جاء في سنن الترمذي والمستدرك على الصحيحين ومسند أحمد بن حنبل عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، يَقُولُ: «الصَّلَاةُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. [الأحزاب: 33]» [1].
إنّ غرض هذا الحديث وأمثاله إبراز مكانة أهل البيت، وتقديمهم كأسرة نموذجية تقتدي بها أجيال الأمة، كونها أسرة تعيش الاستقرار والانسجام في أعلى درجاته، وتجسّد التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية.
وما أحوج مجتمعاتنا إلى نموذج الأسرة الصالحة الناجحة، خاصة ونحن نعيش في عصر تواجه فيه الأسرة تحدّيات خطيرة، تهدّد وجودها وتماسكها.
ففي معظم المجتمعات المعاصرة هناك ظاهرة التفكك الأسري، وتزايد حالات الطلاق، وكثرة المشاكل والنزاعات الأسرية.
وللتفكك الأسري تداعيات وآثار على الصحة النفسية لأبناء المجتمع، وعلى الأمن الاجتماعي العام، حيث ينتج حالات من القلق والاكتئاب والعقد النفسية المختلفة، ويوقد نيران العداوة والبغضاء، ويدفع نحو الانحرافات السلوكية والأخلاقية.
خطر الاختراقات العاطفية
ونركز في حديثنا حول أحد العوامل والأسباب المهمة في حصول التفكك الأسري، وهو الاختراقات العاطفية.
إنّ الانجذاب الغريزي العاطفي بين الزوجين محور أساس في العلاقة الزوجية، ذلك أنّ الإطار الزوجي يمثل الاستجابة المشروعة لحاجة غريزية عند الرجل والمرأة. وضمن هذا الإطار يجب أن تتركز حالة الانجذاب والانشداد العاطفي.
فإذا ما حصل اختراق خارجي لاستقطاب عواطف الرجل أو المرأة الغريزية، لجهة أخرى خارج الإطار الزوجي، فإنّ ذلك يشكل خطرًا على كيان الأسرة، حيث يضعف الانجذاب القائم بين الزوجين، وعند انكشافه للطرف الآخر، يعتبرها خيانة، وتنهار ثقته، ويفقد اطمئنانه بشريك حياته، مما يوجه ضربة قاصمة لكيان الأسرة.
من هنا تحرص التعاليم الدينية على حماية الأسرة من حدوث الاختراقات العاطفية، ليبقى الانجذاب قويًّا بين الزوجين، دون السماح لأيّ استقطاب غريزي عاطفي آخر يدخل على الخط.
التزام الحشمة والعفاف
ومن أجل ذلك جاء التأكيد الديني على التزام الحشمة والعفاف في العلاقة بين الجنسين في المجتمع.
إنّ التلاقي والتعامل بين الجنسين أمر تفرضه طبيعة الحياة المشتركة، وليس صحيحًا ولا ممكنًا الفصل بينهما، خاصة مع تطور الحياة الاجتماعية، لكنّ رعاية الحشمة والعفاف أمر ممكن ومطلوب، وهو لا يعوق الرجل ولا المرأة عن ممارسة وظائف الحياة، والمشاركة في أدائها.
وعند تجاوز الاحتشام والعفاف في المحيط الاجتماعي العام، تكون الفرصة متاحة لحصول الاختراقات الغريزية العاطفية، وما يترتب عليها من آثار تهدّد كيان الأسرة بالتفكك والانهيار.
لذلك تؤكد التعاليم الدينية على طرفي المجتمع الرجال والنساء، الالتزام بأخلاق العفة والاحتشام، يقول تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾. [النور: 30-31]
وحين تبدي المرأة تساهلًا في الالتزام بعفّتها واحتشامها، فإنّ ذلك يغري ضعاف النفوس من الرجال بالتعرض لها، يقول تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾. [الأحزاب: 32]
كيف تحصل عمليات الاختراق؟
ومما يسهّل عمليات الاختراق العاطفي، برود العلاقات العاطفية بين الزوجين، فيبحث الزوج أو الزوجة عن إشباع العاطفة خارج الإطار الزوجي، ويحصل التجاوب مع أيّ إشارة تنبعث من هنا أو هناك.
ولمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في تشجيع وتسهيل الاختراق العاطفي، الذي يبدأ غالبًا بتبادل المراسلات والصور، وقد يتم التعارف والتلاقي من خلال برامجه.
وقد يكون الاختراق استدراجًا عفويًا، وذلك يوجب الحذر من الخطوات الأولى، التي قد تبدأ بكلام عاطفي عابر، أو نظرة مريبة.
وقد يكون اختراقًا مقصودًا، وهناك ذئاب بشرية، من بعض الرجال الذين يتجرؤون على انتهاك أعراض الآخرين، ويستخدمون مختلف سبل الخديعة والمكر للإيقاع ببنات الناس في شباك ابتزازهم.
انتهاك حرمة الكيان الزوجي
وإذا كان الدين يحرم أيّ علاقة غريزية عاطفية بين رجل وامرأة أجنبية، فإنّ الحرمة تكون أشدّ على من له ارتباط زوجي، وحسب التعبير الشرعي يكون محصنًا أو محصنة.
فحرام جدًّا أن يقيم الرجل علاقة عاطفية مع امرأة متزوجة، إنه بذلك ينتهك حرمة كيان له حصانته وقداسته، ويعمل على هدمه وتخريبه. كما يسهم في إضعاف حرمة الأعراض، فيكون عرضه أيضًا مهدّدًا بالانتهاك.
ورد عن الإمام جعفر الصادق: «عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ اَلنَّاسِ تُعَفَّ نِسَاؤُكُمْ» [2].
إنّ من يغار على عرضه ويريد صيانته، لا يعتدي على أعراض الآخرين، لذلك ورد عن الإمام علي: «مَا زَنَا غَيُورٌ قَطُّ» [3].
وعنه: «دَلِيلُ غَيْرَةِ اَلرَّجُلِ عِفَّتُهُ» [4].
وعَنْه قَالَ: «إِنَّ أَشَدَّ اَلنَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَقَرَّ نُطْفَتَهُ فِي رَحِمٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ» [5].
وحرام جدًّا أن تقيم المرأة المتزوجة علاقة عاطفية مع رجل أجنبي، فيكون ذلك سببًا لتدمير بيتها العائلي، وإفساد حياتها، دنيًا وآخرة.
ورد عن رسول الله: «اِشْتَدَّ غَضَبُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اِمْرَأَةٍ ذَاتِ بَعْلٍ مَلَأَتْ عَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا، فَإِنَّهَا إِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ أَحْبَطَ اَللَّهُ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَتْهُ - فَإِنْ أَوْطَأَتْ فِرَاشَهُ غَيْرَهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُحْرِقَهَا بِالنَّارِ بَعْدَ أَنْ يُعَذِّبَهَا فِي قَبْرِهَا» [6].
وورد عن الإمام جعفر الصادق قَالَ: «ثَلاَثَةٌ ﴿لاَ يُكَلِّمُهُمُ اَللَّهُ﴾، ﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مِنْهُمُ اَلْمَرْأَةُ تُوطِئُ فِرَاشَ زَوْجِهَا» [7].
وعلى الرجل أن يتقيَ الله في أعراض الناس، ولا يستجيب لرغبته وشهوته على حساب دينه وآخرته، وعلى حساب حياة الآخرين.
وعلى المرأة أن تكون حذرة يقظة، فإنّها الخاسر الأكبر، فهي قد تصبح ضحية ابتزاز يدمر حياتها ومستقبلها إن استجابت لأيّ إغراء، خاصة إذا كانت متزوجة
الهوامش:
[1] الحاكم: المستدرك على الصحيحين، ج3، ص187، حديث: 4812. مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 285، سنن الترمذي ج5 ص352.
[2] الكافي (الإسلامية)، ج5، ص554، ح5.
[3] نهج البلاغة، حكمة: 305.
[4] عيون الحكم والمواعظ، ص249.
[5] الكافي (الإسلامية)، ج5، ص541، ح1.
[6] وسائل الشيعة، ج20، ص232، ح2.
[7] الكافي (الإسلامية)، ج5، ص543، ح1.