يوتيوب ليس للأطفال، فاحذروه!
الأستاذ سامر جابر يكتب:
أصبحت التكنولوجيا عُنصراً مهمّاً في حياة الإنسان لا يُمكن أن يستغني عنه، ومع تطورها السريع الذي أدى إلى تأثيرات كبيرة على المجتمعات، وخاصةً مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي والتي تسمح بإنشاء وتبادل المحتوى بين جميع الناس، إذ تلعب هذه الشبكات دوراً كبيراً في تغيير ثقافة المجتمعات وخاصةً الناشئة منها.
[اشترك]
فالكثير من الآباء والأمهات يتركون الأجهزة اللوحية والهواتف في أيدي أطفالهم لمشاهدة مقاطع فيديو على اليوتيوب لمجرد تسليتهم، أو لإلهائهم ومتابعة الأهل لأعمالهم من دون مراقبة، مع عدم إدراكهم لخطورة هذه التكنولوجيا وما تجمعه عنا وعن أولادنا من معلومات تستغلهم في الإعلانات. ومع هذا الكم الهائل من الفيديوهات التي تحتوي على ما يبحث عنه المشاهد بسهولة، يقابله قلق كبير من قبل الأهالي بسبب سهولة وصول أطفالهم إلى أي فيديو وعدم القدرة على مراقبتهم خصوصاً مع تنوع الأجهزة مثل المحمولة والحاسب وغيره. (أيوب، 2017)
منذ تأسيس YouTube في عام 2005 من قبل الزملاء السابقين في شركة باي بال PayPal وهم Chad Hurley, Steve Chen and Jawed Karim حيث تم شراء يوتيوب من قِبل Google مقابل 1.65 مليار دولار بعد عام ونصف فقط، وارتفعت شعبيته، إذ بلغ عدد زواره عام 2018 حوالي 30 مليون زائراً و50 بليون مقطع فيديو مشاهدة يومياً، ويتم تحميل 400 ساعة من مقاطع الفيديو كل دقيقة واحدة ، حيث أصبح فحص المحتوى الضار أمراً صعبًا لدى شركة يوتيوب.
إن أكثر المقاطع المرفوعة على اليوتيوب الخاصة بالأطفال، يحتوي على ثقافة الغرب وعاداتهم وتقاليدهم، فبعض الدول كروسيا والصين قامتا بحظر اليوتيوب لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية للحفاظ على ثقافتهم الخاصة وتحذر من الغزو الثقافي الأمريكي، وتنبه من المخاطر الشديدة المترتبة على الانفتاح، وتدعو في المقابل إلى إحياء الهوية الثقافية الخاصة ببلدانهم.
إنّ الفيديوهات الموجودة على اليوتيوب لها تأثير على سلوك الأطفال وتكوين عاداتهم وقيمهم وتدخلهم في عزلة عن عائلاتهم ورفاقهم، وتجعلهم عرضةً للابتزاز والاحتيال من قبل بعض القراصنة. وقد يصل بهم لمرحلة الإدمان الفعلي، وتُقلّص من قدراتهم الإنتاجيّة أيضاً، بالإضافة إلى المشاكل الصحية؛ فقد تُسبّب الإنترنت تعبًا للعينين، أو قد يُسبّب الاستماع المُستمر عبر سمّاعتي الأذن مشاكل لهما، كما تُسبب إطالة الوقت أمام التلفاز أو الإنترنت السُمنة بسبب قلّة الحركة أو ممارسة الرياضة. (الدويكات، 2018).
في الأشهر الأخيرة أصيب بعض الآباء في أيرلندا بالصدمة بعد اكتشافهم الكثير من مشاهد العنف والدموية، غير المناسبة للأطفال في مقاطع فيديو على موقع يوتيوب تحت اسم كارتون أطفال أو أغاني للأبجدية أو أغاني خاصة بالحضانة والأطفال، وهناك الكثير من الخطورة على الاطفال بسبب تسرب مقاطع الفيديو المخيفة والمزعجة، والتي يقوم الأطفال بتشغيلها بعد البحث عن عبارات الأطفال القياسية كالبحث عن “Elsa” أو عن “Mickey and Friends”، وبنقرة واحدة يمكن أن يتعرض الطفل لحوالي نصف ساعة من العنف الشديد الذي تم دمجه مع موسيقى خاصة بالأطفال في الخلفية. (محمود، 2018)
يحتوي يوتيوب على مجموعة كبيرة من مقاطع الفيديو المبتذلة وغير المفيدة للأطفال، إذ أن أكثر المقاطع التي يشاهدها الأطفال لا معنى لها تماماً أو سخيفة، فهناك فيديو يقوم فيه رجلاً بفتح "مفاجآت البيض" ولمدة 7 دقائق وكل بيضة تحتوي على سيارة من سيارات ديزني Disney Cars، وتم مشاهدة هذا الفيديو أكثر من 33 مليون مشاهدة، والقناة لديها أكثر من 7 مليون مشترك، وهناك الكثير من الفيديوهات مثلها في القناة نفسها، ولكن إذا بحثنا داخل اليوتيوب سنجد أن أكثر من 10 مليون فيديو يحمل نفس الفكرة ألا وهي "بيض المفاجآت"، وهذه الفيديوهات يدمن عليها الأطفال، ويقومون بمشاهدتها مراراً وتكراراً، ويستغرقون عدة ساعات في مشاهدتها، وفي حال أبعدت الشاشة عنهم، سيبدؤون بالصراخ ويستمرون به لوقتٍ طويل.
وهناك خاصية في اليوتيوب "التشغيل التلقائي" Auto play، فعند تفعيلها يقوم يوتيوب بعرض فيديوهات مشابهة للتي يشاهدها الطفل، والتي من الممكن أن تأخذه إلى فيديوهات ذات محتوى عنفي أو جنسي أو مشاهد رعب، ومثال على ذلك، إذا تم عرض فيديو عن قطار الأرقام، فإن بعد عشر فيديوهات يقوم اليوتيوب تلقائياً بعرض فيديو عن "مشهد جنسي ل ميكي"، وبعضها يعرض عليهم بعض أبطال الكرتون وهم يتعرضون للضرب أو القتل، أو مقالب غريبة ترعب الأطفال، والتي لاحقاً تؤدي إلى مشاكل أو صدمات نفسية. (Bridle, 2018)
وفقا للأطباء النفسيين، يعتبر محتوى يوتيوب ذا تأثير سلبي على دماغ الأطفال، يتعرضون مرارًا وتكرارًا لمشاعر مرهقة أو مخيفة، والأسوأ من ذلك، أن بعض هذا المحتوى الموجود على YouTube Kids - وهو تطبيق أطلقته Google في عام 2015 - ويفترض أنه يحتوي على محتوى مناسب للأطفال فقط، ولكن للأسف فإن مقاطع الفيديو المسيئة ليست سوى جزء بسيط من عالم YouTube الملائم للأطفال (Bila, 2018). وهناك تقارير تفيد بأن مقاطع الفيديو المخفية توجه الأطفال لقتل أنفسهم، بالإضافة إلى محتوى جنسي وعنيف، مخفي في مقاطع فيديو YouTube kids. (Daniels, 2018)
وتقول دانيال (Daniels, 2018) المختصة بالعلاج النفسي للأطفال، إنّ الكثير من الحالات التي تأتيها إلى العيادة هي لأطفال شاهدوا سلوكيات جنسية على اليوتيوب، ومعظمهم قد اقترحها عليهم اليوتيوب، وعندما يشاهد الفيديو، فإن يوتيوب يعرض المزيد من تلك المقاطع، ويكتب الأطفال الأسئلة المحرمة عليهم سؤالها لوالديهم والتي هي من واجب الأهل الإجابة عليها حتى لا يجيبهم عليها اليوتيوب.
حسب الدكتورة ريماز حرز المتخصصة في علاج الحالات الخاصة فإن لليوتيوب عدّة فوائد، إلا إنه له أضراراً كبيرة على الطفل، حيث يتعرض لمشاهد عنف أو مشاهد تخدش الحياء، ما يؤثر على منظومة القيم والمعتقدات والسلوك، الأمر الذي يجعله أكثر مزاجيةً وانفعاليةً لأن المعلومة التي يحصل عليها بشكل سريع من اليوتيوب قد لا يجدها في عالمه الواقعي، بالإضافة الى أن كثرة مشاهدة الفيديوهات تؤدي إلى تلف الدماغ وضرر في العينين والأذنين. وتقترح الدكتورة أن يجلس الأهل قرب أطفالهم واختيار ما يناسبهم، وعدم تركهم يشاهدون مقاطع الفيديو وحدهم.
إن بعض الأطفال يقومون بمشاهدة مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد رعب مثل "Bloody Mary"، "Five Nights" وغيرها من الفيديوهات المرعبة والتي تؤرقهم وتجعلهم يخافون من الدخول إلى الغرفة وحدهم أو التحرك ليلاً لوحدهم.
هناك الكثير من التقنيات والأدوات التي تُخفف من ظهور مقاطع الفيديو غير المناسبة للأطفال، ولكن مع وجود مقاطع فيديو بعناوين تختلف عن المحتوى فإن الخوارزمية الخاصة بشركة يوتيوب تبحث في العناوين ولكن لا تستطيع تمييز المحتوى إذا كان مناسباً للأطفال أم لا، مما يؤدي بالبعض إلى رفع مقاطع مضرّة بعناوين بريئة.
ختاماً:
هل نسمح لأطفالنا الصغار بالسير في شارع مظلم ليلاً بالمدينة وبمفردهم؟ ولسوء الحظ، يوتيوب هو شارع مظلم، مع وجود قنوات رائعة ومقاطع فيديو مفيدة، ولكن إلى جانب ذلك، هناك بعض مقاطع الفيديو المخيفة والمضرّة بالأطفال، فإن لم تقدر على السير معه ليلاً، فلا تتركه يشاهد مقاطع الفيديو بدون الجلوس قربه.
إن ملء فراغ الطفل بالفيديوهات غير الموجّهة والاستعاضة عنها باللعب في الهواء الطلق، تزيد من ثقته في نفسه، وتتحسّن صحته الجسدية والعقلية، ويختلط مع الأطفال الآخرين، وتتطوّر مهاراته الاجتماعية، ويتعلم كيف يفشل، ويستمر ويتعاون ويخطط ويحل المشكلة، بعكس الطفل الذي يجلس أمام الشاشة الإلكترونية، حيث يكون متعرّضاً لمشاهد تؤثر على ثقافته وسلوكه سلباً، وتدخله في عزلة، وقد يصل إلى مرحلة الإدمان، باختصار شديد يوتيوب ليس للأطفال، فاحذروه.
المراجع:
• Bila, J. (2018). YouTube’s dark side could be affecting your child’s mental health. Retrieved from https://www.cnbc.com/2018/02/13/youtube-is-causing-stress-and-sexualization-in-young-children.html
• Bridle, J. (2018). The nightmare videos of childrens' YouTube — and what's wrong with the internet today. Retrieved from https://www.youtube.com/watch?v=v9EKV2nSU8w&t=859s
• Daniels, N. (2018). Why YouTube is Causing Young Kids to Go into Therapy: And Why Parents Need to Discover Alternatives to Even Youtube Kids. Retrieved from https://www.anxioustoddlers.com/kids-youtube/
• YouTube SEO – How to Rank Your Videos Higher on YouTube. (2018). Retrieved from https://dewpointmedia.net/youtube-seo-how-to-rank-your-videos-higher-on-youtube/
• إيمان محمود. (2018). اضرار مشاهدة الاطفال لليوتيوب. تم الاسترداد من https://www.almrsal.com/post/698147
• تالا أيوب. (2017). كيف نحمي أطفالنا من مضار اليوتيوب؟ تم الاسترداد من صحيفة الرأي: http://alrai.com/article/1037232
• سناء الدويكات. (2018). إيجابيات وسلبيات وسائل الإعلام. تم الاسترداد من https://bit.ly/2VyYFSB
• نورا شيشاني. (2016). موضوع. تم الاسترداد من تعريف الإدمان على الإنترنت: https://bit.ly/2Qh0gsO
• مقابلة خاصة مع الدكتورة ريماز حرز، المتخصصة في الحالات الخاصة، بيروت 13-04-2019 (المؤلف).
المصدر: مركز الأبحاث والدراسات التربوية