفقهاء فهو غير محاسب عليه.

هامش: المقال رداً على سؤال: هل يحاسبنا الله على الأخطاء البسيطة كالتي تحدث في الوضوء أو الصلاة أو الصوم.. الخ؟؟ مع ذكر الأدلة..
2023/10/17

كيف نتجنّب العين والحسد؟
ما الفرق بين العين والحسد في روايات أهل البيت وهل للعين اثار كما يتناقل تمرض و تقتل وتفقر الخ..؟ الجواب من سماحة الشيخ عبد الله الدقاق:

الحسد هو تمني نعمة الغير مع تمني زوالها عنه، بخلاف الغبطة فهي تمني الحصول على مثل نعمة الغير مع تمني بقائها له.

وقيل: حد الحسد أن تغتاظ مما رزق به غيرك وتود أن يزول عنه، بخلاف الغبطة فلاتغتاظ ولاتتمنى زوال النعمة من الغير، بل تتمنى ثبوتها لك، مع تمتع الآخرين بها.

وأما العين فهي عبارة عن نظرة وقوة مؤثرة بالشر لدى بعض الناس تحصل حال التعجب من شيء أو صفة، والعين قد تحصل من المحب والصديق وقد تحصل من العدو؛ لذلك اذا تعجبت من شيء فقل: اللهم صل على محمد وآل محمد لدفع العين، والعين مؤثرة جداً، فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: ( إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر)، وينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى نفسه إذا تعجب حتى لاتصدر منه عين فيقول ثلاثا كما عن الامام الصادق(ع): ما شاء الله، لاقوة الا بالله العلي العظيم، كما ينبغي أن يبتعد المؤمن عن مواطن لفت الانتباه والتعجب حتى لايصاب بالعين.

اذن الحسد والعين مختلفان لغة، لكن جرى العرف العام على إطلاق الحسد على الاصابة بالعين، فيقال فلان محسود ومصاب بالعين، فصار الحسد والعين مترادفان بنظر العرف، وان كان معناهما مختلف حسب اللغة العربية، والله العالم.

2023/10/10

الإنسان المسلم طاهر.. لماذا يصبح نجساً بعد الموت؟!
في الفقه يطلق كلمة نجسعلى عين النجاسة ومتنجس على الأعيان التي طرأت عليها النجاسة.. الإنسان طاهر لماذا عندما يطرأ عليه الموت يكون نجس ولا يكون متنجساً؟ الجواب من سماحة الشيخ عبد الله الدقاق:

الانسان المسلم الحي طاهر، فإذا خرجت روحه تغير الموضوع وصار له حكم آخر، وهو النجاسة، فموضوع الطهارة هو المسلم الحي، وموضوع النجاسة هو الانسان الميت، والميتة من النجاسات، فيجب غسل اليد لو لمس الميت برطوبة، وهذا للطهارة من النجاسة الخبثية، كما يجب عليه غسل مس الميت اذا لمسه ولو بغير رطوبة بعد برده وقبل تغسيله وهذا للطهارة الحدثية، والله العالم.

2023/10/10

أدهشني وحيّرني: السيد الخوئي يتحدّث عن ولعه بـ «القرآن الكريم»
كنت ولعا منذ أيام الصبا بتلاوة كتاب الله الاعظم، واستكشاف غوامضه واستجلاء معانيه. وجدير بالمسلم الصحيح، بل بكل مفكر من البشر أن يصرف عنايته إلى فهم القرآن، واستيضاح أسراره، واقتباس أنواره، لانه الكتاب الذي يضمن إصلاح البشر، ويتكفل بسعادتهم وإسعادهم.

والقرآن مرجع اللغوي، ودليل النحوي، وحجة الفقيه، ومثل الاديب، وضالة الحكيم، ومرشد الواعظ، وهدف الخلقي، وعنه تؤخذ علوم الاجتماع والسياسة المدنية، وعليه تؤسس علوم الدين، ومن إرشاداته تكتشف أسرار الكون، ونواميس التكوين. والقرآن هو المعجزة الخالدة للدين الخالد، والنظام السامي الرفيع للشريعة السامية الرفيعة.

أولعت منذ صباي بتلاوته، واستيضاح معانيه، واستظهار مراميه، فكان هذا الولع يشتد بي كلما استوضحت ناحية من نواحيه، واكتشفت سرا من أسراره، وكان هذا الولع الشديد باعثا قويا يضطرني إلى مراجعة كتب التفسير، وإلى سبر أغوارها. وهنا رأيت ما أدهشني وحيرني :

رأيت صغارة الانسان في تفسيره وتفكيره أمام عظمة الله في قرآنه.

رأيت نقص المخلوق في تناهيه وخضوعه أمام كمال الخالق في وجوبه وكبريائه.

رأيت القرآن يترفع ويرتفع، ورأيت هذه الكتب تصغر وتتصاغر.

رأيت الانسان يجهد نفسه ليكتشف ناحية خاصة أوناحيتين، فيحرر ما اكتشفه في كتاب، ثم يسمي ذلك الكتاب تفسيرا يجلو غوامض القرآن، ويكشف أسراره، وكيف يصح في العقول أن يحيط الناقص بالكامل.

على أن هؤلاء العلماء مشكورون في سعيهم، مبرورون في جهادهم. فإن كتاب الله ألقى على نفوسهم شعاعا من نوره، ووضحا من هداه، وليس من الانصاف أن نكلف أحدا ـ وإن بلغ ما بلغ من العلم والتبحر ـ أن يحيط بمعاني كتاب الله الاعظم، ولكن الشئ الذي يؤخذ على المفسرين أن يقتصروا على بعض النواحي الممكنة، ويتركوا نواحي عظمة القرآن الاخرى، فيفسره بعضهم من ناحية الادب أو الاعراب، ويفسره الآخر من ناحية الفلسفة، وثالث من ناحية العلوم الحديثة أو نحو ذلك، كأن القرآن لم ينزل إلا لهذه الناحية التي يختارها ذلك المفسر، وتلك الوجهة التي يتوجه إليها.

وهناك قوم كتبوا في التفسير غير أنه لا يوجد في كتبهم من التفسير إلا الشئ اليسير، وقوم آخرون فسروه بآرائهم، أو اتبعوا فيه قول من لم يجعله الله حجة بينه وبين عباده.

على المفسر : أن يجري مع الآية حيث تجري، ويكشف معناها حيث تشير، ويوضح دلالتها حيث تدل. عليه أن يكون حكيما حين تشتمل الآية على الحكمة، وخلقيا حين ترشد الآية إلى الاخلاق، وفقيها حين تتعرص للفقه، واجتماعيا حين تبحث في الاجتماع، وشيئا آخر حين تنظر في أشياء أخر.

على المفسر: أن يوضح الفن الذي يظهر في الآية، والادب الذي يتجلى بلفظها، عليه أن يحرر دائرة لمعارف القرآن إذا أراد أن يكون مفسرا. والحق أني لم أجد من تكفل بجميع ذلك من المفسرين.

*مقتطف من كتاب: البيان في تفسير القرآن
2023/10/09

2023/10/08

تغزّل ولم يفحش: لماذا كتب الشريف الرضي الشعر الغزلي؟
الشريف الرضي هو أبو الحسن محمد بن الطاهر الأوحد ذي المناقب أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى الكاظم (عليه السلام)، وقد عُرف بالعلم والفضل والشعر، وكان عفيفاً عالي الهمّة متديناً، صرّح بفضله ومكانته الكثير من الأدباء والنقاد، ومن ألقابه التي اشتهر بها (نقيب النقباء)، (الشريف الاجّل)، (ذو المنقبتين)، (الرضي ذو الحسبين).

فقد كان أديباً بارعاً في النثر والشعر، فامتازت كتاباته في العلوم اللغوية والشرعية بقوة العبارة ورصانة اللفظ، ويشهد على ذلك ما كتبه في نهج البلاغة، وكتابه خصائص الائمة، مضافاً إلى اهتمامه بشرح الخصائص البلاغية للقرآن الكريم كما في كتابه (حقائق التنزيل) و(مجاز القرآن).

أما في الشعر فقد كان شاعراً شيعيّاً، شديد الإيمان والاعتقاد بأصول التشيّع، ولعلّ من أسباب عدم اهتمام بعض النقاد به وبشعره هو تشيّعه وإيمانه الخالص بأهل البيت (عليهم السلام) وولاؤه لهم. فقد كان حريصاً بشعره على تقديم النصح ما وسعه ذلك، ويجهد في أن يكون معلم الاخلاق في كلّ قولٍ وفعلٍ، وقد غلبت على شعره الحماسة والفخر، كما برع في الرثاء والغزل العفيف، يقول الفاخوري عن شعره: (كان شعره تغنياً بحبّه وآلامه ونشيداً من أناشيد الفخر والعزة)، ولذا قيل عنه أنه أشعر الطالبيّين.

أما الغزل في شعره فحسبه أنّه تغزّل ولم يفحش، فهو ابن السادة الأشراف المعروفين بالتقى والورع، فمكانته الدينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة تجعله يترفّع عن الفحش في القول، فحافظ الشريف على تعاليم دينه واعتبرها أساساً في التخلق، (وهكذا فقد كان الشريف الرضي في الغزل مهذّباً رقيقاً، وهو رجل إحساس مرهف ينثر على طريق الحج فلذ قلبه وكبده)، يقول الفاخوري: (والغزل عند الشريف أمانِ وتحيّات، والتياع وأشواق، وإرسال العبرات والنظرات، وخفقات فؤاد يروعه البين، وتقطعه حسرات وأسئلة ومناداة، وكل شيءٍ ما عدا الفظاظة والقباحة والقاذورات)، ولذا يعد الشريف الرضي من رواد المدرسة العذريّة بما تحمله من خصائص ومميّزات.

وقد سميت غزليّات الشريف (بالحجازيّات)؛ لأنه أنشدها في مواسم الحجّ على الجبال وفي الأغوار، وعلى حدّ تعبير زكي مبارك في كتابه عبقرية الشريف الرضي (لا مفرّ من الاعتراف بأنّ الشريف كان مثال الجرأة والشجاعة حين استطاع أن يؤرّخ هواه في أيّام الحجّ بقصائده الحجازيّات، وهذه الجرأة كانت من فيض الشاعريّة. فإنّ الشاعر الحقّ أشجع الناس وأقدرهم على الاستهانة بالمكاره والحتوف، والشريف أشجع الشعراء وأشعر الشعراء).

2023/10/04

جواب صادم لمنكري «القرآن» و «النبوّة»!
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ‌ءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّـهِ سُبْحانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣).

‏هذه الآيات تواصل البحث الاستدلالي السابق- كذلك- وهي تناقش المنكرين للقرآن و نبوّة محمّد صلّی اللّه عليه و آله و سلّم و قدرة اللّه سبحانه.

‏وهي آيات تبدأ جميعها ب «أم» التي تفيد الاستفهام و تشكّل سلسلة من‌ الاستدلال في أحد عشر سؤالا متتابعا (بصورة الاستفهام الإنكاري)، و بتعبير أجلی: إنّ هذه الآيات تسدّ جميع الطرق بوجه المخالفين فلا تدع لهم مهربا في عبارات موجزة و مؤثّرة جدّا بحيث ينحني الإنسان لها من دون إختياره إعظاما و يعترف و يقرّ بانسجامها و عظمتها. فأوّل ما تبدأ به هو موضوع الخلق فتقول: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ‌ءٍ أَمْ هُمُ‌ الْخالِقُونَ‌١.

‏وهذه العبارة الموجزة و المقتضبة في الحقيقة هي إشارة إلی «برهان العليّة» المعروف الوارد في الفلسفة و علم الكلام لإثبات وجود اللّه، و هو أنّ العالم الذي نعيش فيه ممّا لا شكّ- فيه- حادث (لأنّه في تغيير دائم، و كلّ ما هو متغيّر فهو في معرض الحوادث، و كلّ ما هو في معرض الحوادث محال أن يكون قديما و أزليّا).

‏و الآن ينقدح هذا السؤال، و هو إذا كان العالم حادثا فلا يخرج عن الحالات الخمس التالية:

‏١- وجد من دون علّة!

٢- هو نفسه علّة لنفسه.

‏٣- معلولات العالم علّة لوجوده.

‏٤- إنّ هذا العالم معلول لعلّة اخری و هي معلولة لعلّة اخری إلی ما لا نهاية.

‏٥- إنّ هذا العالم مخلوق لواجب الوجود الذي يكون وجوده ذاتيا له.

‏و بطلان الاحتمالات الأربع المتقدّمة واضح، لأنّ وجود المعلول من دون علّة محال، و إلّا فينبغي أن يكون كلّ شي‌ء موجودا في أي ظرف كان، و الأمر ليس كذلك! و الاحتمال الثاني و هو أن يوجد الشي‌ء من نفسه محال أيضا، لأنّ مفهومه أن‌ يكون موجودا قبل وجوده، و يلزم منه اجتماع النقيضين [فلاحظوا بدقّة].

‏و كذلك الاحتمال الثالث و هو أنّ مخلوقات الإنسان خلقته، و هو واضح البطلان إذ يلزم منه الدور!.

‏و كذلك الاحتمال الرابع و هو تسلسل العلل و ترتّب العلل و المعلول إلی ما لا نهاية أيضا محال، لأنّ سلسلة المعلولات اللّامحدودة مخلوقة، و المخلوق مخلوق و يحتاج إلی خالق أوجده، تری هل تتحوّل الأصفار التي لا نهاية لها إلی عدد؟! أو ينفلق النور من ما لا نهاية الظلمة؟! و هل يولد الغنی من ما لا نهاية له في الفقر و الفاقة؟

‏فبناء علی ذلك لا طريق إلّا القبول بالاحتمال الخامس، أي خالقية واجب الوجود [فلاحظوا بدقّة أيضا].

‏و حيث أنّ الركن الأصلي لهذا البرهان هو نفي الاحتمال الأوّل و الثاني فإنّ القرآن اقتنع به فحسب.

‏و الآن ندرك جيّدا وجه الاستدلال في هذه العبارات الموجزة! الآية التالية تثير سؤالا آخر علی الادّعاء في المرحلة الأدنی من المرحلة السابقة فتقول: أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‌.

‏فإذا لم يوجدوا من دون علّة و لم يكونوا علّة أنفسهم أيضا، فهل هم واجبو الوجود فخلقوا السماوات و الأرض؟! و إذا لم يكونوا قد خلقوا الوجود، فهل أو كل اللّه إليهم أمر خلق السماء و الأرض؟ فعلی هذا هم مخلوقون و بيدهم أمر الخلق أيضا!!.

‏من الواضح أنّهم لا يستطيعون أن يدّعوا هذا الادّعاء الباطل، لذلك فإنّ الآية تختتم بالقول: بَلْ لا يُوقِنُونَ‌! أجل، فهم يتذرّعون بالحجج الواهية فرارا من الإيمان! ثمّ يتساءل القرآن قائلا: فإذا لم يدّعوا هذه الأمور و لم يكن لهم نصيب في‌ الخلق، فهل عندهم خزائن اللّه‌ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ‌٢ ليهبوا من شاؤوا نعمة النبوّة و العلم أو الأرزاق الآخر و يمنعوا من شاؤوا ذلك: أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‌ علی جميع العوالم و في أيديهم امور الخلائق؟! انّهم لا يستطيعون- أن يدّعوا أبدا أنّ عندهم خزائن اللّه تعالی، و لا يملكون تسلّطا علی تدبير العالم، لأنّ ضعفهم و عجزهم إزاء أقل مرض بل حتّی علی بعوضة تافهة و كذلك احتياجهم إلی الوسائل الابتدائية للحياة خير دليل علی عدم قدرتهم و فقدان هيمنتهم! و إنّما يجرّهم إلی إنكار الحقائق هوی النفس و العناد و حبّ الجاه و التعصّب و الأنانية!.

‏و كلمة: «مصيطرون» إشارة إلی أرباب الأنواع التي هي من خرافات القدماء، إذ كانوا يعتقدون أنّ كلّ نوع من أنواع العالم إنسانا كان أمّ حيوانا آخر أم جمادا أم نباتا له مدبّر و ربّ خاصّ يدعی بربّ النوع و يدعون اللّه «ربّ الأرباب» و هذه العقيدة تعدّ في نظر الإسلام «شركا» والقرآن في آياته يصرّح بأنّ التدبير لجميع الأشياء هو للّه وحده و يصفه بربّ العالمين.

‏وأصل هذه الكلمة من «سطر» و معناه صفّ الكلمات عند الكتابة، و «المسيطر» كلمة تطلق علی من له تسلّط علی شي‌ء ما و يقوم بتوجيهه، كما أنّ الكاتب يكون مسيطرا علی كلماته (و ينبغي الالتفات إلی أنّ هذه الكلمة تكتب بالسين و بالصاد علی السواء- مسيطر و مصيطر- فهما بمعنی واحد و إن كان الرسم القرآن المشهور بالصاد «مصيطر»).

‏و من المعلوم أنّه لا منكرو النبوّة و لا المشركون في العصر الجاهلي و لا سواهما يدّعي أيّا من الأمور الخمسة التي ذكرها القرآن، و لذلك فإنّه يشير إلی موضوع آخر في الآية التالية فيقول: إنّ هؤلاء هل يدعون أنّ الوحي ينزل عليهم‌ أو يدعون أنّ لهم سلّما يرتقون عليه إلی السماء فيستمعون إلی أسرار الوحي: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ‌.

‏و حيث إنّه كان من الممكن أن يدّعوا بأنّهم علی معرفة بأسرار السماء فإنّ القرآن يطالبهم مباشرة بعد هذا الكلام بالدليل فيقول: فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ‌.

‏و من الواضح أنّه لو كانوا يدّعون مثل هذا الادّعاء فإنّه لا يتجاوز حدود الكلام فحسب، إذ لم يكن لهم دليل علی ذلك أبدا٣.

‏ثمّ يضيف القرآن قائلا: هل صحيح ما يزعمون أنّ الملائكة إناث و هم بنات اللّه؟! أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ‌؟! و في هذه الآية إشارة إلی واحد من اعتقاداتهم الباطلة، و هو استياؤهم من البنات بشدّة، و إذا علموا أنّهم رزقوا من أزواجهم «بنتا» اسودّت وجوههم من الحياء و الخجل! و مع هذا فإنّهم كانوا يزعمون أنّ الملائكة بنات اللّه، فإذا كانوا مرتبطين بالملإ الأعلی و يعرفون أسرار الوحي، فهل لديهم سوی هذه الخرافات المضحكة .. و هذه العقائد المخجلة؟! و بديهي أنّ الذكر و الأنثی لا يختلفان في نظر القيمة الإنسانية .. و التعبير في الآية المتقدّمة هو في الحقيقة من قبيل الاستدلال بعقيدتهم الباطلة و محاججتهم بها.

‏و القرآن يعوّل- في آيات متعدّدة- علی نفي هذه العقيدة الباطلة و يحاكمهم في هذا المجال و يفضحهم‌!! ثمّ يتنازل القرآن إلی مرحلة اخری، فيذكر واحدا من الأمور التي يمكن أن تكون ذريعة لرفضهم فيقول: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ‌.

‏«المغرم»- علی وزن مغنم و هو ضدّ معناه- أي ما يصيب الإنسان من خسارة أو ضرر دون جهة، أمّا الغريم فيطلق علی الدائن و المدين أيضا.

‏و «المثّقل» مشتقّ من الأثقال، و معناه تحميل العب‌ء و المشقّة، فبناء علی هذا المعنی يكون المراد من الآية: تری هل تطلب منهم غرامة لتبليغ الرسالة فهم لا يقدرون علی أدائها و لذلك يرفضون الإيمان؟! و قد تكرّرت الإشارة في عدد من الآيات القرآنية لا في النّبي فحسب، بل في شأن كثير من الأنبياء، إذ كان من أوائل كلمات النبيين قولهم لأممهم: لا نريد علی إبلاغنا الرسالة إليكم أجرا .. ليثبت عدم قصدهم شيئا من وراء دعوتهم و لئلّا تبقی ذريعة للمتذرّعين أيضا.

‏و مرّة اخری يخاطبهم القرآن متسائلا أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ‌ فهؤلاء يدّعون أنّ النّبي شاعر و ينتظرون موته لينطوي بساطه و ينتهي كلّ شي‌ء بموته و تلقی دعوته في سلّة الإهمال، كما تقدّم في الآية السابقة ذلك علی لسان المشركين إذ كانوا يقولون .. نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ‌.

‏فمن أين لهم أنّهم سيبقون أحياء بعد وفاة النبي؟! و من أخبرهم بالغيب؟! و يحتمل أيضا أنّ القرآن يقول إذا كنتم تدّعون معرفة الأسرار الغيبية و أحكام اللّه و لستم بحاجة إلی القرآن و دين محمّد فهذا كذب عظيم‌٤.

‏ثمّ يتناول القرآن احتمالا آخر فيقول: لو لم يكن كلّ هذه الأمور المتقدّمة، فلا بدّ أنّهم يتآمرون لقتل النّبي و إجهاض دعوته و لكن ليعلموا أنّ كيد اللّه أعلی‌ و أقوی من كيدهم: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ‌٥.

‏و الآية الآنفة يطابق تفسيرها تفسير الآية (٥٤) من سورة آل عمران التي تقول: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّـهُ وَ اللَّـهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ‌.

‏و احتمل جماعة من المفسّرين أنّ المراد من الآية محلّ البحث هو: «انّ مؤامراتهم ستعود عليهم أخيرا و تكون وبالا عليهم ...» و هذا المعنی يشبه ما ورد في الآية (٤٣) من سورة فاطر: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‌.

‏و الجمع بين التّفسيرين الآنفين ممكن و لا مانع منه.

‏و يمكن أن يكون لهذه الآية ارتباط آخر بالآية المتقدّمة، و هو أنّ أعداء الإسلام كانوا يقولون: ننتظر موت محمّد. فالقرآن يردّهم بالقول بأنّهم ليسوا خارجين عن واحد من الأمرين التاليين .. أمّا أنّهم يدّعون بأنّ محمّدا يموت قبل موتهم حتف أنفه. فلازم هذا الادّعاء أنّهم يعلمون الغيب، و أمّا أنّ مرادهم أنّه سيمضي بمؤامراتهم فاللّه أشدّ مكرا و يردّ كيدهم إليهم، فهم المكيدون! و إذا كانوا يتصوّرون أنّ في اجتماعهم في دار الندوة و رشق النّبي بالتّهم كالكهانة و الجنون و الشعر أنّهم سينتصرون علی النّبي فهم في منتهی العمی و الحمق، لأنّ قدرة اللّه فوق كلّ قدرة، و قد ضمن لنبيّه السلامة و النجاة حتّی يبلغ دعوته العالمية.

‏و أخيرا فإنّ آخر ما يثيره القرآن من أسئلة في هذا الصدد قوله: أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّـهِ‌؟! و يضيف- منزّها- سُبْحانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‌.

‏فعلی هذا لا أحد يستطيع أن يمنعهم من اللّه و يحميهم، و هكذا فإنّ القرآن يستدرجهم و يضعهم أمام استجواب عجيب و أسئلة متّصلة تؤلّف سلسلة متكاملة مؤلّفة من أحد عشر سؤالا! و يقهقرهم مرحلة بعد مرحلة إلی الوراء!! و يضطرهم‌ إلی التنزّل من الادّعاءات ثمّ يوصد عليهم سبل الفرار كلّها و يحاصرهم في طريق مغلق!.

‏كم هي رائعة استدلالات القرآن و كم هي متينة أسئلته و استجوابه! .. فلو أنّ في أحد منهم روحا تبحث عن الحقّ و تطلبه لأذعنت أمام هذه الأسئلة و استسلمت لها.

‏الطريف أنّ الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث لا تذكر دليلا لنفي المعبودات ممّا سوی اللّه، و تكتفي بتنزيه اللّه‌ سُبْحانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ‌.

‏و ذلك لأنّ بطلان الوهية الأصنام و الأوثان المصنوعة من الأحجار و الخشب و غيرهما مع ما فيها من ضعف و احتياج أجلی و أوضح من أي بيان و تفصيل آخر، أضف إلی كلّ ذلك فإنّ القرآن استدلّ علی إبطال هذا الموضوع بآيات متعدّدة غير هذه الآية.

‏١ هناك تفسيرات أخر و احتمالات متعدّدة في وجوه هذه الآية، منها أنّ مفادها: هل خلقوا بلا هدف و لم يك عليهم أيّة مسئولية؟! .. و بالرغم أنّ جماعة من المفسّرين اختاروا هذا الوجه إلّا أنّه مع الالتفات لبقيّة الآية: أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ يتّضح أنّ المراد هو ما ذكر في المتن، أي خلقوا من دون علّة. أم هم علّة أنفسهم؟!.

‏٢ الخزائن جمع الخزينة و معناها مكان كلّ شي‌ء محفوظ لا تصل إليه اليد و يدّخر فيه ما يريد الإنسان يقول القرآن في هذا الصدد وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‌[ الحجر الآية ٢١].

‏٣ سلّم يعني« المصعد» كما يأتي بمعنی أيّة وسيلة كانت و قد اختلف المفسّرون في المراد من الآية فأيّ شي‌ء كانوا يدعونه؟! فقال بعضهم: ادّعوا الوحي و قال آخرون هو ما كانوا يدّعونه في النّبي بأنّه شاعر أو مجنون أو ما كانوا يدّعون من الأنداد و الشركاء للّه ... و فسّر بعضهم ذلك بنفي نبوّة محمّد صلّی اللّه عليه و آله و سلّم« و لا مانع من الجمع بين هذه المعاني و إن كان المعنی الأوّل أجلی».

‏٤ قال بعض المفسرين أنّ المراد بالغيب هو اللوح المحفوظ، و قال بعضهم: بل هو إشارة إلی ادّعاءات المشركين و قولهم إذ كانت القيامة فسيكون لنا عند اللّه مقام كريم. إلّا أنّ هذه التفاسير لا تتناسب و الآية محلّ البحث و لا يرتبط بعضها ببعض.

‏٥ الكيد علی وزن صيد نوع من الحيلة و قد يستعمل في التحيّل إلی سبيل الخير، إلّا أنّه غالبا ما يستعمل في الشرّ، و تعني هذه الكلمة المكر و السعي أو الجدّ كما تعني الحرب أحيانا.

*مقتطف من تفسير الأمثل الهوامش: ‏١ هناك تفسيرات أخر و احتمالات متعدّدة في وجوه هذه الآية، منها أنّ مفادها: هل خلقوا بلا هدف و لم يك عليهم أيّة مسئولية؟! .. و بالرغم أنّ جماعة من المفسّرين اختاروا هذا الوجه إلّا أنّه مع الالتفات لبقيّة الآية: أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ يتّضح أنّ المراد هو ما ذكر في المتن، أي خلقوا من دون علّة. أم هم علّة أنفسهم؟!. ‏٢ الخزائن جمع الخزينة و معناها مكان كلّ شي‌ء محفوظ لا تصل إليه اليد و يدّخر فيه ما يريد الإنسان يقول القرآن في هذا الصدد وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‌[ الحجر الآية ٢١]. ‏٣ سلّم يعني« المصعد» كما يأتي بمعنی أيّة وسيلة كانت و قد اختلف المفسّرون في المراد من الآية فأيّ شي‌ء كانوا يدعونه؟! فقال بعضهم: ادّعوا الوحي و قال آخرون هو ما كانوا يدّعونه في النّبي بأنّه شاعر أو مجنون أو ما كانوا يدّعون من الأنداد و الشركاء للّه ... و فسّر بعضهم ذلك بنفي نبوّة محمّد صلّی اللّه عليه و آله و سلّم« و لا مانع من الجمع بين هذه المعاني و إن كان المعنی الأوّل أجلی». ‏٤ قال بعض المفسرين أنّ المراد بالغيب هو اللوح المحفوظ، و قال بعضهم: بل هو إشارة إلی ادّعاءات المشركين و قولهم إذ كانت القيامة فسيكون لنا عند اللّه مقام كريم. إلّا أنّ هذه التفاسير لا تتناسب و الآية محلّ البحث و لا يرتبط بعضها ببعض. ‏٥ الكيد علی وزن صيد نوع من الحيلة و قد يستعمل في التحيّل إلی سبيل الخير، إلّا أنّه غالبا ما يستعمل في الشرّ، و تعني هذه الكلمة المكر و السعي أو الجدّ كما تعني الحرب أحيانا ..
2023/10/02

أطعمة تساعدك على ترك التدخين
لا شك أن الإقلاع عن التدخين يعد من أكثر المهام الصعبة التي يحاول فيها المدخنون تجريب شتى الطرق والوسائل لتحقيق نتائج مثمرة يبتعدون فيها عن أكثر العادات ضررا بالصحة.

ويمكن أن يؤثر النيكوتين على وظائف المخ، ويؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية، وزيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.

وبحسب صحيفة "الصن" البريطانية فإن النيكوتين موجود بنسب ضئيلة في بعض الخضروات والفاكهة ويمكن لتناول هذه الأنواع أن يساعد المدخنين على الإقلاع عن إدمانهم.

الباذنجان كل غرام من الباذنجان يحتوي على 100 ميكروغرام من النيكوتين. ومع ذلك، ستحتاج إلى تناول 10 كغ من الباذنجان لتستهلك نفس كمية النيكوتين الموجودة في سيجارة.

البطاطس

تحتوي حبة البطاطس على حوالي 15 ميكروغرام من النيكوتين.

القرنبيط

أحد الأطعمة الأكثر إثارة للدهشة باحتوائها على النيكوتين هو القرنبيط. يحتوي القرنبيط على حوالي 16.8 ميكروغرام من النيكوتين.

الفلفل الأخضر

الفلفل الأخضر يمكن أن يحتوي على ما بين 7.7 إلى 9.2 ميكروغرام من النيكوتين.

الطماطم تحتوي حبة الطماطم المتوسطة الحجم على حوالي 7.1 ميكروجرام من النيكوتين.

الشاي

بعض أنواع الشاي المخمر وسريع التحضير (الأسود والأخضر) يمكن أن تحتوي على النيكوتين.

ما الذي يجب الابتعاد عنه؟

وجدت دراسة قديمة أن منتجات اللحوم والقهوة والكحول تجعل مذاق السجائر أفضل، لذلك فإن تناول هذه الأشياء قد يذكر بالتدخين.

وفقا لجمعية السرطان الأميركية، فإن الأطعمة الحارة والسكرية تميل إلى جعل الناس يشتهون السجائر أكثر.

لذلك، فإن استبدال قهوتك بشيء آخر، مثل الشاي الأخضر، قد يساعد في عادة جديدة وأكثر صحة.

المصدر: شفق نيوز
2023/10/02

عبس وتولى.. هل نزلت في حق النبي (ص)؟!
أجمعَ علماؤنا ومفسّرونا على أنّ قولَه تعالى (عبسَ وتولّى) ليسَ المعنيُّ بها النبيّ (ص) كما يذهبُ إلى ذلكَ جمهورُ علماءِ العامّة، وإنّما المعنيُّ بها شخصٌ آخر كانَ جالِساً في ذلكَ المكان، وهوَ الذي عبسَ لـمّا رأى ابنَ أمِّ مكتوم الأعمى يخاطبُ النبيَّ (ص)، فلذا نزلَت فيه هذهِ الآية.

نقلَ الشيخُ الطبرسيّ في مجمعِ البيان (ج10/ص438) عن السيّدِ علمِ الهُدى (ره) في كتابِه التنزيه (ص118) قولَه: أمّا ظاهرُ الآيةِ فغيرُ دالٍّ على توجّهِها إلى النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، ولا فيها ما يدلُّ على أنّها خطابٌ له ، بل هيَ خبرٌ محضٌ لم يُصرِّح بالمُخبَرِ عنه ، وفيها ما يدلُّ عند التأمّلِ على أنَّ المعنيَّ بها غيرُ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، لأنّهُ وصفَه بالعُبوس، وليسَ هذا مِن صفاتِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله في قرآنٍ ولا خبرٍ معَ الأعداءِ المُباينينَ، فضلاً عن المؤمنينَ المُسترشدينَ ، ثمَّ وصفَه بأنّه يتصدّى للأغنياء، ويتلهّى عن الفقراء، وهذا ممّا لا يصفُ به نبيُّنا صلّى اللهُ عليه وآله مَن يعرفُه ، فليسَ هذا مُشابِهاً لأخلاقِه الواسعةِ وتحنّنِه إلى قومِه ، وتعطّفِه ، وكيفَ يقولُ له صلّى اللهُ عليهِ وآله : " وما عليكَ ألّا يزكى " وهوَ صلّى اللهُ عليهِ وآله مبعوثٌ للدّعاءِ والتنبيه؟ وكيفَ لا يكونُ ذلكَ عليهِ وكانَ هذا القولُ إغراءً بتركِ الحرصِ على إيمانِ قومِه ؟ وقد قيلَ : إنَّ هذه السورةَ نزلَت في رجلٍ مِن أصحابِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله كانَ منهُ هذا الفعلُ المنعوتُ فيها ، ونحنُ وإن شكَكنا في عينِ مَن نزلَت فيه فلا ينبغي أن نشكَّ في أنّها لم يعنِ بها النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، وأيُّ تنفيرٍ أبلغُ منَ العبوسِ في وجوهِ المؤمنين ، والتلهّي عنهم ، والإقبالِ على الأغنياءِ الكافرين؟ وقد نزَّهَ اللهُ تعالى النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله عمّا دونَ هذا في التنفيرِ بكثيرٍ انتهى.

قلتُ: ومِـمّا يؤيّدُ ذلكَ أنَّ هناكَ كثيراً منَ الآياتِ في حقِّ الرّسولِ (ص) تمنعُ منَ التصديقِ بما أوردَه جمهورُ العامّةِ مِن أحاديثَ تزعمُ أنّها نزلَت في النبيّ (ص)، ومِن هذهِ الآياتِ: قولُه تعالى يصفُ فيها نبيّنا الأكرمَ (ص) بقولِه: ((بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم )) (التوبةُ: 128). وكذلكَ قولُه تعالى: ((وإنّكَ لعُلى خُلقٍ عظيم)) (القلمُ:4)، وقولُه تعالى: ((واخفِض جناحكَ لمَن اتّبعكَ منَ المؤمنين)) (الشعراءُ:215)، وقولُه تعالى عن الرّسول: ((ولقد كانَ لكُم في رسولِ اللهِ أسوةٌ حسنة )) (الأحزاب:21). وعليهِ: كيفَ سمحَ جمهورُ عُلماءِ العامّةِ لأنفسِهم بتصديقِ مثلِ الرواياتِ التي هيَ منَ الوضوحِ بمكانٍ أنّها مُخالفةٌ لآياتِ الكتابِ العزيز آنفاً، والظاهرُ أنّهم ما عرفوا حقَّ رسولَ الله (ص) ولا مكانتَه ولا صفاتِه كما يجب، إذ لو أنّهم عرفوا ذلكَ حقّاً خصوصاً فيما يتعلّقُ بصفاتِه العُليا التي مدحَه اللهُ تعالى بها ومنزلتهِ الساميةِ لاكتشفوا أنّ تلكم الرواياتِ التي تزعمُ صدورَ هذا الأمرَ المُنافيَ للأخلاقِ عنه (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) هيَ مِن تلفيقِ الكذّابين؟!! 

ثُمَّ هاهُنا أمرٌ ينبغي التنبيهُ عليه، وهوَ: أنَّ قسماً مِن كبارِ عُلماءِ السنّةِ ومُفسّريهم , لا يُسلّمُ أنَّ خطابَ (( عبسَ وتولّى )) متوجّهٌ إلى النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) , لأنّه ليسَ مِن صفاتِ النبي (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) العبوسةُ، ومِن هؤلاء :

1- المُفسّرُ الكبيرُ فخرُ الدينِ الرازي , المتوفّى 606 هـ , في كتابِه (عصمةُ الأنبياءِ ص 137 ـ ط دارُ الكُتبِ العلميّة ـ بيروت) .

2- القاضي عيّاض اليحصبي , المتوفّى 544 هـ , في كتابِه (الشفا بتعريفِ حقوقِ المُصطفى 2/161 ـ ط دارُ الفِكر ـ بيروت) .

3- الزركشي , المتوفّى 794 هـ , في كتابِه (البرهانُ في علومِ القُرآنِ 2/242 ـ ط دارُ إحياءِ الكتبِ العربيّة ـ القاهرة) .

4- الصالحي الشامي , المتوفّى 942 هـ , في كتابِه (سبلُ الهُدى والرشادِ 11/474 ـ ط دارُ الكُتبِ العلميّة ـ بيروت.

2023/10/01

وزارة أمريكية تحذّر من خطورة «الذكاء الاصطناعي»: خارج نطاق السيطرة!
دعت وزارة الدفاع الأميركية شركات الذكاء الاصطناعي للتحدث بشكل أكثر عن تكنولوجياتها، وفقاً لوكالة "بلومبرغ".

وبحسب الوكالة، فإن البنتاغون يخشى من أن الذكاء الاصطناعي بات خارج نطاق السيطرة، وتتم مقارنته هناك "بالتكنولوجيات القادمة من الكواكب الأخرى"، على حد تعبيرها.  

وطالب كريج مارتيل مدير قسم الذكاء الرقمي والاصطناعي في البنتاغون، الشركات الأميركية بأن تقدم المعلومات المتوفرة لديها حول كيفية تصميم برامج الذكاء الاصطناعي حتى "يشعر القسم  بالراحة والأمان".

2023/09/30

هل أثبت القرآن كروية الأرض؟
إن كروية الأرض تمثل إحدى أسرار الخلقة التي أشار لها القرآن الكريم، فتستفاد هذه الحقيقة من الآيات التالية:

1- «وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها» [الأعراف: 137].

2- «ربّ السماوات والأرض وما بينهما وربّ المشارق» [الصافات: 5].

3- «فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب إنّا لقادرون» [المعارج: 40].

إن هذه الآيات – وكما مرّ في جواب السؤال السابق – تكشف عن تعدّد مشارق الشمس ومغاربها، وهو ملازم لكروية الأرض؛ إذ لو كانت الأرض مسطحة للزم عدم وجود أكثر من مشرقٍ ومغربٍ واحدٍ لها، أما في حالة كرويتها فبالنظر لتعدّد أنحائها يكون لكلّ نقطةٍ منها مشرق ومغرب مستقل، وشروق الشمس على ناحيةٍ ما يلازم غروبها عن الناحية المقابلة لها. وعليه فتعدّد المشارق والمغارب دليل واضح على كروية الأرض.

كروية الأرض في الروايات:

يمكن استفادة كروية الأرض من الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، منها ما روي عن الامام الصادق (عليه الصلاة والسلام)، قال: "صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر [الغلس: الظلمة آخر الليل؛ أي كان يصلي الفجر في ظلمة آخر الليل]، وكنت أنا أصلي المغرب اذا غربت الشمس، وأصلي الفجر اذا استبان لي الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع ؟ فان الشمس تطلع على قوم قبلنا، وتغرب عنّا وهي طالعة على آخرين بعد ؟ قال: فقلت: إنما علينا أن نصلي اذا وجبت الشمس عنّا، واذا طلع الفجر عندنا، ليس علينا إلا ذلك، وعلى أولئك أن يصلوا اذا غربت عنهم" [وسائل الشيعة :4/ 180].

وروي عنه أيضاً قال: "إنّما عليك مشرقك ومغربك، وليس على الناس أن يبحثوا" [وسائل الشيعة :4/ 198]. وما ذاك إلا لكروية الأرض لا غير.

2023/09/25

العقيدة أم الفقه: ما الذي يجب علينا تعلّمه في الدين؟!
أول ما نزل من القرآن بحسب أكثر المفسرين هو قول الله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»، ويدل ذلك على أن الإسلام أقام قواعده من البداية على العلم والقلم، حيث جاءت معظم نصوصه تحض على طلب العلم إلى درجة يفهم منها الوجوب والإلزام.

وقد اتفقت الأمة على أن العلم الواجب على جميع المكلفين هو معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وكل ما يتعلق بأصول الدين والاعتقاد، مضافاً إلى العلم بالأحكام التي يلتزم بها المكلف في عباداته ومعاملاته والتي يصطلح عليها بفروع الدين، وكلٌ منهما ينقسم إلى فرض عينٍ وفرض كفاية، فهذه أربعة أقسام وبيانها بنحو الاختصار كما يلي:

1- الواجب العيني من أصول الدين: معرفة الله وصفاته وأفعاله بنحو يحصل له الاطمئنان بها وتسكن نفسه لصحّتها وإن لم يتمكّن من ردّ الشبهات والإشكالات لعدم معرفته باصطلاحات العلماء.

2- الواجب الكفائي من أصول الدين: معرفة ذلك بمستوى ردّ الشبهات وحلّ الإشكالات ودفع المغالطات.

3- الواجب العيني من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل -من العبادات والمعاملات- التي يكون في معرض الابتلاء بها والحاجة لها.

4- الواجب الكفائي من فروع الدين: معرفة أحكام المسائل بأدلتها التفصيلية وهو المصطلح عليه بالاجتهاد.

وقد أشارت رواية الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى ما يجب على المكلف العلم به، حيث قال: (وجدت علم الناس في أربع:

أولها: أن تعرف ربك ومفادها وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف.

وثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة.

وثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب.

ورابعها: أن تعرف ما يخرجك من دينك، وهي أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنّبه) (كشف الغمة، 2، ص255)

وقد وردت بعض الروايات التي تحمل الناس على طلب العلم بحيث لا يكون لهم من الأمر سعة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قَالَ: (لا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى‏ يَسْأَلُوا، وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ...) (الكافي، ج‏1، ص97). بمعنى لا يسع الناس نسبة اعتقاداتهم وأعمالهم إلى الدين إلا إذا تفقهوا وتعلّموا.

وفي حديث آخر سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: (لا) (الكافي، ج‏1، ص73).

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ والْعَمَلُ بِهِ، أَلا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ؛ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ، وَضَمِنَهُ، وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَاطْلُبُوهُ) (الكافي، ج‏1، ص73)

وقد يفهم من هذه الروايات أن وجوب طلب العلم الذي يزيد على حد الوجوب العيني يراد به تحقيق تمام الدين وكماله على النحو التالي:

1- تدين المؤمن لا يكتمل إلا بطلب العلم والعمل به، فالعلم الذي يزيد على ما يحتاجه من تحقيق ما كلف به يكون من باب تحقيق التمام والكمال في التدين، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (عليه السلام) قَالَ: (الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ...) (الكافي، ج‏1، ص77)

2- صيغة التفضيل (أوجب) في رواية امير المؤمنين السابقة، تفيد أنّ طلب المال واجب وطلب العلم اوجب منه؛ وذلك باعتبار أن الغاية من العلم مقدمة على الغاية من طلب المال، وبما أن وجوب طلب المال في حدود الحاجة المعيشية، فإن طلب العلم أوجب أيضاً بمقدار ما يتوقف عليه اعتقاده وعمله، وما يزيد على ذلك فهو من باب تحقيق الكمال. كما يمكن تأويله على أن طلب العلم أوجب لأنه لا يتحصل إلا بالطلب بخلاف طلب المال الذي تكفل به المولى تعالى.

3- لا تعارض بين طلب المال وطلب العلم، بل قد يكون المال عوناً لطلب العلم، أما إذا كان طلب المال يمنع من تحصيل العلم الواجب، حينها يتعين تركه من اجل تحصيل العلم الواجب، وهذا في العادة غير متصور فبإمكان الإنسان تعلم ما هو واجب عليه من أمور الدين في كل ظروف العمل.

4- منظور الروايات في طلب العلم هو تحقيق البصيرة في الدين وهو أمر واجب لا يسع المكلف الاستغناء عنه، وليست ناظرة لتحصيل العلم التفصيلي بكل ما فيه، نقل عن الشيخ البهائي أنّه قال: "ليس‏ المراد بالفقه‏ الفهم‏ ولا العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة فإنّه معنى مستحدث بل المراد به البصيرة في أمر الدّين والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى والفقيه هو صاحب هذه البصيرة" (المازندراني ج2، ص33)، وتحقيق البصيرة موقوف على الاعتقادات الحقة والإتيان بالتكاليف الشرعية، وهذا هو المقدار الواجب تعلمه على كل مكلف.

المقال رداً على سؤال: هل يجب عليه التعمق في الدين ودراسة العقائد والفقه والتاريخ وغير ذلك من الامور المهمة؟ وجنابكم تعلمون أن دراسة ذلك يستغرق العمر بأكمله، وفي المقابل الحياة محدودة وامام الإنسان مسؤوليات أخرى تتعلق بأمر معاشه، فكيف يمكنه الموازنة بين هموم الحياة وبين طلب العلم الديني؟ ولكم جزيل الشكر.
2023/09/24

علاج جديد لـ «الصداع النصفي»
يعاني العديد من الأشخاص حول العالم من الصداع النصفي الذي قد يكون مؤلماً بشكل لا يُحتمل في الكثير من الأحيان.

وسيصبح علاج موصى به حديثاً للصداع النصفي الحاد متاحاً قريباً لحوالي 13 ألف شخص ضمن خطة هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز».

نشر المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية NICE المسودة النهائية للإرشادات التي توصي باستخدام عقار «ريمغيبانت» rimegepant كخيار فعال من حيث التكلفة لعلاج الصداع النصفي الحاد. وقد تمت التوصية به سابقاً كدواء وقائي.

ويوصى به أيضاً للأشخاص الذين جربوا ما لا يقل عن اثنين من أدوية «التريبتان» - وهي مجموعة من الأدوية المرخصة بالفعل لعلاج الصداع النصفي أو الصداع - ولكنهم وجدوا أنها لم تعمل بشكل جيد بما فيه الكفاية.

في الوقت الحالي، عندما تكون أدوية «التريبتان» غير فعالة، أو لا يمكن تحملها، لا يوجد علاج قياسي آخر وينصح الأشخاص بمراجعة أخصائي الصداع النصفي.

تشير الأدلة إلى أن عقار «ريمغيبانت» من المرجح أن يقلل الألم بعد ساعتين مقارنة بالدواء الوهمي.

يتم تناول «ريمغيبانت» على شكل رقاقة تذوب تحت اللسان، وتعمل عن طريق إيقاف إطلاق بروتين حول الدماغ (يُسمى الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين)، الذي يُعتقد أنه المسؤول عن الألم الشديد الناتج عن نوبات الصداع النصفي.

قالت هيلين نايت، مديرة تقييم الأدوية في NICE: «هذا هو الدواء الأول والوحيد الذي يوصي به NICE والذي قد يساعد في تخفيف الصداع النصفي الحاد ويمكن اعتباره خطوة تغيير في العلاج».

وتابعت: «الصداع النصفي هو حالة موصوفة - حيث يعاني المرضى من الصداع النصفي كإعاقة غير مرئية تؤثر على جميع جوانب الحياة بما في ذلك العمل والتعليم والشؤون المالية والصحة العقلية والأنشطة الاجتماعية والأسرة».

وأضافت نايت: «تتناول المسودة التوجيهية النهائية اليوم الحاجة الكبيرة غير الملباة لخيارات العلاج للصداع النصفي الحاد، مما يدل مرة أخرى على قدرتنا على ضمان توفير الأدوية سريرياً وبسعر معقول من حيث التكلفة لأولئك الذين يحتاجون إليها في أسرع وقت ممكن».

المصدر: aawsat
2023/09/21

تنظيف الأنف قبل النوم لا يقل أهمية عن تنظيف الأسنان!
لطالما يطالبنا أطباء الأسنان بضرورة تنظيف أسناننا قبل النوم. ولكن خطوة حيوية أخرى لا ينبغي تخطيها في الروتين الليلي، وهي تنظيف أنفك.


يمكن أن يساعد التأكد من نظافة الجيوب الأنفية، على النوم الجيد ليلا، و إيقاف الشخير، وفقا للدكتور سيباستيان لوماس، طبيب الأسنان المقيم في يوركشاير.
وقال الطبيب: “أعتقد أن تنظيف أنفك قبل النوم لا يقل أهمية عن تنظيف أسنانك. إذا كنت لا تستطيع التنفس من خلال أنفك فستتنفس من الفم وستشخر”.
وأظهر لوماس تقنية بسيطة لتنظيف الجيوب الأنفية المسدودة في مقطع فيديو على “تيك توك”، شوهد نحو 250 ألف مرة.
وتتضمن التقنية: الوقوف بشكل مستقيم، مع أخذ شهيق من الأنف وإخراجه و إبقاء الفم مغلقا. ثم الضغط على طرف الأنف مع هز الرأس من جانب إلى آخر. و بعدها يمكن تحرير الأنف وأخذ نفس عميق مع الزفير.
وفي وصف الفيديو، كتب لوماس: “حان الوقت لإضافة تنظيف الأنف إلى روتينك الليلي. أعتقد أن تنظيف أنفك قبل النوم لا يقل أهمية عن تنظيف أسنانك”.

المصدر: ديلي ميل
2023/09/20

ما الدليل على أن القرآن لم يتعرّض للتحريف؟!
يجب الالتفات بداية الى أن نغمة تحريف القرآن الكريم يعزفها اليهود والنصارى دائماً؛ لأن التاريخ يثبت تعرض كتابيهما الى التحريف وفقدانهما القيمة المتوخاة منهما.

وانطلاقاً من ذلك فهؤلاء يعمدون الى إلصاق تهمة التحريف بالقرآن الكريم لكيلا يشكل عليهما بتحريف التوراة والانجيل.

إن التاريخ يثبت بالأدلة والأرقام أن نسخ التوراة تعرضت مراراً للتلف والإندراس نتيجة للحوادث التاريخية المختلفة، خاصة أثناء هجوم بخت النصر على اليهود، ثم قام بعض علمائهم بإعادة كتابتها لاحقاً[1] .

كما أن التاريخ يشهد على أن الانجيل الرباعي إنما دوّنه عدد من أتباع النبي عيسى (ع) بعد وفاته بمدة من الزمن؛ وعلى هذا الأساس، لا أثر للكتاب الواحد الذي نزل على المسيح (ع) [2].

ومن أسس كافة معارفه وأصوله الدينية على أساس هذه الكتب المحرفة التي فقدت قيمتها واعتبارها يرغب بإلحاق المصير نفسه بالقرآن الكريم ليستطيع القول: إن هذا الكتاب أيضاً طاله التحريف ولا يمكن الاعتماد عليه.

هذا في حين أن طريقة جمع القرآن الكريم في جميع المراحل التاريخية تختلف تماماً عن طريقة جمع التوراة والانجيل في الديانتين اليهودية والمسيحية.

إن التاريخ يؤكد على أنه لا وجود للإبهام والغموض في كافة مراحل جمع القرآن الكريم. وفي هذا الإطار لا بدّ من الالتفات الى موضوعين هامين؛ إذ يتضح من خلالهما الاجابة عن كثير من الأسئلة، وهما:

1- إن القرآن الكريم عبارة عن كتاب أحدث انقلاباً عظيماً في كافة شؤون الحياة الاجتماعية للمسلمين؛ فنسف ماضيهم وصنع لهم حياة جديدة متقومة بالإيمان والمبادئ الانسانية. بناء على ذلك، فالقرآن الكريم كان له صلة بأهم شؤون حياة المسلمين؛ إذ كانوا يستمدون من هذا الكتاب السماوي سياستهم واقتصادهم وقوانينهم الأخلاقية، بل حتى آداب ورسوم المعاشرة الصحيحة في الأسرة. ويرتبطون به خمس مرات يومياً في صلواتهم؛ ومن هنا فهم يرجعون في كافة شؤون حياتهم اليومية الى القرآن الكريم أولاً ثم السنة النبوية ثانياً.

وفي هذه الحالة كيف يطال التحريف كتاباً امتزج بحياة الناس الى هذا المقدار وكان المعول والمستند لهم في كل شاردة وواردة، ومع هذا لم يلتفت العوام أو الخواص الى هذا التحريف؟

فاحتمال وقوع التحريف في القرآن الكريم دون علم أحد بذلك بمثابة احتمال أن يطال التحريف دستور أمة كبيرة وعظيمة دون أن يشعر أحد من أفرادها بذلك؛ فهل من الممكن أن يطال التحريف دستور أمة ما من دون أن يفهم أبناؤها بوقوعه وترتفع أصواتهم بالاستنكار والتنديد؟

إن دور القرآن الكريم في الحياة الاجتماعية للمسلمين يفوق بكثير الدور الذي يلعبه القانون الأساسي في حياة الشعوب المعاصرة؛ وعليه فإن الأنظار كانت وما زالت متجهة إليه، وما إن يحدث فيه شيء من التحريف حتى تتعالى الأصوات وتبدأ ردود الأفعال المختلفة والاعتراضات المتوالية من كل حدب وصوب.

2- إن تاريخ جمع القرآن الكريم، سواء في حياة النبي الأكرم (ص) أم في الفترة التي تلته، والاهتمام الكبير الذي كان النبي (ص) والمسلمون يبدونه تجاه حفظ وكتابة القرآن، كل ذلك يثبت أنه لا مجال لنقصان كلمة واحدة من كتاب الله المجيد.

وقد ذكر في التاريخ أن هناك علماء مسلمين يصل عددهم الى ثلاثة وأربعين شخصاً [3] كانوا متواجدين زمن النبي (ص) وقد أمرهم بكتابة كل آية أو سورة بمجرد نزولها عليه، ومن ثم حظيت تلك الكتابات باهتمام المسلمين من بعده وحفظت على أكمل وجه ممكن.

وأشهر هؤلاء الذين أبدوا اهتماماً منقطع النظير بتدوين القرآن الكريم علي بن أبي طالب (ع) وزيد بن ثابت؛ فكان المسلمون يحتفظون بنسخ عديدة من تلك المدونات حيث كانت تمثل لهم مرجعاً في القراءة والاستفادة من كتاب الله المقدس.

وفضلاً عن هاتين النقطتين، كان غالبية المسلمين يحفظون آيات وسور القرآن في قلوبهم، وكانوا يتوخون منتهى الدقة في الحفظ حتى لا يفرطون بكلمة واحدة منه. وكانت هذه الثلة من المسلمين الذين يطلق عليهم اسم "القراء" مرجعاً لآحاد المسلمين في القراءة والتلاوة.

إن موضوع الاهتمام بحفظ القرآن الكريم وصيانته من التحريف كان على قدر كبير من الأهمية بين أوساط المسلمين، حتى أنه لما قتل عدد كبير من القراء في وقعة اليمامة في عهد أبي بكر عزم المسلمون على إبداء مزيد من الاهتمام بهذا الموضوع؛ ولأجل ذلك جمعوا كافة النسخ القرآنية الموجودة وأبرزوا عدم ارتياحهم من وجود تفاوت بينها، فقاموا بتوحيدها.

وفي عهد عثمان بن عفان جرى توحيد جميع نسخ القرآن الكريم ونسخت منه أربع نسخ أخرى وأرسلت الى المدن الكبيرة وأمر الناس بتوحيد مصاحفهم على ضوء هذه النسخ الأربع وجعلها اساساً في القراءة.

وبلغ اهتمام المسلمين والقراء على وجه الخصوص بحفظ وصيانة كتاب الله المجيد من التحريف الى درجة أنه نشب خلاف بين أبي بن كعب وعثمان بن عفان (خليفة المسلمين آنذاك)، بشأن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(التوبة: 34)، فقال الخليفة: إن الوحي الالهي النازل هو "الذين" بدون واو؛ فيجب حذف الواو من جميع نسخ القرآن. لكن أبي بن كعب أصرّ على أن القرآن الذين سمعناه من رسول الله (ص) هو ما موجود بين دفتي الكتاب. ثم اشتدت حدة النزاع بينهما؛ فنهض أبيّ حاملاً سيفه على عاتقه وهو يصيح: من أراد حذف هذا الحرف من كتاب الله فاني أخمد سيفي هذا في صدره وأريق دمه. فأدت شجاعة أبي بن كعب الى تراجع الخليفة عن كلامه.

ولما يفضي الاختلاف على حرف واحد إلى هكذا نزاع عنيف، أيمكن الادعاء بأن القرآن الكريم طاله التحريف وحذفت منه بضعة آيات؟

وبالإضافة الى ما قيل آنفاً حول عدم إمكان تحريف القرآن، فانه قد صرح القرآن نفسه في عدة موارد منه بعدم التحريف وأن كتاب الله سيصان من التغيير والتلاعب؛ إذ قال عزّ من قائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، كما أجمع علماء الاسلام في كتب التفسير على أنه لم يجر على القرآن الكريم أي لون من ألوان التحريف.

واذا ما وجد أحد علماء الاسلام قد ذهب الى تحريف كلام الله تعالى فذلك ناتج عن بعض الأحاديث الموضوعة التي دسها بعض المغرضين في كتب الحديث؛ وإلا فلا قرينة في القرآن نفسه على زعم هؤلاء. وبدهي أن هذا الصنف من الأخبار ساقط عن الاعتبار، أو إن هذه الشبهة نتجت عن أخبار لم يستطيعوا كشف مرادها الواقعي.

وعلى كل حال، فقد ألّف عدد من كبار علمائنا كتباً حول هذا الموضوع أثبتوا فيها بما لا يقبل الشك عدم إمكان طرو التغيير والتحريف على القرآن الكريم، فمن يرغب بمطالعة الأدلة التي تثبت استحالة التحريف بوسعه مراجعة الكتب الكثيرة المدونة في هذا المجال.

وأخيراً فإن الأخبار التي تدل على وجود قرآن لدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يختلف عن كافة النسخ القرآنية الأخرى، لا تتناقض مع أخبار ومبدأ عدم التحريف؛ لأن القرآن المذكور كما صرح العلماء الأعلام بذلك يشتمل على شرح لنزول الآيات وتفسيرها المنقول عن رسول الله (ص)؛ فالفارق بينه وبين سائر النسخ القرآنية الأخرى من هذه الناحية فقط لا في أصل النصّ القرآني الموجود في الجميع.

 المقال رداً على سؤال: هل أن القرآن الكريم نزل على النبي (ص) بصورته الفعلية الموجودة حالياً؟ وما الدليل على صيانته من التحريف؟

الهوامش: [1] ) انظر كتاب: "القاموس المقدس" و "الهدى الى دين المصطفى". [2] ) انظر: المصدرين السابقين. [3] ) تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني.
2023/09/20

من هو آية الله السيد محمد مهدي الخرسان؟ .. ترجمة بقلم الفقيد
مالي لا أُترجم لنفسي بقلمي أُسوة بمن ترجموا لأنفسهم من مشايخي في العلم والرواية في كتبهم بأقلامهم، فقد كتب شيخنا المغفور له صاحب الذريعة شيئاً من ترجمته في أوّل مصفى المقال وذكر مؤلفاته في الذريعة كل في مكانه حسب اسمه، وأمّا سيّدنا الاُستاذ المغفور له السيّد الخوئي فقد ترجم لنفسه في معجم رجال الحديث[1].

وأنا لمّا منَّ الله سبحانه عليَّ أن وفقني لطلب العلم وألهمني حبّه منذ بداية شبابي وحتّى اليوم، وها أنا قد بلغت من العمر ما صح فيَّ (زرع آن حصاده) فأسأله تعالى العفو والرضوان فأقول في ترجمتي بقلمي في سطور:

فأنا محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان:

1 ـ ولدت في النجف الأشرف في 9 رجب سنة 1347 هـ كما سمعته من المرحوم السيّد الوالد (قدس سره) وثمة تاريخ شعري في ذلك.

2 ـ ربّيت بين أبوين كريمين فجزاهما الله عني خيراً فقد أحسنا التربية على معاناة من شظف العيش، أُسوة بالآخرين من مجتمع الأُسرة والجيران، إذ لم يولد أحدهم وفي فمه ملعقة ذهب، فكان الإيمان عند الجميع أقوى من المادة.

3 ـ أدخلت الكتّاب وأنا قد تعلمت القراءة قبل ذلك عند الوالدة رحمها الله، واستدارت أيام التعليم على عدة كتاتيب بمثابة النجاح من صف إلى صف، وأخيراً في منتدى النشر وإلى جانب مناهجها كانت الدراسة الحوزوية التقليدية وسرت فيها من السطوح وحتّى الخارج.

4 ـ وإلى جانب ذلك كانت المجالس العلمية وهي بحق خير مدارس، وكان أحدها مجلس أُسرتنا الّذي رعاه المرحوم الوالد طيلة ثلاثة عشر عاماً في كل يوم عصراً، وفي كل يوم خميس صباحاً وهذا الأخير استمر أكثر من ذلك بكثير، فتعلّمت من آداب المجلس والحديث مع المشايخ، وقد ذكرت جانباً من ذلك في كتاب (ذكرياتي في حياتي) ولا ينشر لو قدر له النشر إلاّ بعد وفاتي، لما فيه من حقائق مرّة.

5 ـ بدأت علاقتي بالكتاب حين كتبت عن الصحابي الجليل ابن عباس حبر الأُمة، ولم أكن أملك كتاباً واحداً يسعفني في حاجتي سوى كتاب شرح نهج البلاغة للمعتزلي ومروج الذهب للمسعودي وبعض أجزاء البحار في مكتبة المرحوم السيّد الوالد(قدس سره)، فكان من الطبيعي أن أسعى في طلب المصادر في المكتبات العامة، وليس يومئذ منها في النجف الأشرف سوى مكتبة المرحوم المغفور له الحجة الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره)في مدرسته، ومكتبة الحسينية الشوشترية، والاستفادة منهما برهن مجيئ الناظر ليفتح المكتبة، ولي في ذكرياتي عنها بعض الحديث.

6 ـ ومرت السنون سراعاً وقد استعرتْ الدنيا نار الحرب العالمية الثانية ثم ما بعدها من حروب وادلهمت الخطوب، وعشناها أياماً مريرة وعسيرة، خشية معتد غاشم وسطوة حاكم ظالم (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)(2) وما أن أُطيح أخيراً بالصنم، حتّى ازداد الخطب والليل ادلهم، فرّج الله عن المؤمنين بظهور المصلح المنتظر عجل الله فرجه الشريف، وجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والممتثلين لأوامره والمستشهدين بين يديه، كما في دعاء العهد.

7 ـ لقد وُفقت لتأليف عدة كتب، كما وفّقت لتقديم عدة كتب من تآليف الآخرين، وعربّت كتاباً وبعض الفصول من كتب فارسية.

8 ـ ولي بحوث في شتى فنون المعرفة من فقه وتفسير وحديث ورجال وتاريخ وأنساب وآداب.

9 ـ لقد حاولت بقدر ما وسعني أ نّي ما أضعت عمري فيما لا ينفعني حسب نظري، فلم أدخل في السياسة مطلقاً، ولا انتميت إلى أيّ حزب مهما كان الشعار براقاً والبرقع شفّافاً ولا إلى أيّ جمعية أو مؤسسة أيضاً، إيماناً عميقاً بصحة ما في أوّل الصحيفة السجادية من قول الإمام الصادق(عليه السلام): (ما خرج ولا يخرج منّا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحدٌ ليدفَعَ ظلماً أو يُنعش حقاً إلاّ اصطلمته البلية وكان قيامه زيادة فى مكروهنا وشيعتنا) .

وفي التاريخ شواهد كثيرة على صحة ذلك.

10 ـ وأقمت حياتي وقومتها ـ وليس من الغرور العلمي ولا التباهي ـ لو تحدثت فقلت إنّ تجربتي في الحياة كانت ناجحة ونافعة فيما رأيت خير نهج لحياة طالب العلم أن يستقيم، معتمداً على الربّ الكريم الرحيم، وينصرف مكباً على درسه وكتابه ولا يتمنى بلوغ الغاية من دون سلوك الطريق الموصل إليها. والعلم ليس حكراً على قوم دون قوم، ولا حصراً في فئة، ولا وراثة في الحياة، يورثها الآباء إلى الأبناء، فكم من عصامي ساد العظاميين بعلمه.

11 ـ ولقد كانت تمر بي خواطر وخوالج فأفزع إلى التنفيس عن نفسي من ضغطها بنظم قد لا يكون خاضعاً لبحور العروض، ولكنه على كل حال فهو معبّر عن حالة فيها تسجيل موقف، وقد تجمّع من ذلك ما سميته ديواناً.

12 ـ ولقد أنعم الله عليَّ فهداني إلى سواء الصراط، فلم أرغب في حبّ الظهور ولا تباهيت بالغرور، ولولا أن التحدث بنعمة الله تعالى مأمور به فقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(3) لما ذكرت كثيراً ممّا مرّ ممّا يوحي بحبّ الذات وطموح النفس، ورحم الله البوصيري إذ يقول:

والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على *** حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم

13 ـ ومن نعم الله تعالى علىَّ أن انصرفت إلى جانب البحث والتحقيق والتأليف، وفي ذلك تعويض خدماتي للناس عمّا يقوم به الغير في صراط تفعيل العلم في جهات أخرى، ربّما تكون المسؤولية الشرعية فيها أكبر وأخطر.

14 ـ ومن نعم الله عليَّ تمكنت من ضبط هواي من الاندفاع وراء مغريات في الحياة كثيرة اُتيحت لي فرصتها، فأعرضت عنها خشية السقوط وسوء العاقبة وسوء الحساب.

وحسبي بهذا أكتفي، وفيما أظن أني عرضت صفحة من العمر كما عشتها من دون تزويق وأنا في نهاية الطريق، وحسبي بما عرضت صورة صادقة فيما حسبت، ربّنا لا تؤاخذني إن نسيت أو أخطأت.

هامش: [1] معجم رجال الحديث 22: 22 ـ 26 ط الآداب في النجف.
2023/09/17

مع ازدياد المخاوف منه.. هل يمتلك الذكاء الاصطناعي وعياً؟!
امتلاك الذكاء الاصطناعي وعياً فكرة لطالما رحب بها الخيال العلمي عبر طروحاته التي يبدو أنها تقترب أكثر فأكثر لتصبح أقل خيالاً مع الطفرة التكنولوجية والتقدم السريع للذكاء الاصطناعي، لتعد اليوم من التساؤلات التي تقض مضجع العاملين في المجال.

وعلى رغم أن عدداً من الباحثين يصرحون بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تصل بعد إلى مرحلة الوعي، إلا أن وتيرة التطور أخرجته من لائحة التوقعات البشرية المتفائلة، ودفعت كبير العلماء في "أوبن أي آي"، الشركة التي تقف وراء برنامج الدردشة "تشات جي بي تي"، إلى الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه من الممكن أن تكون شبكات الذكاء الاصطناعي الكبيرة الأكثر تقدماً واعية إلى حد ما.

اختبار سلوكي

وربما كان مهندس "غوغل" بليك ليموين، أول المصرحين بمخاوفه مدعياً امتلاك "لامدا"(LaMDA) ، وهي عائلة من نماذج لغوية كبيرة طورتها "غوغل" وعياً خاصاً بها، عبرت من خلاله عن إدراكها لوجودها ومشاعرها ورغبتها في معرفة العالم ومخاوفها من إقصائها منه، بحسب ليموين.

ولكن ظلت هذه التصريحات طوال الفترة الماضية مجرد افتراضات شخصية، بخاصة أن فرضية إسناد الشعور والوعي للنموذج اعتمدت على سلوكه فقط من دون وجود دلائل تستند إلى نظريات مثبتة وأسس تجريبية مدروسة، إذ يجادل العلماء بأن إخضاع النظام للاختبار السلوكي عن طريق سؤاله عما إذا كان واعياً أو تحديه والبناء على جوابه أو كيفية استجابته، لا يمكن أن يكون مقياساً، خصوصاً بعدما أصبحت هذه الأنظمة جيدة كفاية في تقليد البشر ومحاكاة ردود أفعالهم وطريقة تفكيرهم.

وظل إمكان أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي واعية يحظى باهتمام عام وعلمي متزايد، لكن قبل أن نناقش فرضية وعي الذكاء الاصطناعي، لنتعرف إلى ماهية الوعي أولاً.

مفهوم فلسفي

يعرف العلم الوعي بأنه كل ما يختبره الشخص بحواسه، أما الفلسفة، فتعتقد بأنه يعطي معنى وقيمة لحياتنا، بينما يعتقد في بعض المذاهب الفلسفية القديمة مثل المدرسة الروحية الشاملة التي تنسب إلى مجموعة من الفلاسفة ومنهم أفلاطون، بأن الوعي خاصية أساسية عامة في كل الأشياء أي إن لكل شيء وعياً خاصاً به.

وعلى رغم الجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل دراسة الوعي إلا أن الباحثين ما زالوا لا يملكون فهماً واضحاً عن كيفية إنتاجه داخل أدمغتنا، مما أدى إلى تحوله للغز استفز العلماء للبحث والتمحيص، وكان من بينهم عالم الأعصاب الألماني كريستوف كوخ الذي بدأ بحثه عن البصمات العصبية للوعي في الثمانينيات ووظف إمكاناته منذ ذلك الحين في تحديد أجزاء الدماغ الضرورية لتوليد الشعور بالرؤية أو السمع أو الرغبة.

فرضيات بشرية

ودعمت مسعى كوخ هذا تقنيات جديدة عدة مثل "التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي" (fMRI) الذي اجتاح المختبرات في ذلك الوقت وأحدث ثورة في قياس نشاط المخ عن طريق رصد التغيرات الصغيرة المرتبطة بتدفق الدم، وكذلك علم البصريات الوراثي الذي سمح للعلماء بالتحكم في خلايا الدماغ الحية وتحفيز مجموعات محددة منها في أدمغة بعض الحيوانات باستخدام كابلات الألياف الضوئية، لتبدأ بعض الفرضيات بالظهور تدريجاً.

وكان أبرزها نظرية المعلومات المتكاملة (IIT) التي اقترحت أن الوعي عبارة عن بنية في الدماغ يعتقد بوجودها في القشرة المخية الخلفية، في الجزء الخلفي من الدماغ، وتتكون من نوع محدد من التوصيلات العصبية التي تنشط طوال فترة حدوث تجربة معينة، مثل النظر إلى صورة ما.

والنظرية الثانية هي مساحة العمل الشاملة (GWT) التي تشير على النقيض من سابقتها إلى أن الوعي ينشأ عندما يتم بث المعلومات إلى مناطق الدماغ من خلال شبكة مترابطة، ووفقاً للنظرية يحدث هذا البث أو النقل في بداية التجربة ونهايتها ويشمل قشرة الفص الجبهي التي تقع في الجزء الأمامي من الدماغ.

الحقيقة أن الباحثين، بعد تجارب عدة في المختبرات، لم يجدوا دليلاً على التزامن المستمر بين مناطق الدماغ، مما يدل على أن النظريتين بحاجة إلى مراجعة كل على حدة.

وفي وقت لاحق قدم علم الأعصاب نظريات عدة تصف الأساس البيولوجي للوعي، إلا أنه لم يتم الإجماع على أيها الصحيح تماماً، ليؤكد العلماء أننا ما زلنا في حاجة إلى نظريات وعي أكثر دقة ومختبرة جيداً في المستقبل القريب، ليظل بذلك اللغز مستمراً.

الوعي الاصطناعي

وبالعودة لسؤالنا الأول، عاد التحدي ذاته "تحديد معنى أن يكون شيء ما واعياً" ليواجه دراسة الوعي في الذكاء الاصطناعي، والحقيقة أن الشركات التي تبني أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لا تبذل جهداً كافياً لتقييم نماذج الوعي ووضع خطط لما يجب فعله إذا حدث وأصبحت واعية.

لكن توصلت في هذا السياق مجموعة مكونة من 19 من علماء الأعصاب والفلاسفة والكمبيوتر إلى قائمة مرجعية من المعايير التي ستشير، في حال تم استيفاؤها، إلى امتلاك نظام ما فرصة ليكون واعياً، ونشروا دليلهم الموقت في أرشيف مسودات الأوراق العلمية  arXiv"".

لا بد للمؤلفين من استخدام مجموعة من نظريات الوعي السابقة لإنشاء إطار عملهم ووضع نهج لتقييم الوعي وتطوير خصائص تحدد مؤشرات الوعي، بحيث يصبح الحكم على احتمالية أن يكون نظام ما واعياً تعتمد على مدى تماشيه مع جوانب عدة من هذه النظريات، واعتمد الباحثون في التقييم على لائحة مرجعية مستمدة من ست نظريات عن الوعي قائمة على علم الأعصاب.  

ويعتقد المؤلفون بضرورة وجود هذا النهج لأنه يركز على كيفية عمل هذه الأنظمة، بدلاً من التركيز على ما إذا كانت تظهر أشكالاً من السلوك الخارجي الذي يمكن اعتباره من سمات الكائنات الواعية، ويجادل الفريق بأنه من الممكن علمياً تتبع تقييم وعي الذكاء الاصطناعي.

نهج تدعمه فرضيتان

ولتطوير معاييرهم، افترض المؤلفون أن الوعي يرتبط بكيفية معالجة الأنظمة للمعلومات بغض النظر عن المادة الأساس التي تتكون منه، سواء كانت مصنوعة من خلايا عصبية أو شرائح كمبيوتر أو أي شيء آخر، ويسمى هذا النهج "الوظيفية الحسابية" (computational functionalism)، إذ يتبنى الباحثون وجهة النظر هذه على افتراض أن الوعي يعتمد على نظام الذكاء الاصطناعي الذي ينفذ حسابات معينة.

وكذلك افترضوا أن نظريات الوعي القائمة على علم الأعصاب (المعتمدة على تقنيات مثل مسح دماغ البشر والحيوانات) والتي تهدف إلى تحديد الوظائف الحسابية المرتبطة بالوعي لدى البشر، يمكن تطبيقها على الذكاء الاصطناعي.

وعلى أساس هذه الافتراضات اختار الفريق ستاً من هذه النظريات واستخرجوا منها قائمة بمؤشرات الوعي، إحداها على سبيل المثال نظرية "منطقة العمل الشاملة" التي تؤكد أن البشر والحيوانات الأخرى يستخدمون عدداً من الأنظمة المتخصصة التي تسمى أيضاً "الوحدات لأداء المهمات المعرفية" مثل الرؤية والسمع.

وتعمل هذه الوحدات بشكل مستقل ولكن بالتوازي، وتتشارك المعلومات من خلال الاتحاد في نظام واحد، وبالتالي بحسب العلماء سيقيم نظام معين ما في حال أظهر مؤشراً مشتقاً من هذه النظرية من خلال النظر إلى بنية النظام وكيفية تدفق المعلومات عبره.

ويقدم التقرير تقييماً لنماذج اللغات الكبيرة "تشات جي بي تي" كمثال، نتيجته أنه يمكن القول إنه يمتلك بعض مؤشرات الوعي المرتبطة بنظرية منطقة العمل، ويشير التحليل النهائي إلى أنه لا توجد أنظمة ذكاء اصطناعي حالية واعية تماماً، لكنه يلفت أيضاً إلى عدم وجود عوائق فنية واضحة أمام بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تلبي هذه المؤشرات.

وفي النهاية يؤكد المؤلفون أن ورقتهم البحثية هذه ليست صورة نهائية حول كيفية تقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي من حيث الوعي، ويدعون الباحثين إلى المساعدة في تنقيح وتحسين منهجيتهم.

المصدر: independentarabia
2023/09/17

«ولا تركنوا إلى الذين ظلموا».. ما هو الركون؟ ومن هم الذين ظلموا؟
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (هود - 113) ما معنى الركون إلى الظالمين؟

إن هذه الآية تبين واحدا من أقوى وأهم الأسس والبرامج الاجتماعية والسياسية والعسكرية والعقائدية، فتخاطب عامة المسلمين ليؤدوا وظيفتهم القطعية فتقول: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا والسبب واضح فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ومعلوم عندئذ حالكم ثم لا تنصرون.

ما هو مفهوم الركون؟

مفهوم "الركون" مشتق من مادة "ركن" ومعناه العمود الضخم من الحجر أو الجدار الذي يربط البناء أو الأشياء الأخرى بعضها إلى بعض، ثم اطلق هذا اللفظ على الاعتماد أو الاستناد إلى الشئ.

وبالرغم من أن المفسرين أعطوا معاني كثيرة لهذه الكلمة في تفسيرهم للآية، ولكنها في الغالب تعود إلى مفهوم جامع وكلي فمثلا فسرها البعض بالميل، وفسرها البعض ب‍ " التعاون "، وفسرها البعض ب‍ " إظهار الرضا "، وفسرها آخرون ب‍ " المودة "، كما فسرها جماعة بالطاعة وطلب الخير، وكل هذه المعاني ترجع إلى الاعتماد والاتكاء كما هو واضح.

في أي الأمور لا ينبغي الركون إلى الظالمين؟

بديهي أنه في الدرجة الأولى لا يصح الاشتراك معهم في الظلم أو طلب الإعانة منهم، وبالدرجة الثانية الاعتماد عليهم فيما يكون فيه ضعف المجتمع الإسلامي وسلب استقلاله واعتماده على نفسه وتبديله إلى مجتمع تابع وضعيف لا يستحق الحياة، لأن هذا الركون ليس فيه نتيجة سوى الهزيمة والتبعية للمجتمع الإسلامي.

وأما ما نلاحظه أحيانا من مسائل التبادل التجاري والروابط العلمية بين المسلمين والمجتمعات غير الإسلامية على أساس حفظ منافع المسلمين واستقلال المجتمعات الإسلامية وثباتها، فهذا ليس داخلا في مفهوم الركون إلى الظالمين ولم يكن شيئا ممنوعا من وجهة نظر الإسلام، وفي عصر النبي نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) والأعصار التي تلته كانت هذه الأمور موجودة وطبيعية أيضا.

فلسفة تحريم الركون إلى الظالمين الركون إلى الظالمين يورث مفاسد كثيرة لا تخفى على أحد بصورتها الإجمالية ولكن كلما تفحصنا في هذه المسألة أكثر اكتشفنا مسائل دقيقة جديدة.

فالركون إلى الظالمين يبعث على تقويتهم، وتقويتهم مدعاة إلى اتساع رقعة الظلم والفساد في المجتمعات، ونقرأ في الأوامر الإسلامية أن الإنسان ما لم يجبر "وفي بعض الأحيان حتى مع الإجبار" لا يحق له أن يراجع القاضي الظالم من أجل اكتساب حقه، لأن مراجعة مثل هذا القاضي الحاكم الجائر من أجل إحقاق الحق مفهومها أن يعترف ضمنا برسميته وتقواه، ولعل ضرر هذا العمل أكبر من الخسارة التي تقع نتيجة فقدان الحق.

والركون إلى الظلمة يؤثر تدريجا على الثقافة الفكرية للمجتمع، فيضمحل مفهوم "قبح الظلم" ويؤدي بالناس إلى الرغبة في الظلم.

وأساسا لا نتيجة من الركون إلى الغير بصورة التعلق وارتباط الشديد إلا سوء الحظ والشقاء، فكيف إذا كان هذا الركون إلى الظالمين؟

إن المجتمع الحضاري المقتدر هو المجتمع الذي يقف على قدميه، كما يعبر القرآن الكريم في مثل بديع في الآية (29) من سورة الفتح إذ يقول: فاستوى على سوقه والمجتمع الحر المستقل هو المجتمع الذي يكتفي ذاتيا، وارتباطه أو تعاونه مع الآخرين هو ارتباط على أساس المنافع المتبادلة لا على أساس ركون الضعيف إلى القوي، لأن هذا الركون - سواء كان من جهة فكرية أو ثقافية أو اقتصادية أو عسكرية أو سياسية - لا يخلف سوى الأسر والاستثمار، ولا يثمر سوى المساهمة في ظلمهم والمشاركة في خططهم.

وبالطبع فإن الآية المتقدمة ليست خاصة بالمجتمعات فحسب، بل تشمل العلاقة وارتباط بين فردين أيضا، فلا يجوز لإنسان مؤمن أن يركن إلى أي ظالم، فإنه إضافة إلى فقدان استقلاله لركونه إلى دائرة ظلمه، فسيؤدي إلى تقويته واتساع الفساد والعدوان كذلك.

من المقصود ب‍ «الذين ظلموا»؟

ذكر المفسرون في هذا المجال احتمالات مختلفة، فقال بعضهم: المقصود ب‍ «الذين ظلموا هم المشركون» ولكن - كما قال آخرون - لا دليل على انحصار هذا اللفظ بالمشركين رغم أن مصداق الظالمين في عصر نزول الآية هو المشركين.

كما إن تفسير هذه الكلمة في الروايات بالمشركين لا يدل على الانحصار، لأننا قلنا مرارا وتكرارا إن مثل هذه الروايات إنما تبين المصداق الواضح والجلي، فعلى هذا الأساس يدخل في دائرة هذه الآية جميع الذين امتدت أيديهم إلى الظلم والفساد، أو استعبدوا خلق الله وعباده، أو استغلوا قواهم لمنافعهم، وباختصار كل الذين دخلوا في المفهوم العام لهذا التعبير الذين ظلموا.

ولكن من الواضح أن من أخطأوا في حياتهم خطأ بسيطا وصاروا من مصاديق الظالم أحيانا غير داخلين في مفهوم الآية قطعا لأنه في هذه الصور لا يخرج عن شمولية هذه الآية إلا النادر، فلا يصح الركون والاعتماد على أي شخص، اللهم إلا أن نقول: إن المراد بالركون هو الاعتماد على الظالم من جهة ظلمه وجوره، وفي هذه الحال حتى الذين تلوثت أيديهم بالظلم مرة واحدة لا يجوز الركون إليهم.

إشكال بعض المفسرين من أهل السنة إشكالا يصعب الجواب عليه من مبناهم وهو ما ورد في رواياتهم من وجوب الطاعة والتسليم لسلطان الوقت الذي هو من أولو الأمر أيا كان، لما نقلوا حديثا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوب طاعة السلطان " وإن أخذ مالك وضرب ظهرك... "! وروايات أخرى تؤكد طاعة السلطان بمعناها الواسع.

ومن جهة أخرى تقول الآية: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فهل يصح الجمع بين هذين الأمرين؟!

أراد البعض أن يرفع هذا التضاد باستثناء واحد، وهو أن طاعة السلطان تكون واجبة ما لم ينحرف إلى طريق العصيان ويخطو في طريق الكفر.

ولكن لحن تلك الروايات لا ينسجم مع هذا الاستثناء.

وعلى كل حال فنحن نعتقد - وكما ورد في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) - بوجوب طاعة ولي الأمر العادل والعالم الذي يصح أن يكون خليفة عاما للنبي وإماما من بعده فحسب.

وإذا كان سلاطين بني أمية وبني العباس قد وضعوا الأحاديث في هذا المجال لمصلحتهم، فلا تنسجم بأي وجه مع أصول مذهبنا والتعليمات القرآنية، وينبغي أن نعالج هذه الروايات، فإن كانت تقبل التخصيص خصصناها، وإلا طرحناها جانبا، لان كل رواية تخالف كتاب الله فهي مردودة وباطلة، والقرآن يصرح أن إمام المسلمين لا يجوز أن يكون ظالما، والآية المتقدمة تقول بصراحة أيضا: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا... أو نقول: إن أمثال هذه الروايات مخصوصة بالحالات الضرورية والاضطرارية.

2023/09/16

دراسة جديدة تقلل من خطورة الشاشات على نمو الأطفال
أظهرت دراسة واسعة النطاق نُشرت نتائجها، أن الوقت الذي يمضيه الأطفال أمام الشاشات يؤثر جزئياً على نموهم، لكن هذه التأثيرات محدودة وتعتمد قبل كل شيء على طريقة استخدام هذه الشاشات.

وخلص معدو الدراسة التي أجريت تحت رعاية المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي في فرنسا ونُشرت نتائجها مجلة علم نفس الطفل والطب النفسي (Journal of Child Psychology and Psychiatry)، إلى أن «السياق الذي تُستخدم فيه الشاشات، وليس فقط الوقت الذي يمضيه الأطفال أمام الشاشة، يؤثر على التطور المعرفي لديهم».

ويثير تعرض الأطفال المفرط للشاشات (أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون)، منذ سنوات مخاوف يعبّر عنها الكثير من القادة السياسيين، وكذلك بعض مقدمي الرعاية الذين يرون في ذلك تهديداً خطيراً، إلى حد ربطه بحالات التوحد.

مع ذلك، فإن الإجماع العلمي أكثر حذراً في مقاربة هذه المسألة. وتضاف الدراسة التي أجراها المعهد الفرنسي إلى أعمال بحثية أخرى تقلل من حجم المشكلات المرتبطة باستخدام الشاشات وتضعها في سياق أوسع.

وتُصنف الدراسة الجديدة بأنها «أترابية» (Cohort Study)، وهو نوع بحثي يسمح باستخلاص استنتاجات صلبة للغاية، ويلاحظ متابعة مجموعة كبيرة من الأشخاص (14 ألف طفل في هذه الحالة)، على مدى سنوات.

وقوّم الباحثون هؤلاء الأطفال في ثلاثة أعمار: سنتان، وثلاث سنوات ونصف سنة، ثم خمس سنوات ونصف سنة. وخلصوا إلى أن هناك صلة «محدودة» بين استخدام الشاشات وتطورهم الفكري.

ومن المؤكد أنه «في عمر 3.5 و5.5 سنة، ارتبط وقت التعرض للشاشة بدرجات أقل في التطور المعرفي العام، خصوصاً في مجالات المهارات الحركية الدقيقة واللغة والاستقلالية»، بحسب ما ذكر المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي في بيان.

وأضاف المعهد: «مع ذلك، عندما أُخذت العوامل المتعلقة بنمط الحياة، التي من المحتمل أن تؤثر على التطور المعرفي في الاعتبار (...)، انخفضت العلاقة السلبية وأصبحت ذات حجم منخفض».

بمعنى آخر، ليس وجود الشاشات هو الذي يؤثر على نمو الطفل، بمقدار التأثير المرتبط بتوقيت استخدام الأطفال للشاشات وطريقة نظرهم إليها.

على سبيل المثال، يبدو أن الأطفال الذين شملتهم الدراسة يتأثرون بشكل كبير جرَّاء مشاهدة التلفزيون مع العائلة بصورة متكررة أثناء الوجبات.

وقال عالم الأوبئة شواي يانغ، المعد الرئيسي للدراسة، في بيان إن «التلفزيون، من خلال جذب انتباه أفراد الأسرة، يتداخل مع نوعية وكمية التفاعلات بين الوالدين والطفل»، لكن «مع ذلك، هذا أمر بالغ الأهمية في هذا العصر لاكتساب اللغة».

المصدر: aawsat
2023/09/14

هل قصة سفينة نوح خرافة؟ وكيف استوعبت أعداد هائلة من الحيوانات؟!
لا يخفى أنّ الإشكال المذكور مبني على أنّ نبي الله نوحاً (عليه السلام) قد اصطحب معه في سفينته اثنين من كل زوجين من حيوانات الأرض – كما ذهب إليه جملةٌ من المفسرين – استظهاراً من قوله تعالى: {حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِیهَا مِن كُل زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَیۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَاۤ ءَامَنَ مَعَهُۥۤ إِلَّا قَلِیل} بضميمة ما جاء في الكتب السماوية السابقة أو الروايات الشريفة من تفسير الزوجين بالزوجين من الحيوانات، وإلا فإنّ نفس الآية لا صراحة لها في ذلك، وإن كان قد يُتوصل إليه من خلال أداة العموم.

ولكنّ الصحيح أنّ هذا الاستظهار مما لا مجال له إلا أن نكون بمعزل عن بيانات الراسخين في العلم (عليهم السلام) الذين هم عدل القرآن والثقل الثاني ولسان الله الناطق، وأما بعد الرجوع إلى بياناتهم من خلال الروايات الواردة عنهم – إذ لا سبيل لفهم مشكلات القرآن وغوامض آياته إلا منهم (عليهم السلام) – فإنه يتضح أنّ مفردة (كل زوجين) في الآية المذكورة لا يراد بها زوجان من كل أجناس الحيوانات، بل يراد بها زوجان من أجناس معهودة ومحددة، وهي التي تتكفل بمعيشة مَن بقيَ مِن قوم نوح (عليه السلام) واستمرار حياتهم بعد انتهاء الطوفان.

وهذا ما ورد صريحاً في خبر العيّاشي بسنده عن إسماعيل الجعفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ” صنعها في مائة سنة، ثم أمره أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين الأزواجَ الثمانية الحلال التي خرج بها آدم من الجنة، ليكون معيشة لعقب نوح في الأرض، كما عاش عقب آدم، فإنّ الأرض تغرق وما فيها إلا ما كان معه في السفينة.

فحمل نوح في السفينة من الأزواج الثمانية التي قال الله: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين. . ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) ”.

والمتحصّل من هذا الحديث: أنّ هنالك ثلاث آيات قرآنية مترابطة، وهي:

قوله تعالى: {قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِیهَا مِن كُلࣲّ زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِ}.

وقوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰ⁠جࣲۚ}.

وقوله تعالى: {ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰ⁠جࣲۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَیۡنِۗ … وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَیۡنِۗ قُلۡ ءَاۤلذَّكَرَیۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَیَیۡن}.

وبيانُ وجه ترابط هذه الآيات الثلاث – على ضوء الرواية الشريفة المتقدمة وأمثالها – هو: أنّ المراد بالزوجين في الآية الأولى ليس الأزواج من مطلق أجناس الحيوانات، بل خصوص الأزواج الثمانية المعهودة المذكورة في الآية الثانية، والتي بها قوام المعيشة، وهي زوجان من الضأن وآخران من المعز ومثلهما من الإبل وكذلك من البقر، كما جاء بيانه في الآية الثالثة.

وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني بالنتيجة: أنّ ما حمله نبي الله نوح (عليه السلام) في سفينته لا يتجاوز ستة عشر حيواناً فقط، وقد تزيد قليلاً طبقاً لما تشير إليه بعض الروايات الأخرى، وبهذا البيان المستفاد من روايات العترة الطاهرة يسقط الإشكال من أساسه.

وإن أبى شخصٌ عن قبول هذا البيان للتشكيك في اعتبار الرواية المذكورة، فلنا أن نجيبه ببيانٍ آخر يفضي بنا إلى نفس النتيجة، وتوضيحه:

أنّ عموم العام قابل للتخصيص بكل ما يدل على التخصيص من القرائن، ولو كان من القرائن الخارجية، فمثلاً: لو أراد شخص أن يسافر بسيارته، فالتفت إلى ولده وقال له: (احمل معنا فيها من كل زوجين اثنين) فإنه لا ينصرف ذهن أحد إلى أنّ المراد بكل زوجين في كلامه: كلُّ زوجين من كل شيء في الدنيا، فإنّ القرينة الخارجية – وهي: عدم استيعاب السيارة لكل ذلك – تمنع من الانصراف المذكور، وتوجب تخصيص عموم العبارة المذكورة بالزوجين من كل شيء متوفر في البيت – مثلاً – أو مما يحتاجانه في السفر – كما هو مقتضى القرينة الحالية – ونحو ذلك من المحتملات.

وهكذا يُقال في المقام، فإنّ الآية المباركة – محل الاستشهاد – وإن كان لسانها لسان العموم، ولكنها مخصصة بالقرينة الخارجية، وهي عدم استيعاب السفينة لاثنين من الأزواج من كل أجناس الحيوانات، وبالتالي فلا ينصرف ذهنُ أحدٍ إلى ما انصرف إليه ذهن المستشكل أو صاحب الشبهة من إرادة اثنين من كل أزواج حيوانات الأرض وبالأرقام المذكورة في السؤال، لمنع القرينة المذكورة من هذا الاحتمال، وإيجابها تخصيص عموم الآية بخصوص الأزواج التي يحتاجها نبي الله نوح (عليه السلام) ومَن معه في الطوفان وبعده، أو بالأزواج التي كانت متاحة له في حدود المنطقة التي كان يعيش فيها ؛ إذ أنّ جمع جميع أزواج الحيوانات من كل بقاع الأرض وأطرافها يتطلب خرق العادة، ولا دليل على أنّ نبي الله نوحاً (عليه السلام) قد استفاد من الإعجاز أو الولاء التكويني في قضيته، ومقتضى كونه قد جمع الأزواج بشكل اعتيادي أنه جمع ما يتيسر له من الأزواج التي كانت متوفرة بين يديه حينها.

والحاصل: فإنّ القرينة الخارجية تقضي بتخصيص عموم الآية الكريمة إما بأزواج الحيوانات محل حاجة النبي وأتباعه أو بأزواج الحيوانات المتاح لهم جمعها، وعلى كلا التقديرين فإنّ هذا المقدار من الأزواج ليس مما يمتنع حمله في سفينة كبيرة.

هامش:
قِصَّةُ نُوحٍ هِيَ مِنْ إِحْدَى القَصَصِ المَلْحَمِيَّةِ المَلِيئَةِ بِالمُغَالَطَاتِ المَنْطِقِيَّةِ الصَّرِيحَةِ الوَاضِحَةِ، مُخْتَصَرُ القِصَّةِ أنَّ قَوْمَ نُوحٍ عَصَوا اللهَ فَأمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ أنْ يَبْنِيَ سَفِينَةً فِي الصَّحْرَاءِ بِشَكْلٍ مُعَيَّنٍ وَيَخْتَبِئَ هُوَ وَحَيَوَانَاتُ الأرْضِ بِدَاخِلِهَا إِلَى حِينِ انْتِهَاءِ عِقَابِ اللهِ. أَوَّلًا: هُنَاكَ مَا بَيْنَ 10.000.000 إِلَى 100.000.000 فَصِيلَةٍ مِنْ الحَيَوَانَاتِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَبِمَا أنَّ اللهَ أمَرَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فَهَذَا يَعْنِي أنَّهُ أخَذَ مَعَهُ مَا بَيْنَ 20.000.000 وَ 200.000.000 حَيَوَانٍ، هَلْ تُقِرُّ بِمَنْطِقِيَّةِ هَذَا الكَلَامِ؟ ثَانِيًا: مَاذَا عَنْ الدَّيْنَاصُورَاتِ؟ هُنَاكَ مَا بَيْنَ 300 إِلَى 550 فَصِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ الدَّيْنَاصُورَاتِ، هَلْ أخَذَ نُوحٌ مَعَهُ زَوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ فَصِيلَةٍ؟ هَلْ تَدُرِكُ المَسَاحَةَ المَطْلُوبَةَ لِحَشْرِ 1100 دَيْنَاصُورٍ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ؟ ثَالِثًا: هُنَاكَ 25.000 فَصِيلَةٍ مِنْ الفَرَاشَاتِ، 10.000 فَصِيلَةٍ مِنْ الطُّيُورِ، وَحَوَالَيْ 5.000 فَصِيلَةٍ مِنْ الخَنَافِسِ.. هَلْ أخَذَ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أيْضًا؟ رَابِعًا: هَلْ أخَذَ مَعَهُ النَّمْلَ؟ الذُّبَابَ؟ الصَّرَاصِيرَ؟ النَّامُوسَ؟ الفِئْرَانَ؟ خَامِسًا: هَنْدَسِيًّا، هَلْ يُمْكِنُ أنْ تَتَحَمَّلَ سَفِينَةٌ مَصْنُوعَةٌ مِنْ الخَشَبِ هَذَا الكَمَّ الهَائِلَ مِنْ الحَيَوَانَاتِ وَالدَّيْنَاصُورَاتِ؟
2023/09/10

أهلي يجبرونني على لبس «النقاب».. ماذا أفعل؟
أهلي يجبرونني على ستر وجهي فماذا أفعل؟ الجواب من سماحة السيد ضياء الخبّاز:

غطاء الوجه -ابنتي العزيزة- هو ما كانت عليه سيرة مولاتنا الزهراء وسيدتنا زينب ونساء أهل البيت (عليهنَّ السلام).

وأعتقد أنَّ أهلك لحبهم الخير لك في الدنيا والآخرة قد أمروك بذلك، أما في الآخرة فلأن الاقتداء بأهل البيت هو طريق الوصول إلى الجنة، وأما في الدنيا فلأن نضارة وجهك المشرق بنور الإيمان أغلى عند أهلك من أن يراه الأجانب، ويمتعون أنظارهم بالنظر المحرم إليه.

2023/09/10

رجال ونساء يتسابقون على عمليات التجميل!
يشهد العالم إقبالا كبيرا على عمليات التجميل، فخرج عن السيطرة والمنطق وتحول الأمر من الحفاظ على الشباب والجمال إلى حد الهوس Body dysmorphic disorder

تقليد المشاهير وصور السليفي والتنمر وطلبات الزوج والمنافسة بين أطباء وشركات التجميل أبرز أسباب اضطراب فقدان الهوية.

زاحم الرجل المرأة في عالم التجميل ودخله من أوسع أبوابه، ولا يقتصر الأمر على السيدات فقط بل طال هوس التجميل الفتايات المراهقات، وأصبح سباق الجمال ليس حكرا على المشاهير والنجوم.

الدوافع لإجراء التجميل الحفاظ على الشباب:

يلجأ البعض إلى وضع بعض اللمسات التي تحافظ على الجمال والشباب والحد من تداعيات التقدم في العمر بالعناية بالبشرة وإجراء بعض التعديلات لإخفاء عوامل السن بدون جراحة كالفيلر والبوتوكس، وأوضحت الدراسات أن هذه المواد لها فوائد طبية وتجميلية.

البحث عن الكمال:

يلجأ البعض إلى تعديل شكل الأنف أو تعديل في الوجه أو الجسد.

التنمر:

من أبرز الأسباب التي تدفع الأشخاص لإجراء عمليات التجميل، فهناك أشخاص يتعرضون منذ الصغر للتنمر على ملامحهم أو وزنهم فيرسخ في عقلهم الباطن فكرة عمليات التجميل حتى يتخلص من التنمر الذي تسبب له في حالة نفسية سيئة .

موضة التجميل:

متابعة أحدث صيحات الموضة ليست فقط في الملابس وتسريحة الشعر بل وصل إلى أبعد من ذلك من خلال اتباع موضة شكل الشفاه والجسد النحيف أو الممتليء أو شكل العين (CAT EYE)  أو موضة تكساس.

طلبات الزوج:

بعض الأزواج يقومون بعقد مقارنة بين زوجاتهم والفنانات فتُقبل المرأة لا شعوريا على عمليات التجميل .

صور السليفي:

أثبتت الدراسات أن الصور و السليفي وبرامج تعديل الصور كانت سببا مباشرا لكثير من الأشخاص في إجراء عمليات تجميل بنفس شكل الصورة التي يظهر بها على وسائل التواصل الاجتماعي.

التقليد والاستنساخ:

يتأثر البعض بشكل فنانه المفضل ويعتبره رمزا ونموذجا للجمال وخاصة الفتايات فتلجأ لإجراء التجميل حتى تصبح صورة طبق الأصل من فنانتها المفضلة وفي الكثير من الأحيان يصبح الشكل مشوها.

مخاطر ونصائح عن التجميل

قال دكتور سامح سالم دكتوراه الجلدية والتجميل في بودكاست نفسيتي إن الحفاظ على الجمال والشباب مطلب مشروع ولكن بشروط ومعايير لا تخرج عن المألوف أي من الممكن استخدام الفيلر والبوتوكس لإعادة النضارة للبشرة وإخفاء بعض علامات التقدم في العمر ولكن بنفس الشكل والملامح أو إجراء تعديل بسيط لإخفاء بعض العيوب .

وأوضح أن لكل شخص سماته الشخصية التي تتناسب مع صفاته الوراثية فعندما يتم التغير بشكل مبالغ فيه يصبح مشوها وبعيد كل البعد عن الجمال الطبيعي.

وأوضح أنه من غير المفضل إجراء عمليات تصغير الأنف بشكل مبالغ فيه خاصة مع الملامح العربية الشرقية التي تتميز بالملامح البارزة كالعيون الكبيرة فمن غير الجيد إجراء جراحة تصغير الأنف بشكل مبالغ فيه لأنه في هذه الحالة لن يكون هناك تجانس بين الملامح في الوجه.

وأكد أن البوتوكس والفيلر ممنوع تحت سن تسعة عشر عاما وعزا ذلك بأنه لاتوجد دراسات تثبت أن المواد التي تدخل في تكوينه آمنة في هذا السن الصغير.

وأكد على ضرورة شرب الماء و استخدام واقي الشمس لأنه أصبح من ضروريات الوقاية من أضرار الشمس على الجلد للحفاظ على شباب البشرة لفترة كبيرة.

2023/09/09

كيف تنهانا الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟!
يجب الالتفات – أساساً – الى أن العامل الرئيسي لصدّ الانسان عن المعاصي هو الايمان وذكر الله تعالى؛ فالإنسان الغافل عن ذكر الله لا يفكر بعاقبة أعماله وأفعاله، ولا يؤمن بوجود حدّ لإشباع رغباته وغرائزه الجامحة.

وعلى العكس من ذلك، فان ذكر الله – الله الذي يعلم بكافة أعمالنا صغيرها وكبيرها، الله الذي يعلم بما يدور في خواطرنا – يصدنا عن الاستبداد واتباع الأهواء وتجاوز الحدود.

إن الطريق الطبيعي والمؤثر والدائم للحدّ من غرائزنا ورغباتنا اللا مشروعة هو ذكر الله، وذكر مقام أولياء الله، وذكر جزاء المسيئين وثواب المحسنين.

القرآن الكريم عرف المؤمنين بالشكل التالي: «رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكاة» [2]، وجدير بالذكر أن الغفلة عن الله والابتعاد عنه يفضي الى خمول العقل وكدورته واضمحلال إشعاع نور الوجدان.

لقد أولى أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر الله أهمية خاصة فقال بهذا الخصوص: (إن الله جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة) [3].

اعتبر الإمام علي (عليه السلام) الغفلة في الحديث المذكور نوعاً من الصمم والعمى للقلوب، يؤدي الى عصيان ومعاندة وعداء الانسان للحق والحقيقة، وفي إزاء ذلك يعتبر ذكر الله مدعاة للإصغاء وتنوير القلوب، ويحدّ من جموح الغرائز، ويجنبها مجافاة الحقيقة.

بناء على هذا البيان، يعدّ الفرد الغافل عن الله وثوابه وعقابه كفرد أعمى وأصم راكب على جواد جامح، فمما لا شك فيه أن هذا الجواد سيضرب به الحجر والمدر ويلقيه في غياهب الأودية؛ لكن من يمتلكون قلوباً يقظة ومولعة بذكر الله يشاهدون نتائج أعمالهم عن كثب، ويصغون الى كلام الحق، ويحكمون سيطرتهم على نفوسهم الامارة بالسوء عبر ذكر الله.

قال الإمام الباقر (عليه السلام) موصياً أحد محبيه: «ذكر الله على كل حال، وهو أن يذكر الله عند المعصية، يهمّ بها فيحول ذكر الله بينه وبين المعصية» [4].

وقال الأصبغ بن نباتة: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «اذكر الله في حالتين: الأولى عند المصيبة، والثانية حينما تذنب، والثانية خير من الأولى؛ لأن ذكر الله يحول بين المرء وارتكاب الذنب».

بدهي أن للتوجه الى الله مراتب، لا تتساوى بتاتاً، وقد تصل – أحياناً – الى مرتبة يُعصم فيها المرء عن اقتراف الذنب فيصبح محالاً عادياً بالنسبة له، أولئك أفراد ينعمون بقلوب مطمئنة وأرواح متيقظة وأبصار متوهجة وأسماع صاغية ونفوس مطيعة.

أغلب الناس يذكرون الله بدرجة متوسطة، فعلى سبيل المثال هناك أشخاص يرتكبون بعض المعاصي والآثام، لكنهم في الوقت ذاته غير مستعدين – أبداً – لإراقة دم انسان، أو أكل مال اليتيم، أو الاعتداء على ناموس شخص آخر؛ لأنهم يعلمون يقيناً أن العقاب الالهي في هذه الموارد شديد جداً، فيبدي وجدانهم مقاومة إزاء اقتراف هذه الذنوب.

وأحياناً يضعف ذكر الله لدى البعض بحيث يظهر بصورة أرضية للإقلاع عن الذنوب، ولربما وجدت عوامل قوية أدت الى إلغاء أثر هذه الأرضية، لكن كلما استطاع الانسان أن يذكر الله بهذا الشكل الضعيف وكما يصطلح عليه بالعلة الناقصة، استطاع أن يعزف عن الكثير من الذنوب.

الصلاة وسيلة لذكر الله:

أحد أهم أسرار الصلاة هو أنها تذكر الانسان بالله تعالى؛ فالقرآن الكريم ذكر أن فلسفة الصلاة هي ذكر الله إذ قال: «أقم الصلاة لذكري» [5]، ومن الجلي أن الصلاة - بما أنها عبادة ويجب أداؤها بقصد القربة-  توجب ذكر الله.

وبغض النظر عن هذا، فان المصلي في صلاته يتلفظ بأذكار وجمل تبعث جميعها على ذكر الله والتوجه إليه؛ فعلى سبيل المثال سورة الحمد التي نقرأها في الصلاة تتضمن الثناء على الله وبيان صفاته وأفعاله، ومن ثم طلبات العباد المختلفة منه تعالى وبقية الأذكار تصب جميعاً في هذا المضمار.

إن وقع الصلاة علينا يتمثل بتعزيز روح الايمان والتوجه نحوه جل وعلا، وهذا التوجه – كما قلنا آنفاً – له درجات ومراتب، والأفراد الذين لا يتورعون عن ارتكاب الآثام لا يكون ذكر الله بالنسبة لهم سوى أرضية للانطلاق وليس علة تامة.

وبعبارة أخرى: «إن الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي الى الله سبحانه، وهو بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلية التامة، فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع التي تضعف الذكر وتقربه من الغفلة والانصراف عن حاق الذكر» [6].

وبإيجاز، إن كانت الصلاة صلاة واقعية ستترك أثرها حيال الذنوب لدى كل شخص؛ فتارة يكون هذا التأثير قوياً وتارة يكون أضعف، فشدته وضعفه تختلف باختلاف الذنوب والصلاة نفسها ، فكلما كانت الصلاة أعمق وأكمل كان أثرها التربوي في تفادي الوقوع في الحرام أشد وأكبر.

وبالتغاضي عن كل ذلك، فان صلاة المصلين تحول دون ارتكابهم الكثير من الذنوب عملياً، وفي الوقت ذاته تمهد لترك بقية الذنوب؛ لأن المصلي مضطر لترك الكثير من الذنوب في سبيل قبول صلاته، فمثلاً أحد شروط قبول الصلاة مشروعية وإباحة جميع ما يستعمل في الصلاة ومقدماتها كماء الوضوء والغسل والمكان ولباس المصلي؛ وهذا الموضوع من شأنه أن يؤدي الى ترك أغلب الذنوب وتجنب التكسب بكل أنواع الحرام؛ لأن من العسير جداً أن يلتزم الشخص بحلية وإباحة ما يتعلق بالصلاة فحسب وعدم الورع إزاء بقية الموارد.

والشاهد على هذا الكلام هو: «اذا تأملت حال بعض من تسمى بالإسلام من الناس وهو تارك الصلاة، وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية، ولا يفرق بين طاهر ونجس وحلال وحرام، فيذهب لوجهه لا يلوي على شيء، ثم اذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف، وجدته مرتدعاً عن كثير مما يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به، ثم اذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعاً منه، وعلى هذا القياس» [7].

والخلاصة: تترك الصلاة نوعاً من الأثر التربوي على المصلين قاطبة –سواء كان هذا التأثير شديداً أو ضعيفاً – فشدته وضعفه يعتمد على كيفية إقامة الصلاة وآدابها وروحها.

*المقال رداً على سؤال: أحد آثار الصلاة – حسب وجهة نظر القرآن الكريم – هو حيلولتها دون ارتكاب الانسان للفحشاء والمنكر , حيث قال جل وعلا :" وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكرِ" [1] , ومع هذا يلاحظ أن الكثير من المصلين يرتكبون المعاصي والمنكرات , ولم تترك الصلاة أثرها في أقوالهم وأفعالهم , ففي هذه الحالة ما معنى الآية المذكورة آنفاً؟ الهوامش: [1]. سورة العنكبوت، الآية 45. [2]. سورة النور، الآية 37. [3]. نهج البلاغة (عبدة)، الخطبة 220. [4]. سفينة البحار، ج1، ص486. [5]. سورة طه، الآية 14. [6]. الميزان، ج16، ص141. [7]. نفس المصدر.
2023/09/05

في الجنة أم في النار: ما مصير النصارى واليهود يوم القيامة؟!
ينبغي علينا أولاً التطرّق الى النصوص القرآنية المشار اليها كاملةً قبل بسط الكلام في معناها وتفسيرها، وهي كما يلي:

1- «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» [1].

2- «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» [2].

3- «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» [3].

يمكن التصور أول وهلة أن هذه الآيات الشريفة بصدد إثبات أن أتباع تلك الأديان يفلحون برضا الله جلّ وعلا إن هم حافظوا على إيمانهم بالله واليوم الآخر وواظبوا على أداء الأعمال الصالحة، ما يعني أن أديانهم لم تنسخ بعد حتى مع مجيء الاسلام، بل كل واحد منها يمثل سبيلاً الى الله تعالى، وبوسع الإنسان سلوك أي واحدٍ من تلك السبل المتعددة ليصل اليه تعالى ولا يتعين عليه اتبّاع شريعة بعينها كالإسلام مثلاً.  هذا ما يكرره من لا يمتلك من القرآن إلا معلومات سطحية.

لكن ينبغي الالتفات الى أن أساس تفسير آيةٍ ما لا يبتني على النظر اليها بمفردها وبمعزلٍ عن باقي الآيات القرآنية، بل لا بدّ من الرجوع الى شأن نزول تلك الآية والأخذ بنظر الاعتبار الآيات السابقة والتالية لها، بل يجب أخذ كافة الآيات القرآنية بالحسبان.

واذا كان من الصحيح البقاء على الأديان السماوية السابقة للإسلام -ففضلاً عن لغوية تشريع دينٍ جديدٍ باسم الإسلام- تنتفي الغاية من إرسال النبي (ص) مكاتيب الى ملوك زمانه وأمراء عصره وبعث الرسل إليهم لدعوتهم الى الدين الاسلامي الحنيف، معتبراً دينه ديناً عالمياً وشريعته شريعةً خاتمةً للشرائع.

إن كتب النبي (ص) ودعواته المتواصلة وجهاد المسلمين المضني لأهل الكتاب في عصر النبي (ص) وبعده وما وصلنا من أحاديث مستفيضة عن أئمة أهل البيت (ع) في هذا المجال، تكشف جميعاً عن أن ظهور الاسلام ختم ما قبله من الأديان، ولم يعد هناك رسالة سوى الرسالة الاسلامية ونبوة غير نبوة النبي محمد (ص).

أما الآن فيجب استجلاء الهدف من نزول تلك الآيات القرآنية، وهي في الحقيقة تبيّن حقيقتين، الأولى إجمالية والأخرى تفصيلية:

1- إن كان اليهود والنصارى يؤمنون بالله والقيامة حقاً ولا يراؤون في تدينهم، يلزم عليهم الايمان بنبوة نبي الاسلام النبي محمد (ص) وفقاً لما جاء في كتبهم من توراة وإنجيل وغيرها؛ لأنها بشّرت بظهوره وذكرت علامات ذلك حتى أنهم صاروا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم [4].

والطريف أن القرآن الكريم أوضح هذه الحقيقة في سورة المائدة قبل الآية المذكورة آنفاً فقال تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكمْ مِنْ رَبِّكمْ» [5].

فالمقصود بإقامة هذه الكتب السماوية العمل بمحتوياتها، وأحد محتوياتها نبوة النبي محمد (ص) ورسالته العالمية التي طالما ذكرها القرآن الكريم.  ولو كان أولئك يؤمنون بالله واليوم الآخر بحقٍّ لكان عليهم الإيمان بالرسالة النبوية التي تعتبر جزءاً من التعاليم الالهية في كتب العهدين، وفي هذه الحالة يصبحون من المسلمين بلا شك ويؤجرون على اتّباعهم تعاليم النبي (ص).

وباختصار: لا ينفك الايمان بالله تعالى واليوم الآخر عن الايمان بالكتب السماوية المساوق للإيمان بنبوة خاتم الأنبياء الرسل؛ ومن يؤمن بذلك يغدو مسلماً ولا يمكنه البقاء على المسيحية.

2- مع الأخذ بنظر الاعتبار الآيات السابقة للآية المذكورة من سورة البقرة يتضح أن هذه الآية تتعلق بتلك الفئة من الناس الذين كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر في عصر الأنبياء السالفين ويسيرون في ضوء تعاليمهم، في مقابل من زاغ عن جادّة الصواب وأخذ بعبادة العجل حتى بلغت بهم الجرأة أن يقولوا للنبي موسى (ع) وبكل صراحة: «يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» [6].  ونتيجة لهذا السلوك الشائن شملهم الغضب الالهي فقال تعالى : «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِك بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِك بِمَا عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ» [7].

فلأجل أن يبين الله تعالى أن حساب من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من أهل الكتاب يختلف عن غيرهم وأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون أنزل تلك الآيات على نبيه الكريم (ص).

وفي هذه الحالة لا تشمل الآيات الآنفة من يعيش في عصر الرسالة النبوية، بل تقتصر على من تتوفر فيه الشروط المذكورة من أهل الكتاب ممن كان موجوداً قبل البعثة النبوية الشريفة.

ومن ناحية أخرى فان شأن نزول الآية يلعب دوراً أكبر في معرفة المراد منها؛ فبعد نزول القرآن وبعثة نبي الرحمة (ص) تساءل بعض المسلمين عن أجدادهم الذين كانوا يعتنقون ديناً آخر بعد أن علموا أن الاسلام هو الدين الحقّ وطريق النجاة الأوحد!

هنالك نزلت هذه الآية الشريفة لتعلن أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ونبي زمانه وعمل صالحاً هو من أهل النجاة والفلاح ولا بأس عليه.

لما أسلم سلمان على يدي النبي (ص) تحدث له عن رفاقه من الرهبان في دير الموصل فقال له: كان جميع الرهبان هناك ينتظرون بعثتك لكنهم توفوا قبل وقوعها، فقال له أحد الحاضرين في المجلس: أولئك من أهل النار.  فاغتمّ سلمان من ذلك، فنزلت تلك الآية الشريفة على النبي (ص) موضحةً أن من آمن بالأديان السابقة ايماناً حقيقياً لا خوف عليه من دخول النار، وان لم يدرك عصر الرسالة النبوية.

وباختصار: من عاش قبل الاسلام وآمن بالدين الموجود آنذاك ايماناً راسخاً سينجو من أهوال يوم القيامة، وعليه لا تمتّ الآية بصلةٍ الى القول بأن أتباع كافة الأديان الأخرى سينجون يوم القيامة، وهكذا تفسير يعكس مدى الجهل بمفاد هذه الآية والآيات الأخرى ذات الصلة.

وبقطع النظر عن كل ذلك، فان الآية الثالثة (الآية 17 من سورة الحج) لا ترتبط من قريب أو من بعيد بادعاءٍ كهذا؛ فلا تدلّ على أكثر من أن الله تعالى يفصل بين أتباع الديانات المختلفة يوم القيامة، ولا دلالة فيه على نجاة معتنقي جميع الأديان إذ ذاك [8].

الهوامش: [1] البقرة :62. [2] المائدة :69. [3] الحج :17. [4] انظر: البقرة /146 والأنعام/ 20. [5] المائدة :68. [6] البقرة: 55. [7] البقرة: 61. [8] لمزيد من الايضاح يرجى مراجعة "التفسير الأمثل في كتاب الله المنزّل" لسماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي.
2023/09/04

لماذا حرّم الله أكل لحم الخنزير؟!
هناك حقيقة أضحت اليوم ثابتة، وهي أن تناول لحم الخنزير أخطر مما نتصور بكثير؛ فثمة مخاطر جمة تحيط بمستخدميه من الناحية الاخلاقية (عن طريق الهرمونات) ومن الناحية الصحية أيضاً.

سنشير هنا الى أحد الأضرار المترتبة على تناول لحم الخنزير فقط، وهو أحد الأمراض الخاصة المسمى ﺒ «تريشينوزيس» أو «مرض دودة الخنزير» والطريف أن ما ستقرؤنه ذيلاً ترجمة لمقالة من أحد المصادر العلمية الأمريكية قام الدكتور محمد غفراني بإرسالها إلينا.

مرض خطير ناتج عن لحم الخنزير:

استلمت أغلب المنظمات الصحية تقارير من الأطباء تتحدث عن مرضى مصابين بما يسمى بمرض «تريشينوزيس» وتنقل هذه التقارير أن هذا المرض أخذ طابعاً وبائياً الى حد ما؛ أي أنه منتشر في المجتمع على مدى واسع يفوق الحد المتعارف.

«تريشينوزيس» أو مرض دودة الخنزير هو مرض طفيلي ناشيء عن دودة صغيرة ذات شكل شعري من صنف الديدان المستديرة؛ تقضي هذه الدودة فترة حياتها في بدن الخنزير وبعض الحيوانات الأخرى، وعلى الرغم من أن جميع الثدييات يمكن أن تبتلى بهذا المرض حينما تتناول لحم الخنزير الحاوي لتلك الديدان، لكن حساسية الانسان في هذا المجال أكثر من غيره بكثير، فعلى سبيل المثال عندما يتناول الدب أجزاء من بدن الخنزير نظير الأمعاء يصاب بالمرض بكل سهولة، ولو أكل الانسان لحم هذا الدب لابتلي بدوره بهذا المرض أيضاً.

يصاب الانسان بهذا المرض عادة من جراء تناول لحم الخنزير غير المطهو بشكل كامل، ولا يستطيع أحد أن يزعم أن لحم الخنزير الذي يتناوله مطهو بشكل كامل؛ لأننا نلاحظ موارد عديدة من الاصابة بهذا المرض ناشئة من تناول لحم الخنزير الذي سبق وأن طهي بأدوات حديثة بشكل يورث الاطمئنان ظاهراً، وقد أشار كاتب المقال في ختام مقاله الى هذا الموضوع. (تنويه للمترجم )

تشير الدراسات الى أن عدداً قليلاً من مجموع 25 مليون شخص نشأت هذه الديدان في بدنه تظهر عليه أعراض المرض بشكل بارز وسريري، وثمة آلاف الاصابات الأخرى ظلت خافية عن أعين الأطباء!

كما يتوقع أن 16000 شخص فقط من مجموع 25 مليون آخر ثبتت إصابته استناداً الى ظهور هذه الديدان في عضلات بدنه وخاصة في الحجاب الحاجز اكتشفت إصابته بشكل محدد في المستشفيات، وقد توفي 5 % من هؤلاء نتيجة شدة الاصابة.

2023/09/03

ما المقصود بـ «السماوات السبع»؟!
ذكر العلماء والمفسرون عدّة تفاسير للسماوات السبع التي ورد ذكرها في القرآن الكريم:

1- المراد من "السبع" هنا الكثرة لا غير أي السماوات المتعددة، فيكون الله تعالى خلق عدّة سماوات؛ وهذا غالباً ما يستعمل في اللغة العربية وغيرها، إذ يذكر عدد بعينه ولا يراد منه خصوص المقدار المذكور، بل يراد بيان كثرة الشيء.

فعلى سبيل المثال، كثيراً ما نقول: كلمتك بكذا سبعين مرة، أو طالتبته عشر مرات؛ في حين لا نقصد من ذلك خصوص السبعين والعشرة بعينها، بل المقصود كثيراً ما تحدثت في الموضوع الكذائي، وكثيراً ما طالبت الشخص المقابل.

وكشاهدٍ على ذلك قال تعالى بشأن كلمات أو معلومات الباري جلّ وعلا: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كلِمَاتُ اللَّهِ ([لقمان: 27]، فمن البديهي أن العدد "سبعة" جيء به لبيان الكثرة والتعدد؛ وإلا فنحن نعلم أنه لو أضيفت الى تلك الأبحر عشرة أو مائة أخرى لم تنفد كلمات الله أيضاً؛ لأنه تعالى غير متناهٍ في كلّ الأحوال.

وكذلك الأعداد الأخرى نحو "سبعين" وغيرها، حيث استعملت في القرآن واللغة العربية وغيرها من اللغات بهدف الكثرة، ولا خصوصية فيها لنفس العدد.

2- المقصود من السماوات السبع الكواكب المعروفة للناس أثناء نزول القرآن الكريم، أو الكواكب المرئية الآن من قبل الجميع بالعين المجردة .

3- المراد من السماوات السبع طبقات الهواء المختلفة المحيطة بالأرض .

4- يعتقد كبار العلماء أن جميع الكواكب والأجرام السماوية والمجرّات المرئية هي جزء من السماء الأولى، وثمة ستة عوالم أخرى وراء هذا العالم.

إن مراد القرآن من السماوات السبع هو مجموع العوالم السبع الموجودة في الكون، وإن لم يتمكن العلم الحديث إلا من الكشف عن واحدٍ منها فقط؛ فلا مانع من اكتشاف العوالم الستة الأخرى مستقبلاً نتيجة استكمال العلوم الانسانية. ويستشهد أصحاب هذه العقيدة بقوله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكوَاكبِ ([الصافات:6]، حيث يستفاد من هذه الآية أن جميع الكواكب واقعة في السماء الأولى (مع العلم أن الدنيا لغةً تعني: السفلى والقريبة).

وعلى أية حال، لا بدّ من التنويه الى نقطةٍ مهمةٍ هي أن الآيات والروايات الدالّة على وجود سبع سماوات لا تدلّ بوجهٍ من الوجوه على صحة نظرية هيئة بطليموس القائمة على أن السماوات تتكون من أفلاك كطبقات قشر البصل؛ إذ إن تلك النظرية تعتبر السماوات تسعة لا سبعة.

أما فيما يتعلق بالأرضين السبع التي تعرض لها القرآن الكريم من باب الاشارة وتطرقت لها بعض الأحاديث بصراحة، فهناك نظريات مشابهة للنظريات المذكورة في السماوات، منها أن الرقم "سبعة" إنما ذكر للكثرة فحسب، أو أنه يشير الى الطبقات المختلفة للأرض، أو أن المراد منها هي الكواكب السبعة: عطارد، الزهرة، زحل، الأرض، المريخ، المشتري والقمر؛ أي كواكب المنظومة الشمسية المرئية بالنسبة لنا (فثمة كواكب أخرى في المنظومة الشمسية بيد أنها لا ترى بالعين المجردة ).

وبناء على هذا التفسير، فالمراد من السماوات السبع هو الفضاء الموجود فوق كلّ واحدٍ من تلك الكواكب السبعة.

وبعبارةٍ أخرى: يعتبر كل واحد من تلك الكواكب أرضاً، والفضاء المحيط بها سماءً لها، مع العلم أن السماء تعني الشيء العالي والسامي .

هذا موجز لتفسير العلماء والمفسرين للسماوات السبع والأرضين السبع، وأما الأدلة والقرائن التي نصبها كل واحدٍ لدعم النظرية التي يتبناها، خاصة النظرية الأخيرة التي تبدو أقرب الى الواقع، فهي ما يحتاج الى بسط الكلام بما لا يتسع له المجال هنا، فيرجى مراجعة كتب التفسير لذلك الغرض.  

2023/09/03

تُهم وتشكيك: كيف يهاجم الأعداء المرجعية الدينية؟!
في الرواية عن عمر بن حنظله قال سألت الإمام الصادق (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ماذا يصنعان فقال ينظران الى من كان منكما قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكماَ فأني قد جعلته حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلم يقبلا منه فانما بحكم الله اُستخف وعلينا رُد والراد عليهم راد علينا والراد علينا رادِ على الله، صدق مولانا أبي عبد الله الصادق (ع) (1).

حديثنا في هذا المقال يتناول تشريحا لبعض كيفيات مهاجمة الاعداء للمرجعية الدينية الشيعية.

كيف يهاجمون المرجعية الدينية الشيعية؟

من المهم جداً أن نعرف كيفية هجومهم حتى نشخص هذا الموضوع، بعد أن نعرفهم ونعرف طرائقهم.

نحن الآن لسنا بصدد الحديث عن أهمية المرجعية الدينية للمجتمع الشيعي، بل للعالم الإسلامي فقد تحدثنا فيه مسبقا تحت عنوان (ماذا حققت المرجعية الدينية الشيعية للأمة؟)، وإنما حديثنا هنا يختص في هذا الجانب (كيف يهاجمون المرجعية الدينية؟).

هناك فئات متعددة تتولى مهاجمة المرجعية الدينية ومحاولة إسقاطها من أذهان الناس ومن أفكار المؤمنين.

هناك مجموعة من خارج الدائرة الإسلامية مثل الأقلام العلمانية التي لا يعجبها ارتباط الناس بمرجعيتهم الدينية، وهناك أقلام وفئات ترى أن ارتباط الناس بالمرجعية الدينية في أخذهم الحلال والحرام والأحكام والتوجيهات، ترى أنه يُفسد عليهم مخططاتهم، نظراً لأنهم عندما يقترحون امرا، ويقررون شيئاً سيطرحونه على الناس، والناس عادةً يسألون مراجعهم هل هذا جائز أم غير جائز، وأوضح مثال على ذلك بعض أحكام الأحوال الشخصية في قسم من بلاد المسلمين التي لا تتوافق مع الشريعة، المؤمنون والمسلمون يسألون من مرجعياتهم الدينية هل هذا جائز ام لا؟ يفتون بكلا، فهذا الأمر لا يعجب بعض الفئات، لذلك تتولى أمر مهاجمة المرجعية الدينية، بأن هذه مرجعية متخلفة وتعيش في القرون الوسطى وتعيق التقدم إلى غير ذلك.

حديثنا ايضاً ليس مع هذه الفئة، هناك فئة أخرى في الداخل الاسلامي ولكن خارج التشيع مثل قسم من الطائفيين الذين لا يعجبهم تعلق شيعة أهل البيت (ع) بمراجع الدين، لأن هذا التعلق سيجعل هؤلاء الناس عند كل نازلة أو شبهة عقائدية أو مسألة فقهية سيرجعون إلى هذا المنبع ومراجع الدين لديهم الإجابات الواضحة والمبرهنة على الشبهات والاشكالات. هؤلاء الطائفيون لا يعجبهم هذا، ويريدون إبقاء الباب مفتوحاً ليذكروا شبهاتهم وإشكالاتهم من غير وجود أحد يردهم، ومع وجود مرجعية دينية يلجأ اليها الناس في الأزمات والمشاكل هذا يفسد عليهم عملهم.

هذا قسم يمكن تسميتهم بالطائفيين المتعصبين من غير المذهب الشيعي، لأن قسماً من المسلمين يتفهمون أمر ارتباط الشيعة بمرجعيتهم الدينية ويجدون هذا أمراً عادياً وطبيعياً، وهو رجوع الإنسان إلى الأعلم العارف بتخصصات الفقه والعقائد حتى وإن اعتبره غير صحيح لكن يقبل به، لكن الفئة الطائفية لا تقبل هذا الأمر ولايرتضيه، وهؤلاء أيضا لسنا بصدد الحديث عنهم.

كلامنا هو في الداخل الشيعي عندما يكون هناك من أبناء الشيعة بحسب التصنيف المذهبي ممن يظهرون الولاية لأهل البيت (ع) ممن يقولون قال الإمام الصادق والباقر وأمير المؤمنين (عليهم السلام) ويحتفلون بالغدير وبالولادات ويحزنون في أيام محرم الحرام وما شابه ذلك، قسم من هؤلاء ممن يتهجّم على المرجعية الدينية الشيعية، بل يحاول أسقاطها.

الشيعة العاديون المؤمنون المخلصون لا يمكن أن يتصوروا أنهم يسعون في أسقاط المرجعية الدينية، أنهم يعرفون فائدتها ومعناها ويجدون أن الرجوع اليها وتقليدها رجوعا عقليا يلزمهم به العقل، وتؤكده الروايات والآيات مثل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(2) ومثل (فللعوام أن يقلدوه)(3) وأمثال ذلك ومنه ايضا الحديث الذي ذكرناه في بداية حديثنا هذا (ولكن ينظران الى من منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليهم حاكما، فاذا لم يقبلا بحكمه فإنما بحكم الله اُستخف وعلينا رُد والراد علينا رادِ على الله عزوجل).

المؤمن الشيعي الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) ضمن منهج طبيعي وصحيح واستقامة يجد أنه مالم يكن هو مجتهداً فيجب أن يكون راجعاً الى المجتهد والى الفقيه وإلا ضاع في الأحكام وضاعت منه الأحكام. لكن كما هو الحال في أي فئة من الناس الخط العام هو خط الاستقامة، خط الأصحاء، لكن قد تجد هناك مرضى البدن، الخط العام ممكن أن يكون خط التمسك بالأخلاق ولكن قد تجد فئة من الناس بخلاء وضعفاء وقساة وما شابه ذلك، وبالخط العام قد تجد مثلاً الإتيان للشهوة بالطريق الصحيح المستقيم ولكن قد تجد أناساً في هذا الانتماء ينحرفون بهذه الشهوة، كذلك الخط العام في هذه الفئة التابعة لأهل البيت (عليهم السلام) هو الارتباط بالمرجعية الدينية وهو قبول قولها واحترامها وتصديق كلامها لما رأوه من الاشتراطات الصعبة التي تشترط في المرجعية الدينية، الورع بدرجة تكاد في بعض الحالات تتعجب من حصولها في هذه الدنيا، كيف يستطيع إنسان في هذا الزمان أن يتورع خلال (50 او 60) سنة بهذه الدرجة.

كذلك على المستوى العلمي، لدرجة تجده يستخرج من حديث واحد مثلاً يستخرج عشرات الأحكام، ومن خلال قاعدة واحدة يستخرج مئات الفروع.

من أين يمتلك هذه الثروة العلمية والحجم العلمي وكيف نحن نمر على الآية والحديث والرواية بالكاد نفهم مظهرها وظاهرها، وهو يستخرج لك منها مئات الأحكام والمعاني. ولأن الخط العام في التشيّع يرى في المرجعية الدينية هذا الأمر يتمسك بها، لكن كما نجد هذه الفئة، نجد ايضا من يكون منحرفاً عن هذا الاتجاه.

ونحن نتكلم عن قسم من هؤلاء، لأن هؤلاء ايضاً أقسام، نحن نتحدث عن أصحاب المشاريع الشخصية التي تقصد الطعن في المرجعية طعناً بغض النظر عن الأسماء والعناوين، نجد أحدهم مثلاً قد يدعم مرجعيته الدينية بقول إن المرجعية رقم (1) أفضل من مرجعية رقم (2)، لأنها كذا وكذا، هذا ليس جيد ولاحسن ويجب أن يعرف هذا الإنسان الذي يطعن مرجعية غير مرجعيته أنه سيفسح المجال لذلك الطرف أن يطعن بمرجعيته الخاصة رقم (1)، هنا يقال له: (فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها ... فأوّل راض سنّة من يسيرها)(4).

فهو الذي أسس الطعن في المرجعية وأطراف المرجعية الثانية ردوا عليه وطعنوا مرجعيته، وهذا عمل غير صحيح ونفس المراجع لايرضون به، والكثير مثل هذه التصرفات هو عبارة عن تصرفات وحماس شخصي من قبل بعض الأفراد، وكذلك حديثنا ليس مع هذه الفئة لأنها في الواقع لا تنوي أسقاط المرجعية تماماً، وإنما يريد أن تكون مرجعيته هي العامة وغير مرجعية لا.

هناك فئة أخرى لا ترى أي قيمة للمرجعيات، وفي رأيها ينبغي أن تسقط هذه النماذج بأجمعها يبدأون بالطعن برقم (1) وبعده رقم (2) وبعده رقم (3) وهكذا، كلامنا في هذا الموضوع، فهذه في الغالب مشاريع شخصية قد يستفيد منها الأعداء.

ماذا يعني مشروع شخصي؟

مثلاً أنا أكون شخصاً مجهولاً لا أحد يعرفني وليس لديّ علم، ابتغي الرئاسة والقيادة، لكي يسير الناس خلفي، ولا أستطيع الحصول على ذلك لعدم معرفة الناس لاسمي ولا لعلمي، فماذا أصنع؟

أبدأ بالبحث عن أعلى قمة واسبها واشتمها والعنها والفق الافتراءات في حقها ما الذي سيحصل عندها؟

سيتأذى من هذا الفعل من يقلد هذه المرجعية العليا رقم (1) وسيقوم بإبلاغ المجاميع التي يشترك بها في مواقع التواصل الاجتماعي للرد والكلام والتفنيد لهذه الاتهامات، وسيقوم بهذا الفعل كل واحد من المشتركين في هذه المواقع، وهذا التصرف سيجعل اسم هذا الشخص المجهول وغير المعروف،  يُعرف ويتم تداول اسمه ومناقشة كلامه وهذا سيجعله يفرح، في حين لو اغفل وترك لقتل ومات في ساعته، هو كانت غايته معرفة اسمه ونشر كلامه ولو ان الناس تجاهلوه ولم ينقلوا كلامه لقتل كمدا في ساعته.

لكن لحماس هؤلاء الأشخاص على مرجعيتهم يطلبوا من العلماء والمشايخ بالرد عليه، وكلما اتسعت دائرة كلامه هو يفرح أكثر، لأن كثرة الردود ساهم في انتشار اسمه، وهذا القسم لا يكتفي بالنيل من مرجعية واحدة فقط بل سيشمل ذلك أغلب مراجع الدين، والناس سوف يتبعونه وينقلون كلماته.

هذا المشروع الشخصي الطالب للرئاسة والشهرة والمال، والذي يستقطب غالباً المنخنقة والموقوذة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع كما ذكر القران الكريم، أين ما يوجد أحد متمرد على الحكم الشرعي، ويبغض المرجعية الدينية يقول هذا ماكنا نبتغيه حتى يكسرهم الواحد تلو الآخر.

خدعة الشهادة الثالثة!

ومن الخدع التي يعتمدونها هو الحديث في أمور تداعب مشاعر الناس، منها مثلاً الشهادة الثالثة في الاذان (اشهد ان عليا ولي الله)، فيتهمون المرجعية بعدم الإيمان وأنهم ليسوا من الشيعة لأنهم لا يقولون بوجوب الشهادة الثالثة، أما أنا – والحديث للمنتقد- فأقول إنها واجبة.

وهذا النوع من الخطاب يخدع الناس للأسف الشديد على الرغم من خلوه من أي دليل يعتد به، فالمرجع ليس مقصراً في حق علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وإنما هو مقيّد بالأحكام الشرعية وبالروايات الشريفة تماما، والكلمة الواحدة يزنها بميزان من ذهب بالمليمتر والقياسات والاوزان الصغيرة، لا يمكنه أن يقول كلمة لأنها ستناقش من قبل آلاف فضلاء الحوزة العلمية وسيطلبون منه الدليل على رأيه وكلمته.

وعبر هذه الطرق تسعى هذه الفئة إلى إسقاط جميع المرجعيات الدينية، فهم لا يعنيهم فلان من المراجع، وإنما لديهم مشكلة مع أصل العنوان وهو المرجعية الدينية التي تقود الشيعة في العالم.

اقتطاع الفتاوى!

أيضاً من الطرق التي يستخدمها هؤلاء لاستهداف المرجعية الدينية هو اقتطاع بعض الفتاوى من سياقها العادي وتصديرها إلى عامة الناس من دون توضيح أو ربطها بسياقها السابق المبيّن لها، وكل ذلك بهدف إظهار الفقيه على أنه شخصية جامدة حبيسة أفكار العصور السابقة.

التهم الجاهزة!

أيضا طريقة أخرى يعتمدها هؤلاء، وهي عدم التورّع عن الكذب الواضح والاتهامات من خلال التشكيك في أمانة المراجع على الأموال والحقوق الشرعية، فيطرحون العديد من التساؤلات التي تثير شكوك الناس، كقولهم: "هل تعرف أموالك أين تذهب عند تسليمها إلى المراجع وإلى عوائلهم؟!".

نحن رأينا العلماء في الأزمنة القديمة وشكل حياتهم، فهم يعيشون في مستوى دون المتوسط، وهذا يظهر واضحاً من خلال منازلهم التي يعيشون فيها ومقتنياتهم البسيطة جداً، بل أن هناك الكثير من طلبة العلم العاديين يكون وضعهم المعاشي أفضل بكثير جداً من الوضع الذي يعيش فيه مراجع التقليد الكبار، وتجد التهم الجاهزة لهم بأنهم يكدسون الأموال في الخارج، فهم يطلقون مثل هذه الادعاءات دون أن يسألون عن أدلتهم وبراهينهم!

هذه الاتهامات وغيرها تستلزم العقوبة، فكيف بمن يقذف علماء ورعين مشغولين بأمر الدين في حياتهم، وليس اتهاما عاديا انما يكون عن طريق الفضائيات، مواقع التواصل، المواقع الالكترونية، والالاف يسمعون في حين اذا سمعها شخص او اثنين يقيم عليك حد القذف فكيف إذا كانت بهذه الصورة.

وهؤلاء لانهم لا يملكون أدلة، يقولون ان لديهم هذه الادلة لكن لا يريد اخراجها الآن، وهو كاذب لأنه لا يملك أي دليل، والغرض منه اذا لم يصدقه كل الناس صدقه البعض منهم!

المرجع الحكيم (قدس)

المرجع السيد محمد سعيد الطبطبائي الحكيم (قدس)، هذا الرجل عمره (85) عاماً على الأقل، قضى منها (45) أو (55) عاماً وهو يباحث الفقه العالي (البحث الخارج) وقد اضطهد واعتقل في ايام صدام لعنة الله عليه مدة (8) سنوات مع أولاده واقاربه، وكاد يصل الامر إلى قتلهم كما قتل اقاربهم، واذيق من صنوف التعذيب، كما نقلوا لنا بعض من كان معه في ذلك السجن، وقالوا اننا عندما شاهدنا التعذيب الذي يلقاه المرجع الديني بشيبته وشيخوخته، وهو الذي كان يتوقع له المرجعية العليا بعد بضع سنين، وهو من أعاظم المجتهدين ولم يكن يتكلم او يتألم ابدا إنما يقول (لاحول ولا قوة إلا بالله)، مع أن التعذيب الذي يلقاه شديد وكنا نخجل من أنفسنا أن نتألم إذا عُذبنا عندما نراه وهو لا يتكلم، مع أنه كان يشكو من إحدى قدميه بسبب بعض الامراض ولا يستطيع الوقوف عليها مستقيما، وبالمناسبة دّرس هذا المرجع بعض الفقه والأصول وهو في السجن، وكان يكتب على أوراق السجائر والكارتون، وقد توفي في محرم الحرام قبل سنتين، ولديه كتاب اسمه المرجعية الدينية حوارات مع قضايا اخرى.

ورداً منه لبعض من تكلم عن المرجعية الدينية:

يقول ما مضمونه: "فقد اطلعنا على بعض الافتراءات على أعاظم مراجعنا الذين تجلهم الحوزة العلمية، لا يقوم بها من له أدنى مسلك من الكرامة فضلا عن الدين".

إن علمائنا الأبرار ومراجعنا العظام حافظوا على استقلال هذه الطائفة حموها من الانحراف، وهذا لا يعجب قسم من الناس نعود ونكرر: (وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(5) هذا باطل، هذا كذب، هذا افتراء، هذا بهتان، هذا على خلاف خط أهل البيت (عليهم السلام)، على خلاف الخط العام للتشيّع، وإن كان لهذا الشخص أو الجماعة مئة موقع إلكتروني أو مئة قناة فضائية لن ينفعهم.

وإن واجبنا الشرعي نحن الذين نؤمن بهذا الخط هو أن لا نكون انصارا لهم بمتابعتهم، نحن نلاحظ أن بعض هذه القنوات، والمواقع، كيف يصفق لهم الطائفيون بقولهم نحن أخبرناكم مسبقاً بأن هذه المؤسسة فاسدة والأمر لا يتعلق بالمراجع فقط، وهم يزعمون وجود فساد وانحراف وسرقة للحقوق الشرعية، فبحسب ما يشيع هؤلاء أن المذهب باطل والتشيع باطل فاتركوه افضل لكم!

ونحن نقول أيضاً إنه لا يصح الا الصحيح (وإن الباطل كان زهوقا) ( فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (6)، ولو اجتمعت عليه كل قوى العالم سيظل هذا المذهب منتصرا، باقيا، مستمرا ان شاء الله، ولنا في نهضة الامام الحسين (عليه السلام) خير مثال وخير نموذج حيث اجتمعت على كتم هذه الثورة كل القوى من زمان مقتله إلى عصورنا الحاضرة، ولكن أبى الله سبحانه وتعالى. قال الشاعر: "ظنوا بأن قتل الحسينَ يزيدهمُ لكنما قتل الحسينُ يزيدا"(7)

الهوامش: 1- الكافي - الشيخ الكليني - ج ٧ - الصفحة ٤١٢. 2- سورة النحل الآية (43). 3- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٢٧ - الصفحة ١٣١. 4- البيت من قصيدة لخالد بن زهير الهذلي. 5- سورة الأسراء - الآية (81). 6- سورة الرعد - الآية (17). 7- للعلامه المرحوم عميد المنبر الحسيني الدكتور الشيخ احمد الوائلي. *دوّنها: ميرفت أمين عبد الحسين
2023/08/28